الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل فِي الْوَدِيعَة
تقال على الْإِيدَاع وعَلى الْعين المودعة ومناسبة ذكرهَا بعد اللَّقِيط ظَاهِرَة
وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وَخبر أد الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك
وَلِأَن بِالنَّاسِ حَاجَة بل ضَرُورَة إِلَيْهَا
القَوْل فِي أَرْكَان الْوَدِيعَة وأركانها بِمَعْنى الْإِيدَاع أَرْبَعَة وَدِيعَة بِمَعْنى الْعين المودعة وَصِيغَة ومودع ووديع
وَشرط فِي الْمُودع والوديع مَا مر فِي مُوكل ووكيل لِأَن الْإِيدَاع استنابة فِي الْحِفْظ فَلَو أودعهُ نَحْو صبي كمجنون ضمن مَا أَخذه مِنْهُ
وَإِن أودع شخص نَحْو صبي إِنَّمَا يضمن بإتلافه وَشرط فِي الصِّيغَة مَا مر فِي الْوكَالَة فَيشْتَرط اللَّفْظ من جَانب الْمُودع وَعدم الرَّد من جَانب الْوَدِيع نعم لَو قَالَ الْوَدِيع أَو دعنيه مثلا
فَدفعهُ لَهُ ساكتا فَيُشبه أَن يَكْفِي ذَلِك كالعارية
وَعَلِيهِ فَالشَّرْط اللَّفْظ من أَحدهمَا نبه عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ والإيجاب إِمَّا صَرِيح كأودعتك هَذَا أَو استحفظتكه أَو كِنَايَة مَعَ النِّيَّة كخذه
(والوديعة أَمَانَة) أَصَالَة فِي يَد الْوَدِيع (يسْتَحبّ) لَهُ (قبُولهَا) أَي أَخذهَا (لمن قَامَ بالأمانة فِيهَا) بِأَن قدر على حفظهَا ووثق بأمانة نَفسه فِيهَا هَذَا إِن لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ أَخذهَا لخَبر مُسلم وَالله فِي عون العَبْد مَا دَامَ العَبْد فِي عون أَخِيه فَإِن تعين بِأَن لم يكن ثمَّ غَيره وَجب عَلَيْهِ أَخذهَا لَكِن لَا يجْبر على إِتْلَاف منفعَته وَمَنْفَعَة حرزه مجَّانا فَإِن عجز عَن حفظهَا حرم عَلَيْهِ قبُولهَا لِأَنَّهُ يعرضهَا للتلف
قَالَ ابْن الرّفْعَة وَمحله إِذا لم يعلم الْمَالِك بِحَالهِ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيم وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن خَالف فِي ذَلِك الزَّرْكَشِيّ وَإِن قدر على الْحِفْظ وَهُوَ فِي الْحَال أَمِين وَلَكِن لم يَثِق بأمانته بل خَافَ الْخِيَانَة من نَفسه فِي الْمُسْتَقْبل كره لَهُ قبُولهَا خشيَة الْخِيَانَة فِيهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا فِي الْمِنْهَاج
قَالَ ابْن الرّفْعَة وَيظْهر أَن هَذَا إِذا لم يعلم الْمَالِك الْحَال وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيم وَلَا كَرَاهَة كَمَا علم مِمَّا مر
تَنْبِيه أَحْكَام الْوَدِيعَة ثَلَاثَة الحكم الأول الْأَمَانَة وَالْحكم الثَّانِي الرَّد وَالْحكم الثَّالِث الْجَوَاز
وَقد أَشَارَ إِلَى الأول بقوله

(2/377)


والوديعة أَمَانَة وَقد تصير مَضْمُونَة بعوارض غالبها يُؤْخَذ من قَول المُصَنّف (وَلَا يضمن إِلَّا بِالتَّعَدِّي) فِي تلفهَا كَأَن نقلهَا من محلّة وَدَار لأخرى دونهَا حرْزا وَإِن لم يَنْهَهُ الْمُودع عَن نقلهَا لِأَنَّهُ عرضهَا للتلف
نعم إِن نقلهَا يظنّ أَنَّهَا ملكه وَلم ينْتَفع بهَا لم يضمن
وَكَأن يودعها غَيره وَلَو قَاضِيا بِلَا إِذن من الْمُودع وَلَا عذر لَهُ لِأَن الْمُودع لم يرض بذلك بِخِلَاف مَا لَو أودعها غَيره لعذر كَمَرَض وسفر وَله استعانة بِمن يحملهَا لحرز أَو يعلفها أَو يسقيها لِأَن الْعَادة جرت بذلك وَعَلِيهِ لعذر كإرادة سفر وَمرض ردهَا لمَالِكهَا أَو وَكيله فَإِن فقدهما ردهَا للْقَاضِي وَعَلِيهِ أَخذهَا فَإِن فَقده ردهَا الْأمين وَلَا يُكَلف تَأْخِير السّفر
ويغني عَن الرَّد إِلَى القَاضِي أَو الْأمين الْوَصِيَّة بهَا إِلَيْهِ فَهُوَ مُخَيّر عِنْد فقد الْمَالِك ووكيله بَين ردهَا للْقَاضِي وَالْوَصِيَّة بهَا إِلَيْهِ وَعند فقد القَاضِي بَين ردهَا للأمين وَالْوَصِيَّة بهَا إِلَيْهِ
وَالْمرَاد بِالْوَصِيَّةِ بهَا الْإِعْلَام بهَا وَالْأَمر بردهَا مَعَ وصفهَا بِمَا تتَمَيَّز بِهِ أَو الْإِشَارَة لعينها وَمَعَ ذَلِك يجب الْإِشْهَاد كَمَا فِي الرَّافِعِيّ عَن الْغَزالِيّ فَإِن لم يردهَا وَلم يوص بهَا لمن ذكر كَمَا ذكر ضمن إِن تمكن من ردهَا أَو الْإِيصَاء بهَا لِأَنَّهُ عرضهَا للفوات وَكَأن يدفنها بِموضع ويسافر وَلم يعلم بهَا أَمينا يراقبها لِأَنَّهُ عرضهَا للضياع بِخِلَاف مَا إِذا أعلم بهَا من ذكر لِأَن إِعْلَامه بهَا بِمَنْزِلَة إيداعه فشرطه فقد القَاضِي وَكَأن لَا يدْفع متلفاتها كَتَرْكِ تهوية ثِيَاب صوف أَو ترك لبسهَا عِنْد حَاجَتهَا لذَلِك وَقد علمهَا لِأَن الدُّود يُفْسِدهَا بترك ذَلِك وكل من الْهَوَاء وعبوق رَائِحَة الْآدَمِيّ بهَا يَدْفَعهُ أَو ترك علف دَابَّة بِسُكُون اللَّام لِأَنَّهُ وَاجِب عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من الْحِفْظ لَا إِن نَهَاهُ عَن التهوية واللبس والعلف فَلَا يضمن لكنه يَعْصِي فِي مَسْأَلَة الدَّابَّة لحُرْمَة الرّوح فَإِن أعطَاهُ الْمَالِك علفا عَلفهَا مِنْهُ وَإِلَّا رَاجعه أَو وَكيله ليعلفها أَو يستردها فَإِن فقدهما رَاجع القَاضِي ليقترض على الْمَالِك أَو يؤجرها أَو يَبِيع جُزْءا مِنْهَا فِي عَلفهَا بِحَسب مَا يرَاهُ وَكَأن تلفت بمخالفة حفظ مَأْمُور بِهِ كَقَوْلِه لَا ترقد على الصندوق الَّذِي فِيهِ الْوَدِيعَة فرقد وانكسر بثقله وَتلف مَا فِيهِ بانكساره لَا إِن تلف بِغَيْرِهِ كسرقة فَلَا يضمن وَلَا إِن نَهَاهُ عَن قفلين فأقفلهما لِأَن رقاده وقفله ذَلِك زِيَادَة فِي الْحِفْظ
ثمَّ شرع فِي الحكم الثَّانِي وَهُوَ الرَّد بقوله (وَقَول الْمُودع) بِفَتْح الدَّال (مَقْبُول فِي ردهَا على الْمُودع) بِكَسْرِهَا بِيَمِينِهِ وَإِن أشهد عَلَيْهِ بهَا عِنْد دَفعهَا لِأَنَّهُ ائتمنه
تَنْبِيه مَا ذكره المُصَنّف يجْرِي فِي كل أَمِين كوكيل وَشريك وعامل قِرَاض وجاب فِي رد مَا جباه على الَّذِي اسْتَأْجرهُ للجباية كَمَا قَالَه ابْن الصّلاح
وَضَابِط الَّذِي يصدق بِيَمِينِهِ فِي الرَّد هُوَ كل أَمِين ادّعى الرَّد على من ائتمنه صدق بِيَمِينِهِ إِلَّا الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر فَإِنَّهُمَا لَا يصدقان فِي الرَّد لِأَنَّهُمَا أخذا الْعين لغَرَض أَنفسهمَا فَإِن ادّعى الرَّد على غير من ائتمنه كوارث الْمَالِك أَو

(2/378)


ادّعى وَارِث الْمُودع بِفَتْح الدَّال رد الْوَدِيعَة على الْمَالِك أَو أودع الْمُودع عِنْد سَفَره أَمينا فَادّعى الْأمين الرَّد على الْمَالِك طُولِبَ كل مِمَّن ذكر بِبَيِّنَة بِالرَّدِّ على من ذكر إِذْ الأَصْل عدم الرَّد وَلم يأتمنه
القَوْل فِي مَا يجب على الْوَدِيع (وَعَلِيهِ) أَي الْوَدِيع (أَن يحفظها) أَي الْوَدِيعَة لمَالِكه أَو وَارثه (فِي حرز مثلهَا) فَإِن أخر إحرازها مَعَ التَّمَكُّن أَو دلّ عَلَيْهَا سَارِقا بِأَن عين لَهُ مَكَانهَا وضاعت بِالسَّرقَةِ أَو دلّ عَلَيْهَا من يصادر الْمَالِك بِأَن عين لَهُ موضعهَا فَضَاعَت بذلك ضمنهَا لمنافاة ذَلِك للْحِفْظ بِخِلَاف مَا إِذا أعلم بهَا غَيره
فَلَو أكره الْوَدِيع ظَالِم على تَسْلِيم الْوَدِيعَة حَتَّى سلمهَا إِلَيْهِ فللمالك تضمين الْوَدِيع لتسليمه ثمَّ يرجع على الظَّالِم لاستيلائه عَلَيْهَا وَيجب على الْوَدِيع إِنْكَار الْوَدِيعَة من الظَّالِم والامتناع من إِعْلَامه بهَا جهده فَإِن ترك ذَلِك مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ ضمن وَله أَن يحلف على ذَلِك لمصْلحَة حفظهَا
قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَيتَّجه وجوب الْحلف إِذا كَانَت الْوَدِيعَة رَقِيقا والظالم يُرِيد قَتله أَو الْفُجُور بِهِ وَيجب أَن يوري فِي يَمِينه إِذا حلف وَأمكنهُ التورية وَكَانَ يعرفهَا لِئَلَّا يحلف كَاذِبًا فَإِن لم يور كفر عَن يَمِينه لِأَنَّهُ كَاذِب فِيهَا
فَإِن حلف بِالطَّلَاق أَو الْعتْق مكْرها عَلَيْهِ أَو على اعترافه فَحلف حنث لِأَنَّهُ فدى الْوَدِيعَة بِزَوْجَتِهِ أَو رَقِيقه وَإِن اعْترف بهَا وَسلمهَا ضمنهَا لِأَنَّهُ فدى زَوجته أَو رَقِيقه بهَا وَلَو أعلم اللُّصُوص بمكانها فَضَاعَت بذلك ضمن لمنافاة ذَلِك للْحِفْظ لَا إِن أعلمهم بِأَنَّهَا عِنْده من غير تعْيين مَكَانهَا فَلَا يضمن بذلك
القَوْل فِي ضَمَان الْوَدِيعَة (وَإِذا طُولِبَ) أَي طَالب الْمَالِك أَو وَارثه الْوَدِيع أَو وَارثه (بهَا) أَي بردهَا (لم يُخرجهَا) أَي لم يردهَا عَلَيْهِ (مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا) وَقت طلبَهَا (حَتَّى تلفت ضمنهَا) ببدلها من مثل إِن كَانَت مثلية أَو قيمَة إِن كَانَت مُتَقَومَة لتَركه الْوَاجِب عَلَيْهِ فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وَلَيْسَ المُرَاد برد الْوَدِيعَة حملهَا إِلَى مَالِكهَا بل يحصل بِأَن يخلي بَينه وَبَينهَا فَقَط وَلَيْسَ لَهُ أَن يلْزم الْمَالِك الْإِشْهَاد وَإِن كَانَ أشهد عَلَيْهِ عِنْد الدّفع فَإِنَّهُ يصدق فِي الدّفع بِيَمِينِهِ بِخِلَاف مَا لَو طلبَهَا وَكيل الْمُودع لِأَنَّهُ لَا يقبل قَوْله فِي دَفعهَا إِلَيْهِ
وَلَو قَالَ من عِنْده وَدِيعَة لمَالِكهَا خُذ وديعتك
لزمَه أَخذهَا كَمَا فِي الْبَيَان وعَلى الْمَالِك مُؤنَة الرَّد
وَخرج بقوله مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا مَا إِذا لم يقدر على ذَلِك لعذر كَأَن كَانَ فِي جنح ليل والوديعة فِي خزانَة لَا يَتَأَتَّى فتح بَابهَا فِي ذَلِك الْوَقْت أَو كَانَ مَشْغُولًا بِصَلَاة أَو قَضَاء حَاجَة أَو فِي حمام أَو بِأَكْل طَعَام فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لعدم تَقْصِيره
الحكم الثَّالِث الْجَوَاز فللمودع الِاسْتِرْدَاد وللوديع الرَّد فِي كل وَقت أما الْمُودع فَلِأَنَّهُ الْمَالِك وَأما الْوَدِيع فَلِأَنَّهُ مُتَبَرّع بِالْحِفْظِ
قَالَ ابْن النَّقِيب وَيَنْبَغِي أَن يُقيد جَوَاز الرَّد للوديع بِحَالَة لَا يلْزمه فِيهَا الْقبُول وَإِلَّا حرم الرَّد فَإِن كَانَ بِحَالَة ينْدب فِيهَا الْقبُول فالرد خلاف الأولى إِن لم يرض بِهِ الْمَالِك
وتنفسخ بِمَا تَنْفَسِخ بِهِ الْوكَالَة من موت أَحدهمَا أَو جُنُونه أَو إغمائه أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا مر فِيهَا
القَوْل فِي ادِّعَاء الْوَدِيع تلف الْوَدِيعَة خَاتِمَة لَو ادّعى الْوَدِيع تلف الْوَدِيعَة وَلم يذكر لَهُ سَببا أَو ذكر لَهُ سَببا خفِيا كسرقة صدق فِي ذَلِك بِيَمِينِهِ
قَالَ ابْن الْمُنْذر

(2/379)


بِالْإِجْمَاع وَلَا يلْزمه بَيَان السَّبَب فِي الأولى نعم يلْزمه أَن يحلف لَهُ أَنَّهَا تلفت بِغَيْر تَفْرِيط وَإِن ذكر سَببا ظَاهرا كحريق فَإِن عرف الْحَرِيق وعمومه وَلم يحْتَمل سَلامَة الْوَدِيعَة كَمَا قَالَه ابْن الْمقري صدق بِلَا يَمِين لِأَن ظَاهر الْحَال يُغْنِيه عَن الْيَمين أما إِذا احْتمل سلامتها بِأَن عَم ظَاهرا لَا يَقِينا فَيحلف لاحْتِمَال سلامتها فَإِن عرف الْحَرِيق دون عُمُومه صدق بِيَمِينِهِ لاحْتِمَال مَا ادَّعَاهُ وَإِن جهل مَا ادَّعَاهُ من الظَّاهِر طُولِبَ بِبَيِّنَة عَلَيْهِ ثمَّ يحلف على التّلف لاحْتِمَال أَنَّهَا لم تتْلف بِهِ وَلَا يُكَلف الْبَيِّنَة على التّلف بِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يخفي
وَلَو أودعهُ ورقة مَكْتُوبًا فِيهَا الْحق الْمقر بِهِ كمائة دِينَار وَتَلفت بتقصيره ضمن قيمتهَا مَكْتُوبَة وَأُجْرَة الْكِتَابَة كَمَا قَالَه الشَّيْخَانِ بِخِلَاف مَا لَو أتلف ثوبا مطرزا فَإِنَّهُ يلْزمه قِيمَته وَلَا يلْزمه أُجْرَة التطريز لِأَن التطريز يزِيد قيمَة الثَّوْب غَالِبا وَلَا كَذَلِك الْكِتَابَة فَإِنَّهَا قد تنقصها
وَالله تَعَالَى أعلم

(2/380)


= كتاب بَيَان أَحْكَام الْفَرَائِض والوصايا = الْفَرَائِض جمع فَرِيضَة بِمَعْنى مَفْرُوضَة أَي مقدرَة لما فِيهَا من السِّهَام الْمقدرَة فَغلبَتْ على غَيرهَا
وَالْفَرْض لُغَة التَّقْدِير قَالَ الله تَعَالَى {فَنصف مَا فرضتم} أَي قدرتم
وَشرعا نصيب مُقَدّر شرعا لوَارث وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع آيَات الْمَوَارِيث وَالْأَخْبَار كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ
ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِي فَلأولى رجل ذكر فَإِن قيل مَا فَائِدَة ذكر ذكر بعد رجل أُجِيب بِأَنَّهُ للتَّأْكِيد لِئَلَّا يتَوَهَّم أَنه مُقَابل الصَّبِي بل المُرَاد أَنه مُقَابل الْأُنْثَى
فَإِن قيل لَو اقْتصر على ذكر ذكر كفتى فَمَا فَائِدَة ذكر رجل مَعَه أُجِيب بِأَن لَا يتَوَهَّم أَنه عَام مَخْصُوص
القَوْل فِي مِيرَاث الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة مَوَارِيث يورثون الرِّجَال دون النِّسَاء والكبار دون الصغار وَكَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام بِالْحلف والنصر ثمَّ نسخ فتوارثوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهجْرَة ثمَّ نسخ فَكَانَت الْوَصِيَّة وَاجِبَة للْوَالِدين والأقربين ثمَّ نسخ بآيتي الْمَوَارِيث فَلَمَّا نزلتا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله أعْطى كل ذِي حق حَقه أَلا لَا وَصِيَّة لوَارث
القَوْل فِي الْحَث على تعلم الْفَرَائِض واشتهرت الْأَخْبَار بالحث على تعليمها وتعلمها مِنْهَا تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموه أَي علم الْفَرَائِض النَّاس فَإِنِّي امْرُؤ مَقْبُوض وَإِن هَذَا الْعلم سيقبض وَتظهر الْفِتَن حَتَّى يخْتَلف اثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان من يقْضِي فِيهَا
وَمِنْهَا تعلمُوا الْفَرَائِض فَإِنَّهُ من دينكُمْ وَإنَّهُ نصف الْعلم وَإنَّهُ أول علم ينْزع من أمتِي
وَإِنَّمَا سمي نصف الْعلم لِأَن للْإنْسَان حالتين حَالَة حَيَاة وَحَالَة موت وَلكُل مِنْهُمَا أَحْكَام تخصه
وَقيل النّصْف بِمَعْنى الصِّنْف قَالَ الشَّاعِر

(2/381)


إِذا مت كَانَ النَّاس نِصْفَانِ شامت وَآخر مثن بِالَّذِي كنت أصنع وَاعْلَم أَن الْإِرْث يتَوَقَّف على ثَلَاثَة أُمُور وجود أَسبَابه وَوُجُود شُرُوطه وَانْتِفَاء موانعه
القَوْل فِي أَسبَاب الْإِرْث فَأَما الْأَسْبَاب فَأَرْبَعَة قرَابَة وَنِكَاح وَوَلَاء وجهة الْإِسْلَام
وشروطه أَيْضا أَرْبَعَة تحقق موت الْمُورث أَو إِلْحَاقه بالموتى حكما كَمَا فِي حكم القَاضِي بِمَوْت الْمَفْقُود اجْتِهَادًا أَو تحقق حَيَاة الْوَارِث بعد موت مُوَرِثه وَلَو بلحظة وَمَعْرِفَة إدلائه للْمَيت بِقرَابَة أَو نِكَاح أَو وَلَاء والجهة الْمُقْتَضِيَة للإرث تَفْصِيلًا
القَوْل فِي مَوَانِع الْإِرْث والموانع أَيْضا أَرْبَعَة كَمَا قَالَه ابْن الهائم فِي شرح كِفَايَته الرّقّ وَالْقَتْل وَاخْتِلَاف الدّين والدور الْحكمِي
وَهُوَ أَن يلْزم من تَوْرِيث شخص عدم توريثه كأخ أقرّ بِابْن للْمَيت فَيثبت نسب الابْن وَلَا يَرث
القَوْل فِي الوارثون من الرِّجَال (والوارثون من) جنس (الرِّجَال) ليدْخل فِيهِ الصَّغِير (عشرَة) بطرِيق الِاخْتِصَار مِنْهُم اثْنَان من أَسْفَل النّسَب وهما (الابْن وَابْن الابْن وَإِن سفل) بِفَتْح الْفَاء على الْأَفْصَح أَي نزل
وَاثْنَانِ من أَعْلَاهُ (و) هما (الْأَب وَالْجد) أَبُو الْأَب (وَإِن علا) وَأَرْبَعَة من الْحَوَاشِي (و) هم (الْأَخ) لِأَبَوَيْنِ أَو من أَحدهمَا (وَابْنه) أَي ابْن الْأَخ لِلْأَبَوَيْنِ أَو لأَب فَقَط ليخرج ابْن الْأَخ للْأُم فَلَا يَرث لِأَنَّهُ من ذَوي الْأَرْحَام (وَإِن تراخيا) أَي وَإِن سفل الْأَخ الْمَذْكُور وَابْنه (وَالْعم) لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب فَقَط ليخرج الْعم للْأُم فَلَا يَرث لِأَنَّهُ من ذَوي الْأَرْحَام (وَابْنه) أَي الْعم الْمَذْكُور (وَإِن تباعدا) أَي الْعم الْمَذْكُور وَابْنه
وَالْمعْنَى أَنه لَا فرق فِي الْعم بَين الْقَرِيب كعم الْمَيِّت والبعيد كعم أَبِيه وَعم جده إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي وَكَذَلِكَ ابْنه وَاثْنَانِ بِغَيْر النّسَب (و) هما (الزَّوْج) وَلَو فِي عدَّة رَجْعِيَّة (وَالْمولى) وَيُطلق على نَحْو عشْرين معنى المُرَاد مِنْهَا هُنَا السَّيِّد (الْمُعْتق) بِكَسْر التَّاء وَالْمرَاد بِهِ من صدر مِنْهُ الْإِعْتَاق أَو ورث بِهِ فَلَا يرد على الْحصْر فِي الْعشْرَة عصبَة الْمُعْتق ومعتق الْمُعْتق
وَطَرِيق الْبسط هُنَا يُقَال الوارثون من الذُّكُور خَمْسَة عشر الْأَب وَأَبوهُ وَإِن علا وَالِابْن وَابْنه وَإِن سفل وَالْأَخ الشَّقِيق وَالْأَخ للْأَب وَالْأَخ للْأُم وَابْن الْأَخ الشَّقِيق وَابْن الْأَخ للْأَب وَالْعم لِأَبَوَيْنِ وَالْعم لأَب وَابْن الْعم لِأَبَوَيْنِ وَابْن الْعم لأَب وَالزَّوْج وَالْمُعتق
القَوْل فِي الوارثات من النِّسَاء (والوارثات من) جنس (النِّسَاء) ليدْخل فِيهِنَّ الصَّغِيرَة (سبع) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة بطرِيق الِاخْتِصَار مِنْهُنَّ اثْنَتَانِ من أَسْفَل النّسَب وهما (الْبِنْت وَبنت الابْن) وَفِي بعض النّسخ (وَإِن سفلت) وَهُوَ فِي بعض نسخ الْمُحَرر أَيْضا وَصَوَابه وَإِن سفل بِحَذْف الْمُثَنَّاة إِذْ الْفَاعِل ضمير يعود على الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي وَإِن سفل الابْن فَإِن بنته تَرث وَإِثْبَات الْمُثَنَّاة يُؤَدِّي إِلَى دُخُول بنت بنت الابْن فِي الْإِرْث وَهُوَ خطأ فَتَأَمّله وثنتان من أَعلَى النّسَب (و) هما (الْأُم وَالْجدّة) المدلية بوارث كَأُمّ الْأَب وَأم الْأُم (وَإِن علت) فَخرج بالمدلية بوارث أم أبي الْأُم فَلَا تَرث
وَوَاحِدَة من الْحَوَاشِي (و) هِيَ (الْأُخْت) لِأَبَوَيْنِ أَو من أَحدهمَا
وثنتان بِغَيْر النّسَب (و) هما (الزَّوْجَة) وَلَو فِي عدَّة رَجْعِيَّة (و) السيدة (الْمُعتقَة) بِكَسْر الْمُثَنَّاة وَهِي من صدر مِنْهَا الْعتْق أَو ورثت بِهِ كَمَا مر
تَنْبِيه الْأَفْصَح أَن يُقَال فِي الْمَرْأَة زوج وَالزَّوْجَة لُغَة مرجوحة قَالَ النَّوَوِيّ واستعمالها فِي بَاب الْفَرَائِض مُتَعَيّن ليحصل الْفرق بَين الزَّوْجَيْنِ انْتهى
وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يسْتَعْمل فِي عِبَارَته الْمَرْأَة وَهُوَ حسن
وَطَرِيق الْبسط هُنَا أَن يُقَال والوارثات من النِّسَاء عشرَة الْأُم وَالْجدّة للْأَب وَالْجدّة للْأُم وَإِن علتا وَالْبِنْت وَبنت الابْن وَإِن سفل وَالْأُخْت الشَّقِيقَة وَالْأُخْت للْأَب وَالْأُخْت للْأُم وَالزَّوْجَة والمعتقة
القَوْل فِي اجْتِمَاع الذُّكُور فَلَو اجْتمع كل الذُّكُور فَقَط وَلَا يكون إِلَّا وَالْمَيِّت أُنْثَى ورث مِنْهُم ثَلَاثَة الْأَب وَالِابْن وَالزَّوْج فَقَط لأَنهم لَا يحجبون وَمن بَقِي مَحْجُوب بِالْإِجْمَاع فَابْن الابْن وَالْجد بِالْأَبِ وَتَصِح مسألتهم من اثْنَي عشر لِأَن فِيهَا

(2/382)


ربعا وسدسا وَللزَّوْج الرّبع وَللْأَب السُّدس وللابن الْبَاقِي
القَوْل فِي اجْتِمَاع الْإِنَاث أَو اجْتمع كل الْإِنَاث فَقَط وَلَا يكون إِلَّا وَالْمَيِّت ذكر فالوارثات مِنْهُنَّ خمس وَهن الْبِنْت وَبنت الابْن وَالأُم وَالْأُخْت لِأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَة وَالْبَاقِي من الْإِنَاث مَحْجُوب الْجدّة بِالْأُمِّ وَالْأُخْت للْأُم بالبنت وكل من الْأُخْت للْأَب والمعتقة بالشقيقة لكَونهَا مَعَ الْبِنْت وَبنت الابْن عصبَة تَأْخُذ الْفَاضِل عَن الْفُرُوض وَتَصِح مسألتهن من أَرْبَعَة وَعشْرين لِأَن فِيهَا سدسا وَثمنا للْأُم السُّدس وللزوجة الثّمن وللبنت النّصْف ولبنت الابْن السُّدس وَللْأُخْت الْبَاقِي وَهُوَ سهم
القَوْل فِي اجْتِمَاع الْمُمكن من الصِّنْفَيْنِ أَو اجْتمع الَّذين يُمكن اجْتِمَاعهم من الصِّنْفَيْنِ الذُّكُور وَالْإِنَاث بِأَن اجْتمع كل الذُّكُور وكل الْإِنَاث إِلَّا الزَّوْجَة فَإِنَّهَا الْميتَة أَو كل الْإِنَاث وكل الذُّكُور إِلَّا الزَّوْج فَإِنَّهُ الْمَيِّت ورث مِنْهُم فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الابْن والأبوان وَالْبِنْت وَأحد الزَّوْجَيْنِ وَهُوَ الزَّوْج حَيْثُ الْمَيِّت الزَّوْجَة وَهِي حَيْثُ الْمَيِّت الزَّوْج لحجبهم من عداهم فَالْأولى من اثْنَي عشر لِلْأَبَوَيْنِ السدسان أَرْبَعَة وَللزَّوْج الرّبع ثَلَاثَة وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَة بَين الابْن وَالْبِنْت أَثلَاثًا وَلَا ثلث لَهُ صَحِيح فَتضْرب ثَلَاثَة فِي اثْنَي عشر تبلغ سِتَّة وَثَلَاثِينَ وَمِنْهَا تصح
وَالثَّانيَِة أَصْلهَا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ للزَّوْجَة الثّمن وللأبوين السدسان وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَة عشر بَين الابْن وَالْبِنْت أَثلَاثًا وَلَا ثلث لَهُ صَحِيح فَتضْرب ثَلَاثَة فِي أَرْبَعَة وَعشْرين تبلغ اثْنَيْنِ وَسبعين وَمِنْهَا تصح
ضَابِط كل من انْفَرد من الذُّكُور حَاز جَمِيع التَّرِكَة إِلَّا الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وَمن قَالَ بِالرَّدِّ لَا يسْتَثْنى إِلَّا الزَّوْج
وكل من انْفَرد من الْإِنَاث لَا يحوز جَمِيع المَال إِلَّا المعتقه وَمن قَالَ بِالرَّدِّ لَا يسْتَثْنى من حوز جَمِيع المَال إِلَّا الزَّوْجَة
القَوْل فِي مِيرَاث ذَوي الْأَرْحَام تَنْبِيه قد علم من كَلَام المُصَنّف كَغَيْرِهِ أَن ذَوي الْأَرْحَام لَا يَرِثُونَ وهم كل قريب لَيْسَ بِذِي فرض وَلَا عصبَة وهم أحد عشر صنفا جد وَجدّة ساقطان كَأبي أم وَأم أبي أم وَإِن علتا وَهَذَانِ صنف وَاحِد وَأَوْلَاد بَنَات لصلب أَو لِابْنِ من ذُكُور وإناث وَبَنَات إخْوَة لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب أَو لأم وَأَوْلَاده أَخَوَات كَذَلِك وَبَنُو إخْوَة لأم وَعم لأم أَي أَخُو الْأَب لأمه وَبَنَات أعمام لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب أَو لأم وعمات بِالرَّفْع وأخوال وخالات ومدلون بهم أَي بِمَا عدا الأول إِذْ لم يبْق فِي الأول من يُدْلِي بِهِ
وَمحل هَذَا إِذا استقام أَمر بَيت المَال فَإِذا لم يستقم أَمر بَيت المَال وَلم يكن عصبَة وَلَا ذُو فرض مُسْتَغْرق ورث ذَوُو الْأَرْحَام كَمَا صَححهُ فِي الزَّوَائِد
وَفِي كَيْفيَّة توريثهم مذهبان أَحدهمَا وَهُوَ الْأَصَح مَذْهَب أهل التَّنْزِيل وَهُوَ أَن ينزل كل مِنْهُم منزلَة من يُدْلِي بِهِ وَالثَّانِي مَذْهَب أهل الْقَرَابَة وَهُوَ تَقْدِيم الْأَقْرَب مِنْهُم إِلَى الْمَيِّت
فَفِي بنت بنت وَبنت بنت ابْن المَال على الأول بَينهمَا أَربَاعًا وعَلى الثَّانِي لبِنْت الْبِنْت لقربها إِلَى الْمَيِّت
وَقد بسطت الْكَلَام على ذَلِك فِي غير هَذَا الْكتاب هَذَا كُله إِذا وجد أحد من ذَوي الْأَرْحَام وَإِلَّا فَحكمه كَمَا قَالَه الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام أَنه إِذا جارت الْمُلُوك فِي مَال الْمصَالح فظفر بِهِ أحد يعرف المصارف أَخذه وَصَرفه فِيهَا كَمَا يصرفهُ الإِمَام الْعَادِل وَهُوَ مأجور على ذَلِك
قَالَ وَالظَّاهِر وُجُوبه
القَوْل فِي الْحجب بالشخص ثمَّ شرع فِيمَن يحجب وَمن لَا يحجب بقوله (وَمن) أَي وَالَّذِي (لَا يسْقط بِحَال) أَي الَّذِي لَا يحجب حجب حرمَان والحجب فِي اللُّغَة هُوَ الْمَنْع
وَشرعا منع من قَامَ بِهِ سَبَب الْإِرْث من الْإِرْث بِالْكُلِّيَّةِ أَو من أوفر حظيه
وَيُسمى الأول حجب حرمَان وَالثَّانِي حجب نُقْصَان فَالثَّانِي كحجب الْوَلَد الزَّوْج من النّصْف إِلَى الرّبع وَيُمكن دُخُوله على جَمِيع الْوَرَثَة وَالْأول قِسْمَانِ حجب بِالْوَصْفِ وَيُسمى منعا كَالْقَتْلِ وَالرّق وَسَيَأْتِي وَيُمكن دُخُوله على جَمِيع الْوَرَثَة أَيْضا
وحجب بالشخص أَو الِاسْتِغْرَاق وَهُوَ المُرَاد هُنَا كَمَا يُؤْخَذ من كَلَام المُصَنّف
وَمن لَا يسْقط بِحَال (خَمْسَة) وهم (الزَّوْجَانِ والأبوان وَولد الصلب) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَهَذَا إِجْمَاع لِأَن كلا مِنْهُم يُدْلِي إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ بِنسَب أَو نِكَاح وَلَيْسَ فرعا لغيره وَالْأَصْل مقدم على الْفَرْع فَخرج بقولنَا وَلَيْسَ فرعا لغيره الْمُعْتق ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى فَإِنَّهُ وَإِن أدلى إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ يحجب لِأَنَّهُ فرع لغيره وَهُوَ النّسَب وَهَذَا أولى من قَول بَعضهم وَضَابِط من لَا يدْخل عَلَيْهِ الْحجب بالشخص حجب حرمَان كل من أدلى إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ إِلَّا الْمُعْتق والمعتقة
القَوْل فِي الْحجب بِالْوَصْفِ ثمَّ شرع فِي الْحجب بِالْوَصْفِ بقوله (وَمن) أَي الَّذِي (لَا يَرث بِحَال) أَي مُطلقًا سَبْعَة بل أَكثر كَمَا ستعرفه الأول

(2/383)


(العَبْد) قَالَ ابْن حزم وَهُوَ يَشْمَل الذّكر وَالْأُنْثَى
وَقَالَ فِي الْمُحكم العَبْد وَهُوَ الْمَمْلُوك ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى
(و) الثَّانِي الرَّقِيق (الْمُدبر و) الثَّالِث (أم الْوَلَد و) الرَّابِع الرَّقِيق (الْمكَاتب) لنقصهم بِالرّقِّ
وَكَانَ الأخصر للْمُصَنف أَن يَقُول أَرْبَعَة بدل سَبْعَة ويعبر عَن هَؤُلَاءِ بِالرّقِّ إِلَى آخر كَلَامه
تَنْبِيه إِطْلَاقه مشْعر بِأَنَّهُ لَا فرق بَين كَامِل الرّقّ وَغَيره وَهُوَ كَذَلِك إِذْ الصَّحِيح أَن الْمبعض لَا يَرث بِقدر مَا فِيهِ من الْحُرِّيَّة لِأَنَّهُ نَاقص بِالرّقِّ فِي النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْولَايَة فَلم يَرث كالقن وَلَا يُورث الرَّقِيق كُله وَأما الْمبعض فيورث عَنهُ مَا ملكه بِبَعْضِه الْحر لِأَنَّهُ تَامّ الْملك عَلَيْهِ فيرثه عَنهُ قَرِيبه الْحر أَو مُعتق بعضه وَزَوجته وَلَا شَيْء لسَيِّده لاستيفائه حَقه مِمَّا اكْتَسبهُ بالرقية
وَاسْتثنى من كَون الرَّقِيق لَا يُورث كَافِر لَهُ أَمَان وَجَبت لَهُ جِنَايَة حَال حُرِّيَّته وأمانه ثمَّ نقض الْأمان فسبي واسترق وَحصل الْمَوْت بِالسّرَايَةِ فِي حَال رقّه فَإِن قدر الْأَرْش من قِيمَته لوَرثَته على الْأَصَح قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلَيْسَ لنا رَقِيق كُله يُورث إِلَّا هَذَا
(و) الْخَامِس (الْقَاتِل) فَلَا يَرث الْقَاتِل من مقتوله مُطلقًا لخَبر التِّرْمِذِيّ وَغَيره لَيْسَ للْقَاتِل شَيْء أَي من الْمِيرَاث وَلِأَنَّهُ لَو ورث لم يُؤمن أذ يستعجل بِالْقَتْلِ فاقتضت الْمصلحَة حرمانه وَلِأَن الْقَتْل قطع الْمُوَالَاة وَهِي سَبَب الْإِرْث
وَسَوَاء أَكَانَ الْقَتْل عمدا أم غَيره مَضْمُونا أم لَا بِمُبَاشَرَة أم لَا قصد مصْلحَته كضرب الْأَب أَو الزَّوْج أَو الْمعلم أم لَا مكْرها أم لَا فَكل ذَلِك تنَاوله إِطْلَاقه (و) السَّادِس (الْمُرْتَد) وَنَحْوه كيهودي تنصر فَلَا يَرث أحدا إِذْ لَيْسَ بَينه وَبَين أحد مُوالَاة فِي الدّين لِأَنَّهُ ترك دينا كَانَ يقر عَلَيْهِ وَلَا يقر على دينه الَّذِي انْتقل إِلَيْهِ وَظَاهر كَلَامهم أَنه لَا يَرث وَلَو عَاد بعده لِلْإِسْلَامِ بعد موت مُوَرِثه وَهُوَ كَذَلِك كَمَا حكى الْإِجْمَاع عَلَيْهِ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَمَا وَقع لِابْنِ الرّفْعَة فِي الْمطلب من تَقْيِيده بِمَا إِذا مَاتَ مُرْتَدا وَأَنه إِذا أسلم تبين إِرْثه غلطه فِي ذَلِك صَاحبه السُّبْكِيّ فِي الابتهاج
وَقَالَ إِنَّه فِيهِ خارق للْإِجْمَاع
تَنْبِيه تنَاول إِطْلَاق المُصَنّف الْمُعْلن وَغَيره وَهُوَ كَذَلِك وكما لَا يَرث الْمُرْتَد لَا يُورث لما مر لَكِن لَو قطع شخص طرف مُسلم فَارْتَد الْمَقْطُوع وَمَات سرَايَة وَجب قَود الطّرف ويستوفيه من كَانَ وَارثه لَوْلَا الرِّدَّة وَمثله حد الْقَذْف
(و) السَّابِع (أهل ملتين) مختلفتين كملتي الْإِسْلَام وَالْكفْر فَلَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا الْكَافِر الْمُسلم لانْقِطَاع الْمُوَالَاة بَينهمَا
وانعقد الْإِجْمَاع على أَن الْكَافِر لَا يَرث الْمُسلم وَاخْتلفُوا فِي تَوْرِيث الْمُسلم مِنْهُ فالجمهور على الْمَنْع
فَإِن قيل يرد على مَا ذكر مَا لَو مَاتَ كَافِر عَن زَوْجَة كَافِرَة حَامِل ووقف الْمِيرَاث فَأسْلمت ثمَّ ولدت فَإِن الْوَلَد يَرث مِنْهُ مَعَ حكمنَا بِإِسْلَامِهِ بِإِسْلَام أمه
أُجِيب بِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ يَوْم موت أَبِيه وَقد ورث مذ كَانَ حملا وَلِهَذَا قَالَ الكتاني من محققي الْمُتَأَخِّرين إِن لنا جمادا يملك وَهُوَ النُّطْفَة وَاسْتَحْسنهُ السُّبْكِيّ
قَالَ الدَّمِيرِيّ وَفِيه نظر إِذْ الجماد مَا لَيْسَ بحيوان وَلَا كَانَ حَيَوَانا
يَعْنِي وَلَا أصل حَيَوَان
وَخرج بملتي الْإِسْلَام وَالْكفْر ملتا الْكفْر إِذا كَانَ لَهما عهد فيتوارثان كيهودي من نَصْرَانِيّ وَنَصْرَانِي من مَجُوسِيّ ومجوسي من وَثني وَبِالْعَكْسِ لِأَن جَمِيع ملل الْكفْر فِي الْبطلَان كالملة الْوَاحِدَة قَالَ تَعَالَى {فَمَاذَا بعد الْحق إِلَّا الضلال}

(2/384)


فَإِن قيل كَيفَ يتَصَوَّر إِرْث الْيَهُودِيّ من النَّصْرَانِي وَعَكسه فَإِن الْأَصَح أَن من انْتقل من مِلَّة إِلَى مِلَّة لَا يقر أُجِيب بتصور ذَلِك فِي الْوَلَاء وَالنِّكَاح وَفِي النّسَب أَيْضا فِيمَا إِذا كَانَ أحد أَبَوَيْهِ يَهُودِيّا وَالْآخر نَصْرَانِيّا أما بِنِكَاح أَو وَطْء شُبْهَة فَإِنَّهُ يتَخَيَّر بعد بُلُوغه كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ قبيل نِكَاح الْمُشرك حَتَّى لَو كَانَ لَهُ ولدان وَاخْتَارَ أَحدهمَا الْيَهُودِيَّة وَالْآخر النَّصْرَانِيَّة جعل التَّوَارُث بَينهمَا بالأبوة والأمومة والأخوة مَعَ اخْتِلَاف الدّين
أما الْحَرْبِيّ وَغَيره كذمي ومعاهد فَلَا توارث بَين الْحَرْبِيّ وَغَيره لانْقِطَاع الْمُوَالَاة بَينهمَا
وَالثَّامِن إِيهَام وَقت الْمَوْت فَلَو مَاتَ متوارثان بغرق أَو حرق أَو هدم أَو فِي بِلَاد غربَة مَعًا أَو جهل أسبقهما أَو علم سبق وَجَهل لم يَرث أَحدهمَا من الآخر شَيْئا لِأَن من شَرط الْإِرْث كَمَا مر تَحْقِيق حَيَاة الْوَارِث بعد موت الْمُورث وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ
وَالْجهل بِالسَّبقِ صَادِق بِأَن يعلم أصل السَّبق وَلَا يعلم عين السَّابِق وَبِأَن لَا يعلم بسبق أصلا
وصور الْمَسْأَلَة خمس الْعلم بالمعية الْعلم بِالسَّبقِ وَعين السَّابِق الْجَهْل بالمعية والسبق الْجَهْل بِعَين السَّابِق مَعَ الْعلم بِالسَّبقِ التباس السَّابِق بعد معرفَة عينه فَفِي الصُّورَة الْأَخِيرَة يُوقف الْمِيرَاث إِلَى الْبَيَان أَو الصُّلْح وَفِي الصُّورَة الثَّانِيَة تقسم التَّرِكَة وَفِي الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة تَرِكَة كل من الميتين بغرق وَنَحْوه لباقي ورثته لِأَن الله تَعَالَى إِنَّمَا ورث الْأَحْيَاء من الْأَمْوَات وَهنا لم تعلم حَيَاته عِنْد موت صَاحبه فَلم يَرث كالجنين إِذا خرج مَيتا
وَالتَّاسِع الدّور الْحكمِي وَقد مر مِثَاله
والعاشر اللّعان فَإِنَّهُ يقطع التَّوَارُث ذكره الْغَزالِيّ
القَوْل فِي مَوَانِع الْمِيرَاث الْحَقِيقِيَّة وَقَالَ ابْن الهائم فِي شرح كِفَايَته الْمَوَانِع الْحَقِيقِيَّة أَرْبَعَة الْقَتْل وَالرّق وَاخْتِلَاف الدّين والدور الْحكمِي وَمَا زَاد عَلَيْهَا فتسميته مَانِعا مجَاز
وَقَالَ فِي غَيره إِنَّهَا سِتَّة الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة وَالرِّدَّة وَاخْتِلَاف الْعَهْد وَإِن مَا زَاد عَلَيْهَا مجَاز وَانْتِفَاء الْإِرْث مَعَه لَا لِأَنَّهُ مَانع بل لانْتِفَاء الشَّرْط كَمَا فِي جهل التَّارِيخ وَهَذَا أوجه وعد بَعضهم من الْمَوَانِع النُّبُوَّة لخَبر الصَّحِيحَيْنِ نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَالْحكمَة فِيهِ أَن لَا يتَمَنَّى أحد من الْوَرَثَة مَوْتهمْ لذَلِك فَيهْلك وَأَن لَا يظنّ بهم الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا وَأَن يكون مَالهم صَدَقَة بعد وفاتهم توفيرا لأجورهم
وَقد علم مِمَّا تقرر أَن النَّاس فِي الْإِرْث على أَرْبَعَة أَقسَام مِنْهُم من يَرث وَيُورث وَعَكسه فيهمَا
وَمِنْهُم من يُورث وَلَا يَرث وَعَكسه
فَالْأولى كزوجين وأخوين وَالثَّانِي كرقيق ومرتد وَالثَّالِث كمبعض وجنين فِي غرته فَقَط فَإِنَّهَا تورث عَنهُ لَا غَيرهَا
وَالرَّابِع الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّهُم يَرِثُونَ وَلَا يورثون
القَوْل فِي الْعَصَبَات (وَأقرب الْعَصَبَات) من النّسَب الْعصبَة بِنَفسِهِ وهم (الابْن) لِأَنَّهُ يُدْلِي إِلَى الْمَيِّت بِنَفسِهِ (ثمَّ ابْنه) وَإِن سفل لِأَنَّهُ يقوم مقَام أَبِيه فِي الْإِرْث فَكَذَا فِي التَّعْصِيب (ثمَّ الْأَب) لإدلاء سَائِر الْعَصَبَات بِهِ (ثمَّ أَبوهُ) وَإِن علا (ثمَّ الْأَخ للْأَب وَالأُم) أَي الشَّقِيق وَلَو

(2/385)


عبر بِهِ كَانَ أخصر (ثمَّ الْأَخ للْأَب) لِأَن كلا مِنْهُمَا ابْن الْأَب يُدْلِي بِنَفسِهِ (ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب وَالأُم) أَي الشَّقِيق (ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب) لِأَن كلا مِنْهُمَا يُدْلِي بِنَفسِهِ كأبيه (ثمَّ الْعم على هَذَا التَّرْتِيب) أَي فَيقدم الْعم الشَّقِيق على الْعم للْأَب لِأَن كلا مِنْهُمَا ابْن الْجد ويدلي للْمَيت بِنَفسِهِ
(ثمَّ ابْنه) أَي الْعم على تَرْتِيب أَبِيه فَيقدم ابْن الْعم الشَّقِيق على ابْن الْعم للْأَب ثمَّ عَم الْأَب من الْأَبَوَيْنِ ثمَّ من الْأَب ثمَّ بنوهما كَذَلِك ثمَّ عَم الْجد من الْأَبَوَيْنِ ثمَّ من الْأَب ثمَّ بنوهما كَذَلِك إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي قَالَه فِي الرَّوْضَة وَتَركه المُصَنّف اختصارا (فَإِذا عدمت الْعَصَبَات) من النّسَب الَّذين يتعصبون بِأَنْفسِهِم (فالمولى الْمُعْتق) والعصبات جمع عصبَة وَيُسمى بِهِ الْوَاحِد وَالْجمع والمذكر والمؤنث قَالَه المطرزي وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَأنكر ابْن الصّلاح إِطْلَاقه على الْوَاحِد لِأَنَّهُ جمع عاصب وَمعنى الْعصبَة لُغَة قرَابَة الرجل لِأَبِيهِ
وَشرعا من لَيْسَ لَهُم سهم مُقَدّر من الْوَرَثَة فيرث التَّرِكَة إِذا انْفَرد أَو مَا فضل بعد الْفُرُوض فقولنا يَرث التَّرِكَة صَادِق بالعصبة بِنَفسِهِ وَهُوَ مَا تقدم وبنفسه وَغَيره مَعًا
والعصبة بِغَيْرِهِ من الْبَنَات وَالْأَخَوَات غير ولد الْأُم مَعَ أخيهن
وَقَوْلنَا أَو مَا فضل إِلَى آخِره صَادِق بذلك وبالعصبة مَعَ غَيره وَهن الْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات وَبَنَات الابْن فَلَيْسَ لَهُنَّ حَال يستغرقن فِيهِ التَّرِكَة
وَالْمُعتق يَشْمَل الذّكر وَالْأُنْثَى لإِطْلَاق قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق وَلِأَن الإنعام بِالْإِعْتَاقِ مَوْجُود من الرجل وَالْمَرْأَة فاستويا فِي الْإِرْث
وَحكى ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع وَإِنَّمَا قدم النّسَب عَلَيْهِ لقُوته ويرشد إِلَيْهِ الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب شبه بِهِ والمشبه دون الْمُشبه بِهِ (ثمَّ عصبته) أَي الْمُعْتق بِنسَب المتعصبون بِأَنْفسِهِم كابنه وأخيه لَا كبنته وَأُخْته وَلَو مَعَ أخويهما المعصبين لَهما لِأَنَّهُمَا من أَصْحَاب الْفُرُوض وَلَا للْعصبَةِ مَعَ غَيره وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْوَلَاء أَضْعَف من النّسَب المتراخي وَإِذا ترَاخى النّسَب ورث الذُّكُور دون الْإِنَاث كبني الْأَخ وَبني الْعم دون أخواتهم فَإِذا لم تَرث بنت الْأَخ وَبنت الْعم فبنت الْمُعْتق أولى أَن لَا تَرث لِأَنَّهَا أبعد مِنْهُمَا وَالْمُعْتَبر أقرب عصباته يَوْم موت الْعَتِيق فَلَو مَاتَ الْمُعْتق وَخلف ابْنَيْنِ ثمَّ مَاتَ أَحدهمَا وَخلف ابْنا ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق فولاؤه لِابْنِ الْمُعْتق دون ابْن ابْنه
تَنْبِيه كَلَام المُصَنّف كَالصَّرِيحِ فِي أَن الْوَلَاء لَا يثبت للْعصبَةِ فِي حَيَاة الْمُعْتق بل إِنَّمَا يثبت بعده وَلَيْسَ بِمُرَاد بل الْوَلَاء ثَابت لَهُم فِي حَيَاة الْمُعْتق على الْمَذْهَب الْمَنْصُوص فِي الْأُم إِذْ لَو لم يثبت لَهُم الْوَلَاء إِلَّا بعد مَوته لم يرثوا
وَقَالَ السُّبْكِيّ يتلخص للأصحاب فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَهُم مَعَه لَكِن هُوَ الْمُقدم عَلَيْهِم فِيمَا يُمكن جعله لَهُ كإرث المَال وَنَحْوه اه
وترتيبهم هُنَا

(2/386)


كالترتيب الْمُتَقَدّم فِي النّسَب إِلَّا فِي مسَائِل مِنْهَا إِذا اجْتمع الْجد وَالْأَخ الشَّقِيق أَو لأَب قدم الْأَخ هُنَا فِي الْوَلَاء على الْأَظْهر بِخِلَافِهِ فِي النّسَب فَلَو اجْتمعَا مَعَه فَلَا يقدم أَوْلَاد الْأَب على الْجد على الْأَصَح بل يقتسم الْجد مَعَ الشَّقِيق فَقَط
وَمِنْهَا مَا إِذا كَانَ مَعَ الْجد ابْن الْأَخ فَالْأَظْهر تَقْدِيم ابْن الْأَخ فِي الْوَلَاء لقُوَّة الْبُنُوَّة
وَمِنْهَا إِذا كَانَ للْمُعْتق ابْنا عَم أَحدهمَا أَخ لأم فَالْمَذْهَب تَقْدِيمه
وَسكت المُصَنّف عَمَّا إِذا لم يكن للْمُعْتق عصبَة وَحكمه أَن التَّرِكَة لمعتق الْمُعْتق ثمَّ لعصبته على التَّرْتِيب الْمُعْتَبر فِي عصبات الْمُعْتق ثمَّ لمعتق مُعتق الْمُعْتق وَهَكَذَا كَمَا فِي الرَّوْضَة فَإِن فقدوا فمعتق الْأَب ثمَّ عصبته ثمَّ مُعتق الْجد ثمَّ عصبته وَهَكَذَا فَإِن لم يكن وَارِث انْتقل المَال لبيت المَال إِرْثا للْمُسلمين إِذا انتظم أَمر بَيت المَال أما إِذا لم يَنْتَظِم لكَون الإِمَام غير عَادل فَإِنَّهُ يرد على أهل الْفُرُوض غير الزَّوْجَيْنِ لِأَن عِلّة الرَّد الْقَرَابَة وَهِي مفقودة فيهمَا
وَنقل ابْن سُرَيج فِيهِ الْإِجْمَاع هَذَا إِذا لم يَكُونَا من ذَوي الْأَرْحَام فَلَو كَانَ مَعَ الزَّوْجِيَّة رحم رد عَلَيْهَا كَبِنْت الْخَالَة وَبنت الْعم لَكِن الصّرْف إِلَيْهِم من جِهَة الرَّحِم لَا من جِهَة الزَّوْجِيَّة وَإِنَّمَا يرد مَا فضل عَن فروضهم بِالنِّسْبَةِ لسهام من يرد عَلَيْهِ طلبا للعدل فيهم فَفِي بنت وَأم يبْقى بعد إِخْرَاج فرضهما سَهْمَان من سِتَّة للْأُم ربعهما نصف سهم وللبنت ثَلَاثَة أرباعهما فَتَصِح الْمَسْأَلَة من اثْنَي عشر وَترجع بالاختصار إِلَى أَرْبَعَة للْبِنْت ثَلَاثَة وَللْأُمّ وَاحِد
وَذكرت أَشْيَاء من ذَلِك مِمَّا لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمُخْتَصر فِي شرح التَّنْبِيه وَغَيره
القَوْل فِي الْإِرْث بِالْفَرْضِ وَبَيَان الْفُرُوض ثمَّ شرع فِي بَيَان الْفُرُوض وأصحابها وهم كل من لَهُ سهم مُقَدّر شرعا لَا يزِيد وَلَا ينقص وَقدر مَا يسْتَحقّهُ كل مِنْهُم بقوله (والفروض) جمع فرض بِمَعْنى نصيب أَي الْأَنْصِبَاء (الْمَذْكُورَة) أَي الْمقدرَة أَي المحصورة للْوَرَثَة بِأَن لَا يُزَاد عَلَيْهَا وَلَا ينقص عَنْهَا إِلَّا لعَارض كعول فينقص أَو رد فيزاد (فِي كتاب الله تَعَالَى) للْوَرَثَة وَخبر الْفُرُوض (سِتَّة) بعول وبدونه ويعبر عَنْهَا بعبارات أوضحها (النّصْف وَالرّبع وَالثمن وَالثُّلُثَانِ وَالثلث وَالسُّدُس) وأخصرها الرّبع وَالثلث والضعف كل وَنصفه وَإِن شِئْت قلت النّصْف وَنصفه وَنصف نصفه وَالثُّلُثَانِ ونصفهما وَنصف نصفهما وَإِن شِئْت قلت النّصْف وَنصفه وربعه والسدسان ونصفهما وربعهما
وَخرج بقوله فِي كتاب الله تَعَالَى السُّدس الَّذِي للجدة ولبنت الابْن إِلَّا أَن يُقَال السُّدس مَذْكُور فِي كتاب الله تَعَالَى لَا مَعَ كَون من يسْتَحقّهُ إِمَّا جدة أَو بنت ابْن والسبع وَالتسع فِي مسَائِل الْعَوْل إِلَّا أَن يُقَال الأول سدس عائل وَالثَّانِي ثمن عائل وَثلث مَا يبْقى فِي الغراوين كَزَوج وأبوين وَزَوْجَة وأبوين وَفِي مسَائِل الْجد حَيْثُ مَعَه ذُو فرض كَأُمّ وجد وَخَمْسَة إخْوَة فَإِنَّهُ من قبيل الِاجْتِهَاد
القَوْل فِي أَصْحَاب النّصْف (ف) الْفَرْض الأول (النّصْف) بَدَأَ المُصَنّف بِهِ كَغَيْرِهِ لكَونه أكبر كسر مُفْرد
قَالَ السُّبْكِيّ وَكنت أود أَن لَو بدأوا بالثلثين لِأَن الله تَعَالَى بَدَأَ بهما حَتَّى رَأَيْت أَبَا النَّجَاء وَالْحُسَيْن بن عبد الْوَاحِد الوني بدآ بهما فَأَعْجَبَنِي ذَلِك وَهُوَ (فرض خَمْسَة) أَحدهَا (الْبِنْت) إِذا انْفَرَدت عَن جنس الْبُنُوَّة وَالإِخْوَة لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانَت وَاحِدَة فلهَا النّصْف}
(و) ثَانِيهَا (بنت الابْن) وَإِن سفل بِالْإِجْمَاع (إِذا انْفَرَدت) عَن تعصيب وتنقيص فَخرج بِالتَّعْصِيبِ مَا إِذا كَانَ مَعهَا أَخ فِي درجتها فَإِنَّهُ يعصبها وَيكون لَهَا نصف مَا حصل لَهُ وبالتنقيص مَا إِذا كَانَ مَعهَا بنت صلب فَإِن لَهَا مَعهَا السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ
وَلَو عبر بالشقيقة لَكَانَ أخصر
(و) رَابِعهَا (الْأُخْت من الْأَب) إِذا انْفَرَدت عَن جنس الْبُنُوَّة وَالإِخْوَة لقَوْله تَعَالَى {وَله أُخْت فلهَا نصف مَا ترك} قَالَ ابْن الرّفْعَة وَأَجْمعُوا على أَن

(2/387)


(و) ثَالِثهَا (الْأُخْت من الْأَب وَالأُم) إِذا انْفَرَدت عَن جنس الْبُنُوَّة وَالإِخْوَة المُرَاد بهَا الْأُخْت الشَّقِيقَة وَالْأُخْت من الْأَب وَخرج بِقَيْد الِانْفِرَاد عَمَّن ذكر فِي الْأَرْبَعَة الزَّوْج فَإِن لكل وَاحِدَة مَعَ وجوده النّصْف أَيْضا
(و) خَامِسهَا (الزَّوْج إِذا لم يكن لَهَا) أَي لزوجته (ولد) مِنْهُ أَو من غَيره وَيصدق الْوَلَد بِالذكر وَالْأُنْثَى (وَلَا ولد ابْن) لَهَا وَإِن سفل مِنْهُ أَو من غَيره أما مَعَ عدم الْوَلَد فَلقَوْله تَعَالَى {وَلكم نصف مَا ترك أزواجكم إِن لم يكن لَهُنَّ ولد} وانعقد الْإِجْمَاع على أَن ولد الابْن كَوَلَد الصلب فِي حجب الزَّوْج من النّصْف إِلَى الرّبع إِمَّا لصدق اسْم الْوَلَد عَلَيْهِ مجَازًا وَإِمَّا قِيَاسا على الْإِرْث والتعصيب فَإِنَّهُ فيهمَا كَوَلَد الصلب إِجْمَاعًا
القَوْل فِي أَصْحَاب الرّبع (و) الْفَرْض الثَّانِي (الرّبع وَهُوَ فرض اثْنَيْنِ) فرض (الزَّوْج مَعَ الْوَلَد) لزوجته مِنْهُ أَو من غَيره (أَو) مَعَ (ولد الابْن) لَهَا وَإِن سفل مِنْهُ أَو من غَيره أما مَعَ الْوَلَد فَلقَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَ لَهُنَّ ولد فلكم الرّبع} وَأما مَعَ ولد الابْن فَلَمَّا مر
وَخرج بِقَيْد الابْن هُنَا وَفِيمَا قبله ولد الْبِنْت فَإِنَّهُ لَا يَرث وَلَا يحجب (وَهُوَ) أَي الرّبع (للزَّوْجَة) الْوَاحِدَة (و) لكل (الزَّوْجَات) بِالسَّوِيَّةِ (مَعَ عدم الْوَلَد) للزَّوْج (أَو) عدم (ولد الابْن) لَهُ وَإِن سفل أما مَعَ عدم الْوَلَد فَلقَوْله تَعَالَى {ولهن الرّبع مِمَّا تركْتُم إِن لم يكن لكم ولد} وَأما مَعَ عدم ولد الابْن فبالإجماع واستفيد من تَعْبِيره بالزوجات بعد الْوَاحِدَة أَن مَا فَوق الْوَاحِدَة إِلَى انْتِهَاء الْأَرْبَع فِي اسْتِحْقَاق الرّبع كالواحدة وَهُوَ إِجْمَاع كَمَا قَالَه ابْن الْمُنْذر
تَنْبِيه قد تَرث الْأُم الرّبع فرضا فِيمَا إِذا ترك زَوْجَة وأبوين فللزوجة الرّبع وَللْأُمّ ثلث مَا بَقِي وَاحِد وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة ربع وَلَكنهُمْ تأدبوا مَعَ لفظ الْقُرْآن الْعَظِيم
القَوْل فِي أَصْحَاب الثّمن (و) الْفَرْض الثَّالِث (الثّمن) وَهُوَ (فرض الزَّوْجَة) الْوَاحِدَة (و) كل (الزَّوْجَات) بالتسوية (مَعَ الْوَلَد) للزَّوْج مِنْهَا أَو من غَيرهَا (أَو) مَعَ (ولد الابْن) لَهُ وَإِن سفل أما مَعَ الْوَلَد فَلقَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَ لكم ولد فَلَهُنَّ الثّمن} وَأما مَعَ ولد الابْن فَلَمَّا تقدم
من الْإِجْمَاع وَالْقِيَاس على ولد الصلب وَيُسْتَفَاد من تَعْبِيره هُنَا بالزوجات بعد الْوَاحِدَة مَا اسْتُفِيدَ فِيمَا قبله
القَوْل فِي أَصْحَاب الثُّلثَيْنِ (و) الْفَرْض الرَّابِع (الثُّلُثَانِ) وَهُوَ قَوْله (فرض أَرْبَعَة البنتين) فَأكْثر أما فِي البنتين فبالإجماع الْمُسْتَند لما صَحَّ الْحَاكِم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى بِنْتي سعد بن الرّبيع الثُّلثَيْنِ وَإِلَى الْقيَاس على الْأُخْتَيْنِ وَمِمَّا احْتج بِهِ أَيْضا أَن الله تَعَالَى قَالَ {للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} وَهُوَ لَو كَانَ مَعَ وَاحِدَة كَانَ حظها الثُّلُث فَأولى وَأَحْرَى أَن يجب لَهَا ذَلِك مَعَ أُخْتهَا وَأما فِي الْأَكْثَر من ثِنْتَيْنِ فلعموم قَوْله تَعَالَى {فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثلثا مَا ترك} وَفرض (بَنَات الابْن) وَإِن سفل وَلَو عبر ببنتي الابْن فَأكْثر كَانَ أولى ليدْخل بِنْتا الابْن وَالْألف وَاللَّام فِي الابْن للْجِنْس حَتَّى لَو كن من أَبنَاء كَانَ الحكم كَذَلِك وَهَذَا إِذا لم يكن مَعَهُنَّ بنت صلب فَإِن كَانَ فَسَيَأْتِي حكمه
(و) فرض (الْأُخْتَيْنِ) فَأكْثر (من الْأَب وَالأُم) أما فِي الْأُخْتَيْنِ فَلقَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا ترك} وَأما فِي الْأَكْثَر فلعموم قَوْله تَعَالَى {فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثلثا مَا ترك} وفللآية الْكَرِيمَة الْمُتَقَدّمَة فَإِن المُرَاد بهما الصنفان كَمَا حكى ابْن الرّفْعَة فِيهِ الْإِجْمَاع وَأما فِي الْأَكْثَر فلعموم قَوْله تَعَالَى {فَإِن كن نسَاء فَوق}

(2/388)


فرض (الْأُخْتَيْنِ) فَأكْثر (من الْأَب) عِنْد فقد الشقيقتين أما فِي الْأُخْتَيْنِ اثْنَتَيْنِ كَمَا تقدم
تَنْبِيه ضَابِط من يَرث الثُّلثَيْنِ من تعدد من الْإِنَاث مِمَّن فَرْضه النّصْف عِنْد انفرادهن عَمَّن يعصبهن أَو يحجبهن
القَوْل فِي أَصْحَاب الثُّلُث (و) الْفَرْض الْخَامِس (الثُّلُث) وَهُوَ (فرض اثْنَيْنِ) فرض (الْأُم إِذا لم تحجب) حجب نُقْصَان بِأَن لم يكن لميتها ولد وَلَا ولد ابْن وَارِث وَلَا اثْنَان من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات للْمَيت سَوَاء أكانوا أشقاء أم لَا ذُكُورا أم لَا محجوبين بغَيْرهَا كأخوين لأم من جد أم لَا لقَوْله تَعَالَى {فَإِن لم يكن لَهُ ولد وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} وَولد الابْن مُلْحق بِالْوَلَدِ وَالْمرَاد بالإخوة اثْنَان فَأكْثر إِجْمَاعًا قبل إِظْهَار ابْن عَبَّاس الْخلاف
وَيشْتَرط أَيْضا أَن لَا يكون مَعَ الْأُم أَب وَأحد الزَّوْجَيْنِ فَقَط فَإِن كَانَ مَعهَا ذَلِك ففرضها ثلث الْبَاقِي كَمَا مر
(وَهُوَ) أَي الثُّلُث (للاثنين فَصَاعِدا) بِالنّصب على الْحَال وناصبه وَاجِب الاضمار أَي ذَاهِبًا من فرض عدد الِاثْنَيْنِ إِلَى الصعُود على الِاثْنَيْنِ وَلَا يجوز فِيهِ غير النصب وَإِنَّمَا يسْتَعْمل بِالْفَاءِ وَثمّ لَا بِالْوَاو كَمَا فِي الْمُحكم أَي فزائدا (من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأُم) يَسْتَوِي فِيهِ الذّكر وَغَيره لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة وَله أَخ أَو أُخْت} الْآيَة
وَالْمرَاد أَوْلَاد الْأُم بِدَلِيل قِرَاءَة ابْن مَسْعُود وَغَيره وَله أَخ أَو أُخْت من أم وَهِي وَإِن لم تتواتر لَكِنَّهَا كالخبر فِي الْعَمَل على الصَّحِيح لِأَن مثل ذَلِك إِنَّمَا يكون توقيفا
وَإِنَّمَا سوى بَين الذّكر وَالْأُنْثَى لِأَنَّهُ لَا تعصيب فِيمَن أدلوا بِهِ بِخِلَاف الأشقاء ولأب فَإِن فيهم تعصيبا فَكَانَ للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ كالبنين وَالْبَنَات ذكره ابْن أبي هُرَيْرَة فِي تَعْلِيقه وَقد يفْرض الثُّلُث للْجدّ مَعَ الْإِخْوَة فِيمَا إِذا نقص عَنهُ بالمقاسمة كَمَا لَو كَانَ مَعَه ثَلَاثَة إخْوَة فَأكْثر وَبِهَذَا يكون فرض الثُّلُث لثَلَاثَة وَإِن لم يكن الثَّالِث فِي كتاب الله تَعَالَى كَمَا مر
القَوْل فِي أَصْحَاب السُّدس (و) الْفَرْض السَّادِس (السُّدس) وَهُوَ (فرض سَبْعَة) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة (للْأُم مَعَ الْوَلَد) ذكرا كَانَ أَو غَيره لقَوْله تَعَالَى {ولأبويه لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس مِمَّا ترك إِن كَانَ لَهُ ولد} أَو مَعَ (ولد الابْن) وَإِن سفل للْإِجْمَاع على حجبها بِهِ من الثُّلُث إِلَى السُّدس وَلم يعتبروا مُخَالفَة مُجَاهِد فِي ذَلِك (أَو) مَعَ (اثْنَيْنِ فَصَاعِدا) أَي فَأكْثر (من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات) لما مر فِي الْآيَتَيْنِ
تَنْبِيه قَوْله (اثْنَيْنِ) قد يَشْمَل مَا لَو ولدت امْرَأَة وَلدين ملتصقين لَهما رأسان وَأَرْبع أرجل وَأَرْبع أيد وفرجان وَلَهُمَا ابْن آخر ثمَّ مَاتَ هَذَا الابْن وَترك أمه وهذين فَيصْرف لَهَا السُّدس وَهُوَ كَذَلِك لِأَن حكمهمَا حكم الِاثْنَيْنِ فِي سَائِر الْأَحْكَام من قصاص ودية وَغَيرهمَا
وتعطى أَيْضا السُّدس مَعَ الشَّك فِي وجود أَخَوَيْنِ كَأَن وطىء اثْنَان امْرَأَة بِشُبْهَة وَأَتَتْ بِولد واشتبه الْحَال ثمَّ مَاتَ الْوَلَد قبل

(2/389)


لُحُوقه بِأَحَدِهِمَا ولأحدهما دون الآخر ولدان فللأم من مَال الْوَلَد السُّدس فِي الْأَصَح أَو الصَّحِيح كَمَا فِي زِيَادَة الرَّوْضَة فِي الْعدَد
وَإِذا اجْتمع مَعَ الْأُم الْوَلَد أَو ولد الابْن وَاثْنَانِ من الْإِخْوَة فَالَّذِي ردهَا من الثُّلُث إِلَى السُّدس الْوَلَد لقُوته كَمَا بَحثه ابْن الرّفْعَة
وَقد يفْرض لَهَا أَيْضا السُّدس مَعَ عدم من ذكر كَمَا إِذا مَاتَت امْرَأَة عَن زوج وأبوين
(وَهُوَ) أَي السُّدس (للجدة) الوارثة لأَب أَو لأم لخَبر أبي دَاوُد وَغَيره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى الْجدّة السُّدس وَالْمرَاد بهَا الْجِنْس لِأَن الجدتين فَأكْثر الوارثات يَشْتَرِكَانِ أَو يشتركن فِي السُّدس وروى الْحَاكِم بِسَنَد صَحِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِهِ للجدتين ثمَّ إِن كَانَت الْجدّة لأم فلهَا ذَلِك (عِنْد عدم الْأُم) فَقَط سَوَاء انْفَرَدت أَو كَانَت مَعَ ذَوي فرض أَو عصبَة لِأَنَّهَا لَا يحجبها إِلَّا الْأُم فَقَط إِذْ لَيْسَ بَينهَا وَبَين الْمَيِّت غَيرهَا فَلَا تحجب بِالْأَبِ وَلَا بالجد وَالْجدّة للْأَب يحجبها الْأَب لِأَنَّهَا تدلي بِهِ أَو الْأُم بِالْإِجْمَاع فَإِنَّهَا تسْتَحقّ بالأمومة وَالأُم أقرب مِنْهَا والقربى من كل جِهَة تحجب البعدى مِنْهَا سَوَاء أدلت بهَا كَأُمّ أَب وَأم أم أَب وَأم أم وَأم أم أم أم لم تدل بهَا كَأُمّ أَب وَأم أبي أَب فَلَا تَرث البعدى مَعَ وجود الْقُرْبَى والقربى من جِهَة الْأُم كَأُمّ أم تحجب البعدي من جِهَة الْأَب كَأُمّ أم أَب والقربى من جِهَة الْأَب كَأُمّ أَب لَا تحجب البعدى من جِهَة الْأُم كَأُمّ أم أم بل يكون السُّدس بَينهمَا نِصْفَيْنِ (و) السُّدس أَيْضا (لبِنْت الابْن) فَأكْثر (مَعَ بنت الصلب) أَو مَعَ بنت ابْن أقرب مِنْهَا تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ لقضائه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فِي بنت الابْن مَعَ الْبِنْت رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود
وَقيس عَلَيْهِ الْبَاقِي وَلِأَن الْبَنَات لَيْسَ لَهُنَّ أَكثر من الثُّلثَيْنِ فالبنت وَبَنَات الابْن أولى بذلك
تَنْبِيه اسْتُفِيدَ من إِفْرَاد المُصَنّف كَغَيْرِهِ بنت الصلب أَنه لَو كَانَ مَعَ بَنَات الابْن بِنْتا صلب فَأكْثر أَنه لَا شَيْء لبنات الابْن وَهُوَ كَذَلِك بِالْإِجْمَاع كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ لِأَن بنت الابْن فَأكْثر إِنَّمَا تَأْخُذ أَو يَأْخُذن تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَهُوَ السُّدس وَلِهَذَا سمي تَكْمِلَة كَمَا مر
(وَهُوَ) أَي السُّدس (للْأُخْت) فَأكْثر (من الْأَب مَعَ الْأُخْت) الْوَاحِدَة (من الْأَب وَالأُم) تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ كَمَا فِي الْبِنْت وَبَنَات الابْن (وَهُوَ) أَي السُّدس (فرض الْأَب مَعَ الْوَلَد) ذكرا كَانَ أَو غَيره (أَو) مَعَ (ولد الابْن) وَإِن سفل (و) هُوَ أَيْضا (فرض الْجد) للْأَب (عِنْد عدم الْأَب) لقَوْله تَعَالَى {ولأبويه لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس} الْآيَة وَولد الابْن كَالْوَلَدِ كَمَا مر وَالْجد كَالْأَبِ (وَهُوَ) أَيْضا (للْوَاحِد من ولد الْأُم) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو خُنْثَى لقَوْله تَعَالَى {وَله أَخ أَو أُخْت} الْآيَة
تَتِمَّة أَصْحَاب الْفُرُوض ثَلَاثَة عشر أَرْبَعَة من الذُّكُور الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وَالْأَب وَالْجد وَقد يَرث الْأَب وَالْجد بِالتَّعْصِيبِ فَقَط وَقد يجمعان بَينهمَا وَتِسْعَة من الْإِنَاث الْأُم والجدتان وَالزَّوْجَة وَالْأُخْت للْأُم
وَذَوَات النّصْف الْأَرْبَع

حجب الحرمان بالشخص
ثمَّ شرع فِي حجب الحرمان بقوله (وَتسقط الْجدَّات) سَوَاء أكن للْأُم أَو للْأَب (بِالْأُمِّ) إِجْمَاعًا لِأَن الْجدّة إِنَّمَا تسْتَحقّ بالأمومة وَالأُم أقرب مِنْهَا كَمَا مر (و) يسْقط (الأجداد) المدلون إِلَى الْمَيِّت بمحض الذُّكُور (بِالْأَبِ) وَبِكُل جد هُوَ إِلَى الْمَيِّت

(2/390)


أقرب مِنْهُم بِالْإِجْمَاع (وَيسْقط ولد الْأُم) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى (مَعَ) وجود (أَرْبَعَة) أَي بِوَاحِد مِنْهَا (الْوَلَد) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى (وَولد الابْن) وَإِن سفل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى (وَالْأَب وَالْجد) بِالْإِجْمَاع وَالْآيَة الْكَلَالَة المفسرة بِمن لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد
وَأما الْأُم فَلَا تحجبهم وَإِن أدلوا بهَا لِأَن شَرط حجب المدلي بالمدلى بِهِ أما اتِّحَاد جهتهما كالجد مَعَ الْأَب وَالْجدّة مَعَ الْأُم أَو اسْتِحْقَاق المدلى بِهِ كل التَّرِكَة لَو انْفَرد كالأخ مَعَ الْأَب وَالأُم مَعَ وَلَدهَا لَيست كَذَلِك لِأَنَّهَا تَأْخُذ بالأمومة وَهُوَ بالأخوة وَلَا تسْتَحقّ جَمِيع التَّرِكَة إِذا انْفَرَدت (وَيسْقط ولد الْأَب وَالأُم) أَي الْأَخ الشَّقِيق وَلَو عبر بِهِ لَكَانَ أخصر (مَعَ ثَلَاثَة) أَي بِوَاحِد مِنْهَا (الابْن وَابْن الابْن) وَإِن سفل (وَالْأَب) بِالْإِجْمَاع فِي الثَّلَاثَة (وَيسْقط ولد الْأَب) أَي الْأَخ للْأَب فَقَط مَعَ أَرْبَعَة (بهؤلاء الثَّلَاثَة وبالأخ من الْأَب وَالأُم) لقُوته بِزِيَادَة الْقرب
فَإِن قيل يرد على ذَلِك أَنه يحجب أَيْضا ببنت وَأُخْت شَقِيقَة
أُجِيب بِأَن كَلَامه فِيمَن يحجب بمفرده وكل من الْبِنْت وَالْأُخْت لَا تحجب الْأَخ بمفردها بل مَعَ غَيرهَا وَالَّذِي يحجب ابْن الْأَخ لِأَبَوَيْنِ سِتَّة أَب لِأَنَّهُ يحجب أَبَاهُ فَهُوَ أولى وجد لِأَنَّهُ فِي دَرَجَة أَبِيه وَابْن وَابْنَة لِأَنَّهُمَا يحجبان أَبَاهُ فَهُوَ أولى وَالْأَخ لِأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُ إِن كَانَ أَبَاهُ فَهُوَ يُدْلِي بِهِ وَإِن كَانَ عَمه فَهُوَ أقرب مِنْهُ وَالْأَخ لأَب لِأَنَّهُ أقرب مِنْهُ
وَابْن الْأَخ لأَب يَحْجُبهُ سَبْعَة هَؤُلَاءِ السِّتَّة لما سبق وَابْن الْأَخ لِأَبَوَيْنِ لقُوته
وَالْعم لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبهُ ثَمَانِيَة
هَؤُلَاءِ السَّبْعَة لما سبق وَابْن الْأَخ لأَب لقرب دَرَجَته
وَالْعم لأَب يَحْجُبهُ تِسْعَة هَؤُلَاءِ الثَّمَانِية لما مر وَعم لِأَبَوَيْنِ لقُوته وَابْن عَم لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبهُ عشرَة هَؤُلَاءِ التِّسْعَة لما مر وَعم لأَب لِأَنَّهُ فِي دَرَجَة أَبِيه فَيقدم عَلَيْهِ لزِيَادَة قربه
وَابْن عَم لأَب يَحْجُبهُ أحد عشر هَؤُلَاءِ الْعشْرَة لما سلف وَابْن عَم لِأَبَوَيْنِ لقُوته
وَالْمُعتق يَحْجُبهُ عصبَة النّسَب بِالْإِجْمَاع لِأَن النّسَب أقوى من الْوَلَاء إِذْ يتَعَلَّق بِهِ أَحْكَام لَا تتَعَلَّق بِالْوَلَاءِ كالمحرمية وَوُجُوب النَّفَقَة وَسُقُوط الْقصاص وَعدم صِحَة الشَّهَادَة وَنَحْوهَا
وَسكت المُصَنّف عَن ذَلِك اختصارا
(وَأَرْبَعَة يعصبون أخواتهم) مَنْصُوب بالكسرة لكَونه جمع مؤنت سَالم الأول (الابْن) لقَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} فنص سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على أَوْلَاد الصلب
(و) الثَّانِي (ابْن الابْن) وَإِن سفل لِأَنَّهُ لما قَامَ مقَام أَبِيه فِي الْإِرْث قَامَ مقَامه فِي التَّعْصِيب
(و) الثَّالِث (الْأَخ من الْأَب وَالأُم و) الرَّابِع (الْأَخ من الْأَب) فَقَط لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانُوا إخْوَة رجَالًا وَنسَاء فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ}
القَوْل فِيمَن يَرث دون أُخْته (وَأَرْبَعَة) لَا يعصبون أخواتهم بل (يَرِثُونَ دون أخواتهم) فَلَا يرثن (وهم الْأَعْمَام) لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب (وَبَنُو الْأَعْمَام) لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب (وَبَنُو الْإِخْوَة) لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب لِأَن العمات وَبَنَات الْأَعْمَام وَبَنَات الْإِخْوَة من ذَوي الْأَرْحَام كم مر بيانهم أول الْكتاب

(2/391)


(وعصبات الْمولى الْمُعْتق) الَّذين يتعصبون بِأَنْفسِهِم لانجرار الْوَلَاء إِلَيْهِم كَمَا مر بَيَانه فيرثون عَتيق مُورثهم بِالْوَلَاءِ دون أخواتهم لِأَن الْإِنَاث إِذا لم يرثن فِي النّسَب الْبعيد فَلَا يرثن فِي الْوَلَاء الَّذِي هُوَ أَضْعَف من النّسَب الْبعيد أولى
وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورث بنت حَمْزَة من عَتيق أَبِيهَا قَالَ السُّبْكِيّ إِنَّه حَدِيث مُضْطَرب لَا تقوم بِهِ الْحجَّة وَالَّذِي صَححهُ النَّسَائِيّ أَنه كَانَ عتيقها وَكَذَا حكى تصويب ذَلِك عَن النَّسَائِيّ ابْن الملقن فِي أَدِلَّة التَّنْبِيه
تَنْبِيه الابْن الْمُنْفَرد يسْتَغْرق التَّرِكَة وَكَذَا الابنان والبنون إِجْمَاعًا وَلَو اجْتمع بنُون وَبَنَات فالتركة لَهُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَأَوْلَاد الابْن وَإِن نزل إِذا انفردوا كأولاد الصلب فِيمَا ذكر فَلَو اجْتمع أَوْلَاد الصلب وَأَوْلَاد الابْن فَإِن كَانَ من أَوْلَاد الصلب ذكر حجب أَوْلَاد الابْن بِالْإِجْمَاع فَإِن لم يكن فَإِن كَانَ للصلب بنت فلهَا النّصْف وَالْبَاقِي لأَوْلَاد الابْن الذُّكُور والإنث وَلَا شَيْء للإناث الخلص فِي أَوْلَاد الابْن مَعَ بِنْتي الصلب أَو فَصَاعِدا أخذتا أَو أخذن الثُّلثَيْنِ وَالْبَاقِي لأَوْلَاد الابْن الذُّكُور أَو الذُّكُور وَالْإِنَاث وَلَا شَيْء للإناث الخلص من أَوْلَاد الابْن مَعَ بِنْتي الصلب بِالْإِجْمَاع إِلَّا أَن يكون أَسْفَل مِنْهُنَّ ذكر فيعصبهن فِي الْبَاقِي وَأَوْلَاد ابْن الابْن مَعَ أَوْلَاد الابْن كأولاد الابْن مَعَ أَوْلَاد الصلب فِي جَمِيع مَا مر وَكَذَا سَائِر الْمنَازل وَإِنَّمَا يعصب الذّكر النَّازِل من أَوْلَاد الابْن من فِي دَرَجَته كأخته وَبنت عَمه ويعصب من فَوْقه كَبِنْت عَم أَبِيه إِن لم يكن لَهَا شَيْء من الثُّلثَيْنِ كبنتي صلب وَبنت ابْن وَابْن ابْن ابْن بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ لَهَا شَيْء من الثُّلثَيْنِ لِأَن لَهَا فرضا استغنت بِهِ عَن تعصيبه وَبَاب الْفَرَائِض بَاب وَاسع وَقد أفرد بالتأليف
وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة بِالنِّسْبَةِ لهَذَا الْمُخْتَصر

فصل فِي الْوَصِيَّة الشاملة للإيصاء
وَهِي فِي اللُّغَة الإيصال من وصّى الشَّيْء بِكَذَا وَصله بِهِ لِأَن الْمُوصي وصل خير دُنْيَاهُ بِخَير عقباه
وَشرعا لَا بِمَعْنى الْإِيصَاء تبرع بِحَق مُضَاف وَلَو تَقْديرا لما بعد الْمَوْت لَيْسَ بتدبير وَلَا تَعْلِيق عتق بِصفة وَإِن ألحقا بهَا حكما كالتبرع الْمُنجز فِي مرض الْمَوْت أَو الملحق بِهِ وَكَانَ الْأَنْسَب تَقْدِيم الْوَصِيَّة على الْفَرَائِض لِأَن الْإِنْسَان يُوصي ثمَّ يَمُوت فتقسم تركته
وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع من الْمَوَارِيث {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} وأخبار كَخَبَر ابْن مَاجَه المحروم من حرم الْوَصِيَّة
من مَاتَ على وَصِيَّة مَاتَ على سَبِيل وَسنة وتقى وَشَهَادَة وَمَات مغفورا لَهُ وَكَانَت أول

(2/392)


الْإِسْلَام وَاجِبَة بِكُل المَال للْوَالِدين والأقربين ثمَّ نسخ وُجُوبهَا بِآيَة الْمَوَارِيث وَبَقِي استحبابها فِي الثُّلُث فَأَقل لغير الْوَارِث وَإِن قل المَال وَكثر الْعِيَال
القَوْل فِي أَرْكَان الْوَصِيَّة وأركانها أَرْبَعَة صِيغَة وموصي وموصى لَهُ وموصى بِهِ وَأسْقط المُصَنّف من ذَلِك الصِّيغَة وَذكر الْبَقِيَّة
وَبَدَأَ بالموصي بِهِ بقوله (وَتجوز الْوَصِيَّة) بالشَّيْء (الْمَعْلُوم) وَإِن قل كحبتي الْحِنْطَة وبنجوم الْكِتَابَة وَإِن لم تكن مُسْتَقِرَّة وبالمكاتب وَإِن لم يقل إِن عجز نَفسه وَبِعَبْد غَيره وَإِن لم يقل إِن ملكته
وبنجاسة يحل الِانْتِفَاع بهَا ككلب معلم أَو قَابل التَّعْلِيم وَبِنَحْوِ زبل مِمَّا ينْتَفع بِهِ كسماد وَجلد ميتَة قَابل للدباغ وزيت نجس وميتة لطعم الْجَوَارِح كَمَا نَقله القَاضِي أَبُو الطّيب عَن الْأَصْحَاب وخمر مُحْتَرمَة لثُبُوت الِاخْتِصَاص فِي ذَلِك
وَلَو أوصى بكلب من كلابه أعْطى الْمُوصى لَهُ أَحدهَا فَإِن لم يكن لَهُ كلب يحل الِانْتِفَاع بِهِ لغت وَصيته
وَلَو كَانَ لَهُ مَال وكلاب وَأوصى بهَا كلهَا أَو بِبَعْضِهَا نفذت وَصيته وَإِن كثرت الْكلاب وَقل المَال لِأَن المَال خير من الْكلاب (و) تجوز الْوَصِيَّة بالشَّيْء (الْمَجْهُول) عينه كأوصيت لزيد بِمَالي الْغَائِب أَو عبد من عَبِيدِي أَو قدره كأوصيت لَهُ بِهَذِهِ الدَّرَاهِم أَو نَوعه كأوصيت لَهُ بِصَاع حِنْطَة أَو جنسه كأوصيت لَهُ بِثَوْب أَو صفته كالحمل الْمَوْجُود وَكَانَ ينْفَصل حَيا لوقت يعلم وجوده عِنْدهَا لِأَن الْوَصِيَّة تحْتَمل الْجَهَالَة وَبِمَا لَا يقدر على تَسْلِيمه كالطير الطَّائِر وَالْعَبْد الْآبِق لِأَن الْمُوصى لَهُ يخلف الْمَيِّت فِي ثلثه كَمَا يخلفه الْوَارِث فِي ثُلثَيْهِ (و) تجوز بالشَّيْء (الْمَوْجُود) كأوصيت لَهُ بِهَذِهِ الْمِائَة لِأَنَّهَا إِذا صحت بالمعدوم فبالموجود أولى (و) تجوز بالشَّيْء (الْمَعْدُوم) كَأَن يُوصي بثمرة أَو حمل سيحدث لِأَن الْوَصِيَّة احْتمل فِيهَا وُجُوه من الْغرَر رفقا بِالنَّاسِ وتوسعة وَلِأَن الْمَعْدُوم يَصح تملكه بِعقد السّلم وَالْمُسَاقَاة وَالْإِجَارَة فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ وَتجوز بالمبهم كَأحد عبديه لِأَن الْوَصِيَّة تحْتَمل الْجَهَالَة فَلَا يُؤثر فِيهَا الْإِبْهَام ويعين الْوَارِث وَتجوز بالمنافع الْمُبَاحَة وَحدهَا مُؤَقَّتَة ومؤبدة ومطلقة وَالْإِطْلَاق يَقْتَضِي التَّأْبِيد لِأَنَّهَا أَمْوَال مُقَابلَة بالأعواض كالأعيان وَتجوز بِالْعينِ دون الْمَنْفَعَة وبالعين لوَاحِد وبالمنفعة لآخر
وَإِنَّمَا صحت فِي الْعين وَحدهَا لشخص مَعَ عدم الْمَنْفَعَة فِيهَا لِإِمْكَان صيرورة الْمَنْفَعَة لَهُ بِإِجَارَة أَو إِبَاحَة أَو نَحْو ذَلِك
تَنْبِيه يشْتَرط فِي الْمُوصى بِهِ كَونه مَقْصُودا كَمَا فِي الرَّوْضَة فَلَا تصح بِمَا لَا يقْصد كَالدَّمِ وَكَونه يقبل النَّقْل من شخص إِلَى شخص فَمَا لَا يقبل النَّقْل كَالْقصاصِ وحد الْقَذْف لَا تصح الْوَصِيَّة بِهِ لِأَنَّهُمَا وَإِن انتقلا بِالْإِرْثِ لَا يتَمَكَّن مستحقهما من أقلهَا
نعم لَو أوصى بِهِ لمن هُوَ عَلَيْهِ صَحَّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَاب الْعَفو عَن الْقصاص
القَوْل فِي مِقْدَار الْوَصِيَّة (وَهِي) أَي الْوَصِيَّة مُعْتَبرَة (من الثُّلُث) سَوَاء أوصى بِهِ فِي صِحَة أَو مَرضه لِاسْتِوَاء الْكل وَقت اللُّزُوم حَال الْمَوْت

(2/393)


تَنْبِيه يعْتَبر المَال الْمُوصى بِثُلثِهِ يَوْم الْمَوْت لِأَن الْوَصِيَّة تمْلِيك بعد الْمَوْت فَلَو أوصى بِعَبْد وَلَا عبد لَهُ ثمَّ ملك عِنْد الْمَوْت عبدا تعلّقت الْوَصِيَّة بِهِ وَلَو زَاد مَاله تعلّقت الْوَصِيَّة بِهِ وَلَا يخفى أَن الثُّلُث الَّذِي تنفذ فِيهِ الْوَصِيَّة هُوَ الثُّلُث الْفَاضِل بعد الدّين فَلَو كَانَ عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق لم تنفذ الْوَصِيَّة فِي شَيْء لَكِنَّهَا تَنْعَقِد حَتَّى ينفذها لَو أَبْرَأ الْغَرِيم أَو قضى عَنهُ الدّين كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَغَيره
وَيعْتَبر من الثُّلُث تبرع نجز فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ كوقف وَهبة وَعتق وإبراء لخَبر إِن الله تَعَالَى تصدق عَلَيْكُم عِنْد وفاتكم بِثلث أَمْوَالكُم زِيَادَة لكم فِي أَعمالكُم رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَفِي إِسْنَاده مقَال
وَلَو وهب فِي الصِّحَّة وأقبض فِي الْمَرَض اعْتبر من الثُّلُث أَيْضا إِذْ لَا أثر لتقدم الْهِبَة
وَخرج بتبرع مَا لَو استولد فِي مرض مَوته فَإِنَّهُ لَيْسَ تَبَرعا بل إِتْلَاف واستمتاع فَهُوَ من رَأس المَال وبمرضه تبرع نجز فِي صِحَّته فيحسب من رَأس المَال لَكِن يسْتَثْنى من الْعتْق فِي مرض الْمَوْت عتق أم الْوَلَد إِذا أعْتقهَا فِي مرض مَوته فَإِنَّهُ ينفذ من رَأس المَال كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَله إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَعَ أَنه تبرع نجز فِي الْمَرَض
فَائِدَة قيمَة مَا يفوت على الْوَرَثَة يعْتَبر بِوَقْت التفويت فِي الْمُنجز وبوقت الْمَوْت فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ وَفِيمَا يبْقى للْوَرَثَة يعْتَبر بِأَقَلّ قيمَة من يَوْم الْمَوْت إِلَى يَوْم الْقَبْض لِأَنَّهُ إِن كَانَ يَوْم الْمَوْت أقل فَالزِّيَادَة حصلت فِي ملك الْوَارِث أَو يَوْم الْقَبْض أقل فَمَا نقص قبله لم يدْخل فِي يَده فَلَا يحْسب عَلَيْهِ وَكَيْفِيَّة اعْتِبَارهَا من الثُّلُث أَنه إِذا اجْتمع فِي وَصِيَّة تبرعات مُتَعَلقَة بِالْمَوْتِ وَإِن كَانَت مرتبَة وَلم يوف الثُّلُث بهَا فَإِن تمحض الْعتْق كَأَن قَالَ إِذا مت فَأنْتم أَحْرَار أَو غَانِم وَسَالم وَبكر أَحْرَار أَقرع بَينهم فَمن قرع عتق مِنْهُ مَا يَفِي بِالثُّلثِ وَلَا يعْتق من كل بعضه لِأَن الْمَقْصُود من الْعتْق تَخْلِيص الشَّخْص من الرّقّ وَإِنَّمَا لم يعْتَبر ترتيبها مَعَ إضافتها للْمَوْت لاشتراكها فِي وَقت نفاذها وَهُوَ وَقت الْمَوْت
نعم إِن اعْتبر الْمُوصي وُقُوعهَا مرتبَة كَأَن قَالَ أعتقوا سالما بعد موتِي ثمَّ غانما ثمَّ بكرا قدم مَا قدمه لِأَن الْمُوصي اعْتبر وُقُوعهَا مرتبَة من غَيره فَلَا بُد أَن تقع كَذَلِك بِخِلَاف مَا مر أَو تمحض تبرعات غير الْعتْق قسط الثُّلُث على الْجَمِيع بِاعْتِبَار الْقيمَة أَو الْمِقْدَار كَمَا تقسط التَّرِكَة بَين أَرْبَاب الدُّيُون أَو اجْتمع عتق وَغَيره كَأَن أوصى بِعِتْق سَالم ولزيد بِمِائَة قسط الثُّلُث عَلَيْهِمَا بِالْقيمَةِ للعتيق لِاتِّحَاد وَقت الِاسْتِحْقَاق فَإِذا كَانَت قِيمَته مائَة وَالثلث مائَة عتق نصفه ولزيد خَمْسُونَ
نعم لَو دبر عَبده وَقِيمَته مائَة وَأوصى لَهُ بِمِائَة وَثلث مَاله مائَة فَإِنَّهُ يعْتق كُله وَلَا شَيْء للْوَصِيَّة على الْأَصَح أَو اجْتمع تبرعات منجزة قدم الأول مِنْهَا فَالْأول حَتَّى يتم الثُّلُث سَوَاء أَكَانَ فِيهَا عتق أم لَا ويتوقف مَا بَقِي على إجَازَة الْوَارِث فَإِن وجدت هَذِه التَّبَرُّعَات دفْعَة إِمَّا مِنْهُ أَو بوكالة واتحد الْجِنْس فِيهَا كعتق عبيد أَو إِبْرَاء جمع كَقَوْلِه أعتقتكم أَو أبرأتكم أَقرع فِي الْعتْق خَاصَّة

(2/394)


حذرا من التشقيص وقسط بِالْقيمَةِ فِي غَيره كَمَا مر
وَإِن كَانَت التَّبَرُّعَات منجزة ومعلقة بِالْمَوْتِ قدم الْمُنجز لِأَنَّهُ يُفِيد الْملك حَالا ولازم لَا يُمكن الرُّجُوع فِيهِ
فروع لَو قَالَ إِن أعتقت غانما فسالم حر فَأعتق غانما فِي مرض مَوته تعين لِلْعِتْقِ إِن خرج وَحده من الثُّلُث وَلَا إقراع وَلَو أوصى بحاضر هُوَ ثلث مَاله وَبَاقِيه غَائِب لم يتسلط موصى لَهُ على شَيْء مِنْهُ حَالا وَلَو أوصى بِالثُّلثِ وَله عين وَدين دفع للْمُوصى لَهُ ثلث الْعين وَكلما نض من الدّين شَيْء دفع لَهُ ثلثه
وَينْدب للْمُوصي أَن لَا يُوصي بِأَكْثَرَ من ثلث مَاله وَالْأولَى أَن ينقص مِنْهُ شَيْئا لخَبر الصَّحِيحَيْنِ الثُّلُث وَالثلث كثير (فَإِن زَاد) على الثُّلُث وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ مَكْرُوهَة وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا قَالَه الْمُتَوَلِي وَغَيره وَإِن قَالَ القَاضِي وَغَيره إِنَّهَا مُحرمَة (وقف) الزَّائِد (على إجَازَة الْوَرَثَة) فَتبْطل الْوَصِيَّة بِالزَّائِدِ إِن رده وَارِث خَاص مُطلق التَّصَرُّف لِأَنَّهُ حَقه فَإِن لم يكن وَارِث خَاص بطلت فِي الزَّائِد لِأَن الْحق للْمُسلمين فَلَا مجيز أَو كَانَ وَهُوَ غير مُطلق التَّصَرُّف فَالظَّاهِر كَمَا بَحثه بَعضهم أَنه إِن توقعت أَهْلِيَّته وقف الْأَمر إِلَيْهَا وَإِلَّا بطلت
وَعَلِيهِ يحمل مَا أفتى بِهِ السُّبْكِيّ من الْبطلَان وَإِن أجَازه فإجازته تَنْفِيذ للْوَصِيَّة بِالزَّائِدِ
حكم الْوَصِيَّة للْوَارِث (وَلَا تجوز الْوَصِيَّة) أَي تكره كَرَاهَة تَنْزِيه (لوَارث) خَاص غير جَائِز بزائد على حِصَّته لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا وَصِيَّة لوَارث رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن (إِلَّا أَن يجيزها بَاقِي الْوَرَثَة) المطلقين التَّصَرُّف لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا وَصِيَّة لوَارث إِلَّا أَن يجيزها بَاقِي الْوَرَثَة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد
قَالَ الذَّهَبِيّ صَالح وَقِيَاسًا على الْوَصِيَّة لأَجْنَبِيّ بِالزَّائِدِ على الثُّلُث وَخرج بالخاص الْوَارِث للعام كَمَا لَو أوصى لإِنْسَان بِشَيْء ثمَّ انْتقل إِرْثه لبيت المَال فَإِن ذَلِك يصرف إِلَيْهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى إجَازَة الإِمَام وَبِغير حائز مَا لَو أوصى لحائز بِمَالِه كُله فَإِنَّهَا بَاطِلَة على الْأَصَح وبزائد على حِصَّته مَا لَو أوصى لوَارث بِقدر إِرْثه فَإِن فِيهِ تَفْصِيلًا يَأْتِي بَين الْمشَاع والمعين وبالمطلقين التَّصَرُّف مَا لَو كَانَ فيهم صَغِير أَو مَجْنُون أَو مَحْجُور عَلَيْهِ بِسَفَه فَلَا تصح مِنْهُ الْإِجَازَة وَلَا من وليه
تَنْبِيه فِي معنى الْوَصِيَّة للْوَارِث الْوَقْف عَلَيْهِ وإبراؤه من دين عَلَيْهِ أوهبته شَيْئا فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على إجَازَة بَقِيَّة الْوَرَثَة
نعم يسْتَثْنى من الْوَقْف صُورَة وَاحِدَة وَهِي مَا لَو وقف مَا يخرج من الثُّلُث على قدر نصِيبهم كمن لَهُ ابْن وَبنت وَله دَار تخرج من ثلثه فَوقف

(2/395)


ثلثيها على الابْن وثلثها على الْبِنْت فَإِنَّهُ ينفذ وَلَا يحْتَاج إِلَى إجَازَة فِي الْأَصَح
فَائِدَة من الْحِيَل فِي الْوَصِيَّة للْوَارِث أَن يَقُول أوصيت لزيد بِأَلف إِن تبرع لوَلَدي بِخَمْسِمِائَة مثلا فَإِذا قبل لزمَه دَفعهَا إِلَيْهِ وَلَا عِبْرَة برد بَقِيَّة الْوَرَثَة وإجازتهم للْوَصِيَّة فِي حَيَاة الْمُوصي إِذْ لَا اسْتِحْقَاق لَهُم قبل مَوته وَالْعبْرَة فِي كَون الْمُوصى لَهُ وَارِثا بِوَقْت الْمَوْت فَلَو أوصى لِأَخِيهِ فَحدث لَهُ ابْن قبل مَوته صحت أَو أوصى لِأَخِيهِ وَله ابْن فَمَاتَ قبل موت الْمُوصي فَهِيَ وَصِيَّة لوَارث وَالْوَصِيَّة لكل وَارِث بِقدر حِصَّته شَائِعا من نصف أَو غَيره لَغْو لِأَنَّهُ يسْتَحقّهُ بِغَيْر وَصِيَّة
وَخرج بِكُل وَارِث مَا لَو أوصى لبَعْضهِم بِقدر حِصَّته شَائِعا كَأَن أوصى لأحد بنيه الثَّلَاثَة بِثلث مَاله فَإِنَّهُ يَصح ويتوقف على الْإِجَازَة فَإِن أُجِيز أَخذه وَقسم الْبَاقِي بَينهم بِالسَّوِيَّةِ
وَالْوَصِيَّة لكل وَارِث بِعَين هِيَ قدر حِصَّته كَأَن أوصى لأحد ابنيه بِعَبْد قِيمَته ألف وَللْآخر بدار قيمتهَا ألف وهما مَا يملكهُ صَحِيحَة كَمَا لَو أوصى بِبيع عين من مَاله لزيد وَلَكِن يفْتَقر إِلَى الْإِجَازَة فِي الْأَصَح لاخْتِلَاف الْأَغْرَاض بالأعيان ومنافعها
ثمَّ شرع فِي الرُّكْن الثَّانِي وَهُوَ الْمُوصي بقوله (وَتَصِح) أَي تجوز (الْوَصِيَّة من كل مَالك) بَالغ (عَاقل) حر مُخْتَار بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهَا تبرع وَلَو كَافِرًا حَرْبِيّا أَو غَيره أَو مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه أَو فلس لصِحَّة عبارتهم واحتياجهم للثَّواب فَلَا تصح من صبي وَمَجْنُون ومغمى عَلَيْهِ ورقيق وَلَو مكَاتبا ومكره كَسَائِر الْعُقُود وَلعدم ملك الرَّقِيق أَو ضعفه والسكران كالمكلف
تَنْبِيه دخل فِي الْكَافِر الْمُرْتَد فَتَصِح وَصيته
نعم إِن مَاتَ أَو قتل كَافِرًا بطلت وَصيته لِأَن ملكه مَوْقُوف على الْأَصَح وَالْمُوصى لَهُ وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث إِمَّا أَن يكون معينا أَو غير معِين
وَقد شرع المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْقسم الأول بقوله (لكل متملك) أَي بِأَن يتَصَوَّر لَهُ الْملك عِنْد موت الْمُوصي وَلَو بمعاقدة وليه فَلَا تصح الْوَصِيَّة لدابة لِأَنَّهَا لَيست أَهلا للْملك
وَقَضِيَّة هَذَا أَنَّهَا لَا تصح لمَيت وَهُوَ كَذَلِك وَقَول الرَّافِعِيّ فِي بَاب التَّيَمُّم إِنَّه لَو أوصى بِمَاء لأولى النَّاس بِهِ وَهُنَاكَ ميت قدم على الْمُتَنَجس أَو الْمُحدث الْحَيّ على الْأَصَح لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة وَصِيَّة لمَيت بل لوَلِيِّه لِأَنَّهُ الَّذِي يتَوَلَّى أمره وَيشْتَرط فِيهِ أَيْضا عدم الْمعْصِيَة وَأَن يكون معينا وَأَن يكون مَوْجُودا فَلَا تصح لكَافِر بِمُسلم لكَونهَا مَعْصِيّة وَلَا لأحد هذَيْن الرجلَيْن للْجَهْل بِهِ
نعم إِن قَالَ أعْطوا هَذَا لأحد هذَيْن صَحَّ كَمَا لَو قَالَ لوَكِيله بِعْهُ لأحد هذَيْن وَلَا لحمل سيحدث
تَنْبِيه يُؤْخَذ من اعْتِبَار تصور الْملك اشْتِرَاط كَون الْمُوصى بِهِ مَمْلُوكا للْمُوصي فتمتنع الْوَصِيَّة بِمَال الْغَيْر وَهُوَ قَضِيَّة كَلَام الرَّافِعِيّ فِي الْكِتَابَة
وَقَالَ النَّوَوِيّ قِيَاس الْبَاب الصِّحَّة أَي يصير موصى بِهِ إِذا ملكه قبل مَوته
وَلَو فسر الْوَصِيَّة للدابة بِالصرْفِ فِي عَلفهَا صَحَّ لِأَن عَلفهَا على مَالِكهَا فَهُوَ الْمَقْصُود بِالْوَصِيَّةِ فَيشْتَرط قبُوله وَيتَعَيَّن الصّرْف إِلَى جِهَة الدَّابَّة رِعَايَة لغَرَض الْمُوصي وَلَا يسلم عَلفهَا للْمَالِك بل يصرفهُ الْوَصِيّ فَإِن لم يكن فَالْقَاضِي وَلَو بنائبه وَتَصِح لكَافِر وَلَو حَرْبِيّا مُرْتَدا وَقَاتل بِحَق أَو بِغَيْرِهِ

(2/396)


كالصدقة عَلَيْهِمَا وَالْهِبَة لَهما
وَصورتهَا فِي الْقَاتِل أَن يُوصي لرجل فيقتله ولحمل إِن انْفَصل حَيا حَيَاة مُسْتَقِرَّة لدوّنَ سِتَّة أشهر مِنْهَا للْعَمَل بِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودا عِنْدهَا أَو لأكْثر مِنْهُ ولأربع سِنِين فَأَقل مِنْهَا وَلم تكن الْمَرْأَة فراشا لزوج أَو سيد فَإِن كَانَت فراشا لَهُ أَو انْفَصل لأكْثر من أَربع سِنِين لم تصح الْوَصِيَّة لاحْتِمَال حُدُوثه مَعهَا أَو بعْدهَا فِي الأولى وَلعدم وجودهَا عِنْدهَا فِي الثَّانِيَة
وَتَصِح لعمارة مَسْجِد ومصالحه ومطلقا وَتحمل عِنْد الْإِطْلَاق عَلَيْهِمَا عملا بِالْعرْفِ فَإِن قَالَ أردْت تَمْلِيكه فَقيل تبطل الْوَصِيَّة
وَبحث الرَّافِعِيّ صِحَّتهَا بِأَن لِلْمَسْجِدِ ملكا وَعَلِيهِ وَقفا قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا هُوَ الأفقه الْأَرْجَح
ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الْوَصِيَّة لغير معِين بقوله (و) تجوز الْوَصِيَّة (فِي سَبِيل الله تَعَالَى) لِأَنَّهُ من القربات وَتصرف إِلَى الْغُزَاة من أهل الزَّكَاة لثُبُوت هَذَا الِاسْم لَهُم فِي عرف الشَّرْع وَيشْتَرط فِي الْوَصِيَّة لغير الْمعِين أَن لَا يكون جِهَة مَعْصِيّة كعمارة كَنِيسَة للتعبد فِيهَا وَكِتَابَة التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وقراءتهما وَكِتَابَة كتب الفلسفة وَسَائِر الْعُلُوم الْمُحرمَة وَمن ذَلِك الْوَصِيَّة لدهن سراج الْكَنِيسَة تَعْظِيمًا لَهَا
أما إِذا قصد انْتِفَاع المقيمين والمجاورين بضوئها فَالْوَصِيَّة جَائِزَة وَإِن خَالف فِي ذَلِك الْأَذْرَعِيّ وَسَوَاء أوصى بِمَا ذكر مُسلم أم كَافِر وَإِذا انْتَفَت الْمعْصِيَة فَلَا فرق بَين أَن تكون قربَة كالفقراء وَبِنَاء الْمَسَاجِد أَو مُبَاحَة لَا يظْهر فِيهَا قربَة كَالْوَصِيَّةِ للأغنياء وَفك أُسَارَى الْكفَّار من الْمُسلمين لِأَن الْقَصْد من الْوَصِيَّة تدارك مَا فَاتَ فِي حَال الْحَيَاة من الْإِحْسَان فَلَا يجوز أَن تكون مَعْصِيّة
تَنْبِيه سكت المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى عَن الصِّيغَة وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع وَشرط فِيهَا لفظ يشْعر بِالْوَصِيَّةِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان
وَهِي تَنْقَسِم إِلَى صَرِيح كأوصيت لَهُ بِكَذَا أَو أَعْطوهُ لَهُ أَو هُوَ لَهُ أَو وهبته لَهُ بعد موتِي فِي الثَّلَاثَة وَإِلَى كِنَايَة كَقَوْلِه من مَالِي وَمَعْلُوم أَن الْكِنَايَة تفْتَقر إِلَى النِّيَّة وَالْكِتَابَة كِنَايَة فتنعقد بهَا مَعَ النِّيَّة كَالْبيع وَأولى فَلَو اقْتصر على قَوْله هُوَ لَهُ فَقَط فإقرار لَا وَصِيَّة
القَوْل فِي لُزُوم الْوَصِيَّة بِالْمَوْتِ وَتلْزم الْوَصِيَّة بِمَوْت وَلَكِن مَعَ قبُول بعده وَلَو بتراخ فِي موصى لَهُ معِين وَإِن تعدد
وَلَا يشْتَرط الْقبُول فِي غير معِين كالفقراء وَيجوز الِاقْتِصَار على ثَلَاثَة مِنْهُم وَلَا تجب التَّسْوِيَة بَينهم وَإِنَّمَا لم يشْتَرط الْفَوْر فِي الْقبُول لِأَنَّهُ إِنَّمَا يشْتَرط فِي الْعُقُود الَّتِي يشْتَرط فِيهَا ارتباط الْقبُول بِالْإِيجَابِ فَلَا يَصح قبُول وَلَا رد فِي حَيَاة الْمُوصي إِذْ لَا حق لَهُ قبل الْمَوْت فَأشبه إِسْقَاط الشُّفْعَة قبل البيع فَلِمَنْ قبل فِي الْحَيَاة الرَّد بعد الْمَوْت وَبِالْعَكْسِ
وَيصِح الرَّد بَين الْمَوْت وَالْقَبُول لَا بعدهمَا وَبعد الْقَبْض وَأما بعد الْقبُول وَقبل الْقَبْض فَالْأَوْجه عدم الصِّحَّة كَمَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا وَإِن صحّح فِي تَصْحِيحه الصِّحَّة فَإِن مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل الْمُوصي بطلت الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا قبل الْمَوْت غير لَازِمَة فبطلت بِالْمَوْتِ وَإِن مَاتَ بعد الْمُوصي وَقبل الْقبُول وَالرَّدّ خَلفه وَارثه فيهمَا فَإِن كَانَ الْوَارِث بَيت المَال فالقابل وَالرَّدّ هُوَ الإِمَام وَملك الْمُوصى لَهُ الْمعِين للْمُوصى بِهِ الَّذِي لَيْسَ بِإِعْتَاق بعد موت الْمُوصي وَقبل الْقبُول مَوْقُوف إِن قبل بَان أَنه ملكه بِالْمَوْتِ وَإِن رد بَان أَنه للْوَارِث ويتبعه فِي الْوَقْف الْفَوَائِد الْحَاصِلَة من الْمُوصى بِهِ كثمرة وَكسب والمؤنة وَلَو فطْرَة وَيُطَالب الْوَارِث الْمُوصى لَهُ أَو الرَّقِيق الْمُوصى بِهِ أَو الْقَائِم مقامهما من ولي ووصي بالمؤن إِن توقف

(2/397)


فِي قبُول ورد كَمَا لَو امْتنع مُطلق إِحْدَى زوجتيه من التَّعْيِين فَإِن لم يقبل أَو لم يرد خَيره الْحَاكِم بَين الْقبُول وَالرَّدّ فَإِن لم يفعل حكم بِالْبُطْلَانِ كالمتحجر إِذا امْتنع من الْإِحْيَاء
أما لَو أوصى بِإِعْتَاق رَقِيق فالملك فِيهِ للْوَارِث إِلَى إِعْتَاقه فالمؤنة عَلَيْهِ
وللموصي رُجُوع فِي وَصيته وَعَن بَعْضهَا بِنَحْوِ نقضتها كأبطلتها وَبِنَحْوِ قَوْله هَذَا لوارثي مُشِيرا إِلَى الْمُوصى بِهِ وَبِنَحْوِ بيع وَرهن وَكِتَابَة لما وصّى بِهِ وَلَو بِلَا قبُول وبوصية بذلك وتوكيل بِهِ وَعرض عَلَيْهِ وخلطه برا معينا وصّى بِهِ وخلطه صبرَة وصّى بِصَاع مِنْهَا بأجود مِنْهَا وطحنه برا وصّى بِهِ وبذر لَهُ وعجنه دَقِيقًا وصّى بِهِ وغزله قطنا وصّى بِهِ ونسجه غزلا وصّى بِهِ وقطعه ثوبا وصّى بِهِ قَمِيصًا وبنائه وغراسه بِأَرْض وصّى بهَا
القَوْل فِي الْإِيصَاء وشروط الْوَصِيّ ثمَّ شرع فِي الْإِيصَاء وَهُوَ إِثْبَات تصرف مُضَاف لما بعد الْمَوْت بقوله (وَتَصِح الْوَصِيَّة) بِمَعْنى الْإِيصَاء فِي التَّصَرُّفَات الْمَالِيَّة الْمُبَاحَة يُقَال أوصيت لفُلَان بِكَذَا وأوصيت إِلَيْهِ ووصيته إِذا جعلته وَصِيّا
وَقد أوصى ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَكتب وصيتي إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى الزبير وَابْنه عبد الله
وأركان الْإِيصَاء أَرْبَعَة موص ووصي وموصي فِيهِ وَصِيغَة
وَشرط فِي الْمُوصي بِقَضَاء حق كَدين وتنفيذ وَصِيَّة ورد وَدِيعَة وعارية مَا مر فِي الْمُوصى بِمَال وَقد مر بَيَانه
وَشرط فِي الْمُوصي بِنَحْوِ أَمر طِفْل كمجنون ومحجور بِسَفَه مَعَ مَا مر ولَايَة عَلَيْهِ ابْتِدَاء من الشَّرْع بتفويض فَلَا يَصح الْإِيصَاء مِمَّن فقد شَيْئا من ذَلِك كصبي وَمَجْنُون ومكره وَمن بِهِ رق وَأم وَعم ووصي لم يُؤذن لَهُ فِيهِ وَيصِح الْإِيصَاء (إِلَى من اجْتمعت فِيهِ خمس شَرَائِط) عِنْد الْمَوْت وَترك سادسا وسابعا كَمَا ستعرفه الأول (الْإِسْلَام) فِي مُسلم
(و) الثَّانِي (الْبلُوغ و) الثَّالِث (الْعقل و) الرَّابِع (الْحُرِّيَّة و) الْخَامِس (الْأَمَانَة) وَعبر بَعضهم عَنْهَا بِالْعَدَالَةِ وَلَو ظَاهِرَة وَكِلَاهُمَا صَحِيح
السَّادِس الاهتداء إِلَى التَّصَرُّف كَمَا هُوَ الصَّحِيح فِي الرَّوْضَة
وَالسَّابِع عدم عَدَاوَة مِنْهُ للْمولى عَلَيْهِ وَعدم جَهَالَة فَلَا يَصح الْإِيصَاء إِلَى من فقد شَيْئا من ذَلِك كصبي وَمَجْنُون وفاسق ومجهول وَمن بِهِ رق أَو عَدَاوَة وَكَافِر على مُسلم وَمن لَا يَكْفِي فِي التَّصَرُّف لسفه أَو هرم أَو لغيره لعدم الْأَهْلِيَّة فِي بَعضهم وللتهمة فِي الْبَاقِي
وَيصِح الْإِيصَاء إِلَى كَافِر مَعْصُوم عدل فِي دينه على كَافِر
واعتبرت الشُّرُوط عِنْد الْمَوْت لَا عِنْد الْإِيصَاء وَلَا بَينهمَا لِأَنَّهُ وَقت التسلط على الْقبُول حَتَّى لَو أوصى لمن خلا عَن الشُّرُوط أَو بعضهما كصبي ورقيق ثمَّ استكملها عِنْد الْمَوْت صَحَّ
وَلَا يضر عمى لِأَن الْأَعْمَى مُتَمَكن من التَّوْكِيل فِيمَا لَا يتَمَكَّن مِنْهُ
وَلَا أنوثة لما فِي سنَن أبي دَاوُد أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أوصى إِلَى حَفْصَة وَالأُم أولى من غَيرهَا إِذا حصلت الشُّرُوط فِيهَا عِنْد الْمَوْت وينعزل ولي بفسق لَا إِمَام لتَعلق الْمصَالح الْكُلية بولايته
وَشرط فِي الْمُوصى فِيهِ كَونه تَصرفا ماليا مُبَاحا فَلَا يَصح الْإِيصَاء فِي تَزْوِيج لِأَن غير الْأَب وَالْجد لَا يُزَوّج الصَّغِير وَالصَّغِيرَة وَلَا فِي مَعْصِيّة كبناء كَنِيسَة لمنافاتها لَهُ لكَونه قربَة
وَشرط فِي الصِّيغَة إِيجَاب بِلَفْظ يشْعر بالإيصاء وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان كأوصيت إِلَيْك أَو فوضت إِلَيْك أَو جعلتك وَصِيّا وَلَو كَانَ الْإِيجَاب مؤقتا ومعلقا كأوصيت إِلَيْك إِلَى بُلُوغ ابْني أَو قدوم زيد فَإِذا بلغ أَو قدم فَهُوَ الْوَصِيّ لِأَنَّهُ يحْتَمل الجهالات والأخطار وَقبُول كوكالة فيكتفي بِالْعَمَلِ وَيكون الْقبُول بعد الْمَوْت مَتى شَاءَ كَمَا فِي الْوَصِيَّة بِمَال مَعَ بَيَان مَا يُوصي فِيهِ فَلَو اقْتصر على أوصيت إِلَيْك مثلا لَغَا

(2/398)


تَتِمَّة يسن إيصاء بِأَمْر نَحْو طِفْل كمجنون وبقضاء حق إِن لم يعجز عَنهُ حَالا أَو عجز وَبِه شُهُود وَلَا يَصح الْإِيصَاء على نَحْو طِفْل وَالْجد بِصفة الْولَايَة عَلَيْهِ لِأَن ولَايَته ثَابِتَة شرعا وَلَو أوصى اثْنَيْنِ وقبلا لم ينْفَرد أَحدهمَا بِالتَّصَرُّفِ إِلَّا بِإِذْنِهِ لَهُ بالانفراد عملا بِالْإِذْنِ
نعم لَهُ الِانْفِرَاد برد الْحُقُوق وتنفيذ وَصِيَّة مُعينَة وَقَضَاء دين فِي التَّرِكَة جنسه وَإِن لم يَأْذَن لَهُ
وَلكُل من الْمُوصي وَالْوَصِيّ رُجُوع عَن الْإِيصَاء مَتى شَاءَ لِأَنَّهُ عقد جَائِز إِلَّا أَن يتَعَيَّن الْوَصِيّ أَو يغلب على ظَنّه تلف المَال باستيلاء ظَالِم من قَاض أَو غَيره فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع وَصدق بِيَمِينِهِ ولي وَصِيّا كَانَ أَو قيمًا أَو غَيره فِي إِنْفَاق على موليه لَائِق بِالْحَال لَا فِي دفع المَال إِلَيْهِ بعد كَمَاله فَلَا يصدق بل الْمُصدق موليه إِذْ لَا يعسر إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ بِخِلَاف الْإِنْفَاق
وَلَو قَالَ أوصيت إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى زيد حمل ذكر الله على التَّبَرُّك وَلَو خَافَ الْوَصِيّ على المَال من اسْتِيلَاء ظَالِم فَلهُ تخليصه بِشَيْء مِنْهُ {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَمن هَذَا لَو علم أَنه لَو لم يبْذل شَيْئا لقَاضِي سوء لانتزع مِنْهُ المَال وَسلمهُ لبَعض خونته وَأدّى ذَلِك إِلَى استئصاله وَيقرب من ذَلِك قَول ابْن عبد السَّلَام يجوز تغييب مَال الْيَتِيم أَو السَّفِيه أَو الْمَجْنُون لحفظه إِذا خيف عَلَيْهِ الْغَصْب كَمَا فِي قصَّة الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام نفعنا الله ببركته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة آمين
وانضم بَعْضهَا إِلَى بعض
وَشرعا عقد يتَضَمَّن إِبَاحَة وَطْء بِلَفْظ إنكاح أَو تَزْوِيج أَو تَرْجَمته
وَالْعرب تستعمله بِمَعْنى العقد وَالْوَطْء جَمِيعًا ولأصحابنا فِي مَوْضُوعه الشَّرْعِيّ ثَلَاثَة أوجه أَصَحهَا أَنه حَقِيقَة فِي العقد مجَاز فِي الْوَطْء كَمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن وَالْأَخْبَار وَلَا يرد على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره}

(2/399)


= كتاب النِّكَاح = هُوَ لُغَة الضَّم وَالْجمع وَمِنْه تناكحت الْأَشْجَار إِذا تمايلت لِأَن المُرَاد العقد وَالْوَطْء مُسْتَفَاد من خبر الصَّحِيحَيْنِ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك وَعقد النِّكَاح لَازم من جِهَة الزَّوْجَة وَكَذَلِكَ من جِهَة الزَّوْج على الْأَصَح وَهل كل من الزَّوْجَيْنِ مَعْقُود عَلَيْهِ أَو الزَّوْجَة فَقَط وَجْهَان أوجههمَا الثَّانِي
وَهل هُوَ ملك أَو إِبَاحَة وَجْهَان أوجههمَا الثَّانِي أَيْضا
وَالْأَصْل فِي حلّه الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة فَمن الْكتاب قَوْله تَعَالَى {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} من السّنة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحب فِطْرَتِي فَليَسْتَنَّ بِسنتي وَمن سنتي النِّكَاح
وَزَاد المُصَنّف فِي التَّرْجَمَة (وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من) بعض (الْأَحْكَام) كصحة وَفَسَاد (و) من (القضايا) الْآتِي ذكر بَعْضهَا فِي الْفُصُول الْآتِيَة
القَوْل فِي حكم النِّكَاح (وَالنِّكَاح) بِمَعْنى التَّزْوِيج (مُسْتَحبّ) لتائق لَهُ بتوقانه للْوَطْء إِن وجد أهبته من مهر وَكِسْوَة فصل التَّمْكِين وَنَفَقَة يَوْمه تحصينا

(2/400)


لدينِهِ سَوَاء أَكَانَ مشتغلا بِالْعبَادَة أم لَا فَإِن فقد أهبته فَتَركه أولى وَكسر إرشادا توقانه بِصَوْم لخَبر يَا معشر الشَّبَاب من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء أَي قَاطع لتوقانه والباءة بِالْمدِّ مُؤَن النِّكَاح فَإِن لم تنكسر بِالصَّوْمِ فَلَا يكسرهُ بالكافور وَنَحْوه بل يتَزَوَّج وَكره النِّكَاح لغير التائق لَهُ لعِلَّة أَو غَيرهَا إِن فقد أهبته أَو وجدهَا وَكَانَ بِهِ عِلّة كهرم وتعنين لانْتِفَاء حَاجته مَعَ الْتِزَام فَاقِد الأهبة مَا لَا يقدر عَلَيْهِ وخطر الْقيام بواجبه فِيمَا عداهُ وَإِن وجدهَا وَلَا عِلّة بِهِ فتخل لعبادة أفضل من النِّكَاح إِن كَانَ متعبدا اهتماما بهَا فَإِن لم يتعبد فَالنِّكَاح أفضل من تَركه لِئَلَّا تُفْضِي بِهِ البطالة إِلَى الْفَوَاحِش
وَيسْتَثْنى من إِطْلَاق المُصَنّف مَا لَو كَانَ فِي دَار الْحَرْب فَإِنَّهُ لَا يسْتَحبّ لَهُ النِّكَاح وَإِن اجْتمعت فِيهِ الشُّرُوط كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَعلله بالخوف على وَلَده من الْكفْر والاسترقاق
تَنْبِيه نَص فِي الْأُم وَغَيرهَا على أَن الْمَرْأَة التائقة يسن لَهَا النِّكَاح وَفِي مَعْنَاهَا المحتاجة إِلَى النَّفَقَة والخائفة من اقتحام الفجرة
وَيُوَافِقهُ مَا فِي التَّنْبِيه من أَن من جَازَ لَهَا النِّكَاح إِن كَانَت محتاجة إِلَيْهِ اسْتحبَّ لَهَا النِّكَاح وَإِلَّا كره فَمَا قيل إِنَّه يسْتَحبّ لَهَا ذَلِك مُطلقًا مَرْدُود وَيسن أَن يتَزَوَّج بكرا لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك إِلَّا لعذر كضعف آلَته عَن الافتضاض أَو احْتِيَاجه لمن يقوم على عِيَاله دينة لَا فاسقة جميلَة لوُرُود خبر الصَّحِيحَيْنِ تنْكح الْمَرْأَة لأَرْبَع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بِذَات الدّين تربت يداك أَي افْتَقَرت إِن لم تفعل واستغنيت إِن فعلت
وَخبر تزوجوا الْوَلُود الْوَدُود فَإِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة وَيعرف كَون الْبكر ولودا بأقاربها نسيبة أَي طيبَة الأَصْل لخَبر تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ غير ذَات قرَابَة قريبَة بِأَن تكون أَجْنَبِيَّة أَو ذَات قرَابَة بعيدَة لضعف الشَّهْوَة فِي الْقَرِيبَة فَيَجِيء الْوَلَد نحيفا
(وَيجوز للْحرّ أَن يجمع) فِي نِكَاح (بَين أَربع حرائر) فَقَط لقَوْله تَعَالَى {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لغيلان وَقد أسلم وَتَحْته عشر نسْوَة أمسك أَرْبعا وَفَارق سائرهن وَإِذا امْتنع فِي الدَّوَام فَفِي الِابْتِدَاء أولى
فَائِدَة ذكر ابْن عبد السَّلَام أَنه كَانَ فِي شَرِيعَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الْجَوَاز من غير حصر تَغْلِيبًا لمصْلحَة الرِّجَال وَفِي شَرِيعَة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَا يجوز غير وَاحِدَة تَغْلِيبًا لمصْلحَة النِّسَاء وراعت شَرِيعَة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ مصلحَة النَّوْعَيْنِ
قَالَ ابْن النَّقِيب وَالْحكمَة فِي تَخْصِيص الْحر بالأربع أَن الْمَقْصُود من النِّكَاح الألفة والمؤانسة وَذَلِكَ يفوت مَعَ الزِّيَادَة على الْأَرْبَع وَلِأَنَّهُ بالقسم يغيب عَن كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ ثَلَاث لَيَال وَهِي مُدَّة قريبَة اه
وَقد تتَعَيَّن الْوَاحِدَة للْحرّ وَذَلِكَ فِي كل نِكَاح توقف على الْحَاجة كالسفيه وَالْمَجْنُون وَقَالَ بعض الْخَوَارِج الْآيَة تدل على جَوَاز تسع مثنى بِاثْنَيْنِ
وَثَلَاث بِثَلَاث وَربَاع بِأَرْبَع ومجموع ذَلِك تسع
وَبَعض مِنْهُم قَالَ تدل على ثَمَانِيَة عشرَة مثنى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاث ثَلَاثَة ثَلَاثَة وَربَاع أَرْبَعَة أَرْبَعَة ومجموع ذَلِك مَا ذكر
وَهَذَا خرق للْإِجْمَاع
الْيَمين من غير حصر سَوَاء أكن مَعَ الْحَرَائِر أَو منفردات وَهُوَ كَذَلِك لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {فَإِن خِفْتُمْ أَلا تعدلوا فَوَاحِدَة أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم}

(2/401)


تَنْبِيه اسْتُفِيدَ من تَقْيِيد المُصَنّف بالحرائر جَوَاز الْجمع بَين الْإِمَاء بِملك
(و) يجوز (للْعَبد أَن يجمع بَين اثْنَتَيْنِ) فَقَط لِأَن الحكم بن عتيبة نقل إِجْمَاع الصَّحَابَة فِيهِ وَلِأَنَّهُ على النّصْف من الْحر وَلِأَن النِّكَاح من بَاب الْفَضَائِل فَلم يلْحق العَبْد فِيهِ بِالْحرِّ كَمَا لم يلْحق الْحر بِمنْصب النُّبُوَّة فِي الزِّيَادَة على الْأَرْبَع
والمبعض كالقن كَمَا صرح بِهِ أَبُو حَامِد وَالْمَاوَرْدِيّ وَغَيرهمَا فَلَو نكح الْحر خمْسا مثلا بِعقد وَاحِد أَو العَبْد ثَلَاثًا كَذَلِك بطلن إِذْ لَيْسَ إبِْطَال نِكَاح وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِأولى من الْأُخْرَى فَبَطل الْجَمِيع كَمَا لَو جمع بَين أُخْتَيْنِ أَو مُرَتبا فالخامسة للْحرّ وَالثَّالِثَة للْعَبد يبطل نِكَاحهَا لِأَن الزِّيَادَة على الْعدَد الشَّرْعِيّ حصل بهَا
(وَلَا ينْكح الْحر أمة) لغيره (إِلَّا بِشَرْطَيْنِ) بل بِثَلَاثَة وَإِن عَم الثَّالِث الْحر وَغَيره
واختص بِالْمُسلمِ أول الثَّلَاثَة (عدم) قدرته على (صدَاق الْحرَّة) وَلَو كِتَابِيَّة تصلح تِلْكَ الْحرَّة للاستمتاع بهَا أَو قدر على صَدَاقهَا وَلم يجدهَا أَو وجدهَا وَلم ترض إِلَّا بِزِيَادَة على مهر مثلهَا أَو لم ترض بنكاحه لقُصُور نسبه وَنَحْوه أَو كَانَ تَحْتَهُ من لَا تصلح للاستمتاع كصغيرة لَا تحْتَمل الْوَطْء أَو رتقاء أَو قرناء أَو هرمة أَو نَحْو ذَلِك فَلَو قدر على حرَّة غَائِبَة عَن بَلَده حلت لَهُ الْأمة إِن لحقه مشقة ظَاهِرَة فِي قَصدهَا
وَضبط الإِمَام الْمَشَقَّة بِأَن ينْسب محتملها فِي طلب الزَّوْجَة إِلَى الْإِسْرَاف ومجاوزة الْحَد أَو خَافَ زنا مُدَّة قصد الْحرَّة وَإِلَّا فَلَا تحل لَهُ الْأمة
وَيجب السّفر للْحرَّة لَكِن مَحَله كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ إِذا أمكن انتقالها مَعَه إِلَى وَطنه وَإِلَّا فَهِيَ كالمعدومة لما فِي تَكْلِيفه الْمقَام مَعهَا هُنَاكَ من التَّغْرِيب والرخص لَا تحْتَمل هَذَا التَّضْيِيق
وَلَا يمْنَع مَاله الْغَائِب نِكَاح الْأمة وَلَو قدر على حرَّة بِبيع مَسْكَنه حلت لَهُ الْأمة وَلَو وجد حرَّة ترْضى بمؤجل وَلم يجد الْمهْر أَو ترْضى بِدُونِ مهر الْمثل وَهُوَ واجده حلت لَهُ الْأمة فِي الصُّورَة الأولى لِأَن ذمَّته تصير مَشْغُولَة فِي الْحَال وَقد لَا يجده عِنْد حُلُول الْأَجَل دون الصُّورَة الثَّانِيَة لقدرته على نِكَاح حرَّة والْمنَّة فِي ذَلِك قَليلَة إِذْ الْعَادة الْمُسَامحَة فِي المهور
وَلَو رضيت حرَّة بِلَا مهر حلت لَهُ الْأمة أَيْضا لوُجُوب مهرهَا بِالْوَطْءِ
(و) ثَانِي الشُّرُوط (خوف الْعَنَت) وَهُوَ الْوُقُوع فِي الزِّنَا بِأَن تغلب شَهْوَته وتضعف تقواه وَإِن لم يغلب على ظَنّه وُقُوع الزِّنَا بل توقعه لَا على ندور فَمن ضعفت شَهْوَته وَله تقوى أَو مُرُوءَة أَو حَيَاء يستقبح مَعَه الزِّنَا وقويت شَهْوَته وتقواه لم تحل لَهُ الْأمة لِأَنَّهُ لَا يخَاف الزِّنَا فَلَا يجوز لَهُ أَن يرق وَلَده لفضاء وطر أَو كسر شَهْوَة
وأصل الْعَنَت الْمَشَقَّة سمي بِهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ سَببهَا بِالْحَدِّ فِي الدُّنْيَا والعقوبة فِي الْآخِرَة
وَالْأَصْل فِيمَا ذكر قَوْله تَعَالَى {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات فَمن مَا ملكت أَيْمَانكُم}

(2/402)


إِلَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِك لمن خشِي الْعَنَت مِنْكُم} والطول السعَة وَالْمرَاد بالمحصنات الْحَرَائِر
قَالَ الرَّوْيَانِيّ وبالعنت عُمُومه لَا خصوصه حَتَّى لَو خَافَ الْعَنَت من أمة بِعَينهَا لقُوَّة ميله إِلَيْهَا وحبه لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يَتَزَوَّجهَا إِذا كَانَ واجدا للطول لِأَن الْعِشْق لَا معنى لاعتباره هُنَا لِأَن هَذَا تهييج من البطالة وإطالة الْفِكر وَكم من إِنْسَان ابتلى بِهِ وَسَلاهُ اه
وَالْوَجْه ترك التَّقْيِيد بِوُجُود الطول لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَاز نِكَاحهَا عِنْد فقد الطول فَيفوت اعْتِبَار عُمُوم الْعَنَت مَعَ أَن وجود الطول كَاف فِي الْمَنْع من نِكَاحهَا وَبِهَذَا الشَّرْط علم أَن الْحر لَا ينْكح أمتين وَأَن الْمَمْسُوح والمجبوب ذكره لَا يحل لَهُ نِكَاح الْأمة مُطلقًا وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا يتَصَوَّر مِنْهُ الزِّنَا
وَلَو وجدت الْأمة زَوجهَا مجبوبا وأرادت إبِْطَال النِّكَاح وَادّعى الزَّوْج حُدُوث الْجب بعد النِّكَاح وَأمكن حكم بِصِحَّة نِكَاحه فَإِن لم يُمكن حُدُوثه بِأَن كَانَ الْموضع مندملا وَقد عقد النِّكَاح أمس حكم بِبُطْلَان النِّكَاح
وَالشّرط الثَّالِث إسْلَامهَا لمُسلم حر أَو غَيره كَمَا مر فَلَا تحل لَهُ كِتَابِيَّة أما الْحر فَلقَوْله تَعَالَى {فَمن مَا ملكت أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} وَأما غير الْحر فَلِأَن الْمَانِع من نِكَاحهَا كفرها فساوى الْحر كالمرتدة والمجوسية وَمن بَعْضهَا رَقِيق وباقيها حر حكمهَا كرقيق كلهَا فَلَا ينْكِحهَا الْحر إِلَّا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَة لِأَن إرقاق بعض الْوَلَد مَحْذُور
وَفِي جَوَاز نِكَاح أمة مَعَ تيَسّر مبعضة تردد للْإِمَام لِأَن إرقاق بعض الْوَلَد أَهْون من إرقاق كُله وعَلى تَعْلِيل الْمَنْع اقْتصر الشَّيْخَانِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ الْمُرَجح
أما غير الْمُسلم من حر وَغَيره ككتابيين فَتحل لَهُ أمة كِتَابِيَّة لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدّين وَلَا بُد فِي نِكَاح الْحر الْكِتَابِيّ الْأمة الْكِتَابِيَّة من أَن يخَاف الزِّنَا ويفقد الْحرَّة كَمَا فهمه السُّبْكِيّ من كَلَامهم
وَاعْلَم أَنه لَا يحل للْحرّ مُطلقًا نِكَاح أمة وَلَده وَلَا أمة مُكَاتبَة وَلَا أمة مَوْقُوفَة عَلَيْهِ وَلَا موصى لَهُ بخدمتها
القَوْل فِي أَنْوَاع النّظر إِلَى الْمَرْأَة (وَنظر الرجل) الْفَحْل الْبَالِغ الْعَاقِل (إِلَى الْمَرْأَة) وَلَو غير مشتهاة (على سَبْعَة أضْرب) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة فَخرج بِقَيْد الرجل وَالْمَرْأَة وَسَيَأْتِي حكم نظرها لمثلهَا لَكِن عِبَارَته توهم خُرُوج الْخُنْثَى الْمُشكل وَالصَّحِيح أَن حكمه فِي النّظر حكم الرجل وبقيد الْفَحْل الْمَمْسُوح فنظره للأجنبية جَائِز على الْأَصَح كنظر الْفَحْل إِلَى مَحَارمه
تَنْبِيه شَمل قَول المُصَنّف الرجل الْفَحْل الْخصي وَهُوَ من قلعت أنثياه وَبَقِي ذكره والمجبوب بِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ من قطع ذكره وَبَقِي أنثياه والعنين وَالشَّيْخ الْهَرم والمخنث وَهُوَ بِكَسْر النُّون على الْأَفْصَح المتشبه بِالنسَاء
وبقيد الْبَالِغ الصَّبِي وَلَو مُمَيّزا لَكِن الْمُرَاهق هُنَا كَالْبَالِغِ على الْأَصَح وبقيد الْعَاقِل الْمَجْنُون فنظره لَا يُوصف بِتَحْرِيم كالبهيمة
(أَحدهَا نظره) أَي الرجل (إِلَى) بدن امْرَأَة (أَجْنَبِيَّة) غير الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَلَو غير مشتهاة قصدا (لغير حَاجَة) مِمَّا سَيَأْتِي (فَغير جَائِز) قطعا وَإِن إِلَى الاختلاء بهَا لجماع أَو مقدماته بِالْإِجْمَاع كَمَا قَالَه الإِمَام وَلَو نظر إِلَيْهِمَا بِشَهْوَة وَهِي قصد التَّلَذُّذ بِالنّظرِ الْمُجَرّد وَأمن الْفِتْنَة حرم قطعا وَكَذَا يحرم النّظر إِلَيْهِمَا عِنْد الْأَمْن من الْفِتْنَة فِيمَا يظْهر لَهُ من نَفسه من غير شَهْوَة على الصَّحِيح كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ
وَوَجهه الإِمَام بِاتِّفَاق الْمُسلمين على منع النِّسَاء من الْخُرُوج سافرات الْوُجُوه وَبِأَن النّظر مَظَنَّة الْفِتْنَة ومحرك للشهوة وَقد قَالَ تَعَالَى قل أَمن الْفِتْنَة وَأما نظره

(2/403)


إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ فَحَرَام عِنْد خوف فتْنَة تَدْعُو {للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} واللائق بمحاسن الشَّرِيعَة سد الْبَاب والإعراض عَن تفاصيل الْأَحْوَال كالخلوة بالأجنبية وَقيل لَا يحرم لقَوْله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} وَهُوَ مُفَسّر بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَنسبه الإِمَام لِلْجُمْهُورِ والشيخان للأكثرين وَقَالَ فِي الْمُهِمَّات إِنَّه الصَّوَاب لكَون الْأَكْثَرين عَلَيْهِ وَقَالَ البُلْقِينِيّ التَّرْجِيح بِقُوَّة الْمدْرك وَالْفَتْوَى على مَا فِي الْمِنْهَاج اه وَكَلَام المُصَنّف شَامِل لذَلِك وَهُوَ الْمُعْتَمد وَخرج بِقَيْد الْقَصْد مَا إِذا حصل النّظر اتِّفَاقًا فَلَا إِثْم فِيهِ
(و) الضَّرْب (الثَّانِي نظره) أَي الرجل (إِلَى) بدن (زَوجته و) إِلَى بدن (أمته) الَّتِي يحل لَهُ الِاسْتِمْتَاع بهَا (فَيجوز) حِينَئِذٍ (أَن ينظر إِلَى) كل بدنهما حَال حياتهما لِأَنَّهُ مَحل استمتاعه (مَا عدا الْفرج) الْمُبَاح مِنْهُمَا فَلَا يجوز جَوَازًا مستوي الطَّرفَيْنِ فَيكْرَه النّظر إِلَيْهِ بِلَا حَاجَة وَإِلَى بَاطِنه أَشد كَرَاهَة قَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مَا رَأَيْت مِنْهُ وَلَا رأى مني أَي الْفرج
وَأما خبر النّظر إِلَى الْفرج يُورث الطمس أَي الْعَمى كَمَا ورد كَذَلِك فَرَوَاهُ ابْن حبَان وَغَيره فِي الضُّعَفَاء بل ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات
وَقَالَ ابْن عدي حَدِيث مُنكر حَكَاهُ عَنهُ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه الْمُسَمّى بِالنّظرِ فِي أَحْكَام النّظر وَخَالف ابْن الصّلاح وَحسن إِسْنَاده وَقَالَ أَخطَأ من ذكره فِي الموضوعات وَمَعَ ذَلِك هُوَ مَحْمُول على الْكَرَاهَة كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَإِن كَانَ كَلَام المُصَنّف يُوهم الْحُرْمَة
وَاخْتلفُوا فِي قَوْله يُورث الْعَمى فَقيل فِي النَّاظر وَقيل فِي الْوَلَد وَقيل فِي الْقلب وَنظر الزَّوْجَة إِلَى زَوجهَا كنظره إِلَيْهَا
تَنْبِيه شَمل كلا مِنْهُم الدبر وَقَول الإِمَام والتلذذ بالدبر بِلَا إيلاج جَائِز صَرِيح فِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمد وَإِن خَالف فِي ذَلِك الدَّارمِيّ وَقَالَ بِحرْمَة النّظر إِلَيْهِ
ويستثني زَوجته الْمُعْتَدَّة عَن وَطْء الْغَيْر بِشُبْهَة فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ نظر مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَيحل مَا سواهُ على الصَّحِيح
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلَا يجوز للْمَرْأَة أَن تنظر إِلَى عَورَة زَوجهَا إِذا منعهَا مِنْهُ بِخِلَاف الْعَكْس لِأَنَّهُ يملك التَّمَتُّع بهَا

(2/404)


بِخِلَاف الْعَكْس اه
وَهُوَ ظَاهر وَإِن توقف فِيهِ بَعضهم وَخرج بِقَيْد الْحَيَاة مَا بعد الْمَوْت فَيصير الزَّوْج فِي النّظر حِينَئِذٍ كالمحرم كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع
وَمُقْتَضى التَّشْبِيه بالمحرم أَنه يحرم النّظر إِلَيْهِ بِشَهْوَة فِي غير مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَإِلَى مَا بَينهمَا بِغَيْر شَهْوَة وَمثل الزَّوْج السَّيِّد فِي أمته الَّتِي يحل لَهُ الِاسْتِمْتَاع بهَا أما الَّتِي لَا يحل لَهُ فِيهَا ذَلِك بِكِتَابَة أَو تَزْوِيج أَو شركَة أَو كفر كتوثن وردة وعدة من غَيره وَنسب ورضاع ومصاهرة وَنَحْو ذَلِك فَيحرم عَلَيْهِ نظره مِنْهَا إِلَى مَا بَين سرة وركبة دون مَا زَاد أما الْمُحرمَة بِعَارِض قريب الزَّوَال كحيض وَرهن فَلَا يحرم نظره إِلَيْهَا
(و) الضَّرْب (الثَّالِث نظره إِلَى ذَوَات مَحَارمه) من نسب أَو رضَاع أَو مصاهرة (أَو) إِلَى (أمته الْمُزَوجَة) وَمثلهَا الَّتِي يحرم الِاسْتِمْتَاع بهَا كالمكاتبة والمعتدة والمشتركة والمرتدة والمجوسية والوثنية فَيجوز بِغَيْر شَهْوَة فِيمَا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة مِنْهُنَّ لِأَن الْمَحْرَمِيَّة معنى يُوجب حُرْمَة المناكحة فَكَانَا كالرجلين والمرأتين وَالْمَانِع الْمَذْكُور فِي الْأمة صيرها كالمحرم أما مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة فَيحرم نظره فِي الْمحرم إِجْمَاعًا وَمثل الْمحرم الْأمة الْمَذْكُورَة وَأما النّظر إِلَى السُّرَّة وَالركبَة فَيجوز لِأَنَّهُمَا ليسَا بِعَوْرَة بِالنِّسْبَةِ لنظر الْمحرم وَالسَّيِّد فَهَذِهِ الْعبارَة أولى من عبارَة ابْن الْمقري تبعا لغيره بِمَا فَوق السُّرَّة وَتَحْت الرّكْبَة
وَخرج بِقَيْد عدم الشَّهْوَة النّظر بهَا فَيحرم مُطلقًا فِي كل مَا لَا يُبَاح لَهُ الِاسْتِمْتَاع بِهِ وَلَكِن النّظر فِي الْخطْبَة يجوز وَلَو بِشَهْوَة كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْله
(و) الضَّرْب (الرَّابِع النّظر) الْمسنون (لأجل النِّكَاح فَيجوز) بل يسن إِذا قصد نِكَاحهَا ورجاه رَجَاء ظَاهرا أَنه يُجَاب إِلَى خطبَته كَمَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمُغِيرَة بن شُعْبَة وَقد خطب امْرَأَة انْظُر إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يُؤْدم بَيْنكُمَا الْمَوَدَّة والألفة وَمعنى يُؤْدم أَي يَدُوم قدمت الْوَاو على الدَّال
وَقيل من الإدام مَأْخُوذ من إدام الطَّعَام لِأَنَّهُ يطيب بِهِ حكى الأول الْمَاوَرْدِيّ عَن الْمُحدثين وَالثَّانِي عَن أهل اللُّغَة وَوقت النّظر قبل الْخطْبَة وَبعد الْعَزْم على النِّكَاح لِأَنَّهُ قبل الْعَزْم لَا حَاجَة إِلَيْهِ وَبعد الْخطْبَة قد يُفْضِي الْحَال إِلَى التّرْك فَيشق عَلَيْهَا وَلَا يتَوَقَّف النّظر على إِذْنهَا وَلَا إِذن وَليهَا اكْتِفَاء بِإِذن الشَّارِع وَلِئَلَّا تتزين فَيفوت غَرَضه
وَله تَكْرِير نظره إِن احْتَاجَ إِلَيْهِ ليتبين هيئتها فَلَا ينْدَم بعد النِّكَاح
وَالضَّابِط فِي ذَلِك الْحَاجة وَلَا يتَقَيَّد بِثَلَاث مَرَّات وَسَوَاء أَكَانَ بِشَهْوَة أم بغَيْرهَا كَمَا قَالَه الإِمَام وَالرُّويَانِيّ وَإِن قَالَ الْأَذْرَعِيّ فِي نظره بِشَهْوَة نظر وَينظر فِي الْحرَّة (إِلَى) جَمِيع (الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ) ظهرا وبطنا لِأَنَّهُمَا مَوَاضِع مَا يظْهر من الزِّينَة الْمشَار إِلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} وَلَا يجوز أَن ينظر إِلَى غير ذَلِك
وَالْحكمَة فِي الِاقْتِصَار عَلَيْهِ أَن فِي الْوَجْه مَا يسْتَدلّ بِهِ

(2/405)


على الْجمال وَفِي الْيَدَيْنِ مَا يسْتَدلّ بِهِ على خصب الْبدن أما الْأمة وَلَو مبعضة فَينْظر مِنْهَا مَا عدا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة كَمَا صرح بِهِ ابْن الرّفْعَة وَقَالَ إِنَّه مَفْهُوم كَلَامهم فَإِن لم يَتَيَسَّر نظره إِلَيْهَا أَو لم يردهُ بعث امْرَأَة أَو نَحْوهَا تتأملها وتصفها لَهُ وَيجوز للمبعوث أَن يصف للباعث زَائِدا على مَا ينظره فيستفيد بِالْبَعْثِ مَا لَا يستفيده بنظره وَيسن للْمَرْأَة أَيْضا أَن تنظر من الرجل غير عَوْرَته إِذا أَرَادَت تزَوجه فَإِنَّهَا يعجبها مِنْهُ مَا يُعجبهُ مِنْهَا وتستوصف كَمَا مر فِي الرجل
تَنْبِيه قد علم مِمَّا تقرر أَن كلا من الزَّوْجَيْنِ ينظر من الآخر مَا عدا عَورَة الصَّلَاة وَخرج بِالنّظرِ الْمس فَلَا يجوز إِذْ لَا حَاجَة إِلَيْهِ
(و) الضَّرْب (الْخَامِس النّظر للمداواة) كفصد وحجامة وعلاج وَلَو فِي فرج (فَيجوز إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا فَقَط) لِأَن فِي التَّحْرِيم حِينَئِذٍ حرجا فللرجل مداواة الْمَرْأَة وَعَكسه وَليكن ذَلِك بِحَضْرَة محرم أَو زوج أَو امْرَأَة ثِقَة إِن جَوَّزنَا خلْوَة أَجْنَبِي بامرأتين وَهُوَ الرَّاجِح
وَيشْتَرط عدم امْرَأَة يُمكنهَا تعَاطِي ذَلِك من امْرَأَة وَعَكسه كَمَا صَححهُ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة وَأَن لَا يكون ذِمِّيا مَعَ وجود مُسلم وَفِيه كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ أَن لَا تكون كَافِرَة أَجْنَبِيَّة مَعَ وجود مسلمة على الْأَصَح وَلَو لم نجد لعلاج الْمَرْأَة إِلَّا كَفَّارَة وَمُسلمًا فَالظَّاهِر أَن الْكَافِرَة تقدم لِأَن نظرها ومسها أخف من الرجل بل الْأَشْبَه عِنْد الشَّيْخَيْنِ أَنَّهَا تنظر مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْد المهنة بِخِلَاف الرجل
وَقيد فِي الْكَافِي الطَّبِيب بالأمين فَلَا يعدل إِلَى غَيره مَعَ وجوده
وَشرط الْمَاوَرْدِيّ أَن يَأْمَن الافتتان وَلَا يكْشف إِلَّا قدر الْحَاجة وَفِي معنى مَا ذكر نظر الخاتن إِلَى فرج من يختنه وَنظر الْقَابِلَة إِلَى فرج الَّتِي تولدها وَيعْتَبر فِي النّظر إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ مُطلق الْحَاجة وَفِي غَيرهمَا مَا عدا السوأتين تأكدها بِأَن يكون مِمَّا يُبِيح التَّيَمُّم كشدة الضنا وَفِي السوأتين مزِيد تأكيدها بِأَن لَا يعد الْكَشْف بِسَبَبِهَا هتكا للمروءة
(و) الضَّرْب (السَّادِس النّظر للشَّهَادَة) تحملا وَأَدَاء أَو للمعاملة من بيع وَغَيره (فَيجوز) حَتَّى يجوز فِي الشَّهَادَة النّظر إِلَى الْفرج للشَّهَادَة على الزِّنَا والولادة وَإِلَى الثدي للشَّهَادَة على الرَّضَاع وَإِذا نظر إِلَيْهَا وَتحمل الشَّهَادَة عَلَيْهَا كلفت الْكَشْف عَن وَجههَا عِنْد الْأَدَاء إِن لم يعرفهَا فِي نقابها فَإِن عرفهَا لم يفْتَقر إِلَى الْكَشْف بل يحرم النّظر حِينَئِذٍ
وَيجوز النّظر إِلَى عانة ولد الْكَافِر لينْظر هَل نَبتَت أَو لَا وَيجوز للنسوة أَن ينظرن إِلَى ذكر الرجل إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة عبالته وامتنعت من التَّمْكِين
تَنْبِيه هَذَا كُله إِذا لم يخف فتْنَة فَإِن خافها لم ينظر إِلَّا إِن تعين عَلَيْهِ فَينْظر ويضبط نَفسه وَأما فِي الْمُعَامَلَة فَينْظر إِلَى الْوَجْه فَقَط كَمَا جزم بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره
(و) الضَّرْب (السَّابِع النّظر إِلَى) بدن (الْأمة عِنْد ابتياعها) أَي إِذا أَرَادَ أَن يَشْتَرِيهَا رجل أَو بدن عبد إِذا أَرَادَت أَن تشتريه

(2/406)


امْرَأَة (فَيجوز إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي يحْتَاج إِلَى تقليبها) فَينْظر الرجل إِذا اشْترى جَارِيَة أَو اشترت الْمَرْأَة عبدا مَا عدا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَلَا يُزَاد على النظرة الْوَاحِدَة إِلَّا أَن يحْتَاج إِلَى ثَانِيَة للتحقق فَيجوز
تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن النّظر إِلَى أَشْيَاء اختصارا مِنْهَا النّظر إِلَى التَّعْلِيم كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج وَاخْتلف الشُّرَّاح فِي معنى ذَلِك فَقَالَ السُّبْكِيّ إِنَّمَا يظْهر فِيمَا يجب تعلمه وتعليمه كالفاتحة وَمَا يتَعَيَّن تَعْلِيمه من الصَّنَائِع الْمُحْتَاج إِلَيْهَا بِشَرْط التَّعَذُّر من وَرَاء حجاب
وَأما غير ذَلِك فكلامهم يَقْتَضِي الْمَنْع وَمِنْهُم النَّوَوِيّ حَيْثُ قَالَ فِي الصَدَاق وَلَو أصدقهَا تَعْلِيم قُرْآن فَطلق قبله فَالْأَصَحّ تعذر تَعْلِيمه
وَقَالَ الْجلَال الْمحلي وَهُوَ أَي التَّعْلِيم للأمرد خَاصَّة لما سَيَأْتِي وَيُشِير بذلك إِلَى مَسْأَلَة الصَدَاق وَالْمُعْتَمد أَنه يجوز النّظر للتعليم للأمرد وَغَيره وَاجِبا كَانَ أَو مَنْدُوبًا
وَإِنَّمَا منع من تَعْلِيم الزَّوْجَة الْمُطلقَة لِأَن كلا من الزَّوْجَيْنِ تعلّقت آماله بِالْآخرِ فَصَارَ لكل مِنْهُمَا طمعة فِي الآخر فَمنع من ذَلِك
وَمِنْهَا نظر الْمَرْأَة إِلَى محارمها وَحكمه كَعَكْسِهِ فتنظر مِنْهُ مَا عدا مَا بَين سرته وركبته
وَمِنْهَا نظر الْمَرْأَة إِلَى بدن أَجْنَبِي وَالأَصَح أَنه كنظره إِلَيْهَا وَمِنْهَا نظر رجل إِلَى رجل فَيحل بِلَا شَهْوَة إِلَّا مَا بَين سرة وركبة فَيحرم وَمِنْهَا نظر الْأَمْرَد وَهُوَ الشَّاب الَّذِي لم تنْبت لحيته وَلَا يُقَال لمن أسن وَلَا شعر بِوَجْهِهِ أَمْرَد بل يُقَال لَهُ ثط بالثاء الْمُثَلَّثَة فَإِن كَانَ بِشَهْوَة فَهُوَ حرَام بِالْإِجْمَاع وَلَا يخْتَص ذَلِك بالأمرد كَمَا مر بل النّظر إِلَى الملتحي وَالنِّسَاء الْمَحَارِم بِشَهْوَة حرَام قطعا
وَضَابِط الشَّهْوَة فِيهِ كَمَا قَالَه فِي الْإِحْيَاء إِن كل من تأثر بِجَمَال صُورَة الْأَمْرَد بِحَيْثُ يظْهر من نَفسه الْفرق بَينه وَبَين الملتحي فَهُوَ لَا يحل لَهُ النّظر وَلَو انْتَفَت الشَّهْوَة وَخيف الْفِتْنَة حرم النّظر أَيْضا
قَالَ ابْن الصّلاح وَلَيْسَ المعني بخوف الْفِتْنَة غَلَبَة الظَّن بوقوعها بل يَكْفِي أَن لَا يكون ذَلِك نَادرا وَأما نظره بِغَيْر شَهْوَة وَلَا خوف فتْنَة فَيحرم عِنْد النَّوَوِيّ أَيْضا وَالْأَكْثَرُونَ على خِلَافه
وَمِنْهَا النّظر إِلَى الْأمة وَهِي الْحرَّة على الْأَصَح عِنْد الْمُحَقِّقين
وَمِنْهَا نظر الْمَرْأَة إِلَى مثلهَا وَهُوَ كنظر رجل إِلَى رجل وَأما الْخُنْثَى الْمُشكل فيعامل بالأشد فَيجْعَل مَعَ النِّسَاء رجلا وَمَعَ الرِّجَال امْرَأَة إِذا كَانَ فِي سنّ يحرم فِيهِ نظر الْوَاضِح كَمَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي بَاب الْأَحْدَاث من الْمَجْمُوع وَلَا يجوز أَن يَخْلُو بِهِ أَجْنَبِي وَلَا أَجْنَبِيَّة وَلَو كَانَ مَمْلُوكا لامْرَأَة فَهُوَ مَعهَا كعبدها وَمِنْهَا نظر الْكَافِرَة إِلَى الْمسلمَة فَهُوَ حرَام فتحتجب الْمسلمَة عَنْهَا لقَوْله تَعَالَى {أَو نسائهن} فَلَو جَازَ لَهَا النّظر لم يبْق للتخصيص فَائِدَة وَصَحَّ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ منع الكتابيات دُخُول الْحمام مَعَ المسلمات هَذَا مَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ وَالْأَشْبَه كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا أَنه يجوز أَن ترى مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْد المهنة وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وَمحل ذَلِك فِي كَافِرَة غير محرم للمسلمة وَغير مَمْلُوكَة لَهَا أما هما فَيجوز

(2/407)


لَهما النّظر إِلَيْهَا كَمَا أفتى بِهِ النَّوَوِيّ فِي الْمَمْلُوكَة وبحثه الزَّرْكَشِيّ فِي الْمحرم وَهُوَ ظَاهر
تَتِمَّة مَتى حرم النّظر حرم اللَّمْس لِأَنَّهُ أبلغ مِنْهُ فِي اللَّذَّة وإثارة الشَّهْوَة بِدَلِيل أَنه لَو مس فَأنْزل أفطر وَلَو نظر فَأنْزل لم يفْطر وكل مَا حرم نظره مُتَّصِلا حرم نظره مُنْفَصِلا كشعر عانة وَلَو من رجل وقلامة ظفر حرَّة وَلَو من يَديهَا وَيحرم اضطجاع رجلَيْنِ أَو امْرَأتَيْنِ فِي ثوب وَاحِد إِذا كَانَا عاريين وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا فِي جَانب من الْفراش لخَبر مُسلم لَا يفض الرجل إِلَى الرجل فِي الثَّوْب الْوَاحِد وَلَا الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة فِي الثَّوْب الْوَاحِد
وَتسن مصافحة الرجلَيْن والمرأتين لخَبر مَا من مُسلمين يَلْتَقِيَانِ يتصافحان إِلَّا غفر لَهما قبل أَن يَتَفَرَّقَا وَتكره المعانقة والتقبيل فِي الرَّأْس إِلَّا لقادم من سفر أَو تبَاعد لِقَاء عرفا فَسنة لِلِاتِّبَاعِ وَيسن تَقْبِيل يَد الْحَيّ لصلاح وَنَحْوه من الْأُمُور الدِّينِيَّة كعلم وزهد وَيكرهُ ذَلِك لغنى أَو نَحوه من الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة كشوكة ووجاهة وَيسن الْقيام لأهل الْفضل إِكْرَاما لَا رِيَاء وتفخيما