الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل فِي الْعدَد
مَأْخُوذَة من الْعدَد لاشتمالها على عدد من الْأَقْرَاء أَو الْأَشْهر غَالِبا وَهِي فِي الشَّرْع اسْم لمُدَّة تَتَرَبَّص فِيهَا الْمَرْأَة لمعْرِفَة بَرَاءَة رَحمهَا أَو للتعبد أَو لتفجعها على زَوجهَا
وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع الْآيَات وَالْأَخْبَار الْآتِيَة وشرعت صِيَانة للأنساب وتحصينا لَهَا من الِاخْتِلَاط رِعَايَة لحق الزَّوْجَيْنِ وَالْولد والناكح الثَّانِي والمغلب فِيهَا التَّعَبُّد بِدَلِيل أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي بقرء وَاحِد مَعَ حُصُول الْبَرَاءَة بِهِ (والمعتدة) من النِّسَاء (على ضَرْبَيْنِ متوفى عَنْهَا وَغير متوفى عَنْهَا) سلك المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَقْسِيم الْأَحْكَام الْآتِيَة طَريقَة حَسَنَة مَعَ الِاخْتِصَار ثمَّ بَدَأَ بِالضَّرْبِ الأول فَقَالَ (فالمتوفى عَنْهَا) حرَّة كَانَت أَو أمة (إِن كَانَت حَامِلا) بِولد يلْحق الْمَيِّت
(فعدتها بِوَضْع الْحمل) أَي انْفِصَال كُله حَتَّى ثَانِي توأمين وَلَو بعد الْوَفَاة
لقَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} هُوَ مُقَيّد لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا}

(2/465)


وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسبيعة الأسْلَمِيَّة وَقد وضعت بعد موت زَوجهَا بِنصْف شهر قد حللت فَانْكِحِي من شِئْت مُتَّفق عَلَيْهِ
وَخرج بقولنَا يلْحق الْمَيِّت مَا لَو مَاتَ صبي لَا يُولد لمثله عَن حَامِل فَإِن عدتهَا بِالْأَشْهرِ لَا بِالْوَضْعِ لِأَنَّهُ منفي عَنهُ يَقِينا لعدم إنزاله وَكَذَا لَو مَاتَ مَمْسُوح وَهُوَ الْمَقْطُوع جَمِيع ذكره وأنثييه عَن حَامِل فعدتها بِالْأَشْهرِ لَا بِالْوَضْعِ إِذْ لَا يلْحقهُ ولد على الْمَذْهَب لِأَنَّهُ لَا ينزل فَإِن الْأُنْثَيَيْنِ مَحل الْمَنِيّ الَّذِي يتدفق بعد انْفِصَاله من الظّهْر وَلم يعْهَد لمثله ولادَة
فَائِدَة حُكيَ أَن أَبَا عبيد بن حربويه قلد قَضَاء مصر وَقضى بِهِ فَحَمله الْمَمْسُوح على كتفه وَطَاف بِهِ الْأَسْوَاق وَقَالَ انْظُرُوا إِلَى هَذَا القَاضِي يلْحق أَوْلَاد الزِّنَا بالخدام وَيلْحق الْوَلَد مجبوبا قطع جَمِيع ذكره وَبَقِي أنثياه فَتعْتَد الْحَامِل بِوَضْعِهِ لبَقَاء أوعية الْمَنِيّ وَمَا فِيهَا من الْقُوَّة المحيلة للدم
وَكَذَا مسلول خصيتاه وَبَقِي ذكره يلْحقهُ الْوَلَد فتنقضي بِهِ الْعدة على الْمَذْهَب لِأَن آلَة الْجِمَاع بَاقِيَة فقد يُبَالغ فِي الْإِيلَاج فيلتذ وَينزل مَاء رَقِيقا (وَإِن كَانَت) أَي الْمُعْتَدَّة عَن وَفَاة (حَائِلا) وَهِي بِهَمْزَة مَكْسُورَة غير الْحَامِل (فعدتها) إِن كَانَت حرَّة وَإِن لم تُوطأ أَو كَانَت صَغِيرَة أَو زَوْجَة صبي أَو مَمْسُوح
(أَرْبَعَة أشهر وَعشرا) من الْأَيَّام لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} وَهُوَ مَحْمُول على الْحَرَائِر كَمَا مر وعَلى الحائلات بِقَرِينَة الْآيَة الْمُتَقَدّمَة وكالحائلات الحاملة من غير الزَّوْج وَهَذِه الْآيَة ناسخة لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول} فَإِن قيل شَرط النَّاسِخ أَن يكون مُتَأَخِّرًا عَن الْمَنْسُوخ مَعَ أَن الْآيَة الأولى مُتَقَدّمَة وَهَذِه مُتَأَخِّرَة
أُجِيب بِأَنَّهَا مُتَقَدّمَة فِي التِّلَاوَة مُتَأَخِّرَة فِي النُّزُول وَتعْتَبر الْأَشْهر بِالْأَهِلَّةِ مَا أمكن ويكمل المنكسر بِالْعدَدِ كنظائره
فَإِن خفيت عَلَيْهَا الْأَهِلّة كالمحبوسة اعْتدت بِمِائَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَو مَاتَ عَن مُطلقَة رَجْعِيَّة انْتَقَلت إِلَى عدَّة وَفَاة بِالْإِجْمَاع كَمَا حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر أَو مَاتَ عَن مُطلقَة بَائِن فَلَا تنْتَقل لعدة وَفَاة لِأَنَّهَا لَيست بِزَوْجَة فتكمل عدَّة الطَّلَاق وَخرج بِقَيْد الْحرَّة الْأمة وَسَتَأْتِي فِي كَلَامه
ثمَّ شرع فِي الضَّرْب الثَّانِي فَقَالَ (وَغير الْمُتَوفَّى عَنْهَا) الْمُعْتَدَّة عَن فرقة طَلَاق أَو فسخ بِعَيْب أَو رضَاع أَو لعان (إِن كَانَت حَامِلا فعدتها بِوَضْع الْحمل) لقَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} فَهُوَ مُخَصص لقَوْله تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} وَلِأَن الْمُعْتَبر من الْعدة بَرَاءَة الرَّحِم وَهِي حَاصِلَة بِالْوَضْعِ بِشَرْط إِمْكَان نسبته إِلَى صَاحب الْعدة زوجا كَانَ أَو غَيره وَلَو احْتِمَالا كمنفي بِلعان لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي إِمْكَان كَونه مِنْهُ وَلِهَذَا لَو اسْتَلْحقهُ لحقه
فَإِن لم يُمكن نسبته إِلَيْهِ لم تنقض بِوَضْعِهِ كَمَا إِذا مَاتَ صبي لَا يتَصَوَّر مِنْهُ الْإِنْزَال أَو مَمْسُوح عَن زَوْجَة حَامِل فَلَا تَعْتَد بوضح الْحمل كَمَا مر

(2/466)


وَكَذَا كل من أَتَت زَوجته الْحَامِل بِولد لَا يُمكن كَونه مِنْهُ كَأَن وَضعته لدوّنَ سِتَّة أشهر من النِّكَاح أَو لأكْثر وَكَانَ بَين الزَّوْجَيْنِ مَسَافَة لَا تقطع فِي تِلْكَ الْمدَّة أَو لفوق أَربع سِنِين من الْفرْقَة لم تنقض عدتهَا بِوَضْعِهِ
لَكِن لَو ادَّعَت فِي الْأَخِيرَة أَنه رَاجعهَا أَو جدد نِكَاحهَا أَو وَطئهَا بِشُبْهَة وَأمكن فَهُوَ وَإِن انْتَفَى عَنهُ تَنْقَضِي بِهِ عدتهَا وَيشْتَرط انْفِصَال كل الْحمل فَلَا أثر لخُرُوج بعضه مُتَّصِلا أَو مُنْفَصِلا فِي انْقِضَاء الْعدة وَلَا فِي غَيرهَا من سَائِر أَحْكَام الْجَنِين لعدم تَمام انْفِصَاله ولظاهر الْآيَة
وَاسْتثنى من ذَلِك وجوب الْغرَّة بِظُهُور شَيْء مِنْهُ لِأَن الْمَقْصُود تحقق وجوده وَوُجُوب الْقود إِذا حز جَان رقبته وَهُوَ حَيّ وَوُجُوب الدِّيَة بِالْجِنَايَةِ على أمه إِذا مَاتَت بعد صياحه
وتنقضي الْعدة بميت وبمضغة فيهمَا صُورَة آدَمِيّ وَلَو خَفِيفَة على غير القوابل لظهورها عِنْدهن
فَإِن لم يكن فِي المضغة صُورَة لَا ظَاهِرَة وَلَا خُفْيَة وَلَكِن قُلْنَ هِيَ أصل آدَمِيّ وَلَو بقيت لتصورت انْقَضتْ الْعدة بوضعها على الْمَذْهَب الْمَنْصُوص لحُصُول بَرَاءَة الرَّحِم بذلك
وَهَذِه الْمَسْأَلَة تسمى مَسْأَلَة النُّصُوص فَإِنَّهُ نَص هُنَا على أَن الْعدة تَنْقَضِي بهَا وعَلى أَنه لَا تجب فِيهَا الْغرَّة وَلَا يثبت فِيهَا الِاسْتِيلَاد
وَالْفرق أَن الْعدة تَنْقَضِي بِبَرَاءَة الرَّحِم وَقد حصلت
وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة فِي الْغرَّة وأمومة الْوَلَد إِنَّمَا تثبت تبعا للْوَلَد وَهَذَا لَا يُسمى ولدا
وَخرج بالمضغة الْعلقَة وَهِي مني يَسْتَحِيل فِي الرَّحِم فَيصير دَمًا غليظا فَلَا تَنْقَضِي الْعدة بهَا لِأَنَّهَا لَا تسمى حملا
فَائِدَة وَقع فِي الْإِفْتَاء أَن الْوَلَد لَو مَاتَ فِي بطن الْمَرْأَة وَتعذر نُزُوله بدواء أَو غَيره كَمَا يتَّفق لبَعض الْحَوَامِل هَل تَنْقَضِي عدتهَا بالإقراء إِن كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء
أَو بِالْأَشْهرِ إِن لم تكن من ذَوَات الْأَقْرَاء أَو لَا تَنْقَضِي عدتهَا مَا دَامَ فِي بَطنهَا اخْتلف العصريون فِي ذَلِك وَالظَّاهِر الثَّالِث كَمَا صرح بِهِ جلال الدّين البُلْقِينِيّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَة
قَالَ وَقد وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة واستفتينا عَنْهَا فأجبنا بذلك انْتهى
وَيدل لذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ}
(وَإِن كَانَت) أَي الْمُعْتَدَّة عَن فرقة طَلَاق وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا مر (حَائِلا) بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدّم (وَهِي من ذَوَات) أَي صَوَاحِب (الْحيض فعدتها ثَلَاثَة قُرُوء) جمع قرء وَهُوَ لُغَة بِفَتْح الْقَاف وَضمّهَا حَقِيقَة فِي الْحيض وَالطُّهْر

تتْرك الصَّلَاة أَيَّام أقرائها (وَهِي) فِي الِاصْطِلَاح (الْأَطْهَار) كَمَا رُوِيَ عَن عمر وَعلي وَعَائِشَة وَغَيرهم من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَلقَوْله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} وَالطَّلَاق فِي الْحيض يحرم فَيصْرف الْإِذْن وَمن إِطْلَاقه على الْحيض مَا فِي

(2/467)


خبر النَّسَائِيّ وَغَيره إِلَى زمن الطُّهْر فَإِن طلقت طَاهِرا وَبَقِي من زمن طهرهَا شَيْء انْقَضتْ عدتهَا بالطعن فِي حَيْضَة ثَالِثَة لِأَن بعض الطُّهْر وَإِن قل يصدق عَلَيْهِ اسْم قرء قَالَ تَعَالَى {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} وَهُوَ شَهْرَان وَبَعض الثَّالِث أَو طلقت فِي حيض انْقَضتْ عدتهَا بالطعن فِي حَيْضَة رَابِعَة وَلَا يحْسب طهر من لم تَحض قرءا بِنَاء على أَن الطُّهْر هُوَ المحتوش بَين دمي حيض أَو حيض ونفاس أَو دمي نِفَاس كَمَا صرح بِهِ الْمُتَوَلِي
وعدة مُسْتَحَاضَة غير متحيرة بأقرائها الْمَرْدُودَة إِلَيْهَا وعدة متحيرة ثَلَاثَة أشهر فِي الْحَال لاشتمال كل شهر على طهر وحيض غَالِبا
(إِلَّا إِذا كَانَت) أَي الْمُعْتَدَّة (صَغِيرَة أَو) كَبِيرَة (آيسة) من الْحيض
(فعدتها ثَلَاثَة أشهر) هلالية بِأَن انطبق الطَّلَاق على أول الشَّهْر قَالَ الله تَعَالَى {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر واللائي لم يحضن} فعدتهن كَذَلِك كَمَا قَالَه أَبُو الْبَقَاء فِي إعرابه وَقَوله تَعَالَى {إِن ارتبتم} مَعْنَاهُ إِن لم تعرفوا مَا تَعْتَد بِهِ الَّتِي يئست من ذَوَات الْأَقْرَاء فَإِن طلقت فِي أثْنَاء شهر كملته من الرَّابِع ثَلَاثِينَ يَوْمًا سَوَاء كَانَ الشَّهْر تَاما أم نَاقِصا
القَوْل انْقَطع حَيْضهَا لغير يأس تَنْبِيه من انْقَطع حَيْضهَا لعَارض كرضاع أَو نِفَاس أَو مرض تصبر حَتَّى تحيض فَتعْتَد بِالْأَقْرَاءِ أَو حَتَّى تبلغ سنّ الْيَأْس فَتعْتَد بِالْأَشْهرِ وَلَا مبالاة بطول مُدَّة الِانْتِظَار وَإِن انْقَطع لَا لعِلَّة تعرف فكالانقطاع لعَارض على الْجَدِيد فتصبر حَتَّى تحيض أَو تيأس
فَائِدَة قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين ويتعتين التفطن لتعليم جهلة الشُّهُود هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُم يزوجون مُنْقَطِعَة الْحيض لعَارض أَو غَيره قبل بُلُوغ سنّ الْيَأْس ويسمونها بِمُجَرَّد الِانْقِطَاع آيسة ويكتفون بِمُضِيِّ ثَلَاثَة أشهر ويستغربون القَوْل بصبرها إِلَى بُلُوغ سنّ الْيَأْس حَتَّى تصير عجوزا فليحذر من ذَلِك انْتهى
أَي لِأَن الْأَشْهر إِنَّمَا شرعت للَّتِي لم تَحض والآيسة وَهَذِه غَيرهمَا فَلَو حَاضَت من لم تَحض من حرَّة أَو غَيرهَا أَو حَاضَت آيسة كَذَلِك فِي الْأَشْهر اعْتدت بِالْأَقْرَاءِ لِأَنَّهَا الأَصْل فِي الْعدة وَقد قدرت عَلَيْهَا قبل الْفِرَار من بدلهَا فتنتقل إِلَيْهَا كالمتيمم إِذا وجد المَاء فِي أثْنَاء التَّيَمُّم فَإِن حَاضَت بعْدهَا الأولى لم يُؤثر لِأَن حَيْضهَا حِينَئِذٍ لَا يمْنَع صدق القَوْل بِأَنَّهَا عِنْد اعتدادها بِالْأَشْهرِ من اللائي لم يحضن أَو الثَّانِيَة فَهِيَ كآيسة حَاضَت بعْدهَا وَلم تنْكح زوجا آخر فَإِنَّهَا تَعْتَد بِالْأَقْرَاءِ لتبين أَنَّهَا لَيست آيسة فَإِن نكحت آخر فَلَا شَيْء عَلَيْهَا لانقضاء عدتهَا ظَاهرا مَعَ تعلق حق الزَّوْج بهَا وللشروع فِي الْمَقْصُود كَمَا إِذا قدر الْمُتَيَمم على المَاء بعد الشُّرُوع فِي الصَّلَاة وَالْمُعْتَبر فِي الْيَأْس يأس من كل النِّسَاء بِحَسب مَا بلغنَا خَبره لَا طواف نسَاء الْعَالم وَلَا يأس عشيرتها فَقَط وأقصاه اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سنة وَقيل سِتُّونَ وَقيل خَمْسُونَ
عَلَيْهَا) لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات} ثمَّ

(2/468)


القَوْل فِي الْمُطلقَة قبل الدُّخُول بهَا (والمطلقة قبل الدُّخُول بهَا لَا عدَّة {طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها} وَالْمعْنَى فِيهِ عدم اشْتِغَال رَحمهَا بِمَا يُوجب استبراءه
القَوْل فِي عدَّة الْأمة (وعدة الْأمة) أَو من فِيهَا رق (بِالْحملِ) أَي بِوَضْعِهِ بِشَرْط نسبته إِلَى ذِي الْعدة حَيا كَانَ أَو مَيتا أَو مُضْغَة (كعدة الْحرَّة) فِي جَمِيع مَا مر فِيهَا من غير فرق لعُمُوم الْآيَة الْكَرِيمَة
(و) عدتهَا (بِالْأَقْرَاءِ) عَن فرقة طَلَاق أَو فسخ وَلَو مُسْتَحَاضَة غير متحيرة (أَن تَعْتَد بقرأين) لِأَنَّهَا على النّصْف من الْحرَّة فِي كثير من الْأَحْكَام
وَإِنَّمَا كملت الْقُرْء الثَّانِي لتعذر تبعيضه كَالطَّلَاقِ إِذْ لَا يظْهر نصفه إِلَّا بِظُهُور كُله فَلَا بُد من الِانْتِظَار إِلَى أَن يعود الدَّم فَإِن عتقت فِي عدَّة رَجْعَة فكحرة فتكمل ثَلَاثَة أَقراء لِأَن الرَّجْعِيَّة كَالزَّوْجَةِ فِي كثير من الْأَحْكَام فَكَأَنَّهَا عتقت قبل الطَّلَاق بِخِلَاف مَا إِذا عتقت فِي عدَّة بينونة لِأَنَّهَا كالأجنبية فَكَأَنَّهَا عتقت بعد انْقِضَاء الْعدة أما الْمُتَحَيِّرَة فَهِيَ إِن طلقت أول الشَّهْر فبشهرين وَإِن طلقت فِي أثْنَاء شهر وَالْبَاقِي أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا حسب قرءا فتكمل بعده بِشَهْر هلالي وَإِلَّا لم يحْسب قرءا فَتعْتَد بعده بشهرين هلاليين على الْمُعْتَمد خلافًا للباذري فِي اكتفائه بِشَهْر وَنصف (و) عدتهَا (بالشهور عَن الْوَفَاة) قبل الدُّخُول أَو بعده (أَن تَعْتَد بشهرين) هلاليين (وَخَمْسَة أَيَّام) بلياليها وَيَأْتِي فِي الانكسار مَا مر
(و) عدتهَا (عَن الطَّلَاق) وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا تقدم (بِشَهْر) هلالي (وَنصف) شهر لِإِمْكَان التنصيف فِي الْأَشْهر وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر وَقَالَ المُصَنّف من عِنْد نَفسه (فَإِن اعْتدت بشهرين كَانَ أولى) أَي لِأَنَّهَا تَعْتَد فِي الْأَقْرَاء بقرأين فَفِي الْيَأْس تَعْتَد بشهرين بَدَلا عَنْهُمَا قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين وَمَا ادَّعَاهُ من الْأَوْلَوِيَّة لم يقل بِهِ أحد من الْأَصْحَاب الْقَائِلين بالتنصيف ثمَّ قَالَ وَجُمْلَة مَا فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال أظهرها مَا تقدم وَثَانِيها وجوب شَهْرَيْن وَالثَّالِث وجوب ثَلَاثَة أشهر
فَالْخِلَاف فِي الْوُجُوب فَإِن أَرَادَ الْأَوْلَوِيَّة من حَيْثُ الِاحْتِيَاط على القَوْل الرَّاجِح فالاحتياط إِنَّمَا يكون بالْقَوْل الثَّالِث وَلم يَقُولُوا بِهِ أَيْضا انْتهى
وَقد يُقَال إِن المُصَنّف قد اطلع على ذَلِك فِي كَلَامهم وَلَا شكّ أَن الِاحْتِيَاط بالشهرين أولى من الِاقْتِصَار على شهر وَنصف وَإِن كَانَ بِالثَّلَاثَةِ أولى ويراعي الأول الْوَجْه الضَّعِيف فَيَجْعَلهُ من بَاب الِاحْتِيَاط
تَتِمَّة لَو طلق زَوجته وعاشرها بِلَا وَطْء فِي عدَّة أَقراء أَو أشهر فَإِن كَانَت بَائِنا انْقَضتْ عدتهَا بِمَا ذكر وَإِن كَانَت رَجْعِيَّة لم تنقض عدتهَا بذلك وَإِن طَالَتْ الْمدَّة وَلَا رَجْعَة لَهُ بعد الْأَقْرَاء أَو الْأَشْهر وَإِن لم تنقض بذلك الْعدة ويلحقها الطَّلَاق وَلَو طلق زَوجته

(2/469)


الْأمة وعاشرها سَيِّدهَا كَانَ كَمَا لَو عَاشرهَا الزَّوْج فَفِيهِ التَّفْصِيل الْمَار
أما غير الزَّوْج وَالسَّيِّد فكمعاشرة الْبَائِن فتنقضي عدتهَا بِمَا ذكر

فصل فِيمَا يجب للمعتدة وَعَلَيْهَا
وَعَلَيْهَا سَوَاء أَكَانَت بَائِنا أم رَجْعِيَّة
القَوْل فِيمَا يجب للرجعية وَقد بَدَأَ بالقسم الثَّانِي فَقَالَ (للمعتدة الرَّجْعِيَّة) وَلَو حَائِلا أَو أمة (السُّكْنَى وَالنَّفقَة) وَالْكِسْوَة وَسَائِر حُقُوق الزَّوْجِيَّة إِلَّا آلَة تنظيف لبَقَاء حبس النِّكَاح وسلطنته وَلِهَذَا يسْقط بنشوزها
القَوْل فِيمَا يجب للبائن ثمَّ شرع فِي الْقسم الأول فَقَالَ (وَيجب للبائن) الْحَائِل بخلع أَو ثَلَاث فِي غير نشوز (السُّكْنَى دون النَّفَقَة) وَالْكِسْوَة لقَوْله تَعَالَى {أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم} فَلَا سُكْنى لمن أَبَانهَا نَاشِزَة أَو نشزت فِي الْعدة إِلَّا إِن عَادَتْ إِلَى الطَّاعَة كَمَا فِي الرَّوْضَة
ثمَّ اسْتثْنى من ذَلِك قَوْله (إِلَّا أَن تكون) الْبَائِن (حَامِلا) بِولد يلْحق الزَّوْج فَيجب لَهَا من النَّفَقَة بِسَبَب الْحمل على أظهر الْقَوْلَيْنِ مَا كَانَ سقط عِنْد عَدمه إِذا توافقا على الْحمل أَو شهد بِهِ أَربع نسْوَة مَا لم تنشز فِي الْعدة
فَإِن نشزت فِيهَا سقط مَا وَجب لَهَا بِنَاء على الْأَظْهر الْمُتَقَدّم وَخرج بِقَيْد الْبَائِن الْمُعْتَدَّة عَن وَفَاة فَلَا نَفَقَة لَهَا وَإِن كَانَت حَامِلا لخَبر لَيْسَ للحامل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا نَفَقَة رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح وَلِأَنَّهَا بَانَتْ بالوفاة والقريب تسْقط مُؤْنَته بهَا وَإِنَّمَا لم تسْقط فِيمَا لَو توفّي بعد بينونتها لِأَنَّهَا وَجَبت

(2/470)


قبل الْوَفَاة فاغتفر بَقَاؤُهَا فِي الدَّوَام لِأَنَّهُ أقوى من الِابْتِدَاء
الْإِحْدَاد على الْمُتَوفَّى (و) يجب (على الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا) وَلَو أمة (الْإِحْدَاد) لخَبر الصَّحِيحَيْنِ لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا أَي فَيحل لَهَا الْإِحْدَاد عَلَيْهِ أَي يجب للْإِجْمَاع على إِرَادَته والتقيد بِإِيمَان الْمَرْأَة جري على الْغَالِب لِأَن غَيرهَا مِمَّن لَهَا أَمَان يلْزمهَا الْإِحْدَاد وعَلى ولي صَغِيرَة ومجنونة منعهما مِمَّا يمْنَع مِنْهُ غَيرهمَا وَسن لمفارقة وَلَو رَجْعِيَّة وَلَا يجب لِأَنَّهَا إِن فورقت بِطَلَاق فَهِيَ مجفوة بِهِ أَو بِفَسْخ فالفسخ مِنْهَا أَو لِمَعْنى فِيهَا فَلَا يَلِيق بهَا فيهمَا إِيجَاب الْإِحْدَاد بِخِلَاف الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وَمَا ذكر من أَن الرَّجْعِيَّة يسن لَهَا ذَلِك هُوَ مَا نَقله فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا عَن أبي ثَوْر عَن الشَّافِعِي ثمَّ نقل عَن بعض الْأَصْحَاب أَن الأولى لَهَا أَن تتزين بِمَا يَدْعُو الزَّوْج إِلَى رَجعتهَا
(وَهُوَ) أَي الْإِحْدَاد من أحد وَيُقَال فِيهِ الْحداد من حد لُغَة الْمَنْع وَاصْطِلَاحا (الِامْتِنَاع من الزِّينَة) فِي الْبدن بحلي من ذهب أَو فضَّة سَوَاء كَانَ كَبِيرا كالخلخال والسوار أم صَغِيرا كالخاتم والقرط لما روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد حسن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا لَا تلبس الْحلِيّ وَلَا تكتحل وَلَا تختضب وَإِنَّمَا حرم ذَلِك لِأَنَّهُ يزِيد فِي حسنها كَمَا قيل (الطَّوِيل) مَا الْحلِيّ إِلَّا زِينَة لنقيصة يتمم من حسن إِذا الْحسن قصرا فَأَما إِذا كَانَ الْجمال موفرا كحسنك لم يحْتَج إِلَى أَن يزورا وَكَذَا اللُّؤْلُؤ يحرم التزين بِهِ فِي الْأَصَح لِأَن الزِّينَة فِيهِ ظَاهِرَة أَو بِثِيَاب مصبوغة لزينة لحَدِيث أبي دَاوُد بِإِسْنَاد حسن الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا لَا تلبس المعصفر من الثِّيَاب وَلَا الممشقة وَلَا الْحلِيّ وَلَا تختضب وَلَا تكتحل
والممشقة المصبوغة بالمشق وَهُوَ بِكَسْر الْمِيم الْمغرَة بِفَتْحِهَا
وَيُقَال طين أَحْمَر يشبهها
وَيُبَاح لبس غير مصبوغ من قطن وصوف وكتان وَإِن كَانَ نفيسا وحرير إِذا لم يحدث فِيهِ زِينَة وَيُبَاح مصبوغ لَا يقْصد لزينة كالأسود
وَكَذَا الْأَزْرَق والأخضر المشبعان الكدران لِأَن ذَلِك لَا يقْصد للزِّينَة بل لنَحْو حمل وسخ أَو مُصِيبَة فَإِن تردد بَين الزِّينَة وَغَيرهَا كالأخضر والأزرق فَإِن كَانَ براقا صافي اللَّوْن حرم لِأَنَّهُ مستحسن يتزين بِهِ أَو كدرا أَو مشبعا فَلَا لِأَن المشبع من الْأَخْضَر والأزرق يُقَارب الْأسود وَخرج بِقَيْد الْبدن تجميل فرَاش وَهُوَ مَا ترقد أَو تقعد عَلَيْهِ من نطع ومرتبة ووسادة وَنَحْوهَا وتجميل أثاث وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة ومثلثتين مَتَاع الْبَيْت فَيجوز ذَلِك لِأَن الْإِحْدَاد فِي الْبدن لَا فِي الْفراش وَنَحْوه
وَأما الغطاء فالأشبه أَنه كالثياب لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِن خصّه الزَّرْكَشِيّ بِالنَّهَارِ
(و) الِامْتِنَاع من اسْتِعْمَال (الطّيب) فِي بدن أَو ثوب لخَبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أم عَطِيَّة كُنَّا ننهى أَن نحد على ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَأَن نكتحل وَأَن نتطيب وَأَن نلبس ثوبا مصبوغا وَيحرم أَيْضا اسْتِعْمَال الطّيب فِي طَعَام

(2/471)


وكحل غير محرم قِيَاسا على الْبدن وَضَابِط الطّيب الْمحرم عَلَيْهَا كل مَا حرم على الْمحرم لَكِن يلْزمهَا إِزَالَة الطّيب الْكَائِن مَعهَا حَال الشُّرُوع فِي الْعدة وَلَا فديَة عَلَيْهَا فِي اسْتِعْمَاله
بِخِلَاف الْمحرم فِي ذَلِك وَاسْتثنى اسْتِعْمَالهَا عِنْد الطُّهْر من الْحيض وَكَذَا من النّفاس كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ وَغَيره قَلِيلا من قسط أَو إظفار وهما نَوْعَانِ من البخور وَيحرم عَلَيْهَا دهن شعر رَأسهَا ولحيتها إِن كَانَ لَهَا لحية لما فِيهِ من الزِّينَة واكتحالها بإثمد وَإِن لم يكن فِيهِ طيب لحَدِيث أم عَطِيَّة الْمَار لِأَن فِيهِ جمالا وزينة وَسَوَاء فِي ذَلِك الْبَيْضَاء وَغَيرهَا أما اكتحالها بالأبيض كالتوتياء فَلَا يحرم إِذْ لَا زِينَة فِيهِ
وَأما الْأَصْفَر وَهُوَ الصَّبْر فَيحرم على السَّوْدَاء وَكَذَا على الْبَيْضَاء على الْأَصَح لِأَنَّهُ يحسن الْعين وَيجوز الاكتحال بالإثمد وَالصَّبْر لحَاجَة كرمد فتكتحل لَيْلًا وتمسحه نَهَارا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن لأم سَلمَة فِي الصَّبْر لَيْلًا نعم إِن احْتَاجَت إِلَيْهِ نَهَارا أَيْضا جَازَ وَكَذَا يحرم عَلَيْهَا طلي الْوَجْه بالإسفيذاج والدمام وَهُوَ كَمَا فِي الْمُهِمَّات بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وميمين بَينهمَا ألف مَا يطلى بِهِ الْوَجْه للتحسين الْمُسَمّى بالحمرة الَّتِي يُورد بهَا الخد والاختضاب بحناء وَنَحْوه فيهمَا يظْهر من بدنهَا كالوجه وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَيحرم تطريف أصابعها وتصفيف شعر طرتها وتجعيد صدغيها وحشو حاجبها بالكحل وتدقيقه بالحف
تَنْبِيه قد علم من تَفْسِير الْإِحْدَاد بِمَا ذكر جَوَاز التَّنْظِيف بِغسْل رَأس وقلم أظفار واستحداد ونتف شعر إبط وَإِزَالَة وسخ وَلَو ظَاهرا لِأَن جَمِيع ذَلِك لَيْسَ من الزِّينَة أَي الداعية إِلَى الْوَطْء وَأما إِزَالَة الشّعْر المتضمن زِينَة كأخذ مَا حول الحاجبين وَأَعْلَى الْجَبْهَة فتمتنع مِنْهُ كَمَا بَحثه بَعضهم وَهُوَ ظَاهر
وَأما إِزَالَة شعر لحية أَو شَارِب نبت لَهَا فتسن إِزَالَته كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم
وَيحل الامتشاط بِلَا ترجيل بدهن وَنَحْوه وَيجوز بسدر وَنَحْوه وَيحل لَهَا أَيْضا دُخُول حمام إِن لم يكن فِيهِ خُرُوج محرم وَلَو تركت المحدة المكلفة الْإِحْدَاد الْوَاجِب عَلَيْهَا كل الْمدَّة أَو بَعْضهَا عَصَتْ إِن علمت حُرْمَة التّرْك وَانْقَضَت عدتهَا مَعَ الْعِصْيَان وَلَو بلغتهَا وَفَاة زَوجهَا أَو طَلَاقه بعد انْقِضَاء الْعدة كَانَت منقضية وَلَا حداد عَلَيْهَا وَلها إحداد على غير زوج ثَلَاثَة أَيَّام فَأَقل وَتحرم الزِّيَادَة عَلَيْهَا بِقصد الْإِحْدَاد
فَلَو تركت ذَلِك بِلَا قصد لم تأثم
وَخرج بِالْمَرْأَةِ الرجل فَلَا يجوز لَهُ الْإِحْدَاد على قَرِيبه ثَلَاثَة أَيَّام لِأَن الْإِحْدَاد إِنَّمَا شرع للنِّسَاء لنَقص عقلهن الْمُقْتَضِي عدم الصَّبْر
القَوْل فِيمَا يجب على الْمُتَوفَّى عَنْهَا والمبتوتة (و) يجب (على الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا) (و) على (المبتوتة) أَي المقطوعة عَن النِّكَاح ببينونة صغرى أَو كبرى إِذْ الْبَتّ الْقطع (مُلَازمَة الْبَيْت) أَي الَّذِي كَانَت فِيهِ عِنْد الْفرْقَة بِمَوْت أَو غَيره وَكَانَ مُسْتَحقّا للزَّوْج لائقا بهَا لقَوْله تَعَالَى {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ}

(2/472)


أَي بيُوت أَزوَاجهنَّ وإضافتها إلَيْهِنَّ للسُّكْنَى
{وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} اي قَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيره الْفَاحِشَة المبينة هِيَ أَن تبذو على أهل زَوجهَا أَي تشتمهم وَلَيْسَ للزَّوْج وَلَا لغيره إخْرَاجهَا وَلَا لَهَا خُرُوج مِنْهُ وَإِن رَضِي بِهِ الزَّوْج إِلَّا لعذر
كَمَا سَيَأْتِي لِأَن فِي الْعدة حَقًا لله تَعَالَى وَالْحق الَّذِي لله تَعَالَى لَا يسْقط بِالتَّرَاضِي وَخرج بِقَيْد المبتوتة الرَّجْعِيَّة فَإِن للزَّوْج إسكانها حَيْثُ شَاءَ فِي مَوضِع يَلِيق بهَا وَهَذَا مَا فِي حاوي الْمَاوَرْدِيّ والمهذب وَغَيرهمَا من كتب الْعِرَاقِيّين لِأَنَّهَا فِي حكم الزَّوْجَة وَبِه جزم النَّوَوِيّ فِي نكته وَالَّذِي فِي النِّهَايَة وَهُوَ مَفْهُوم الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا وَهُوَ مَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم كَمَا قَالَه ابْن الرّفْعَة وَغَيره
وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيّ أولى لإِطْلَاق الْآيَة وَقَالَ الْأَذْرَعِيّ إِنَّه الْمَذْهَب الْمَشْهُور وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ إِنَّه الصَّوَاب وَلِأَنَّهُ لَا يجوز لَهُ الْخلْوَة بهَا فضلا عَن الِاسْتِمْتَاع فَلَيْسَتْ كَالزَّوْجَةِ ثمَّ اسْتثْنى من وجوب مُلَازمَة الْبَيْت
قَوْله (إِلَّا لحَاجَة) أَي فَيجوز لَهَا الْخُرُوج فِي عدَّة وَفَاة وعدة وَطْء شُبْهَة وَنِكَاح فَاسد وَكَذَا بَائِن ومفسوخ نِكَاحهَا وَضَابِط ذَلِك كل مُعْتَدَّة لَا تجب نَفَقَتهَا وَلم يكن لَهَا من يَقْضِيهَا حَاجَتهَا لَهَا الْخُرُوج فِي النَّهَار لشراء طَعَام وقطن وكتان وَبيع غزل وَنَحْوه للْحَاجة إِلَى ذَلِك أما من وَجَبت نَفَقَتهَا من رَجْعِيَّة أَو بَائِن حَامِل مستبرأة فَلَا تخرج إِلَّا بِإِذن أَو ضَرُورَة كَالزَّوْجَةِ لِأَنَّهُنَّ مكفيات بِنَفَقَة أَزوَاجهنَّ وَكَذَا لَهَا الْخُرُوج لذَلِك لَيْلًا إِن لم يُمكنهَا نَهَارا وَكَذَا إِلَى دَار جارتها لغزل وَحَدِيث وَنَحْوهمَا للتأنس وَلَكِن بِشَرْط أَن ترجع وتبيت فِي بَيتهَا
تَنْبِيه اقْتصر المُصَنّف على الْحَاجة إعلاما بِجَوَازِهِ للضَّرُورَة من بَاب أولى كَأَن خَافت على نَفسهَا تلفا أَو فَاحِشَة أَو خَافت على مَالهَا أَو وَلَدهَا من هدم أَو غرق
فَيجوز لَهَا الِانْتِقَال للضَّرُورَة الداعية إِلَى ذَلِك وَعلم من كَلَامه كَغَيْرِهِ وَتَحْرِيم خُرُوجهَا لغير حَاجَة وَهُوَ كَذَلِك كخروجها لزيارة وعيادة واستنماء مَال تِجَارَة وَنَحْو ذَلِك
تَتِمَّة لَو أَحرمت بِحَجّ أَو قرَان بِإِذن زَوجهَا أَو بِغَيْر إِذن ثمَّ طَلقهَا أَو مَاتَ فَإِن خَافت الْفَوات لضيق الْوَقْت جَازَ لَهَا الْخُرُوج مُعْتَدَّة لتقدم الْإِحْرَام وَإِن لم تخف الْفَوات لسعة الْوَقْت جَازَ لَهَا الْخُرُوج إِلَى ذَلِك أَيْضا لما فِي تعْيين الصَّبْر من مشقة مصابرة الْإِحْرَام وَإِن أَحرمت بعد أَن طَلقهَا أَو مَاتَ بِحَجّ أَو عمْرَة أَو بهما امْتنع عَلَيْهَا الْخُرُوج
سَوَاء أخافت الْفَوات أم لَا فَإِذا انْقَضتْ الْعدة أتمت عمرتها أَو حَجهَا إِن بَقِي وقته وَإِلَّا تحللت بِأَفْعَال عمْرَة ولزمها الْقَضَاء وَدم الْفَوات ويكتري الْحَاكِم من مَال مُطلق لَا مسكن لَهُ مسكنا لمعتدته لتعتد فِيهِ إِن فقد مُتَطَوّع بِهِ فَإِن لم يكن لَهُ مَال اقْترض عَلَيْهِ الْحَاكِم فَإِن أذن لَهَا الْحَاكِم أَن تقترض على زَوجهَا أَو تكتري الْمسكن من مَالهَا جَازَ وَترجع بِهِ فَإِن فعلته بِقصد الرُّجُوع بِلَا إِذن الْحَاكِم نظر
فَإِن قدرت على اسْتِئْذَانه أَو لم تقدر وَلم تشهد لم ترجع وَإِن لم تقدر وأشهدت رجعت

(2/473)


فصل فِي أَحْكَام الِاسْتِبْرَاء
هُوَ بِالْمدِّ لُغَة طلب الْبَرَاءَة وَشرعا تربص الْأمة مُدَّة بِسَبَب حُدُوث ملك الْيَمين أَو زَوَاله أَو حُدُوث حل كالمكاتبة والمرتدة لمعْرِفَة بَرَاءَة الرَّحِم أَو للتعبد
وَهَذَا الْفَصْل مقدم فِي بعض النّسخ على الَّذِي قبله وموضعه هُنَا أنسب وَخص هَذَا بِهَذَا الِاسْم لِأَنَّهُ قدر بِأَقَلّ مَا يدل على بَرَاءَة الرَّحِم من غير تكَرر وتعدد وَخص التَّرَبُّص بِسَبَب النِّكَاح باسم الْعدة اشتقاقا من الْعدَد
وَالْأَصْل فِي الْبَاب مَا سَيَأْتِي من الْأَدِلَّة (وَمن استحدث) أَي حدث لَهُ (ملك أمة) وَلَو مِمَّن لَا يُمكن جمَاعه كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيّ وَلَو مستبرأة قبل ملكه بشرَاء أَو إِرْث أَو هبة أَو رد بِعَيْب أَو إِقَالَة أَو تحالف أَو قبُول وَصِيَّة أَو سبي أَو نَحْو ذَلِك (حرم عَلَيْهِ) فِيمَا عدا المسبية (الِاسْتِمْتَاع بهَا) بِكُل نوع من أَنْوَاعه حَتَّى النّظر بِشَهْوَة (حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا) بِمَا سَيَأْتِي لاحْتِمَال حملهَا أما المسبية الَّتِي وَقعت فِي سَهْمه من الْغَنِيمَة فَيحل لَهُ مِنْهَا غير وَطْء من أَنْوَاع الاستمتاعات لمَفْهُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبَايَا أَوْطَاس أَلا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا غير ذَات حمل حَتَّى تحيض حَيْضَة وقاس الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ المسبية عَلَيْهَا بِجَامِع حُدُوث الْملك
وَأخذ من الْإِطْلَاق فِي المسبية أَنه لَا فرق بَين الْبكر وَغَيرهَا
وألحقت من لم تَحض أَو أَيِست بِمن تحيض فِي اعْتِبَار قدر الْحيض وَالطُّهْر غَالِبا وَهُوَ شهر كَمَا سَيَأْتِي
وَلما روى الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه قَالَ وَقعت فِي سهمي جَارِيَة من سبي جَلُولَاء فَنَظَرت إِلَيْهَا فَإِذا عُنُقهَا مثل إبريق الْفضة فَلم أتمالك أَن قبلتها وَالنَّاس ينظرُونَ وَلم يُنكر أحد عَليّ من الصَّحَابَة

(2/474)


وجلولاء بِفَتْح الْجِيم وَالْمدّ قَرْيَة من نواحي فَارس وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا جلولي على غير قِيَاس فتحت يَوْم اليرموك سنة سبع عشرَة من الْهِجْرَة فبلغت غنائمها ثَمَانِيَة عشر ألفا
وَفَارَقت المسبية غَيرهَا بِأَن غايتها أَن تكون مُسْتَوْلدَة حَرْبِيّ وَذَلِكَ لَا يمْنَع الْملك وَإِنَّمَا حرم وَطْؤُهَا صِيَانة لمائه لِئَلَّا يخْتَلط بِمَاء حَرْبِيّ لَا لحُرْمَة مَاء الْحَرْبِيّ ثمَّ (إِن كَانَت) أَي الْأمة الَّتِي يجب استبراؤها
(من ذَوَات الْحيض) فاستبراؤها يحصل (بِحَيْضَة) وَاحِدَة بعد انتقالها إِلَيْهِ
الْجَدِيد للْخَبَر السَّابِق فَلَا يَكْفِي بَقِيَّة الْحَيْضَة الَّتِي وجد السَّبي فِي أَثْنَائِهَا وتنتظر ذَات الْأَقْرَاء الْكَامِلَة إِلَى سنّ الْيَأْس كالمعتدة وَإِنَّمَا لم يكتف بِبَقِيَّة الْحَيْضَة كَمَا اكْتفى بِبَقِيَّة الطُّهْر فِي الْعدة لِأَن بَقِيَّة الطُّهْر تستعقب الْحَيْضَة الدَّالَّة على الْبَرَاءَة وَهَذَا يستعقب الطُّهْر وَلَا دلَالَة لَهُ على الْبَرَاءَة (وَإِن كَانَت من ذَوَات الشُّهُور) لصِغَر أَو يأس فاستبراؤها يحصل (بِشَهْر) فَقَط فَإِنَّهُ كقرء فِي الْحرَّة فَكَذَا فِي الْأمة والمتحيرة تستبرأ بِشَهْر أَيْضا (وَإِن كَانَت من ذَوَات الْحمل) وَلَو من زنا فاستبراؤها يحصل (بِالْوَضْعِ) لعُمُوم الحَدِيث السَّابِق وَلِأَن الْمَقْصُود معرفَة بَرَاءَة الرَّحِم وَهِي حَاصِلَة بذلك
تَنْبِيه لَو مضى زمن اسْتِبْرَاء على أمة بعد الْملك وَقبل الْقَبْض حسب زَمَنه إِن ملكهَا بِإِرْث لِأَن الْملك بذلك مَقْبُوض حكما وَإِن لم يحصل الْقَبْض حسا بِدَلِيل صِحَة بَيْعه وَكَذَا إِن ملكت بشرَاء أَو نَحوه من الْمُعَاوَضَات بعد لُزُومهَا لِأَن الْملك لَازم فَأشبه مَا بعد الْقَبْض أما إِذا جرى الِاسْتِبْرَاء فِي زمن الْخِيَار فَإِنَّهُ لَا يعْتد بِهِ لضعف الْملك وَلَو وهبت لَهُ وَحصل الِاسْتِبْرَاء بعد عقدهَا وَقبل الْقَبْض لم يعْتد بِهِ لتوقف الْملك فِيهَا على الْقَبْض
وَلَو اشْترى أمة مَجُوسِيَّة أَو نَحْوهَا كمرتدة فَحَاضَت أَو وجد مِنْهَا مَا يحصل بِهِ الِاسْتِبْرَاء من وضع حمل أَو مُضِيّ شهر لغير ذَوَات الْأَقْرَاء ثمَّ أسلمت بعد انْقِضَاء ذَلِك أَو فِي أَثْنَائِهِ لم يكف هَذَا الِاسْتِبْرَاء فِي الْأَصَح لِأَنَّهُ لَا يستعقب حل الِاسْتِمْتَاع الَّذِي هُوَ الْقَصْد فِي الِاسْتِبْرَاء
فروع يجب الِاسْتِبْرَاء فِي مُكَاتبَة كِتَابَة صَحِيحَة فسختها بِلَا تعجيز أَو عجزت بتعجيز السَّيِّد لَهَا عِنْد عجزها عَن النُّجُوم لعود ملك التَّمَتُّع بعد زَوَاله فَأشبه مَا لَو بَاعهَا ثمَّ اشْتَرَاهَا أما الْفَاسِدَة فَلَا يجب الِاسْتِبْرَاء فِيهَا كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي بَابه وَكَذَا يجب اسْتِبْرَاء أمة مرتدة عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام لزوَال ملك الِاسْتِمْتَاع ثمَّ أعادته فَأشبه تعجيز الْمُكَاتبَة وَكَذَا لَو ارْتَدَّ السَّيِّد ثمَّ أسلم فَإِنَّهُ يلْزمه الِاسْتِبْرَاء أَيْضا لما ذكر وَلَو زوج السَّيِّد أمته ثمَّ طَلقهَا الزَّوْج قبل الدُّخُول وَجب الِاسْتِبْرَاء لما مر وَإِن طَلقهَا بعد الدُّخُول فاعتدت لم يدْخل الِاسْتِبْرَاء فِي الْعدة بل يلْزمه أَن يَسْتَبْرِئهَا بعد انْقِضَاء عدتهَا
وَلَا يجب اسْتِبْرَاء أمة خلت من حيض ونفاس وَصَوْم

(2/475)


واعتكاف وإحرام لِأَن حرمتهَا بذلك لَا تخل بِالْملكِ بِخِلَاف الْكِتَابَة وَالرِّدَّة وَلَو اشْترى زَوجته الْأمة اسْتحبَّ لَهُ استبراؤها ليتميز ولد الْملك عَن ولد النِّكَاح لِأَنَّهُ بِالنِّكَاحِ ينْعَقد الْوَلَد رَقِيقا ثمَّ يعْتق فَلَا يكون كُفؤًا لحرة أَصْلِيَّة وَلَا تصير بِهِ أم ولد وبملك الْيَمين ينعكس الحكم
(وَإِذا مَاتَ سيد أم الْوَلَد) أَو أعْتقهَا وَهِي خَالِيَة من زوج أَو عدَّة (استبرأت نَفسهَا) وجوبا (كالأمة) على حكم التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم فِيهَا فَلَو كَانَت فِي نِكَاح أَو عدَّة وَقت موت السَّيِّد أَو عتقه لَهَا لم يلْزمهَا اسْتِبْرَاء على الْمَذْهَب لِأَنَّهَا لَيست فراشا للسَّيِّد بل للزَّوْج فَهِيَ كَغَيْر الْمَوْطُوءَة
وَلِأَن الِاسْتِبْرَاء لحل الِاسْتِمْتَاع وهما مشغولتان بِحَق الزَّوْج وَلَو أعتق مستولدته فَلهُ نِكَاحهَا بِلَا اسْتِبْرَاء فِي الْأَصَح كَمَا يجوز لَهُ أَن ينْكح الْمُعْتَدَّة مِنْهُ لِأَن المَاء لوَاحِد
تَتِمَّة لَو وطىء أمة شريكان فِي حيض أَو طهر ثمَّ باعاها أَو أَرَادَا تَزْوِيجهَا أَو وطىء اثْنَان أمة رجل كل يَظُنهَا أَنَّهَا أمته وَأَرَادَ الرجل تَزْوِيجهَا وَجب استبراءان كالعدتين من شَخْصَيْنِ وَلَو بَاعَ جَارِيَة لم يقر بِوَطْئِهَا فَظهر بهَا حمل وادعاه فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي بِيَمِينِهِ إِنَّه لَا يُعلمهُ مِنْهُ وَثَبت نسب البَائِع على الْأَوْجه من خلاف فِيهِ إِذْ لَا ضَرُورَة على المُشْتَرِي فِي الْمَالِيَّة وَالْقَائِل بِخِلَافِهِ علله بِأَن ثُبُوته يقطع إِرْث المُشْتَرِي بِالْوَلَاءِ
فَإِن أقرّ بِوَطْئِهَا وباعها نظر فَإِن كَانَ ذَلِك بعد أَن استبرائها فَأَتَت بِولد لدوّنَ سِتَّة أشهر من استبرائها مِنْهُ لحقه وَبَطل البيع لثُبُوت أُميَّة الْوَلَد
وَإِن وَلدته لسِتَّة أشهر فَأكْثر فَالْوَلَد مَمْلُوك للْمُشْتَرِي إِن لم يكن وَطئهَا وَإِلَّا فَإِن أمكن كَونه مِنْهُ بِأَن وَلدته لسِتَّة أشهر فَأكْثر من وَطئه لحقه وَصَارَت الْأمة مُسْتَوْلدَة لَهُ وَإِن لم يكن استبرأها قبل البيع فَالْوَلَد لَهُ إِن أمكن كَونه مِنْهُ إِلَّا إِن وَطئهَا المُشْتَرِي وَأمكن كَونه مِنْهُمَا فتعرض على الْقَائِف وَلَو زوج أمته فَطلقت قبل الدُّخُول وأقرت للسَّيِّد بِوَطْئِهَا فَولدت ولدا لزمن يحْتَمل كَونه مِنْهُمَا لحق السَّيِّد عملا بِالظَّاهِرِ وَصَارَت أم ولد للْحكم بلحوق الْوَلَد بِملك الْيَمين

فصل فِي الرَّضَاع
هُوَ بِفَتْح الرَّاء وَيجوز كسرهَا وَإِثْبَات التَّاء مَعَهُمَا لُغَة اسْم لمص الثدي وَشرب لبنه وَشرعا اسْم لحُصُول لبن امْرَأَة أَو مَا

(2/476)


حصل مِنْهُ فِي معدة طِفْل أَو دماغه
وَالْأَصْل فِي تَحْرِيمه قبل الْإِجْمَاع الْآيَة وَالْخَبَر الآتيين وأركانه ثَلَاثَة مرضع ورضيع وَلبن وَقد شرع فِي الرُّكْن الأول فَقَالَ (وَإِذا أرضعت الْمَرْأَة) أَي الْآدَمِيَّة خلية كَانَت أَو مُزَوّجَة الْحَيَّة حَيَاة مُسْتَقِرَّة حَال انْفِصَال لَبنهَا بلغت تسع سِنِين قمرية تَقْرِيبًا وَإِن لم يحكم ببلوغها بذلك
(بلبنها) وَلَو متغيرا عَن هَيْئَة انْفِصَاله عَن الثدي بحموضة أَو غَيرهَا ثمَّ أَشَارَ إِلَى الرُّكْن الثَّانِي بقوله (ولدا صَار الرَّضِيع وَلَدهَا) من الرَّضَاع
القَوْل فِيمَا يخرج بِالْمَرْأَةِ ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا الرجل فَلَا تثبت حُرْمَة بلبنه على الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَيْسَ معدا للتغذية فَلم يتَعَلَّق بِهِ التَّحْرِيم كَغَيْرِهِ من الْمَائِعَات لَكِن يكره لَهُ ولفرعه نِكَاح من ارتضعت مِنْهُ كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم والبويطي
ثَانِيهَا الْخُنْثَى الْمُشكل وَالْمذهب توقفه إِلَى الْبَيَان فَإِن بَانَتْ أنوثته حرم وَإِلَّا فَلَا وَلَو مَاتَ قبله لم يثبت التَّحْرِيم فللرضيع نِكَاح أم الْخُنْثَى وَنَحْوهَا كَمَا نَقله الْأَذْرَعِيّ عَن الْمُتَوَلِي
ثَالِثهَا الْبَهِيمَة فَلَو ارتضع صغيران من شَاة مثلا لم يثبت بَينهمَا أخوة فَتحل مناكحتهما لِأَن الْأُخوة فرع الأمومة فَإِذا لم يثبت الأَصْل لم يثبت الْفَرْع
وَخرج بآدمية وَلَو عبر بهَا بدل الْمَرْأَة كَمَا عبر بِهِ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَكَانَ أولى الجنية إِن تصور إرضاعها بِنَاء على عدم صِحَة مناكحتهم وَهُوَ الرَّاجِح لِأَن الرَّضَاع تلو النّسَب بِدَلِيل يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب وَالله تَعَالَى قطع النّسَب بَين الْجِنّ وَالْإِنْس وَخرج بقوله بالحية لبن الْميتَة فَإِنَّهُ لَا يحرم لِأَنَّهُ من لبن جثة منفكة عَن الْحل وَالْحُرْمَة كالبهيمة خلافًا للأئمة الثَّلَاثَة
وباستكمال تسع سِنِين تَقْرِيبًا مَا لَو ظهر لصغيرة دون ذَلِك لبن وارتضع بِهِ طِفْل فَلَا يثبت بِهِ تَحْرِيم وَلَو حلب لبن الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة قبل مَوتهَا وأوجر لطفل حرم لانفصاله مِنْهَا فِي الْحَيَاة
ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا يشْتَرط فِي الرَّضِيع بقوله (بِشَرْطَيْنِ) وَترك ثَالِثا ورابعا كَمَا ستراه (أَحدهمَا أَن يكون لَهُ دون السنتين) لخَبر لَا رضَاع إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره فَإِن بلغهما وَشرب بعدهمَا لم يحرم ارتضاعه قَالَ فِي الرَّوْضَة وَيعْتَبر الحولان بِالْأَهِلَّةِ فَإِن انْكَسَرَ الشَّهْر الأول تمم الْعدَد ثَلَاثِينَ يَوْمًا من الشَّهْر الْخَامِس وَالْعِشْرين
وَذَلِكَ بقوله تَعَالَى {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة}

(2/477)


اي جعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَمام الرضَاعَة فِي الْحَوْلَيْنِ فأفهم بِأَن الحكم بعد الْحَوْلَيْنِ بِخِلَافِهِ
تَنْبِيه ابْتِدَاء الْحَوْلَيْنِ من تَمام انْفِصَال الرَّضِيع كَمَا فِي نَظَائِره
فَإِن ارتضع قبل تَمَامه لم يُؤثر وَظَاهر كَلَام المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى أَنه لَو تمّ الحولان فِي الرضعة الْخَامِسَة حرم وَهُوَ الْمَذْهَب كَمَا فِي التَّهْذِيب وَجرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري
وَإِن كَانَ ظَاهر نَص الْأُم وَغَيره عدم التَّحْرِيم
لِأَن مَا يصل إِلَى الْجوف فِي كل رضعة غير مُقَدّر كَمَا قَالُوا لَو لم يحصل فِي جَوْفه إِلَّا خمس قطرات فِي كل رضعة قَطْرَة حرم
(و) الشَّرْط (الثَّانِي أَن ترْضِعه خمس رَضعَات) لما روى مُسلم عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَانَ فِيمَا أنزل الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن عشر رَضعَات مَعْلُومَات يحرمن فنسخن بِخمْس مَعْلُومَات فَتوفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهن فِيمَا يقْرَأ من الْقُرْآن أَي يتلي حكمهن أَو يقرؤهن من لم يبلغهُ النّسخ وَقيل تَكْفِي رضعة وَاحِدَة وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك رَضِي الله عَنْهُمَا وَالْخمس رَضعَات ضبطهن بِالْعرْفِ إِذْ لَا ضَابِط لَهَا فِي اللُّغَة وَلَا فِي الشَّرْع فَرجع فِيهَا إِلَى الْعرف كالحرز فِي السّرقَة فَمَا قضى بِكَوْنِهِ رضعة أَو رَضعَات اعْتبر وَإِلَّا فَلَا وَلَا خلاف فِي اعْتِبَار كَونهَا (متفرقات) عرفا فَلَو قطع الرَّضِيع الارتضاع بَين كل من الْخمس إعْرَاضًا عَن الثدي تعدد عملا بِالْعرْفِ وَلَو قطعت عَلَيْهِ الْمُرضعَة لشغل وأطالته ثمَّ عَاد تعدد كَمَا فِي أصل الرَّوْضَة لِأَن الرَّضَاع يعْتَبر فِيهِ فعل الْمُرضعَة والرضيع على الِانْفِرَاد بِدَلِيل مَا لَو ارتضع على امْرَأَة نَائِمَة أَو أجرعته لَبَنًا وَهُوَ نَائِم
وَإِذا ثَبت ذَلِك وَجب أَن يعْتد بقطعها كَمَا يعْتد بِقطعِهِ وَلَو قطعه للهو أَو نَحوه كنومة خَفِيفَة أَو تنفس أَو ازدراد مَا جمعه من اللَّبن فِي فَمه وَعَاد فِي الْحَال لم يَتَعَدَّد بل الْكل رضعة وَاحِدَة فَإِن طَال لهوه أَو نَومه فَإِن كَانَ الثدي فِي فَمه فرضعة وَإِلَّا فرضعتان وَلَو تحول الرَّضِيع بِنَفسِهِ أَو بتحويل الْمُرضعَة فِي الْحَال من ثدي إِلَى ثدي أَو قطعته الْمُرضعَة لشغل خَفِيف ثمَّ عَادَتْ لم يَتَعَدَّد حِينَئِذٍ فَإِن لم يتَحَوَّل فِي الْحَال تعدد الْإِرْضَاع وَلَو حلب مِنْهَا لبن دفْعَة وَوصل إِلَى جَوف الرَّضِيع أَو دماغه بإيجار أَو إسعاط أَو غير ذَلِك فِي خمس مَرَّات أَو حلب مِنْهَا خمْسا وأوجر بِهِ الرَّضِيع دفْعَة فرضعة وَاحِدَة فِي الصُّورَتَيْنِ اعْتِبَارا فِي الأولى بِحَال الِانْفِصَال من الثدي وَفِي الثَّانِيَة بِحَالهِ وُصُوله إِلَى جَوْفه دفْعَة وَاحِدَة
وَلَو شكّ فِي رَضِيع هَل رضع خمْسا أَو أقل أَو هَل رضع فِي حَوْلَيْنِ أَو بعدهمَا فَلَا تَحْرِيم لِأَن الأَصْل عدم مَا ذكر وَلَا يخفى الْوَرع وَالشّرط الثَّالِث وُصُول اللَّبن فِي الْخمس إِلَى الْمعدة فَلَو لم يصل إِلَيْهَا فَلَا تَحْرِيم وَلَو وصل إِلَيْهَا وتقايأه ثَبت التَّحْرِيم

(2/478)


وَالشّرط الرَّابِع كَون الطِّفْل حَيا كَمَا فِي الرَّوْضَة فَلَا أثر للوصول إِلَى معدة الْمَيِّت
وَاعْلَم أَن الْحُرْمَة تَنْتَشِر من الْمُرضعَة والفحل إِلَى أصولهما وفروعهما وحواشيهما وَمن الرَّضِيع إِلَى فروعه فَقَط إِذا علمت ذَلِك وَوجدت الشُّرُوط الْمَذْكُورَة فَتَصِير الْمُرضعَة بذلك أمه
(وَيصير زَوجهَا) الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ الْوَلَد بِنِكَاح أَو وَطْء شُبْهَة (أَبَا لَهُ) لِأَن الرَّضَاع تَابع للنسب أما من لم ينْسب إِلَيْهِ الْوَلَد كالزاني فَلَا يثبت بِهِ حُرْمَة من جِهَته وتنتشر الْحُرْمَة من الرَّضِيع إِلَى أَوْلَاده فَقَط سَوَاء كَانُوا من النّسَب أم من الرَّضَاع فَلَا تسري الْحُرْمَة إِلَى آبَائِهِ وَإِخْوَته فلأبيه وأخيه نِكَاح الْمُرضعَة وبناتها ولزوج الْمُرضعَة أَن يتَزَوَّج بِأم الطِّفْل وَأُخْته وَيصير آبَاء الْمُرضعَة من نسب أَو رضَاع أجدادا للرضيع لما مر وَأَوْلَادهَا من نسب أَو رضَاع جداته لما مر أَن من الْحُرْمَة تَنْتَشِر إِلَى أُصُولهَا وَتصير أمهاتها من نسب أَو رضَاع جداته لما مر وَأَوْلَادهَا من نسب أَو رضَاع وأخواته لما مر من أَن الْحُرْمَة تَنْتَشِر إِلَى فروعها وَتصير إخوتها وَأَخَوَاتهَا من نسب أَو رضَاع أَخْوَاله وخالاته لما مر من أَن الْحُرْمَة تسري إِلَى حواشيها
وَإِذا علمت ذَلِك فَيمْتَنع عَلَيْهِ أَن يتَزَوَّج بهَا كَمَا يُشِير إِلَى ذَلِك قَوْله (وَيحرم على الْمُرْضع) بِفَتْح الضَّاد اسْم مفعول
(التَّزْوِيج إِلَيْهَا) أَي الْمُرضعَة لِأَنَّهَا أمه من الرضَاعَة فَتحرم عَلَيْهِ بِنَصّ الْقُرْآن
(و) تَنْتَشِر الْحُرْمَة مِنْهَا (إِلَى كل من ناسبها) أَي من انتسبت إِلَيْهِ من الْأُصُول أَو انتسب إِلَيْهِ من الْفُرُوع
تَنْبِيه كَانَ الأولى أَن يَقُول إِلَى كل من تنتمي إِلَيْهِ أَو ينتمي إِلَيْهَا بِنسَب أَو رضَاع لما مر من الضَّابِط (وَيحرم عَلَيْهَا) أَي الْمُرضعَة (التَّزْوِيج إِلَيْهِ) أَي الرَّضِيع لِأَنَّهُ وَلَدهَا وَهَذَا مَعْلُوم
لَكِن ذكره المُصَنّف توضيحا للمبتدىء ليُفِيد أَن الْحُرْمَة المنتشرة مِنْهَا لَيست كالحرمة المنتشرة مِنْهُ فَإِن الْحُرْمَة الَّتِي مِنْهَا منتشرة إِلَى مَا تقدم بَيَانه وَالْحُرْمَة الَّتِي مِنْهُ منتشرة إِلَيْهِ
(و) إِلَى (وَلَده) الذّكر وَإِن سفل من نسب أَو رضَاع لأَنهم أحفادهما (دون من كَانَ فِي دَرَجَته) أَي الرَّضِيع كأخيه فَلَا يحرم عَلَيْهَا تَزْوِيجه لما مر أَن الْحُرْمَة لَا تَنْتَشِر إِلَى حَوَاشِيه
وَعطف المُصَنّف على الْجُمْلَة المنفية قَوْله (أَو أَعلَى) أَي وَدون من كَانَ أَعلَى (طبقَة مِنْهُ) أَي الرَّضِيع كآبائه فَلَا يحرم عَلَيْهَا تَزْوِيج أحد أَبَوَيْهِ لما مر أَن الْحُرْمَة لَا تَنْتَشِر إِلَى آبَائِهِ وَتقدم فِي فصل مُحرمَات النِّكَاح مَا يحرم بِالنّسَبِ وَالرّضَاع فَارْجِع إِلَيْهِ
تَتِمَّة لَو كَانَ لرجل خمس مستولدات أَو لَهُ أَربع نسْوَة دخل بِهن وَأم ولد فرضع طِفْل من كل رضعة وَلَو متواليا صَار ابْنه لِأَن لبن الْجَمِيع مِنْهُ فيحرمن على الطِّفْل لِأَنَّهُنَّ موطوءات أَبِيه وَلَو كَانَ لرجل بدل المستولدات بَنَات أَو أَخَوَات فرضع طِفْل من كل رضعة فَلَا حُرْمَة بَين الرجل والطفل لِأَن الجدودة للْأُم فِي الصُّورَة الأولى والخؤولة فِي الصُّورَة الثَّانِيَة إِنَّمَا يثبتان بتوسط الأمومة وَلَا أمومة هُنَا وَيثبت الرَّضَاع بِشَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ أَو بِأَرْبَع نسْوَة لاخْتِصَاص النِّسَاء بالإطلاع عَلَيْهِ غَالِبا هَذَا إِذا كَانَ الْإِرْضَاع

(2/479)


من الثدي أما إِذا كَانَ بالشرب من إِنَاء أَو كَانَ بإيجار فَلَا تقبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء المتمحضات لِأَنَّهُنَّ لَا اخْتِصَاص لَهُنَّ بالاطلاع عَلَيْهِ
وَأما الْإِقْرَار بالإرضاع فَلَا بُد فِيهِ من رجلَيْنِ لاطلاع الرِّجَال عَلَيْهِ غَالِبا