الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل فِي أَرْكَان النِّكَاح
وَهِي خَمْسَة صِيغَة وَزَوْجَة وَزوج وَولي وهما العاقدان وشاهدان وعَلى الْأَخيرينِ وهما الْوَلِيّ
والشاهدان اقْتصر المُصَنّف مُشِيرا إِلَيْهِمَا بقوله (وَلَا يَصح عقد النِّكَاح إِلَّا بولِي) أَو مأذونه أَو الْقَائِم مقَامه كالحاكم عِنْد فَقده أَو غيبته الشَّرْعِيَّة أَو عضلة أَو إِحْرَامه (و) حُضُور (شَاهِدي عدل) لخَبر ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل وَمَا كَانَ من نِكَاح على غير ذَلِك فَهُوَ بَاطِل فَإِن تشاحوا فالسلطان ولي من لَا ولي لَهُ وَالْمعْنَى فِي إِحْضَار الشَّاهِدين الِاحْتِيَاط للأبضاع وصيانة الْأَنْكِحَة عَن الْجُحُود
وَيسن إِحْضَار جمع زِيَادَة على الشَّاهِدين من أهل الْخَيْر وَالدّين
القَوْل فِي شُرُوط الْوَلِيّ والشاهدين (ويفتقر الْوَلِيّ والشاهدان) المعتبرون لصِحَّة النِّكَاح (إِلَى سِتَّة شَرَائِط) بل إِلَى أَكثر كَمَا سَيَأْتِي الأول (الْإِسْلَام) وَهُوَ فِي

(2/408)


ولي الْمسلمَة إِجْمَاعًا وَسَيَأْتِي أَن الْكَافِر يَلِي الْكَافِرَة وَأما الشَّاهِدَانِ فالإسلام شَرط فيهمَا سَوَاء أَكَانَت الْمَنْكُوحَة مسلمة أم ذِمِّيَّة إِذْ الْكَافِر لَيْسَ أَهلا للشَّهَادَة
(و) الثَّانِي (الْبلُوغ و) الثَّالِث (الْعقل) فَلَا ولَايَة لصبي وَمَجْنُون لِأَنَّهُمَا ليسَا من أهل الشَّهَادَة
(و) الرَّابِع (الْحُرِّيَّة) فَلَا ولَايَة لرقيق وَلَا يكون شَاهدا (و) الْخَامِس (الذُّكُورَة) فَلَا تملك الْمَرْأَة تَزْوِيج نَفسهَا بِحَال لَا بِإِذن وَلَا بِغَيْرِهِ سَوَاء الْإِيجَاب وَالْقَبُول إِذْ لَا يَلِيق بمحاسن الْعَادَات دُخُولهَا فِيهِ لما قصد مِنْهَا من الْحيَاء وَعدم ذكره أصلا وَقد قَالَ الله تَعَالَى {الرِّجَال قوامون على النِّسَاء} وَلَا تَزْوِيج غَيرهَا بِولَايَة وَلَا وكَالَة لخَبر لَا تزوج الْمَرْأَة الْمَرْأَة وَلَا الْمَرْأَة نَفسهَا
نعم لَو ابتلينا وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى بإمامة امْرَأَة فَإِن أَحْكَامهَا تنفذ للضَّرُورَة كَمَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَغَيره وَقِيَاسه تَصْحِيح تَزْوِيجهَا
وَلَا يعْتَبر إِذن الْمَرْأَة فِي نِكَاح غَيرهَا إِلَّا فِي ملكهَا أَو فِي سَفِيه أَو مَجْنُون هِيَ وَصِيَّة عَلَيْهِ وَلَيْسَت الْمَرْأَة أَهلا للشَّهَادَة فَلَا ينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَة النِّسَاء وَلَا بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يثبت بقَوْلهمْ
تَنْبِيه أفهم كَلَامه أَنه لَا ينْعَقد بخنثيين وَلَو بانا رجلَيْنِ لَكِن الْأَصَح فِي زِيَادَة الرَّوْضَة الصِّحَّة فَإِن قيل لَو عقد على خُنْثَى أَو لَهُ ثمَّ تبين كَونه أُنْثَى فِي الأول أَو ذكرا فِي الثَّانِي لَا يَصح
أُجِيب بِأَن الْخُنْثَى أهل للشَّهَادَة فِي الْجُمْلَة فَإِن بَان رجلا اكتفينا بذلك فِي النِّكَاح بِخِلَاف العقد على الْخُنْثَى أَو لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَهلا لعقد النِّكَاح عَلَيْهِ وَلَا لَهُ فِي حَال من الْأَحْوَال
(و) السَّادِس (الْعَدَالَة) وَهِي ملكة فِي النَّفس تمنع من اقتراف الذُّنُوب وَلَو صغائر الخسة والراذئل الْمُبَاحَة فَلَا ينْعَقد بولِي فَاسق غير الإِمَام الْأَعْظَم مجبرا كَانَ أم لَا فسق بِشرب الْخمر أم لَا أعلن بِفِسْقِهِ أم لَا لحَدِيث (لَا نِكَاح إِلَّا بولِي مرشد
قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَالْمرَاد بالمرشد الْعدْل
وَأفْتى الْغَزالِيّ رَحمَه الله تَعَالَى بِأَنَّهُ لَو كَانَ لَو سلب الْولَايَة لانتقلت إِلَى حَاكم فَاسق ولي وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ وَلَا سَبِيل إِلَى الْفَتْوَى بِغَيْرِهِ إِذْ الْفسق قد عَم الْبِلَاد والعباد وَالْأَوْجه إِطْلَاق الْمَتْن لِأَن الْحَاكِم يُزَوّج للضَّرُورَة وقضاؤه نَافِذ أَمَام الإِمَام الْأَعْظَم فَلَا يقْدَح فسقه لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِل بِهِ فيزوج بَنَاته وَبَنَات غَيره بِالْولَايَةِ الْعَامَّة تفخيما لشأنه فَعَلَيهِ إِنَّمَا يُزَوّج بَنَاته إِذا لم يكن لَهُنَّ ولي غَيره كبنات غَيره
تَنْبِيه لَا يلْزم من أَن الْفَاسِق لَا يُزَوّج اشْتِرَاط أَن يكون الْوَلِيّ عدلا لِأَن بَينهمَا وَاسِطَة فَإِن الْعَدَالَة ملكة تمنع صَاحبهَا مِمَّا مر

(2/409)


وَالصَّبِيّ إِذا بلغ وَلم تصدر مِنْهُ كَبِيرَة وَلم تحصل لَهُ تِلْكَ الملكة لَا عدل وَلَا فَاسق
وَقد نقل الإِمَام الْغَزالِيّ الِاتِّفَاق على أَن المستور يَلِي وَحَيْثُ منعنَا ولَايَة الْفَاسِق فَقَالَ الْبَغَوِيّ إِذا تَابَ زوج فِي الْحَال وَوَجهه بِأَن الشَّرْط فِي ولي النِّكَاح عدم الْفسق لَا قبُول الشَّهَادَة وَلَا ينْعَقد بِشَهَادَة فاسقين لِأَنَّهُ لَا يثبت بهما وَينْعَقد بمستوري الْعَدَالَة وهما المعروفان بهَا ظَاهرا لَا بَاطِنا بِأَن عرفت بالمخالطة دون التَّزْكِيَة عِنْد الْحَاكِم لِأَن الظَّاهِر من الْمُسلمين الْعَدَالَة وَلَا فرق بَين أَن يعْقد بهما الْحَاكِم أَو غَيره على الْمُعْتَمد لَا بمستوري الْإِسْلَام أَو الْحُرِّيَّة بِأَن يَكُونَا فِي مَوضِع يخْتَلط فِيهِ الْمُسلمُونَ بالكفار والأحرار بالأرقاء بل لَا بُد من معرفَة حَالهمَا بَاطِنا لسُهُولَة الْوُقُوف على ذَلِك بِخِلَاف الْعَدَالَة وَالْفِسْق
هَل الْكَافِر يَلِي عقد موليته الْكَافِرَة ثمَّ شرع فِي كَون الْكَافِر الْأَصْلِيّ يَلِي الْكَافِرَة الْأَصْلِيَّة بقوله (إِلَّا أَنه لَا يفْتَقر نِكَاح الذِّمِّيَّة إِلَى إِسْلَام الْوَلِيّ) وَلَو كَانَت الذِّمِّيَّة عتيقة مُسلم وَإِن اخْتلف اعْتِقَاد الزَّوْجَة وَالْوَلِيّ فيزوج الْيَهُودِيّ نَصْرَانِيَّة وَالنَّصْرَانِيّ يَهُودِيَّة كَالْإِرْثِ لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين كفرُوا بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} وَقَضِيَّة التَّشْبِيه بِالْإِرْثِ أَنه لَا ولَايَة لحربي على ذِمِّيَّة وَبِالْعَكْسِ وَأَن الْمُسْتَأْمن كالذمي وَهُوَ ظَاهر كَمَا صَححهُ البُلْقِينِيّ ومرتكب الْمحرم الْفسق فِي دينه من أَوْلِيَاء الْكَافِرَة كالفاسق عندنَا فَلَا يُزَوّج موليته بِخِلَاف مَا إِذا لم يرتكب ذَلِك وَإِن كَانَ مَسْتُورا فيزوجها كَمَا تقرر
وَفرقُوا بَين ولَايَته وشهادته حَيْثُ لَا تقبل وَإِن لم يكن مرتكبا ذَلِك بِأَن الشَّهَادَة مَحْض ولَايَة على الْغَيْر فَلَا يؤهل لَهَا الْكَافِر وَالْوَلِيّ فِي التَّزْوِيج كَمَا يُرَاعِي حَظّ موليته يُرَاعِي حَظّ نَفسه أَيْضا فِي تحصينها وَدفع الْعَار عَن النّسَب
تَنْبِيه ظَاهر كَلَامه أَنه لَا فرق بَين أَن يكون زوج الْكَافِرَة كَافِرًا أَو مُسلما وَهُوَ كَذَلِك لَكِن لَا يُزَوّج الْمُسلم قاضيهم بِخِلَاف الزَّوْج الْكَافِر لِأَن نِكَاح الْكَافِر مَحْكُوم بِصِحَّتِهِ وَإِن صدر من قاضيهم أما الْمُرْتَد فَلَا يَلِي مُطلقًا لَا على مسلمة وَلَا على مرتدة وَلَا على غَيرهمَا لانْقِطَاع الْمُوَالَاة بَينه وَبَين غَيره
(وَلَا) يفْتَقر (نِكَاح الْأمة) من عبد أَو حر بِشَرْطِهِ (إِلَى عَدَالَة السَّيِّد) لِأَنَّهُ يُزَوّج بِالْملكِ لَا بِالْولَايَةِ لِأَنَّهُ يملك التَّمَتُّع بهَا فِي الْجُمْلَة وَالتَّصَرُّف فِيمَا يُمكن اسْتِيفَاؤهُ وَنَقله إِلَى الْغَيْر يكون بِحكم الْملك كاستيفاء سَائِر الْمَنَافِع ونقلها بِالْإِجَارَة فيزوج مُسلم وَلَو فَاسِقًا أَو مكَاتبا أمته الْكَافِرَة الْأَصْلِيَّة بِخِلَاف الْكَافِر لي لَهُ أَن يُزَوّج أمته لَيْسَ الْمسلمَة إِذْ لَا يملك التَّمَتُّع بهَا أصلا بل وَلَا سَائِر التَّصَرُّفَات فِيهَا سوى إِزَالَة الْملك عَنْهَا وكتابتها بِخِلَاف الْمُسلم فِي الْكَافِرَة وَإِذا ملك الْمبعض بِبَعْضِه الْحر أمة زَوجهَا كَمَا قَالَه الْبَغَوِيّ فِي تهذيبه وَإِن خَالف فِي فَتَاوِيهِ كَالْمكَاتبِ بل أولى لِأَن ملكه تَامّ وَلِهَذَا تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة

(2/410)


تَنْبِيه مِمَّا تَركه المُصَنّف من شُرُوط الْوَلِيّ أَن لَا يكون مختل النّظر بهرم أَو خبل وَأَن لَا يكون مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه وَمَتى كَانَ الْأَقْرَب بِبَعْض هَذِه الصِّفَات الْمَانِعَة للولاية فالولاية للأبعد وَأما الْإِغْمَاء فننتظر إِفَاقَته مِنْهُ وَلَا يقْدَح الْعَمى فِي ولَايَة التَّزْوِيج لحُصُول الْمَقْصُود بالبحث وَالسَّمَاع وإحرام أحد الْعَاقِدين إِن ولي وَلَو حَاكما أَو زوج أَو وَكيل عَن أَحدهمَا أَو الزَّوْجَة بنسك وَلَو فَاسِدا يمْنَع صِحَة النِّكَاح لحَدِيث الْمحرم ينْكح وَلَا ينْكح الْكَاف مَكْسُورَة فيهمَا وَالْيَاء مَفْتُوحَة فِي الأول مَضْمُومَة فِي الثَّانِي وَلَا ينْقل الْإِحْرَام الْولَايَة للأبعد فيزوج السُّلْطَان عِنْد إِحْرَام الْوَلِيّ الْأَقْرَب لَا الْأَبْعَد
وَمِمَّا تَركه من شُرُوط الشَّاهِدين السّمع وَالْبَصَر والضبط وَلَو مَعَ النسْيَان عَن قرب وَمَعْرِفَة لِسَان الْمُتَعَاقدين وَكَونه غير مُتَعَيّن للولاية كأب وَأَخ مُنْفَرد وكل وَحضر مَعَ الآخر وَينْعَقد النِّكَاح بِابْني الزَّوْجَيْنِ وعدويهما لِأَنَّهُمَا من أهل الشَّهَادَة وَينْعَقد بهما النِّكَاح فِي الْجُمْلَة
القَوْل فِي شُرُوط الصِّيغَة وَمِمَّا تَركه من الْأَركان الصِّيغَة وَشرط فِيهَا مَا شَرط فِي صِيغَة البيع وَقد مر بَيَانه
وَمِنْه عدم التَّعْلِيق والتأقيت
وَلَفظ مَا يشتق من تَزْوِيج أَو إنكاح وَلَو بعجمية يفهم مَعْنَاهَا العاقدان والشاهدان وَإِن أحسن العاقدان الْعَرَبيَّة اعْتِبَارا بِالْمَعْنَى فَلَا يَصح بِغَيْر ذَلِك كَلَفْظِ بيع وتمليك وَهبة لخَبر مُسلم اتَّقوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّكُم أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله وَصَحَّ النِّكَاح بِتَقْدِيم قبُول وبزوجني من قبُول الزَّوْج ويتزوجها من قبل الْوَلِيّ مَعَ قَول الآخر عقبه زَوجتك فِي الأول أَو تَزَوَّجتهَا فِي الثَّانِي لوُجُود الاستدعاء الْجَازِم الدَّال على الرِّضَا لَا بكناية فِي الصِّيغَة كأحللتك بِنْتي إِذْ لَا بُد فِي الْكِنَايَة من النِّيَّة وَالشُّهُود ركن فِي النِّكَاح كَمَا مر وَلَا اطلَاع لَهُم على النِّيَّة
أما الْكِنَايَة فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ كَمَا لَو قَالَ زَوجتك بِنْتي فَقبل ونويا مُعينَة فَيصح النِّكَاح بهَا
القَوْل فِي شُرُوط الزَّوْجَة وَمِمَّا تَركه من الْأَركان أَيْضا الزَّوْجَة وَشرط فِيهَا حل وَتَعْيِين وخلو من نِكَاح وعدة فَلَا يَصح نِكَاح مُحرمَة للْخَبَر السَّابِق وَلَا إِحْدَى امْرَأتَيْنِ للإبهام وَلَا مَنْكُوحَة وَلَا مُعْتَدَّة من غَيره لتَعلق حق الْغَيْر بهَا
القَوْل فِي شُرُوط الزَّوْج وَمِمَّا تَركه من الْأَركان أَيْضا الزَّوْج وَشرط فِيهِ حل وَاخْتِيَار وَتَعْيِين وَعلم بِحل الْمَرْأَة لَهُ فَلَا يَصح نِكَاح محرم وَلَو بوكيل للْخَبَر السَّابِق وَلَا مكره وَغَيره معِين كَالْبيع وَلَا من جهل حلهَا لَهُ احْتِيَاطًا لعقد النِّكَاح

(2/411)


فصل فِي بَيَان أَوْلِيَاء
فِي بَيَان أَحْكَام الْأَوْلِيَاء ترتيبا وإجبارا أَو عَدمه وَفِي بعض أَحْكَام الْخطْبَة بِكَسْر الْمُعْجَمَة وَفِي بعض النّسخ ذكر هَذَا الْفَصْل وأسقطه فِي بَعْضهَا فَقَالَ (وَأولى الْوُلَاة) أَي من الْأَقَارِب فِي التَّزْوِيج (الْأَب) لِأَن سَائِر الْأَوْلِيَاء يدلون بِهِ كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ (ثمَّ الْجد أَبُو الْأَب) وَإِن علا لاخْتِصَاص كل مِنْهُم عَن سَائِر الْعَصَبَات بِالْولادَةِ مَعَ مشاركته فِي الْعُصُوبَة (ثمَّ الْأَخ للْأَب وَالأُم) لإدلائه بهما (ثمَّ الْأَخ للْأَب) لإدلائه بِهِ فَهُوَ أقرب من ابْن الْأَخ (ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب وَالأُم) وَإِن سفل (ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب) وَإِن سفل لِأَن ابْن الْأَخ أقرب من الْعم (ثمَّ الْعم) لِأَبَوَيْنِ ثمَّ الْعم لأَب (ثمَّ ابْنه) أَي الْعم لِأَبَوَيْنِ وَإِن سفل ثمَّ ابْن الْعم لأَب وَإِن سفل وَهَذَا معنى قَوْله (على هَذَا التَّرْتِيب) لزِيَادَة الْقرب والشفقة كَالْإِرْثِ وعَلى هَذَا لَو غَابَ الشَّقِيق لم يُزَوّج الَّذِي لأَب بل السُّلْطَان نعم لَو كَانَا ابْنا عَم أَحدهمَا لِأَبَوَيْنِ وَالْآخر لأَب لكنه أَخُوهَا من أمهَا فَالثَّانِي هُوَ الْوَلِيّ لِأَنَّهُ يُدْلِي بالجد وَالأُم وَالْأول يُدْلِي بالجد وَالْجدّة وَلَو كَانَا ابْنا عَم أَحدهمَا ابْنهَا وَالْآخر أَخُوهَا من الْأُم فالابن هُوَ الْمُقدم لِأَنَّهُ أقرب وَلَو كَانَ ابْنا عَم أَحدهمَا مُعتق قدم الْمُعْتق وَمِنْه يُؤْخَذ أَنه لَو كَانَ الْمُعْتق ابْن عَم لأَب وَالْآخر شقيقا قدم الشَّقِيق وَبِه صرح البُلْقِينِيّ
تَنْبِيه ظَاهر كَلَام المُصَنّف تَسْمِيَة كل من غير الْأَب وَالْجد من الْأَخ وَالْعم وليا وَهُوَ كَذَلِك وَإِن توقف فِيهِ الإِمَام وَجعل الْولَايَة حَقِيقَة للْأَب وَالْجد فَقَط وَلَا يُزَوّج ابْن أمه ببنوة مَحْضَة خلافًا للأئمة الثَّلَاثَة والمزني لِأَنَّهُ لَا مُشَاركَة بَينه وَبَينهَا فِي النّسَب إِذْ انتسابها إِلَى أَبِيهَا وانتساب الابْن إِلَى أَبِيه فَلَا يعتني بِدفع الْعَار عَن النّسَب فَإِن كَانَ ابْن عَم لَهَا أَو مُعتقة لَهَا أَو عاصب مُعتق لَهَا أَو قَاضِيا أَو وَكيلا عَن وَليهَا كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ زوج بِمَا ذكر فَلَا تضره الْبُنُوَّة لِأَنَّهَا غير مقتضية لَا مَانِعَة فَإِذا وجد مَعهَا سَبَب آخر يَقْتَضِي للولاية لم تَمنعهُ (فَإِذا عدمت الْعَصَبَات) من النّسَب (فالمولى) أَي السَّيِّد (الْمُعْتق) الرجل (ثمَّ عصباته) بِحَق الْوَلَاء سَوَاء كَانَ الْمُعْتق رجلا أَو امْرَأَة وَالتَّرْتِيب هُنَا كَالْإِرْثِ فِي ترتيبه فَيقدم بعد عصبَة الْمُعْتق مُعتق الْمُعْتق ثمَّ عصبته وَهَكَذَا لحَدِيث الْوَلَاء لحْمَة كلحمة

(2/412)


النّسَب وَلِأَن الْمُعتقَة أخرجهَا من الرّقّ إِلَى الْحُرِّيَّة فَأشبه الْأَب فِي إِخْرَاجه لَهَا من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود ويزوج عتيقة الْمَرْأَة إِذا فقد ولي العتيقة من النّسَب كل من يُزَوّج الْمُعتقَة مَا دَامَت حَيَّة بِالْولَايَةِ عَلَيْهِ تبعا للولاية على الْمُعتقَة فيزوجها الْأَب ثمَّ الْجد ثمَّ بَقِيَّة الْأَوْلِيَاء على مَا فِي ترتيبهم بِرِضا العتيقة وَيَكْفِي سكُوت الْبكر كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ فِي تكملته وَإِن خَالف فِي ديباجه وَلَا يعْتَبر إِذن الْمُعتقَة فِي ذَلِك فِي الْأَصَح لِأَنَّهُ لَا ولَايَة لَهَا وَلَا إِجْبَار فَلَا فَائِدَة لَهُ فَإِذا مَاتَت الْمُعتقَة زوج العتيقة من لَهُ الْوَلَاء على الْمُعتقَة من عصباتها فيزوجها ابْنهَا ثمَّ ابْنه ثمَّ أَبوهَا على تَرْتِيب عصبَة الْوَلَاء إِذْ تَبَعِيَّة الْولَايَة انْقَطَعت بِالْمَوْتِ
القَوْل فِي تَزْوِيج الْحَاكِم (ثمَّ) إِن فقد الْمُعْتق وعصبته زوج (الْحَاكِم) الْمَرْأَة الَّتِي فِي مَحل ولَايَته لخَبر السُّلْطَان ولي من لَا ولي لَهُ فَإِن لم تكن فِي مَحل ولَايَته فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجهَا وَإِن رضيت كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي آخر الْقَضَاء على الْغَائِب وَكَذَا يُزَوّج الْحَاكِم إِذا عضل النسيب الْقَرِيب وَلَو مجبرا وَالْمُعتق وعصبته لِأَنَّهُ حق عَلَيْهِم فَإِذا امْتَنعُوا من وفائه وفاه الْحَاكِم وَلَا تنْتَقل الْولَايَة للأبعد إِذا كَانَ العضل دون ثَلَاث مَرَّات فَإِن كَانَ ثَلَاث مَرَّات زوج الْأَبْعَد بِنَاء على منع ولَايَة الْفَاسِق كَمَا قَالَه الشَّيْخَانِ وَهَذَا فِيمَن لم تغلب طاعاته على مَعَاصيه كَمَا ذَكرُوهُ فِي الشَّهَادَات
وَكَذَا يُزَوّج عِنْد غيبَة الْوَلِيّ مَسَافَة الْقصر وإحرامه وإرادته تزوج موليته وَلَا مساوي لَهُ فِي الدرجَة والمجنونة الْبَالِغَة عِنْد فقد الْمُجبر
وَقد جمع بَعضهم الْمَوَاضِع الَّتِي يُزَوّج فِيهَا الْحَاكِم فِي أَبْيَات فَقَالَ ويزوج الْحَاكِم فِي صور أَتَت منظومة تحكي عُقُود جَوَاهِر عدم الْوَالِي وفقده ونكاحه وكذاك غيبته مَسَافَة قَاصِر وكذاك إِغْمَاء وَحبس مَانع أمة لمحجور تواري الْقَادِر إِحْرَامه وتعزز مَعَ عضله إِسْلَام أم الْفَرْع وَهِي لكَافِر وأهمل النَّاظِم تَزْوِيج الْمَجْنُونَة الْبَالِغَة
وَإِنَّمَا يحصل العضل من الْوَلِيّ إِذا دعت بَالِغَة عَاقِلَة رَشِيدَة كَانَت أَو سَفِيهَة إِلَى كُفْء
وَامْتنع الْوَلِيّ من تَزْوِيجه وَلَو عينت كفأ وَأَرَادَ الْأَب أَو الْجد الْمُجبر كفأ غَيره فَلهُ ذَلِك فِي الْأَصَح لِأَنَّهُ أكمل نظرا مِنْهَا
الْكَلَام على الْخطْبَة بِكَسْر الْخَاء ثمَّ شرع فِي بعض أَحْكَام الْخطْبَة وَهِي بِكَسْر الْخَاء التمَاس الْخَاطِب النِّكَاح من جِهَة المخطوبة بقوله (وَلَا يجوز أَن

(2/413)


يُصَرح بِخطْبَة) امْرَأَة (مُعْتَدَّة) بَائِنا كَانَت أَو رَجْعِيَّة بِطَلَاق أَو فسخ أَو انْفِسَاخ أَو موت أَو مُعْتَدَّة عَن شُبْهَة لمَفْهُوم قَوْله تَعَالَى {وَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِيمَا عرضتم بِهِ من خطْبَة النِّسَاء} الْآيَة
وَحكى ابْن عَطِيَّة الْإِجْمَاع على ذَلِك وَالتَّصْرِيح مَا يقطع بالرغبة فِي النِّكَاح كأريد أَن أنكحك وَإِذا انْقَضتْ عدتك نكحتك وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا صرح تحققت رغبته فِيهَا فَرُبمَا تكذب فِي انْقِضَاء الْعدة
وَلَا يجوز تَعْرِيض لرجعية لِأَنَّهَا زَوْجَة أَو فِي معنى الزَّوْجَة وَلِأَنَّهَا مجفوة بِالطَّلَاق فقد تكذب انتقاما
والتعريض يحْتَمل الرَّغْبَة فِي النِّكَاح وَعدمهَا كَقَوْلِه أَنْت جميلَة
وَرب رَاغِب فِيك وَمن يجد مثله (وَيجوز أَن يعرض لَهَا) لغير الرَّجْعِيَّة (بنكاحها قبل انْقِضَاء الْعدة) سَوَاء كَانَت عدَّة وَفَاة أم بَائِن بِفَسْخ أَو ردة أَو طَلَاق لعُمُوم الْآيَة ولانقطاع سلطنة الزَّوْج عَنْهَا
تَنْبِيه هَذَا كُله فِي غير صَاحب الْعدة الَّذِي يحل لَهُ نِكَاحهَا فِيهَا أما هُوَ فَيحل لَهُ التَّعْرِيض وَالتَّصْرِيح وَأما من لَا يحل لَهُ نِكَاحهَا فِيهَا كَمَا لَو طَلقهَا بَائِنا أَو رَجْعِيًا فَوَطِئَهَا أَجْنَبِي بِشُبْهَة فِي الْعدة فَحملت مِنْهُ فَإِن عدَّة الْحمل تقدم وَلَا يحل لصَاحب عدَّة الشُّبْهَة أَن يخطبها لِأَنَّهُ لَا يجوز لَهُ العقد عَلَيْهَا حِينَئِذٍ
وَحكم جَوَاب الْمَرْأَة فِي الصُّور الْمَذْكُورَة تَصْرِيحًا وتعريضا حكم الْخطْبَة فِيمَا تقدم
وَيحرم على عَالم خطْبَة على خطْبَة جَائِزَة مِمَّن صرح بإجابته إِلَّا بِالْإِعْرَاضِ بِإِذن أَو غَيره من الْخَاطِب أَو الْمُجيب لخَبر الشَّيْخَيْنِ وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ لَا يخْطب الرجل على خطْبَة أَخِيه حَتَّى يتْرك الْخَاطِب قبله أَو يَأْذَن لَهُ الْخَاطِب وَالْمعْنَى فِي ذَلِك مَا فِيهِ من الْإِيذَاء
وَيجب ذكر عُيُوب من أُرِيد اجْتِمَاع عَلَيْهِ لمناكحة أَو نَحْوهَا كمعاملة وَأخذ علم لمريده ليحذر بذلا للنصيحة سَوَاء استشير الذاكر فِيهِ أم لَا فَإِن انْدفع بِدُونِهِ بِأَن لم يحْتَج إِلَى ذكرهَا أَو احْتِيجَ إِلَى ذكر بَعْضهَا حرم ذكر شَيْء مِنْهَا فِي الأول وَشَيْء من الْبَعْض الآخر فِي الثَّانِي
القَوْل فِيمَا تُبَاح فِيهِ الْغَيْبَة قَالَ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة والغيبة تُبَاح لسِتَّة أَسبَاب وَذكرهَا وَجَمعهَا غَيره فِي هَذَا الْبَيْت فَقَالَ لقب ومستفت وَفسق ظَاهر وَالظُّلم تحذير مزيل الْمُنكر قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء إِلَّا أَن يكون المتظاهر بالمعصية عَالما يقْتَدى بِهِ فتمنع غيبته لِأَن النَّاس إِذا اطلعوا على زلته تساهلوا فِي ارْتِكَاب الذَّنب انْتهى
وَسن خطْبَة بِضَم الْخَاء قبل خطْبَة بِكَسْرِهَا
وَأُخْرَى قبل العقد لخَبر كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله فَهُوَ أقطع أَي عَن الْبركَة وَتحصل السّنة بِالْخطْبَةِ قبل العقد من الْوَلِيّ أَو الزَّوْج أَو أَجْنَبِي وَلَو أوجب ولي العقد فَخَطب الزَّوْج خطْبَة قَصِيرَة عرفا فَقبل صَحَّ العقد مَعَ الْخطْبَة الفاصلة بَين الْإِيجَاب وَالْقَبُول لِأَنَّهَا مُقَدّمَة الْقبُول فَلَا تقطع الْوَلَاء كالإقامة وَطلب المَاء وَالتَّيَمُّم بَين صَلَاتي الْجمع لَكِنَّهَا لَا تسن بل يسن تَركهَا كَمَا صرح بِهِ ابْن يُونُس

(2/414)


القَوْل فِي الْإِجْبَار على النِّكَاح (وَالنِّسَاء) بِالنِّسْبَةِ إِلَى إجبارهن فِي التَّزْوِيج وَعَدَمه (على ضَرْبَيْنِ) الأول (بكر) تجبر (و) الثَّانِي (ثَبت) لَا تجبر (فالبكر) وَلَو كَبِيرَة ومخلوقة بِلَا بكارة أَو زَالَت بلاوطء كسقطة أَو حِدة حيض (يجوز) وَيصِح (للْأَب وَالْجد) أبي الْأَب وَإِن علا عِنْد عدم الْأَب وَإِن عدم أَهْلِيَّته (إجبارها على النِّكَاح) أَي تَزْوِيجهَا بِغَيْر إِذْنهَا لخَبر الدَّارَقُطْنِيّ الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا وَالْبكْر يُزَوّجهَا أَبوهَا وَلِأَنَّهَا لم تمارس الرِّجَال بِالْوَطْءِ فَهِيَ شَدِيدَة الْحيَاء
تَنْبِيه لتزويج الْأَب أَو الْجد الْبكر بِغَيْر إِذْنهَا شُرُوط الأول أَن لَا يكون بَينهَا وَبَينه عَدَاوَة ظَاهِرَة
الثَّانِي أَن يُزَوّجهَا من كُفْء
الثَّالِث أَن يُزَوّجهَا بِمهْر مثلهَا
الرَّابِع أَن يكون من نقد الْبَلَد
الْخَامِس أَن لَا يكون الزَّوْج مُعسرا بِالْمهْرِ
السَّادِس أَن لَا يُزَوّجهَا بِمن تتضرر بمعاشرته كأعمى أَو شيخ هرم
السَّابِع أَن لَا يكون قد وَجب عَلَيْهَا نسك فَإِن الزَّوْج يمْنَعهَا لكَون النّسك على التَّرَاخِي وَلها غَرَض فِي تَعْجِيل بَرَاءَة ذمَّتهَا قَالَه ابْن الْعِمَاد
وَهل هَذِه الشُّرُوط الْمَذْكُورَة شُرُوط لصِحَّة النِّكَاح بِغَيْر الْإِذْن أَو لجَوَاز الْإِقْدَام فَقَط فِيهِ مَا هُوَ تعْتَبر لهَذَا وَمَا هُوَ مُعْتَبر لذَلِك فالمعتبرات للصِّحَّة بِغَيْر الْإِذْن أَن لَا يكون بَينهَا وَبَين وَليهَا عَدَاوَة ظَاهِرَة وَأَن يكون الزَّوْج كفأ وَأَن يكون مُوسِرًا بِحَال صَدَاقهَا وَمَا عدا ذَلِك شُرُوط لجَوَاز الْإِقْدَام
قَالَ الْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ وَيَنْبَغِي أَن يعْتَبر فِي الْإِجْبَار أَيْضا انْتِفَاء الْعَدَاوَة بَينهَا وَبَين الزَّوْج انْتهى
وَإِنَّمَا لم يعتبروا ظُهُور الْعَدَاوَة هُنَا كَمَا اعْتبر ثمَّ لظُهُور الْفرق بَين الزَّوْج وَالْوَلِيّ الْمُجبر بل قد يُقَال إِنَّه لَا حَاجَة إِلَى مَا قَالَه لِأَن انْتِفَاء الْعَدَاوَة بَينهَا وَبَين الْوَلِيّ يَقْتَضِي أَن لَا يُزَوّجهَا إِلَّا مِمَّن يحصل لَهَا مِنْهُ حَظّ ومصلحة لشفقته عَلَيْهَا أما مُجَرّد كراهتها لَهُ من غير ضَرَر فَلَا يُؤثر لَكِن يكره لوَلِيّهَا أَن يُزَوّجهَا مِنْهُ كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم وَيسن اسْتِئْذَان الْبكر إِذا كَانَت مكلفة لحَدِيث مُسلم وَالْبكْر يستأمرها أَبوهَا وَهُوَ مَحْمُول على النّدب تطييبا لخاطرها وَأما غير المكلفة فَلَا إِذن لَهَا
وَيسن اسْتِفْهَام المراهقة وَأَن لَا تزوج الصَّغِيرَة حَتَّى تبلغ وَالسّنة فِي الاسْتِئْذَان لوَلِيّهَا أَن يُرْسل إِلَيْهَا نسْوَة ثِقَات ينظرن مَا فِي نَفسهَا وَالأُم بذلك أولى لِأَنَّهَا تطلع على مَا لَا يطلع غَيرهَا
من لَا تجبر على النِّكَاح (وَالثَّيِّب) الْبَالِغَة (لَا يجوز) وَلَا يَصح (تَزْوِيجهَا) وَإِن عَادَتْ بَكَارَتهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا لخَبر الدَّارَقُطْنِيّ السَّابِق وَخبر لَا تنْكِحُوا الْأَيَامَى حَتَّى تستأمروهن رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح
وَلِأَنَّهَا عرفت مَقْصُود النِّكَاح فَلَا تجبر بِخِلَاف الْبكر فَإِن كَانَت الثّيّب صَغِيرَة غير مَجْنُونَة وَغير أمة لم تزوج سَوَاء احتملت الْوَطْء أم لَا
(إِلَّا بعد بُلُوغهَا وإذنها) لِأَن إِذن الصَّغِيرَة غير مُعْتَبر فَامْتنعَ تَزْوِيجهَا إِلَى الْبلُوغ أما الْمَجْنُونَة فيزوجها الْأَب وَالْجد عِنْد عَدمه قبل بُلُوغهَا للْمصْلحَة وَأما الْأمة فلسيدها أَن يُزَوّجهَا وَكَذَا الْوَلِيّ السَّيِّد عِنْد الْمصلحَة

(2/415)


تَتِمَّة لَو وطِئت الْبكر فِي قبلهَا وَلم تزل بَكَارَتهَا كَأَن كَانَت غوراء فَهِيَ كَسَائِر الْأَبْكَار وَإِن كَانَ مُقْتَضى تَعْلِيلهم بممارسة الرِّجَال خِلَافه كَمَا أَن قَضِيَّة كَلَامهم كَذَلِك إِذا زَالَت بِذكر حَيَوَان غير آدَمِيّ كقرد مَعَ أَن الْأَوْجه أَنَّهَا كالثيب وَلَو خلقت بِلَا بكارة فَحكمهَا حكم الْأَبْكَار كَمَا حَكَاهُ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة عَن الصَّيْمَرِيّ وَأقرهُ
وَتصدق المكلفة فِي دَعْوَى الْبكارَة وَإِن كَانَت فاسقة قَالَ ابْن الْمقري بِلَا يَمِين وَكَذَا فِي دَعْوَى الثيوبة قبل العقد وَإِن لم تتَزَوَّج وَلَا تسْأَل الْوَطْء فَإِن ادَّعَت الثيوبة بعد العقد وَقد زَوجهَا الْوَلِيّ بِغَيْر إِذْنهَا نطقا فَهُوَ الْمُصدق بِيَمِينِهِ لما فِي تصديقها من إبِْطَال النِّكَاح بل لَو شهِدت أَربع نسْوَة بثيوبتها عِنْد العقد لم يبطل لجَوَاز إِزَالَتهَا بأصبع أَو نَحوه أَو أَنَّهَا خلقت بِدُونِهَا كَمَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ وَإِن أفتى ابْن الصّلاح بِخِلَافِهِ

فصل فِي مُحرمَات النِّكَاح ومثبتات الْخِيَار فِيهِ
(والمحرمات) على قسمَيْنِ تَحْرِيم مؤبد وَتَحْرِيم غير مؤبد وَمن الأول وَإِن لم يذكرهُ الشَّيْخَانِ اخْتِلَاف الْجِنْس فَلَا يجوز للآدمي نِكَاح الجنبة كَمَا قَالَ ابْن يُونُس وَأفْتى بِهِ ابْن عبد السَّلَام خلافًا للقمولي قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَجعل مِنْهَا زَوجهَا} والمؤبد (بِالنَّصِّ) الْقطعِي فِي الْآيَة الْكَرِيمَة الْآتِيَة عَن قرب (أَربع عشرَة) وَله ثَلَاثَة أَسبَاب قرَابَة ورضاع ومصاهرة وَقد بَدَأَ بِالسَّبَبِ الأول
القَوْل فِي الْمُحرمَات بِالنّسَبِ والمحرمات بِالنّسَبِ وَهُوَ الْقَرَابَة بقوله (سبع) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة أَي يحرمن (بِالنّسَبِ) لقَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم وأخواتكم} الْآيَة وَلما يحرم بِالنّسَبِ وَالرّضَاع ضابطان الأول تحرم نسَاء الْقَرَابَة إِلَّا من دخلت تَحت ولد العمومة أَو ولد الخؤولة وَالثَّانِي يحرم على الرجل أُصُوله وفصوله وفصول أول أُصُوله وَأول فصل من كل أصل بعد الأَصْل الأول فالأصول الْأُمَّهَات والفصول الْبَنَات وفصول أول الْأُصُول الْأَخَوَات وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت وَأول فصل من كل أصل بعد الأَصْل الأول العمات والخالات
وَالضَّابِط الأول أرجح كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ لإيجازه وَنَصه على الْإِنَاث بِخِلَاف الثَّانِي
(وَهِي) أَي السَّبع من النّسَب الأول مِنْهَا (الْأُم) أَي يحرم العقد عَلَيْهَا وَكَذَا يقدر فِي الْبَاقِي وَضَابِط الْأُم هِيَ كل من وَلدتك فَهِيَ أمك حَقِيقَة أَو ولدت من ولدك ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى كَأُمّ الْأَب (وَإِن علت) وَأم الْأُم كَذَلِك فَهِيَ أمك مجَازًا وَإِن شِئْت قلت كل أُنْثَى يَنْتَهِي إِلَيْهَا نسبك بِوَاسِطَة أَو بغَيْرهَا

(2/416)


(و) الثَّانِي (الْبِنْت) وضابطها كل من ولدتها فبنتك حَقِيقَة أَو ولدت من وَلَدهَا ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى كَبِنْت ابْن وَإِن نزل وَبنت بنت (وَإِن سفلت) فبنتك مجَازًا وَإِن شِئْت قلت كل أُنْثَى يَنْتَهِي إِلَيْك نَسَبهَا بِالْولادَةِ بِوَاسِطَة أَو بغَيْرهَا (و) الثَّالِث (الْأُخْت) وضابطها كل من وَلَدهَا أَبَوَاك أَو أَحدهمَا فأختك
(و) الرَّابِع (الْخَالَة) وضابطها كل أُخْت أُنْثَى وَلدتك فخالتك حَقِيقَة أَو بِوَاسِطَة كخالة أمك فخالتك مجَازًا وَقد تكون الْخَالَة من جِهَة الْأَب كأخت أم الْأَب
تَنْبِيه كَانَ الأولى أَن يُؤَخر الْخَالَة عَن الْعمة ليَكُون على تَرْتِيب الْآيَة
(و) الْخَامِس (الْعمة) وضابطها كل أُخْت ذكر ولدك بِلَا وَاسِطَة فعمتك حَقِيقَة أَو بِوَاسِطَة كعمة أَبِيك فعمتك مجَازًا
وَقد تكون الْعمة من جِهَة الْأُم كأخت أبي الْأُم (و) السَّادِس وَالسَّابِع (بنت الْأَخ وَبنت الْأُخْت) من جَمِيع الْجِهَات وَبَنَات أولادهما وَإِن سفلن
تَنْبِيه علم من كَلَام المُصَنّف أَن الْبِنْت المخلوقة من مَاء زِنَاهُ سَوَاء تحقق أَنَّهَا من مَائه أم لَا تحل لَهُ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّة إِذْ لَا حُرْمَة لماء الزِّنَا بِدَلِيل انْتِفَاء سَائِر أَحْكَام النّسَب من إِرْث وَغَيره عَنْهَا فَلَا تبعض الْأَحْكَام كَمَا يَقُول الْمُخَالف
فَإِن منع الْإِرْث إِجْمَاع كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَلَكِن يكره نِكَاحهَا خُرُوجًا من خلاف من حرمهَا وَلَو أرضعت الْمَرْأَة بِلَبن الزَّانِي صَغِيرَة فكبنته قَالَه الْمُتَوَلِي
وَيحرم على الْمَرْأَة وعَلى سَائِر محارمها وَلَدهَا من زنا بِالْإِجْمَاع كَمَا أَجمعُوا على أَنه يَرِثهَا وَالْفرق أَن الابْن كالعضو مِنْهَا وانفصل مِنْهَا إنْسَانا وَلَا كَذَلِك النُّطْفَة الَّتِي خلقت مِنْهَا الْبِنْت بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَب
ثمَّ شرع فِي السَّبَب الثَّانِي الرَّضَاع بقوله (وَاثْنَتَانِ بِالرّضَاعِ) وهما (الْأُم الْمُرضعَة وَالْأُخْت من الرَّضَاع) لقَوْله تَعَالَى {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} فَمن ارتضع من امْرَأَة صَارَت بناتها الموجودات قبله والحادثات بعده أَخَوَات لَهُ وَإِنَّمَا ذكرت ذَلِك مَعَ وضوحه لِأَن كثيرا من جهلة الْعَوام يظنون أَن الْأُخْت من الرَّضَاع هِيَ الَّتِي ارتضعت مَعَه دون غَيرهَا ويسألون عَنهُ كثيرا فمرضعتك وَمن أرضعتها أَو ولدتها أَو ولدت أَبَا من رضَاع وَهُوَ الْفَحْل أَو أَرْضَعَتْه أَو أرضعت من ولدك بِوَاسِطَة أَو غَيرهَا أم رضَاع وَقس على ذَلِك الْبَاقِي من السَّبع بِالرّضَاعِ بِمَا ذكر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من الْولادَة وَفِي رِوَايَة من النّسَب وَفِي أُخْرَى حرمُوا من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب وَلَا يحرم عَلَيْك مُرْضِعَة أَخِيك أَو أختك وَلَو كَانَت أم نسب حرمت عَلَيْك لِأَنَّهَا أمك أَو مَوْطُوءَة أَبِيك وَلَا مُرْضِعَة نافلتك وَهُوَ ولد الْوَلَد وَلَو كَانَت أم نسب حرمت عَلَيْك لِأَنَّهَا بنتك أَو مَوْطُوءَة ابْنك وَلَا أم مُرْضِعَة ولدك وَلَا بنت الْمُرضعَة وَلَو كَانَت الْمُرضعَة أم نسب كَانَت موطوءتك فَيحرم عَلَيْك أمهَا وبنتها فَهَذِهِ الْأَرْبَعَة يحرمن فِي النّسَب وَلَا يحرمن فِي الرَّضَاع فاستثناها بَعضهم من قَاعِدَة يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب والمحققون كَمَا فِي الرَّوْضَة على أَنَّهَا لَا تستثنى لعدم دُخُولهَا فِي الْقَاعِدَة لِأَنَّهُنَّ إِنَّمَا يحرمن فِي النّسَب لِمَعْنى لم يُوجد فِيهِنَّ فِي الرَّضَاع كَمَا قَرّرته وَلَا يجرم عَلَيْك أُخْت أَخِيك سَوَاء كَانَت من نسب كَأَن كَانَ لزيد أَخ لأَب وَأُخْت لأم فلأخيه نِكَاحهَا
أم من رضَاع كَأَن ترْضع امْرَأَة زيدا وصغيرة أَجْنَبِيَّة مِنْهُ فلأخيه لِأَبِيهِ نِكَاحه وَسَوَاء أَكَانَت الْأُخْت أُخْت أَخِيك لأَبِيك لأمه كَمَا مثلنَا أم أُخْت أَخِيك لأمك لِأَبِيهِ مِثَاله فِي النّسَب أَن يكون لأبي أَخِيك بنت من غير أمك فلك نِكَاحهَا وَفِي الرَّضَاع أَن ترتضع صَغِيرَة بِلَبن أبي أَخِيك لأمك فلك نِكَاحهَا
بقوله (وَأَرْبع بالمصاهرة) وَهن (أم الزَّوْجَة) بِوَاسِطَة أَو بغَيْرهَا من نسب أَو رضَاع سَوَاء أَدخل بهَا أم لَا لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَات نِسَائِكُم}

(2/417)


القَوْل فِي الْمُحرمَات بالمصاهرة ثمَّ شرع فِي السَّبَب الثَّالِث وَهُوَ الْمُصَاهَرَة (والربيبة إِذا دخل بِالْأُمِّ) بِعقد صَحِيح أَو فَاسد لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن فَإِن لم تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم} وَذكر الحجور خرج مخرج الْغَالِب فَلَا مَفْهُوم لَهُ فَإِن قيل لم أُعِيد الْوَصْف إِلَى الْجُمْلَة الثَّانِيَة وَلم يعد إِلَى الْجُمْلَة الأولى وَهِي {وَأُمَّهَات نِسَائِكُم} مَعَ أَن الصِّفَات عقب الْجمل تعود إِلَى الْجَمِيع أُجِيب بِأَن نِسَائِكُم الثَّانِي مجرور بِحرف الْجَرّ ونسائكم الأول مجرور بالمضاف وَإِذا اخْتلف الْعَامِل لم يجز الِاتِّبَاع وَيتَعَيَّن الْقطع
تَنْبِيه قَضِيَّة كَلَام الشَّيْخ أبي حَامِد وَغَيره أَنه يعْتَبر فِي الدُّخُول أَن يَقع فِي حَيَاة الْأُم فَلَو مَاتَت قبل الدُّخُول وَوَطئهَا بعد مَوتهَا لم تحرم بنتهَا لِأَن ذَلِك لَا يُسمى دُخُولا وَإِن تردد فِيهِ الرَّوْيَانِيّ
فَإِن قيل لم يعتبروا الدُّخُول فِي تَحْرِيم الْأُصُول واعتبروا فِي تَحْرِيم الْبِنْت الدُّخُول أُجِيب بِأَن الرجل يبتلى عَادَة بمكالمة أمهَا عقب العقد لترتيب أُمُوره فَحرمت بِالْعقدِ ليسهل ذَلِك بِخِلَاف بنتهَا
تَنْبِيه من حرم بِالْوَطْءِ لَا يعْتَبر فِيهِ صِحَة العقد كالربيبة وَمن حرم بِالْعقدِ فَلَا بُد فِيهِ من صِحَة العقد
نعم لَو وطىء فِي العقد الْفَاسِد حرم بِالْوَطْءِ فِيهِ لَا بِالْعقدِ
فَائِدَة الربيبة بنت الزَّوْجَة وبناتها وَبنت ابْن الزَّوْجَة وبناتها ذكره الْمَاوَرْدِيّ فِي تَفْسِيره وَمن هَذَا يعلم تَحْرِيم بنت الربيبة وَبنت الربيب لِأَنَّهَا من بَنَات أَوْلَاد زَوجته وَهِي مَسْأَلَة نفيسة يَقع السُّؤَال عَنْهَا كثيرا وكل من وطىء امْرَأَة بِملك حرم عَلَيْهِ أمهاتها وبناتها وَحرمت هِيَ على آبَائِهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِالْإِجْمَاع وَكَذَا الْمَوْطُوءَة الْحَيَّة بِشُبْهَة فِي حَقه كَأَن ظَنّهَا زَوجته أَو أمته يحرم عَلَيْهِ أمهاتها وبناتها وَتحرم هِيَ على آبَائِهِ كَمَا يثبت فِي هَذَا الْوَطْء النّسَب وَيُوجب الْعدة لَا الْمُزنِيّ بهَا فَلَا يثبت بزناها حُرْمَة مصاهرة فللزاني نِكَاح أم من زنى بهَا وبنتها ولابنه وَأَبِيهِ نِكَاحهَا هِيَ وبنتها لِأَن الله تَعَالَى امتن على عباده بِالنّسَبِ والصهر فَلَا يثبت بِالزِّنَا كالنسب وَلَيْسَت مُبَاشرَة كلمس وقبلة بِشَهْوَة كَوَطْء لِأَنَّهَا لَا توجب الْعدة فَكَذَا لَا توجب الْحُرْمَة
قبل الْأَب أَو الْأُم وَإِن لم يدْخل بهَا لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا}

(2/418)


(و) تحرم (زَوْجَة الْأَب) وَهُوَ من ولدك بِوَاسِطَة أَو غَيرهَا أَبَا أَو جدا من مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء إِلَّا مَا قد سلف قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي الْأُم يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّة قبل علمكُم بِتَحْرِيمِهِ
(و) تحرم (زَوْجَة الابْن) وَهُوَ من وَلدته بِوَاسِطَة أَو غَيرهَا وَإِن لم يدْخل ولدك بهَا لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {وحلائل أَبْنَائِكُم الَّذين من أصلابكم}
تَنْبِيه لَا فرق فِي الْفَرْع وَالْأَصْل بَين أَن يكون من نسب أَو رضَاع أما النّسَب فللآية وَأما الرَّضَاع فللحديث الْمُتَقَدّم
فَإِن قَالَ وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى {وحلائل أَبْنَائِكُم الَّذين من أصلابكم} فَكيف حرمت حَلِيلَة الابْن من الرَّضَاع أُجِيب بِأَن الْمَفْهُوم إِنَّمَا يكون حجَّة إِذا لم يُعَارضهُ مَنْطُوق وَقد عَارضه هُنَا مَنْطُوق قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب
فَإِن قيل فَمَا فَائِدَة التَّقْيِيد فِي الْآيَة حِينَئِذٍ أُجِيب بِأَن فَائِدَة ذَلِك إِخْرَاج حَلِيلَة المتبني فَلَا يحرم على الْمَرْء زَوْجَة من تبناه لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْن لَهُ وَلَا تحرم بنت زوج الْأُم وَلَا أمه وَلَا بنت زوج الْبِنْت وَأمه وَلَا أم زَوْجَة الْأَب وَلَا بنتهَا وَلَا أم زَوْجَة الابْن وَلَا بنتهَا وَلَا زَوْجَة الربيب وَلَا زَوْجَة الراب
(القَوْل فِي التَّحْرِيم غير المؤبد) ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ التَّحْرِيم غير المؤبد بقوله (و) تحرم (وَاحِدَة من جِهَة الْجمع) فِي الْعِصْمَة (وَهِي أُخْت الزَّوْجَة) فَلَا يتأبد تَحْرِيمهَا بل تحل بِمَوْت أُخْتهَا أَو بينونتها لقَوْله تَعَالَى {وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قد سلف} وَلما فِي ذَلِك من قطيعة الرَّحِم وَإِن رضيت بذلك فَإِن الطَّبْع يتَغَيَّر
(وَلَا يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها وَلَا خَالَتهَا) من نسب أَو رضَاع وَلَو بِوَاسِطَة لخَبر لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا الْعمة على بنت أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَة على خَالَتهَا وَلَا الْخَالَة على بنت أُخْتهَا لَا الْكُبْرَى على الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى على الْكُبْرَى رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره وصححوه
وَلما مر من التَّعْلِيل فِي الْأُخْتَيْنِ
القَوْل فِي التَّحْرِيم بِالرّضَاعِ (وَيحرم من) النِّسَاء بِسَبَب (الرَّضَاع مَا يحرم) مِنْهُنَّ (من النّسَب) وَهِي السَّبْعَة الْمُتَقَدّمَة
وَقدمنَا أَنه يحرم زَوْجَة وَالِده من الرَّضَاع وَزَوْجَة وَلَده كَذَلِك وَبنت زَوجته كَذَلِك أما تَحْرِيم الْأُم وَالْأُخْت من الرَّضَاع فَلَمَّا مر
وَأما تَحْرِيم الْبَوَاقِي فللحديث الْمَار وَهُوَ يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب
تَنْبِيه من حرم جَمعهمَا بِنِكَاح حرم أَيْضا فِي الْوَطْء بِملك الْيَمين أَو ملك وَنِكَاح وَله تملكهما بِالْإِجْمَاع فَإِن وطىء وَاحِدَة مِنْهُمَا وَلَو مكْرها حرمت الْأُخْرَى حَتَّى يحرم الأولى بِإِزَالَة ملك أَو نِكَاح أَو كِتَابَة إِذْ لَا جمع حِينَئِذٍ بِخِلَاف غَيرهَا كحيض وَرهن وإحرام وردة لِأَنَّهَا لَا تزيل الْملك وَلَا الِاسْتِحْقَاق فَلَو عَادَتْ الأولى كَأَن ردَّتْ بِعَيْب قبل وَطْء الْأُخْرَى فَلهُ وَطْء أَيَّتهمَا شَاءَ بعد اسْتِبْرَاء العائدة أَو بعد وَطئهَا حرمت العائدة حَتَّى يحرم الْأُخْرَى وَيشْتَرط أَن تكون كل مِنْهُمَا مُبَاحَة على انفرادها فَلَو كَانَت إِحْدَاهمَا مَجُوسِيَّة أَو نَحْوهَا كمحرم فَوَطِئَهَا جَازَ لَهُ وَطْء الْأُخْرَى نعم لَو ملك أما وبنتها فوطىء إِحْدَاهمَا حرمت الْأُخْرَى مُؤَبَّدًا كَمَا علم مِمَّا مر
وَلَو ملك أمة ثمَّ نكح من يحرم الْجمع بَينهمَا وَبَينهَا كَأَن نكح أُخْتهَا الْحرَّة أَو عَمَّتهَا أَو خَالَتهَا أَو نكح امْرَأَة ثمَّ ملك

(2/419)


من يحرم الْجمع بَينهَا وَبَينهَا كَأَن ملك أُخْتهَا حلت الْمَنْكُوحَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ دون الْمَمْلُوكَة لِأَن فرَاش النِّكَاح أقوى إِذْ يتَعَلَّق بِهِ الطَّلَاق وَالظِّهَار وَالْإِيلَاء وَغَيرهَا بِخِلَاف الْملك
القَوْل فِيمَا ترد بِهِ الْمَرْأَة وَيثبت الْخِيَار للرجل ثمَّ شرع فِي مثبتات الْخِيَار بقوله (وَترد الْمَرْأَة) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي يثبت للزَّوْج خِيَار فسخ نِكَاحه
(بِخَمْسَة عُيُوب) أَي بِوَاحِدَة مِنْهَا وَإِن أوهمت عِبَارَته أَنه لَا بُد من اجتماعها أَشَارَ إِلَى الأول بقوله (بالجنون) وَإِن تقطع وَكَانَ قَابلا للعلاج
وَالْجُنُون زَوَال الشُّعُور من الْقلب مَعَ بَقَاء الْحَرَكَة وَالْقُوَّة فِي الْأَعْضَاء
وَاسْتثنى الْمُتَوَلِي من المتقطع الْخَفِيف الَّذِي يطْرَأ فِي بعض الزَّمَان وَأما الْإِغْمَاء بِالْمرضِ فَلَا يثبت بِهِ خِيَار كَسَائِر الْأَمْرَاض وَمحله كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ فِيمَا تحصل مِنْهُ الْإِفَاقَة كَمَا هُوَ الْغَالِب
أما الميئوس من زَوَاله فكالجنون كَمَا ذكره الْمُتَوَلِي وَكَذَا إِن بَقِي الْإِغْمَاء بعد الْمَرَض فَيثبت بِهِ الْخِيَار كالجنون وَألْحق الشَّافِعِي الخبل بالجنون
والصراع نوع من الْجُنُون كَمَا قَالَ بعض الْعلمَاء
(و) الثَّانِي (الجذام) وَهُوَ عِلّة يحمر مِنْهَا الْعُضْو ثمَّ يسود ثمَّ يتقطع ويتناثر
وَيتَصَوَّر ذَلِك فِي كل عُضْو لكنه فِي الْوَجْه أغلب (و) الثَّالِث (البرص) وَهُوَ بَيَاض شَدِيد يبقع الْجلد وَيذْهب دمويته هَذَا إِذا كَانَا مستحكمين بِخِلَاف غَيرهمَا من أَوَائِل الجذام والبرص لَا يثبت بِهِ الْخِيَار كَمَا صرح بِهِ الْجُوَيْنِيّ قَالَ والاستحكام فِي الجذام يكون بالتقطع وَتردد الإِمَام فِيهِ وَجوز الِاكْتِفَاء باسوداده
وَحكم أهل الْمعرفَة باستحكام الْعلَّة وَلم يشترطوا فِي الْجُنُون الاستحكام قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلَعَلَّ الْفرق أَن الْجُنُون يُفْضِي إِلَى الْجِنَايَة
(و) الرَّابِع (الرتق) وَهُوَ بِفَتْح الرَّاء والمثناة الْفَوْقِيَّة انسداد الْفرج بِاللَّحْمِ وَيخرج الْبَوْل من ثقبة صَغِيرَة كإحليل الرجل قَالَه فِي الْكِفَايَة
(و) الْخَامِس (الْقرن) وَهُوَ بِفَتْح الْقَاف وَكَذَا الرَّاء على الْأَرْجَح انسداد الْفرج بِعظم على الْأَصَح وَقيل بِلَحْم وَعَلِيهِ فالرتق والقرن وَاحِد فَيثبت لَهُ الْخِيَار بِكُل مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يخل بمقصود النِّكَاح كالبرص وَأولى لِأَن البرص لَا يمنعهُ بِالْكُلِّيَّةِ بل ينفر مِنْهُ
وَلَيْسَ للزَّوْج إجبارها على شقّ الْموضع فَإِن شقته وَأمكن الْوَطْء فَلَا خِيَار وَلَا تمكن الْأمة من الشق قطعا إِلَّا بِإِذن السَّيِّد
القَوْل فِيمَا يثبت الْخِيَار للْمَرْأَة وَيرد نِكَاح الرجل (وَيرد الرجل) أَيْضا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي يثبت للْمَرْأَة فسخ نِكَاحهَا مِنْهُ (بِخَمْسَة عُيُوب) أَي بِوَاحِد مِنْهُمَا كَمَا مر وَأَشَارَ إِلَى ثَلَاثَة مِنْهَا بقوله (بالجنون والجذام والبرص) على مَا مر بَيَانا وتحريرا فِي كل مِنْهَا

(2/420)


(و) الرَّابِع (الْجب) وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم قطع جَمِيع الذّكر مَعَ بَقَاء الْأُنْثَيَيْنِ أَو لم يبْق مِنْهُ قدر الْحَشَفَة أما إِذا بَقِي مِنْهُ مَا يولج قدرهَا فَلَا خِيَار لَهَا على الْأَصَح فَلَو تنَازعا فِي إِمْكَان الْوَطْء بِهِ قبل قَوْله على الْأَصَح وَخرج بِهِ الْخصي وَهُوَ من قطعت أنثياه وَبَقِي ذكره فَلَا خِيَار لَهَا بِهِ على الْأَصَح لقدرته على الْجِمَاع قَالَ ابْن الملقن فِي شرح الْحَاوِي وَيُقَال إِنَّه أقدر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا ينزل فَلَا يَعْتَرِيه فتور
(و) الْخَامِس (الْعنَّة) فِي الْمُكَلف قبل الْوَطْء فِي قبلهَا
وَهُوَ بِضَم الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون عِلّة فِي الْقلب والكبد أَو الدِّمَاغ أَو الْآلَة تسْقط الشَّهْوَة الناشرة للآلة فتمنع الْجِمَاع
وَخرج بِقَيْد الْمُكَلف الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا تسمع دَعْوَى الْعنَّة فِي حَقّهمَا لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يثبت بِإِقْرَار الزَّوْج أَو بِيَمِينِهَا بعد نُكُوله وإقرارهما لَغْو
وبقيد قبل الْوَطْء الْعنَّة الْحَادِثَة بعده وَلَو مرّة بِخِلَاف حُدُوث الْجب بعد الْوَطْء فَإِنَّهُ يثبت بِهِ خِيَار الْفَسْخ على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة
وَفرق بتوقع زَوَال الْعنَّة بِحُصُول الشِّفَاء وعود الداعية للاستمتاع فَهِيَ مترجية لحُصُول مَا يعفها بِخِلَاف الْجب ليأسها من توقع حُصُول مَا يعفها
تَنْبِيه ثُبُوت الْخِيَار بِهَذِهِ الْعُيُوب قَالَ بِهِ جُمْهُور الْعلمَاء وَجَاءَت بِهِ الْآثَار وَصَحَّ ذَلِك عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الثَّلَاثَة الأول وَهِي الْمُشْتَركَة بَين الزَّوْجَيْنِ رَوَاهُ الشَّافِعِي وعول عَلَيْهِ لِأَن مثله لَا يكون إِلَّا عَن تَوْقِيف
وَفِي الصَّحِيح فر من المجذوم فرارك من الْأسد
قَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم وَأما الجذام والبرص فَإِنَّهُ أَي كلا مِنْهُمَا يعدي الزَّوْج وَالْولد وَقَالَ فِي مَوضِع آخر الجذام والبرص مِمَّا يزْعم أهل الْعلم بالطب والتجارب أَنه يعدي كثيرا وَهُوَ مَانع للجماع لَا تكَاد النُّفُوس تطيب أَن تجامع من هُوَ بِهِ وَالْولد قَلما يسلم مِنْهُ وَإِن سلم أدْرك نَسْله
فَإِن قيل كَيفَ قَالَ الشَّافِعِي إِنَّه يعدي وَقد صَحَّ فِي الحَدِيث لَا عدوى أَنه أُجِيب بِأَن مُرَاده أَنه يعدى بِفعل الله تَعَالَى لَا بِنَفسِهِ والْحَدِيث ورد ردا لما يَعْتَقِدهُ أهل الْجَاهِلِيَّة من نِسْبَة الْفِعْل لغير الله تَعَالَى
وَلَو حدث بِالزَّوْجِ بعد العقد عيب كَأَن جب ذكره وَلَو بعد الدُّخُول وَلَو بِفِعْلِهَا ثَبت لَهَا الْخِيَار بِخِلَاف حُدُوث الْعنَّة بعد الدُّخُول كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَإِلَى الْفرق بَين الْجب والعنة
وَلَو حدث بهَا عيب تخير الزَّوْج قبل الدُّخُول وَبعده كَمَا لَو حدث بِهِ وَلَا خِيَار لوَلِيّ بحادث

(2/421)


وَكَذَا بمقارن جب وعنة للْعقد وَيتَخَيَّر بمقارن جُنُون الزَّوْج وَإِن رضيت الزَّوْجَة بِهِ وَكَذَا بمقارن جذام وبرص فِي الْأَصَح للعار
وَالْخيَار فِي الْفَسْخ بِهَذِهِ الْعُيُوب إِذا ثبتَتْ يكون على الْفَوْر لِأَنَّهُ خِيَار عيب فَكَانَ على الْفَوْر كَمَا فِي البيع وَيشْتَرط فِي الْفَسْخ بِعَيْب الْعنَّة وَكَذَا بَاقِي الْعُيُوب رفع إِلَى حَاكم لِأَنَّهُ مُجْتَهد فِيهِ فَأشبه الْفَسْخ بالإعسار
وَتثبت الْعنَّة بِإِقْرَار الزَّوْج أَو بِبَيِّنَة على إِقْرَاره لِأَنَّهُ لَا مطلع للشُّهُود عَلَيْهَا وَتثبت أَيْضا بِيَمِينِهَا بعد نُكُوله وَإِذا ثبتَتْ ضرب القَاضِي لَهُ سنة كَمَا فعله عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِطَلَب الزَّوْجَة لِأَن الْحق لَهَا فَإِذا تمت رفعته إِلَى القَاضِي فَإِن قَالَ وطِئت حلف فَإِن نكل حَلَفت واستقلت بِالْفَسْخِ كَمَا يسْتَقلّ بِالْفَسْخِ من وجد بِالْمَبِيعِ عَيْبا
خَاتِمَة حَيْثُ اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي الْإِصَابَة كَانَ الْمُصدق نافيها أخذا بِالْأَصْلِ إِلَّا فِي مسَائِل الأولى الْعنين كَمَا مر
الثَّانِيَة الْمولي وَهُوَ كالعنين فِي أَكثر مَا ذكر الثَّالِثَة إِذا ادَّعَت الْمُطلقَة ثَلَاثًا أَن الْمُحَلّل وَطئهَا وفارقها وَانْقَضَت عدتهَا وَأنكر الْمُحَلّل الْوَطْء فَتصدق بِيَمِينِهَا لحلها للْأولِ
الرَّابِعَة إِذا علق طَلاقهَا بِعَدَمِ الْوَطْء فَادَّعَاهُ وأنكرته صدق بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح
وَذكرت صورا أُخْرَى فِي شرح الْمِنْهَاج من أرادها فليراجعه

فصل فِي الصَدَاق
وَهُوَ بِفَتْح الصَّاد أشهر من كسرهَا مَا وَجب بِنِكَاح أَو وَطْء أَو تَفْوِيت بضع قهرا كرضاع وَرُجُوع شُهُود
وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة} أَي عَطِيَّة من الله مُبتَدأَة والمخاطب بذلك الْأزْوَاج عِنْد الْأَكْثَرين وَقيل الْأَوْلِيَاء لأَنهم كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يأخذونه ويسمونه نحلة لِأَن الْمَرْأَة
وَقَوله تَعَالَى {فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمريد التَّزْوِيج تستمتع بِالزَّوْجِ كاستمتاعه بهَا وَأكْثر فَكَأَنَّهَا تَأْخُذ الصَدَاق من

(2/422)


غير مُقَابل التمس وَلَو خَاتمًا من حَدِيد رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(وَيسْتَحب) للزَّوْج (تَسْمِيَة الْمهْر) للزَّوْجَة (فِي) صلب (النِّكَاح) أَي العقد لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخل نِكَاحا عَنهُ وَلِأَنَّهُ أدفَع للخصومة وَلِئَلَّا يشبه نِكَاح الواهبة نَفسهَا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَيُؤْخَذ من هَذَا أَن السَّيِّد إِذا زوج عَبده أمته أَنه يسْتَحبّ لَهُ ذكر الْمهْر وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَة تبعا لبَعض نسخ الشَّرْح الْكَبِير وَهُوَ الْمُعْتَمد إِذْ لَا ضَرَر فِي ذَلِك وَإِن خَالف فِي ذَلِك بعض الْمُتَأَخِّرين
وَيسن أَن لَا يدْخل بهَا حَتَّى يدْفع إِلَيْهَا شَيْئا من الصَدَاق خُرُوجًا من خلاف من أوجبه (فَإِن لم يسم) صَدَاقا بِأَن أخلى العقد مِنْهُ (صَحَّ العقد) بِالْإِجْمَاع لَكِن مَعَ الْكَرَاهَة كَمَا صرح بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَالْمُتوَلِّيّ وَغَيرهمَا
وَقد تجب التَّسْمِيَة فِي صور الأولى إِذا كَانَت الزَّوْجَة غير جَائِزَة التَّصَرُّف أَو مَمْلُوكَة لغير جَائِز التَّصَرُّف
الثَّانِيَة إِذا كَانَت جَائِزَة التَّصَرُّف وأذنت لوَلِيّهَا أَن يُزَوّجهَا وَلم تفوض فَزَوجهَا هُوَ أَو وَكيله
الثَّالِثَة إِذا كَانَ الزَّوْج غير جَائِز التَّصَرُّف
وَحل الِاتِّفَاق فِي هَذِه الصُّورَة على أقل من مهر مثل الزَّوْجَة وَفِيمَا عَداهَا على أَكثر مِنْهُ فتتعين تَسْمِيَته بِمَا وَقع الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَلَا يجوز إخلاؤه مِنْهُ
وَإِذا خلا العقد من التَّسْمِيَة فَإِن لم تكن مفوضة اسْتحقَّت مهر الْمثل بِالْعقدِ
القَوْل فِي وجوب مهر المفوضة (و) إِذا كَانَت مفوضة بِأَن قَالَت رَشِيدَة لوَلِيّهَا زَوجنِي بِلَا مهر فَفعل (وَجب الْمهْر بِثَلَاثَة أَشْيَاء) أَي بِوَاحِد مِنْهَا الأول (أَن يفرضه) أَي يقدره (الزَّوْج على نَفسه) قبل الدُّخُول وَلها حبس نَفسهَا ليفرض لَهَا لتَكون على بَصِيرَة من تَسْلِيم نَفسهَا وَلها بعد الْفَرْض حبس نَفسهَا لتسليم الْمَفْرُوض الْحَال كالمسمى فِي العقد أما الْمُؤَجل فَلَيْسَ لَهَا حبس نَفسهَا لَهُ كالمسمى فِي العقد
وَيشْتَرط رِضَاهَا بِمَا يفرضه الزَّوْج لِأَن الْحق لَهَا فَإِن لم ترض بِهِ فَكَأَنَّهُ لم يفْرض وَهَذَا كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ إِذا فرض دون مهر الْمثل أما إِذا فرض لَهَا مهر مثلهَا حَالا من نقد الْبَلَد وبذله لَهَا وصدقته على أَنه مهر مثلهَا فَلَا يعْتَبر رِضَاهَا لِأَنَّهُ عَبث
وَلَا يشْتَرط علم

(2/423)


الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ تَرَاضيا على مهر بِقدر مهر الْمثل لِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلا عَنهُ بل الْوَاجِب أَحدهمَا وَيجوز فرض مُؤَجل بِالتَّرَاضِي وَفَوق مهر الْمثل
وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أَو يفرضه الْحَاكِم) إِذا امْتنع الزَّوْج من الْفَرْض لَهَا أَو تنَازعا فِي قدر الْمَفْرُوض كَمَا يفْرض لِأَن منصبه فصل الْخُصُومَات وَلَكِن يفرضه الْحَاكِم حَالا من نقد الْبَلَد كَمَا فِي قيم الْمُتْلفَات لَا مُؤَجّلا وَلَا بِغَيْر نقد الْبَلَد وَإِن رضيت الزَّوْجَة بذلك لِأَن منصبه الْإِلْزَام بِمَال حَال من نقد الْبَلَد وَلها إِذا فَرْضه حَالا تَأْخِير الْقَبْض بل لَهَا تَركه بِالْكُلِّيَّةِ لِأَن الْحق لَهَا ويفرض مهر الْمثل بِلَا زِيَادَة وَلَا نقص
وَيشْتَرط علم الْحَاكِم بِمهْر الْمثل لَا يزِيد عَلَيْهِ وَلَا ينقص عَنهُ إِلَّا بالتفاوت الْيَسِير وَلَا يَصح فرض أَجْنَبِي من مَاله لِأَنَّهُ خلاف مَا يَقْتَضِيهِ العقد
وَالْفَرْض الصَّحِيح كالمسمى فِي العقد فينشطر بِالطَّلَاق بعد عقد وَقبل وَطْء سَوَاء أَكَانَ الْمَفْرُوض من الزَّوْجَيْنِ أَو من الْحَاكِم

وَالثَّالِث مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أَو يدْخل بهَا) بِأَن يَطَأهَا وَلَو فِي حيض أَو إِحْرَام أَو دبر (فَيجب) لَهَا (مهر الْمثل) وَإِن أَذِنت لَهُ فِي وَطئهَا بِشَرْط أَن لَا مهر لِأَن الْوَطْء لَا يُبَاح بِالْإِبَاحَةِ لما فِيهِ من حق الله تَعَالَى
وَالْمُعْتَبر فِي مهر مثل المفوضة أَكثر من مهر الْمثل من العقد إِلَى الْوَطْء لِأَن الْبضْع دخل بِالْعقدِ فِي ضَمَانه واقترن بِهِ الْإِتْلَاف فَوَجَبَ الْأَكْثَر كالمقبوض بشرَاء فَاسد
وَلَو طلق الزَّوْج قبل فرض وَوَطْء فَلَا شطر وَإِن مَاتَ أحد الزَّوْجَيْنِ قبلهمَا وَجب لَهَا مهر الْمثل لِأَنَّهُ كَالْوَطْءِ فِي تَقْرِير الْمُسَمّى فَكَذَا فِي إِيجَاب مهر الْمثل فِي التَّفْوِيض
وَهل يعْتَبر مهر الْمثل هُنَا بِالْأَكْثَرِ كَمَا مر أَو بِحَال العقد أَو الْمَوْت أوجه فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا بِلَا تَرْجِيح أوجهها أَولهَا لِأَن الْبضْع دخل فِي ضَمَانه بِالْعقدِ وتقرر عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ كَالْوَطْءِ
وَلَو قتل السَّيِّد أمته أَو قتلت نَفسهَا قبل دُخُول سقط مهرهَا بِخِلَاف مَا لَو قَتلهَا أَجْنَبِي أَو قتلت الْحرَّة نَفسهَا قبل الدُّخُول لَا يسْقط مهرهَا
وَمهر الْمثل مَا يرغب بِهِ فِي مثلهَا عَادَة
وركنه الْأَعْظَم نسب فِي النسيبة وُقُوع التفاخر بِهِ كالكفاءة فِي النِّكَاح
وَظَاهر كَلَام الْأَكْثَرين اعْتِبَار ذَلِك فِي الْعَجم كالعرب وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَن الرغبات تخْتَلف بِالنّسَبِ مُطلقًا فيراعى أقرب من تنْسب إِلَيْهِ فأقربهن أُخْت لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأَب ثمَّ بَنَات أَخ لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأَب ثمَّ عمات لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأَب لِأَن المدلي بجهتين يقدم على المدليي بِجِهَة ثمَّ بَنَات الْأَعْمَام لِأَبَوَيْنِ ثمَّ لأَب
فَإِن تعذر اعْتِبَار نسَاء الْعصبَة اعْتبر بذوات الْأَرْحَام كالجدات والخالات لِأَنَّهُنَّ أولى من الْأَجَانِب وَيقدم من نسَاء الْأَرْحَام الْأُم ثمَّ الْجدَّات ثمَّ الخالات ثمَّ بَنَات الْأَخَوَات ثمَّ بَنَات الأخوال
وَالْمرَاد بالأرحام هُنَا قَرَابَات الْأُم لَا ذَوُو الْأَرْحَام المذكورون فِي الْفَرَائِض لِأَن أُمَّهَات الْأُم لسن من الْمَذْكُورين فِي الْفَرَائِض
وَيعْتَبر مَعَ مَا تقدم سنّ وعفة وعقل وجمال ويسار وفصاحة وبكارة وثيوبة
وَمَا اخْتلف بِهِ غَرَض كَالْعلمِ والشرف لِأَن المهور تخْتَلف باخْتلَاف الصِّفَات
وَيعْتَبر مَعَ ذَلِك الْبَلَد فَإِن كَانَ نسَاء الْعصبَة ببلدين هِيَ فِي إِحْدَاهمَا اعْتبر بعصبات بَلَدهَا فَإِن كن كُلهنَّ ببلدة أُخْرَى فالاعتبار بِهن لَا بأجنبيات بَلَدهَا كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة
(وَلَيْسَ لأَقل الصَدَاق وَلَا لأكثره حد) بل ضابطه كل مَا صَحَّ كَونه مَبِيعًا عوضا أَو معوضا صَحَّ كَونه صَدَاقا ومالا فَلَا فَلَو

(2/424)


عقد بِمَا لَا يتمول وَلَا يُقَابل بمتمول كحبتي حِنْطَة لم تصح التَّسْمِيَة وَيرجع لمهر الْمثل وَكَذَا إِذا أصدقهَا ثوبا لَا يملك غَيره فَلَا يَصح لتَعلق حق الله تَعَالَى بِهِ فِي ستر الْعَوْرَة كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ مستدلا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للَّذي أَرَادَ التَّزْوِيج على إزَاره إزارك هَذَا إِن أَعْطيته إِيَّاهَا جَلَست وَلَا إِزَار لَك وَهَذَا دَاخل فِي قَوْلنَا مَا صَحَّ مَبِيعًا صَحَّ صَدَاقا
وَيسن أَن لَا ينقص الْمهْر عَن عشرَة دَرَاهِم خُرُوجًا من خلاف أبي حنيفَة وَأَن لَا يزِيد على خَمْسمِائَة دِرْهَم كأصدقة بَنَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزوجاته وَأما إصداق أم حَبِيبَة أَرْبَعمِائَة دِينَار فَكَانَ من النَّجَاشِيّ إِكْرَاما لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
القَوْل فِي الزواج على مَنْفَعَة (وَيجوز أَن يَتَزَوَّجهَا على مَنْفَعَة مَعْلُومَة) تستوفى بِعقد الْإِجَارَة كتعليم فِيهِ كلفة وخياطة ثوب وَكِتَابَة وَنَحْوهَا إِذا كَانَ يحسن تِلْكَ الْمَنْفَعَة فَإِن لم يكن يحسنها وَالْتزم فِي الذِّمَّة جَازَ ويستأجر لَهَا من يحسنها وَإِن الْتزم الْعَمَل بِنَفسِهِ لم يَصح على الْأَصَح لعَجزه
وَخرج بِقَيْد الْمَعْلُومَة الْمَنْفَعَة المجهولة فَلَا يَصح أَن تكون صَدَاقا وَلَكِن يجب مهر الْمثل
وَإِطْلَاق التَّعْلِيم فِيمَا تقدم شَامِل لما يجب تعلمه كالفاتحة وَغَيرهَا وَالْقُرْآن والْحَدِيث وَالْفِقْه وَالشعر والخط وَغير ذَلِك مِمَّا لَيْسَ بِمحرم ولتعليمها هِيَ أَو وَلَدهَا الْوَاجِب عَلَيْهَا تَعْلِيمه وَكَذَا عَبدهَا على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة فعلى هَذَا لَا يتَعَذَّر تَعْلِيم غَيرهَا بِطَلَاقِهَا أما إِذا أصدقهَا تعليمها بِنَفسِهِ فَطلق قبل التَّعْلِيم بعد دُخُول أَو قبله تعذر تَعْلِيمه لِأَنَّهَا صَارَت مُحرمَة عَلَيْهِ لَا يجوز اختلاؤه بهَا
فَإِن قيل الْأَجْنَبِيَّة يُبَاح النّظر إِلَيْهَا للتعليم وَهَذِه صَارَت أَجْنَبِيَّة فَهَلا جَازَ تعليمها أُجِيب بِأَن كلا من الزَّوْجَيْنِ تعلّقت آماله بِالْآخرِ وَحصل بَينهمَا نوع ود فَقَوِيت التُّهْمَة فَامْتنعَ التَّعْلِيم لقرب الْفِتْنَة بِخِلَاف الْأَجْنَبِيّ فَإِن قُوَّة الوحشة بَينهمَا اقْتَضَت جَوَاز التَّعْلِيم
وَقيل المُرَاد بالتعليم الَّذِي يجوز النّظر لَهُ هُوَ التَّعْلِيم الْوَاجِب كَقِرَاءَة الْفَاتِحَة فَمَا هُنَا مَحَله فِي غير الْوَاجِب وَرجح هَذَا السُّبْكِيّ
وَقيل التَّعْلِيم الَّذِي يجوز النّظر خَاص بالأمرد بِخِلَاف الْأَجْنَبِيّ وَرجح هَذَا الْجلَال الْمحلي وَالْمُعْتَمد الأول
تَنْبِيه أفهم تَعْلِيلهم السَّابِق أَنَّهَا لَو لم تحرم الْخلْوَة بهَا كَأَن كَانَت صَغِيرَة لَا تشْتَهى أَو صَارَت محرما لَهُ برضاع أَو نَكَحَهَا ثَانِيًا لم يتَعَذَّر التَّعْلِيم وَهُوَ كَذَلِك
فروع لَو أصدق زَوجته الْكِتَابِيَّة تَعْلِيم قُرْآن صَحَّ إِن توقع إسْلَامهَا وَإِلَّا فَلَا وَلَو أصدقهَا تَعْلِيم التَّوْرَاة أَو الْإِنْجِيل وهما كَافِرَانِ ثمَّ أسلما أَو ترافعا إِلَيْنَا بعد التَّعْلِيم فَلَا شَيْء لَهَا سواهُ أَو قبله وَجب لَهَا مهر الْمثل
وَلَو أصدق الْكِتَابِيَّة تَعْلِيم للشهادتين فَإِن كَانَ فِي تعليمهما كلفة صَحَّ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ
القَوْل فِيمَا يجب بِهِ نصف الْمهْر (وَيسْقط بِالطَّلَاق) وَبِكُل فرقة وجدت لَا مِنْهَا وَلَا بِسَبَبِهَا
(قبل الدُّخُول) كإسلامه وردته ولعانه وإرضاع أمه لَهَا أَو أمهَا لَهُ
(نصف الْمهْر) أما فِي الطَّلَاق فلآية {وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} وَأما الْبَاقِي فللقياس عَلَيْهِ وَأما الْفرْقَة الَّتِي وجدت مِنْهَا قبل الدُّخُول كإسلامها بِنَفسِهَا أَو بالتبعية لأحد أَبَوَيْهَا أَو فَسخهَا بِعَيْبِهِ أَو ردتها أَو إرضاعها زَوْجَة لَهُ صَغِيرَة أَو وجدت بِسَبَبِهَا

(2/425)


كفسخه بعيبها تسْقط الْمهْر الْمُسَمّى ابْتِدَاء أَو الْمَفْرُوض الصَّحِيح
أَو مهر الْمثل فِي كل مَا ذكر لِأَنَّهَا إِن كَانَت هِيَ الفاسخة فَهِيَ المختارة للفرقة فَكَأَنَّهَا قد أتلفت المعوض قبل التَّسْلِيم فَيسْقط الْعِوَض وَإِن كَانَ هُوَ الفاسخ بعيبها فَكَأَنَّهَا هِيَ الفاسخة
تَنْبِيه لَو ارتدا مَعًا فَهَل هُوَ كردتها فَيسْقط الْمهْر أَو كردته فيتنصف وَجْهَان صحّح الأول الرَّوْيَانِيّ والنشائي والأذرعي وَغَيرهم وَصحح الثَّانِي الْمُتَوَلِي والفارقي وَابْن أبي عصرون وَغَيرهم وَهُوَ أوجه
تَتِمَّة يجب للمطلقة قبل وَطْء مُتْعَة إِن لم يجب لَهَا شطر مهر بِأَن كَانَت مفوضة وَلم يفْرض لَهَا شَيْء وَادّعى الإِمَام فِيهِ الْإِجْمَاع لقَوْله تَعَالَى {لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء مَا لم تمَسُّوهُنَّ أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة ومتعوهن} الْآيَة وَيجب أَيْضا لموطوءة فِي الْأَظْهر لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {وللمطلقات مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ} وَلِأَن جَمِيع الْمهْر وَجب فِي مُقَابلَة اسْتِيفَاء مَنْفَعَة الْبضْع فَخَلا الطَّلَاق عَن الْجَبْر بِخِلَاف من وَجب لَهَا النّصْف فَإِن بضعهَا سلم لَهَا فَكَانَ النّصْف جَابِرا للإيحاش
قَالَ النَّوَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ إِن وجوب الْمُتْعَة مِمَّا يغْفل النِّسَاء عَن الْعلم بهَا فَيَنْبَغِي تعريفهن وإشاعة حكمهَا ليعرفن ذَلِك وَتجب بفرقة لَا بِسَبَبِهَا بِأَن كَانَت من الزَّوْج كردته ولعانه كَطَلَاق فِي إِيجَاب الْمُتْعَة
وَيسن أَن لَا تنقص عَن ثَلَاثِينَ درهما أَو مَا قِيمَته ذَلِك فَإِن تنَازعا فِي قدرهَا قدرهَا القَاضِي بِاجْتِهَادِهِ بِحَسب مَا يَلِيق بِالْحَال مُعْتَبرا حَالهمَا من يسَار الزَّوْج وإعساره ونسبها وصفاتها لقَوْله تَعَالَى {ومتعوهن على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره}

فصل فِي الْوَلِيمَة
ثمَّ شرع فِي أَحْكَام الْوَلِيمَة واشتقاقها كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِي من الولم وَهُوَ الِاجْتِمَاع لِأَن الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ وَهِي تقع على كل

(2/426)


طَعَام يتَّخذ لسرور حَادث من عرس وإملاك وَغَيرهمَا لَكِن اسْتِعْمَالهَا مُطلقَة فِي الْعرس أشهر
القَوْل فِي حكم الْوَلِيمَة (والوليمة على الْعرس) بِضَم الْعين مَعَ ضم الرَّاء وإسكانها الابتناء بِالزَّوْجَةِ (مُسْتَحبَّة) مُؤَكدَة لثبوتها عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قولا وفعلا فَفِي البُخَارِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولم على بعض نِسَائِهِ بمدين من شعير وَأَنه أولم على صَفِيَّة بِتَمْر وَسمن وأقط وَأَنه قَالَ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَقد تزوج أولم وَلَو بِشَاة
وأقلها للمتمكن شَاة وَلغيره مَا قدر عَلَيْهِ
قَالَ النَّسَائِيّ وَالْمرَاد أقل الْكَمَال شَاة لقَوْل التَّنْبِيه وَبِأَيِّ شَيْء أولم من الطَّعَام جَازَ
تَنْبِيه لم يتَعَرَّضُوا لوقت الْوَلِيمَة واستنبط السُّبْكِيّ من كَلَام الْبَغَوِيّ أَن وَقتهَا موسع من حِين العقد فَيدْخل وَقتهَا بِهِ وَالْأَفْضَل فعلهَا بعد الدُّخُول لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يولم على نِسَائِهِ إِلَّا بعد الدُّخُول فَتجب الْإِجَابَة إِلَيْهَا من حِين العقد وَإِن خَالف الأَصْل
القَوْل فِي الْإِجَابَة على الْوَلِيمَة (والإجابة إِلَيْهَا وَاجِبَة) عينا لخَبر الصَّحِيحَيْنِ إِذا دعِي أحدكُم إِلَى الْوَلِيمَة فليأتها وَخبر مُسلم شَرّ الطَّعَام طَعَام الْوَلِيمَة تدعى لَهَا الْأَغْنِيَاء وتترك الْفُقَرَاء وَمن لم يجب الدعْوَة فقد عصى الله وَرَسُوله
قَالُوا وَالْمرَاد وَلِيمَة الْعرس لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَة عِنْدهم وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعا إِذا دعِي أحدكُم إِلَى وَلِيمَة عرس فليجب
وَأما غَيرهَا من الولائم فالإجابة إِلَيْهَا مُسْتَحبَّة لما فِي مُسْند أَحْمد عَن الْحسن قَالَ دعِي عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ إِلَى ختان فَلم يجب وَقَالَ لم يكن يدعى لَهُ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَوله (إِلَّا عذر) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَكثر شُرُوط وجوب الْإِجَابَة فَإِن شُرُوطه كَثِيرَة مِنْهَا أَن لَا يخص بالدعوة الْأَغْنِيَاء لغناهم لخَبر شَرّ الطَّعَام
وَمِنْهَا أَن يكون الدَّاعِي مُسلما
وَمِنْهَا أَن يكون الْمَدْعُو مُسلما أَيْضا وَمِنْهَا أَن يَدعُوهُ فِي الْيَوْم الأول فتسن الْإِجَابَة فِي الْيَوْم الثَّانِي وَتكره فِي الثَّالِث
وَمِنْهَا أَن يكون الدَّاعِي مُطلق التَّصَرُّف نعم إِن اتخذها الْوَلِيّ من مَاله وَهُوَ أَب أَو جد فَالظَّاهِر كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ الْوُجُوب وَمِنْهَا أَن لَا يَدعُوهُ لخوف مِنْهُ لَو لم يحضر أَو طَمَعا فِي جاهه أَو إعانته على بَاطِل
وَمِنْهَا أَن يعين الْمَدْعُو بِنَفسِهِ أَو نَائِبه لَا أَن يُنَادي فِي النَّاس كَأَن فتح الْبَاب وَقَالَ ليحضر من أَرَادَ
وَمِنْهَا أَن لَا يعْتَذر الْمَدْعُو إِلَى الدَّاعِي ويرضى بتخلفه
وَمِنْهَا أَن لَا يسْبق الدَّاعِي غَيره فَإِن جَاءَا مَعًا أجَاب أقربهما رحما ثمَّ دَارا وَمِنْهَا أَن لَا يَدْعُو من أَكثر مَاله حرَام فَمن كَانَ كَذَلِك كرهت إجَابَته فَإِن علم أَن عين الطَّعَام حرَام حرمت إجَابَته وَإِلَّا فَلَا وتباح الْإِجَابَة
وَلَا تجب إِذا كَانَ فِي مَاله شُبْهَة وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ لَا تجب الْإِجَابَة فِي زَمَاننَا هَذَا انْتهى
وَلَكِن لَا بُد أَن يغلب على الظَّن أَن فِي مَال الدَّاعِي شُبْهَة وَمِنْهَا أَن لَا يكون الدَّاعِي

(2/427)


امْرَأَة أَجْنَبِيَّة وَلَيْسَ فِي مَوضِع الدعْوَة محرم لَهَا وَلَا للمدعو وَإِن لم يخل بهَا وَمِنْهَا أَن لَا يكون الدَّاعِي ظَالِما أَو فَاسِقًا أَو شريرا أَو متكلفا طَالبا للمباهاة وَالْفَخْر قَالَه فِي الْإِحْيَاء
وَمِنْهَا أَن يكون الْمَدْعُو حرا فَلَو دَعَا عبدا لَزِمته إِن أذن لَهُ سَيّده وَكَذَا الْمكَاتب إِن لم يضر حُضُوره بِكَسْبِهِ فَإِن ضرّ وَأذن لَهُ سَيّده فَوَجْهَانِ وَالْأَوْجه عدم الْوُجُوب والمحجور عَلَيْهِ فِي إِجَابَة الدَّعْوَى كالرشيد
وَمِنْهَا أَن يَدعُوهُ فِي وَقت الْوَلِيمَة وَقد تقدم وَقتهَا
وَمِنْهَا أَن لَا يكون الْمَدْعُو قَاضِيا وَفِي مَعْنَاهُ كل ذِي ولَايَة عَامَّة
وَمِنْهَا أَن لَا يكون مَعْذُورًا بمرخص فِي ترك الْجَمَاعَة
وَمِنْهَا أَن لَا يكون هُنَاكَ من يتَأَذَّى بِحُضُورِهِ أَو لَا يَلِيق بِهِ مُجَالَسَته كالأراذل
وَمِنْهَا أَن لَا يكون الْمَدْعُو أَمْرَد يخَاف من حُضُوره رِيبَة أَو تُهْمَة أَو قالة
وَمِنْهَا أَن لَا يكون هُنَاكَ مُنكر لَا يَزُول بِحُضُورِهِ كشرب الْخمر وَالضَّرْب بالملاهي فَإِن كَانَ يَزُول بِحُضُورِهِ وَجب حُضُوره للدعوة وَإِزَالَة الْمُنكر
وَمن الْمُنكر فرش غير حَلَال كالمغصوب والمسروق وفرش جُلُود النمور وفرش الْحَرِير للرِّجَال
وَمِنْهَا أَن لَا يكون هُنَاكَ صُورَة حَيَوَان فِي غير أَرض وبساط ومخدة وَالْمَرْأَة إِذا دعت النِّسَاء فَكَمَا ذكرنَا فِي الرِّجَال قَالَه فِي الرَّوْضَة
وَقِيَاس مَا مر عَن الْأَذْرَعِيّ فِي الْأَمْرَد أَن الْمَرْأَة إِذا خَافت من حُضُورهَا رِيبَة أَو تُهْمَة أَو قالة لَا تجب عَلَيْهَا الْإِجَابَة وَإِن أذن الزَّوْج وَالْأولَى عدم حُضُورهَا خُصُوصا فِي هَذَا الزَّمَان الَّذِي كثر فِيهِ اخْتِلَاط الْأَجَانِب من الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي مثل ذَلِك من غير مبالاة بكشف مَا هُوَ عَورَة كَمَا هُوَ مَعْلُوم مشَاهد وَلابْن الْحَاج الْمَالِكِي اعتناء زَائِد بالْكلَام على مثل هَذَا وأشباهه بِاعْتِبَار زَمَانه فَكيف لَهُ بِزَمَان خرق فِيهِ السياج وَزَاد بَحر فَسَاده وهاج وَلَا تسْقط إِجَابَة بِصَوْم فَإِن شقّ على الدَّاعِي صَوْم نفل من الْمَدْعُو فالفطر لَهُ أفضل وَيَأْكُل الضَّيْف مِمَّا قدم لَهُ بِلَا لغط وَلَا يتَصَرَّف فِيهِ إِلَّا بِأَكْل وَيملك الضَّيْف مَا التقمه بِوَضْعِهِ فِي فَمه كَمَا جزم بِهِ ابْن الْمقري
وللضيف أَخذ مَا يعلم رضَا المضيف بِهِ وَيحل نثر سكره وَغَيره فِي الإملاك وَلَا يكره النثر فِي الْأَصَح وَيحل الْتِقَاطه وَلَكِن تَركه أولى وَيسن للضيف وَإِن لم يَأْكُل أَن يَدْعُو للمضيف وَأَن يَقُول الْملك لضيفه وَلغيره كزوجته وَولده إِذا رفع يَده من الطَّعَام كل ويكرره عَلَيْهِ مَا لم يتَحَقَّق أَنه اكْتفى مِنْهُ وَلَا يزِيد على ثَلَاث مَرَّات
وَذكرت فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره مسَائِل مهمة تتَعَلَّق بِهَذَا الْفَصْل لَا بَأْس بمراجعتها