الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

كتاب الْجِنَايَات
عبر بهَا دون الْجراح لتشمله وَالْقطع وَالْقَتْل وَنَحْوهمَا مِمَّا يُوجب حدا أَو تعزيرا وَهُوَ حسن وَهِي جمع جِنَايَة وجمعت وَإِن كَانَت مصدرا لتنوعها كَمَا سَيَأْتِي إِلَى عمد وَخطأ وَشبه عمد
وَالْأَصْل فِي ذَلِك قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى} وأخبار كَخَبَر الصَّحِيحَيْنِ اجتنبوا السَّبع الموبقات
قيل وَمَا هن يَا رَسُول الله قَالَ الشّرك بِاللَّه تَعَالَى وَالسحر وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَأكل الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم والتولي يَوْم الزَّحْف وَقذف الْمُحْصنَات الْغَافِلَات
القَوْل فِي ذَنْب الْقَتْل وَقتل الْآدَمِيّ عمدا بِغَيْر حق من أكبر الْكَبَائِر بعد الْكفْر
فقد سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الذَّنب أعظم عِنْد الله تَعَالَى قَالَ أَن تجْعَل لله ندا وَهُوَ خلقك
قيل ثمَّ أَي قَالَ أَن تقتل ولدك مَخَافَة أَن يطعم مَعَك رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَتَصِح تَوْبَة الْقَاتِل عمدا لِأَن الْكَافِر تصح تَوْبَته فَهَذَا أولى وَلَا يتحتم عَذَابه بل هُوَ فِي خطر الْمَشِيئَة وَلَا يخلد عَذَابه إِن عذب وَإِن أصر على ترك التَّوْبَة كَسَائِر ذَوي الْكَبَائِر غير الْكفْر
وَأما قَوْله تَعَالَى {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا} فَالْمُرَاد بالخلود الْمكْث الطَّوِيل
فَإِن الدَّلَائِل تظاهرت على أَن عصاة الْمُسلمين لَا يَدُوم عَذَابهمْ أَو مَخْصُوص بالمستحيل كَمَا ذكره عِكْرِمَة وَغَيره
وَإِن اقْتصّ مِنْهُ الْوَارِث أَو عَفا عَنهُ على مَال أَو مجَّانا فظواهر الشَّرْع تَقْتَضِي سُقُوط الْمُطَالبَة فِي الدَّار الْآخِرَة كَمَا أفتى بِهِ النَّوَوِيّ وَذكر مثله فِي شرح مُسلم
وَمذهب أهل السّنة أَن الْمَقْتُول لَا يَمُوت إِلَّا بأجله وَالْقَتْل لَا يقطع الْأَجَل خلافًا للمعتزلة فَإِنَّهُم قَالُوا الْقَتْل بِقطعِهِ
القَوْل فِي أَنْوَاع الْقَتْل ثمَّ شرع فِي تَقْسِيم الْقَتْل بقوله (الْقَتْل على ثَلَاثَة أضْرب عمد مَحْض وَخطأ مَحْض وَعمد خطأ) وَجه الْحصْر فِي

(2/494)


ذَلِك أَن الْجَانِي إِن لم يقْصد عين الْمَجْنِي عَلَيْهِ فَهُوَ الْخَطَأ
وَإِن قَصدهَا فَإِن كَانَ بِمَا يقتل غَالِبا فَهُوَ الْعمد وَإِلَّا فَشبه عمد كَمَا تُؤْخَذ هَذِه الثَّلَاثَة من قَوْله (فالعمد الْمَحْض) أَي الْخَالِص (هُوَ أَن يعمد) بِكَسْر الْمِيم أَي يقْصد (إِلَى ضربه) أَي الشَّخْص الْمَقْصُود بِالْجِنَايَةِ
(بِمَا يقتل غَالِبا) كجارح ومثقل وسحر
(ويقصد) بِفِعْلِهِ (قَتله بذلك) عُدْوانًا من حَيْثُ كَونه مزهقا للروح كَمَا فِي الرَّوْضَة فَخرج بِقَيْد قصد الْفِعْل مَا لَو تزلقت رجله فَوَقع على غَيره فَمَاتَ فَهُوَ خطأ وبقيد الشَّخْص الْمَقْصُود مَا لَو رمى زيدا فَأصَاب عمرا فَهُوَ خطأ
وبقيد الْغَالِب النَّادِر كَمَا لَو غرز إبرة فِي غير مقتل وَلم يعقبها ورم وَمَات فَلَا قصاص فِيهِ
وَإِن كَانَ عُدْوانًا وبقيد الْعدوان الْقَتْل الْجَائِز وبقيد حيثية الإزهاق للروح مَا إِذا اسْتحق حز رقبته قصاصا فَقده نِصْفَيْنِ فَلَا قصاص فِيهِ وَإِن كَانَ عُدْوانًا قَالَ فِي الرَّوْضَة لِأَنَّهُ لَيْسَ عُدْوانًا من حَيْثُ كَونه مزهقا وَإِنَّمَا هُوَ عدوان من حَيْثُ إِنَّه عدل عَن الطَّرِيق
فَائِدَة يُمكن انقسام الْقَتْل إِلَى الْأَحْكَام الْخَمْسَة وَاجِب وَحرَام ومكروه ومندوب ومباح فَالْأول قتل الْمُرْتَد إِذا لم يتب وَالْحَرْبِيّ إِذا لم يسلم أَو يُعْطي الْجِزْيَة وَالثَّانِي قتل الْمَعْصُوم بِغَيْر حق وَالثَّالِث قتل الْغَازِي قَرِيبه الْكَافِر إِذا لم يسب الله تَعَالَى أَو رَسُوله وَالرَّابِع قَتله إِذا سبّ أَحدهمَا وَالْخَامِس قتل الإِمَام الْأَسير إِذا اسْتَوَت الْخِصَال فَإِنَّهُ مُخَيّر فِيهِ وَأما قتل الْخَطَأ فَلَا يُوصف بحلال وَلَا حرَام لِأَنَّهُ غير مُكَلّف فِيمَا أَخطَأ فِيهِ فَهُوَ كَفعل الْمَجْنُون والبهيمة
الْوَاجِب فِي الْعمد الْمَحْض (فَيجب) فِي الْقَتْل الْعمد لَا فِي غَيره كَمَا سَيَأْتِي (الْقود) أَي الْقصاص لقَوْله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى} اي الْآيَة سَوَاء أمات فِي الْحَال أم بعده بسراية جِرَاحَة وَأما عدم وُجُوبه فِي غَيره فَسَيَأْتِي وَسمي الْقصاص قودا لأَنهم يقودون الْجَانِي بِحَبل أَو غَيره إِلَى مَحل الِاسْتِيفَاء وَإِنَّمَا وَجب الْقصاص فِيهِ لِأَنَّهُ بدل متْلف فَتعين جنسه كَسَائِر الْمُتْلفَات
(فَإِن عَفا) الْمُسْتَحق (عَنهُ) أَي الْقود مجَّانا سقط وَلَا دِيَة
وَكَذَا إِن أطلق الْعَفو لَا دِيَة على الْمَذْهَب لِأَن الْقَتْل لم يُوجب الدِّيَة وَالْعَفو إِسْقَاط ثَابت لَا إِثْبَات مَعْدُوم أَو عَفا على مَال (وَجَبت دِيَة مُغَلّظَة) كَمَا سنعرفه فِيمَا سَيَأْتِي (حَالَة فِي مَال الْقَاتِل) وَإِن لم يرض الْجَانِي لما روى

(2/495)


الْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد وَغَيره كَانَ فِي شرع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام تحتم الْقصاص جزما وَفِي شرع عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام الدِّيَة فَقَط
فَخفف الله تَعَالَى عَن هَذِه الْأمة وَخَيرهَا بَين الْأَمريْنِ لما فِي الْإِلْزَام بِأَحَدِهِمَا من الْمَشَقَّة وَلِأَن الْجَانِي مَحْكُوم عَلَيْهِ فَلَا يعْتَبر رِضَاهُ كالمحال عَلَيْهِ وَلَو عَفا عَن عُضْو من أَعْضَاء الْجَانِي سقط كُله كَمَا أَن تطليق بعض الْمَرْأَة تطليق لكلها
وَلَو عَفا بعض الْمُسْتَحقّين سقط أَيْضا وَإِن لم يرض الْبَعْض الآخر لِأَن الْقصاص لَا يتَجَزَّأ ويغلب فِيهِ جَانب السُّقُوط
القَوْل فِي الْخَطَأ الْمَحْض (وَالْخَطَأ الْمَحْض) هُوَ أَن يقْصد الْفِعْل دون الشَّخْص كَأَن (يَرْمِي إِلَى شَيْء) كشجرة أَو صيد (فَيُصِيب) إنْسَانا (رجلا) أَي ذكرا أَو غَيره (فيقتله) أَو يَرْمِي بِهِ زيدا فَيُصِيب عمرا كَمَا مر وَلم يقْصد أصل الْفِعْل كَأَن زلق فَسقط على غَيره فَمَاتَ كَمَا مر أَيْضا
(فَلَا قَود عَلَيْهِ) لقَوْله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله} اي فَأوجب الدِّيَة وَلم يتَعَرَّض للْقصَاص (بل تجب دِيَة) لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة (مُخَفّفَة على الْعَاقِلَة) كَمَا ستعرفه فِي فصلها
(مُؤَجّلَة) عَلَيْهِم لأَنهم يحملونها على سَبِيل الْمُوَاسَاة وَمن الْمُوَاسَاة تأجيلها عَلَيْهِم (فِي ثَلَاث سِنِين) بِالْإِجْمَاع كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَغَيره
(وَعمد الْخَطَأ) الْمُسَمّى بشبه الْعمد
هُوَ (أَن يقْصد ضربه) أَي الشَّخْص (بِمَا لَا يقتل غَالِبا) كسوط أَو عَصا خَفِيفَة أَو نَحْو ذَلِك (فَيَمُوت) بِسَبَبِهِ (فَلَا قَود عَلَيْهِ) لفقد الْآلَة القاتلة غَالِبا فموته بغَيْرهَا مصادفة قدر
(بل تجب دِيَة مُغَلّظَة) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا إِن فِي قَتِيل عمد الْخَطَأ قَتِيل السَّوْط أَو الْعَصَا مائَة من الْإِبِل مُغَلّظَة مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا وَالْمعْنَى فِيهِ أَن شبه الْعمد مُتَرَدّد بَين الْعمد وَالْخَطَأ فَأعْطِي حكم الْعمد من وَجه تغليظها وَحكم الْخَطَأ من وَجه كَونهَا (على الْعَاقِلَة)
لما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بذلك (مُؤَجّلَة) عَلَيْهِم كَمَا فِي دِيَة الْخَطَأ
تَنْبِيه جِهَات تحمل الدِّيَة ثَلَاث قرَابَة وَوَلَاء وَبَيت مَال لَا غَيرهَا
كزوجية وقرابة لَيست بعصبة وَلَا الفريد الَّذِي لَا عشيرة لَهُ فَيدْخل نَفسه فِي قَبيلَة ليعد مِنْهَا
الْجِهَة الأولى عصبَة الْجَانِي الَّذين يرثونه بِالنّسَبِ أَو الْوَلَاء إِذا كَانُوا ذُكُورا مكلفين
قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلَا أعلم مُخَالفا فِي أَن الْعَاقِلَة الْعصبَة وهم الْقَرَابَة من قبل الْأَب قَالَ وَلَا أعلم مُخَالفا فِي أَن الْمَرْأَة وَالصَّبِيّ إِن أيسرا لَا يحْملَانِ شَيْئا وَكَذَا الْمَعْتُوه عِنْدِي انْتهى
وَاسْتثنى من الْعصبَة أصل الْجَانِي وَإِن علا وفرعه وَإِن سفل لأَنهم أَبْعَاضه فَكَمَا لَا يتَحَمَّل الْجَانِي لَا يتَحَمَّل أَبْعَاضه
وَيقدم فِي تحمل الدِّيَة من الْعصبَة الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب
فَإِن لم يَفِ الْأَقْرَب بِالْوَاجِبِ بِأَن بَقِي مِنْهُ شَيْء وزع الْبَاقِي على من يَلِيهِ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَيقدم مِمَّن ذكر مدل بأبوين على مدل بأب فَإِن لم يَفِ مَا

(2/496)


عَلَيْهِم بِالْوَاجِبِ فمعتق ذكر لخَبر الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب ثمَّ إِن فقد الْمُعْتق أَو لم يَفِ مَا عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ فعصبته من نسب غير أَصله وَإِن علا وفرعه وَإِن سفل كَمَا مر فِي أصل الْجَانِي وفرعه ثمَّ مُعتق الْمُعْتق ثمَّ عصبته كَذَلِك وَهَكَذَا مَا عدا الأَصْل وَالْفرع ثمَّ مُعتق أَب الْجَانِي ثمَّ عصبته ثمَّ مُعتق مُعتق الْأَب وعصبته غير أَصله وفرعه
وَكَذَا أبدا وعتيق الْمَرْأَة يعقله عاقلتها ومعتقون فِي تحملهم كمعتق وَاحِد وكل شخص من عصبَة كل مُعتق يحمل مَا كَانَ يحملهُ ذَلِك الْمُعْتق فِي حَيَاته وَلَا يعقل عَتيق عَن مُعْتقه كَمَا لَا يَرِثهُ فَإِن فقد الْعَاقِل مِمَّن ذكر عقل ذَوُو الْأَرْحَام إِذا لم يَنْتَظِم أَمر بَيت المَال فَإِن انتظم عقل بَيت المَال فَإِن فقد بَيت المَال فكله على الْجَانِي بِنَاء على أَنَّهَا تلْزمهُ ابْتِدَاء ثمَّ تتحملها الْعَاقِلَة وَهُوَ الْأَصَح
وصفات من يعقل خمس الذُّكُورَة وَعدم الْفقر وَالْحريَّة والتكليف واتفاق الدّين فَلَا تعقل امْرَأَة وَلَا خُنْثَى نعم إِن بَان ذكرا غرم حِصَّته الَّتِي أَدَّاهَا غَيره وَلَا فَقير وَلَو كسوبا وَلَا رَقِيق وَلَو مكَاتبا وَلَا صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا مُسلم عَن كَافِر وَعَكسه
وَيعْقل يَهُودِيّ عَن نَصْرَانِيّ وَعَكسه كَالْإِرْثِ وعَلى الْغَنِيّ فِي كل سنة من الْعَاقِلَة وَهُوَ من يملك فَاضلا عَمَّا يبْقى لَهُ فِي الْكَفَّارَة عشْرين دِينَارا أَو قدرهَا اعْتِبَارا بِالزَّكَاةِ نصف دِينَار على أهل الذَّهَب أَو قدره دَرَاهِم على أهل الْفضة وعَلى الْمُتَوَسّط مِنْهُم وَهُوَ من يملك فَاضلا عَمَّا ذكر دون الْعشْرين دِينَارا أَو قدرهَا وَفَوق ربع دِينَار لِئَلَّا يبْقى فَقِيرا ربع دِينَار أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم لِأَنَّهُ وَاسِطَة بَين الْفَقِير الَّذِي لَا شَيْء عَلَيْهِ
والغني الَّذِي عَلَيْهِ نصف دِينَار وَتحمل الْعَاقِلَة الْجِنَايَة على العَبْد لِأَنَّهُ بدل آدَمِيّ فَفِي آخر كل سنة يُؤْخَذ من قِيمَته قدر ثلث دِيَة وَلَو قتل شخص رجلَيْنِ مثلا فَفِي ثَلَاث سِنِين
والأطراف كَقطع الْيَدَيْنِ والحكومات وأروش الْجِنَايَات تؤجل فِي كل سنة قدر ثلث دِيَة كَامِلَة وَأجل دِيَة النَّفس من الزهوق وَأجل دِيَة غير النَّفس كَقطع يَد من ابْتِدَاء الْجِنَايَة
وَمن مَاتَ من الْعَاقِلَة فِي أثْنَاء سنة سقط من وَاجِب تِلْكَ السّنة
القَوْل فِي شُرُوط وجوب الْقصاص (وشرائط وجوب الْقصاص) فِي الْعمد
(أَرْبَعَة) بل خَمْسَة كَمَا ستعرفه الأول (أَن يكون الْقَاتِل بَالغا)
وَالثَّانِي أَن يكون (عَاقِلا) فَلَا قصاص على صبي وَمَجْنُون لرفع الْقَلَم عَنْهُمَا وتضمينهما متلفاتهما إِنَّمَا هُوَ من بَاب خطاب الْوَضع فَتجب الدِّيَة فِي مَالهمَا
تَنْبِيه مَحل عدم الْجِنَايَة على الْمَجْنُون إِذا كَانَ جُنُونه مطبقا فَإِن تقطع فَلهُ حكم الْمَجْنُون حَال جُنُونه وَحكم الْعَاقِل حَال إِفَاقَته وَمن لزمَه قصاص ثمَّ جن استوفى مِنْهُ حَال جُنُونه لِأَنَّهُ لَا يقبل الرُّجُوع
وَلَو قَالَ كنت يَوْم الْقَتْل صَبيا أَو مَجْنُونا وَكذبه ولي الْمَقْتُول صدق الْقَاتِل بِيَمِينِهِ إِن أمكن الصِّبَا وَقت الْقَتْل وعهد الْجُنُون قبله لِأَن الأَصْل بقاؤهما بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن صباه وَلم يعْهَد جُنُونه
وَالْمذهب وجوب الْقصاص على السَّكْرَان الْمُتَعَدِّي بسكره لِأَنَّهُ مُكَلّف عِنْد غير النَّوَوِيّ
وَلِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى ترك الْقصاص لِأَن من رام الْقَتْل لَا يعجز أَن يسكر حَتَّى لَا يقْتَصّ مِنْهُ
وَهَذَا كالمستثنى من شَرط الْعقل
وَهُوَ من قبيل ربط الْأَحْكَام بالأسباب وَألْحق بِهِ من تعدى بِشرب دَوَاء يزِيل الْعقل أما غير الْمُتَعَدِّي فَهُوَ كالمعتوه فَلَا قصاص عَلَيْهِ وَلَا قصاص وَلَا دِيَة على حَرْبِيّ قتل حَال حرابته وَإِن عصم بعد ذَلِك بِإِسْلَام أَو عقد ذمَّة لما تَوَاتر من فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة بعده من عدم الْقصاص مِمَّن أسلم كوحشي قَاتل حَمْزَة وَلعدم الْتِزَامه الْأَحْكَام

(2/497)


(و) الثَّالِث (أَن لَا يكون) الْقَاتِل (والدا للمقتول) فَلَا قصاص بقتل ولد للْقَاتِل وَإِن سفل لخَبر الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وصححاه لَا يُقَاد للِابْن من أَبِيه وَلَو كَافِرًا ولرعاية حرمته وَلِأَنَّهُ كَانَ سَببا فِي وجوده فَلَا يكون هُوَ سَببا فِي عَدمه
تَنْبِيه هَل يقتل بولده الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ وَجْهَان ويجريان فِي الْقطع بِسَرِقَة مَاله وَقبُول شَهَادَته لَهُ
قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَالْأَشْبَه أَنه يقتل بِهِ مَا دَامَ مصرا على النَّفْي انْتهى
وَالْأَوْجه أَنه لَا يقتل بِهِ مُطلقًا للشُّبْهَة كَمَا قَالَه غَيره
وَلَا قصاص للْوَلَد على الْوَالِد
كَأَن قتل زَوْجَة نَفسه وَله مِنْهَا ولد أَو قتل زَوْجَة ابْنه أَو لزمَه قَود فورث بعضه وَلَده كَأَن قتل أَبَا زَوجته ثمَّ مَاتَت الزَّوْجَة وَله مِنْهَا ولد لِأَنَّهُ إِذا لم يقتل بِجِنَايَتِهِ على وَلَده فَلِأَن لَا يقتل بِجِنَايَتِهِ على من لَهُ فِي قَتله حق أولى
وَأفهم كَلَامه أَن الْوَلَد يقتل بِكُل وَاحِد من وَالِديهِ وَهُوَ كَذَلِك بِشَرْط التَّسَاوِي فِي الْإِسْلَام وَالْحريَّة
إِلَّا أَنه يسْتَثْنى مِنْهُ الْمكَاتب إِذا قتل أَبَاهُ وَهُوَ يملكهُ فَلَا يقتل بِهِ على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَيقتل الْمَحَارِم بعضم بِبَعْض وَيقتل العَبْد بِعَبْد لوالده
(و) الرَّابِع (أَن لَا يكون الْمَقْتُول أنقص من الْقَاتِل بِكفْر أَو رق) أَو هدر دم تَحْقِيقا للمكافأة الْمَشْرُوطَة لوُجُوب الْقصاص بالأدلة الْمَعْرُوفَة فَإِن كَانَ أنقص بِأَن قتل مُسلم كَافِرًا أَو حر من فِيهِ رق أَو مَعْصُوم بِالْإِسْلَامِ زَانيا مُحصنا فَلَا قصاص حِينَئِذٍ وَخرج بتقييد الْعِصْمَة بِالْإِسْلَامِ الْمَعْصُوم بجزية كالذمي فَإِنَّهُ يقتل بالزاني الْمُحصن وبذمي أَيْضا وَإِن اخْتلفت ملتهما فَيقْتل يَهُودِيّ بنصراني ومعاهد ومستأمن ومجوسي وَعَكسه لِأَن الْكفْر كُله مِلَّة وَاحِدَة من حَيْثُ إِن النّسخ شَمل الْجَمِيع
فَلَو أسلم الذِّمِّيّ الْقَاتِل لم يسْقط الْقصاص لتكافؤهما حَال الْجِنَايَة
لِأَن الِاعْتِبَار فِي الْعُقُوبَات بِحَال الْجِنَايَات وَلَا نظر لما يحدث بعْدهَا وَيقتل رجل بِامْرَأَة وَخُنْثَى كَعَكْسِهِ وعالم بجاهل كَعَكْسِهِ وشريف بخسيس وَشَيخ بشاب كعسكهما
وَالْخَامِس عصمَة الْقَتِيل بِإِيمَان أَو أَمَان كعقد ذمَّة أَو عهد لقَوْله تَعَالَى {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه} اي الْآيَة وَلقَوْله تَعَالَى {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} اي الْآيَة فيهدر الْحَرْبِيّ وَلَو صَبيا وَامْرَأَة وعبدا لقَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ومرتد فِي حق مَعْصُوم لخَبر من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ كزان مُحصن قَتله مُسلم مَعْصُوم كَمَا مر لاستيفائه حق الله

(2/498)


تَعَالَى سَوَاء أثبت زِنَاهُ بِإِقْرَارِهِ أم بِبَيِّنَة
وَمن عَلَيْهِ قَود لقاتله لاستيفائه حَقه وَيقتل قن ومدبر ومكاتب وَأم ولد بَعضهم بِبَعْض وَإِن كَانَ الْمَقْتُول الْكَافِر وَالْقَاتِل الْمُسلم وَلَو قتل عبد عبدا ثمَّ عتق الْقَاتِل فكحدوث الْإِسْلَام لذِمِّيّ قتل وَحكمه كَمَا سبق وَمن بعضه حر لَو قتل مثله سَوَاء ازادت حريَّة الْقَاتِل على حريَّة الْمَقْتُول أم لَا لَا قصاص لِأَنَّهُ لم يقتل بِالْبَعْضِ الْحر الْبَعْض الْحر وبالرقيق الرَّقِيق بل قَتله جَمِيعه بِجَمِيعِهِ حريَّة وَرقا شَائِعا فَيلْزم قتل جُزْء حريَّة بِجُزْء رق وَهُوَ مُمْتَنع والفضيلة فِي شخص لَا بِخَبَر النَّقْص فِيهِ وَلِهَذَا لَا قصاص بَين عبد مُسلم وحر ذمِّي لِأَن الْمُسلم لَا يقتل بالذمي وَالْحر لَا يقتل بِالْعَبدِ وَلَا تجبر فَضِيلَة كل مِنْهُمَا نقيضته
القَوْل فِي قتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ (وَتقتل الْجَمَاعَة) وَإِن كَثُرُوا (بِالْوَاحِدِ) وَإِن تفاضلت جراحاتهم فِي الْعدَد وَالْفُحْش وَالْأَرْش سَوَاء أقتلوه بمحدد أم بِغَيْرِهِ كَأَن ألقوه من شَاهِق وَفِي بَحر لما روى مَالك أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قتل نَفرا خَمْسَة أَو سَبْعَة بِرَجُل قَتَلُوهُ غيلَة أَي حِيلَة بِأَن يخدع وَيقتل فِي مَوضِع لَا يرَاهُ فِيهِ أحد وَقَالَ لَو تمالأ أَي اجْتمع عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم بِهِ جَمِيعًا وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد فَصَارَ ذَلِك إِجْمَاعًا وَلِأَن الْقصاص عُقُوبَة تجب للْوَاحِد على الْوَاحِد فَتجب للْوَاحِد على الْجَمَاعَة كَحَد الْقَذْف وَلِأَنَّهُ شرع لحقن الدِّمَاء فَلَو لم يجب عِنْد الِاشْتِرَاك لَكَانَ كل من أَرَادَ أَن يقتل شخصا اسْتَعَانَ بآخر على قَتله وَاتخذ ذَلِك ذَرِيعَة لسفك الدِّمَاء لِأَنَّهُ صَار آمنا من الْقصاص وللولي الْعَفو عَن بَعضهم على الدِّيَة وَعَن جَمِيعهم عَلَيْهَا
ثمَّ إِن كَانَ الْقَتْل بجراحات وزعت الدِّيَة بِاعْتِبَار عدد الرؤوس لِأَن تَأْثِير الْجِرَاحَات لَا يَنْضَبِط وَقد تزيد نكاية الْجرْح الْوَاحِد على جراحات كَثِيرَة وَإِن كَانَ بِالضَّرْبِ فعلى عدد الضربات لِأَنَّهَا تلاقي الظَّاهِر وَلَا يعظم فِيهَا التَّفَاوُت بِخِلَاف الْجِرَاحَات
وَمن قتل جمعا مُرَتبا قتل بأولهم أَو دفْعَة فبالقرعة وللباقين الدِّيات لتعذر الْقصاص عَلَيْهِم فَلَو قَتله غير الأول من الْمُسْتَحقّين فِي الأولى أَو غير من خرجت قرعته مِنْهُم فِي الثَّانِيَة عصى وَوَقع قَتله قصاصا وللباقين الدِّيات لتعذر الْقصاص عَلَيْهِم بِغَيْر اختيارهم
وَلَو قَتَلُوهُ كلهم أساؤوا وَوَقع الْقَتْل موزعا عَلَيْهِم وَرجع كل مِنْهُم بِالْبَاقِي لَهُ من الدِّيَة

(2/499)


عُفيَ عَنهُ قَوْله (على عدد الضربات الخ) وَهُوَ المعمتد وَقيل على عدد الرؤوس هَذَا إِن عرف عدد الضربات وَإِلَّا فعلى عدد الرؤوس قَوْله (وَمن قتل جمعا الخ) هَذَا عكس مَا فِي الْمَتْن قَوْله مُرَتبا أَي يَقِينا وَقَوله دفْعَة أَي وَلَو احْتِمَالا فَيدْخل فِي الثَّانِيَة (وكل شَخْصَيْنِ جري الْقصاص بَينهمَا فِي النَّفس) بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة (يجْرِي بَينهمَا) الْقصاص أَيْضا (فِي) قطع (الْأَطْرَاف) وَفِي الْجرْح الْمُقدر كالموضحة كَمَا سَيذكرُهُ المُصَنّف وَفِي إِزَالَة بعض الْمَنَافِع المضبوطة كضوء الْعين والسمع والشم والبطش والذوق
قَالَ فِي الرَّوْضَة لِأَن لَهَا محالا مضبوطة وَلأَهل الْخِبْرَة طرق فِي إِبْطَالهَا
القَوْل فِي شُرُوط الْقصاص فِي الْأَطْرَاف (وشرائط وجوب الْقصاص فِي الْأَطْرَاف بعد الشَّرَائِط) الْخَمْسَة (الْمَذْكُورَة) فِي قصاص النَّفس (اثْنَان) الأول (الِاشْتِرَاك فِي الِاسْم الْخَاص) رِعَايَة للمماثلة (الْيُمْنَى باليمنى واليسرى باليسرى) فَلَا تقطع يسَار بِيَمِين وَلَا شفة سفلى بعليا وعكسهما وَلَا حَادث بعد الْجِنَايَة بموجود فَلَو قلع سنا لَيْسَ لَهُ مثلهَا فَلَا قَود وَإِن نبت لَهُ مثلهَا بعد وَخرج بِقَيْد الِاسْم الْخَاص الِاشْتِرَاك فِي الْبدن فَلَا يشْتَرط فَيقطع الرجل بِالْمَرْأَةِ وَعَكسه وَالذِّمِّيّ بِالْمُسلمِ وَالْعَبْد بِالْحرِّ وَلَا عكس فيهمَا
قَالَه فِي الرَّوْضَة
(و) الثَّانِي (أَن لَا يكون بِأحد الطَّرفَيْنِ) أَي الْجَانِي والمجني عَلَيْهِ (شلل) وَهُوَ يبس فِي الْعُضْو يبطل عمله فَلَا تقطع صَحِيحَة من يَد أَو رجل بشلاء وَإِن رَضِي بِهِ الْجَانِي أَو شلت يَده أَو رجله بعد الْجِنَايَة لانْتِفَاء الْمُمَاثلَة فَلَو خَالف صَاحب الشلاء وَفعل الْقطع بِغَيْر إِذن الْجَانِي لم يقطع قصاصا لِأَنَّهُ غير مُسْتَحقّ بل عَلَيْهِ دِيَتهَا وَله حُكُومَة يَده الشلاء فَلَو سرى الْقطع فَعَلَيهِ قصاص النَّقْص لتفويتها بِغَيْر حق وتقطع الشلاء بالشلاء إِذا اسْتَويَا فِي الشلل أَو كَانَ شلل الْجَانِي أَكثر وَلم يخف نزف الدَّم وَإِلَّا فَلَا قطع
وتقطع الشلاء أَيْضا بالصحيحة لِأَنَّهَا دون حَقه إِلَّا أَن يَقُول أهل الْخِبْرَة لَا يَنْقَطِع الدَّم بل تنفتح أَفْوَاه الْعُرُوق وَلَا تنسد بحسم النَّار وَلَا غَيره فَلَا تقطع بهَا وَإِن رَضِي الْجَانِي كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم حذرا من اسْتِيفَاء النَّفس بالطرف فَإِن قَالُوا يَنْقَطِع الدَّم وقنع بهَا مستوفيها بِأَن لَا يطْلب أرشا لشلل قطعت لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الجرم
وَإِن اخْتلفَا فِي الصّفة لِأَن الصّفة الْمُجَرَّدَة لَا تقَابل بِمَال وَكَذَا لَو قتل الذِّمِّيّ بِالْمُسلمِ وَالْعَبْد بِالْحرِّ لم يجب لفضيلة الْإِسْلَام وَالْحريَّة شَيْء وَيقطع عُضْو سليم بأعسم وأعرج إِذْ لَا خلل فِي الْعُضْو والعسم بمهملتين مفتوحتين تشنج فِي الْمرْفق أَو قصر فِي الساعد أَو الْعَضُد وَلَا أثر فِي الْقصاص فِي يَد أَو رجل لخضرة أظفار وسوادها لِأَنَّهُ عِلّة أَو مرض فِي الظفر وَذَلِكَ لَا يُؤثر فِي وجوب الْقصاص وتقطع ذَاهِبَة الْأَظْفَار بسليمتها لِأَنَّهَا دونهَا دون عَكسه
لِأَن الْكَامِل لَا يُؤْخَذ بالناقص وَالذكر صِحَة وشللا كَالْيَدِ صِحَة وشللا أَو لذكر الأشل منقبض لَا ينبسط وَعَكسه وَلَا أثر للانتشار وَعَدَمه
فَيقطع ذكر فَحل بِذكر خصي وعنين وأنف صَحِيح الشم بأخشم
وتقطع أذن سميع بِأَصَمَّ وَلَا تُؤْخَذ عين صَحِيحَة بحدقة عمياء وَلَا

(2/500)


لِسَان نَاطِق بأخرس وَفِي قلع السن قصاص قَالَ تَعَالَى {وَالسّن بِالسِّنِّ} اي فَلَا قصاص فِي كسرهَا كَمَا لَا قصاص فِي كسر الْعِظَام نعم إِن أمكن فِيهَا الْقصاص فَعَن النَّص أَنه يجب لِأَن السن عظم مشَاهد من أَكثر الجوانب وَلأَهل الصَّنْعَة آلَات قطاعة يعْتَمد عَلَيْهَا فِي الضَّبْط فَلم تكن كَسَائِر الْعِظَام وَلَو قلع شخص مثغور وَهُوَ الَّذِي سَقَطت رواضعه سنّ كَبِير أَو صَغِير لم تسْقط أَسْنَانه الرواضع وَمِنْهَا المقلوعة فَلَا ضَمَان فِي الْحَال لِأَنَّهَا تعود غَالِبا فَإِن جَاءَ وَقت نباتها بِأَن سقط الْبَوَاقِي ونبتت دون المقلوعة وَقَالَ أهل الْخِبْرَة فسد المنبت وَجب الْقصاص فِيهَا حِينَئِذٍ وَلَا يسْتَوْفى للصَّغِير فِي صغره لِأَن الْقصاص للتشفي وَلَو قلع شخص سنّ مثغور فَنَبَتَتْ لم يسْقط الْقصاص لِأَن عودهَا نعْمَة جَدِيدَة من الله تَعَالَى (وكل عُضْو أَخذ) أَي قطع جِنَايَة (من مفصل) بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْمُهْملَة كالمرفق والأنامل والكوع ومفصل الْقدَم وَالركبَة
(فَفِيهِ الْقصاص) لانضباط ذَلِك مَعَ الْأَمْن من اسْتِيفَاء الزِّيَادَة وَلَا يضر فِي الْقصاص عِنْد مُسَاوَاة الْمحل كبر وَصغر وَقصر وَطول وَقُوَّة بَطش وَضَعفه فِي عُضْو أُصَلِّي أَو زَائِد
وَمن المفاصل أصل الْفَخْذ والمنكب فَإِن أمكن الْقصاص فيهمَا بِلَا جَائِفَة اقْتصّ وَإِلَّا فَلَا سَوَاء أجاف الْجَانِي أم لَا
نعم إِن مَاتَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ بذلك قطع الْجَانِي وَإِن لم يُمكن بِلَا إجافة وَيجب الْقصاص فِي فقء عين وَفِي قطع أذن وجفن وشفة سفلى وعليا ولسان وَذكر وأنثيين وشفرين وهما بِضَم الشين الْمُعْجَمَة تنثية شفر وَهُوَ حرف الْفرج وَفِي الأليتين وهما اللحمان الناتئان بَين الظّهْر والفخذ (وَلَا قصاص فِي الجروح) فِي سَائِر الْبدن لعدم ضَبطهَا وَعدم أَمن الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان طولا وعرضا (إِلَّا فِي) الْجراحَة (الْمُوَضّحَة) للعظم فِي أَي مَوضِع من الْبدن من غير كسر فَفِيهَا الْقصاص لتيسر ضَبطهَا
القَوْل فِي حكم الجروح فِي الْقصاص تَتِمَّة يعْتَبر قدر الْمُوَضّحَة بالمساحة طولا وعرضا فِي قصاصها لَا بالجزئية لِأَن الرأسين مثلا قد يَخْتَلِفَانِ صغرا وكبرا وَلَا يضر تفَاوت غلظ لحم وَجلد فِي قصاصها وَلَو أوضح كل رَأس المشجوج وَرَأس الشاج أَصْغَر من رَأسه استوعبناه إيضاحا وَلَا نكتفي بِهِ وَلَا نتممه من غَيره بل نَأْخُذ قسط الْبَاقِي من أرش الْمُوَضّحَة لَو وزع على جَمِيعهَا
وَإِن كَانَ رَأس الشاج أكبر من رَأس المشجوج أَخذ مِنْهُ قدر مُوضحَة رَأس المشجوج فَقَط والخيرة فِي تعْيين مَوْضِعه للجاني وَلَو أوضح نَاصِيَة من شخص وناصيته أَصْغَر من نَاصِيَة الْمَجْنِي عَلَيْهِ تمم من بَاقِي الرَّأْس لِأَن الرَّأْس كُله عُضْو وَاحِد وَلَو زَاد الْمُقْتَص عمدا فِي مُوضحَة على حَقه لزمَه قصاص الزِّيَادَة لتعمده
فَإِن كَانَ الزَّائِد خطأ أَو شبه عمد أَو عمدا وعفي عَنهُ على مَال وَجب أرش كَامِل وَلَو أوضحه جمع

(2/501)


بتحاملهم على آلَة وَاحِدَة أوضح من كل وَاحِد مِنْهُم مُوضحَة مثلهَا كَمَا لَو اشْتَركُوا فِي قطع عُضْو

فصل فِي الدِّيَة
وَهِي فِي الشَّرْع اسْم لِلْمَالِ الْوَاجِب بِجِنَايَة على الْحر فِي نفس أَو فِيمَا دونهَا وَذكرهَا المُصَنّف عقب الْقصاص لِأَنَّهَا بدل عَنهُ على الصَّحِيح
وَالْأَصْل فِيهَا الْكِتَابِيّ وَالسّنة وَالْإِجْمَاع قَالَ تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله اي وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة طافحة بذلك وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على وُجُوبهَا فِي الْجُمْلَة
القَوْل فِي أَنْوَاع الدِّيَة (وَالدية) الْوَاجِبَة ابْتِدَاء أَو بَدَلا (على ضَرْبَيْنِ) الأول (مُغَلّظَة) من ثَلَاثَة أوجه أَو من وَجه وَاحِد
(و) الثَّانِي (مُخَفّفَة) من ثَلَاثَة أوجه أَو من وَجْهَيْن
تَنْبِيه الدِّيَة قد يعرض لَهَا مَا يغلظها وَهُوَ أحد أَسبَاب خَمْسَة كَون الْقَتْل عمدا أَو شبه عمد أَو فِي الْحرم أَو فِي الْأَشْهر الْحرم أَو ذِي رحم محرم
وَقد يعرض لَهَا مَا ينقصها وَهُوَ أحد أَسبَاب أَرْبَعَة الْأُنُوثَة وَالرّق وَقتل الْجَنِين وَالْكفْر
فَالْأول يردهَا إِلَى الشّطْر وَالثَّانِي إِلَى الْقيمَة وَالثَّالِث إِلَى الْغرَّة وَالرَّابِع إِلَى الثُّلُث أَو أقل وَكَون الثَّانِي أنقص جرى على الْغَالِب وَإِلَّا فقد تزيد الْقيمَة على الدِّيَة
القَوْل فِي الدِّيَة الْمُغَلَّظَة ثمَّ شرع المُصَنّف فِي الْقسم الأول وَهِي الْمُغَلَّظَة فَقَالَ (فالمغلظة مائَة من الْإِبِل) فِي الْقَتْل الْعمد سَوَاء وَجب فِيهِ قصاص

(2/502)


وعفي على مَال أم لَا كَقَتل الْوَالِد وَلَده
(ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة) وَتقدم بيانهما فِي الزَّكَاة (وَأَرْبَعُونَ خلفة) وَهِي الَّتِي (فِي بطونها أَوْلَادهَا) لخَبر التِّرْمِذِيّ بذلك وَالْمعْنَى أَن الْأَرْبَعين حوامل وَيثبت حملهَا بقول أهل الْخِبْرَة بِالْإِبِلِ
وَذَلِكَ فِي قتل الذّكر الْحر الْمُسلم المحقون الدَّم غير جَنِين انْفَصل بِجِنَايَة مَيتا وَالْقَاتِل لَهُ لَا رق فِيهِ لِأَن الله تَعَالَى أوجب فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة دِيَة وَبَينهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كتاب عَمْرو بن حزم فِي قَوْله فِي النَّفس مائَة من الْإِبِل رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَنقل ابْن عبد الْبر وَغَيره فِيهِ الْإِجْمَاع
وَلَا تخْتَلف الدِّيَة بالفضائل والرذائل وَإِن اخْتلفت بالأديان والذكورة وَالْأُنُوثَة بِخِلَاف الْجِنَايَة على الرَّقِيق فَإِن فِيهِ الْقيمَة الْمُخْتَلفَة أما إِذا كَانَ غير محقون الدَّم كتارك الصَّلَاة كسلا وَالزَّانِي الْمُحصن إِذا قتل كلا مِنْهُمَا مُسلم فَلَا دِيَة فِيهِ وَلَا كَفَّارَة وَإِن كَانَ الْقَاتِل رَقِيقا لغير الْمَقْتُول وَلَو مكَاتبا وَأم ولد فَالْوَاجِب أقل الْأَمريْنِ من قِيمَته
وَالدية وَإِن كَانَ مبعضا لزمَه لجِهَة الْحُرِّيَّة الْقدر الَّذِي يُنَاسِبهَا من نصف أَو ثلث مثلا ولجهة الرّقية أقل الْأَمريْنِ من الْقيمَة وَالدية وَهَذِه الدِّيَة مُغَلّظَة من ثَلَاثَة أوجه كَونهَا على الْجَانِي وَحَالَة وَمن جِهَة السن والخلفة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام وبالفاء وَلَا جمع لَهَا من لَفظهَا عِنْد الْجُمْهُور بل من مَعْنَاهَا وَهُوَ مَخَاض كامرأة وَنسَاء
وَقَالَ الْجَوْهَرِي جمعهَا خلف بِكَسْر اللَّام وَابْن سَيّده خلفات وَفِي شبه الْعمد مُغَلّظَة من وَجه وَاحِد وَهُوَ كَونهَا مُثَلّثَة
القَوْل فِي الدِّيَة المخففة (والمخففة) بِسَبَب قتل الذّكر الْحر الْمُسلم
(مائَة من الْإِبِل) وَهِي فِي الْخَطَأ مُخَفّفَة من ثَلَاثَة أوجه الأول وُجُوبهَا مخمسة (عشرُون حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض) وَتقدم بَيَانهَا فِي الزَّكَاة
وَالثَّانِي وُجُوبهَا على الْعَاقِلَة
وَالثَّالِث وُجُوبهَا مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين
القَوْل فِي دِيَة شبه الْعمد وَفِي شبه الْعمد مُخَفّفَة من وَجْهَيْن وهما وُجُوبهَا على الْعَاقِلَة ووجوبها مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين وَلَا يقبل فِي إبل الدِّيَة معيب بِمَا يثبت الرَّد فِي الْمَبِيع وَإِن كَانَت إبل من لَزِمته مَعِيبَة لِأَن الشَّرْع أطلقها فاقتضت السَّلامَة وَخَالف ذَلِك الزَّكَاة لتعلقها بِعَين المَال وَخَالف الْكَفَّارَة أَيْضا لِأَن مقصودها تَخْلِيص الرَّقَبَة من الرّقّ لتستقل فَاعْتبر فِيهَا السَّلامَة مِمَّا يُؤثر فِي الْعَمَل والاستقلال إِلَّا بِرِضا الْمُسْتَحق بذلك إِذا كَانَ أَهلا للتبرع لِأَن الْحق لَهُ فَلهُ إِسْقَاطه
وَمن لَزِمته دِيَة وَله إبل فتؤخذ مِنْهَا وَلَا يُكَلف غَيرهَا لِأَنَّهَا تُؤْخَذ على سَبِيل الْمُوَاسَاة فَكَانَت مِمَّا عِنْده كَمَا تجب الزَّكَاة فِي نوع النّصاب فَإِن لم يكن لَهُ إبل فَمن غَالب إبل بَلْدَة بلدي أَو غَالب إبل قَبيلَة بدوي لِأَنَّهَا بدل متْلف فَوَجَبَ فِيهَا الْبَدَل الْغَالِب كَمَا فِي قيمَة الْمُتْلفَات فَإِن لم يكن فِي الْبَلدة أَو الْقَبِيلَة إبل بِصفة الْإِجْزَاء

(2/503)


فتؤخذ من غَالب إبل أقرب بِلَاد أَو أقرب قبائل إِلَى مَوضِع الْمُؤَدِّي فَيلْزمهُ نقلهَا كَمَا فِي زَكَاة الْفطر مَا لم تبلغ مُؤنَة نقلهَا مَعَ قيمتهَا أَكثر من ثمن الْمثل ببلدة أَو قَبيلَة الْعَدَم فَإِنَّهُ لَا يجب حِينَئِذٍ نقلهَا وَهَذَا مَا جرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري وَهُوَ أولى من الضَّبْط بمسافة الْقصر وَإِذا وَجب نوع من الْإِبِل لَا يعدل عَنهُ إِلَى نوع من غير ذَلِك الْوَاجِب وَلَا إِلَى قيمَة عَنهُ إِلَّا بتراض من الْمُؤَدِّي والمستحق
تَنْبِيه مَا ذكره المُصَنّف من التَّغْلِيظ وَالتَّخْفِيف فِي النَّفس يجْرِي مثله فِي الْأَطْرَاف والجروح
القَوْل فِي الحكم إِذا عدمت الْإِبِل (فَإِن عدمت الْإِبِل) حسا بِأَن لم تُوجد فِي مَوضِع يجب تَحْصِيلهَا مِنْهُ أَو شرعا بِأَن وجدت فِيهِ بِأَكْثَرَ من ثمن مثلهَا (انْتقل إِلَى قيمتهَا) وَقت وجوب تَسْلِيمهَا بَالِغَة مَا بلغت لِأَنَّهَا بدل متْلف فَيرجع إِلَى قيمتهَا عِنْد إعواز أَصله وَتقوم بِنَقْد بَلَده الْغَالِب لِأَنَّهُ أقرب من غَيره وأضبط
فَإِن كَانَ فِيهِ نقدان فَأكْثر لَا غَالب فيهمَا تخير الْجَانِي بَينهمَا وَهَذَا هُوَ القَوْل الْجَدِيد وَهُوَ الصَّحِيح
(وَقيل) وَهُوَ القَوْل الْقَدِيم (ينْتَقل) الْمُسْتَحق عِنْد عدمهَا (إِلَى) أَخذ (ألف دِينَار) من أهل الدَّنَانِير (أَو) ينْتَقل (إِلَى اثْنَي عشر ألف دِرْهَم) فضَّة من أهل الدَّرَاهِم وَالْمُعْتَبر فيهمَا الْمَضْرُوب الْخَالِص (و) على الْقَدِيم (إِن غلظت) الدِّيَة وَلَو من وَجه وَاحِد (زيد عَلَيْهَا) لأجل التَّغْلِيظ (الثُّلُث) أَي قدره على أحد الْوَجْهَيْنِ المفرعين عَلَيْهِ
فَفِي الدَّنَانِير ألف وثلاثمائة وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ دِينَارا وَثلث دِينَار وَفِي الْفضة سِتَّة عشر ألف دِرْهَم وَالْمُصَنّف فِي هَذَا تَابع لصَاحب الْمُهَذّب وَهُوَ ضَعِيف
وأصحهما فِي الرَّوْضَة إِنَّه لَا يُزَاد شَيْء لِأَن التَّغْلِيظ فِي الْإِبِل إِنَّمَا ورد بِالسِّنِّ وَالصّفة لَا بِزِيَادَة الْعدَد وَذَلِكَ لَا يُوجد فِي الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم
القَوْل فِي أَسبَاب تَغْلِيظ دِيَة الْخَطَأ (وتغلظ دِيَة الْخَطَأ) من وَجه وَاحِد وَهُوَ وُجُوبهَا مُثَلّثَة (فِي) أحد (ثَلَاثَة مَوَاضِع) الأول (إِذا قتل) خطأ (فِي الْحرم) أَي حرم مَكَّة فَإِنَّهَا تثلث فِيهِ لِأَن لَهُ تَأْثِيرا فِي الْأَمْن بِدَلِيل إِيجَاب جَزَاء الصَّيْد الْمَقْتُول فِيهِ سَوَاء أَكَانَ الْقَاتِل والمقتول فِيهِ أم أُصِيب الْمَقْتُول فِيهِ وَرمى من خَارجه أم قطع السهْم فِي مروره هَوَاء الْحرم وهما بِالْحلِّ
تَنْبِيه الْكَافِر لَا تغلظ دِيَته فِي الْحرم كَمَا قَالَه الْمُتَوَلِي لِأَنَّهُ مَمْنُوع من دُخُوله فَلَو دخله لضَرُورَة اقتضته فَهَل تغلظ أَو يُقَال هَذَا نَادِر الْأَوْجه الثَّانِي وَخرج بِالْحرم الْإِحْرَام لِأَن حرمته عارضة غير مستمرة وبمكة حرم الْمَدِينَة بِنَاء على منع الْجَزَاء بقتل صَيْده وَهُوَ الْأَصَح
وَالثَّانِي مَا ذكره بقوله (أَو) قتل خطأ (فِي) بعض (الْأَشْهر الْحرم) الْأَرْبَعَة وَهِي ذُو الْقعدَة بِفَتْح الْقَاف وَذُو الْحجَّة بِكَسْر الْحَاء على الْمَشْهُور فيهمَا وسميا بذلك لقعودهم عَن الْقِتَال فِي الأول ولوقوع الْحَج فِي الثَّانِي وَالْمحرم بتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة سمي بذلك لتَحْرِيم الْقِتَال فِيهِ
وَقيل لتَحْرِيم الْجنَّة على إِبْلِيس حَكَاهُ صَاحب المستعذب ودخلته اللَّام دون غَيره من الشُّهُور لِأَنَّهُ أَولهَا فعرفوه كَأَنَّهُ قيل هَذَا الشَّهْر الَّذِي يكون أبدا أول السّنة
وَرَجَب وَيُقَال لَهُ الْأَصَم والأصب وَهَذَا التَّرْتِيب الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي عد الْأَشْهر الْحرم وَجعلهَا من سنتَيْن هُوَ الصَّوَاب كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم
وعدها الْكُوفِيُّونَ من سنة وَاحِدَة فَقَالُوا الْمحرم وَرَجَب وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة قَالَ ابْن دحْيَة وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِيمَا إِذا نذر صيامها أَي مرتبَة فعلى الأول يبْدَأ بِذِي الْقعدَة وعَلى الثَّانِي بالمحرم

(2/504)


وَالثَّالِث مَا ذكره بقوله
(أَو قتل) خطأ محرما (ذَات رحم) أَي قريب
(محرم) كالأم وَالْأُخْت لما فِي ذَلِك من قطيعة الرَّحِم وَخرج بِمحرم ذَات رحم صُورَتَانِ الأولى مَا إِذا انْفَرَدت الْمَحْرَمِيَّة عَن الرَّحِم كَمَا فِي الْمُصَاهَرَة
وَالرّضَاع فَلَا يغلظ بهَا الْقَتْل قطعا
الثَّانِيَة أَن تنفرد الرحمية عَن الْمَحْرَمِيَّة كأولاد الْأَعْمَام والأخوال فَلَا تغلظ فيهم على الْأَصَح عِنْد الشَّيْخَيْنِ لما بَينهمَا من التَّفَاوُت فِي الْقَرَابَة
تَنْبِيه يدْخل التَّغْلِيظ وَالتَّخْفِيف فِي دِيَة الْمَرْأَة وَالذِّمِّيّ وَنَحْوه مِمَّن لَهُ عصمَة وَفِي قطع الطّرف وَفِي دِيَة الْجرْح بِالنِّسْبَةِ لدية النَّفس وَلَا يدْخل قيمَة العَبْد تَغْلِيظ وَلَا تَخْفيف بل الْوَاجِب قِيمَته يَوْم التّلف على قِيَاس سَائِر المتقومات
وَلَا تَغْلِيظ فِي قتل الْجَنِين بِالْحرم كَمَا يَقْتَضِيهِ إِطْلَاقهم وَصرح بِهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَإِن كَانَ مُقْتَضى النَّص خِلَافه وَلَا تَغْلِيظ فِي الحكومات كَمَا نَقله الزَّرْكَشِيّ عَن تَصْرِيح الْمَاوَرْدِيّ وَإِن كَانَ مُقْتَضى كَلَام الشَّيْخَيْنِ خِلَافه
وَتَقْيِيد المُصَنّف الْقَتْل بالْخَطَأ إِشَارَة إِلَى أَن التَّغْلِيظ إِنَّمَا يظْهر فِيهِ أما إِذا كَانَ عمدا أَو شبه عمد فَلَا يتضاعف بالتغليظ وَلَا خلاف فِيهِ كَمَا قَالَه العمراني
لِأَن الشَّيْء إِذا انْتهى نهايته فِي التَّغْلِيظ لَا يقبل التَّغْلِيظ كالإيمان فِي الْقسَامَة وَنَظِيره المكبر لَا يكبر كَعَدم التَّثْلِيث فِي غسلات الْكَلْب قَالَه الدَّمِيرِيّ وَالزَّرْكَشِيّ
القَوْل فِي تَخْفيف الدِّيَة وأسبابه وَلما فرغ من مغلظات الدِّيَة شرع فِي منقصاتها فَمِنْهَا الْأُنُوثَة كَمَا قَالَه (ودية الْمَرْأَة) الْحرَّة سَوَاء أقتلها رجل أم امْرَأَة (على النّصْف من دِيَة الرجل) الْحر مِمَّن هِيَ على دينه نفسا أَو جرحا لما روى الْبَيْهَقِيّ خبر دِيَة الْمَرْأَة نصف دِيَة الرجل وَألْحق بِنَفسِهَا جرحها
وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ هُنَا فِي جَمِيع أَحْكَامهَا لِأَن زِيَادَته عَلَيْهَا مَشْكُوك فِيهَا
فَفِي قتل الْمَرْأَة أَو الْخُنْثَى خطأ عشر بَنَات مَخَاض وَعشر بَنَات لبون وَهَكَذَا
وَفِي قَتلهَا عمدا أَو شبه عمد خمس عشرَة حقة وَخمْس عشرَة جَذَعَة وَعِشْرُونَ خلفة
القَوْل فِي دِيَة الْكتاب وَغَيره (ودية) كل من (الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ) والمعاهد والمستأمن إِذا كَانَ مَعْصُوما تحل مناكحته (ثلث دِيَة) الْحر (الْمُسلم) نفسا وَغَيرهَا
أما فِي النَّفس فَروِيَ مَرْفُوعا قَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم قضى بذلك عمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
وَهَذَا التَّقْدِير لَا يفعل بِلَا تَوْقِيف فَفِي قَتله عمدا أَو شبه عمد عشر حقاق وَعشر جذعات وَثَلَاث عشرَة خلفة وَثلث وَفِي قَتله خطأ لم يغلظ سِتَّة وَثُلُثَانِ من بَنَات الْمَخَاض وَبَنَات اللَّبُون وَبني اللَّبُون والحقاق والجذاع فمجموع ذَلِك ثَلَاث وَثَلَاثُونَ وَثلث
وَقَالَ أَبُو

(2/505)


حنيفَة دِيَة مُسلم
وَقَالَ مَالك نصفهَا
وَقَالَ أَحْمد إِن قتل عمدا فديَة مُسلم أَو خطأ فنصفها
أما غير الْمَعْصُوم من الْمُرْتَدين وَمن لَا أَمَان لَهُ فَإِنَّهُ مقتول بِكُل حَال وَأما من لَا تحل مناكحته فَهُوَ كالمجوسي
وَأما الْأَطْرَاف والجراح فبالقياس على النَّفس
تَنْبِيه السامرة كاليهود والصابئة كالنصارى إِن لم يكفرهم أهل ملتهم وَإِلَّا فكمن لَا كتاب لَهُ
القَوْل فِي دِيَة الْمَجُوس (ودية الْمَجُوسِيّ) الَّذِي لَهُ أَمَان أخس الدِّيات وَهِي (ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم) كَمَا قَالَه بِهِ عمر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُم فَفِيهِ عِنْد التَّغْلِيظ حقتان وجذعتان وخلفتان وَثلثا خلفة وَعند التَّخْفِيف بعير وَثلث من كل سنّ فمجموع ذَلِك سِتّ وَثُلُثَانِ وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن فِي الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ خمس فَضَائِل وَهِي حُصُول كتاب وَدين كَانَ حَقًا بِالْإِجْمَاع وَتحل مناكحتهم وذبائحهم ويقرون بالجزية
وَلَيْسَ للمجوسي من هَذِه الْخَمْسَة إِلَّا التَّقْرِير بالجزية فَكَانَت دِيَته على الْخمس من دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ
تَنْبِيه قَوْله ثلثا عشر أولى مِنْهُ ثلث خمس
لِأَن فِي الثُّلثَيْنِ تكريرا وَأَيْضًا فَهُوَ الْمُوَافق لتصويب أهل الْحساب لَهُ بِكَوْنِهِ أخصر وَكَذَا وَثني وَنَحْوه كعابد شمس وقمر وزنديق وَهُوَ من لَا ينتحل دينا مِمَّن لَهُ أَمَان كدخوله لنا رَسُولا أما من لَا أَمَان لَهُ فمهدر
القَوْل فِي دِيَة الْمُتَوَلد بَين كتابي ووثني وَسكت المُصَنّف عَن دِيَة المتوليد بَين كتابي ووثني مثلا
وَهِي كدية الْكِتَابِيّ اعْتِبَارا بالأشرف سَوَاء كَانَ أَبَا أم أما لِأَن الْمُتَوَلد يتبع أشرف الْأَبَوَيْنِ دينا وَالضَّمان يغلب فِيهِ جَانب التَّغْلِيظ وَيحرم قتل من لَهُ أَمَان لأمانه ودية النِّسَاء وخناثى مِمَّن ذكر على النّصْف من دِيَة رِجَالهمْ
وَلَو أخر المُصَنّف ذكر الْمَرْأَة إِلَى هُنَا
وَذكر مَعهَا الْخُنْثَى لشمل الْجَمِيع
ويراعى فِي ذَلِك التَّغْلِيظ وَالتَّخْفِيف
وَمن لم تبلغه دَعْوَة الْإِسْلَام إِن تمسك بدين لم يُبدل فديَة أهل دينه دِيَته وَإِلَّا فكدية مَجُوسِيّ وَلَا يجوز قتل من لم تبلغه الدعْوَة ويقتص لمن أسلم بدار الْحَرْب
وَلم يُهَاجر مِنْهَا بعد إِسْلَامه وَإِن تمكن
القَوْل فِي دِيَة الْأَطْرَاف وَلما بَين المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى دِيَة النَّفس شرع فِي بَيَان مَا دونهَا وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام إبانة طرف وَإِزَالَة مَنْفَعَة وجرح مخلا بترتيبها كَمَا ستعرفه إِن شَاءَ الله تَعَالَى مبتدئا بِالْأَمر الأول بقوله (وتكمل دِيَة النَّفس) أَي دِيَة نفس صَاحب ذَلِك الْعُضْو من ذكر أَو غَيره تَغْلِيظًا أَو تَخْفِيفًا (فِي) إبانة (الْيَدَيْنِ) الأصليتين لخَبر عَمْرو بن حزم بذلك رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَغَيره

(2/506)


تَنْبِيه المُرَاد بِالْيَدِ الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع الْخمس هَذَا إِن قطع الْيَد من مفصل كف وَهُوَ الْكُوع
فَإِن قطع فَوق الْكَفّ وَجب مَعَ دِيَة الْكَفّ حُكُومَة لِأَن مَا فَوق الْكَفّ لَيْسَ بتابع بِخِلَاف الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع فَإِنَّهُمَا كالعضو الْوَاحِد بِدَلِيل قطعهمَا فِي السّرقَة بقوله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا بِالْإِجْمَاع الْمُسْتَند إِلَى النَّص بالوارد فِي كتاب عَمْرو بن حزم الَّذِي كتبه لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة
(الرجلَيْن) الأصليتين إِذا قطعتا من الْكَعْبَيْنِ لحَدِيث عَمْرو بن حزم بذلك والكعب كَالْكَفِّ والساق كالساعد والفخذ كالعضد
والأعرج كالسليم لِأَن الْعَيْب لَيْسَ فِي نفس الْعُضْو وَإِنَّمَا العرج نقص فِي الْفَخْذ وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا لما مر
وَفِي كل أصْبع أَصْلِيَّة من يَد أَو رجل عشر دِيَة صَاحبهَا فَفِيهَا لذكر حر مُسلم عشرَة أَبْعِرَة
كَمَا جَاءَ فِي خبر عَمْرو بن حزم أما الْأصْبع الزَّائِد أَو الْيَد الزَّائِدَة أَو الرجل الزَّائِدَة فَفِيهَا حُكُومَة وَفِي كل أُنْمُلَة من أَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ من غير إِبْهَام ثلث الْعشْر لِأَن كل أصْبع لَهُ ثَلَاث أنامل إِلَّا الْإِبْهَام فَلهُ أنملتان فَفِي أنملته نصفهَا عملا بقسط وَاجِب الْأصْبع (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة مارن (الْأنف) وَهُوَ مَا لَان من الْأنف وخلا من الْعظم لخَبر عَمْرو بن حزم بذلك وَلِأَن فِيهِ جمالا وَمَنْفَعَة وَهُوَ مُشْتَمل على الطَّرفَيْنِ المسميان بالمنخرين وعَلى الحاجز بَينهمَا
وتندرج حُكُومَة قصبته فِي دِيَته كَمَا رَجحه فِي أصل الرَّوْضَة
وَلَا فرق بَين الأخشم وَغَيره وَفِي كل من طَرفَيْهِ والحاجز ثلث توزيعا للدية عَلَيْهَا
(و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة (الْأُذُنَيْنِ) من أَصلهمَا بِغَيْر إِيضَاح سَوَاء أَكَانَ سميعا أم أَصمّ لخَبر عَمْرو بن حزم فِي الْأذن خَمْسُونَ من الْإِبِل رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَلِأَنَّهُمَا عضوان فيهمَا جمال وَمَنْفَعَة فَوَجَبَ أَن تكمل فيهمَا الدِّيَة
فَإِن حصل بِالْجِنَايَةِ إِيضَاح وَجب مَعَ الدِّيَة أرش وَفِي بعض الْأذن بِقسْطِهِ
وَيقدر بالمساحة وَلَو أيبسهما بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا
بِحَيْثُ لَو حركتا لم تتحركا فديَة كَمَا لَو ضرب يَده فشلت وَلَو قطع أذنين يابستين بِجِنَايَة أَو غَيرهَا فَحُكُومَة
(و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة (الْعَينَيْنِ) لخَبر عَمْرو بن حزم بذلك وَحكى ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع وَلِأَنَّهُمَا من أعظم الْجَوَارِح نفعا فكانتا أولى بِإِيجَاب الدِّيَة
وَفِي كل عين نصفهَا وَلَو عين أَحول وَهُوَ من فِي عَيْنَيْهِ خلل دون بَصَره وَعين أعمش وَهُوَ من يسيل دمعه غَالِبا مَعَ ضعف رُؤْيَته
وَعين أَعور وَهُوَ ذَاهِب حس إِحْدَى الْعَينَيْنِ مَعَ بَقَاء بَصَره وَعين أخفش وَهُوَ صَغِير الْعين المبصرة وَعين أعشى وَهُوَ من لَا يبصر لَيْلًا
وَعين أَجْهَر وَهُوَ من لَا يبصر فِي الشَّمْس لِأَن الْمَنْفَعَة بَاقِيَة بأعين
من ذكر وَمِقْدَار الْمَنْفَعَة لَا ينظر إِلَيْهِ وَكَذَا من بِعَيْنِه بَيَاض علا بياضها أَو سوادها أَو ناظرها وَهُوَ رَقِيق لَا ينقص الضَّوْء الَّذِي فِيهَا يجب فِي قلعهَا نصف دِيَة
لما مر فَإِن نقص الضَّوْء وَأمكن ضبط النَّقْص فقسط مَا نقص يسْقط من الدِّيَة فَإِن لم يَنْضَبِط النَّقْص وَجَبت حكومته
(و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة (الجفون الْأَرْبَعَة) وَفِي كل جفن بِفَتْح جيمه وَكسرهَا وَهُوَ غطاء الْعين ربع دِيَة سَوَاء

(2/507)


الْأَعْلَى أَو الْأَسْفَل
وَلَو كَانَت لأعمى وَبلا هدب لِأَن فِيهَا جمالا وَمَنْفَعَة
وَقد اخْتصّت عَن غَيرهَا من الْأَعْضَاء بِكَوْنِهَا ربَاعِية وَتدْخل حُكُومَة الْأَهْدَاب فِي دِيَة الأجفان بِخِلَاف مَا لَو انْفَرَدت الْأَهْدَاب فَإِن فِيهَا حُكُومَة إِذا فسد منبتها كَسَائِر الشُّعُور لِأَن الْفَائِت بقعطها الزِّينَة وَالْجمال دون الْمَقَاصِد الْأَصْلِيَّة وَإِلَّا فالتعزير
وَفِي قطع الجفن المستحشف
حُكُومَة وَفِي إحشاف الجفن الصَّحِيح ربع دِيَة وَفِي بعض الجفن الْوَاحِد قسطه من الرّبع
فَإِن قطع بعضه فتقلص بَاقِيه فقضية كَلَام الرَّافِعِيّ عدم تَكْمِيل الدِّيَة (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة (اللِّسَان) لناطق سليم الذَّوْق وَلَو كَانَ اللِّسَان لألكن وَهُوَ من فِي لِسَانه لكنة أَي عجمة وَلَو لِسَان أرت بمثناة أَو ألثغ بمثلثة وَسبق
تفسيرهما فِي صَلَاة الْجَمَاعَة وَلَو لِسَان طِفْل وَإِن لم ينْطق كل ذَلِك لإِطْلَاق حَدِيث عَمْرو بن حزم وَفِي اللِّسَان الدِّيَة صَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَنقل ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع وَلِأَن فِيهِ جمالا وَمَنْفَعَة يتَمَيَّز بِهِ الْإِنْسَان عَن الْبَهَائِم فِي الْبَيَان والعبارة
عَمَّا فِي الضَّمِير وَفِيه ثَلَاث مَنَافِع الْكَلَام والذوق والاعتماد فِي أكل الطَّعَام وإدارته فِي اللهوات حَتَّى يستكمل طحنه بالأضراس نعم لَو بلغ الطِّفْل أَوَان النُّطْق والتحريك وَلم يوجدا مِنْهُ فَفِيهِ حُكُومَة لَا دِيَة لإشعار الْحَال بعجزه وَإِن لم يبلغ أَوَان النُّطْق فديَة أخذا بِظَاهِر السَّلامَة
كَمَا تجب الدِّيَة فِي يَده وَرجله وَإِن لم يكن فِي الْحَال بَطش وَلَا مشي وَخرج بِقَيْد النَّاطِق الْأَخْرَس فَالْوَاجِب فِيهِ حُكُومَة
وَلَو كَانَ خرسه عارضا كَمَا فِي قطع الْيَد الشلاء وبسليم الذَّوْق وعديمه فَجزم الْمَاوَرْدِيّ وَصَاحب الْمُهَذّب بِأَن فِيهِ حُكُومَة كالأخرس قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَهَذَا بِنَاء على الْمَشْهُور أَن الذَّوْق فِي اللِّسَان وَقد ينازعه قَول الْبَغَوِيّ وَغَيره
إِذا قطع لِسَانه فَذهب ذوقه لزمَه ديتان اه
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر لقَوْل الرَّافِعِيّ إِذا قطع لِسَان أخرس فَذهب ذوقه وَجَبت الدِّيَة للذوق
وَهَذَا يعلم من قَوْلهم إِن فِي الذَّوْق الدِّيَة وَإِن لم يقطع اللِّسَان (و) تكمل دِيَة النَّفس فِي إبانة (الشفتين) لوروده فِي حَدِيث عَمْرو بن حزم وَفِي الشفتين الدِّيَة وَفِي كل شفة وَهِي فِي عرض الْوَجْه إِلَى الشدقين وَفِي طوله مَا يستر اللثة كَمَا قَالَه فِي الْمُحَرر وَنصف الدِّيَة عليا أَو سفلى رقت أَو غلظت صغرت أَو كَبرت والإشلال كالقطع وَفِي شقها بِلَا إبانة حُكُومَة
وَلَو قطع شفة مشقوقة وَجَبت دِيَتهَا إِلَّا حُكُومَة الشق وَإِن قطع بعضهما فتقلص البعضان الباقيان وبقيا كمقطوع الْجَمِيع وزعت الدِّيَة على الْمَقْطُوع وَالْبَاقِي كَمَا اقْتَضَاهُ نَص الْأُم وَهل يسْقط مَعَ قطعهمَا حُكُومَة الشَّارِب أَو لَا وَجْهَان أظهرهمَا الأول كَمَا فِي الْأَهْدَاب مَعَ الأجفان وَيجب فِي كل لحي نصف دِيَة وَهُوَ بِفَتْح لامه وَكسرهَا وَاحِد اللحيين بِالْفَتْح وهما العظمان اللَّذَان تنْبت عَلَيْهِمَا الْأَسْنَان السُّفْلى وملتقاهما الذقن أما الْعليا فمنبتها عظم الرَّأْس وَلَا يدْخل أرش الْأَسْنَان فِي دِيَة فك اللحيين لِأَن كلا مِنْهُمَا مُسْتَقل بِرَأْسِهِ
وَله بدل مُقَدّر وَاسم يَخُصُّهُ فَلَا يدْخل أَحدهمَا فِي الآخر كالأسنان وَاللِّسَان
القَوْل فِي إِزَالَة الْمَنَافِع وديته ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ إِزَالَة الْمَنَافِع فَقَالَ (و) تكمل دِيَة النَّفس
(فِي ذهَاب الْكَلَام) فِي الْجِنَايَة على اللِّسَان

(2/508)


لخَبر الْبَيْهَقِيّ فِي اللِّسَان الدِّيَة إِن منع الْكَلَام وَقَالَ ابْن أسلم مَضَت السّنة بذلك
وَلِأَن اللِّسَان عُضْو مَضْمُون بِالدِّيَةِ فَكَذَا منفعَته الْعُظْمَى كَالْيَدِ وَالرجل وَإِنَّمَا تُؤْخَذ الدِّيَة إِذا قَالَ أهل الْخِبْرَة لَا يعود كَلَامه
فَإِن أخذت ثمَّ عَاد استردت وَلَو ادّعى زَوَال نطقه امتحن بِأَن يروع فِي أَوْقَات الخلوات وَينظر هَل يصدر مِنْهُ مَا يعرف بِهِ كذبه فَإِن لم يظْهر مِنْهُ شَيْء حلف الْمَجْنِي عَلَيْهِ كَمَا يحلف الْأَخْرَس هَذَا فِي إبِْطَال نطقه بِكُل الْحُرُوف
وَأما فِي إبِْطَال بعض الْحُرُوف فَيعْتَبر قسطه من الدِّيَة هَذَا إِذا بَقِي لَهُ كَلَام مَفْهُوم
وَإِلَّا فَعَلَيهِ كَمَال الدِّيَة كَمَا جزم بِهِ صَاحب الْأَنْوَار اه والحروف الَّتِي توزع عَلَيْهَا الدِّيَة ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حرفا فِي لُغَة الْعَرَب بِحَذْف كلمة لَا لِأَنَّهَا لَام وَألف وهما معدودتان
فَفِي إبِْطَال نصف الْحُرُوف نصف الدِّيَة وَفِي إبِْطَال حرف مِنْهَا ربع سبعها
وَخرج بلغَة الْعَرَب غَيرهَا
فتوزع عَلَيْهَا وَإِن كَانَت أَكثر حروفا وَقد انْفَرَدت لُغَة الْعَرَب بِحرف الضَّاد فَلَا يُوجد فِي غَيرهَا وَفِي اللُّغَات حُرُوف لَيست فِي لُغَة الْعَرَب كالحرف الْمُتَوَلد بَين الْجِيم والشين وحروف اللُّغَات مُخْتَلفَة بَعْضهَا أحد عشر وَبَعضهَا أحد وَثَلَاثُونَ وَلَا فرق فِي توزيع الدِّيَة على الْحُرُوف بَين اللسانية وَغَيرهَا
كالحروف الحلقية
وَلَو عجز الْمَجْنِي على لِسَانه عَن بعض الْحُرُوف خلقَة كأرت وألثغ أَو بِآفَة سَمَاوِيَّة
فديَة كَامِلَة فِي إبِْطَال كَلَام كل مِنْهُمَا لِأَنَّهُ نَاطِق وَله كَلَام مَفْهُوم إِلَّا أَن فِي نطقه ضعفا وَضعف مَنْفَعَة الْعُضْو لَا يقْدَح فِي كَمَال الدِّيَة كضعف الْبَطْش وَالْبَصَر
فعلى هَذَا لَو أبطل بِالْجِنَايَةِ بعض الْحُرُوف فالتوزيع على مَا يُحسنهُ لَا على جَمِيع الْحُرُوف
(و) تكمل دِيَة النَّفس فِي (ذهَاب الْبَصَر) من الْعَينَيْنِ لخَبر معَاذ بن جبل فِي الْبَصَر الدِّيَة وَهُوَ غَرِيب وَلِأَن منفعَته النّظر وَفِي ذهَاب بصر كل عين نصفهَا صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة حادة أَو كالة صَحِيحَة أَو عليلة عمشاء أَو حولاء من شيخ أَو طِفْل حَيْثُ الْبَصَر السَّلِيم فَلَو قلعهَا لم يزدْ على نصف الدِّيَة كَمَا لَو قطع يَده
وَلَو ادّعى الْمَجْنِي عَلَيْهِ زَوَال الضَّوْء وَأنكر الْجَانِي سُئِلَ عَدْلَانِ من أهل الْخِبْرَة أَو رجل وَامْرَأَتَانِ
إِن كَانَ خطأ أَو شبه عمد
فَإِنَّهُم إِذا واوفقوا الشَّخْص فِي مُقَابلَة عين الشَّمْس ونظروا فِي عينه عرفُوا أَن الضَّوْء ذَاهِب أَو مَوْجُود فَإِن لم يُوجد مَا ذكر من أهل الْخِبْرَة امتحن الْمَجْنِي عَلَيْهِ بتقريب عقرب أَو حَدِيدَة محماة أَو نَحْو ذَلِك من عينه بَغْتَة وَنظر هَل ينزعج أَو لَا
فَإِن انزعج صدق الْجَانِي بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فالمجني عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ
وَإِن نقص ضوء الْمَجْنِي عَلَيْهِ فَإِن عرف قدر النَّقْص
بِأَن كَانَ يرى الشَّخْص من مَسَافَة فَصَارَ لَا يرَاهُ إِلَّا من نصفهَا مثلا فقسطه من الدِّيَة وَإِلَّا فَحُكُومَة
(و) تكمل دِيَة النَّفس فِي (ذهَاب السّمع) لخَبر الْبَيْهَقِيّ وَفِي السّمع الدِّيَة وَنقل ابْن الْمُنْذر فِيهِ الْإِجْمَاع
وَلِأَنَّهُ من أشرف الْحَواس فَكَانَ كالبصر بل هُوَ أشرف مِنْهُ عِنْد أَكثر الْفُقَهَاء
لِأَن بِهِ يدْرك الْفَهم وَيدْرك من الْجِهَات السِّت وَفِي النُّور والظملة وَلَا يدْرك بالبصر إِلَّا من جِهَة الْمُقَابلَة وبواسطة من ضِيَاء أَو شُعَاع
وَقَالَ أَكثر الْمُتَكَلِّمين بتفضيل الْبَصَر عَلَيْهِ لِأَن السّمع لَا يدْرك بِهِ إِلَّا الْأَصْوَات
وَالْبَصَر يدْرك بِهِ الأجساد والألوان والهيئات
فَلَمَّا كَانَ تعلقاته أَكثر كَانَ أشرف وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر
تَنْبِيه لَا بُد فِي وجوب الدِّيَة من تحقق زَوَاله فَلَو قَالَ أهل الْخِبْرَة يعود وقدروا لَهُ مُدَّة لَا يستبعد أَن يعِيش إِلَيْهَا انْتظر فَإِن استبعد ذَلِك أَو لم يقدروا لَهُ مُدَّة أخذت الدِّيَة فِي الْحَال
وَفِي إِزَالَته من أذن نصفهَا لَا لتَعَدد السّمع فَإِنَّهُ وَاحِد وَإِنَّمَا التَّعَدُّد فِي منفذه بِخِلَاف ضوء الْبَصَر إِذْ تِلْكَ اللطيفة مُتعَدِّدَة ومحلها الحدقة
بل لِأَن ضبط نقصانه بالمنفذ
أقرب مِنْهُ بِغَيْرِهِ وَهَذَا مَا نَص عَلَيْهِ

(2/509)


فِي الْأُم وَلَو ادّعى الْمَجْنِي عَلَيْهِ زَوَاله من أُذُنَيْهِ وَكذبه الْجَانِي وانزعج بالصياح فِي نوم أَو غَفلَة فكاذب لِأَن ذَلِك يدل على التصنع
وَإِن لم ينزعج بالصياح وَنَحْوه فصادق فِي دَعْوَاهُ وَحلف حِينَئِذٍ لاحْتِمَال تجلده وَأخذ الدِّيَة وَإِن نقص سَمعه فقسطه من الدِّيَة إِن عرف وَإِلَّا فَحُكُومَة بِاجْتِهَاد قَاض
(و) تكمل دِيَة النَّفس فِي (ذهَاب الشم) من المنخرين كَمَا جَاءَ فِي خبر عَمْرو بن حزم وَهُوَ غَرِيب وَلِأَنَّهُ من الْحَواس النافعة فكملت فِيهِ الدِّيَة كالسمع وَفِي إِزَالَة شم كل منخر نصف الدِّيَة وَلَو نفض الشم وَجب بِقسْطِهِ من الدِّيَة إِن أمكن مَعْرفَته وَإِلَّا فَحُكُومَة
تَنْبِيه لَو أنكر الْجَانِي زَوَاله امتحن الْمَجْنِي عَلَيْهِ فِي غفلاته بالروائح الحادة فَإِن هش للطيب وَعَبس لغيره حلف الْجَانِي لظُهُور كذب الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَإِلَّا حلف هُوَ لظُهُور صدقه مَعَ أَنه لَا يعرف إِلَّا مِنْهُ
(و) تكمل دِيَة النَّفس فِي (ذهَاب الْعقل) إِن لم يرج عوده بقول أهل الْخِبْرَة فِي مُدَّة يظنّ أَنه يعِيش إِلَيْهَا كَمَا جَاءَ فِي خبر عَمْرو بن حزم وَقَالَ ابْن الْمُنْذر أجمع كل من يحفظ عَنهُ الْعلم على ذَلِك لِأَنَّهُ أشرف الْمعَانِي وَبِه يتَمَيَّز الْإِنْسَان عَن الْبَهِيمَة
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره وَالْمرَاد الْعقل الغريزي الَّذِي بِهِ التَّكْلِيف دون المكتسب الَّذِي بِهِ حسن التَّصَرُّف فَفِيهِ حُكُومَة فَإِن رجى عوده فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة انْتظر فَإِن عَاد فَلَا ضَمَان
تَنْبِيه اقْتِصَار المُصَنّف على الدِّيَة يَقْتَضِي عدم وجوب الْقصاص فِيهِ وَهُوَ الْمَذْهَب للِاخْتِلَاف فِي مَحَله
فَقيل الْقلب وَقيل الدِّمَاغ وَقيل مُشْتَرك بَينهمَا
وَالْأَكْثَرُونَ على الأول
وَقيل مَسْكَنه الدِّمَاغ وتدبيره فِي الْقلب وَسمي عقلا لِأَنَّهُ يعقل صَاحبه عَن التورط فِي المهالك
وَلَا يُزَاد شَيْء على دِيَة الْعقل إِن زَالَ بِمَا لَا أرش لَهُ
فَإِن زَالَ بِجرح لَهُ أرش مُقَدّر كالموضحة أَو حُكُومَة وَجَبت الدِّيَة وَالْأَرْش أَو هِيَ والحكومة
وَلَا ينْدَرج ذَلِك فِي دِيَة الْعقل لِأَنَّهَا جِنَايَة أبطلت مَنْفَعَة غير حَالَة فِي مَحل الْجِنَايَة فَكَانَت كَمَا انْفَرَدت الْجِنَايَة عَن زَوَال الْعقل وَلَو ادّعى ولي الْمَجْنِي عَلَيْهِ زَوَال الْعقل وَأنكر الْجَانِي فَإِن لم يَنْتَظِم قَول الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَفعله فِي خلواته فَلهُ دِيَة بِلَا يَمِين لِأَن يَمِينه تثبت جُنُونه
وَالْمَجْنُون لَا يحلف وَهَذَا فِي الْجُنُون المطبق
أما المتقطع فَإِنَّهُ يحلف فِي زمن إِفَاقَته
فَإِن انتظم قَوْله وَفعله حلف الْجَانِي لاحْتِمَال صُدُور المنتظم اتِّفَاقًا أَو جَريا على الْعَادة وَخرج بالغريزي الْعقل المكتسب الَّذِي بِهِ حسن التَّصَرُّف فَتجب فِيهِ الْحُكُومَة فَقَط كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
(و) تكمل دِيَة النَّفس فِي (الذّكر) السَّلِيم لخَبر عَمْرو بن حزم
بذلك وَلَو كَانَ لصغير وَشَيخ وعنين وَخصي لإِطْلَاق الْخَبَر الْمَذْكُور وَلِأَن ذكر الْخصي سليم وَهُوَ قَادر على الْإِيلَاج وَإِنَّمَا الْفَائِت الإيلاد
والعنة عيب فِي غير الذّكر لِأَن الشَّهْوَة فِي الْقلب والمني فِي الصلب وَلَيْسَ الذّكر بِمحل لوَاحِد مِنْهُمَا
فَكَانَ سليما من الْعَيْب بِخِلَاف الأشل وَحكم الْحَشَفَة حكم الذّكر لِأَن مَا عَداهَا من الذّكر كالتابع لَهَا كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِع لِأَن أَحْكَام الْوَطْء تَدور عَلَيْهَا وَبَعضهَا بِقسْطِهِ مِنْهَا لِأَن الدِّيَة تكمل بقطعها كَمَا مر فقسطت على أبعاضها
(و) تكمل دِيَة النَّفس فِي (الْأُنْثَيَيْنِ) لحَدِيث عَمْرو بن حزم بذلك وَلِأَنَّهُمَا من تَمام الْخلقَة وَمحل التناسل وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا سَوَاء الْيُمْنَى واليسرى وَلَو من عنين ومجبوب وطفل وَغَيرهم
تَنْبِيه المُرَاد بالأنثيين البيضتان
كَمَا صرح بهما فِي بعض طرق حَدِيث عَمْرو بن حزم
وَأما الخصيتان فالجلدتان اللَّتَان فيهمَا البيضتان
(و) يجب فِي (الْمُوَضّحَة) أَي مُوضحَة الرَّأْس وَلَو للعظم الناتىء خلف الْأذن أَو الْوَجْه وَإِن صغرت وَلَو لما تَحت الْمقبل من الجبين نصف عشر دِيَة صَاحبهَا فَفِيهَا لحر مُسلم غير جَنِين (خمس من الْإِبِل) لما روى التِّرْمِذِيّ وَحسنه فِي الْمُوَضّحَة

(2/510)


خمس من الْإِبِل فتراعى هَذِه النِّسْبَة فِي حق غَيره من الْمَرْأَة والكتابي وَغَيرهمَا
وَخرج بِقَيْد الرَّأْس وَالْوَجْه مَا عداهما كالساق والعضد فَإِن فيهمَا الْحُكُومَة وبقيد الْحر الرَّقِيق فَفِيهِ نصف عشر قِيمَته وبقيد الْمُسلم الْكِتَابِيّ فَفِي موضحته بعير وَثُلُثَانِ
والمجوسي وَنَحْوه فَفِي موضحته ثلث بعير
وَلَا يخْتَلف أرش مُوضحَة بكبرها وَلَا بصغرها لَا تبَاع الِاسْم كالأطراف وَلَا لكَونهَا بارزة أَو مستورة بالشعر وَيجب فِي هاشمة مَعَ إِيضَاح عشرَة أَبْعِرَة وَهِي عشر دِيَة الْكَامِل بِالْحُرِّيَّةِ وَغَيرهَا
لما رُوِيَ عَن زيد بن ثَابت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوجب فِي الهاشمة عشرا من الْإِبِل وَيجب فِي هاشمة دون إِيضَاح خَمْسَة أَبْعِرَة وَيجب فِي منقلة مَعَ إِيضَاح وهشم خَمْسَة عشر بَعِيرًا كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(و) يجب (فِي) قلع (السن) الْأَصْلِيَّة التَّامَّة المثغورة غير القلقلة صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة بَيْضَاء أَو سَوْدَاء نصف عشر دِيَة صَاحبهَا فَفِيهَا لذكر حر مُسلم
(خمس من الْإِبِل) لحَدِيث عَمْرو بن حزم بذلك فَقَوله خمس من الْإِبِل رَاجع لكل من الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا تقرر وَلَا فرق بَين الثَّنية والناب والضرس وَإِن انْفَرد كل مِنْهَا باسم كالسبابة وَالْوُسْطَى والخنصر فِي الْأَصَابِع وفيهَا لأنثى حرَّة مسلمة بعيران وَنصف ولذمي بعير وَثُلُثَانِ ولمجوسي ثلث بعير
ولرقيق نصف عشر قِيمَته
تَنْبِيه يسْتَثْنى من إِطْلَاقه صُورَتَانِ الأولى لَو انْتهى صغر السن إِلَّا أَن لَا تصلح للمضغ فَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْحُكُومَة
الثَّانِيَة أَن الْغَالِب طول الثنايا على الرعيات فَلَو كَانَت مثلهَا أَو أقصر فقضية كَلَام الرَّوْضَة
وَأَصلهَا أَن الْأَصَح أَنه لَا يجب الْخمس بل ينقص مِنْهَا بِحَسب نقصانها وَلَا فرق فِي وجوب دِيَة السن بَين أَن يقلعها من السنخ وَهُوَ بِكَسْر الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وإعجام الْخَاء أَصْلهَا الْمُسْتَتر بِاللَّحْمِ أَو بِكَسْر الظَّاهِر مِنْهَا دونه لِأَن السنخ تَابع فَأشبه الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع وَلَو أذهب مَنْفَعَة السن وَهِي بَاقِيَة على حَالهَا وَجَبت دِيَتهَا وَخرج بِقَيْد الْأَصْلِيَّة الزَّائِدَة وَهِي الشاغبة الْخَارِجَة عَن سمت الْأَسْنَان الْأَصْلِيَّة لمُخَالفَة نباتها لَهَا فَفِيهَا حُكُومَة كالأصبع الزَّائِدَة وبقيد التَّامَّة مَا لَو كسر بعض الظَّاهِر مِنْهَا فَفِيهِ قسطه من الْإِرْث وينسب المكسور إِلَى مَا بق من الظَّاهِر دون السنخ على الْمَذْهَب وبقيد المثغورة مَا لَو قلع سنّ صَغِير أَو كَبِير لم يثغر نظر إِن بَان فَسَاد المنبت فكالمثغورة وَإِن لم يتَبَيَّن الْحَال حَتَّى مَاتَ فَفِيهَا الْحُكُومَة وبقيد غير المقلقلة
فَإِن بطلت مَنْفَعَتهَا فَفِيهَا الْحُكُومَة وحركة السن لكبر أَو مرض إِن قلت بِحَيْثُ لَا تُؤدِّي المقلقلة إِلَى نقص فِي مَنْفَعَتهَا من مضغ وَغَيره فكصحيحة حكمهَا لبَقَاء الْجمال وَالْمَنْفَعَة
(و) يجب (فِي كل عُضْو لَا مَنْفَعَة فِيهِ) كَالْيَدِ الشلاء وَالذكر الأشل وَنَحْو ذَلِك كالأصبع الأشل
(حُكُومَة) وَكَذَا فِي كسر الْعِظَام لِأَن الشَّرْع لم ينص عَلَيْهِ وَلم يُبينهُ فَوَجَبَ فِيهِ حُكُومَة وَكَذَا يجب فِي تعويج الرَّقَبَة وَالْوَجْه وتسويده وَفِي حلمتي الرجل وَالْخُنْثَى
وَأما حلمتا الْمَرْأَة ففيهما دِيَة لِأَن مَنْفَعَة الْإِرْضَاع وجمال الثدي بهما كمنفعة الْيَدَيْنِ وجمالهما بالأصابع وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا والحلمة كَمَا فِي الْمُحَرر الْمُجْتَمع الناتىء على رَأس الثدي
تَنْبِيه لَو ضرب ثدي امْرَأَة فشل بِفَتْح الشين وَجَبت دِيَته
وَإِن استرسل فَحُكُومَة لِأَن الْفَائِت مُجَرّد جمال وَإِن ضرب ثدي خُنْثَى فاسترسل لم يجب فِيهِ حُكُومَة حَتَّى يتَبَيَّن كَونه امْرَأَة لاحْتِمَال كَونه رجلا فَلَا يلْحقهُ نقص بالاسترسال
وَلَا يفوتهُ جمال فَإِذا

(2/511)


تبين أَنه امْرَأَة وَجَبت الْحُكُومَة وَهِي جُزْء من الدِّيَة نسبته إِلَى دِيَة النَّفس نِسْبَة نقص الْجِنَايَة من قيمَة الْمَجْنِي عَلَيْهِ لَو كَانَ رَقِيقا بصفاته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا مِثَاله جرح يَده فَيُقَال كم قيمَة الْمَجْنِي عَلَيْهِ بصفاته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا بِغَيْر جِنَايَة لَو كَانَ رَقِيقا فَإِذا قيل مائَة فَيُقَال كم قِيمَته بعد الْجِنَايَة فَإِذا قيل تسعون فالتفاوت الْعشْر فَيجب عشر دِيَة النَّفس وَهِي عشر من الْإِبِل إِذا كَانَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ حرا ذكرا مُسلما لِأَن الْجُمْلَة مَضْمُونَة بِالدِّيَةِ فتضمن الْأَجْزَاء بِجُزْء مِنْهَا كَمَا فِي نَظِيره من عيب الْمَبِيع
تَنْبِيه تقدم أَن المُصَنّف أخل بترتيب صور الْأَقْسَام الثَّلَاثَة فَإِنَّهُ قبل فَرَاغه من الأول أَعنِي إبانة الْأَطْرَاف ذكر الثَّانِي أَعنِي الْمَنَافِع ثمَّ عَاد إِلَى الأول ثمَّ ذكر الثَّالِث أَعنِي الْجِرَاحَات ثمَّ ختم بِالسِّنِّ الَّذِي هُوَ من جملَة صور الأول
وَكَانَ حق التَّرْتِيب الوضعي ذكر الأول على نسق إِلَّا أَن الْأَمر فِيهِ سهل ثمَّ إِنَّه اقْتصر فِي الأول على إِيرَاد إِحْدَى عشرَة صُورَة وَأهل من صوره سِتَّة وَفِي الثَّانِي على خَمْسَة وأهمل من صوره تِسْعَة كَمَا أوضحته كُله فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره
القَوْل فِي دِيَة العَبْد (ودية العَبْد) أَي وَالْجِنَايَة على نفس الرَّقِيق الْمَعْصُوم ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَلَو مُدبرا أَو مكَاتبا أَو أم ولد (قِيمَته) بَالِغَة مَا بلغت سَوَاء أَكَانَت الْجِنَايَة عمدا أم خطأ وَإِن زَادَت على دِيَة الْحر كَسَائِر الْأَمْوَال المتلفة وَلَو عبر بِالْقيمَةِ بدل الدِّيَة لَكَانَ أولى فَيَقُول وَفِي العَبْد قِيمَته لما سبق فِي تَعْرِيف الدِّيَة أول الْفَصْل وَلَا يدْخل فِي قِيمَته التَّغْلِيظ
أما الْمُرْتَد فَلَا ضَمَان فِي إِتْلَافه قَالَ فِي الْبَيَان وَلَيْسَ لنا شَيْء يَصح بَيْعه وَلَا يجب فِي إِتْلَافه شَيْء سواهُ وَيجب فِي إِتْلَاف غير نفس الرَّقِيق من أَطْرَافه ولطائفه مَا نقص من قِيمَته سليما إِن لم يتَقَدَّر ذَلِك الْغَيْر من الْحر وَلم يتبع مُقَدرا وَلَا يبلغ بالحكومة قيمَة جملَة الرَّقِيق الْمَجْنِي عَلَيْهِ أَو قيمَة عضوه على مَا سبق فِي الْحر
وَإِن قدرت فِي الْحر كموضحة

(2/512)


وَقطع عُضْو فَيجب مثل نسبته من الدِّيَة من قِيمَته لأَنا نشبه الْحر بالرقيق فِي الْحُكُومَة ليعرف قدر التَّفَاوُت ليرْجع بِهِ فَفِي الْمُشبه بِهِ أولى وَلِأَنَّهُ أشبه الْحر فِي أَكثر الْأَحْكَام بِدَلِيل التَّكْلِيف فألحقناه بِهِ فِي التَّقْدِير فَفِي قطع يَده نصف قِيمَته وَفِي يَدَيْهِ قِيمَته وَفِي أُصْبُعه عشرهَا وَفِي موضحته نصف عشرهَا وعَلى هَذَا الْقيَاس وَلَو قطع ذكره وأنثياه وَنَحْوهمَا مِمَّا يجب للْحرّ فِيهِ ديتان وَجب بقطعهما قيمتان كَمَا يجب فيهمَا للْحرّ ديتان وَمن نصفه حر
قَالَ المارودي يجب فِي طرفه نصف مَا فِي طرف الْحر وَنصف مَا فِي طرف العَبْد فَفِي يَده ربع الدِّيَة وَربع الْقيمَة وَفِي أُصْبُعه نصف عشر الدِّيَة وَنصف عشر الْقيمَة
وعَلى هَذَا الْقيَاس فِيمَا زَاد من الْجراحَة أَو نقص
القَوْل فِي دِيَة الْجَنِين (و) فِي (دِيَة الْجَنِين الْحر) الْمُسلم (غرَّة) لخَبر الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى فِي الْجَنِين بغرة (عبد أَو أمة) بترك تَنْوِين غرَّة على الْإِضَافَة البيانية وتنوينها على أَن مَا بعْدهَا بدل مِنْهَا
وأصل الْغرَّة الْبيَاض فِي وَجه الْفرس وَلِهَذَا شَرط عَمْرو بن الْعَلَاء أَن يكون العَبْد أَبيض وَالْأمة بَيْضَاء وَحَكَاهُ الْفَاكِهَانِيّ فِي شرح الرسَالَة عَن ابْن عبد الْبر أَيْضا
وَلم يشْتَرط الْأَكْثَرُونَ ذَلِك
وَقَالُوا النَّسمَة من الرَّقِيق غرَّة لِأَنَّهَا غرَّة مَا يملك أَي أفضله وغرة كل شَيْء خِيَاره وَإِنَّمَا تجب الْغرَّة فِي الْجَنِين إِذا انْفَصل مَيتا بِجِنَايَة على أمه الْحَيَّة مُؤثرَة فِيهِ سَوَاء أَكَانَت الْجِنَايَة بالْقَوْل كالتهديد والتخويف المفضي إِلَى سُقُوط الْجَنِين أم بِالْفِعْلِ كَأَن يضْربهَا أَو يؤجرها دَوَاء أَو غَيره
فتلقي جَنِينا أم بِالتّرْكِ كَأَن يمْنَعهَا الطَّعَام أَو الشَّرَاب حَتَّى تلقي الْجَنِين وَكَانَت الأجنة تسْقط بذلك وَلَو دعتها ضَرُورَة إِلَى شرب دَوَاء فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهَا لَا تضمن بِسَبَبِهِ
وَلَيْسَ من الضَّرُورَة الصَّوْم وَلَو فِي رَمَضَان إِذا خشيت مِنْهُ الإجهاض فَإِذا فعلته وأجهضت ضمنته كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَلَا تَرث مِنْهُ لِأَنَّهَا قاتلة وَسَوَاء أَكَانَ الْجَنِين ذكرا أم غَيره لإِطْلَاق الْخَبَر وَلِأَن دِيَتهمَا لَو اخْتلفت لكثر الِاخْتِلَاف فِي كَونه ذكرا أَو غَيره
فسوى الشَّارِع بَينهمَا وَسَوَاء أَكَانَ الْجَنِين تَامّ الْأَعْضَاء أم ناقصها ثَابت النّسَب أم لَا لَكِن لَا بُد أَن يكون مَعْصُوما مَضْمُونا على الْجَانِي بالغرة عِنْد الْجِنَايَة وَإِن لم تكن أمه معصومة أَو مَضْمُونَة عِنْدهَا وَلَا أثر لنَحْو لطمة خَفِيفَة كَمَا لَا تُؤثر فِي الدِّيَة وَلَا لضربة قَوِيَّة أَقَامَت بعْدهَا بِلَا ألم ثمَّ أَلْقَت جَنِينا نَقله فِي الْبَحْر عَن النَّص
وَسَوَاء انْفَصل فِي حَيَاتهَا بِجِنَايَة أَو انْفَصل بعد مَوتهَا بِجِنَايَة فِي حَيَاتهَا وَلَو ظهر بعض الْجَنِين بِلَا انْفِصَال من أمه كخروج رَأسه مَيتا وَجَبت فِيهِ الْغرَّة لتحَقّق وجوده فَإِن لم يكن مَعْصُوما عِنْد الْجِنَايَة كجنين حربية من حَرْبِيّ إِن أسلم أَحدهمَا بعد الْجِنَايَة أَو لم يكن مضموما كَأَن يكون الْجَانِي مَالِكًا للجنين ولأمه بِأَن جنى السَّيِّد على أمته الْحَامِل وجنينها من غَيره وَهُوَ ملك لَهُ فعتقت ثمَّ أَلْقَت

(2/513)


الْجَنِين أَو كَانَت أمه ميتَة أَو لم ينْفَصل وَلَا ظهر بِالْجِنَايَةِ على أمه شين فَلَا شَيْء فِيهِ لعدم احترامه فِي الصُّورَة الأولى وَعدم ضَمَان الْجَانِي فِي الثَّانِيَة
وَظُهُور مَوته بموتها فِي الثَّالِثَة وَلعدم تحقق وجوده فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلَو انْفَصل حَيا وَبَقِي بعد انْفِصَاله زَمنا بِلَا ألم فِيهِ ثمَّ مَاتَ فَلَا ضَمَان على الْجَانِي
وَإِن مَاتَ حِين خرج بعد انْفِصَاله أَو دَامَ ألمه وَمَات مِنْهُ فديَة نفس كَامِلَة على الْجَانِي
تَنْبِيه لَو أَلْقَت امْرَأَة بِجِنَايَة عَلَيْهَا جنينين ميتين وَجَبت غرتان أَو ثَلَاثًا فَثَلَاث وَهَكَذَا
وَلَو أَلْقَت يدا أَو رجلا وَمَاتَتْ وَجَبت غرَّة لِأَن الْعلم قد حصل بِوُجُود الْجَنِين
أما لَو عاشت الْأُم وَلم تلق جَنِينا فَلَا يجب إِلَّا نصف غرَّة كَمَا أَن يَد الْحَيّ لَا يجب فِيهَا إِلَّا نصف دِيَة وَلَا يضمن بَاقِيه لأَنا لم نتحقق تلفه وَلَو أَلْقَت لَحْمًا قَالَ أهل الْخِبْرَة فِيهِ صُورَة آدَمِيّ خُفْيَة وَجَبت الْغرَّة بِخِلَاف مَا لَو قَالُوا لَو بَقِي لتصور أَي تخلق فَلَا شَيْء فِيهِ وَإِن انْقَضتْ بِهِ الْعدة كَمَا مر فِي الْعدَد والخيرة فِي الْغرَّة إِلَى الْغَارِم وَيجْبر الْمُسْتَحق على قبُولهَا من أَي نوع كَانَت بِشَرْط أَن يكون العَبْد أَو الْأمة مُمَيّزا فَلَا يلْزمه قبُول غَيره سليما من عيب مَبِيع لِأَن الْمَعِيب لَيْسَ من الْخِيَار وَالأَصَح قبُول رَقِيق كَبِير لم يعجز بهرم لِأَنَّهُ من الْخِيَار مَا لم تنقص مَنَافِعه وَيشْتَرط بُلُوغهَا فِي الْقيمَة نصف عشر الدِّيَة من الْأَب الْمُسلم وَهُوَ عشر دِيَة الْأُم الْمسلمَة
فَفِي الْحر الْمُسلم رَقِيق قِيمَته خَمْسَة أَبْعِرَة كَمَا رُوِيَ عَن عمر وَعلي وَزيد بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم
فَإِن فقدت الْغرَّة حسا بِأَن لم تُوجد أَو شرعا بِأَن وجدت بِأَكْثَرَ من ثمن مثلهَا فخمسة أَبْعِرَة بدلهَا لِأَنَّهَا مقدرَة بهَا وَهِي لوَرَثَة الْجَنِين على فَرَائض الله تَعَالَى وَهِي وَاجِبَة على عَاقِلَة الْجَانِي والجنين الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي بالتبع لِأَبَوَيْهِ تجب غرَّة فِيهِ كثلث غرَّة مُسلم كَمَا فِي دِيَته وَهُوَ بعير وَثلثا بعير
وَفِي الْجَنِين الْمَجُوسِيّ ثلث خمس غرَّة مُسلم كَمَا فِي دِيَته وَهُوَ ثلث بعير وَأما الْجَنِين الْحَرْبِيّ والجنين الْمُرْتَد بالتبع لأبويهما فمهدران
ثمَّ شرع فِي حكم الْجَنِين الرَّقِيق فَقَالَ (ودية الْجَنِين الْمَمْلُوك) ذكرا كَانَ أَو غَيره فِيهِ (عشر قيمَة أمه) قنة كَانَت أَو مُدبرَة أَو مُكَاتبَة أَو مُسْتَوْلدَة قِيَاسا على الْجَنِين الْحر فَإِن الْغرَّة فِي الْجَنِين مُعْتَبرَة بِعشر مَا تضمن بِهِ الْأُم وَإِنَّمَا لم يعتبروا قِيمَته فِي نَفسه لعدم ثُبُوت استقلاله بانفصاله مَيتا
تَنْبِيه يسْتَثْنى من ذَلِك مَا إِذا كَانَت الْأُم هِيَ الجانية على نَفسهَا فَإِنَّهُ لَا يجب فِي جَنِينهَا الْمَمْلُوك للسَّيِّد شَيْء إِذْ لَا يجب للسَّيِّد على رَقِيقه شَيْء وَخرج بالرقيق الْمبعض فَالَّذِي يَنْبَغِي أَن توزع الْغرَّة فِيهِ على الرّقّ وَالْحريَّة خلافًا ل لمحاملي فِي قَوْله إِنَّه كَالْحرِّ وَتعْتَبر قيمَة الْأُم كَمَا فِي أصل الرَّوْضَة بأكبر مَا كَانَت من حِين الْجِنَايَة إِلَى حِين الإجهاض خلافًا لما جري عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاج من أَنَّهَا يَوْم الْجِنَايَة هَذَا إِذا انْفَصل مَيتا كَمَا علم من التَّعْلِيل السَّابِق فَإِن انْفَصل حَيا وَمَات من أثر الْجِنَايَة فَإِن فِيهِ قِيمَته يَوْم الِانْفِصَال
وَإِن نقصت عَن

(2/514)


عشر قيمَة أمه كَمَا نَقله فِي الْبَحْر عَن النَّص وَسكت المُصَنّف عَن الْمُسْتَحق لذَلِك
وَالَّذِي فِي الرَّوْضَة أَن بدل الْجَنِين الْمَمْلُوك لسَيِّده وَهُوَ أحسن من قَول الْمِنْهَاج لسَيِّدهَا أَي أم الْجَنِين لِأَن الْجَنِين قد يكون لشخص وصّى لَهُ بِهِ وَتَكون الْأُم لآخر فالبدل لسَيِّده لَا لسَيِّدهَا وَقد يعد عَن الْمِنْهَاج بِأَنَّهُ جري على الْغَالِب من أَن الْحمل الْمَمْلُوك لسَيِّد الْأمة
تَتِمَّة لَو كَانَت الْأُم مَقْطُوعَة الْأَطْرَاف والجنين سليمها
قومت بتقديرها سليمَة فِي الْأَصَح لسلامته كَمَا لَو كَانَت كَافِرَة والجنين مُسلم فَإِنَّهُ يقدر فِيهَا الْإِسْلَام وَتقوم مسلمة وَكَذَا لَو كَانَت حرَّة والجنين رَقِيق فَإِنَّهَا تقدر رقيقَة
وَصورته أَن تكون الْأمة لشخص والجنين لآخر بِوَصِيَّة فيعتقها مَالِكهَا وَيحمل الْعشْر الْمَذْكُور عَاقِلَة الْجَانِي على الْأَظْهر