الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل فِي الْقسم والنشوز
وَالْقسم بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون السِّين مصدر قسمت الشَّيْء وَأما بِالْكَسْرِ فالنصيب وَالْقسم بِفَتْح الْقَاف وَالسِّين الْيَمين والنشوز هُوَ الْخُرُوج عَن الطَّاعَة

(2/428)


وَيجب الْقسم لزوجتين أَو زَوْجَات وَلَو كن إِمَاء فَلَا مدْخل لإماء غير زَوْجَات فِيهِ وَإِن كن مستولدات
قَالَ تَعَالَى {فَإِن خِفْتُمْ أَلا تعدلوا فَوَاحِدَة أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم}
القَوْل فِي حكم التَّسْوِيَة بَين النِّسَاء وَقد شرح فِي الْقسم الأول وَهُوَ الْقسم بقوله (والتسوية فِي الْقسم) فِي الْمبيت (بَين) الزوجتين و (الزَّوْجَات) الْحَرَائِر (وَاجِبَة) على الزَّوْج وَلَو قَامَ بهما أَو بِهن عذر كَمَرَض وحيض ورتق وَقرن وإحرام لِأَن الْمَقْصُود الْأنس لَا الْوَطْء
وَلَا تجب التَّسْوِيَة بَينهمَا أَو بَينهُنَّ فِي التَّمَتُّع بِوَطْء وَغَيره لَكِنَّهَا تسن
وَخرج بقولنَا الْحَرَائِر مَا لَو كَانَ تَحْتَهُ حرَّة وَأمة فللحرة ليلتان وللأمة لَيْلَة لحَدِيث فِيهِ مُرْسل
وَإِذا قَامَ بِالزَّوْجَةِ نشوز وَإِن لم يحصل بِهِ إِثْم كمجنونة بِأَن خرجت عَن طَاعَة زَوجهَا كَأَن خرجت من مَسْكَنه بِغَيْر إِذْنه أَو لم تفتح لَهُ الْبَاب ليدْخل أَو لم تمكنه من نَفسهَا لَا تسْتَحقّ قسما كَمَا لَا تسْتَحقّ نَفَقَة وَللزَّوْج إِعْرَاض عَن زَوْجَاته بِأَن لَا يبيت عِنْدهن لِأَن الْمبيت حَقه فَلهُ تَركه
وَيسن أَن لَا يعطلهن بِأَن يبيت عِنْدهن ويحصنهن كواحدة لَيْسَ تَحْتَهُ غَيرهَا فَلهُ الْإِعْرَاض عَنْهَا
وَيسن أَن لَا يعطلها وَأدنى درجاتها أَن لَا يخليها كل أَربع لَيَال عَن لَيْلَة اعْتِبَارا بِمن لَهُ أَربع زَوْجَات وَالْأولَى لَهُ أَن يَدُور عَلَيْهِنَّ بمسكنهن وَلَيْسَ لَهُ أَن يدعوهن لمسكن إِحْدَاهُنَّ إِلَّا برضاهن وَلَا أَن يجمعهن بمسكن إِلَّا برضاهن وَلَا أَن يَدْعُو بَعْضًا لمسكنه ويمضي لبَعض آخر لما فِيهِ من التَّخْصِيص الموحش إِلَّا برضاهن أَو بِقرْعَة أَو غَرَض كقرب مسكن من يمْضِي إِلَيْهَا دون الْأُخْرَى
عماد الْقسم لَيْلًا أَو نَهَارا وَالْأَصْل فِي الْقسم لمن عمله نَهَارا اللَّيْل لِأَنَّهُ وَقت السّكُون وَالنَّهَار قبله أَو بعده تبع لِأَنَّهُ وَقت المعاش قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي جعل لكم اللَّيْل لتسكنوا فِيهِ وَالنَّهَار مبصرا} الأَصْل فِي الْقسم لمن عمله لَيْلًا كحارس النَّهَار لِأَنَّهُ وَقت سكونه وَاللَّيْل تبع لِأَنَّهُ وَقت معاشه فَلَو كَانَ يعْمل تَارَة بِالنَّهَارِ وَتارَة بِاللَّيْلِ لم يجز أَن يقسم لوَاحِدَة لَيْلَة تَابِعَة وَنَهَارًا متبوعا ولأخرى عَكسه
(و) من عماد قسمه اللَّيْل (لَا يدْخل) نَهَارا (على غير الْمَقْسُوم لَهَا لغير حَاجَة) لتحريمه حِينَئِذٍ لما فِيهِ من إبِْطَال حق صَاحبه النّوبَة فَإِن فعل وَطَالَ مكثه لزمَه لصاحبة النّوبَة الْقَضَاء بِقدر ذَلِك من نوبَة الْمَدْخُول عَلَيْهَا أما دُخُوله لحَاجَة كوضع مَتَاع أَو أَخذه أَو تَسْلِيم نَفَقَة أَو تَعْرِيف خبر فَجَائِز لحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطوف علينا جَمِيعًا فيدنو من

(2/429)


كل امْرَأَة من غير مَسِيس أَي وَطْء حَتَّى يبلغ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمهَا فيبيت عِنْدهَا
وَلَا يقْضِي إِذا دخل لحَاجَة وَإِن طَال الزَّمن لِأَن النَّهَار تَابع مَعَ وجود الْحَاجة وَله مَا سوى وَطْء من استمتاع للْحَدِيث السَّابِق
وَخرج بِقَيْد النَّهَار اللَّيْل فَيحرم عَلَيْهِ وَلَو لحَاجَة على الصَّحِيح لما فِيهِ من إبِْطَال حق ذَات النّوبَة إِلَّا لضَرُورَة كمرضها الْمخوف وَشدَّة الطلق وَخَوف النهب والحريق
ثمَّ إِن طَال مكثه عرفا قضى من نوبَة الْمَدْخُول عَلَيْهَا مثل مكثه لِأَن حق الْآدَمِيّ لَا يسْقط بالعذر فَإِن لم يطلّ مكثه لم يقْض ليلته وَيَأْثَم من تعدى بِالدُّخُولِ وَإِن لم يطلّ مكثه
وَلَو جَامع من دخل عَلَيْهَا فِي نوبَة غَيرهَا عصى وَإِن قصر الزَّمن وَكَانَ لضَرُورَة قَالَ الإِمَام واللائق بالتحقيق الْقطع بِأَن الْجِمَاع لَا الْجِمَاع يُوصف بِالتَّحْرِيمِ وَيصرف التَّحْرِيم إِلَى إِيقَاع الْمعْصِيَة لَا إِلَى مَا وَقعت بِهِ الْمعْصِيَة
وَحَاصِله أَن تَحْرِيم الْجِمَاع لَا لعَينه بل لأمر خَارج وَيَقْضِي الْمدَّة دون الْجِمَاع لَا إِن قصرت وَمحل وجوب الْقَضَاء مَا إِذا بقيت المظلومة فِي نِكَاحه فَلَو مَاتَت المظلومة بِسَبَبِهَا فَلَا قَضَاء لخلوص الْحق للباقيات وَلَو فَارق المظلومة تعذر الْقَضَاء أما من عماد قسمه النَّهَار فليله كنهار غَيره ونهاره كليل غَيره فِي جَمِيع مَا تقدم
هَذَا كُله فِي الْمُقِيم أما الْمُسَافِر فعماد قسمه وَقت نُزُوله لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا قَالَه فِي الرَّوْضَة
تَنْبِيه أقل نوب الْقسم لمقيم عمله نَهَارا لَيْلَة وَلَا يجوز تبعيضها لما فِيهِ من تشويش الْعَيْش وعسر ضبط أَجزَاء اللَّيْل وَلَا بليلة وَبَعض أُخْرَى
وَأما طَوَافه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نِسَائِهِ فِي لَيْلَة وَاحِدَة فَمَحْمُول على رضاهن أما الْمُسَافِر فقد مر حكمه وَأما من عماد قسمه النَّهَار كالحارس فَظَاهر كَلَامه أَنه لَا يجوز لَهُ تبعيضه كتبعيض اللَّيْل مِمَّن يقسم لَيْلًا وَهُوَ الظَّاهِر وَيحْتَمل أَنه يجوز لسُهُولَة الضَّبْط
والاقتصار على اللَّيْلَة أفضل من الزِّيَادَة عَلَيْهَا اقْتِدَاء بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وليقرب عَهده بِهن وَيجوز لَيْلَتَيْنِ وَثَلَاثًا بِغَيْر رضاهن وَلَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهَا بِغَيْر رضاهن وَإِن تفرقن فِي الْبِلَاد لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى المهاجرة والإيحاش للباقيات بطول الْمقَام عِنْد الضرة وَقد يَمُوت فِي الْمدَّة الطَّوِيلَة فَيفوت حقهن
وَتجب الْقرعَة للابتداء بِوَاحِدَة عِنْد عدم رضاهن تَحَرُّزًا عَن التَّرْجِيح مَعَ استوائهن فِي الْحق فَيبْدَأ بِمن خرجت قرعتها فَإِذا مَضَت نوبتها أَقرع بَين الْبَاقِيَات ثمَّ بَين الْأَخِيرَتَيْنِ فَإِذا تمت النّوبَة رَاعى التَّرْتِيب
وَلَا حَاجَة إِلَى إِعَادَة الْقرعَة بِخِلَاف مَا لَو بَدَأَ بِلَا قرعَة فَإِنَّهُ يقرع بَين الْبَاقِيَات فَإِذا تمت النّوبَة أَقرع للابتداء
القَوْل فِي حكم الْمُسَافِر فِي الْقسم (وَإِذا أَرَادَ) الزَّوْج (السّفر) لنقلة وَلَو سفرا قَصِيرا حرم عَلَيْهِ أَن يستصحب بَعضهنَّ دون بعض وَلَو بِقرْعَة فَإِن سَافر ببعضهن لنقله وَلَو بِقرْعَة قضى للمتخلفات وَلَو نقل بَعضهنَّ بِنَفسِهِ وبعضهن بوكيله قضى لمن مَعَ الْوَكِيل
وَلَا يجوز أَن يتركهن بل ينقلهن أَو يُطَلِّقهُنَّ لما فِي ذَلِك من قطع أطماعهن من الوقاع فَأشبه الْإِيلَاء بِخِلَاف مَا لَو امْتنع من الدُّخُول إلَيْهِنَّ وَهُوَ حَاضر لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِع رجاؤهن
وَفِي بَاقِي الْأَسْفَار الطَّوِيلَة أَو القصيرة الْمُبَاحَة إِذا أَرَادَ اسْتِصْحَاب بَعضهنَّ
(أَقرع بَينهُنَّ) وجوبا كَمَا اقْتَضَاهُ إِيرَاد الرَّوْضَة وَأَصلهَا عِنْد تنازعهن
(وَخرج بِالَّتِي تخرج لَهَا) سهم (الْقرعَة) لما روى الشَّيْخَانِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ سفرا أَقرع بَين نِسَائِهِ فأيتهن خرج سهمها خرج بهَا مَعَه
وَسَوَاء أَكَانَ ذَلِك فِي يَوْمهَا أَو فِي يَوْم غَيرهَا
وَإِذا خرجت الْقرعَة لصَاحبه النّوبَة لَا تدخل

(2/430)


نوبتها فِي مُدَّة السّفر بل إِذا رَجَعَ وفى لَهَا نوبتها وَإِذا خرجت الْقرعَة لوَاحِدَة فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوج بغَيْرهَا وَله تَركهَا
وَلَو سَافر بِوَاحِدَة أَو أَكثر من غير قرعَة عصى وَقضى فَإِن رضين بِوَاحِدَة جَازَ بِلَا قرعَة وَسقط الْقَضَاء ولهن الرُّجُوع قبل سفرها قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَكَذَا بعده مَا لم يُجَاوز مَسَافَة الْقصر أَي يصل إِلَيْهَا وَإِذا سَافر بِالْقُرْعَةِ لَا يقْضِي لِلزَّوْجَاتِ المتخلفات مُدَّة سَفَره لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ وَالْمعْنَى فِيهِ أَن المستصحبة وَإِن فازت بِصُحْبَتِهِ فقد لحقها من تَعب السّفر ومشقته مَا يُقَابل ذَلِك والمتخلفة وَإِن فاتها حظها من الزَّوْج فقد ترفهت بالراحة وَالْإِقَامَة فتقابل الْأَمْرَانِ فاستويا
وَخرج بالأسفار الْمُبَاحَة غَيرهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يستصحب فِيهَا بَعضهنَّ لَا بِقرْعَة وَلَا بغَيْرهَا فَإِن فعل عصى وَلَزِمَه الْقَضَاء للمتخلفات
وَخرج بالزوجات الْإِمَاء فَلهُ أَن يستصحب بَعضهم بِغَيْر قرعَة فَإِن وصل الْمَقْصد وَصَارَ مُقيما قضى مُدَّة الْإِقَامَة لِخُرُوجِهِ عَن حكم السّفر هَذَا إِن سَاكن المصحوبة أما إِذا اعتزلها مُدَّة الْإِقَامَة فَلَا يقْضِي كَمَا جزم بِهِ فِي الْحَاوِي وَلَا يقْضِي مُدَّة الرُّجُوع كَمَا لَا يقْضِي مُدَّة الذّهاب
تَنْبِيه من وهبت من الزَّوْجَات حَقّهَا من الْقسم لغَيْرهَا لم يلْزم الزَّوْج الرِّضَا بذلك لِأَنَّهَا لَا تملك إِسْقَاط حَقه من الِاسْتِمْتَاع فَإِن رَضِي بِالْهبةِ ووهبت لمعينة مِنْهُنَّ بَات عِنْدهَا ليلتيهما كَمَا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما وهبت سَوْدَة نوبتها لعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَإِن وهبت للزَّوْج فَقَط كَانَ لَهُ التَّخْصِيص بِوَاحِدَة فَأكْثر لِأَنَّهَا جعلت الْحق لَهُ فيضعه حَيْثُ شَاءَ وَلَو وهبت لَهُ ولبعض الزَّوْجَات أَو لَهُ وللجميع قسم ذَلِك على الرؤوس كَمَا بَحثه بعض الْمُتَأَخِّرين
وَلَا يجوز للواهبة أَن تَأْخُذ على الْمُسَامحَة بِحَقِّهَا عوضا لَا من الزَّوْج وَلَا من الضرائر لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَين وَلَا مَنْفَعَة لِأَن مقَام الزَّوْج عِنْدهَا لَيْسَ بِمَنْفَعَة ملكتها عَلَيْهِ
وَقد استنبط السُّبْكِيّ من هَذِه الْمَسْأَلَة وَمن خلع الْأَجْنَبِيّ جَوَاز النُّزُول عَن الْوَظَائِف وَالَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ رَأْيه أَن أَخذ الْعِوَض فِيهِ جَائِز وَأَخذه حَلَال لإِسْقَاط الْحق لَا لتَعلق حق المنزول لَهُ بل يبْقى الْأَمر فِي ذَلِك إِلَى نَاظر الْوَظِيفَة يفعل مَا فِيهِ الْمصلحَة شرعا وَبسط ذَلِك
وَهَذِه مَسْأَلَة كَثِيرَة الْوُقُوع فاستفدها
وللواهبة الرُّجُوع مَتى شَاءَت فَإِذا رجعت خرج فَوْرًا وَلَا ترجع فِي الْمَاضِي قبل الْعلم بِالرُّجُوعِ
وَإِن بَات الزَّوْج فِي نوبَة وَاحِدَة عِنْد غَيرهَا ثمَّ ادّعى أَنَّهَا وهبت حَقّهَا وَأنْكرت لم يقبل قَوْله إِلَّا بِبَيِّنَة

(2/431)


القَوْل فِي تَخْصِيص الزَّوْجَة الجديدة (وَإِذا تزوج) حر أَو عبد فِي دوَام نِكَاحه (جَدِيدَة) وَلَو معادة بعد الْبَيْنُونَة (خصها) أَي كل مِنْهُمَا وجوبا (بِسبع لَيَال) مُتَوَالِيَة بِلَا قَضَاء للباقيات (إِن كَانَت بكرا) على خلقتها أَو زَالَت بِغَيْر وَطْء (وبثلاث) لَيَال مُتَوَالِيَة بِلَا قَضَاء للباقيات (إِن كَانَت ثَيِّبًا) لخَبر ابْن حبَان فِي صَحِيحه سبع للبكر وَثَلَاث للثيب وَالْمعْنَى فِي ذَلِك زَوَال الوحشة بَينهمَا وَلِهَذَا سوى بَين الْحرَّة وَالْأمة لِأَن مَا يتَعَلَّق بالطبع لَا يخْتَلف بِالرّقِّ وَالْحريَّة كمدة الْعنَّة وَالْإِيلَاء
وَزيد للبكر لِأَن حياءها أَكثر
وَالْحكمَة فِي الثَّلَاث والسبع أَن الثَّلَاث مغتفرة فِي الشَّرْع والسبع عدد أَيَّام الدُّنْيَا وَمَا زَاد عَلَيْهَا تكْرَار فَإِن فرق ذَلِك لما يحْسب لِأَن الوحشة لَا تَزُول بالمفرق واستأنف وَقضى المفرق للأخريات
تَنْبِيه دخل فِي الثّيّب الْمَذْكُورَة من كَانَت ثيوبتها بِوَطْء حَلَال أَو حرَام أَو وَطْء شُبْهَة وَخرج بهَا من حصلت ثيوبتها بِمَرَض أَو وثبة أَو نَحْو ذَلِك
وَيسن تَخْيِير الثّيّب بَين ثَلَاث بِلَا قَضَاء وَبَين سبع بِقَضَاء كَمَا فعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا حَيْثُ قَالَ لَهَا إِن شِئْت سبعت عنْدك وسبعت عِنْدهن وَإِن شِئْت ثلثت عنْدك وَدرت أَي بالقسم الأول بِلَا قَضَاء وَإِلَّا لقَالَ وثلثت عِنْدهن كَمَا قَالَ وسبعت عِنْدهن
وَلَا يتَخَلَّف بِسَبَب ذَلِك عَن الْخُرُوج للجماعات وَسَائِر أَعمال الْبر كعيادة المرضى وتشييع الْجَنَائِز مُدَّة الزفاف إِلَّا لَيْلًا فيتخلف وجوبا تَقْدِيمًا للْوَاجِب وَهَذَا مَا جرى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَإِن خَالف فِيهِ بعض الْمُتَأَخِّرين
وَأما ليَالِي الْقسم فَتجب التَّسْوِيَة بَينهُنَّ فيهل فِي الْخُرُوج وَعَدَمه فإمَّا أَن يخرج فِي لَيْلَة الْجَمِيع أَو لَا يخرج أصلا فَإِن خص لَيْلَة بَعضهنَّ بِالْخرُوجِ أَثم
القَوْل فِي حكم نشوز الْمَرْأَة ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ النُّشُوز بقوله (وَإِذا خَافَ) الزَّوْج (نشوز الْمَرْأَة) بِأَن ظَهرت أَمَارَات نشوزها فعلا كَأَن يجد مِنْهَا إعْرَاضًا وعبوسا بعد لطف وطلاقة وَجه أَو قولا كَأَن تجيبه بِكَلَام خشن بعد أَن كَانَ بلين (وعظها) اسْتِحْبَابا لقَوْله تَعَالَى {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن} كَأَن يَقُول لَهَا اتَّقى الله فِي الْحق الْوَاجِب لي عَلَيْك واحذري الْعقُوبَة بِلَا هجر وَلَا ضرب
وَيبين لَهَا أَن النُّشُوز يسْقط النَّفَقَة وَالْقسم فلعلها تبدي عذرا أَو تتوب عَمَّا وَقع مِنْهَا بِغَيْر عذر
وَحسن أَن يذكر لَهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا باتت الْمَرْأَة هاجرة لفراش زَوجهَا لعنتها الْمَلَائِكَة حَتَّى تصبح وَفِي التِّرْمِذِيّ عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا امْرَأَة باتت وَزوجهَا رَاض عَنْهَا دخلت الْجنَّة
(فَإِن أَبَت) مَعَ وعظه (إِلَّا النُّشُوز هجرها) فِي المضجع أَي يجوز لَهُ ذَلِك لظَاهِر الْآيَة وَلِأَن فِي الهجر أثرا ظَاهرا فِي تَأْدِيب النِّسَاء
وَالْمرَاد أَن يهجر فراشها فَلَا يضاجعها فِيهِ
وَخرج بالهجران فِي المضجع الهجران بالْكلَام فَلَا يجوز الهجر بِهِ لَا لزوجة وَلَا لغَيْرهَا فَوق ثَلَاثَة أَيَّام وَيجوز فِيهَا للْحَدِيث الصَّحِيح لَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاثَة أَيَّام وَفِي سنَن أبي دَاوُد فَمن هجره فَوق ثَلَاث فَمَاتَ دخل النَّار وَحمل الْأَذْرَعِيّ وَغَيره التَّحْرِيم على مَا إِذا قصد بهجرها ردهَا لحظ نَفسه فَإِن قصد بِهِ ردهَا عَن الْمعْصِيَة وَإِصْلَاح دينهَا فَلَا تَحْرِيم وَهَذَا مَأْخُوذ من قَوْلهم يجوز هجر المبتدع وَالْفَاسِق وَنَحْوهمَا وَمن رجا بهجره صَلَاح دين الهاجر أَو المهجور
وَعَلِيهِ يحمل هجره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَعْب بن مَالك وصاحبيه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَنَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّحَابَة عَن كَلَامهم وَكَذَا هجر السّلف بَعضهم بَعْضًا
(فَإِن أَقَامَت عَلَيْهِ) أَي أصرت على النُّشُوز بعد الهجر الْمُرَتّب على الْوَعْظ فعظوهن فَإِن نشزن فاهجروهن فِي الْمضَاجِع واضربوهن
وَالْخَوْف هُنَا بِمَعْنى الْعلم كَقَوْلِه تَعَالَى {فَمن خَافَ من موص جنفا أَو إِثْمًا} ضربهَا ضربا غير مبرح لظَاهِر الْآيَة فتقديرها واللاتي تخافون

(2/432)


نشوزهن
تَنْبِيه ظَاهر كَلَام المُصَنّف أَنه لَا يضْرب إِلَّا إِذا تكَرر مِنْهَا النُّشُوز وَهُوَ مَا رَجحه جُمْهُور الْعِرَاقِيّين وَغَيرهم وَرجحه الرَّافِعِيّ وَالَّذِي صَححهُ النَّوَوِيّ جَوَاز الضَّرْب وَإِن لم يتَكَرَّر النُّشُوز لظَاهِر الْآيَة
وَإِنَّمَا يجوز الضَّرْب إِذا أَفَادَ ضربهَا فِي ظَنّه وَإِلَّا فَلَا يضْربهَا كَمَا صرح بِهِ الإِمَام وَغَيره
وَخرج بقوله غير مبرح المبرح فَإِنَّهُ لَا يجوز مُطلقًا وَلَا يجوز على الْوَجْه والمهالك
وَالْأولَى لَهُ الْعَفو عَن الضَّرْب
وَخبر النَّهْي عَن ضرب النِّسَاء مَحْمُول على ذَلِك أَو على الضَّرْب بِغَيْر سَبَب يَقْتَضِيهِ وَهَذَا بِخِلَاف ولي الصَّبِي فَالْأولى لَهُ عدم الْعَفو لِأَن ضربه للتأديب مصلحَة لَهُ وَضرب الزَّوْج زَوجته مصلحَة لنَفسِهِ
(وَيسْقط بالنشوز قسمهَا) الْوَاجِب لَهَا والنشوز يحصل بخروجها من منزل زَوجهَا بِغَيْر إِذْنه لَا إِلَى القَاضِي لطلب الْحق مِنْهُ وَلَا إِلَى اكتسابها النَّفَقَة إِذا أعْسر بهَا الزَّوْج وَلَا إِلَى استفتاء إِذا لم يكن زَوجهَا فَقِيها وَلم يستفت لَهَا وَيحصل أَيْضا بمنعها الزَّوْج من الِاسْتِمْتَاع وَلَو غير الْجِمَاع حَيْثُ لَا عذر لَا منعهَا لَهُ مِنْهُ تذللا وَلَا الشتم لَهُ وَلَا الْإِيذَاء لَهُ بِاللِّسَانِ أَو غَيره بل تأثم بِهِ وتستحق التَّأْدِيب
(و) تسْقط بِهِ أَيْضا حَيْثُ لَا عذر (نَفَقَتهَا) وتوابعها كالسكنى وآلات التَّنْظِيف وَنَحْوهَا فَإِن كَانَ بهَا عذر كَأَن كَانَت مَرِيضَة أَو مضناة لَا تحْتَمل الْجِمَاع أَو بفرجها قُرُوح أَو كَانَت مَرِيضَة مُسْتَحَاضَة أَو كَانَ الزَّوْج عبلا أَي كَبِير الْآلَة يَضرهَا وَطْؤُهُ فَلَا تسْقط نَفَقَتهَا لعذرها
تَنْبِيه قَضِيَّة إِطْلَاق المُصَنّف كَغَيْرِهِ تنَاوله نشوز بعض الْيَوْم وَهُوَ الْأَصَح ومرادهم بالسقوط هُنَا منع الْوُجُوب لَا سُقُوط مَا وَجب حَتَّى لَو نشزت قبل الْفجْر وطلع الْفجْر وَهِي نَاشِزَة
فَلَا وجوب وَيُقَال سَقَطت لِأَن السُّقُوط فرع الْوُجُوب
وَسكت المُصَنّف عَن سُقُوط الْكسْوَة بالنشوز اكْتِفَاء
بجعلهم الْكسْوَة تَابِعَة للنَّفَقَة تجب بِوُجُوبِهَا وَتسقط بسقوطها وَسَيَأْتِي تَحْرِير ذَلِك فِي فصل نَفَقَة الزَّوْجَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى
حكم منع زَوجته حَقّهَا تَتِمَّة لَو منع الزَّوْج زَوجته حَقًا لَهَا كقسم وَنَفَقَة ألزمهُ القَاضِي توفيته إِذا طلبته لعجزها عَنهُ فَإِن أَسَاءَ خلقه وأذاها بِضَرْب أَو غَيره بِلَا سَبَب نَهَاهُ عَن ذَلِك وَلَا يعزره فَإِن عَاد إِلَيْهِ وَطلبت تعزيره من القَاضِي عزره بِمَا يَلِيق بِهِ لتعديه عَلَيْهَا
وَإِنَّمَا لم يعزره فِي الْمرة الأولى وَإِن كَانَ الْقيَاس جَوَازه إِذا طلبته لِأَن إساءة الْخلق تكْثر بَين الزَّوْجَيْنِ وَالتَّعْزِير عَلَيْهَا يُورث وَحْشَة بَينهمَا فَيقْتَصر أَولا

(2/433)


على النَّهْي لَعَلَّ الْحَال يلتئم بَينهمَا فَإِن عَاد عزره
وَإِن قَالَ كل من الزَّوْجَيْنِ إِن صَاحبه مُتَعَدٍّ عَلَيْهِ تعرف القَاضِي الْحَال الْوَاقِع بَينهمَا بِثِقَة يخبرهما وَيكون الثِّقَة جارا لَهما
فَإِن عدم أسكنهما بِجنب ثِقَة يتعرف حَالهمَا ثمَّ يُنْهِي إِلَيْهِ مَا يعرفهُ فَإِذا تبين للْقَاضِي حَالهمَا منع الظَّالِم مِنْهُمَا من عوده لظلمه فَإِن اشْتَدَّ الشقاق بَينهمَا بعث القَاضِي حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا لينْظر فِي أَمرهمَا والبعث وَاجِب وَمن أهلهما سنة وهما وكيلان لَهما لَا حكمان من جِهَة الْحَاكِم فيوكل هُوَ حكمه بِطَلَاق أَو خلع وتوكل هِيَ حكمهَا ببذل عوض وَقبُول طَلَاق بِهِ ويفرقا بَينهمَا إِن رأياه صَوَابا
وَيشْتَرط فيهمَا إِسْلَام وحرية وعدالة واهتداء إِلَى الْمَقْصُود من بعثهما لَهُ وَإِنَّمَا اشْترط فيهمَا ذَلِك مَعَ أَنَّهُمَا وكيلان لتَعلق وكالتهما بِنَظَر الْحَاكِم كَمَا فِي أَمِينه
وَيسن كَونهمَا ذكرين فَإِن اخْتلف رأيهما بعث القَاضِي اثْنَيْنِ غَيرهمَا حَتَّى يجتمعا على شَيْء فَإِن لم يرض الزَّوْجَانِ ببعث الْحكمَيْنِ وَلم يتَّفقَا على شَيْء أدب القَاضِي الظَّالِم مِنْهُمَا وَاسْتوْفى للمظلوم حَقه

فصل فِي الْخلْع
وَهُوَ لُغَة مُشْتَقّ من خلع الثَّوْب لِأَن كلا من الزَّوْجَيْنِ لِبَاس الآخر قَالَ تَعَالَى {هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ} فَكَأَنَّهُ بمفارقة الآخر نزع لِبَاسه
وَشرعا فرقة بَين الزَّوْجَيْنِ وَلَو بِلَفْظ مفاداة بعوض مَقْصُود رَاجع لجِهَة الزَّوْج فَقَوْل المُصَنّف (وَالْخلْع جَائِز على عوض مَعْلُوم) يُقيد بِمَا ذكر فَخرج بمقصود الْخلْع بِدَم وَنَحْوه فَإِنَّهُ رَجْعِيّ وَلَا مَال وَدخل براجع لجِهَة الزَّوْج وُقُوع الْعِوَض للزَّوْج ولسيده وَمَا لَو خالعت بِمَا ثَبت لَهَا من قَود أَو غَيره وَخرج بِهِ مَا لَو علق الطَّلَاق بِالْبَرَاءَةِ لَهَا على غَيره فَيصح رَجْعِيًا وَخرج بِمَعْلُوم الْعِوَض الْمَجْهُول كَثوب غير معِين فَيَقَع بَائِنا بِمهْر الْمثل
وَالْأَصْل فِي ذَلِك قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه هَنِيئًا مريئا} وَالْأَمر بِهِ فِي خبر البُخَارِيّ فِي امْرَأَة ثَابت بن قيس بقوله اقبل الحديقة وَطَلقهَا تَطْلِيقَة وَهُوَ أول خلع وَقع فِي الْإِسْلَام
وَالْمعْنَى فِيهِ أَنه لما جَازَ

(2/434)


أَن يملك الزَّوْج الِانْتِفَاع بالبضع بعوض جَازَ لَهُ (أَن يزِيل ذَلِك الْملك بعوض كالشراء وَالْبيع فَالنِّكَاح كالشراء وَالْخلْع كَالْبيع) وَأَيْضًا فِيهِ دفع الضَّرَر عَن الْمَرْأَة غَالِبا وَلكنه مَكْرُوه لما فِيهِ من قطع النِّكَاح الَّذِي هُوَ مَطْلُوب الشَّرْع لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبْغض الْحَلَال إِلَى الله تَعَالَى الطَّلَاق قَالَ فِي التَّنْبِيه إِلَّا فِي حالتين الأولى أَن يخافا أَو أَحدهمَا أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله
الثَّانِيَة أَن يحلف بِالطَّلَاق الثَّلَاث على فعل شَيْء لَا بُد لَهُ مِنْهُ فيخلعها ثمَّ يفعل الْأَمر الْمَحْلُوف عَلَيْهِ
وَذكرت فِي شَرحه صورا أُخْرَى لَا كَرَاهَة فِيهَا فَمن أَرَادَ ذَلِك فليراجعه
وأركان الْخلْع خَمْسَة مُلْتَزم للعوض وبضع وَعوض وَصِيغَة وَزوج وَشرط فِيهِ صِحَة طَلَاقه فَيصح من عبد ومحجور عَلَيْهِ بِسَفَه وَيدْفَع الْعِوَض لمَالِك أَمرهمَا من سيد وَولي وَشرط فِي الْمُلْتَزم قَابلا كَانَ أَو ملتمسا إِطْلَاق تصرف مَالِي فَلَو اخْتلعت أمة وَلَو مُكَاتبَة بِلَا إِذن سَيِّدهَا بِعَين من مَاله أَو غَيره بَانَتْ بِمهْر الْمثل فِي ذمَّتهَا أَو بدين فبالدين تبين ثمَّ مَا ثَبت فِي ذمَّتهَا إِنَّمَا تطالب بِهِ بعد الْعتْق واليسار وَإِن اخْتلعت بِإِذْنِهِ
فَإِن أطلق الْإِذْن وَجب مهر الْمثل فِي كسبها وَمِمَّا فِي يَدهَا من مَال تِجَارَة وَإِن قدر لَهَا

(2/435)


دينا فِي ذمَّتهَا تعلق الْمُقدر بذلك أَيْضا وَإِن عين لَهَا عينا من مَاله تعيّنت
وَلَو اخْتلعت محجورة بِسَفَه طلقت رَجْعِيًا ولغا ذكر المَال أَو مَرِيضَة مرض موت صَحَّ وَحسب من الثُّلُث زَائِد على مهر الْمثل
القَوْل فِي أثر الْخلْع (وتملك الْمَرْأَة) المختلعة (بِهِ نَفسهَا) أَي بضعهَا الَّذِي استخلصته بِالْعِوَضِ (وَلَا رَجْعَة لَهُ عَلَيْهَا) فِي الْعدة لانْقِطَاع سلطنته بالبينونة الْمَانِعَة من تسلطه على بضعهَا (إِلَّا بِنِكَاح) أَي بِعقد (جَدِيد) عَلَيْهَا بأركانه وشروطه الْمُتَقَدّم بَيَانهَا فِي مَوْضِعه
وَيصِح عوض الْخلْع قَلِيلا أَو كثيرا دينا وعينا وَمَنْفَعَة لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} وَلَو قَالَ إِن أبرأتيني من صداقك أَو من دينك فَأَنت طَالِق فأبرأته وَهِي جاهلة بِقَدرِهِ لم تطلق لِأَن الْإِبْرَاء لم يَصح فَلم يُوجد مَا علق عَلَيْهِ الطَّلَاق
وَلَو خَالعهَا على مَا فِي كفها وَلم يكن فِيهِ شَيْء وَقع بَائِنا بِمهْر الْمثل على الْأَرْجَح فِي الزَّوَائِد وَشرط فِي الصِّيغَة مَا مر فِيهَا فِي البيع على مَا يَأْتِي وَلَكِن لَا يضر هُنَا تخَلّل كَلَام يسير
وَلَفظ الْخلْع صَرِيح فِي الطَّلَاق فَلَا يحْتَاج مَعَه لنِيَّة لِأَنَّهُ تكَرر على لِسَان حَملَة الشَّرْع وَهَذَا مَا جرى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاج تبعا لِلْبَغوِيِّ وَغَيره وَقيل كِنَايَة فِي الطَّلَاق وَهَذَا مَا نَص عَلَيْهِ فِي مَوَاضِع من الْأُم
وَالأَصَح كَمَا فِي الرَّوْضَة أَن الْخلْع والمفاداة إِن ذكر مَعَهُمَا المَال فهما صريحان فِي الطَّلَاق لِأَن ذكره يشْعر بالبينونة وَإِلَّا فكنايتان
القَوْل فِي جَوَاز الْخلْع فِي الطُّهْر (وَيجوز الْخلْع فِي الطُّهْر) الَّذِي جَامعهَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يلْحقهُ نَدم بِظُهُور الْحمل لرضاه بِأخذ الْعِوَض وَمِنْه يعلم جَوَازه فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ من بَاب أولى
(و) يجوز أَيْضا (فِي الْحيض) لِأَنَّهَا ببذلها الْفِدَاء لخلاصها رضيت لنَفسهَا بتطويل الْعدة (وَلَا يلْحق المختلعة) فِي عدتهَا (طَلَاق) بِلَفْظ صَرِيح أَو كِنَايَة وَلَا إِيلَاء وَلَا ظِهَار لصيرورتها أَجْنَبِيَّة بافتداء بضعهَا
وَخرج بِقَيْد المختلعة الرَّجْعِيَّة فيلحقها الطَّلَاق إِلَى انْقِضَاء الْعدة لبَقَاء سلطنته عَلَيْهَا إِذْ هِيَ كَالزَّوْجَةِ فِي لُحُوق الطَّلَاق وَالْإِيلَاء وَالظَّاهِر وَاللّعان وَالْمِيرَاث
القَوْل فِي اخْتِلَاف الزَّوْجَيْنِ فِي الْخلْع تَتِمَّة لَو ادَّعَت خلعا فَأنْكر الزَّوْج صدق بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل عَدمه فَإِن أَقَامَت بَيِّنَة رجلَيْنِ عمل بهَا وَلَا مَال لِأَنَّهُ يُنكره إِلَّا أَن يعود ويعترف بِالْخلْعِ فيستحقه قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
أَو ادّعى الْخلْع فأنكرت بِأَن قَالَت لم تُطَلِّقنِي أَو طَلقنِي مجَّانا بَانَتْ بقوله وَلَا عوض عَلَيْهَا إِذْ الأَصْل عَدمه فتحلف على نَفْيه وَلها نَفَقَة الْعدة فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة بِهِ أَو شَاهدا وَحلف مَعَه ثَبت المَال كَمَا قَالَه فِي

(2/436)


الْبَيَان وَكَذَا لَو اعْترفت بعد يَمِينهَا بِمَا ادَّعَاهُ قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
وَلَو اخْتلفَا فِي عدد الطَّلَاق كقولها سَأَلتك ثَلَاث طلقات بِأَلف فأجبتني فَقَالَ وَاحِدَة بِأَلف فأجبتك أَو فِي صفة عوضه كدراهم ودنانير أَو صِحَاح ومكسرة سَوَاء اخْتلفَا فِي التَّلَفُّظ بذلك أَو فِي إِرَادَته كَأَن خَالع بِأَلف وَقَالَ أردنَا دَنَانِير فَقَالَت دِرْهَم أَو قدره كَقَوْلِه خالعتك بمائتين فَقَالَت بِمِائَة وَلَا بَيِّنَة لوَاحِد مِنْهُمَا أَو لكل مِنْهُمَا
بَيِّنَة وتعارضتا تحَالفا كالمتبايعين فِي كَيْفيَّة الْحلف وَمن يبْدَأ بِهِ وَيجب ببيونتها بِفَسْخ الْعِوَض مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا أَو الْحَاكِم مهر مثل وَإِن كَانَ أَكثر مِمَّا ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ المُرَاد فَإِن كَانَ لأَحَدهمَا بَيِّنَة عمل بهَا
وَلَو خَالع بِأَلف مثلا ونويا نوعا من نَوْعَيْنِ بِالْبَلَدِ لزم إِلْحَاقًا للمنوي بالملفوظ فَإِن لم ينويا شَيْئا حمل على الْغَالِب إِن كَانَ وَإِلَّا لزم مهر الْمثل

فصل فِي الطَّلَاق
هُوَ لُغَة حل الْقَيْد وَشرعا حل عقد النِّكَاح بِلَفْظ الطَّلَاق وَنَحْوه
وعرفه النَّوَوِيّ فِي تهذيبه بِأَنَّهُ تصرف مَمْلُوك للزَّوْج يحدثه بِلَا سَبَب فَيقطع النِّكَاح
وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع الْكتاب كَقَوْلِه تَعَالَى {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} وَالسّنة كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ شَيْء من الْحَلَال أبْغض إِلَى الله تَعَالَى من الطَّلَاق
القَوْل فِي أَرْكَان الطَّلَاق وأركانه خَمْسَة صِيغَة وَمحل وَولَايَة وَقصد وَمُطلق وَشرط فِي الْمُطلق وَلَو بِالتَّعْلِيقِ تَكْلِيف فَلَا يَصح من غير مُكَلّف لخَبر رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث إِلَّا السَّكْرَان فَيصح مَعَ أَنه غير مُكَلّف كَمَا نَقله فِي الرَّوْضَة عَن أَصْحَابنَا وَغَيرهم فِي كتب الْأُصُول تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَاخْتِيَار فَلَا يَصح من مكره وَإِن لم يور لإِطْلَاق خبر لَا طَلَاق فِي إغلاق أَي إِكْرَاه
شُرُوط الْإِكْرَاه وَشرط الْإِكْرَاه قدرَة مكره بِكَسْر الرَّاء على تَحْقِيق مَا هدد بِهِ بِولَايَة أَو تَغْلِيب عَاجلا ظلما وَعجز مكره بِفَتْح الرَّاء عَن دَفعه بهرب وَغَيره وظنه أَنه إِن امْتنع حقق مَا هدده بِهِ وَيحصل الْإِكْرَاه بتخويف بمحذور كضرب شَدِيد أَو نَحْو ذَلِك كحبس
صِيغَة الطَّلَاق صَرِيح وكناية ثمَّ شرع المُصَنّف فِي الرُّكْن الثَّانِي وَهُوَ الصِّيغَة بقوله (وَالطَّلَاق ضَرْبَان) فَقَط (صَرِيح) وَهُوَ مَا لَا يحْتَمل ظَاهره غير الطَّلَاق فَلَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة لإيقاع الطَّلَاق كَمَا سَيَأْتِي فَلَو قَالَ لم أنو بِهِ الطَّلَاق لم يقبل وَحكى الْخطابِيّ فِيهِ الْإِجْمَاع (وكناية)

(2/437)


وَهُوَ مَا يحْتَمل الطَّلَاق وَغَيره فَيحْتَاج إِلَى نِيَّة لإيقاعه كَمَا سَيَأْتِي فانحصر الطَّلَاق فِي هذَيْن الْقسمَيْنِ وَمَا وَقع للدميري فِي قَوْله لنا طَلَاق يَقع بِلَا صَرِيح وَلَا كِنَايَة وَصورته باعتراف الزَّوْجَيْنِ بفسق الشُّهُود حَالَة العقد هُوَ على وَجه ضَعِيف وَالصَّحِيح فِي الرَّوْضَة أَنَّهَا فرقة فسخ
تَنْبِيه أفهم كَلَام المُصَنّف أَنه لَا يَقع طَلَاق بنية من غير لفظ وَهُوَ كَذَلِك وَلَا بتحريك لِسَانه بِكَلِمَة الطَّلَاق إِذا لم يرفع صَوته بِقدر مَا يسمع نَفسه مَعَ اعْتِدَال سَمعه وَعدم الْمَانِع لِأَن هَذَا لَيْسَ بِكَلَام
القَوْل فِي الطَّلَاق الصَّرِيح (فالصريح ثَلَاثَة أَلْفَاظ) فَقَط كَمَا قَالَه الْأَصْحَاب (الطَّلَاق) أَي مَا اشتق مِنْهُ لاشتهاره فِيهِ لُغَة وَعرفا (و) كَذَا (الْفِرَاق والسراح) بِفَتْح السِّين أَي مَا اشتق مِنْهُمَا على الْمَشْهُور فيهمَا لورودهما فِي الْقُرْآن بِمَعْنَاهُ
وأمثلة الْمُشْتَقّ من الطَّلَاق كطلقتك وَأَنت طَالِق وَيَا مُطلقَة وَيَا طَالِق لَا أَنْت طَلَاق وَالطَّلَاق فليسا بصريحين بل كنايتان لِأَن المصادر إِنَّمَا تسْتَعْمل فِي الْأَعْيَان توسعا
وَيُقَاس بِمَا ذكر فارقتك وسرحتك فهما صريحان وَكَذَا أَنْت مُفَارقَة ومسرحة وَيَا مُفَارقَة وَيَا مسرحة وَأَنت فِرَاق والفراق وسراح والسراح كنايات
فروع لَو قَالَ أَنْت طَالِق من وثاق أَو من الْعَمَل أَو سرحتك إِلَى كَذَا كَانَ كِنَايَة إِن قصد أَن يَأْتِي بِهَذِهِ الزِّيَادَة قبل فَرَاغه من الْحلف وَإِلَّا فصريح وَيجْرِي ذَلِك فِيمَن يحلف بِالطَّلَاق من ذراعه أَو فرسه أَو رَأسه أَو نَحْو ذَلِك فَلَو أَتَى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق بدل الطَّاء كَأَن يَقُول أَنْت تالق كَانَ كِنَايَة كَمَا قَالَه بعض الْمُتَأَخِّرين سَوَاء أَكَانَت لغته كَذَلِك أم لَا وَلَو قَالَ نسَاء الْمُسلمين طَوَالِق لم تطلق زَوجته إِن لم ينْو طَلاقهَا بِنَاء على الْأَصَح من أَن الْمُتَكَلّم لَا يدْخل فِي عُمُوم كَلَامه
وترجمة لفظ الطَّلَاق بالعجمية صَرِيح لشهرة اسْتِعْمَالهَا فِي مَعْنَاهَا عِنْد أَهلهَا دون تَرْجَمَة الْفِرَاق والسراح فَإِنَّهَا كِنَايَة كَمَا صَححهُ فِي أصل الرَّوْضَة للِاخْتِلَاف فِي صراحتهما بِالْعَرَبِيَّةِ فضعفا بالترجمة
(وَلَا يفْتَقر) وُقُوع الطَّلَاق بصريحه (إِلَى النِّيَّة) إِجْمَاعًا إِلَّا فِي الْمُكْره عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يشْتَرط فِي حَقه النِّيَّة إِن نَوَاه وَقع على الْأَصَح وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا الْوَكِيل فِي الطَّلَاق يشْتَرط فِي حَقه إِذا طلق عَن مُوكله بِالصَّرِيحِ النِّيَّة إِن كَانَ لمُوكلِه زَوْجَة أُخْرَى كَمَا

(2/438)


رَجحه فِي الْخَادِم لتردده بَين زَوْجَتَيْنِ فَلَا بُد من تَمْيِيز قَالَ أما إِذا لم يكن لمُوكلِه غَيرهَا فَفِي اشْتِرَاط النِّيَّة نظر لتعين الْمحل الْقَابِل للطَّلَاق من أَهله انْتهى
وَالظَّاهِر أَنه لَا يشْتَرط
فَإِن قيل كَيفَ يُقَال إِن الصَّرِيح لَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة بِخِلَاف الْكِنَايَة مَعَ أَنه يشْتَرط قصد لفظ الطَّلَاق لمعناه وَلَا يَكْفِي قصد حُرُوف الطَّلَاق من غير قصد مَعْنَاهُ أُجِيب بِأَن كلا من الصَّرِيح وَالْكِنَايَة يشتراط فِيهِ قصد اللَّفْظ لمعناه والصريح لَا يحْتَاج إِلَى قصد الْإِيقَاع بِخِلَاف الْكِنَايَة فَلَا بُد فِيهَا من ذَلِك
فروع قَوْله الطَّلَاق لَازم لي أَو وَاجِب عَليّ صَرِيح بِخِلَاف قَوْله فرض عَليّ للْعُرْف فِي ذَلِك وَلَو قَالَ عَليّ الطَّلَاق وَسكت فَفِي الْبَحْر عَن الْمُزنِيّ أَنه كِنَايَة وَقَالَ الصَّيْمَرِيّ إِنَّه صَرِيح قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ الْحق فِي هَذَا الزَّمن لاشتهاره فِي معنى التَّطْلِيق وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر
وَقَوله لَهَا طَلَّقَك الله ولغريمه أبرأك الله ولأمته أعتقك الله صَرِيح فِي الطَّلَاق وَالْإِبْرَاء وَالْعِتْق إِذْ لَا يُطلق الله وَلَا يبرىء الله وَلَا يعْتق وَإِلَّا وَالزَّوْجَة طَالِق والغريم بَرِيء وَالْأمة مُعتقة بِخِلَاف مَا لَو قَالَ باعك الله أَو أقالك الله فَإِنَّهُ كِنَايَة لِأَن الصِّيَغ هُنَا قَوِيَّة لاستقلالها بِالْمَقْصُودِ بِخِلَاف صيغتي البيع وَالْإِقَالَة
القَوْل فِي كِنَايَة الطَّلَاق (وَالْكِنَايَة كل لفظ احْتمل الطَّلَاق وَغَيره) وَلَا يُخَالف هَذَا قَول الْبَغَوِيّ فِي تهذيبه هِيَ كل لفظ ينبىء عَن الْفرْقَة وَإِن دق وَلَا قَول الرَّافِعِيّ هِيَ مَا احْتمل مَعْنيين فَصَاعِدا إِذْ هِيَ فِي بعض الْمعَانِي أظهر لرجوع ذَلِك كُله إِلَى معنى وَاحِد
(وتفتقر) فِي وُقُوع الطَّلَاق بهَا (إِلَى النِّيَّة) إِجْمَاعًا إِذْ اللَّفْظ مُتَرَدّد بَين الطَّلَاق وَغَيره فَلَا بُد من نِيَّة تميز بَينهمَا وألفاظها كَثِيرَة لَا تكَاد تَنْحَصِر ذكر المُصَنّف بَعْضهَا فِي بعض النّسخ بقوله (مثل أَنْت خلية) أَي خَالِيَة مني وَكَذَا يقدر الْجَار وَالْمَجْرُور فِيمَا بعده (و) أَنْت (بتة) بمثناة قبل آخِره أَي مَقْطُوعَة الوصلة مَأْخُوذَة من الْبَتّ وَهُوَ الْقطع
تَنْبِيه تنكير ألبت جوزه الْفراء وَالأَصَح وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَنه لَا يسْتَعْمل إِلَّا مُعَرفا بِاللَّامِ
(و) أَنْت (بَائِن) من الْبَين وَهُوَ الْفِرَاق
تَنْبِيه قَوْله بَائِن هُوَ اللُّغَة الفصحى والقليل بَائِنَة
(و) أَنْت (حرَام) أَي مُحرمَة عَليّ مَمْنُوعَة للفرقة
(و) أَنْت (كالميتة) أَي فِي التَّحْرِيم شبه تَحْرِيمهَا عَلَيْهِ بِالطَّلَاق كتحريم الْميتَة (واغربي) بِمُعْجَمَة ثمَّ رَاء أَي صيري غَرِيبَة بِلَا زوج وَأما اعزبي بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّاي فَذكره المُصَنّف بِمَعْنَاهُ كَمَا سَيَأْتِي
(واستبرئي رَحِمك) أَي لِأَنِّي طَلقتك وَسَوَاء فِي ذَلِك الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا
(وتقنعي) أَي استري رَأسك بالقناع لِأَنِّي طَلقتك والقناع بِكَسْر الْقَاف والمقنعة بِكَسْر الْمِيم مَا تغطي بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا ومحاسنها
(وابعدي) أَي مني لِأَنِّي طَلقتك (واذهبي) أَي عني لِأَنِّي طَلقتك هما بِمَعْنى اعزبي بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّاي (والحقي بأهلك) بِكَسْر الْهمزَة وَفتح الْحَاء وَقيل بِالْعَكْسِ وَجعله المطرزي خطأ أَي لِأَنِّي طَلقتك سَوَاء أَكَانَ لَهَا أهل أم لَا
(وَمَا أشبهه ذَلِك) من أَلْفَاظ الْكِنَايَات كتجردي وتزودي أَي استعدي للحوق بأهلك وَلَا حَاجَة لي فِيك أَي لِأَنِّي طَلقتك وذوقي أَي مرَارَة الْفِرَاق وحبلك على غاربك أَي خليت سَبِيلك كَمَا يخلى الْبَعِير فِي الصَّحرَاء وزمامه على غاربه وَهُوَ مَا تقدم من الظّهْر وارتفع من الْعُنُق ليرعى كَيفَ شَاءَ وَلَا أنده سربك من النده وَهُوَ الزّجر

(2/439)


أَي لَا أهتم بشأنك لِأَنِّي طَلقتك
والسرب بِفَتْح السِّين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ الْإِبِل وَمَا يرْعَى من المَال أما بِكَسْر السِّين فالجماعة من الظباء وَالْبَقر وَيجوز كسر السِّين هُنَا
وَخرج بِقَيْد شبه مَا ذكر مَا لَا يُشبههُ من الْأَلْفَاظ نَحْو بَارك الله لي فِيك وأطعميني واسقيني وزوديني وقومي واقعدي وَنَحْو ذَلِك فَلَا يَقع بِهِ طَلَاق وَإِن نَوَاه لِأَن اللَّفْظ لَا يصلح لَهُ
القَوْل فِي شُرُوط وُقُوع الطَّلَاق بِالْكِنَايَةِ (فَإِن نوى بِجَمِيعِ ذَلِك) أَي بِلَفْظ من أَلْفَاظه (الطَّلَاق) فِيهِ (وَقع) إِن اقْترن بِكُل اللَّفْظ كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ وَقيل يَكْفِي اقترانها بأوله وينسحب مَا بعده عَلَيْهِ وَرجحه الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيّ وَالَّذِي رَجحه ابْن الْمقري وَهُوَ الْمُعْتَمد أَنه يَكْفِي اقترانها بِبَعْض اللَّفْظ سَوَاء أَكَانَ من أَوله أَو وَسطه أَو آخِره إِذْ الْيَمين إِنَّمَا تعْتَبر بِتَمَامِهَا
تَنْبِيه اللَّفْظ الَّذِي يعْتَبر قرن النِّيَّة بِهِ هُوَ لفظ الْكِنَايَة كَمَا صرح بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ والبندنيجي لَكِن مثل لَهُ الرَّافِعِيّ تبعا لجَماعَة بقرنها بأنت من أَنْت بَائِن مثلا وَصوب فِي الْمُهِمَّات الأول لِأَن الْكَلَام فِي الْكِنَايَات
وَالْأَوْجه الِاكْتِفَاء بِمَا قَالَه الرَّافِعِيّ لِأَن أَنْت وَإِن لم يكن جُزْءا من الْكِنَايَة فَهُوَ كالجزء مِنْهَا لِأَن مَعْنَاهَا الْمَقْصُود لَا يتَأَدَّى بِدُونِهِ
(وَإِن لم يُنَوّه) بِلَفْظ من أَلْفَاظ الْكِنَايَات الْمَذْكُورَة (لم يَقع) طَلَاق لعدم قَصده وَإِشَارَة نَاطِق وَإِن فهمها كل أحد بِطَلَاق كَأَن قَالَت لَهُ زَوجته طَلقنِي فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن اذهبي لَغْو لَا يَقع بِهِ شَيْء لِأَن عدوله عَن الْعبارَة إِلَى الْإِشَارَة يفهم أَنه غير قَاصد للطَّلَاق وَإِن قَصده بهَا فَهِيَ لَا تقصد للإفهام إِلَّا نَادرا
ويعتد بِإِشَارَة أخرس وَلَو قدر على الْكِتَابَة كَمَا صرح بِهِ الإِمَام فِي الْعُقُود كَالْبيع وَفِي الأقارير وَفِي الدَّعَاوَى وَفِي الْحُلُول كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْق وَاسْتثنى فِي الدقائق شَهَادَته وإشارته فِي الصَّلَاة فَلَا يعْتد بهَا وَلَا يَحْنَث بهَا فِي الْحلف على عدم الْكَلَام فَإِن فهم طَلَاقه مثلا بإشارته كل أحد من فطن وَغَيره فصريحة لَا تحْتَاج لنِيَّة وَإِن اخْتصَّ بطلاقه بإشارته فطنون فكناية تحْتَاج إِلَى النِّيَّة
تَتِمَّة لَو قَالَ لزوجته إِن أبرأتني من دينك فَأَنت طَالِق فأبرأته بَرَاءَة صَحِيحَة وَقع الطَّلَاق بَائِنا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ لغَيْرهَا إِن أبرأتني من دينك فزوجتي طَالِق فأبرأته بَرَاءَة صَحِيحَة وَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا لِأَنَّهُ تَعْلِيق مَحْض
وَلَو قَالَ لزوجته إِن دخلت الْبَيْت وَوجدت فِيهِ شَيْئا من متاعك وَلم أكسره على رَأسك فَأَنت طَالِق فَوجدَ فِي الْبَيْت هونا لَهَا لم تطلق كَمَا جزم بِهِ الْخَوَارِزْمِيّ وَرجحه الزَّرْكَشِيّ للاستحالة وَقيل تطلق قبيل مَوته أَو مَوتهَا لليأس وَلَو قَالَ لزوجته إِن قبلت ضرتك فَأَنت طَالِق فقبلها ميتَة لم تطلق بِخِلَاف تَعْلِيقه بتقبيل أمه فَإِنَّهَا تطلق بتقبيله لَهَا ميتَة إِذْ قبْلَة الزَّوْجَة قبْلَة شَهْوَة وَلَا شَهْوَة بعد الْمَوْت وَالأُم لَا فرق فِيهَا بَين الْحَيَاة وَالْمَوْت لِأَن قبلتها قبْلَة شَفَقَة وكرامة أكرمنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَجَمِيع أهلنا ومشايخنا وأصحابنا وَالْمُسْلِمين بِالنّظرِ إِلَى وَجهه الْكَرِيم

(2/440)


فصل فِي طَلَاق السّني
وَغَيره والترجمة بِالْفَصْلِ سَاقِطَة فِي أَكثر النّسخ وَهُوَ فِي الطَّلَاق السّني وَغَيره وَفِيه اصطلاحان أَحدهمَا وَهُوَ أضبط يَنْقَسِم إِلَى سني وبدعي وَثَانِيهمَا وَهُوَ أشهر يَنْقَسِم إِلَى سني وبدعي وَلَا وَلَا وَيعلم ذَلِك من كَلَام المُصَنّف
الْأَحْكَام الَّتِي تعتري الطَّلَاق فَائِدَة قسم جمَاعَة الطَّلَاق إِلَى الْأَحْكَام الْخَمْسَة وَاجِب كَطَلَاق الحكم فِي الشقاق ومندوب كَطَلَاق زَوْجَة حَالهَا غير مُسْتَقِيم كَأَن تكون غير عفيفة وَحرَام كَالطَّلَاقِ البدعي كَمَا سَيَأْتِي ومكروه كَطَلَاق مُسْتَقِيمَة الْحَال وَعَلِيهِ حمل أبْغض الْحَلَال إِلَى الله تَعَالَى الطَّلَاق
وَأَشَارَ الإِمَام إِلَى الْمُبَاح بِطَلَاق من لَا يهواها الزَّوْج وَلَا تسمح نَفسه بمؤنتها من غير استمتاع بهَا
(وَالنِّسَاء فِيهِ) أَي فِي حكم الطَّلَاق (ضَرْبَان ضرب فِي طلاقهن سنة) أَي لَا تَحْرِيم فِيهِ (وبدعة) أَي حرَام (وَهن ذَوَات الْحيض) وَأَشَارَ إِلَى الْقسم الأول بقوله (فَالسنة) أَي السّني
(أَن يُوقع الطَّلَاق) على مَدْخُول بهَا لَيست بحامل وَلَا صَغِيرَة وَلَا آيسة (فِي طهر غير مجامع فِيهِ) وَلَا فِي حيض قبله وَذَلِكَ لاستعقابه الشُّرُوع فِي الْعدة وَعدم النَّدَم فِيمَن ذكرت وَقد قَالَ تَعَالَى {إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} أَي فِي الْوَقْت الَّذِي يشرعن فِيهِ فِي الْعدة
على مَدْخُول بهَا (فِي الْحيض أَو فِي طهر جَامعهَا فِيهِ) وَهِي مِمَّن تحبل أَو فِي حيض قبله وَإِن سَأَلته طَلَاقا بِلَا عوض أَو اختلعها أَجْنَبِي وَذَلِكَ لمُخَالفَته فِيمَا إِذا طَلقهَا فِي حيض لقَوْله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} وزمن الْحيض

(2/441)


الطَّلَاق البدعي وَأَشَارَ إِلَى الْقسم الثَّانِي بقوله (والبدعة أَن يُوقع الطَّلَاق) لَا يحْسب من الْعدة وَمثله النّفاس وَالْمعْنَى فِي ذَلِك تضررها بطول مُدَّة التَّرَبُّص ولأدائه إِلَى النَّدَم فِيمَن تحمل إِذا ظهر حملهَا فَإِن الْإِنْسَان قد يُطلق الْحَائِل دون الْحَامِل وَعند النَّدَم قد لَا يُمكنهُ التَّدَارُك فيتضرر هول وَخرج بِقَيْد الْإِيقَاع تَعْلِيق الطَّلَاق فَلَا يحرم فِي الْحيض لَكِن إِن وجدت الصّفة فِي الطُّهْر سمي سنيا وَإِن وجدت فِي الْحيض سمي بدعيا وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَحْكَام البدعي إِلَّا أَنه لَا إِثْم فِيهِ بِاتِّفَاق الْأَصْحَاب فِي كل الطّرق كَمَا قَالَه فِي الزَّوَائِد
نعم إِن أوقع الصّفة فِي الْحيض بِاخْتِيَارِهِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ أَنه يَأْثَم بإيقاعه فِي الْحيض كإنشائه الطَّلَاق فِيهِ
وَخرج بِقَيْد الطَّلَاق فِي السّني والبدعي الفسوخ فَإِنَّهَا لَا تَنْقَسِم إِلَى سني وَلَا إِلَى بدعي قَالَ فِي الرَّوْضَة لِأَنَّهَا شرعت لدفع مضار زَائِدَة فَلَا يَلِيق بهَا تَكْلِيف مراقبة الْأَوْقَات وبقيد قَوْله فِي الْحيض مَا إِذا وَافق قَوْله أَنْت زمن الطُّهْر وَطَالِق زمن الْحيض فَهَل يكون سنيا أَو بدعيا وَهِي مَسْأَلَة عزيزة النَّقْل ذكرهَا ابْن الرّفْعَة فِي غير مظنتها فِي بَاب الْكَفَّارَات وَنقل فِيهَا عَن بن شُرَيْح وَأقرهُ أَنه قَالَ يحْسب لَهَا الزَّمن الَّذِي وَقع فِيهِ قَوْله أَنْت فَقَط قرءا وَيكون الطَّلَاق سنيا قَالَ وَهُوَ من بَاب تَرْتِيب الحكم على أول أَجْزَائِهِ لِأَن الطَّلَاق لَا يَقع بقوله أَنْت بمفرده اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا يَقع بِمَجْمُوع قَوْله أَنْت طَالِق انْتهى
تَنْبِيهَات أَحدهَا قَضِيَّة تَقْيِيد المُصَنّف بِالْجِمَاعِ قصر الحكم عَلَيْهِ وَلَيْسَ مرَادا
بل لَو استدخلت مَاءَهُ الْمُحْتَرَم كَانَ الحكم كَذَلِك
وَكَذَا الْوَطْء فِي الدبر على الْأَصَح كَمَا فِي الرَّوْضَة لثُبُوت النّسَب وَوُجُوب الْعدة بِهِ
التَّنْبِيه الثَّانِي ظَاهر كَلَامه حصر البدعي فِيمَا ذكره وَلَيْسَ مُرَاد بل بَقِي مِنْهُ قسم آخر مَذْكُور فِي الرَّوْضَة وَهُوَ فِي حق من لَهُ زوجتان وَقسم لإحداهما ثمَّ طلق الْأُخْرَى قبل الْمبيت عِنْدهَا وَلَو نكح حَامِلا من زنا ثمَّ دخل بهَا ثمَّ طَلقهَا نظر إِن لم تَحض فبدعي لِأَنَّهَا لَا تشرع فِي الْعدة إِلَّا بعد الْوَضع وَالنّفاس وَإِلَّا فَإِن طَلقهَا فِي الطُّهْر فسني أَو فِي الْحيض فبدعي
كَمَا يُؤْخَذ من كَلَامهم
وَأما الْمَوْطُوءَة بِشُبْهَة إِذا حبلت مِنْهُ ثمَّ طَلقهَا طَاهِرا فَإِنَّهُ بدعي
التَّنْبِيه الثَّالِث يسْتَثْنى من الطَّلَاق فِي الْحيض صور مِنْهَا الْحَامِل إِذا حَاضَت فَلَا يحرم طَلاقهَا
لِأَن عدتهَا بِالْوَضْعِ
وَمِنْهَا مَا لَو كَانَت الزَّوْج أمة وَقَالَ لَهَا سَيِّدهَا إِن طَلَّقَك الزَّوْج الْيَوْم فَأَنت حرَّة فَسَأَلت الزَّوْج الطَّلَاق لأجل الْعتْق فَطلقهَا لم يحرم فَإِن دوَام الرّقّ أضرّ بهَا من تَطْوِيل الْعدة وَقد لَا يسمح بِهِ السَّيِّد بعد ذَلِك أَو يَمُوت فيدوم أسرها بِالرّقِّ قَالَه الْأَذْرَعِيّ بحثا وَهُوَ حسن
وَمِنْهَا طَلَاق الْمُتَحَيِّرَة فَلَيْسَ بسني وَلَا بدعي
وَمِنْهَا طَلَاق الْحكمَيْنِ فِي صُورَة الشقاق وَمِنْهَا طَلَاق الْمولى إِذا طُولِبَ فِي الْحيض ثَانِيَة
وَمِنْهَا مَا لَو خَالعهَا على عوض لإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا} وَإِن توقف فِيهِ

(2/442)


الرَّافِعِيّ وَمِنْهَا مَا لَو طَلقهَا فِي الطُّهْر طَلْقَة ثمَّ طَلقهَا {فِيمَا افتدت بِهِ} ولحاجتها إِلَى الْخَلَاص بالمفارقة حَيْثُ افتدت بِالْمَالِ وَهَذَا لَيْسَ بسني وَلَا بدعي وَهُوَ وَارِد على قَول المُصَنّف
طَلَاق لَيْسَ بدعيا وَلَا سنيا (وَضرب لَيْسَ فِي طلاقهن سنة وَلَا بِدعَة) على الْمَشْهُور من الْمَذْهَب كَمَا فِي الرَّوْضَة (وَهن أَربع) الأولى (الصَّغِيرَة) الَّتِي لم تَحض (و) الثَّانِيَة (الآيسة) لِأَن عدتهما بِالْأَشْهرِ فَلَا ضَرَر يلحقهما (و) الثَّالِثَة (الْحَامِل) الَّتِي ظهر حملهَا لِأَن عدتهَا بوضعها فَلَا تخْتَلف الْمدَّة فِي حَقّهَا وَلَا نَدم بعد ظُهُور الْحمل (و) الرَّابِعَة (المختلعة الَّتِي لم يدْخل بهَا) إِذْ لَا عدَّة عَلَيْهَا
مَا يطْلب مِمَّن يُطلق بدعيا تَتِمَّة من طلق بدعيا سنّ لَهُ الرّجْعَة ثمَّ بعْدهَا إِن شَاءَ طلق بعد تَمام طهر لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا طلق زَوجته وَهِي حَائِض فَذكر ذَلِك عمر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مره فَلْيُرَاجِعهَا ثمَّ ليُطَلِّقهَا طَاهِرا أَي قبل أَن يَمَسهَا إِن أَرَادَ كَمَا صرح بِهِ فِي بعض رواياتهما وَلَو قَالَ لحائض ممسوسة أَو نفسَاء أَنْت طَالِق للبدعة وَقع الطَّلَاق فِي الْحَال أَو أَنْت طَالِق للسّنة فَيَقَع الطَّلَاق حِين تطهر وَلَو قَالَ لمن فِي طهر لم تمس فِيهِ أَنْت طَالِق للسّنة وَقع فِي الْحَال فِي وَإِن مست فِيهِ فحين تطهر بعد الْحيض أَو للبدعة وَقع فِي الْحَال إِن مست فِيهِ أَو حيض قبله وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة حَسَنَة أَو أحسن الطَّلَاق أَو أفضله أَو أعدله أَو أجمله فكالسنة أَو طَلْقَة قبيحة أَو أقبح الطَّلَاق أَو أسمجه أَو أفحشه فكالبدعة وَقَوله لَهَا طَلقتك طَلَاقا كالثلج أَو كالنار يَقع الطَّلَاق فِي الْحَال وَيَلْغُو التَّشْبِيه الْمَذْكُور

فصل فِيمَا يملكهُ الزَّوْج من الطلقات
وَفِي الِاسْتِثْنَاء وَالتَّعْلِيق وَالْمحل الْقَابِل للطَّلَاق وشروط الْمُطلق
وَقد شرع فِي الْقسم الأول وَهُوَ عدد الطلقات بقوله (وَيملك الْحر) على زَوجته سَوَاء أَكَانَت حرَّة أَو أمة (ثَلَاث تَطْلِيقَات) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ من قَوْله تَعَالَى {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} فَأَيْنَ الثَّالِثَة فَقَالَ أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان وَإِنَّمَا لم يعتبروا رق الزَّوْجَة لِأَن الِاعْتِبَار فِي الطَّلَاق بِالزَّوْجِ لما رُوِيَ الْبَيْهَقِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالْعدة بِالنسَاء
وَلَا يحرم جمع الطلقات لِأَن عويمرا الْعجْلَاني لما لَاعن امْرَأَته عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلقهَا ثَلَاثًا قبل أَن يُخبرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلم أَنَّهَا تبين بِاللّعانِ مُتَّفق عَلَيْهِ
فَلَو كَانَ إِيقَاع الثَّلَاث حَرَامًا لنهاه عَن ذَلِك ليعلمه هُوَ وَمن حَضَره

(2/443)


(و) يملك (العَبْد طَلْقَتَيْنِ) فَقَط وَإِن كَانَت زَوجته حرَّة لما روى الدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعا طَلَاق العَبْد طَلْقَتَانِ وَالْمكَاتب والمبعض وَالْمُدبر كالقن وَإِنَّمَا لم يعتبروا حريَّة الزَّوْجَة لما مر
تَنْبِيه قد يملك العَبْد ثَالِثَة كذمي
طلق زَوجته طَلْقَتَيْنِ ثمَّ الْتحق بدار الْحَرْب واسترق ثمَّ أَرَادَ نِكَاحهَا فَإِنَّهَا تحل لَهُ على الْأَصَح وَيملك عَلَيْهَا الثَّالِثَة لِأَنَّهَا لم تحرم عَلَيْهِ بالطلقتين وطريان الرّقّ لَا يمْنَع الْحل السَّابِق بِخِلَاف مَا لَو طَلقهَا طَلْقَة ثمَّ اسْترق فَإِنَّهَا تعود لَهُ بِطَلْقَة فَقَط لِأَنَّهُ رق قبل اسْتِيفَاء عدد العبيد
القَوْل فِي الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّلَاق ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الِاسْتِثْنَاء بقوله (وَيصِح الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّلَاق) لوُقُوعه فِي الْقُرْآن وَالسّنة وَكَلَام الْعَرَب وَهُوَ الْإِخْرَاج بإلا أَو إِحْدَى أخواتها ولصحته شُرُوط خَمْسَة وَهِي (إِذا وَصله بِهِ) أَي الْيَمين ونواه قبل فَرَاغه وَقصد بِهِ رفع حكم الْيَمين وتلفظ بِهِ مسمعا بِهِ نَفسه وَلم يسْتَغْرق فَلَو انْفَصل زَائِدا على سكتة النَّفس ضرّ أما لَو سكت لتنفس أَو انْقِطَاع صَوت فَإِنَّهُ لَا يضر لِأَن ذَلِك لَا يعد فاصلا بِخِلَاف الْكَلَام الْأَجْنَبِيّ وَلَو يَسِيرا أَو نَوَاه بعد فرَاغ الْيَمين ضرّ بِخِلَاف مَا إِذا نَوَاه قبلهَا لِأَن الْيَمين إِنَّمَا تعْتَبر بِتَمَامِهَا وَذَلِكَ صَادِق بِأَن ينويه أَولهَا أَو آخرهَا أَو مَا بَينهمَا أَو لم يقْصد بِهِ رفع حكم الْيَمين أَو لم قصد بِهِ رفع حكم الْيَمين وَلم يتَلَفَّظ بِهِ أَو تلفظ بِهِ وَلم يسمع بِهِ نَفسه عِنْد اعْتِدَال سَمعه أَو استغرق الْمُسْتَثْنى مِنْهُ ضرّ والمستغرق بَاطِل بِالْإِجْمَاع كَمَا قَالَه الإِمَام والآمدي فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا لم يَصح الِاسْتِثْنَاء وَطلقت ثَلَاثًا
وَيصِح تَقْدِيم الْمُسْتَثْنى على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ كَأَنْت إِلَّا وَاحِدَة طَالِق ثَلَاثًا وَالِاسْتِثْنَاء يعْتَبر من الملفوظ بِهِ لَا من الْمَمْلُوك فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق خمْسا إِلَّا ثَلَاثًا وَقع طَلْقَتَانِ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا نصف طَلْقَة وَقع ثَلَاثًا لِأَنَّهُ إِذا اسْتثْنى من طَلْقَة بعض طَلْقَة بَقِي بَعْضهَا وَمَتى بَقِي كملت
تَنْبِيه يُطلق الِاسْتِثْنَاء شرعا عل التَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله تَعَالَى كَقَوْلِه أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَو إِن لم يَشَأْ الله تَعَالَى طَلَاقك
وَقصد التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ فِي الأولى وبعدمها فِي الثَّانِيَة قبل فرَاغ الطَّلَاق لم يَحْنَث لِأَن الْمُعَلق عَلَيْهِ من مَشِيئَة الله تَعَالَى وَعدمهَا غير مَعْلُوم فَإِن لم يقْصد بِالْمَشِيئَةِ التَّعْلِيق بِأَن سبق إِلَى لِسَانه لتعوده بهَا كَمَا هُوَ الْأَدَب أَو قَصدهَا بعد الْفَرَاغ من الطَّلَاق أَو قصد بهَا التَّبَرُّك أَو أَن كل شَيْء بِمَشِيئَة الله تَعَالَى أَو لم يعلم هَل قصد التَّعْلِيق أم لَا حنث وَكَذَا إِن أطلق كَمَا هُوَ قَضِيَّة كَلَامهم
وَكَذَا يمْنَع التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ انْعِقَاد نِيَّة وضوء أَو صَلَاة أوصوم أوغيرها عِنْد قصد التَّعْلِيق وانعقاد تَعْلِيق وانعقاد عتق وانعقاد يَمِين

(2/444)


وانعقاد نذر وانعقاد كل تصرف غير مَا ذكر مِمَّا حَقه الْجَزْم كَبيع وَإِقْرَار وَإِجَارَة
وَلَو قَالَ يَا طَالِق إِن شَاءَ الله وَقع طَلْقَة فِي الْأَصَح نظرا لصورة النداء الْمشعر بِحُصُول الطَّلَاق حَالَته
وَالْحَاصِل لَا يعلق بِخِلَاف أَنْت طَالِق فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ قد يسْتَعْمل عِنْد الْقرب مِنْهُ وتوقع الْحُصُول كَمَا يُقَال للقريب من الْوُصُول أَنْت وَاصل وللمريض المتوقع شفاؤه أَنْت صَحِيح فينتظم الِاسْتِثْنَاء فِي مثله
القَوْل فِي تَعْلِيق الطَّلَاق بِالصّفةِ وَالشّرط ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّالِث وَهُوَ التَّعْلِيق بقوله (وَيصِح تَعْلِيقه) أَي الطَّلَاق قِيَاسا على الْعتْق (بِالصّفةِ) فَتطلق عِنْد وجودهَا فَإِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق فِي شهر كَذَا أَو فِي غرته أَو فِي رَأسه أَو فِي أَوله وَقع الطَّلَاق مَعَ أول جُزْء من اللَّيْلَة الأولى مِنْهُ
أَو أَنْت طَالِق فِي نَهَار كَذَا من شهر كَذَا أَو أول يَوْم مِنْهُ فَتطلق بِأول فجر يَوْم مِنْهُ أَو أَنْت طَالِق فِي آخر شهر كَذَا أَو سلخه فَتطلق بآخر جُزْء من الشَّهْر وَإِن علق بِأول آخِره طلقت بِأول الْيَوْم الْأَخير مِنْهُ لِأَنَّهُ أول آخِره وَلَو علق بآخر أَوله طلقت بآخر الْيَوْم الأول مِنْهُ لِأَنَّهُ آخر أَوله وَلَو علق بانتصاف الشَّهْر طلقت بغروب شمس الْخَامِس عشر وَإِن نقص الشَّهْر لِأَن الْمَفْهُوم من ذَلِك وَلَو علق بِنصْف نصفه الأول طلقت بِطُلُوع فجر الثَّامِن لِأَن نصف نصفه سبع لَيَال وَنصف وَسَبْعَة أَيَّام وَنصف وَاللَّيْل سَابق النَّهَار فيقابل نصف لَيْلَة بِنصْف يَوْم وَيجْعَل ثَمَان لَيَال وَسَبْعَة أَيَّام نصفا وَسبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام نصفا وَلَو علق بِمَا بَين اللَّيْل وَالنَّهَار طلقت بالغروب إِن علق نَهَارا وبالفجر إِن علق لَيْلًا إِذا كل مِنْهُمَا عبارَة عَن مَجْمُوع جُزْء من اللَّيْل وجزء من النَّهَار إِذْ لَا فاصل بَين الزمانين
وَقَوله (وَالشّرط) مجرور عطفا على الصّفة قَالَ فِي الْمطلب وَقد استؤنس لجَوَاز تَعْلِيق الطَّلَاق بِالشّرطِ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم انْتهى
وأدوات التَّعْلِيق بِالشّرطِ وَالصِّفَات إِن وَهِي أم الْبَاب نَحْو إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وَمن بِفَتْح الْمِيم كمن دخلت من نسَائِي الدَّار فَهِيَ طَالِق وَإِذا وَمَتى وَمَتى مَا بِزِيَادَة مَا وَكلما نَحْو كلما دخلت الدَّار وَاحِدَة من نسَائِي فَهِيَ طَالِق

(2/445)


وَأي كأي وَقت دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق
وَمن الأدوات إِذْ مَا على رَأْي سِيبَوَيْهٍ وَمهما وَهِي بِمَعْنى مَا وَمَا الشّرطِيَّة وَإِذ مَا وأيا مَا كلمة وأيان وَهِي كمتى فِي تَعْمِيم الْأَزْمَان وَأَيْنَ وحيثما لتعميم الْأَمْكِنَة وَكَيف وكيفما للتعليق على الْأَحْوَال
وَفِي فَتَاوَى الْغَزالِيّ أَن التَّعْلِيق يكون بِلَا فِي بلد عَم الْعرف فِيهَا كَقَوْل أهل بَغْدَاد أَنْت طَالِق لَا دخلت الدَّار وَيكون التَّعْلِيق أَيْضا بلو كَأَنْت طَالِق لَو دخلت الدَّار كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
وَهَذِه الأدوات لَا تَقْتَضِي الْوُقُوع بِالْوَضْعِ فَوْرًا فِي الْمُعَلق عَلَيْهِ وَلَا تراخيا إِن علق بمثبت كالدخول فِي غير خلع أما فِيهِ فَإِنَّهَا تفِيد الْفَوْرِيَّة فِي بعض صيغه كَإِن وَإِذا كَإِن ضمنت أَو إِذا ضمنت لي ألفا فَأَنت طَالِق وَكَذَا تفِيد الْفَوْرِيَّة فِي التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ نَحْو أَنْت طَالِق إِن شِئْت أَو إِذا شِئْت لِأَنَّهُ تمْلِيك على الصَّحِيح بِخِلَاف مَتى شِئْت
وَلَا تَقْتَضِي هَذِه الأدوات تكرارية فِي الْمُعَلق عَلَيْهِ بل إِذا وجد مرّة وَاحِدَة فِي غير نِسْيَان وَلَا إِكْرَاه انْحَلَّت الْيَمين وَلم يُؤثر وجودهَا ثَانِيًا إِلَّا فِي كلما فَإِن التَّعْلِيق بهَا يُفِيد التّكْرَار فَلَو قَالَ من لَهُ عبيد وَتَحْته أَربع نسْوَة إِن طلقت وَاحِدَة فعبد من عَبِيدِي حر أَو اثْنَتَيْنِ فعبدان أَو ثَلَاثًا فَثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة فَأَرْبَعَة وطلق أَرْبعا مَعًا أَو مُرَتبا عتق عشرَة وَاحِد بِطَلَاق الأولى وَاثْنَانِ بِطَلَاق الثَّانِيَة وَثَلَاثَة بِطَلَاق الثَّالِثَة وَأَرْبَعَة بِطَلَاق الرَّابِعَة ومجموع ذَلِك عشرَة وَلَو علق بكلما فخمسة عشر لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التّكْرَار كَمَا مر لِأَن فِيهَا أَرْبَعَة آحَاد واثنتين مرَّتَيْنِ وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة فَيعتق وَاحِد بِطَلَاق الأولى وَثَلَاث بِطَلَاق الثَّانِيَة لِأَنَّهُ صدق بِهِ طَلَاق وَاحِدَة وَطَلَاق ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعَة بِطَلَاق الثَّالِثَة لِأَنَّهُ صدق عَلَيْهِ طَلَاق وَلَا طَلَاق وَاحِدَة ثَلَاث وَسَبْعَة بِطَلَاق الرَّابِعَة لِأَنَّهُ صدق عَلَيْهِ طَلَاق وَاحِدَة وَطَلَاق ثِنْتَيْنِ غير الْأَوليين وَطَلَاق أَرْبَعَة ومجموع ذَلِك خَمْسَة عشر
ثمَّ شرع فِي الْقسم الرَّابِع وَهُوَ الْمحل بقوله (وَلَا يَقع الطَّلَاق) الْمُعَلق (قبل النِّكَاح) بعد وجوده لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا طَلَاق إِلَّا بعد نِكَاح صَححهُ التِّرْمِذِيّ
الْقسم الْخَامِس وَهُوَ شُرُوط الْمُطلق ثمَّ شرع فِي الْقسم الْخَامِس وَهُوَ شُرُوط الْمُطلق بقوله (وَأَرْبع لَا يَقع طلاقهم) بتنجيز وَلَا تَعْلِيق الأول (الصَّبِي) وَالثَّانِي

(2/446)


(الْمَجْنُون و) الثَّالِث (النَّائِم) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث
عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ صَححهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره
وَحَيْثُ ارْتَفع عَنْهُم الْقَلَم بَطل تصرفهم نعم لَو طَرَأَ الْجُنُون من سكر تعدى بِهِ صَحَّ تصرفه لِأَنَّهُ لَو طلق فِي هَذَا الْجُنُون وَقع طَلَاقه على الْمَذْهَب الْمَنْصُوص فِي كتب الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة
والمبرسم وَالْمَعْتُوه وَهُوَ النَّاقِص الْعقل كَمَا فِي الصِّحَاح كَالْمَجْنُونِ (و) الرَّابِع (الْمُكْره) بِفَتْح الرَّاء على طَلَاق زَوجته لَا يَقع خلافًا لأبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ وَلخَبَر لَا طَلَاق فِي إغلاق أَي إِكْرَاه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصحح إِسْنَاده على شَرط مُسلم
فَإِن ظهر من الْمُكْره قرينَة اخْتِيَار مِنْهُ للطَّلَاق كَأَن أكره على ثَلَاث طلقات فَطلق وَاحِدَة أَو على طَلَاق صَرِيح فكنى وَنوى أَو على تَعْلِيق فنجز أَو بِالْعَكْسِ لهَذِهِ الصُّور وَقع الطَّلَاق فِي الْجَمِيع لِأَن مُخَالفَته تشعر اخْتِيَاره فِيمَا أَتَى بِهِ
وَشرط حُصُول الْإِكْرَاه قدرَة الْمُكْره بِكَسْر الرَّاء على تَحْقِيق مَا هدد بِهِ الْمُكْره بِفَتْحِهَا تهديد عَاجلا ظلما بِولَايَة أَو تغلب وَعجز الْمُكْره بِفَتْح الرَّاء عَن دفع الْمُكْره بِكَسْرِهَا بهرب أَو غَيره كاستغاثة بِغَيْرِهِ وظنه أَنه إِن امْتنع من فعل مَا أكره عَلَيْهِ حقق فعل مَا خَوفه بِهِ لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق الْعَجز إِلَّا بِهَذِهِ الْأُمُور الثَّلَاثَة فَخرج بعاجلا مَا لَو قَالَ لأَقْتُلَنك غَدا فَلَيْسَ بإكراه وبظلما مَا لَو قَالَ ولي الْقصاص للجاني طلق زَوجتك وَإِلَّا اقتصصت مِنْك لم يكن إِكْرَاها
وَيحصل الْإِكْرَاه بتخويف بِضَرْب شَدِيد أَو حبس طَوِيل أَو إِتْلَاف مَال أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يُؤثر الْعَاقِل لأَجله الْإِقْدَام على مَا أكره عَلَيْهِ
وَيخْتَلف الْإِكْرَاه باخْتلَاف الْأَشْخَاص والأسباب الْمُكْره عَلَيْهَا فقد يكون الشَّيْء إِكْرَاها فِي شخص دون آخر وَفِي سَبَب دون آخر فالإكراه بِإِتْلَاف مَال لَا يضيق على الْمُكْره بِفَتْح الرَّاء كخمسة دَرَاهِم فِي حق الْمُوسر لَيْسَ بإكراه على الطَّلَاق لِأَن الْإِنْسَان يتحمله وَلَا يُطلق بِخِلَاف المَال الَّذِي يضيق عَلَيْهِ وَالْحَبْس فِي الْوَجِيه إِكْرَاه وَإِن قل كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ وَالضَّرْب الْيَسِير فِي أهل المروءات إِكْرَاه
وَخرج بِقَيْد طَلَاق زَوجته فِيمَا تقدم مَا إِذا أكرهه على طَلَاق زَوْجَة نَفسه بِأَن قَالَ لَهُ طلق زَوْجَتي وَإِلَّا قتلتك فَطلقهَا وَقع على الصَّحِيح لِأَنَّهُ أبلغ فِي الْإِذْن كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة
تَتِمَّة لَو قَالَ لزوجته إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فَطلقهَا طَلْقَة أَو أَكثر وَقع الْمُنجز فَقَط وَلَا يَقع مَعَه الْمُعَلق لزيادته على الْمَمْلُوك وَقيل لَا يَقع شَيْء لِأَنَّهُ لَو وَقع الْمُنجز لوقع الْمُعَلق قبله بِحكم التَّعْلِيق وَلَو وَقع الْمُعَلق لم يَقع الْمُنجز وَإِذا لم يَقع الْمُنجز لم يَقع الْمُعَلق وَهَذِه الْمَسْأَلَة تسمى السريجية منسوبة لِابْنِ سُرَيج وَجرى عَلَيْهَا كثير من الْأَصْحَاب وَالْأول هُوَ مَا صَححهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمد
وَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين لَا يجوز التَّقْلِيد فِي عدم الْوُقُوع وَقَالَ ابْن الصّباغ وددت لَو محيت هَذِه الْمَسْأَلَة وَابْن سُرَيج بَرِيء مِمَّا نسب إِلَيْهِ فِيهَا
وَلَو علق الطَّلَاق بمستحيل عرفا كصعود السَّمَاء والطيران أَو عقلا كالجمع بَين الضدين أَو شرعا كنسخ صَوْم رَمَضَان لم تطلق لِأَنَّهُ لم ينجز الطَّلَاق وَإِنَّمَا علقه على صفة لم تُوجد
وَالْيَمِين فِيمَا ذكر منعقدة حَتَّى يَحْنَث بهَا الْمُعَلق

(2/447)


على الْحلف
وَلَو قَالَ لزوجته إِن كلمت زيدا فَأَنت طَالِق فكلمت حَائِطا مثلا وَهُوَ يسمع لم يَحْنَث فِي أصح الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا لم تكَلمه
وَلَو قَالَ لَهَا إِن كلمت رجلا فَأَنت طَالِق فكلمت أَبَاهَا أَو أحدا من محارمها طلقت لوُجُود الصّفة فَإِن قَالَ قصدت منعهَا من مكالمة الْأَجَانِب قبل مِنْهُ لِأَنَّهُ الظَّاهِر
وفروع الطَّلَاق لَا تَنْحَصِر وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة لمن وَفقه الله لهَذَا الْمُخْتَصر الَّذِي عَم نَفعه فِي الْوُجُود ونفع الله تَعَالَى بِهِ ورحم مُؤَلفه وشارحيه
آمين