الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل فِي الْقسَامَة
وَهِي بِفَتْح الْقَاف اسْم للأيمان الَّتِي تقسم على أَوْلِيَاء الدَّم مَأْخُوذَة من الْقسم وَهُوَ الْيَمين
وَقيل اسْم للأولياء وَترْجم الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَالْأَكْثَرُونَ بِبَاب دَعْوَى الدَّم والقسامة وَالشَّهَادَة على الدَّم وَاقْتصر المُصَنّف رَضِي الله عَنهُ على إِيرَاد وَاحِد مِنْهَا وَهُوَ الْقسَامَة طلبا للاختصار وأدرج فِيهِ الْكَلَام على الْكَفَّارَة فَقَالَ (وَإِذا اقْترن بِدَعْوَى الْقَتْل) عِنْد حَاكم (لوث) وَهُوَ بِإِسْكَان الْوَاو وبالمثلثة مُشْتَقّ من التلويث أَي التلطيخ (يَقع بِهِ) أَي اللوث (فِي النَّفس صدق الْمُدَّعِي) بِأَن يغلب على الظَّن صدقه بِقَرِينَة كَأَن وجد قَتِيل أَو بعضه كرأسه إِذا تحقق مَوته وَفِي محلّة مُنْفَصِلَة عَن بلد كَبِير وَلَا يعرف قَاتله وَلَا بَيِّنَة بقتْله أَو فِي قَرْيَة صَغِيرَة لأعدائه سَوَاء فِي ذَلِك الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة أَو الدُّنْيَوِيَّة إِذا كَانَت تبْعَث على الانتقام بِالْقَتْلِ أَو وجد قَتِيل وَقد تفرق عَنهُ جمع كَأَن ازدحموا على بِئْر أَو بَاب الْكَعْبَة ثمَّ تفَرقُوا عَن قَتِيل
(حلف الْمُدَّعِي) بِكَسْر الْعين على قتل

(2/515)


ادَّعَاهُ لنَفس وَلَو نَاقِصَة كامرأة وذمي
(خمسين يَمِينا) لثُبُوت ذَلِك فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَلَا يشْتَرط موالاتها فَلَو حلفه القَاضِي خمسين يَمِينا فِي خمسين يَوْمًا صَحَّ لِأَن الْأَيْمَان من جنس الْحجَج والحجج يجوز تفريقها كَمَا إِذا شهد الشُّهُود مُتَفَرّقين وَلَو تخَلّل الْأَيْمَان جُنُون أَو إِغْمَاء بنى إِذا أَفَاق على مَا مضى
وَلَو مَاتَ الْوَلِيّ الْمقسم فِي أثْنَاء الْأَيْمَان لم يبن وَارثه بل يسْتَأْنف لِأَن الْأَيْمَان كالحجة الْوَاحِدَة وَلَا يجوز أَن يسْتَحق أحد شَيْئا بِيَمِين غَيره وَلَيْسَ كَمَا لَو أَقَامَ شطر الْبَيِّنَة ثمَّ مَاتَ حَيْثُ يضم وَارثه إِلَيْهِ الشّطْر الثَّانِي وَلَا يسْتَأْنف لِأَن شَهَادَة كل شَاهد مُسْتَقلَّة
أما إِذا تمت أيمانه قبل مَوته فَلَا يسْتَأْنف وَارثه بل يحكم لَهُ كَمَا لَو أَقَامَ بَيِّنَة ثمَّ مَاتَ
وَأما وَارِث الْمُدعى عَلَيْهِ فيبني على أيمانه إِذا تخَلّل مَوته الْأَيْمَان وَكَذَا يَبْنِي الْمُدعى عَلَيْهِ لَو عزل القَاضِي أَو مَاتَ فِي خلالها وَولي غَيره
وَالْفرق بَين الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ أَن يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ للنَّفْي فتنفذ بِنَفسِهَا وَيَمِين الْمُدَّعِي للإثبات فتتوقف على حكم القَاضِي وَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يحكم بِحجَّة أُقِيمَت عِنْد الأول
وَلَو كَانَ للقتيل وَرَثَة خَاصَّة اثْنَان فَأكْثر وزعت الْأَيْمَان الْخَمْسُونَ عَلَيْهِم بِحَسب الْإِرْث لِأَن مَا ثَبت بأيمانهم يقسم بَينهم على فَرَائض الله تَعَالَى فَوَجَبَ أَن تكون الْأَيْمَان كَذَلِك
وَخرج بقولنَا خَاصَّة مَا لَو كَانَ هُنَاكَ وَارِث غير حائز وشريكه بَيت المَال فَإِن الْأَيْمَان لَا توزع بل يحلف الْخَاص خمسين يَمِينا كَمَا لَو نكل بعض الْوَرَثَة أَو غَابَ يحلف الْحَاضِر خمسين يَمِينا
وَهل تقسم الْأَيْمَان بَينهم على أصل الْفَرِيضَة أَو على الْفَرِيضَة وعولها وَجْهَان أصَحهمَا كَمَا فِي الْحَاوِي
الثَّانِي أَنَّهَا تقسم على الْفَرِيضَة بعولها فَفِي زوج وَأم وأختين لأَب وأختين لأم أَصْلهَا سِتَّة وتعول إِلَى الْعشْرَة فَيحلف الزَّوْج خمس عشرَة
وكل أُخْت لأَب عشرَة وكل أُخْت لأم خَمْسَة وَالأُم خَمْسَة وَيجْبر المنكسر إِن لم تَنْقَسِم صَحِيحَة
لِأَن الْيَمين لَا تتبعض وَلَا يجوز إِسْقَاطه لِئَلَّا ينقص نِصَاب الْقسَامَة
فَلَو كَانَ ثَلَاثَة بَنِينَ حلف كل مِنْهُم سَبْعَة عشر أَو تِسْعَة وَأَرْبَعين حلف كل يمينين وَلَو نكل أحد الْوَارِثين حلف الآخر وَأخذ حِصَّته لما مر
تَنْبِيه يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ قتل بِلَا لوث وَالْيَمِين الْمَرْدُودَة من الْمُدعى عَلَيْهِ على الْمُدَّعِي إِن لم يكن لوث أَو كَانَ وَنكل الْمُدَّعِي عَن الْقسَامَة فَردَّتْ على الْمُدعى عَلَيْهِ
فنكل فَردَّتْ على الْمُدَّعِي مرّة ثَانِيَة وَالْيَمِين الْمَرْدُودَة على الْمُدعى عَلَيْهِ بِسَبَب نُكُول الْمُدَّعِي مَعَ لوث وَالْيَمِين أَيْضا مَعَ شَاهد خَمْسُونَ فِي جَمِيع هَذِه الصُّور لِأَنَّهَا فِيهَا ذكر يَمِين دم حَتَّى لَو تعدد الْمُدعى عَلَيْهِ حلف كل خمسين يَمِينا وَلَا توزع عَلَيْهِم على الْأَظْهر بِخِلَاف تعدد الْمُدَّعِي
وَالْفرق أَن كل وَاحِد من الْمُدعى عَلَيْهِم يَنْفِي عَن نَفسه الْقَتْل
كَمَا يَنْفِيه من انْفَرد وكل من المدعين لَا يثبت لنَفسِهِ مَا يُثبتهُ الْوَاحِد لَو انْفَرد بل يثبت بعض الْأَرْش فَيحلف بِقدر الْحصَّة
(وَاسْتحق) الْوَارِث بالقسامة فِي قتل الْخَطَأ أَو قتل شبه الْعمد (الدِّيَة) على الْعَاقِلَة مُخَفّفَة فِي الأول مُغَلّظَة فِي الثَّانِي لقِيَام

(2/516)


الْحجَّة بذلك كَمَا لَو قَامَت بِهِ بَيِّنَة
وَفِي قتل الْعمد دِيَة حَالَة على الْمقسم عَلَيْهِ وَلَا قصاص فِي الْجَدِيد لخَبر البُخَارِيّ الحكم بِالدِّيَةِ
وَلم يفصل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو صلحت الْأَيْمَان للْقصَاص لذكره
وَلِأَن الْقسَامَة حجَّة ضَعِيفَة فَلَا توجب الْقصاص احْتِيَاطًا لأمر الدِّمَاء كالشاهد وَالْيَمِين
تَنْبِيه كل من اسْتحق بدل الدَّم من سيد أَو وَارِث سَوَاء أَكَانَ مُسلما أم كَافِرًا عدلا أم فَاسِقًا مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه أم غَيره وَلَو كَانَ مكَاتبا لقتل عَبده أقسم لِأَنَّهُ الْمُسْتَحق لبدله وَلَا يقسم سَيّده بِخِلَاف العَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة إِذا قتل العَبْد الَّذِي تَحت يَده فَإِن السَّيِّد أَخذ السَّيِّد الْقيمَة كَمَا لَو مَاتَ الْوَلِيّ بَعْدَمَا أقسم أَو قبله وَقبل نُكُوله حلف السَّيِّد أَو بعد نُكُوله فَلَا لبُطْلَان الْحق بِالنّكُولِ
كَمَا حَكَاهُ الإِمَام عَن الْأَصْحَاب إِذا لم يُوجد لوث
(وَإِن لم يكن هُنَاكَ) أَي عِنْد الْقَتْل (لوث) بِأَن تعذر إثْبَاته أَو ظهر فِي أصل الْقَتْل بِدُونِ كَونه عمدا أَو خطأ أَو أنكر الْمُدعى عَلَيْهِ اللوث فِي حَقه أَو شهد بِهِ عدل أَو عَدْلَانِ
أَن زيدا قتل أحد هذَيْن الْقَتِيلين أَو كذب بعض الْوَرَثَة فَهَذِهِ خمس صور يسْقط فِيهَا اللوث
كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة
(فاليمين على الْمُدعى عَلَيْهِ) لسُقُوط اللوث فِي حَقه وَالْأَصْل بَرَاءَة ذمَّته
تَنْبِيه قَضِيَّة تَعْبِيره بِالْيَمِينِ أَنه لَا يغلظ فِي حَقه بِالْعدَدِ الْمَذْكُور وَهُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ وأظهرهما كَمَا فِي الرَّوْضَة أَنه يغلظ عَلَيْهِ بِالْعدَدِ الْمَذْكُور كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ
لِأَنَّهَا يَمِين دم فَكَانَ الأولى أَن يَقُول فالأيمان إِلَى آخِره
تَتِمَّة من ارْتَدَّ بعد اسْتِحْقَاقه بدل الدَّم بِأَن يَمُوت الْمَجْرُوح ثمَّ يرْتَد وليه قبل أَن يقسم فَالْأولى تَأْخِير إقسامه ليسلم
لِأَنَّهُ لَا يتورع فِي حَال ردته عَن الْأَيْمَان الكاذبة فَإِذا عَاد إِلَى الْإِسْلَام أقسم أما إِذا ارْتَدَّ قبل مَوته ثمَّ مَاتَ الْمَجْرُوح وَهُوَ مُرْتَد فَلَا يقسم لِأَنَّهُ لَا يَرث بِخِلَاف مَا إِذا قتل العَبْد وارتد سَيّده فَإِنَّهُ لَا فرق بَين أَن يرْتَد قبل موت العَبْد أَو بعده
لِأَن اسْتِحْقَاقه بِالْملكِ لَا بِالْإِرْثِ
فَإِن أقسم الْوَارِث فِي الرِّدَّة صَحَّ إقسامه وَاسْتحق الدِّيَة
لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتد بأيمان الْيَهُود فَدلَّ على أَن يَمِين الْكَافِر صَحِيحَة
والقسامة نوع اكْتِسَاب لِلْمَالِ فَلَا تمنع مِنْهُ الرِّدَّة كالاحتطاب وَمن لَا وَارِث لَهُ خَاص لَا قسَامَة فِيهِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ لوث لعدم الْمُسْتَحق الْمعِين لِأَن دِيَته لعامة الْمُسلمين وتحليفهم غير مُمكن لَكِن ينصب القَاضِي من يَدعِي على من نسب الْقَتْل إِلَيْهِ ويحلفه
فَإِن نكل فَهَل يقْضِي عَلَيْهِ بِالنّكُولِ أَو لَا وَجْهَان جزم فِي الْأَنْوَار بِالْأولِ وَمُقْتَضى مَا رَجحه الشَّيْخَانِ فِيمَن مَاتَ بِلَا وَارِث

(2/517)


فَادّعى القَاضِي أَو منصوبه دينا لَهُ على آخر فَأنْكر وَنكل أَنه لَا يقْضِي لَهُ بِالنّكُولِ بل يحبس ليحلف أَو يقر تَرْجِيح الثَّانِي وَهُوَ أوجه
القَوْل فِي كَفَّارَة الْقَتْل ثمَّ شرع فِي كَفَّارَة الْقَتْل الَّتِي هِيَ من موجباته فَقَالَ (وعَلى قَاتل النَّفس الْمُحرمَة) سَوَاء كَانَ الْقَتْل عمدا أَو شبه عمد أَو خطأ
(كَفَّارَة) لقَوْله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} اي وَقَوله تَعَالَى {فَإِن كَانَ من قوم} أَي فِي قوم
{عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} {وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى أَهله وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة} اي وَخبر وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ أَتَيْنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَاحب لنا قد اسْتوْجبَ النَّار بِالْقَتْلِ فَقَالَ أعتقوا عَنهُ رَقَبَة يعْتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَححهُ الْحَاكِم وَغَيره
وَخرج بِالْقَتْلِ الْأَطْرَاف والجروح فَلَا كَفَّارَة فيهمَا لعدم وُرُوده وَلَا يشْتَرط فِي وجوب الْكَفَّارَة تَكْلِيف بل تجب وَإِن كَانَ الْقَاتِل صَبيا أَو مَجْنُونا لِأَن الْكَفَّارَة من بَاب الضَّمَان فَتجب فِي مَالهمَا فَيعتق الْوَلِيّ عَنْهُمَا من مَالهمَا وَلَا يَصُوم عَنْهُمَا بِحَال
فَإِن صَامَ الصَّبِي الْمُمَيز أَجزَأَهُ وَلَا يشْتَرط فِي وُجُوبهَا أَيْضا الْحُرِّيَّة بل تجب
وَإِن كَانَ الْقَاتِل عبدا كَمَا يتَعَلَّق بقتْله الْقصاص وَالضَّمان لَكِن يكفر بِالصَّوْمِ لعدم ملكه وَلَا يشْتَرط فِي وُجُوبهَا الْمُبَاشرَة بل تجب وَإِن كَانَ الْقَاتِل كالمكره متسببا بِكَسْر الرَّاء وَشَاهد الزُّور وحافر بِئْر عُدْوانًا
تَنْبِيه دخل فِي قَول المُصَنّف النَّفس الْمُحرمَة الْمُسلم وَلَو كَانَ بدار الْحَرْب وَالذِّمِّيّ والمستأمن والجنين الْمَضْمُون بالغرة وَعبد الشَّخْص نَفسه وَنَفسه لِأَنَّهُ قتل نفسا معصومة وَخرج بذلك قتل الْمَرْأَة وَالصَّبِيّ الْحَرْبِيين فَلَا كَفَّارَة فِي قَتلهمَا وَإِن كَانَ حَرَامًا
لِأَن الْمَنْع من قَتلهمَا لَيْسَ لحرمتهما بل لمصْلحَة الْمُسلمين لِئَلَّا يفوتهُمْ الارتفاق بهما
وَقتل مُبَاح الدَّم كَقَتل بَاغ وصائل لِأَنَّهُمَا لَا يضمنَانِ فأشبها الْحَرْبِيّ ومرتد وزان مُحصن بِالنِّسْبَةِ لغير الْمسَاوِي وَالْحَرْبِيّ وَلَو قَتله مثله ومقتص مِنْهُ يقتل الْمُسْتَحق لَهُ لِأَنَّهُ مُبَاح الدَّم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وعَلى كل من الشُّرَكَاء فِي الْقَتْل كَفَّارَة فِي الْأَصَح الْمَنْصُوص لِأَنَّهُ حق يتَعَلَّق بِالْقَتْلِ فَلَا يَتَبَعَّض كَالْقصاصِ
وَالْكَفَّارَة
(عتق رَقَبَة) مُؤمنَة بِالْإِجْمَاع الْمُسْتَند إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} اي (سليمَة من الْعُيُوب الْمضرَّة بِالْعَمَلِ) إِضْرَارًا بَينا كَامِلَة الرّقّ خَالِيَة عَن عوض كَمَا تقدم بَيَان ذَلِك مَبْسُوطا فِي الظِّهَار فَهِيَ ككفارة الظِّهَار فِي التَّرْتِيب فَيعتق أَولا (فَإِن لم يجد) رَقَبَة بشروطها أَو وجدهَا وَعجز عَن ثمنهَا أَو وجدهَا وَهِي تبَاع بِأَكْثَرَ من ثمن مثلهَا (فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين) على مَا تقدم بَيَانه فِي الظِّهَار
تَنْبِيه قَضِيَّة اقْتِصَاره على مَا ذكره أَنه لَا إطْعَام هُنَا عِنْد الْعَجز عَن الصَّوْم وَهُوَ كَذَلِك على الْأَظْهر اقتصارا على الْوَارِد فِيهَا إِذْ المتبع فِي الْكَفَّارَات النَّص لَا الْقيَاس وَلم يذكر الله تَعَالَى فِي كَفَّارَة الْقَتْل غير الْعتْق وَالصِّيَام
فَإِن قيل لم لَا يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد فِي الظِّهَار كَمَا فعلوا فِي قيد الْأَيْمَان حَيْثُ اعتبروه ثمَّ حملا على الْمُقَيد هُنَا
أُجِيب بِأَن ذَاك إِلْحَاق فِي وصف وَهَذَا إِلْحَاق فِي أصل وَأحد الْأَصْلَيْنِ لَا يلْحق بِالْآخرِ بِدَلِيل أَن الْيَد الْمُطلقَة فِي التَّيَمُّم

(2/518)


حملت على الْمقيدَة بالمرافق فِي الْوضُوء وَلم يحمل إهمال الرَّأْس وَالرّجلَيْنِ فِي التَّيَمُّم على ذكرهمَا فِي الْوضُوء
وعَلى هَذَا لَو مَاتَ قبل الصَّوْم أطْعم من تركته كفائت صَوْم رَمَضَان
خَاتِمَة لَا كَفَّارَة على من أصَاب غَيره بِالْعينِ واعترف أَنه قَتله بهَا وَإِن كَانَت الْعين حَقًا لِأَن ذَلِك لَا يُفْضِي إِلَى الْقَتْل غَالِبا وَلَا يعد مهْلكا وَينْدب للعائن أَن يَدْعُو بِالْبركَةِ فَيَقُول اللَّهُمَّ بَارك فِيهِ وَلَا تضره
وَأَن يَقُول مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
قيل وَيَنْبَغِي للسُّلْطَان أَن يمْنَع من عرف بذلك من مُخَالطَة النَّاس ويأمره بِلُزُوم بَيته وَيَرْزقهُ مَا يَكْفِيهِ إِن كَانَ فَقِيرا فَإِن ضَرَره أَشد من ضَرَر المجذوم
الَّذِي مَنعه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من مُخَالطَة النَّاس
وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَن نَبيا من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام استكثر قومه ذَات يَوْم فأمات الله مِنْهُم مائَة ألف فِي لَيْلَة وَاحِدَة فَلَمَّا أصبح اشْتَكَى ذَلِك إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ الله تَعَالَى إِنَّك استكثرتهم فعنتهم فَهَلا حصنتهم حِين استكثرتهم فَقَالَ يَا رب كَيفَ أحصنهم فَقَالَ تَعَالَى تَقول حصنتكم بالحي القيوم الَّذِي لَا يَمُوت أبدا وَدفعت عَنْكُم السوء بِأَلف لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي العظيمب 1
قَالَ القَاضِي وَهَكَذَا السّنة فِي الرجل إِذا رأى نَفسه سليمَة وأحواله معتدلة يَقُول فِي نَفسه ذَلِك وَكَانَ القَاضِي يحصن تلامذته بذلك إِذا استكثرهم وسكتوا عَن الْقَتْل بِالْحَال
وَأفْتى بعض الْمُتَأَخِّرين بِأَنَّهُ يقتل إِذا قتل بِهِ لِأَن لَهُ فِيهِ اخْتِيَارا كالساحر وَالصَّوَاب أَنه لَا يقتل بِهِ وَلَا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ كَمَا نقل ذَلِك عَن جمَاعَة من السّلف
قَالَ مهْرَان بن مَيْمُون حَدثنَا غيلَان بن جرير أَن مطرف بن عبد الله بن الشخير كَانَ بَينه وَبَين رجل كَلَام فكذب عَلَيْهِ فَقَالَ مطرف اللَّهُمَّ إِن كَانَ كَاذِبًا فأمته
فَخر مَيتا فَرفع ذَلِك إِلَى زِيَاد فَقَالَ قتلت الرجل قَالَ لَا وَلكنهَا دَعْوَة وَافَقت أَََجَلًا

(2/519)


= كتاب الْحُدُود = جمع حد وَهُوَ لُغَة الْمَنْع وَشرعا عُقُوبَة مقدرَة وَجَبت زجرا عَن ارْتِكَاب مَا يُوجِبهُ وَعبر عَنْهَا جمعا لتنوعها وَلَو عبر بِالْبَابِ لَكَانَ أولى لما تقدم أَن التَّرْجَمَة بالجنايات شَامِلَة للحدود وَبَدَأَ مِنْهَا بِالزِّنَا وَهُوَ بِالْقصرِ لُغَة حجازية وبالمد لُغَة تميمية وَاتفقَ أهل الْملَل على تَحْرِيمه وَهُوَ من أفحش الْكَبَائِر وَلم يحل فِي مِلَّة قطّ وَلِهَذَا كَانَ حَده أَشد الْحُدُود لِأَنَّهُ جِنَايَة على الْأَعْرَاض والأنساب
تَعْرِيف الزَّانِي الَّذِي يجب حَده فَقَالَ (وَالزَّانِي) أَي الَّذِي يجب حَده وَهُوَ مُكَلّف وَاضح الذُّكُورَة أولج حَشَفَة ذكره الْأَصْلِيّ الْمُتَّصِل أَو قدرهَا مِنْهُ عِنْد فقدها فِي قبل وَاضح الْأُنُوثَة وَلَو غوراء
كَمَا بَحثه الزَّرْكَشِيّ فارقا بَين مَا هُنَا وَمَا فِي بَاب التَّحْلِيل من عدم الِاكْتِفَاء بالإيلاج
فِيهَا بِنَاء على تَكْمِيل اللَّذَّة محرم فِي نفس الْأَمر لعين الْإِيلَاج خَال عَن الشُّبْهَة المسقطة للحد مشتهي طبعا بِأَن كَانَ فرج آدَمِيّ حَيّ فَهَذِهِ قيود لإِيجَاب الْحَد خرج بِالْأولِ الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا حد عَلَيْهِمَا
وَبِالثَّانِي الخثنى الْمُشكل إِذا أولج آلَة الذُّكُورَة فَلَا حد عَلَيْهِ لاحْتِمَال أنوثته
وَكَون هَذَا عرقا زَائِدا
وبالثالث مَا لَو أولج بعض الْحَشَفَة فَلَا حد عَلَيْهِ

(2/520)


وبالرابع مَا لَو خلق لَهُ ذكران مشتبهان فأولج أَحدهمَا فَلَا حد للشَّكّ فِي كَونه أَصْلِيًّا كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ
وبالخامس الذّكر المبان فَلَا حد فِيهِ
وبالسادس مَا لَو أولج فِي فرج خُنْثَى مُشكل فَلَا حد لاحْتِمَال ذكورته وَكَون هَذَا الْمحل زَائِدا
وبالسابع الْمحرم لأمر خَارج كَوَطْء حَائِض وصائمة ومحرمة وَنَحْوه وبنفس الْأَمر كَمَا لَو وطىء زَوجته ظَانّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّة فَلَا حد فِيهِ
وبالثامن وَطْء الْميتَة والبهيمة فَلَا حد فِيهِ
وبالتاسع وَطْء شُبْهَة الطَّرِيق وَالْفَاعِل وَالْمحل إِلَّا فِي جَارِيَة بَيت المَال فَيحد بِوَطْئِهَا لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق الإعفاف فِيهِ وَإِن اسْتحق النَّفَقَة ثمَّ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تقيسم الْحَد فِي حَقه (على ضَرْبَيْنِ مُحصن) وَهُوَ من اسْتكْمل الشُّرُوط الْآتِيَة (وَغير مُحصن) وَهُوَ من لم يستكملها
القَوْل فِي حد الْمُحصن (فالمحصن) والمحصنة كل مِنْهُمَا (حَده الرَّجْم) حَتَّى يَمُوت بِالْإِجْمَاع
وتظاهر الْأَخْبَار فِيهِ كرجم مَاعِز والغامدية
وقرىء شاذا وَالشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّة وَهَذِه نسخ لَفظهَا وَبَقِي حكمهَا
وَكَانَت هَذِه الْآيَة فِي الْأَحْزَاب كَمَا قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِيره وَلَو زنى قبل إحْصَانه وَلم يحد ثمَّ زنى بعده جلد ثمَّ رجم على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة فِي اللّعان وَأرْسل فِيهَا فِي بَاب قَاطع الطَّرِيق وَجْهَيْن مصححين من غير تَصْرِيح بترجيح
وَصحح فِي الْمُهِمَّات أَن الرَّاجِح مَا صَحَّحَاهُ فِي اللّعان وَهُوَ الْمُصَحح فِي التَّنْبِيه أَيْضا ومشيت عَلَيْهِ فِي شَرحه وَأقرهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي تَصْحِيحه
القَوْل فِي حد غير الْمُحصن (وَغير الْمُحصن) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى إِذا كَانَ حرا (حَده مائَة جلدَة) لآيَة {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة} اي أَي وَلَاء فَلَو فرقها نظر فَإِن لم يزل الْأَلَم لم يضر
وَإِلَّا فَإِن كَانَ خمسين لم يضر وَإِن كَانَ دون ذَلِك ضرّ وَعلل بِأَن

(2/521)


الْخمسين حد الرَّقِيق وَسمي جلدا لوصوله إِلَى الْجلد
(وتغريب عَام) لرِوَايَة مُسلم بذلك
تَنْبِيه أفهم عطفه التَّغْرِيب بِالْوَاو أَنه لَا يشْتَرط التَّرْتِيب بَينهمَا فَلَو قدم التَّغْرِيب على الْجلد جَازَ كَمَا صرح بِهِ فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا
وَأفهم لفظ التَّغْرِيب أَنه لَا بُد من تغريب الإِمَام أَو نَائِبه حَتَّى لَو أَرَادَ الإِمَام تغريبه فَخرج بِنَفسِهِ وَغَابَ سنة ثمَّ عَاد لم يكف وَهُوَ الصَّحِيح
لِأَن الْمَقْصُود التنكيل وَلم يحصل وَابْتِدَاء الْعَام من حُصُوله فِي بلد التَّغْرِيب فِي أحد وَجْهَيْن أجَاب بِهِ القَاضِي أَبُو الطّيب
وَالْوَجْه الثَّانِي من خُرُوجه من بلد الزِّنَا وَلَو ادّعى الْمَحْدُود انْقِضَاء الْعَام وَلَا بَيِّنَة صدق لِأَنَّهُ من حُقُوق الله تَعَالَى وَيحلف ندبا
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَيَنْبَغِي للْإِمَام أَن يثبت فِي ديوانه أول زمَان التَّغْرِيب ويغرب من بلد الزِّنَا (إِلَى مَسَافَة الْقصر) لِأَن مَا دونهَا فِي حكم الْحَضَر لتواصل الْأَخْبَار فِيهَا إِلَيْهِ وَلِأَن الْمَقْصُود إيحاشه بالبعد عَن الْأَهْل والوطن (فَمَا فَوْقهَا)
إِن رَآهُ الإِمَام لِأَن عمر غرب إِلَى الشَّام وَعُثْمَان إِلَى مصر وعليا إِلَى الْبَصْرَة وَليكن تغريبه إِلَى بلد معِين فَلَا يُرْسِلهُ الإِمَام إرْسَالًا
وَإِذا عين لَهُ الإِمَام جِهَة فَلَيْسَ للمغرب أَن يخْتَار غَيرهَا لِأَن ذَلِك أليق بالزجر
ومعاملة لَهُ بنقيض قَصده
تَنْبِيه لَو غرب إِلَى بلد معِين فَهَل يمْنَع من الِانْتِقَال إِلَى بلد آخر وَجْهَان أصَحهمَا كَمَا فِي أصل الرَّوْضَة لَا يمْنَع لِأَنَّهُ امتثل وَالْمَنْع من الِانْتِقَال لم يدل عَلَيْهِ دَلِيل
وَيجوز أَن يحمل مَعَه جَارِيَة يتسرى بهَا مَعَ نَفَقَة يحتاجها وَكَذَا مَال يتجر فِيهِ
كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَلَيْسَ لَهُ أَن يحمل مَعَه أَهله وعشيرته فَإِن خَرجُوا مَعَه لم يمنعوا وَلَا يعقل فِي الْموضع الَّذِي غرب إِلَيْهِ لَكِن يحفظ بالمراقبة وَالتَّوْكِيل بِهِ لِئَلَّا يرجع إِلَى بَلَده أَو إِلَى مَا دون مَسَافَة الْقصر مِنْهَا لَا لِئَلَّا ينْتَقل إِلَى بلد آخر لما مر من أَنه لَو انْتقل إِلَى بلد آخر لم يمْنَع وَلَو عَاد إِلَى بَلَده الَّذِي غرب مِنْهَا أَو إِلَى مَا دون مَسَافَة الْقصر مِنْهُ رد واستؤنفت الْمدَّة على الْأَصَح إِذْ لَا يجوز تَفْرِيق سنة التَّغْرِيب فِي الْحر وَلَا نصفهَا فِي غَيره لِأَن الإيحاش لَا يحصل مَعَه
وَقَضِيَّة هَذَا أَنه لَا يتَعَيَّن للتغريب الْبَلَد الَّذِي غرب إِلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك ويغرب زَان غَرِيب لَهُ بلد من بلد الزِّنَا تنكيلا وإبعادا عَن مَوضِع الْفَاحِشَة إِلَى غير بَلَده لِأَن الْقَصْد إيحاشه وعقوبته وَعوده إِلَى وَطنه يأباه
وَيشْتَرط أَن يكون بَينه وَبَين بَلَده مَسَافَة الْقصر فَمَا فَوْقهَا ليحصل مَا ذكر فَإِن عَاد إِلَى بَلَده الْأَصْلِيّ منع مِنْهُ مُعَارضَة لَهُ بنقيض قَصده
القَوْل فِي شُرُوط الْإِحْصَان ثمَّ شرع فِي شُرُوط الْإِحْصَان فِي الزِّنَا فَقَالَ (وشرائط الْإِحْصَان أَرْبَعَة) الأول (الْبلُوغ و) الثَّانِي (الْعقل) فَلَا حصانة لصبي وَمَجْنُون لعدم الْحَد عَلَيْهِمَا لَكِن يؤدبان بِمَا يزجرهما كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة
تَنْبِيه مَا ذكره من اعْتِبَار التَّكْلِيف وَلَو عبر بِهِ لَكَانَ أخصر فِي الْإِحْصَان صَحِيح
إِلَّا أَن هَذَا الْوَصْف لَا يخْتَص بالإحصان

(2/522)


بل هُوَ شَرط لوُجُوب الْحَد مُطلقًا كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ
والمتعدي بسكره كالمكلف
(و) الثَّالِث (الْحُرِّيَّة)
فالرقيق لَيْسَ بمحصن وَلَو مكَاتبا ومبعضا ومستولدة لِأَنَّهُ على النّصْف من الْحر وَالرَّجم لَا نصف لَهُ وَلَو كَانَ ذِمِّيا أَو مُرْتَدا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجم الْيَهُودِيين كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ زَاد أَبُو دَاوُد وَكَانَا قد أحصنا
تَنْبِيه عقد الذِّمَّة شَرط لإِقَامَة الْحَد على الذِّمِّيّ لَا لكَونه مُحصنا فَلَو غيب حَرْبِيّ حشفته فِي نِكَاح وصححنا أنكحة الْكفَّار وَهُوَ الْأَصَح فَهُوَ مُحصن حَتَّى لَو عقدت لَهُ ذمَّة فزنى رجم وَمثل الذِّمِّيّ الْمُرْتَد وَخرج بِهِ الْمُسْتَأْمن فَإنَّا لَا نُقِيم عَلَيْهِ حد الزِّنَا على الْمَشْهُور
(و) الرَّابِع (وجود الْوَطْء) بغيبوبة الْحَشَفَة أَو قدرهَا عِنْد فقدها من مُكَلّف بقبل وَلَو لم تزل الْبكارَة كَمَا مر
(فِي نِكَاح صَحِيح) لِأَن الشَّهْوَة مركبة فِي النُّفُوس فَإِذا وطىء فِي نِكَاح صَحِيح وَلَو كَانَت الْمَوْطُوءَة فِي عدَّة وَطْء شُبْهَة أَو وَطئهَا فِي نَهَار رَمَضَان أَو فِي حيض أَو إِحْرَام فقد استوفاها
فحقه أَن يمْتَنع من الْحَرَام وَلِأَنَّهُ يكمل طَرِيق الْحل بِدفع الْبَيْنُونَة بِطَلْقَة أَو ردة فَخرج بِقَيْد الْوَطْء المفاخذة وَنَحْوهَا
وبقيد الْحَشَفَة غيبوبة بَعْضهَا وبقيد الْقبل الْوَطْء فِي الدبر وبقيد النِّكَاح الْوَطْء فِي ملك الْيَمين وَالْوَطْء بِشُبْهَة
وبقيد الصَّحِيح الْوَطْء فِي النِّكَاح الْفَاسِد لِأَنَّهُ حرَام فَلَا يحصل بِهِ صفة كَمَال فَلَا حصانة فِي هَذِه الصُّور المحترز عَنْهَا بالقيود الْمَذْكُورَة
وَالأَصَح الْمَنْصُوص اشْتِرَاط التغييب لحشفة الرجل أَو قدرهَا حَال حُرِّيَّته الْكَامِلَة
وتكليفه
فَلَا يجب الرَّجْم على من وطىء فِي نِكَاح صَحِيح وَهُوَ صبي أَو مَجْنُون أَو رَقِيق وَإِنَّمَا اعْتبر وُقُوعه فِي حَال الْكَمَال لِأَنَّهُ مُخْتَصّ بأكمل الْجِهَات وَهُوَ النِّكَاح الصَّحِيح فَاعْتبر حُصُوله من كَامِل حَتَّى لَا يرْجم من وطىء وَهُوَ نَاقص ثمَّ زنى وَهُوَ كَامِل ويرجم من كَانَ كَامِلا فِي الْحَالين
وَإِن تخللهما نقص كجنون ورق وَالْعبْرَة بالكمال فِي الْحَالين
فَإِن قيل يرد على هَذَا إِدْخَال الْمَرْأَة حَشَفَة الرجل وَهُوَ نَائِم وإدخاله فِيهَا وَهِي نَائِمَة فَإِنَّهُ يحصل الْإِحْصَان للنائم أَيْضا مَعَ أَنه غير مُكَلّف عِنْد الْفِعْل
أُجِيب بِأَنَّهُ مُكَلّف استصحابا لحاله قبل النّوم
تَنْبِيه سكتوا عَن شَرط الِاخْتِيَار هُنَا وَقَضِيَّة كَلَامهم عدم اشْتِرَاطه حَتَّى لَو وجدت الْإِصَابَة وَالزَّوْج مكره عَلَيْهَا
وَقُلْنَا بتصور الْإِكْرَاه حصل التحصين وَهُوَ كَذَلِك
وَهَذِه الشُّرُوط كَمَا تعْتَبر فِي الواطىء تعْتَبر أَيْضا فِي الْمَوْطُوءَة وَالْأَظْهَر كَمَا فِي الرَّوْضَة
أَن الْكَامِل من رجل أَو امْرَأَة إِذا تزوج بناقص مُحصن لِأَنَّهُ حر مُكَلّف وطىء فِي نِكَاح صَحِيح
فَأشبه مَا إِذا كَانَا كَامِلين وَلَا تغرب امْرَأَة زَانِيَة وَحدهَا بل مَعَ زوج أَو محرم لخَبر لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إِلَّا وَمَعَهَا زوج أَو محرم وَفِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر مسيرَة يَوْم إِلَّا مَعَ ذِي رحم محرم وَلِأَن الْقَصْد تأديبها
والزانية إِذا خرجت وَحدهَا هتكت جِلْبَاب الْحيَاء فَإِن امْتنع من ذكر من الْخُرُوج مَعهَا وَلَو بِأُجْرَة لم يجْبر
كَمَا فِي الْحَج لِأَن فِيهِ تغريب من لم يُذنب وَلَا يَأْثَم بامتناعه

(2/523)


كَمَا بَحثه فِي الْمطلب فيؤخر تغريبها إِلَى أَن يَتَيَسَّر من يخرج مَعهَا كَمَا جزم بِهِ ابْن الصّباغ
القَوْل فِي حد العَبْد وَالْأمة ثمَّ شرع فِي حد غير الْحر قَالَ (وَالْعَبْد وَالْأمة) الْمُكَلّفين وَلَو مبعضين (حدهما نصف حد الْحر) وَهُوَ خَمْسُونَ جلدَة لقَوْله تَعَالَى {فَإِذا أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} اي وَالْمرَاد الْجلد لِأَن الرَّجْم قتل وَالْقَتْل لَا يتنصف
وروى مَالك وَأحمد عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه أُتِي بِعَبْد وَأمة زَنَيَا فجلدهما خمسين إِذْ لَا فرق فِي ذَلِك بَين الرجل وَالْأُنْثَى بِجَامِع الرّقّ
وَلَو عبر المُصَنّف بِمن فِيهِ رق لعم الْمكَاتب وَأم الْوَلَد والمبعض
ويغرب من فِيهِ رق نصف سنة
كَمَا شَمل ذَلِك قَول المُصَنّف نصف الْحر ولعموم الْآيَة فَأشبه الْجلد
القَوْل فِي مُؤنَة التَّغْرِيب تَنْبِيه مُؤنَة الْمغرب فِي مُدَّة تغريبه على نَفسه إِن كَانَ حرا وعَلى سَيّده إِن كَانَ رَقِيقا
وَإِن زَادَت على مُؤنَة الْحر وَلَو زنى العَبْد الْمُؤَجّر حد
وَهل يغرب فِي الْحَال وَيثبت للْمُسْتَأْجر الْخِيَار أَو يُؤَخر إِلَى مُضِيّ الْمدَّة وَجْهَان حَكَاهُمَا الدَّارمِيّ
قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَيقرب أَن يفرق بَين طول مُدَّة الْإِجَارَة وقصرها قَالَ وَيُشبه أَن يَجِيء ذَلِك فِي الْأَجِير الْحر أَيْضا انْتهى
وَالْأَوْجه أَنه لَا يغرب إِن تعذر عمله فِي الغربة كَمَا لَا يحبس لغريمه إِن تعذر عمله فِي الْحَبْس بل أولى لِأَن ذَلِك حق آدَمِيّ وَهَذَا حق الله تَعَالَى بِخِلَاف الْمَرْأَة إِذا توجه عَلَيْهَا حبس فَإِنَّهَا تحبس وَلَو فَاتَ التَّمَتُّع على الزَّوْج لِأَنَّهُ لَا غَايَة لَهُ
وَقَضِيَّة كَلَامهم أَنه لَا فرق بَين العَبْد الْمُسلم وَالْكَافِر وَهُوَ كَذَلِك
القَوْل فِيمَا يثبت بِهِ الزِّنَا وَيثبت الزِّنَا بِأحد أَمريْن إِمَّا بِبَيِّنَة عَلَيْهِ وَهِي أَرْبَعَة شُهُود لآيَة {واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة من نِسَائِكُم} اي أَو إِقْرَار حَقِيقِيّ وَلَو مرّة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجم ماعزا والغامدية بإقرارهما رَوَاهُ مُسلم
وَيشْتَرط فِي الْبَيِّنَة التَّفْصِيل فَتذكر بِمن زنى لجَوَاز أَن لَا حد عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا والكيفية لاحْتِمَال إِرَادَة الْمُبَاشرَة فِيمَا دون الْفرج وتتعرض للحشفة أَو قدرهَا وَقت الزِّنَا فَتَقول رَأَيْنَاهُ أَدخل ذكره أَو حشفته فِي فرج فُلَانَة على وَجه الزِّنَا وَيعْتَبر كَون الْإِقْرَار مفصلا كَالشَّهَادَةِ
وَخرج بِالْإِقْرَارِ الْحَقِيقِيّ التقديري وَهُوَ الْيَمين الْمَرْدُودَة بعد نُكُول الْخصم فَلَا يثبت بِهِ الزِّنَا
وَلَكِن يسْقط بِهِ الْحَد عَن الْقَاذِف
وَيسن للزاني وكل من ارْتكب مَعْصِيّة السّتْر على نَفسه لخَبر من أَتَى من هَذِه القاذورات شَيْئا فليستتر بستر الله تَعَالَى فَإِن من أبدى لنا صفحته أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَد رَوَاهُ الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد جيد
حكم اللوط (وَحكم اللواط) وَهُوَ إيلاج الْحَشَفَة أَو قدرهَا فِي دبر ذكر وَلَو عَبده أَو أُنْثَى غير زَوجته وَأمته
(وإتيان الْبَهَائِم) مُطلقًا فِي وجوب الْحَد (كَحكم الزِّنَا) فِي الْقبل على الْمَذْهَب فِي مَسْأَلَة اللواط فَقَط فيرجم الْفَاعِل الْمُحصن ويجلد ويغرب غَيره على مَا سبق وَأما الْمَفْعُول بِهِ فيجلد ويغرب مُطلقًا أحصن أم لَا
على الْأَصَح وَخرج بِقَيْد غير زَوجته وَأمته اللواط بهما فَلَا حد عَلَيْهِ بل

(2/524)


واجبه التَّعْزِير فَقَط على الْمَذْهَب فِي الرَّوْضَة
أَي إِذا تكَرر مِنْهُ الْفِعْل فَإِن لم يتَكَرَّر فَلَا تَعْزِير
كَمَا ذكره الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيّ وَالزَّوْجَة وَالْأمة فِي التَّعْزِير مثله
وَأما مَا ذكره المُصَنّف من أَن إتْيَان الْبَهَائِم فِي الْحَد كَالزِّنَا فَهُوَ أحد الْأَقْوَال الثَّلَاثَة فِي الْمَسْأَلَة وَهُوَ مَرْجُوح وَعَلِيهِ يفرق بَين الْمُحصن وَغَيره لِأَنَّهُ حد يجب بِالْوَطْءِ كَذَا علله صَاحب الْمُهَذّب والتهذيب
وَالثَّانِي أَن واجبه الْقَتْل مُحصنا كَانَ أَو غَيره لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَتَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ واقتلوها مَعَه رَوَاهُ الْحَاكِم وَصحح إِسْنَاده
وأظهرها لَا حد فِيهِ كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ لِأَن الطَّبْع السَّلِيم يأباه فَلم يحْتَج إِلَى زاجر بِحَدّ
بل يُعَزّر وَفِي النَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس لَيْسَ على الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة حد وَمثل هَذَا لَا يَقُوله إِلَّا عَن تَوْقِيف
القَوْل فِي حكم الْمُبَاشرَة فِيمَا دون الْفرج (وَمن وطىء) الأولى وَمن بَاشر (فِيمَا دون الْفرج) بمفاخذة أَو معانقة أَو قبْلَة أَو نَحْو ذَلِك
(عزّر) بِمَا يرَاهُ الإِمَام من ضرب أَو صفع أَو حبس أَو نفي وَيعْمل بِمَا يرَاهُ من الْجمع بَين هَذِه الْأُمُور أَو الِاقْتِصَار على بَعْضهَا
وَله الِاقْتِصَار على التوبيخ بِاللِّسَانِ
وَحده فِيمَا يتَعَلَّق بِحَق الله تَعَالَى كَمَا فِي الرَّوْضَة
ضَابِط مَا فِيهِ التَّعْزِير وَلَا يبلغ الإِمَام وجوبا (بالتعزير أدنى الْحُدُود) لِأَن الضَّابِط فِي التَّعْزِير أَنه مَشْرُوع فِي كل مَعْصِيّة لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة سَوَاء أَكَانَت حَقًا لله تَعَالَى أم لآدَمِيّ وَسَوَاء أَكَانَت من مُقَدمَات مَا فِيهِ حد كمباشرة أَجْنَبِيَّة فِي غير الْفرج وسرقة مَا لَا قطع فِيهِ
والسب بِمَا لَيْسَ بِقَذْف أم لَا كالتزوير وَشَهَادَة الزُّور وَالضَّرْب بِغَيْر حق ونشوز الْمَرْأَة وَمنع الزَّوْج حَقه مَعَ الْقُدْرَة
وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {واللاتي تخافون نشوزهن} اي الْآيَة فأباح الضَّرْب عِنْد الْمُخَالفَة فَكَانَ فِيهِ تَنْبِيه على التَّعْزِير وروى الْبَيْهَقِيّ أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سُئِلَ عَمَّن قَالَ لرجل يَا فَاسق يَا خَبِيث فَقَالَ يُعَزّر
أُمُور ثَلَاثَة نتيجة لضابط التَّعْزِير تَنْبِيه اقْتضى الضَّابِط الْمَذْكُور ثَلَاثَة أُمُور الْأَمر الأول تَعْزِير ذِي الْمعْصِيَة الَّتِي لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة وَيسْتَثْنى مِنْهُ مسَائِل مِنْهَا الأَصْل لَا يُعَزّر لحق الْفَرْع كَمَا لَا يحد بقذفه
وَمِنْهَا مَا إِذا ارْتَدَّ ثمَّ أسلم فَإِنَّهُ لَا يُعَزّر أول مرّة وَمِنْهَا مَا إِذا كلف السَّيِّد عَبده مَا لَا يُطيق الدَّوَام عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ وَلَا

(2/525)


يُعَزّر أول مرّة وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ لَا تعد فَإِن عَاد عزّر
وَمِنْهَا مَا إِذا قطع الشَّخْص أَطْرَاف نَفسه
الْأَمر الثَّانِي مَتى كَانَ فِي الْمعْصِيَة حد كَالزِّنَا أَو كَفَّارَة كالتمتع بِطيب فِي الْإِحْرَام يَنْتَفِي التَّعْزِير لإِيجَاب الأول الْحَد وَالثَّانِي الْكَفَّارَة وَيسْتَثْنى مِنْهُ مسَائِل مِنْهَا إِفْسَاد الصَّائِم يَوْمًا من رَمَضَان بجماع زَوجته أَو أمته
فَإِنَّهُ يجب فِيهِ التَّعْزِير مَعَ الْكَفَّارَة
وَمِنْهَا الْمظَاهر يجب عَلَيْهِ التَّعْزِير مَعَ الْكَفَّارَة
وَمِنْهَا الْيَمين الْغمُوس يجب فِيهَا التَّعْزِير مَعَ الْكَفَّارَة
وَمِنْهَا مَا ذكره الشَّيْخ عز الدّين فِي الْقَوَاعِد الصُّغْرَى أَنه لَو زنى بِأُمِّهِ فِي جَوف الْكَعْبَة فِي رَمَضَان وَهُوَ صَائِم معتكف محرم لزمَه الْعتْق والبدنة وَيحد للزِّنَا وَيُعَزر لقطع رَحمَه وانتهاك حُرْمَة الْكَعْبَة
الْأَمر الثَّالِث أَنه لَا يُعَزّر فِي غير مَعْصِيّة وَيسْتَثْنى مِنْهُ مسَائِل مِنْهَا الصَّبِي وَالْمَجْنُون يعزران إِذا فعلا مَا يُعَزّر عَلَيْهِ الْبَالِغ الْعَاقِل
وَإِن لم يكن فعلهمَا مَعْصِيّة
وَمِنْهَا أَن الْمُحْتَسب يمْنَع من يكْتَسب باللهو ويؤدب عَلَيْهِ الْآخِذ والمعطي
وَظَاهره تنَاول اللَّهْو الْمُبَاح
وَمِنْهَا نفي المخنث نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي
مَعَ أَنه لَيْسَ بِمَعْصِيَة وَإِنَّمَا هُوَ فعل للْمصْلحَة واستثنيت فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره
من ذَلِك مسَائِل عديدة مهمة لَا يحتملها شرح هَذَا الْمُخْتَصر وَفِيمَا ذكرته تذكرة لأولي الْأَلْبَاب
تَتِمَّة للْإِمَام ترك تَعْزِير لحق الله تَعَالَى لإعراضه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جمَاعَة استحقوه كالغال فِي الْغَنِيمَة ولاوي شدقه فِي حكمه للزبير
وَلَا يجوز تَركه إِن كَانَ لآدَمِيّ عِنْد طلبه كَالْقصاصِ على الْمُعْتَمد وَإِن خَالف فِي ذَلِك ابْن الْمقري وَيُعَزر من وَافق الْكفَّار فِي أعيادهم وَمن يمسك الْحَيَّة وَيدخل النَّار
وَمن قَالَ لذِمِّيّ يَا حَاج وَمن يُسَمِّي زائر قُبُور الصَّالِحين حَاجا وَلَا يجوز للْإِمَام الْعَفو عَن الْحَد وَلَا تجوز الشَّفَاعَة فِيهِ
وَتسن الشَّفَاعَة الْحَسَنَة إِلَى وُلَاة الْأُمُور لقَوْله تَعَالَى {من يشفع شَفَاعَة حَسَنَة} الْآيَة وَلما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي مُوسَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَتَاهُ طَالب حَاجَة أقبل على جُلَسَائِهِ وَقَالَ اشفعوا تؤجروا وَيَقْضِي الله على لِسَان نبيه مَا شَاءَ

فصل فِي حد الْقَذْف
وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة لُغَة الرَّمْي
وَشرعا الرَّمْي بِالزِّنَا فِي معرض التعيير وألفاظ الْقَذْف ثَلَاثَة صَرِيح وكناية وتعريض
وَبَدَأَ بِالْأولِ فَقَالَ (وَإِذا قذف) شخص (غَيره بِالزِّنَا) كَقَوْلِه لرجل أَو امْرَأَة حد الْقَذْف) للمقذوف بالاجماع الْمُسْتَند إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ}

(2/526)


زَنَيْت أَو زَنَيْت بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا أَو يَا زاني أَو يَا زَانِيَة (فَعَلَيهِ الْمُحْصنَات اي الْآيَة وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهِلَال بن أُميَّة حِين قذف زَوجته بِشريك بن سمحاء الْبَيِّنَة أَو حد فِي ظهرك وَلما قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ ذَلِك
قَالَ يَا رَسُول الله إِذا رأى أَحَدنَا على امْرَأَته رجلا ينْطَلق يلْتَمس الْبَيِّنَة فَجعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُكَرر ذَلِك فَقَالَ هِلَال وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا إِنِّي لصَادِق ولينزلن الله مَا يبرىء ظَهْري من الْحَد فَنزلت آيَة اللّعان
وَلَو قَالَ للرجل يَا زَانِيَة وللمرأة يَا زاني كَانَ قذفا وَلَا يضر اللّحن بالتذكير للمؤنث وَعَكسه كَمَا صرح بِهِ فِي الْمُحَرر
وَلَو خَاطب خُنْثَى بزانية أَو زَان وَجب الْحَد لكنه يكون صَرِيحًا إِن أضَاف الزِّنَا إِلَى فرجيه فَإِن أَضَافَهُ إِلَى أَحدهمَا كَانَ كِنَايَة وَالرَّمْي لشخص بإيلاج ذكره أَو حَشَفَة مِنْهُ فِي فرج مَعَ وصف الْإِيلَاج بِتَحْرِيم مُطلق أَو الرَّمْي بإيلاج ذكر أَو حَشَفَة فِي دبر صَرِيح وَإِنَّمَا اشْترط الْوَصْف بِالتَّحْرِيمِ فِي الْقبل دون الدبر لِأَن الْإِيلَاج فِي الدبر لَا يكون إِلَّا حَرَامًا فَإِن لم يُوصف الأول بِالتَّحْرِيمِ فَلَيْسَ صَرِيحًا لصدقه بالحلال بِخِلَاف الثَّانِي
وَأما اللَّفْظ الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَة فكقوله زنأت بِالْهَمْز فِي الْجَبَل أَو السّلم أَو نَحوه فَهُوَ كِنَايَة لِأَن ظَاهره يَقْتَضِي الصعُود
وزنيت بِالْيَاءِ فِي الْجَبَل صَرِيح للظهور فِيهِ كَمَا لَو قَالَ فِي الدَّار وَكَقَوْلِه لرجل يَا فَاجر يَا فَاسق يَا خَبِيث
ولامرأة يَا فاجرة يَا فاسقة يَا خبيثة
وَأَنت تحبين الْخلْوَة أَو الظلمَة أَو لَا تردين يَد لامس
وَاخْتلف فِي قَول شخص لآخر يَا لوطي هَل هُوَ صَرِيح أَو كِنَايَة لاحْتِمَال أَن يُرِيد أَنه على دين قوم لوط
وَالْمُعْتَمد أَنه كِنَايَة بِخِلَاف قَوْله يَا لائط فَإِنَّهُ صَرِيح
قَالَ ابْن الْقطَّان وَلَو قَالَ لَهُ يَا بغاء أَو لَهَا يَا قحبة فَهُوَ كِنَايَة
وَالَّذِي أفتى بِهِ ابْن عبد السَّلَام فِي قحبة أَنه صَرِيح وَهُوَ الظَّاهِر وَأفْتى أَيْضا بصراحة يَا مخنث للْعُرْف
وَالظَّاهِر أَنه كِنَايَة فَإِن أنكر شخص فِي الْكِنَايَة إِرَادَة قذف بهَا صدق بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أعرف بمراده فَيحلف أَنه مَا أَرَادَ قذفه قَالَه الْمَاوَرْدِيّ ثمَّ عَلَيْهِ التعزيز للإيذاء
وَقَيده الْمَاوَرْدِيّ بِمَا إِذا خرج لَفظه مخرج السب والذم وَإِلَّا فَلَا تَعْزِير وَهُوَ ظَاهر
وَأما اللَّفْظ الثَّالِث وَهُوَ التَّعْرِيض فكقوله لغيره فِي خُصُومَة أَو غَيرهَا يَا ابْن الْحَلَال
وَأما أَنا فلست بزان وَنَحْوه كليست أُمِّي بزانية وَلست ابْن خباز أَو اسكافي وَمَا أحسن اسْمك فِي الْجِيرَان فَلَيْسَ ذَلِك بِقَذْف صَرِيح وَلَا كِنَايَة وَإِن نَوَاه لِأَن النِّيَّة إِنَّمَا تُؤثر إِذا احْتمل اللَّفْظ الْمَنوِي وَهَا هُنَا لَيْسَ فِي اللَّفْظ إِشْعَار بِهِ وَإِنَّمَا يفهم بقرائن الْأَحْوَال فَلَا يُؤثر فِيهِ
فاللفظ الَّذِي يقْصد بِهِ الْقَذْف إِن لم يحْتَمل غَيره فصريح وَإِلَّا فَإِن فهم مِنْهُ الْقَذْف بِوَضْعِهِ فكناية وَإِلَّا فتعريض
وَلَيْسَ الرَّمْي بإتيان الْبَهَائِم قذفا وَالنِّسْبَة إِلَى غير الزِّنَا من الْكَبَائِر وَغَيرهَا مِمَّا فِيهِ إِيذَاء
كَقَوْلِه لَهَا زَنَيْت بفلانة أَو أصابتك فُلَانَة
يَقْتَضِي التَّعْزِير للإيذاء لَا الْحَد لعدم ثُبُوته
(وشرائطه) أَي حد الْقَذْف (ثَمَانِيَة ثَلَاثَة مِنْهَا) بل سِتَّة (فِي الْقَاذِف) كَمَا ستعرفه (وَهُوَ أَن يكون بَالغا عَاقِلا) فَلَا حد

(2/527)


على صبي وَمَجْنُون لنفي الْإِيذَاء بقذفهما لعدم تكليفهما لَكِن يعزران إِذا كَانَ لَهما نوع تَمْيِيز
(و) الثَّالِث (أَن لَا يكون والدا) أَي أصلا (للمقذوف) فَلَا يحد أصل بِقَذْف فَرعه وَإِن سفل
وَالرَّابِع كَونه مُخْتَارًا فَلَا حد على مكره بِفَتْح الرَّاء فِي الْقَذْف
وَالْخَامِس كَونه مُلْتَزما للْأَحْكَام فَلَا حد على حَرْبِيّ لعدم الْتِزَامه وَالسَّادِس كَونه مَمْنُوعًا مِنْهُ ليخرج مَا لَو أذن مُحصن لغيره فِي قذفه فَلَا حد كَمَا صرح بِهِ فِي الزَّوَائِد
تَنْبِيه قد علم من الِاقْتِصَار على هَذِه الشُّرُوط فِي الْقَاذِف عدم اشْتِرَاط إِسْلَامه وحريته وَهُوَ كَذَلِك
(وَخَمْسَة) مِنْهَا (فِي الْمَقْذُوف وَهُوَ أَن يكون مُسلما بَالغا عَاقِلا حرا عفيفا) عَن وَطْء يحد بِهِ بِأَن لم يطَأ أصلا أَو وطىء وطئا لَا يجد بِهِ كَوَطْء الشَّرِيك الْأمة الْمُشْتَركَة لِأَن أضداد ذَلِك نقص
وَفِي الْخَبَر من أشرك بِاللَّه فَلَيْسَ بمحصن وَإِنَّمَا جعل الْكَافِر مُحصنا فِي حد الزِّنَا لِأَن حَده إهانة لَهُ وَالْحَد بقذفه إكرام لَهُ واعتبرت الْعِفَّة عَن الزِّنَا لِأَن من زنا لَا يتعير بِهِ
تَنْبِيه يرد على مَا ذكر وَطْء زَوجته فِي دبرهَا فَإِنَّهُ تبطل لَهُ حصانته على الْأَصَح مَعَ أَنه لَا يحد بِهِ وَيتَصَوَّر الْحَد بِقَذْف الْكَافِر بِأَن يقذف مُرْتَدا بزنا يضيفه إِلَى حَال إِسْلَامه
وبقذف الْمَجْنُون بِأَن يقذفه بزنا يضيفه إِلَى حَال إِفَاقَته
وبقذف العَبْد بِأَن يقذفه بزنا يضيفه إِلَى حَال حُرِّيَّته إِذا طَرَأَ عَلَيْهِ الرّقّ
وَصورته فِيمَا إِذا أسلم الْأَسير ثمَّ اخْتَار الإِمَام فِيهِ الرّقّ
القَوْل فِيمَا تبطل بِهِ الْعِفَّة وَتبطل الْعِفَّة الْمُعْتَبرَة فِي الْإِحْصَان بِوَطْء شخص وطئا حَرَامًا وَإِن لم يحد بِهِ كَوَطْء مُحرمَة برضاع أَو نسب كأخت مَمْلُوكَة لَهُ مَعَ علمه بِالتَّحْرِيمِ لدلالته على قلَّة مبالاته بِالزِّنَا بل غشيان الْمَحَارِم أَشد من غشيان الأجنبيات
وَلَا تبطل الْعِفَّة بِوَطْء حرَام فِي نِكَاح صَحِيح كَوَطْء زَوجته فِي عدَّة شُبْهَة لِأَن التَّحْرِيم عَارض يَزُول وَلَا بِوَطْء أمة وَلَده لثُبُوت النّسَب حَيْثُ حصل علوق من ذَلِك الْوَطْء
مَعَ انْتِفَاء الْحَد وَلَا بِوَطْء فِي نِكَاح فَاسد كَوَطْء منكوحته بِلَا ولي أَو بِلَا شُهُود لقُوَّة الشُّبْهَة
وَلَا تبطل الْعِفَّة بِوَطْء زَوجته أَو أمته فِي حيض أَو نِفَاس أَو إِحْرَام أَو صَوْم أَو اعْتِكَاف
وَلَا بِوَطْء زَوجته الرَّجْعِيَّة وَلَا بِوَطْء مَمْلُوكَة لَهُ مرتدة أَو مُزَوّجَة أَو قبل الِاسْتِبْرَاء أَو مُكَاتبَة وَلَا بزنا صبي وَمَجْنُون وَلَا بِوَطْء جَاهِل بِتَحْرِيم الْوَطْء لقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ
أَو نَشأ ببادية بعيدَة عَن الْعلمَاء وَلَا بِوَطْء مكره
وَلَا بِوَطْء مَجُوسِيّ محرما لَهُ كَأُمِّهِ بِنِكَاح أَو ملك لِأَنَّهُ لَا يعْتَقد تَحْرِيمه وَلَا بمقدمات الْوَطْء فِي الْأَجْنَبِيَّة
القَوْل فِي سُقُوط وَاحِد الْقَذْف بعد ثُبُوته فروع لَو زنى مقذوف قبل أَن يحد قَاذفه سقط الْحَد عَن قَاذفه لِأَن الْإِحْصَان لَا يتَيَقَّن بل يظنّ وَظُهُور الزِّنَا يخدشه

(2/528)


كالشاهد ظَاهره الْعَدَالَة شهد بِشَيْء ثمَّ ظهر فسقه قبل الحكم
وَلَو ارْتَدَّ لم يسْقط الْحَد عَن قَاذفه وَالْفرق بَين الرِّدَّة وَالزِّنَا أَنه يكتم مَا أمكن فَإِذا ظهر أشعر بسبق مثله
لِأَن الله تَعَالَى كريم لَا يهتك السّتْر أول مرّة
كَمَا قَالَه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
وَالرِّدَّة عقيدة والعقائد لَا تخفى غَالِبا فإظهارها لَا يدل على سبق الْإخْفَاء وكالردة السّرقَة وَالْقَتْل لِأَن مَا صدر مِنْهُ لَيْسَ من جنس مَا قذف بِهِ
وَمن زنى مرّة ثمَّ صلح بِأَن تَابَ وَصلح حَاله لم يعد مُحصنا أبدا وَلَو لزم الْعَدَالَة وَصَارَ من أورع خلق الله تَعَالَى وأزهدهم لِأَن الْعرض إِذا انخرم بِالزِّنَا لم يزل خلله بِمَا يطْرَأ من الْعِفَّة
فَإِن قيل قد ورد التائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ أُجِيب بِأَن هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِرَة
مِقْدَار الْحَد فِي الْقَاذِف (وَيحد الْحر) فِي الْقَذْف (ثَمَانِينَ) جلدَة لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} اي الْآيَة واستفيد كَونهَا فِي الْأَحْرَار من قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} اي
(و) يحد (الرَّقِيق) فِيهِ وَلَو مبعضا (أَرْبَعِينَ) جلدَة بالاجماع وحد الْقَذْف أَو تعزيره يُورث كَسَائِر حُقُوق الْآدَمِيّين وَلَو مَاتَ الْمَقْذُوف مُرْتَدا قبل اسْتِيفَاء الْحَد فَالْأَوْجه أَنه لَا يسْقط بل يَسْتَوْفِيه وَارثه لَوْلَا الرِّدَّة للتشفي كَمَا فِي نَظِيره من قصاص الطّرف
القَوْل فِي الْأُمُور الَّتِي يسْقط بهَا الْقَذْف (وَيسْقط حد الْقَذْف) عَن الْقَاذِف (بِثَلَاثَة) بل بِخَمْسَة (أَشْيَاء) الأول (إِقَامَة الْبَيِّنَة) على زنا الْمَقْذُوف وَتقدم أَنَّهَا أَرْبَعَة وَأَنَّهَا تكون مفصلة فَلَو شهد بِهِ دون أَرْبَعَة حدوا
كَمَا فعله عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
وَالثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أَو عَفْو الْمَقْذُوف) عَن الْقَاذِف عَن جَمِيع الْحَد فَلَو عَفا عَن بعضه لم يسْقط مِنْهُ شَيْء كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي الشُّفْعَة وَألْحق فِي الرَّوْضَة التَّعْزِير بِالْحَدِّ فَقَالَ إِنَّه يسْقط بِعَفْو أَيْضا وَلَو عَفا وَارِث الْمَقْذُوف على مَال سقط وَلم يجب المَال كَمَا فِي فَتَاوَى الحناطي وَلَو قذفه فَعَفَا عَنهُ ثمَّ قذفه
لم يحد كَمَا بَحثه الزَّرْكَشِيّ بل يُعَزّر وَالثَّالِث مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (أَو اللّعان) أَي لعان الزَّوْج الْقَاذِف
(فِي حق الزَّوْجَة) المقذوفة وَلَو مَعَ قدرته على إِقَامَة الْبَيِّنَة كَمَا تقدم تَوْجِيهه فِي اللّعان
وَالرَّابِع إِقْرَار الْمَقْذُوف بِالزِّنَا
وَالْخَامِس مَا لَو ورث الْقَاذِف الْحَد
تَتِمَّة يَرث الْحَد جَمِيع الْوَرَثَة الخاصين حَتَّى الزَّوْجَيْنِ ثمَّ من بعدهمْ للسُّلْطَان كَالْمَالِ وَالْقصاص وَلَو قذف بعد مَوته
هَل للزوجين حق أَو لَا وَجْهَان أوجههمَا الْمَنْع لانْقِطَاع الوصلة حَالَة الْقَذْف وَلَو عَفا بعض الْوَرَثَة عَن حَقه مِمَّا وَرثهُ من الْحَد فللباقين

(2/529)


مِنْهُم اسْتِيفَاء جَمِيعه لِأَنَّهُ عَار
والعار يلْزم الْوَاحِد كَمَا يلْزم الْجَمِيع وَفرق بَينه وَبَين الْقود فَإِنَّهُ إِذا عَفا بعض الْوَرَثَة عَنهُ سقط بِأَن لَهُ بَدَلا يعدل إِلَيْهِ وَهُوَ الدِّيَة بِخِلَافِهِ هَذَا إِذا كَانَ الْمَقْذُوف حرا
فَلَو كَانَ رَقِيقا وَاسْتحق التَّعْزِير على غير سَيّده ثمَّ مَاتَ فَهَل يَسْتَوْفِيه سَيّده أَو عصبته الْأَحْرَار أَو السُّلْطَان وُجُوه أَصَحهَا أَولهَا وللقاذف تَحْلِيف الْمَقْذُوف على عدم زِنَاهُ وَلَو مَعَ قدرته على الْبَيِّنَة عِنْد الْأَكْثَرين
فَإِن حلف حد الْقَاذِف وَإِلَّا سقط عَنهُ

فصل فِي حد شَارِب السكر من خمر وَغَيره
فِي حد شَارِب الْمُسكر من خمر وَغَيره وشربه من كَبَائِر الْمُحرمَات
وَالْأَصْل فِي تَحْرِيمه قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
وانعقد الْإِجْمَاع على تَحْرِيم الْخمر وَكَانَ الْمُسلمُونَ يشربونها فِي صدر الْإِسْلَام
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي أَن ذَلِك كَانَ استصحابا مِنْهُم لحكم الْجَاهِلِيَّة أَو بشرع فِي إباحتها على وَجْهَيْن رجح الْمَاوَرْدِيّ الأول وَالنَّوَوِيّ الثَّانِي
وَكَانَ تَحْرِيمهَا فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة بعد أحد
وَقيل بل كَانَ الْمُبَاح الشّرْب لَا مَا يَنْتَهِي إِلَى السكر المزيل لِلْعَقْلِ
فَإِنَّهُ حرَام فِي كل مِلَّة
حَكَاهُ الْقشيرِي فِي تَفْسِيره عَن الْقفال الشَّاشِي
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَهُوَ بَاطِل لَا أصل لَهُ وَالْخمر الْمُسكر من عصير الْعِنَب وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي وُقُوع اسْم الْخمر على الأنبذة هَل هُوَ حَقِيقَة قَالَ الْمُزنِيّ وَجَمَاعَة نعم لِأَن الِاشْتِرَاك بِالصّفةِ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاك فِي الِاسْم
وَهُوَ قِيَاس فِي اللُّغَة وَهُوَ جَائِز عِنْد الْأَكْثَرين وَهُوَ ظَاهر الْأَحَادِيث وَنسب الرَّافِعِيّ إِلَى الْأَكْثَر أَنه لَا يَقع عَلَيْهَا إِلَّا مجَازًا أما فِي التَّحْرِيم وَالْحَد فكالخمر كَمَا يُؤْخَذ من قَول المُصَنّف
شُرُوط الْحَد فِي شرب الْخمر

(2/530)


(وَمن شرب) أَي من الْمُكَلّفين الْمُلْتَزم للْأَحْكَام مُخْتَارًا لغير ضَرُورَة عَالما بِالتَّحْرِيمِ
(خمرًا) وَهِي المتخذة من عصير الْعِنَب كَمَا مر
(أَو) شرب (شرابًا مُسكرا) غير الْخمر كالأنبذة المتخذة من تمر أَو رطب أَو زبيب أَو شعير أَو ذرة أَو نَحْو ذَلِك
(يحد) الْحر (أَرْبَعِينَ) جلدَة لما فِي مُسلم عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْرب فِي الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال أَرْبَعِينَ وَيحد الرَّقِيق وَلَو مبعضا عشْرين لِأَنَّهُ حد يَتَبَعَّض فتنصف على الرَّقِيق كَحَد الزِّنَا
تَنْبِيه لَو تعدد الشّرْب كفي مَا ذكر
وَحَدِيث الْأَمر بقتل الشَّارِب فِي الرَّابِعَة مَنْسُوخ بِالْإِجْمَاع
القَوْل فِي ضَابِط معنى الْخمر تَنْبِيه كل شراب أسكر كَثِيره حرم هُوَ وقليله وحد شَاربه
لما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كل شراب أسكرع فَهُوَ حرَام وروى مُسلم خبر كل مُسكر خمر وكل خمر حرَام وَإِنَّمَا حرم الْقَلِيل وحد شَاربه إِن كَانَ لَا يسكر حسما لمادة الْفساد
كَمَا حرم تَقْبِيل الْأَجْنَبِيَّة وَالْخلْوَة بهَا لافضائه إِلَى الْوَطْء الْمحرم
وَلِحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم من شرب الْخمر فاجلدوه وَقيس بِهِ شرب النَّبِيذ وَخرج بالشرب الحقنة بِهِ بِأَن أدخلهُ دبره
والسعوط بِأَن أدخلهُ أَنفه
فَلَا حد بذلك لِأَن الْحَد للزجر وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ هُنَا وبالشراب الْمَفْهُوم من شرب النَّبَات قَالَ الدَّمِيرِيّ كالحشيشة الَّتِي يأكلها الحرافيش
وَنقل الشَّيْخَانِ فِي بَاب الْأَطْعِمَة عَن الرَّوْيَانِيّ أَن أكلهَا حرَام وَلَا حد فِيهَا وبالمكلف الصَّبِي وَالْمَجْنُون لرفع المقلم عَنْهُمَا وبالملتزم الْحَرْبِيّ لعدم الْتِزَامه وَالذِّمِّيّ لِأَنَّهُ لَا يلْتَزم بِالذِّمةِ مَا لَا يَعْتَقِدهُ وبالمختار المصبوب فِي حلقه قهرا وَالْمكْره على شربه لحَدِيث رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ وَبِغير ضَرُورَة مَا لَو غص أَي شَرق بلقمة وَلم يجد غير الْخمر فأساغها بهَا فَلَا حد عَلَيْهِ لوُجُوب شربهَا إنقاذا للنَّفس من الْهَلَاك والسلامة بذلك قَطْعِيَّة بِخِلَاف الدَّوَاء وَهُوَ رخصَة وَاجِبَة
فَلَو وجد غَيرهَا وَلَو بولا حرم إساغتها بِالْخمرِ
وَوَجَب حَده وبعالم بِالتَّحْرِيمِ من جهل كَونهَا خمرًا فَشربهَا ظَانّا كَونهَا شرابًا لَا يسكر لم يحد للْعُذْر وَلَا يلْزمه قَضَاء الصَّلَوَات الْفَائِتَة مُدَّة السكر كالمغمى عَلَيْهِ وَلَو قَالَ السَّكْرَان بعد الإصحاء كنت مكْرها أَو لم أعلم أَن الَّذِي شربته مُسكرا صدق بِيَمِينِهِ قَالَه فِي الْبَحْر فِي كتاب الطَّلَاق وَلَو قرب إِسْلَامه فَقَالَ جهلت تَحْرِيمهَا لم يحد لِأَنَّهُ قد يخفى عَلَيْهِ ذَلِك
وَالْحَد يدْرَأ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين

(2/531)


من نَشأ فِي بِلَاد الْإِسْلَام أَو لَا وَلَو قَالَ علمت تَحْرِيمهَا وَلَكِن جهلت الْحَد بشربها حد لِأَن من حَقه إِذا علم التَّحْرِيم أَن يمْتَنع
وَيحد بدردي مُسكر وَلَا يحد بشربه فِيمَا اسْتهْلك فِيهِ
وَلَا بِخبْز عجن دقيقه بِهِ لِأَن عين الْمُسكر أَكلته النَّار وَبَقِي الْخبز متنجسا وَلَا معجون هُوَ فِيهِ لاستهلاكه وَلَا بِأَكْل لحم طبخ بِهِ بِخِلَاف مرقه إِذا شربه أَو غمس فِيهِ أَو ثرد بِهِ فَإِنَّهُ يحد لبَقَاء عينه
القَوْل فِي حُرْمَة التدواي بِالْخمرِ وَيحرم تنَاول الْخمر لدواء وعطش أما تَحْرِيم الدَّوَاء بهَا فَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سُئِلَ عَن التَّدَاوِي بهَا قَالَ إِنَّه لَيْسَ بدواء وَلكنه دَاء وَالْمعْنَى أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سلب الْخمر مَنَافِعهَا حِين حرمهَا
وَمَا دلّ عَلَيْهِ الْقُرْآن من أَن فِيهَا مَنَافِع للنَّاس إِنَّمَا هُوَ قبل تَحْرِيمهَا وَإِن سلم بَقَاء الْمَنْفَعَة
فتحريمها مَقْطُوع بِهِ وَحُصُول الشِّفَاء بهَا مظنون فَلَا يقوى على إِزَالَة الْمَقْطُوع بِهِ
وَأما تَحْرِيمهَا للعطش فَلِأَنَّهُ لَا يُزِيلهُ بل يزِيدهُ لِأَن طبعها حَار يَابِس
كَمَا قَالَه أهل الطِّبّ وشربها لدفع الْجُوع كشربها لدفع الْعَطش هَذَا إِذا تداوى بصرفها
أما الترياق المعجون بهَا وَنَحْوه مِمَّا تستهلك فِيهِ فَيجوز التَّدَاوِي بِهِ عِنْد فقد مَا يقوم مقَامه مِمَّا يحصل بِهِ التَّدَاوِي من الطاهرات كالتداوي بِنَجس كلحم حَيَّة وَبَوْل
وَلَو كَانَ التَّدَاوِي بذلك لتعجيل شِفَاء بِشَرْط إِخْبَار طَبِيب مُسلم عدل بذلك أَو مَعْرفَته للتداوي بِهِ والند بِالْفَتْح المعجون بِخَمْر لَا يجوز بَيْعه لنجاسته
وَيجوز تنَاول مَا يزِيل الْعقل من غير الْأَشْرِبَة لقطع عُضْو متآكل أما الْأَشْرِبَة فَلَا يجوز تعاطيها لذَلِك وأصل الْجلد أَن يكون بِسَوْط أَو يَد أَو نعال أَو أَطْرَاف ثِيَاب لما روى الشَّيْخَانِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يضْرب بِالْجَرِيدِ وَالنعال وَفِي البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أُتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسكران فَأمر بضربه فمنا من ضربه بِيَدِهِ وَمنا من ضربه بنعله وَمنا من ضربه بِثَوْبِهِ
القَوْل فِي جَوَاز الزِّيَادَة عَن أَرْبَعِينَ (وَيجوز) للْإِمَام (أَن يبلغ بِهِ) أَي الشَّارِب الْحر (ثَمَانِينَ) على الْأَصَح الْمَنْصُوص لما رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ جلد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ وَجلد أَبُو بكر أَرْبَعِينَ وَعمر ثَمَانِينَ وكل سنة وَهَذَا أحب إِلَيّ لِأَنَّهُ إِذا شرب سكر وَإِذا سكر هذى وَإِذا

(2/532)


هذى افترى وحد الافتراء ثَمَانُون وَالزِّيَادَة على الْأَرْبَعين فِي الْحر وعَلى الْعشْرين فِي غَيره
(على وَجه التَّعْزِير) لِأَنَّهَا لَو كَانَت حدا لما جَازَ تَركهَا
وَقيل حد لِأَن التَّعْزِير لَا يكون إِلَّا عَن جِنَايَة مُحَققَة وَاعْترض الأول
بِأَن وضع التَّعْزِير النَّقْص عَن الْحَد فَكيف يُسَاوِيه
وَأجِيب بِأَنَّهُ لجنايات تولدت من الشَّارِب وَلِهَذَا اسْتحْسنَ تَعْبِير الْمِنْهَاج بتعزيرات على تَعْبِير الْمُحَرر بتعزير
قَالَ الرَّافِعِيّ وَلَيْسَ هَذَا الْجَواب شافيا
فَإِن الْجِنَايَات لم تتَحَقَّق حَتَّى يُعَزّر والجنايات الَّتِي تتولد من الْخمر لَا تَنْحَصِر فلتجز الزِّيَادَة على الثَّمَانِينَ وَقد منعوها قَالَ وَفِي قصَّة تَبْلِيغ الصَّحَابَة الضَّرْب ثَمَانِينَ أَلْفَاظ مشعرة بِأَن الْكل حد وَعَلِيهِ فحد الشَّارِب مَخْصُوص من بَين سَائِر الْحُدُود
بِأَن يتحتم بعضه وَيتَعَلَّق بعضه بِاجْتِهَاد الإِمَام
اه
وَالْمُعْتَمد أَنَّهَا تعزيرات وَإِنَّمَا لم تجز الزِّيَادَة اقتصارا على مَا ورد
بِمَ يجب حد الْخمر (وَيجب عَلَيْهِ) أَي الشَّارِب الْمُقَيد بِمَا تقدم (الْحَد بِأحد أَمريْن) إِمَّا (بِالْبَيِّنَةِ) وَهِي شَهَادَة رجلَيْنِ أَنه شرب خمرًا أَو شرب مِمَّا شرب مِنْهُ غَيره فَسَكِرَ مِنْهُ
(أَو الْإِقْرَار) بِمَا ذكر لِأَن كلا من الْبَيِّنَة وَالْإِقْرَار حجَّة شَرْعِيَّة فَلَا يحد بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَن الْبَيِّنَة نَاقِصَة وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَلَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة لما مر فِي قطع السّرقَة وَلَا برِيح خمر وسكر وقيء لاحْتِمَال أَن يكون شرب غالطا أَو مكْرها
وَالْحَد يدْرَأ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا يَسْتَوْفِيه القَاضِي بِعِلْمِهِ على الصَّحِيح بِنَاء على أَنه لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُود الله تَعَالَى
نعم سيد العَبْد يَسْتَوْفِيه بِعِلْمِهِ لإِصْلَاح ملكه وَلَا يشْتَرط فِي الْإِقْرَار وَالشَّهَادَة تَفْصِيل بل يَكْفِي الْإِطْلَاق فِي إِقْرَار من شخص بِأَنَّهُ شرب خمرًا وَفِي شَهَادَة بِشرب مُسكر
شرب فلَان خمرًا وَلَا يحْتَاج أَن يَقُول وَهُوَ مُخْتَار عَالم لِأَن الأَصْل عدم الْإِكْرَاه
وَالْغَالِب من حَال الشَّارِب علمه بِمَا يشربه فَنزل الْإِقْرَار وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ وَيقبل رُجُوعه عَن الْإِقْرَار لِأَن كل مَا لَيْسَ من حق آدَمِيّ يقبل الرُّجُوع فِيهِ
القَوْل فِي وَقت حد السَّكْرَان تَتِمَّة لَا يحد حَال سكره
لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ الردع والزجر والتنكيل وَذَلِكَ لَا يحصل مَعَ السكر بل يُؤَخر وجوبا إِلَى إِفَاقَته ليرتدع فَإِن حد قبلهَا فَفِي الِاعْتِدَاد بِهِ وَجْهَان أصَحهمَا كَمَا قَالَه البُلْقِينِيّ الِاعْتِدَاد بِهِ وسوط الْحُدُود أَو التعازير بَين قضيب وَهُوَ الْغُصْن وعصا غير معتدلة وَبَين رطب ويابس بِأَن يكون معتدل الجرم والرطوبة لِلِاتِّبَاعِ وَلم يصرحوا بِوُجُوب هَذَا وَلَا بندبه وَقَضِيَّة كَلَامهم الْوُجُوب كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ وَيفرق الضَّرْب على الْأَعْضَاء فَلَا يجمعه فِي مَوضِع وَاحِد لِأَنَّهُ قد يُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاك ويجتنب الْمقَاتل وَهِي مَوَاضِع يسْرع الْقَتْل إِلَيْهَا بِالضَّرْبِ كقلب وثغرة نحر وَفرج ويجتنب الْوَجْه أَيْضا فَلَا يضْربهُ لخَبر مُسلم إِذا ضرب أحدكُم فليتق الْوَجْه
وَلِأَنَّهُ مجمع المحاسن فيعظم أثر شينه بِخِلَاف الرَّأْس فَإِنَّهَا مغطاة غَالِبا فَلَا يخَاف تشويهه بِالضَّرْبِ بِخِلَاف الْوَجْه
وروى ابْن أبي شيبَة عَن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ للجلاد اضْرِب الرَّأْس فَإِن الشَّيْطَان فِي الرَّأْس
وَلَا تشد يَد

(2/533)


المجلود وَلَا تجرد ثِيَابه الْخَفِيفَة
أما مَا يمْنَع كالجبة المحشوة فتنزع عَنهُ مُرَاعَاة لمقصود الْحَد
ويوالي الضَّرْب عَلَيْهِ بِحَيْثُ يحصل زجر وتنكيل فَلَا يجوز أَن يفرق على الْأَيَّام والساعات لعدم الإيلام الْمَقْصُود فِي الْحُدُود وَبِمَ يضْبط التَّفْرِيق الْجَائِز وَغَيره قَالَ الإِمَام إِن لم يحصل فِي كل دفْعَة ألم لَهُ وَقع كسوط أَو سوطين فِي كل يَوْم فَهَذَا لَيْسَ بِحَدّ وَإِن آلم أَو أثر لما لَهُ وَقع فَإِن لم يَتَخَلَّل زمن يَزُول فِيهِ الْأَلَم الأول كفى وَإِن تخَلّل لم يكف على الْأَصَح وَيكرهُ إِقَامَة الْحُدُود والتعازير فِي الْمَسْجِد كَمَا صرح بِهِ الشَّيْخَانِ فِي أدب الْقَضَاء