الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل فِي اللّقطَة
وَهِي بِضَم اللَّام وَفتح الْقَاف وإسكانها لُغَة الشَّيْء الْمُلْتَقط وَشرعا مَا وجد من حق مُحْتَرم غير مُحْتَرز لَا يعرف الْوَاجِد

(2/369)


مُسْتَحقّه
وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع الْآيَات الآمرة بِالْبرِّ وَالْإِحْسَان إِذْ فِي أَخذهَا للْحِفْظ وَالرَّدّ بر وإحسان وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي ذَلِك كَخَبَر مُسلم وَالله فِي عون العَبْد مَا دَامَ العَبْد فِي عون أَخِيه (وَإِذا وجد) أَي الْحر (لقطَة فِي موَات أَو طَرِيق) وَلم يَثِق بأمانة نَفسه فِي الْمُسْتَقْبل وَهُوَ آمن فِي الْحَال خشيَة الضّيَاع أَو طرُو الْخِيَانَة (فَلهُ أَخذهَا) جَوَازًا لِأَن خيانته لم تتَحَقَّق وَالْأَصْل عدمهَا وَعَلِيهِ الِاحْتِرَاز (و) لَهُ (تَركهَا) خشيَة استهلاكها فِي الْمُسْتَقْبل وَلَا يضمن بِالتّرْكِ فَلَا ينْدب لَهُ أَخذهَا وَلَا يكره لَهُ التّرْك
وَخرج بِالْحرِّ الرَّقِيق فَلَا يَصح الْتِقَاطه بِغَيْر إِذن سَيّده وَإِن لم يَنْهَهُ لِأَن اللّقطَة أَمَانَة وَولَايَة ابْتِدَاء وتمليك انْتِهَاء وَلَيْسَ هُوَ من أَهلهَا فَإِن الْتقط بِإِذْنِهِ صَحَّ وَكَأن سَيّده هُوَ الْمُلْتَقط وَأما بِغَيْر إِذن سَيّده فَمن أَخذهَا مِنْهُ كَانَ هُوَ الْمُلْتَقط سيدا كَانَ أَو أَجْنَبِيّا وَلَو أقرها فِي يَده سَيّده واستحفظه عَلَيْهَا ليعرفها وَهُوَ أَمِين جَاءَ وَإِلَّا فَلَا وَيصِح اللقط من مكَاتب كِتَابَة صَحِيحَة لِأَنَّهُ مُسْتَقل بِالْملكِ وَالتَّصَرُّف وَخرج بالموات الْمَمْلُوك فَلَا تُؤْخَذ مِنْهُ للتَّمَلُّك بعد التَّعْرِيف بل هِيَ لصَاحب الْيَد فِيهِ إِذا ادَّعَاهَا وَإِلَّا فَلِمَنْ كَانَ مَالِكًا قبله وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى المحيي فَإِن لم يَدعهَا كَانَت لقطَة كَمَا قَالَه الْمُتَوَلِي وَأقرهُ فِي الرَّوْضَة
وَبِغير الواثق بِنَفسِهِ الواثق بهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَأَخذهَا أولى من تَركهَا) فَهُوَ مُسْتَحبّ (إِن كَانَ على ثِقَة) من نَفسه (من الْقيام بهَا) لما فِيهِ من الْبر بل يكره تَركهَا وَسن إِشْهَاد بهَا مَعَ تَعْرِيف شَيْء من اللّقطَة زَائِدَة كَمَا فِي الْوَدِيعَة وحملوا الْأَمر بِالْإِشْهَادِ فِي خبر أبي دَاوُد من الْتقط لقطَة فليشهد ذَا عدل أَو ذَوي عدل وَلَا يكتم وَلَا يعيب على النّدب جمعا بَين الْأَخْبَار
وَتَصِح لقطَة الْمبعض لِأَنَّهُ كَالْحرِّ فِي الْملك وَالتَّصَرُّف والذمة ولقطته لَهُ ولسيده فِي غير مُهَايَأَة فيعرفانها ويتملكانها بِحَسب الرّقّ وَالْحريَّة كشخصين التقطا
وَفِي مناوبة لذِي نوبَة كباقي الأكساب كوصية وَهبة وركاز والمؤن كَأُجْرَة طَبِيب وحجام وَثمن دَوَاء فالأكساب لمن حصلت فِي نوبَته والمؤن على من وَجب سَببهَا فِي نوبَته وَأما أرش الْجِنَايَة فيشتركان فِيهِ لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِالرَّقَبَةِ وَهِي مُشْتَركَة وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ كالجناية مِنْهُ كَمَا بَحثه الزَّرْكَشِيّ وَكَلَام الْمِنْهَاج يشملهما
وَكره اللقط لفَاسِق لِئَلَّا تَدعُوهُ نَفسه إِلَى الْخِيَانَة فَيصح اللقط مِنْهُ كَمَا يَصح من مُرْتَد وَكَافِر مَعْصُوم فِي دَار الْإِسْلَام كاصطيادهم واحتطابهم وتنزع اللّقطَة مِنْهُم وتسلم لعدل لأَنهم لَيْسُوا من أهل الْحِفْظ لعدم أمانتهم
وَيضم لَهُم مشرف فِي التَّعْرِيف فَإِن تمّ التَّعْرِيف تملكوا
وَتَصِح من

(2/370)


صبي وَمَجْنُون وَينْزع اللّقطَة مِنْهُمَا وليهما ويعرفها ويتملكها لَهما إِن رَآهُ حَيْثُ يجوز الِاقْتِرَاض لَهما لِأَن التَّمْلِيك فِي معنى الِاقْتِرَاض فَإِن لم يره حفظهَا وَسلمهَا للْقَاضِي وكالصبي وَالْمَجْنُون السَّفِيه إِلَّا أَنه يَصح تَعْرِيفه دونهمَا وَمن أَخذ لقطَة لَا لخيانة بِأَن لقطها لحفظ أَو تملك أَو اخْتِصَاص أَو لم يقْصد خِيَانَة وَلَا غَيرهَا أَو قصد أَحدهمَا ونسيه فأمين وَإِن قصد الْخِيَانَة بعد أَخذهَا مَا لم يتَمَلَّك أَو يخْتَص بعد التَّعْرِيف وَيجب تَعْرِيفهَا وَإِن لقطها لحفظ وَإِن أَخذهَا للخيانة فضامن وَلَيْسَ لَهُ تَعْرِيفهَا وَلَو دفع لقطَة لقاض لزمَه قبُولهَا
القَوْل فِيمَا يجب على الْمُلْتَقط (وَإِذا أَخذهَا) أَي اللّقطَة الْمُلْتَقط الواثق بِنَفسِهِ أَو غَيره (فَعَلَيهِ) حِينَئِذٍ (أَن يعرف) بِفَتْح حرف المضارعة (سِتَّة أَشْيَاء) وَهِي فِي الْحَقِيقَة ترجع إِلَى أَرْبَعَة وَترك معرفَة اثْنَيْنِ كَمَا سَيظْهر الأول أَن يعرف (وعاءها) وَهُوَ بِكَسْر الْوَاو وَالْمدّ مَا هِيَ فِيهِ من جلد أَو غَيره
(و) الثَّانِي أَن يعرف (عفاصها) وَهُوَ بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَأَصله كَمَا فِي تَحْرِير التَّنْبِيه عَن الْخطابِيّ الْجلد الَّذِي يلبس رَأس القارورة وَهِي مُرَاد المُصَنّف كصاحب التَّنْبِيه لِأَنَّهُمَا جمعا بَين الْوِعَاء والعفاص والمحكي فِي تَحْرِير التَّنْبِيه عَن الْجُمْهُور أَن العفاص هُوَ الْوِعَاء وَلذَلِك قَالَ فِي الرَّوْضَة فَيعرف عفاصها وَهِي الْوِعَاء من جلد وخرقة وَغَيرهمَا انْتهى
فَأطلق العفاص على الْوِعَاء توسعا (و) الثَّالِث أَن يعرف (وكاءها) وَهُوَ بِكَسْر الْوَاو وبالمد مَا ترْبط بِهِ من خيط أَو غَيره
(و) الرَّابِع أَن يعرف (جِنْسهَا) من نقد أَو غَيره
(و) الْخَامِس أَن يعرف (عَددهَا) كاثنين فَأكْثر
(و) السَّادِس أَن يعرف (وَزنهَا) كدرهم فَأكْثر
أما كَونهَا ترجع إِلَى أَربع فَإِن العفاص والوعاء وَاحِد كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور وَالْعدَد وَالْوَزْن يعبر عَنْهُمَا بِالْقدرِ فَإِن معرفَة الْقدر شَامِلَة للوزن وَالْعدَد والكيل وَالزَّرْع
وَالسَّابِع وَهُوَ الْمَتْرُوك من كَلَامه أَن يعرف صنفها أهروية أم مروية
وَالثَّامِن أَن يعرف صفتهَا من صِحَة وتكسير وَنَحْوهمَا وَمَعْرِفَة هَذِه الْأَوْصَاف تكون عقب الْأَخْذ كَمَا قَالَه الْمُتَوَلِي وَغَيره
وَهِي سنة كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ وَغَيره وَهُوَ الْمُعْتَمد وَهُوَ قَضِيَّة كَلَام الْجُمْهُور
وَفِي الْكَافِي أَنَّهَا وَاجِبَة وَجرى عَلَيْهِ ابْن الرّفْعَة وَينْدب كتب الْأَوْصَاف كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَأَنه التقطها فِي وَقت كَذَا
(و) يجب عَلَيْهِ (أَن يحفظها) لمَالِكهَا (فِي حرز مثلهَا) إِلَى ظُهُوره لِأَنَّهَا فِيهَا معنى الْأَمَانَة وَالْولَايَة والاكتساب فالأمانة وَالْولَايَة أَولا والاكتساب آخرا بعد التَّعْرِيف
وَهل الْمُغَلب فِيهَا الْأَمَانَة وَالْولَايَة لِأَنَّهُمَا ناجزان أَو الِاكْتِسَاب لِأَنَّهُ الْمَقْصُود وَجْهَان فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا من غير تَرْجِيح والمرجح فِيهَا تَغْلِيب الِاكْتِسَاب لِأَنَّهُ يَصح الْتِقَاط الْفَاسِق وَالذِّمِّيّ فِي دَار الْإِسْلَام وَلَوْلَا أَن الْمُغَلب ذَلِك لما صَحَّ التقاطهما
(ثمَّ إِذا أَرَادَ) الْمُلْتَقط (تَملكهَا عرفهَا سنة) أَي من يَوْم التَّعْرِيف تحديدا وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن السّنة لَا تتأخر فِيهَا

(2/371)


القوافل غَالِبا وتمضي فِيهَا الْفُصُول الْأَرْبَعَة
قَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة
وَلِأَنَّهُ لَو لم يعرف سنة لضاعت الْأَمْوَال على أَرْبَابهَا وَلَو جعل التَّعْرِيف أبدا لامتنع من التقاطها فَكَانَ فِي السّنة نظر لِلْفَرِيقَيْنِ مَعًا
وَلَا يشْتَرط أَن تكون السّنة مُتَّصِلَة بل تَكْفِي وَلَو مفرقة على الْعَادة إِن كَانَت غير حقيرة وَلَو من الاختصاصات فيعرفها أَولا كل يَوْم مرَّتَيْنِ طَرفَيْهِ أسبوعا ثمَّ كل يَوْم مرّة طرفه أسبوعا أَو أسبوعين ثمَّ فِي كل أُسْبُوع مرّة أَو مرَّتَيْنِ ثمَّ كل شهر كَذَلِك بِحَيْثُ لَا ينسى أَنه تكْرَار لما مضى
وَإِنَّمَا جعل التَّعْرِيف فِي الْأَزْمِنَة الأول أَكثر لِأَن طلب الْمَالِك فِيهَا أَكثر قَالَ الزَّرْكَشِيّ قيل ومرادهم أَن يعرف كل مُدَّة من هَذِه المدد ثَلَاثَة أشهر وَلَو مَاتَ الْمُلْتَقط فِي أثْنَاء الْمدَّة بنى وَارثه على ذَلِك كَمَا بَحثه الزَّرْكَشِيّ وَلَو الْتقط اثْنَان لقطَة عرفهَا كل وَاحِد نصف سنة كَمَا قَالَ السُّبْكِيّ إِنَّه الْأَشْبَه وَإِن خَالف فِي ذَلِك ابْن الرّفْعَة لِأَنَّهَا لقطَة وَاحِدَة والتعريف من كل مِنْهُمَا لكلها لَا لنصفها لِأَنَّهَا إِنَّمَا تقسم بَينهمَا عِنْد التَّمَلُّك
تَنْبِيه قد يتَصَوَّر التَّعْرِيف سنتَيْن وَذَلِكَ إِذا قصد الْحِفْظ فعرفها سنة ثمَّ قصد التَّمْلِيك فَإِنَّهُ لَا بُد من تَعْرِيفه سنة من حِينَئِذٍ وَيبين فِي التَّعْرِيف زمن وجدان اللّقطَة وَيذكر ندبا اللاقط وَلَو بنائبه بعض أوصافها فِي التَّعْرِيف فَلَا يستوعبها لِئَلَّا يعتمدها الْكَاذِب فَإِن استوعبها ضمن لِأَنَّهُ قد يرفعهُ إِلَى من يلْزم الدّفع بِالصِّفَاتِ
ويعرفها فِي بلد الِالْتِقَاط (على أَبْوَاب الْمَسَاجِد) عِنْد خُرُوج النَّاس لِأَن ذَلِك أقرب إِلَى وجد صَاحبهَا (و) يجب التَّعْرِيف (فِي الْموضع الَّذِي وجدهَا فِيهِ) وليكثر مِنْهُ فِيهِ لِأَن طلب الشَّيْء فِي مَكَانَهُ أَكثر وَخرج بقوله على أَبْوَاب الْمَسَاجِد الْمَسَاجِد فَيكْرَه التَّعْرِيف فِيهَا كَمَا جزم بِهِ فِي الْمَجْمُوع وَإِن أفهم كَلَام الرَّوْضَة التَّحْرِيم إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام فَلَا يكره التَّعْرِيف فِيهِ اعْتِبَارا بِالْعرْفِ وَلِأَنَّهُ مجمع النَّاس وَمُقْتَضى ذَلِك أَن مَسْجِد الْمَدِينَة والأقصى كَذَلِك
وَلَو أَرَادَ الْمُلْتَقط سفرا استناب بِإِذن الْحَاكِم من يحفظها ويعرفها فَإِن سَافر بهَا أَو استناب بِغَيْر إِذن الْحَاكِم مَعَ وجوده ضمن لتَقْصِيره وَإِن الْتقط فِي الصَّحرَاء وَهُنَاكَ قافلة تبعها وَعرف فِيهَا إِذْ لَا فَائِدَة فِي التَّعْرِيف فِي الْأَمَاكِن الخالية فَإِن لم يرد ذَلِك فَفِي بلد يقصدها قربت أَو بَعدت سَوَاء أقصدها ابْتِدَاء أم لَا حَتَّى لَو قصد بعد قَصده الأول بَلْدَة أُخْرَى
وَلَو بلدته الَّتِي سَافر مِنْهَا عرف فِيهَا وَلَا يُكَلف الْعُدُول عَنْهَا إِلَى أقرب الْبِلَاد إِلَى ذَلِك الْمَكَان وَيعرف حقير لَا يعرض عَنهُ غَالِبا متمولا كَانَ أَو مُخْتَصًّا وَلَا يتَقَدَّر بِشَيْء بل هُوَ مَا يغلب على الظَّن أَن فاقده لَا يكثر أسفه عَلَيْهِ وَلَا يطول طلبه لَهُ غَالِبا إِلَى أَن يظنّ إِعْرَاض فاقده عَنهُ غَالِبا وَعَلِيهِ مُؤنَة التَّعْرِيف إِن قصد تملكا وَلَو بعد لقطه للْحِفْظ أَو مُطلقًا وَإِن لم يتَمَلَّك لوُجُوب التَّعْرِيف عَلَيْهِ فَإِن لم يقْصد التَّمَلُّك كَأَن لقط لحفظ أَو أطلق وَلم يقْصد تَمْلِيكًا أَو اختصاصا فمؤنة التَّعْرِيف على بَيت المَال أَو على مَالك بِأَن يرتبها الْحَاكِم فِي بَيت المَال أَو يقترضها على الْمَالِك من اللاقط أَو غَيره أَو يَأْمُرهُ بصرفها ليرْجع على الْمَالِك أَو يَبِيع بَعْضهَا إِن رَآهُ وَإِنَّمَا لم تلْزم اللاقط لِأَن الْحَظ فِيهِ للْمَالِك فَقَط
مَا الحكم إِذا لم يجد صَاحبهَا (فَإِن لم يجد صَاحبهَا) بعد تَعْرِيفهَا (كَانَ لَهُ أَن يتملكها بِشَرْط الضَّمَان) إِذا ظهر مَالِكهَا وَلَا يملكهَا الْمُلْتَقط بِمُجَرَّد مُضِيّ مُدَّة التَّعْرِيف بل لَا بُد من لفظ أَو مَا فِي مَعْنَاهُ كتملكت لِأَنَّهُ تملك مَال بِبَدَل فافتقر إِلَى ذَلِك كالتملك بشرَاء
وَبحث ابْن الرّفْعَة فِي لقطَة لَا تملك كخمر وكلب أَنه لَا بُد فِيهَا مِمَّا يدل على نقل الِاخْتِصَاص فَإِن تَملكهَا فَظهر الْمَالِك وَلم يرض ببدلها وَلَا تعلق بهَا حق لَازم يمْنَع بيعهَا لزمَه ردهَا لَهُ بزيادتها الْمُتَّصِلَة وَكَذَا الْمُنْفَصِلَة إِن حدثت قبل التَّمَلُّك تبعا للقطة فَإِن تلف حسا أَو شرعا بعد

(2/372)


التَّمَلُّك غرم مثلهَا إِن كَانَت مثلية أَو قيمتهَا إِن كَانَت مُتَقَومَة وَقت التَّمَلُّك لِأَنَّهُ وَقت دُخُولهَا فِي ضَمَانه وَلَا تدفع اللّقطَة لمدعيها بِلَا وصف وَلَا حجَّة إِلَّا أَن يعلم اللاقط أَنَّهَا لَهُ فَيلْزمهُ دَفعهَا لَهُ وَإِن وصفهَا لَهُ وَظن صدقه جَازَ دَفعهَا لَهُ عملا بظنه بل يسن نعم إِن تعدد الواصف لم يدْفع إِلَّا بِحجَّة فَإِن دَفعهَا لَهُ بِالْوَصْفِ فثبتت لآخر بِحجَّة حولت لَهُ عملا بِالْحجَّةِ فَإِن تلفت عِنْد الواصف فللمالك تضمين كل مِنْهُمَا والقرار على الْمَدْفُوع لَهُ وَإِذا تملك الْمُلْتَقط بعد التَّعْرِيف وَلم يظْهر لَهَا صَاحب فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي إنفاقها فَإِنَّهَا كسب من أكسابه لَا مُطَالبَة عَلَيْهِ بهَا فِي الدَّار الْآخِرَة

فصل فِي بعض النّسخ وَهُوَ فِي أَقسَام اللّقطَة وَبَيَان حكم كل مِنْهَا
وَاعْلَم أَن الشَّيْء الْمُلْتَقط قِسْمَانِ
وَيعلم مَال وَغَيره
وَالْمَال نَوْعَانِ حَيَوَان وَغَيره
وَالْحَيَوَان ضَرْبَان آدَمِيّ وَغَيره
وَيعلم غَالب ذَلِك من كَلَامه رَحمَه الله تَعَالَى فِي قَوْله (واللقطة) أَي بِالنّظرِ إِلَى مَا يفعل فِيهَا (على أَرْبَعَة أضْرب أَحدهَا مَا يبْقى على الدَّوَام) كالذهب وَالْفِضَّة (فَهَذَا) أَي مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْفَصْل قبله من التَّخْيِير بَين تَملكهَا وَبَين إدامة حفظهَا إِذا عرفهَا وَلم يجد مَالِكهَا هُوَ (حكمه) أَي هَذَا الضَّرْب (و) الضَّرْب (الثَّانِي مَا لَا يبْقى على الدَّوَام) بل يفْسد بِالتَّأْخِيرِ (كالطعام الرطب) كالرطب الَّذِي لَا يتتمر والبقول (فَهُوَ) أَي الْمُلْتَقط (مُخَيّر) فِيهِ (بَين) تملكه ثمَّ (أكله) وشربه (وغرمه) أَي وَغرم بدله من مثل أَو قيمَة (أَو بَيْعه) بِثمن مثله (وَحفظ ثمنه) لمَالِكه (و) الضَّرْب (الثَّالِث مَا يبْقى) على الدَّوَام لَكِن (بعلاج) بِكَسْر الْمُهْملَة (كالرطب) الَّذِي يتجفف (فيفعل) الْمُلْتَقط (مَا فِيهِ الْمصلحَة) لمَالِكه (من بَيْعه) بِثمن مثله (وَحفظ ثمنه) لَهُ (أَو تجفيفه وَحفظه) لمَالِكه إِن تبرع الْمُلْتَقط بالتجفيف وَإِلَّا فيبيع بعضه بِإِذن الْحَاكِم إِن وجده وينفقه على تجفيف الْبَاقِي
وَالْمرَاد بِالْبَعْضِ الَّذِي يُبَاع مَا يُسَاوِي مُؤنَة التجفيف

(2/373)


(و) الضَّرْب (الرَّابِع مَا يحْتَاج إِلَى نَفَقَة كالحيوان) آدَمِيّ أَو غَيره فالآدمي وَتَركه المُصَنّف اختصارا لندرة وُقُوعه فَيصح لقط رَقِيق غير مُمَيّز أَو مُمَيّز زمن نهب بِخِلَاف زمن الْأَمْن لِأَنَّهُ يسْتَدلّ بِهِ على سَيّده فيصل إِلَيْهِ وَمحل ذَلِك فِي الْأمة إِذا التقطها للْحِفْظ أَو للتَّمَلُّك وَلم تحل لَهُ كمجوسية ومحرم بِخِلَاف من تحل لَهُ لِأَن تملك اللّقطَة كالاقتراض وَينْفق على الرَّقِيق مُدَّة الْحِفْظ من كَسبه فَإِن لم يكن لَهُ كسب فَإِن تبرع بالانفاق عَلَيْهِ فَذَاك وَإِن أَرَادَ الرُّجُوع فلينفق بِإِذن الْحَاكِم
فَإِن لم يجده أشهد وَإِذا بيع ثمَّ ظهر الْمَالِك وَقَالَ كنت أَعتَقته قبل قَوْله وَحكم بِفساد البيع
وَأما غير الْآدَمِيّ وَعَلِيهِ اقْتصر المُصَنّف لغَلَبَة وَقَوله فَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَهُوَ ضَرْبَان) الأول (حَيَوَان لَا يمْتَنع بِنَفسِهِ) من صغَار السبَاع كشاة وَعجل وفصيل والكسير من الْإِبِل وَالْخَيْل وَنَحْو ذَلِك مِمَّا إِذا تَركه يضيع بكاسر من السبَاع أَو بخائن من النَّاس فَإِن وجده بمفازة (فَهُوَ مُخَيّر) فِيهِ (بَين) تملكه ثمَّ (أكله وَغرم ثمنه) لمَالِكه (أَو تَركه) أَي إِمْسَاكه عِنْده (والتطوع بالانفاق عَلَيْهِ) إِن شَاءَ فَإِن لم يتَطَوَّع وَأَرَادَ الرُّجُوع فلينفق بِإِذن الْحَاكِم فَإِن لم يجده أشهد كَمَا مر فِي الرَّقِيق (أَو بَيْعه) بِثمن مثله (وَحفظ ثمنه) لمَالِكه ويعرفها ثمَّ يتَمَلَّك الثّمن
وَخرج بِقَيْد الْمَفَازَة الْعمرَان فَإِذا وجده فِيهِ فَلهُ الْإِمْسَاك مَعَ التَّعْرِيف وَله البيع والتعريف وتملك الثّمن وَلَيْسَ لَهُ أكله وَغرم ثمنه على الْأَظْهر لسُهُولَة البيع فِي الْعمرَان بِخِلَاف الْمَفَازَة فقد لَا يجد فِيهَا من يَشْتَرِي ويشق النَّقْل إِلَيْهِ والخصلة الأولى من الثَّلَاث عِنْد استوائها فِي الأحظية أولى من الثَّانِيَة وَالثَّانيَِة أولى من الثَّالِثَة
وَزَاد الْمَاوَرْدِيّ خصْلَة رَابِعَة وَهِي أَن يَتَمَلَّكهُ فِي الْحَال ليستبقيه حَيا لدر أَو نسل قَالَ لِأَنَّهُ لما استباح تملكه مَعَ استهلاكه فَأولى أَن يستبيح تملكه مَعَ استبقائه هَذَا كُله فِي الْحَيَوَان الْمَأْكُول فَأَما غَيره كالجحش وصغار مَا لَا يُؤْكَل فَفِيهِ الخصلتان الأخيرتان وَلَا يجوز تملكه حَتَّى يعرفهُ سنة على الْعَادة
(و) الضَّرْب الثَّانِي (حَيَوَان يمْتَنع) من صغَار السبَاع كذئب ونمر وفهد (بِنَفسِهِ) إِمَّا بِفضل قُوَّة كَالْإِبِلِ وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير وَإِمَّا بِشدَّة عدوه كالأرنب والظباء الْمَمْلُوكَة وَإِمَّا بطيرانه كالحمام (فَإِن وجده) الْمُلْتَقط (فِي الصَّحرَاء) الآمنة وَأَرَادَ أَخذه للتَّمَلُّك لم يجز
و (تَركه) وجوبا لِأَنَّهُ مصون بالامتناع من أَكثر السبَاع مستغن بالرعي إِلَى أَن يجده صَاحبه لطلبه لَهُ وَلِأَن طروق النَّاس فِيهَا لَا يعم فِيمَن أَخذه للتَّمَلُّك ضمنه وَيبرأ من الضَّمَان بِدَفْعِهِ إِلَى القَاضِي لَا برده إِلَى مَوْضِعه وَخرج بِقَيْد التَّمَلُّك إِرَادَة أَخذه للْحِفْظ فَيجوز للْحَاكِم ونوابه وَكَذَا للآحاد على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة لِئَلَّا يضيع بِأخذ خائن
وَخرج بِقَيْد الآمنة مَا لَو كَانَ فِي صحراء زمن نهب فَيجوز لقطه للتَّمَلُّك لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يضيع بامتداد الْيَد الخائنة إِلَيْهِ (وَإِن وجده فِي الْحَضَر) ببلدة أَو قَرْيَة أَو قريب مِنْهُمَا كَانَ لَهُ أَخذه للتَّمَلُّك وَحِينَئِذٍ (فَهُوَ مُخَيّر) فِيهِ (بَين الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة) الَّتِي تقدم ذكرهَا قَرِيبا (فِيهِ) أَي الضَّرْب الرَّابِع فِي الْكَلَام على الضَّرْب الأول مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي لَا يمْتَنع فأغنى عَن إِعَادَتهَا هُنَا وَإِنَّمَا جَازَ أَخذ هَذَا الْحَيَوَان فِي الْعمرَان دون الصَّحرَاء الآمنة للتَّمَلُّك لِئَلَّا يضيع بامتداد الْأَيْدِي الخائنة إِلَيْهِ بِخِلَاف الصَّحرَاء الآمنة فَإِن طروق النَّاس بهَا نَادِر

(2/374)


تَتِمَّة لَا يحل لقط حرم مَكَّة إِلَّا لحفظ فَلَا يحل إِن لقط للتَّمَلُّك أَو أطلق وَيجب تَعْرِيف مَا التقطه للْحِفْظ لخَبر إِن هَذَا الْبَلَد حرمه الله تَعَالَى لَا يلتقط لقطته إِلَّا من عرفهَا وَيلْزم اللاقط الْإِقَامَة للتعريف أَو دَفعهَا إِلَى الْحَاكِم والسر فِي ذَلِك أَن حرم مَكَّة مثابة للنَّاس يعودون إِلَيْهِ مرّة بعد الْأُخْرَى فَرُبمَا يعود مَالِكهَا من أجلهَا أَو يبْعَث فِي طلبَهَا فَكَأَنَّهُ جعل مَاله بِهِ مَحْفُوظًا عَلَيْهِ كَمَا غلظت الدِّيَة فِيهِ
وَخرج بحرم مَكَّة حرم الْمَدِينَة الشَّرِيفَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّهُ لَيْسَ كحرم مَكَّة بل هِيَ كَسَائِر الْبِلَاد كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الْجُمْهُور وَلَيْسَت لقطَة عَرَفَة ومصلى إِبْرَاهِيم كلقطة الْحرم

(فصل فِي اللَّقِيط)
وَيُسمى ملقوطا ومنبوذا ودعيا
وَالْأَصْل فِيهِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وافعلوا الْخَيْر لَعَلَّكُمْ تفلحون} قَوْله تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى}
القَوْل فِي أَرْكَان الِالْتِقَاط وأركان اللَّقِيط الشَّرْعِيّ لقط ولقيط ولاقط
ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الأول وَهُوَ اللقط بقوله (وَإِذا وجد لَقِيط) أَي ملقوط (بقارعة الطَّرِيق) أَي طَرِيق الْبَلَد وَغَيره (فَأَخذه وتربيته) وَهِي تَوْلِيَة أَمر الطِّفْل بِمَا يصلحه (وكفالته) وَالْمرَاد بهَا هُنَا كَمَا فِي الرَّوْضَة حفظه وتربيته (وَاجِبَة) أَي فرض (على الْكِفَايَة) لقَوْله تَعَالَى {وَمن أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا} وَلِأَنَّهُ آدَمِيّ مُحْتَرم فَوَجَبَ حفظه كالمضطر إِلَى طَعَام غَيره
وَفَارق اللّقطَة حَيْثُ لَا يجب لقطها بِأَن الْمُغَلب فِيهَا الِاكْتِسَاب وَالنَّفس تميل إِلَيْهِ فاستغني بذلك عَن الْوُجُوب كَالنِّكَاحِ وَالْوَطْء فِيهِ وَيجب الْإِشْهَاد على اللَّقِيط وَإِن كَانَ اللاقط ظَاهر الْعَدَالَة خوفًا من أَن يسترقه وَفَارق الْإِشْهَاد على لقط اللّقطَة بِأَن الْغَرَض مِنْهَا المَال وَالْإِشْهَاد فِي التَّصَرُّف المالي مُسْتَحبّ وَمن اللَّقِيط حفظ حُرِّيَّته وَنسبه فَوَجَبَ الْإِشْهَاد كَمَا فِي النِّكَاح وَبِأَن اللّقطَة يشيع أمرهَا بالتعريف وَلَا تَعْرِيف فِي اللَّقِيط
وَيجب الْإِشْهَاد أَيْضا على مَا مَعَه تبعا وَلِئَلَّا يَتَمَلَّكهُ فَلَو ترك الْإِشْهَاد لم تثبت لَهُ ولَايَة الْحِفْظ وَجَاز نَزعه مِنْهُ قَالَه فِي الْوَسِيط
وَإِنَّمَا يجب الْإِشْهَاد فِيمَا ذكر على لاقط بِنَفسِهِ أما من سلمه لَهُ الْحَاكِم فالإشهاد مُسْتَحبّ قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره
واللقيط وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي صَغِير أَو مَجْنُون منبوذ لَا كافل لَهُ مَعْلُوم وَلَو مُمَيّزا لِحَاجَتِهِ إِلَى التعهد
ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ اللاقط بقوله (وَلَا يقر) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي لَا يتْرك اللَّقِيط (إِلَّا فِي يَد أَمِين) وَهُوَ الْحر الرشيد الْعدْل وَلَو مَسْتُورا فَلَو لقطه غَيره مِمَّن بِهِ رق وَلَو مكَاتبا أَو كفر أَو صبا أَو جُنُون أَو فسق لم يَصح فينزع اللَّقِيط مِنْهُ لِأَن حق الْحَضَانَة ولَايَة وَلَيْسَ من أَهلهَا لَكِن لكَافِر لقط كَافِر لما بَينهمَا من الْمُوَالَاة فَإِن أذن لرقيقه غير الْمكَاتب فِي لقطه أَو أقره عَلَيْهِ

(2/375)


فَهُوَ اللاقط ورقيقه نَائِب عَنهُ فِي الْأَخْذ والتربية إِذْ يَده كَيده بِخِلَاف الْمكَاتب لاستقلاله فَلَا يكون السَّيِّد هُوَ اللاقط بل وَلَا هُوَ أَيْضا كَمَا علم مِمَّا مر فَإِن قَالَ لَهُ السَّيِّد الْتقط لي فالسيد هُوَ اللاقط والمبعض كالرقيق وَلَو ازْدحم اثْنَان أهلان للقط على لَقِيط قبل أَخذه بِأَن قَالَ كل مِنْهُمَا أَنا آخذه عين الْحَاكِم من يرَاهُ وَلَو من غَيرهمَا أَو بعد أَخذه قدم سَابق لسبقه وَإِن لقطاه مَعًا قدم غَنِي على فَقير لِأَنَّهُ قد يواسيه بِبَعْض مَاله وَعدل بَاطِنا على مَسْتُور احْتِيَاطًا للقيط فَإِن اسْتَويَا أَقرع بَينهمَا
وللاقط نَقله من بادية الْقرْيَة ومنهما لبلد لِأَنَّهُ أرْفق بِهِ لَا نَقله من قَرْيَة لبادية أَو من بلد لقرية أَو بادية لخشونة عيشهما وفوات الْعلم بِالدّينِ والصنعة فيهمَا
نعم لَو نَقله من بلد أَو من قَرْيَة لبادية قريبَة يسهل المُرَاد مِنْهَا جَازَ على النَّص
وَقَول الْجُمْهُور وَله نَقله من بادية وقرية وبلد لمثله
(فَإِن وجد مَعَه) أَي اللَّقِيط (مَال) عَام كوقف على اللقطاء أَو الْوَصِيَّة لَهُم أَو خَاص كثياب ملفوفة عَلَيْهِ أَو ملبوسة لَهُ أَو مغطى بهَا أَو تَحْتَهُ مفروشة ودنانير عَلَيْهِ أَو تَحْتَهُ وَلَو منثورة وَدَار هُوَ فِيهَا وَحده وحصته مِنْهَا إِن كَانَ مَعَه غَيره لِأَن لَهُ يدا وَحِصَّة واختصاصا كَالْبَالِغِ
وَالْأَصْل الْحُرِّيَّة مَا لم يعرف غَيرهَا (أنْفق عَلَيْهِ الْحَاكِم) أَو مأذونه (مِنْهُ) وَخرج بِمَا ذكر المَال المدفون وَلَو تَحْتَهُ أَو كَانَ فِيهِ أَو مَعَ اللَّقِيط رقْعَة مَكْتُوب فِيهَا أَنه لَهُ فَلَا يكون ملكا لَهُ كالمكلف
نعم إِن حكم بِأَن الْمَكَان لَهُ فَهُوَ لَهُ مَعَ الْمَكَان وَلَا مَال مَوْضُوع بِقُرْبِهِ كالبعيد عَنهُ بِخِلَاف الْمَوْضُوع بِقرب الْمُكَلف لِأَنَّهُ لَهُ رِعَايَة (فَإِن لم يُوجد مَعَه مَال) وَلَا عرف لَهُ مَال (فنفقته) حِينَئِذٍ (من بَيت المَال) من سهم الْمصَالح فَإِن لم يكن فِي بَيت المَال مَال أَو كَانَ ثمَّ مَا هُوَ أهم مِنْهُ اقْترض عَلَيْهِ الْحَاكِم فَإِن عسر الِاقْتِرَاض وَجب على موسرينا قرضا بِالْقَافِ عَلَيْهِ إِن كَانَ حرا وَإِلَّا فعلى سَيّده
وللاقطه اسْتِقْلَال بِحِفْظ مَاله كحفظه وَإِنَّمَا يمونه مِنْهُ بِإِذن الْحَاكِم لِأَن ولَايَة المَال لَا تثبت لغير أَب وجد من الْأَقَارِب فالأجنبي أولى فَإِن لم يُوجد الْحَاكِم أنْفق عَلَيْهِ بإشهاد فَإِن أنْفق بِدُونِ ذَلِك ضمن
تَتِمَّة اللَّقِيط مُسلم تبعا للدَّار وَمَا ألحق بهَا وَإِن اسْتَلْحقهُ كَافِر بِلَا بَيِّنَة إِن وجود بِمحل وَلَو بدار كفر بِهِ مُسلم يُمكن كَونه مِنْهُ وَيحكم بِإِسْلَام غير لَقِيط صبي أَو مَجْنُون تبعا لأحد أُصُوله وَلَو من قبل الْأُم وتبعا لسابيه الْمُسلم إِن لم يكن مَعَه فِي السَّبي أحد أُصُوله لِأَنَّهُ صَار تَحت ولَايَته فَإِن كفر بعد كَمَاله بِالْبُلُوغِ أَو الْإِفَاقَة فِي التبعيتين الْأَخِيرَتَيْنِ فمرتد لسبق الحكم بِإِسْلَامِهِ بِخِلَافِهِ فِي التّبعِيَّة الأولى وَهِي تَبَعِيَّة الدَّار وَمَا يلْحق بهَا فَإِنَّهُ كَافِر أُصَلِّي لَا مُرْتَد لبنائه على ظَاهرهَا وَهَذَا معنى قَوْلهم تَبَعِيَّة الدَّار ضَعِيفَة وَهُوَ حر
وَإِن ادّعى رقّه لاقط أَو غَيره إِلَّا أَن تُقَام برقه بَيِّنَة متعرضة لسَبَب الْملك كإرث أَو شِرَاء أَو يقر بِهِ بعد كَمَاله
وَلم يكذبهُ الْمقر لَهُ وَلم يسْبق إِقْرَاره بعد كَمَاله بحريَّته وَلَا يقبل إِقْرَاره بِالرّقِّ فِي تصرف مَاض مُضر بِغَيْرِهِ فَلَو لزمَه دين فَأقر برق وَبِيَدِهِ مَال قضى مِنْهُ وَلَا يَجْعَل للْمقر لَهُ بِالرّقِّ إِلَّا مَا فضل عَن الدّين فَإِن بَقِي من الدّين شَيْء اتبع بِهِ بعد عتقه
أما التَّصَرُّف الْمَاضِي المضر بِهِ فَيقبل إِقْرَاره بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَلَو كَانَ اللَّقِيط امْرَأَة متزوجة وَلَو بِمن لَا يحل لَهُ نِكَاح الْأمة وأقرت بِالرّقِّ لم يَنْفَسِخ نِكَاحهَا وتسلم لزَوجهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ويسافر بهَا زَوجهَا بِغَيْر إِذن سَيِّدهَا وَوَلدهَا قبل إِقْرَارهَا حر وَبعده رَقِيق

(2/376)