الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل فِي حد السّرقَة
الْوَاجِب بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع
وَهِي لُغَة أَخذ المَال خُفْيَة وَشرعا أَخذه خُفْيَة ظلما من حرز مثله بِشُرُوط تَأتي وَلما نظم أَبُو الْعَلَاء المعري الْبَيْت الَّذِي شكك بِهِ على أهل الشَّرِيعَة فِي الْفرق بَين الدِّيَة وَالْقطع فِي السّرقَة
وَهُوَ يَد بِخمْس مئين عسجد وديت مَا بالها قطعت فِي ربع دِينَار أَجَابَهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي بقوله وقاية النَّفس أغلاها وأرخصها وقاية المَال فَافْهَم حِكْمَة الْبَارِي وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ لما سُئِلَ عَن هَذَا لما كَانَت أمينة كَانَت ثمنية فَلَمَّا خانت هَانَتْ وأركان الْقطع ثَلَاثَة مَسْرُوق وسرقة وسارق
وَالْمُصَنّف اقْتصر على السَّارِق والمسروق فَقَالَ (وتقطع يَد السَّارِق) والسارقة وَلَو ذميين ورقيقين (بِسِتَّة) بل بِعشْرَة (شَرَائِط) كَمَا ستعرفه وَمرَاده بِالشّرطِ هُنَا مَا لَا بُد مِنْهُ الشَّامِل للركن وَغَيره لِأَنَّهُ ذكر من جُمْلَتهَا الْمَسْرُوق
وَهُوَ أحد الْأَركان كَمَا مر الأول (أَن يكون) السَّارِق (بَالغا) فَلَا يقطع صبي لعدم تَكْلِيفه
(و) الثَّانِي أَن يكون (عَاقِلا) فَلَا يقطع مَجْنُون لما ذكر (و) الثَّالِث وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ أَنه من الْأَركان
(أَن يسرق نِصَابا) وَهُوَ ربع دِينَار فَأكْثر وَلَو كَانَ الرّبع لجَماعَة اتَّحد حرزهم لخَبر مُسلم لَا تقطع يَد سَارِق إِلَّا فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا وَأَن يكون خَالِصا لِأَن الرّبع

(2/534)


الْمَغْشُوش لَيْسَ بِربع دِينَار حَقِيقَة فَإِن كَانَ فِي الْمَغْشُوش بِربع خَالص وَجب الْقطع
وَمثل ربع الدِّينَار مَا قِيمَته ربع دِينَار لِأَن الأَصْل فِي التَّقْوِيم هُوَ الذَّهَب الْخَالِص حَتَّى لَو سرق دَرَاهِم أَو غَيرهَا قومت بِهِ وَتعْتَبر (قِيمَته ربع دِينَار) وَقت الْإِخْرَاج من الْحِرْز فَلَو نقصت قِيمَته بعد ذَلِك لم يسْقط الْقطع وعَلى أَن التَّقْوِيم يعْتَبر بالمضروب لَو سرق ربع دِينَار مسبوكا أَو حليا أَو نَحوه كقراضة لَا تَسَاوِي ربعا مَضْرُوبا فَلَا قطع بِهِ وَإِن ساواه غير مَضْرُوب لِأَن الْمَذْكُور فِي الْخَبَر
لفظ الدِّينَار وَهُوَ اسْم للمضروب
وَلَا يقطع بِخَاتم وَزنه دون ربع
وَقِيمَته بالصنعة ربع نظرا إِلَى الْوَزْن الَّذِي لَا بُد مِنْهُ فِي الذَّهَب وَلَا بِمَا نقص قبل إِخْرَاجه من الْحِرْز عَن نِصَاب بِأَكْل أَو غَيره كإحراق لانْتِفَاء كَون الْمخْرج نِصَابا وَلَا بِمَا دون نصابين اشْترك اثْنَان فِي إِخْرَاجه لِأَن كلا مِنْهُمَا لم يسرق نِصَابا وَيقطع بِثَوْب رث فِي جيبه تَمام نِصَاب وَإِن جَهله السَّارِق لِأَنَّهُ أخرج نِصَابا من حرز بِقصد السّرقَة وَالْجهل بِجِنْسِهِ لَا يُؤثر كالجهل بِصفتِهِ وبنصاب ظَنّه فَلَو مَالا يُسَاوِيه لذَلِك وَلَا أثر لظَنّه وَالرَّابِع أَن يَأْخُذهُ
(من حرز مثله) فَلَا قطع بِسَرِقَة مَا لَيْسَ محرزا لخَبر أبي دَاوُد لَا قطع فِي شَيْء من الْمَاشِيَة إِلَّا فِيمَا آواه المراح وَلِأَن الْجِنَايَة تعظم بمخاطرة أَخذه من الْحِرْز فَحكم بِالْقطعِ زجرا بِخِلَاف مَا إِذا جرأه الْمَالِك ومكنه بتضييعه
والإحراز يكون بلحاظ لَهُ بِكَسْر اللَّام دَائِما أَو حصانة مَوْضِعه مَعَ لحاظ لَهُ والمحكم فِي الْحِرْز الْعرف فَإِنَّهُ لم يحد فِي الشَّرْع وَلَا اللُّغَة فَرجع فِيهِ إِلَى الْعرف كَالْقَبْضِ والإحياء وَلَا شكّ أَنه يخْتَلف باخْتلَاف الْأَمْوَال وَالْأَحْوَال والأوقات فقد يكون الشَّيْء حرْزا فِي وَقت دون وَقت
بِحَسب صَلَاح أَحْوَال النَّاس وفسادها وَقُوَّة السُّلْطَان وَضَعفه
وَضَبطه الْغَزالِيّ بِمَا لَا يعد صَاحبه مضيعا لَهُ فعرصة دَار وصفتها حرز خسيس آنِية وَثيَاب أما نفيسها فحرزه بيُوت الدّور والخانات والأسواق المنيعة ومخزن حرز حلي وَنقد وَنَحْوهمَا
ونوم بِنَحْوِ

(2/535)


صحراء كمسجد وشارع على مَتَاع وَلَو توسده حرز لَهُ
وَمحله فِي توسده فِيمَا يعد التوسد حرْزا لَهُ وَإِلَّا كَأَن توسد كيسا فِيهِ نقد أَو جَوْهَر فَلَا يكون حرْزا لَهُ كَمَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ وَيقطع بنصاب انصب من وعَاء بنقبه لَهُ وَإِن انصب شَيْئا فَشَيْئًا لِأَنَّهُ سرق نِصَابا من حرزه وبنصاب أخرجه دفعتين بِأَن تمّ فِي الثَّانِيَة لذَلِك
فَإِن تخَلّل بَينهمَا علم الْمَالِك
وإعادة الْحِرْز فالثانية سَرقَة أُخْرَى فَلَا قطع فِيهَا إِن كَانَ الْمخْرج فِيهَا دون نِصَاب وَالْخَامِس كَون السَّارِق (لَا ملك لَهُ فِيهِ) أَي الْمَسْرُوق
فَلَا قطع بِسَرِقَة مَاله الَّذِي بيد غَيره
وَإِن كَانَ مَرْهُونا أَو مؤجرا وَلَو سرق مَا اشْتَرَاهُ من يَد غَيره وَلَو قبل تَسْلِيم الثّمن أَو فِي زمن الْخِيَار أَو سرق مَا اتهبه قبل قَبضه لم يقطع فيهمَا وَلَو سرق مَعَ مَا اشْتَرَاهُ مَالا آخر بعد تَسْلِيم الثّمن لم يقطع كَمَا فِي الرَّوْضَة
وَلَو سرق الْمُوصى لَهُ بِهِ قبل موت الْمُوصي أَو بعده وَقبل الْقبُول قطع فِي الصُّورَتَيْنِ
أما الأولى فَلِأَن الْقبُول لم يقْتَرن بِالْوَصِيَّةِ
وَأما فِي الثَّانِيَة فبناء على أَن الْملك فِيهَا لَا يحصل بِالْمَوْتِ
فَإِن قيل قد مر أَنه لَا يقطع بِالْهبةِ بعد الْقبُول وَقبل الْقَبْض
فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك
أُجِيب بِأَن الْمُوصي لَهُ مقصر بِعَدَمِ الْقبُول مَعَ تمكنه مِنْهُ بِخِلَافِهِ فِي الْهِبَة فَإِنَّهُ قد لَا يتَمَكَّن من الْقَبْض وَأَيْضًا الْقبُول وجد ثمَّ وَلم يُوجد هُنَا
وَلَو سرق الْمُوصي بِهِ فَقير بعد موت الْمُوصي وَالْوَصِيَّة للْفُقَرَاء لم يقطع كسرقة المَال الْمُشْتَرك بِخِلَاف مَا لَو سَرقه الْغَنِيّ
تَنْبِيه لَو ملك السَّارِق الْمَسْرُوق أَو بعضه بِإِرْث أَو غَيره كَشِرَاء قبل إِخْرَاجه من الْحِرْز أَو نقص فِي الْحِرْز عَن نِصَاب بِأَكْل بعضه أَو غَيره كإحراقه لم يقطع أما فِي الأولى فَلِأَنَّهُ مَا أخرج إِلَّا ملكه
وَأما فِي الثَّانِيَة فَلِأَنَّهُ لم يخرج من الْحِرْز نِصَابا وَلَو ادّعى السَّارِق ملك الْمَسْرُوق أَو بعضه لم يقطع على النَّص لاحْتِمَال صدقه فَصَارَ شُبْهَة دارئة للْقطع ويروى عَن الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه سَمَّاهُ السَّارِق الظريف أَي الْفَقِيه
وَلَو سرق اثْنَان مثلا نصابين وَادّعى الْمَسْرُوق أَحدهمَا أَنه لَهُ أَولهمَا فكذبه الآخر لم يقطع الْمُدَّعِي لما مر وَقطع الآخر فِي الْأَصَح لِأَنَّهُ أقرّ بِسَرِقَة نِصَاب لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ وَإِن سرق من حرز شَرِيكه مَالا مُشْتَركا بَينهمَا فَلَا قطع بِهِ
وَإِن قل نصِيبه لِأَن لَهُ فِي كل جُزْء حَقًا شَائِعا وَذَلِكَ شُبْهَة فَأشبه من وطىء الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة
(و) السَّادِس كَون السَّارِق (لَا شُبْهَة لَهُ فِي مَال الْمَسْرُوق مِنْهُ) لحَدِيث

(2/536)


ادرؤوا الْحُدُود عَن الْمُسلمين مَا اسْتَطَعْتُم صحّح الْحَاكِم إِسْنَاده سَوَاء فِي ذَلِك شُبْهَة الْملك
كمن سرق مُشْتَركا بَينه وَبَين غَيره كَمَا مر أَو شُبْهَة الْفَاعِل كمن أَخذ مَالا على صُورَة السّرقَة يظنّ أَنه ملكه أَو ملك أَصله أَو فَرعه أَو شُبْهَة الْمحل كسرقة الابْن مَال أحد أُصُوله أَو أحد الْأُصُول مَال فَرعه وَإِن سفل لما بَينهمَا من الِاتِّحَاد وَإِن اخْتلف دينهما
كَمَا بَحثه بعض الْمُتَأَخِّرين وَلِأَن مَال كل مِنْهُمَا مرصد لحَاجَة الآخر وَمِنْهَا أَن لَا تقطع يَده بِسَرِقَة ذَلِك المَال بِخِلَاف سَائِر الْأَقَارِب وَسَوَاء أَكَانَ السَّارِق مِنْهُمَا حرا أم رَقِيقا كَمَا صرح بِهِ الزَّرْكَشِيّ تفقها مؤيدا لَهُ بِمَا ذَكرُوهُ من أَنه لَو وطىء الرَّقِيق أمة فَرعه لم يحد للشُّبْهَة وَلَا قطع أَيْضا بِسَرِقَة رَقِيق مَال سَيّده بِالْإِجْمَاع كَمَا حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر ولشبهة اسْتِحْقَاق النَّفَقَة وَيَده كيد سَيّده والمبعض كالقن وَكَذَا الْمكَاتب لِأَنَّهُ قد يعجز فَيصير كَمَا كَانَ
لَا يقطع العَبْد بِمَال لَا يقطع بِهِ سَيّده قَاعِدَة من لَا يقطع بِمَال لَا يقطع بِهِ رَقِيقه فَكَمَا لَا يقطع الأَصْل بِسَرِقَة مَال الْفَرْع بِالْعَكْسِ لَا يقطع أَحدهمَا بِسَرِقَة مَال الآخر
لَا يقطع السَّيِّد بِسَرِقَة مَال مكَاتبه لما مر
لَا بِمَال ملكه الْمبعض بِبَعْضِه الْحر كَمَا جزم بِهِ الْمَاوَرْدِيّ لِأَن ملكه بِالْحُرِّيَّةِ فِي الْحَقِيقَة لجَمِيع بدنه فَصَارَ شُبْهَة
لَا يقطع بِطَعَام سَرقَة زمن الْقَحْط فروع لَو سرق طَعَاما زمن الْقَحْط وَلم يقدر عَلَيْهِ لم يقطع وَكَذَا من أذن لَهُ فِي الدُّخُول إِلَى دَار أَو حَانُوت لشراء أَو غَيره فَسرق كَمَا رَجحه ابْن الْمقري
وَيقطع بِسَرِقَة حطب وحشيش وَنَحْوهمَا كصيد لعُمُوم الْأَدِلَّة وَلَا أثر لكَونهَا مُبَاحَة الأَصْل
وَيقطع بِسَرِقَة معرض للتلف كهريسة وفواكه وَبقول لذَلِك وبماء وتراب ومصحف وَكتب علم شَرْعِي مَا يتَعَلَّق بِهِ وَكتب شعر نَافِع مُبَاح
لما مر فَإِن لم يكن نَافِعًا مُبَاحا قوم الْوَرق وَالْجَلد فَإِن بلغا نِصَابا قطع وَإِلَّا فَلَا
لَا يقطع المكرة على السّرقَة وَالسَّابِع كَونه مُخْتَارًا فَلَا يقطع الْمُكْره بِفَتْح الرَّاء على السّرقَة لرفع الْقَلَم عَنهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُون وَلَا يقطع الْمُكْره بِكَسْرِهَا أَيْضا نعم لَو كَانَ الْمُكْره بِالْفَتْح غير مُمَيّز لعجمة أَو غَيرهَا قطع الْمُكْره لَهُ
وَالثَّامِن كَونه مُلْتَزما للْأَحْكَام فَلَا يقطع حَرْبِيّ لعدم الْتِزَامه وَيقطع مُسلم وذمي بِمَال مُسلم وذمي
أما قطع الْمُسلم بِمَال الْمُسلم فبالاجماع
وَأما قطعه بِمَال الذِّمِّيّ فعلى الْمَشْهُور لِأَنَّهُ مَعْصُوم بِذِمَّتِهِ
وَلَا يقطع مُسلم وَلَا ذمِّي بِمَال معاهد وَمُؤمن كَمَا لَا يقطع الْمعَاهد وَالْمُؤمن بِسَرِقَة مَال ذمِّي أَو مُسلم لِأَنَّهُ لم يلْتَزم الْأَحْكَام فَأشبه الْحَرْبِيّ
وَالتَّاسِع كَونه مُحْتَرما فَلَو أخرج مُسلم أَو ذمِّي خمرًا وَلَو مُحْتَرمَة وخنزيرا وكلبا وَلَو مقتنى وَجلد ميت بِلَا دبغ فَلَا قطع لِأَن مَا ذكر لَيْسَ بِمَال أما المدبوغ فَيقطع بِهِ حَتَّى لَو دبغه السَّارِق فِي الْحِرْز ثمَّ أَخّرهُ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَاب سَرقَة فَإِنَّهُ يقطع بِهِ إِذا قُلْنَا بِأَنَّهُ للْمَغْصُوب مِنْهُ إِذا دبغه الْغَاصِب وَهُوَ الْأَصَح وَمثله كَمَا قَالَ البُلْقِينِيّ إِذا صَار الْخمر خلا بعد وضع السَّارِق يَده عَلَيْهِ وَقبل إِخْرَاجه من الْحِرْز فَإِن بلغ إِنَاء الْخمر نِصَابا قطع بِهِ لِأَنَّهُ سرق نِصَابا من حرز لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ كَمَا إِذا سرق إِنَاء فِيهِ بَوْل فَإِنَّهُ يقطع بِاتِّفَاق كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره
هَذَا إِذا قصد بِإِخْرَاج ذَلِك السّرقَة أما إِذا قصد تغييرها بِدُخُولِهِ أَو بإخراجها فَلَا قطع وَسَوَاء

(2/537)


أخرجهَا فِي الأولى أَو دخل فِي الثَّانِيَة بِقصد السّرقَة أم لَا كَمَا هُوَ قَضِيَّة كَلَام الرَّوْض فيهمَا وَكَلَام أَصله فِي الثَّانِيَة
وَلَا قطع فِي أَخذ مَا سلط الشَّرْع على كَسره كمزمار وصنم وصليب وطنبور لِأَن التَّوَصُّل إِلَى إِزَالَة الْمعْصِيَة مَنْدُوب إِلَيْهِ فَصَارَ شُبْهَة كإراقة الْخمر فَإِن بلغ مكسره نِصَابا قطع لِأَنَّهُ سرق نِصَابا من حرزه هَذَا إِذا لم يقْصد التَّغْيِير كَمَا فِي الرَّوْضَة فَإِن قصد بِإِخْرَاجِهِ تيَسّر تَغْيِير فَلَا قطع وَلَا فرق بَين أَن يكون لمُسلم أَو ذمِّي وَيقطع بِسَرِقَة مَا لَا يحل الِانْتِفَاع بِهِ من الْكتب إِذا كَانَ الْجلد والقرطاس يبلغ نِصَابا وبسرقة إِنَاء النَّقْد لِأَن اسْتِعْمَاله يُبَاح عِنْد الضَّرُورَة إِلَّا إِن أخرجه من الْحِرْز ليشهره بِالْكَسْرِ وَلَو كسر إِنَاء الْخمر والطنبور وَنَحْوه أَو إِنَاء النَّقْد فِي الْحِرْز ثمَّ أخرجه قطع إِن بلغ نِصَابا كَحكم الصَّحِيح
والعاشر كَون الْملك فِي النّصاب تَاما قَوِيا كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة فَلَا يقطع مُسلم بِسَرِقَة حصر الْمَسْجِد الْمعدة للاستعمال وَلَا سَائِر مَا يفرش فِيهِ وَلَا قناديل تسرج فِيهِ لِأَن ذَلِك لمصْلحَة الْمُسلمين فَلهُ فِيهِ حق كَمَال بَيت المَال وَخرج بالمعدة حصر الزِّينَة فَيقطع فِيهَا كَمَا قَالَه ابْن الْمقري وبالمسلم الذِّمِّيّ فَيقطع لعدم الشُّبْهَة وَيَنْبَغِي أَن يكون بلاط الْمَسْجِد كحصره الْمعدة للاستعمال وَيقطع الْمُسلم بِسَرِقَة بَاب الْمَسْجِد وجذعه وتأزيره وسواريه وسقوفه وقناديل زِينَة فِيهِ لِأَن الْبَاب للتحصين والجذع وَنَحْوه للعمارة وَلعدم الشُّبْهَة فِي الْقَنَادِيل وَيلْحق بِهَذَا ستر الْكَعْبَة إِن خيط عَلَيْهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُحرز وَيَنْبَغِي أَن يكون ستر الْمِنْبَر
كَذَلِك إِن خيط عَلَيْهِ وَلَو سرق الْمُسلم من مَال بَيت المَال شَيْئا نظر إِن أفرز لطائفة كذوي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين وَكَانَ مِنْهُم أَو أَصله أَو فَرعه فَلَا قطع وَإِن أفرز لطائفة لَيْسَ هُوَ مِنْهُم وَلَا أَصله وَلَا فَرعه قطع إِذْ لَا شُبْهَة لَهُ فِي ذَلِك وَإِن لم يفرز لطائفة فَإِن كَانَ لَهُ حق فِي الْمَسْرُوق كَمَال الْمصَالح سَوَاء أَكَانَ فَقِيرا أم غَنِيا
وكصدقة وَهُوَ فَقير أَو غَارِم لذات الْبَين أَو غاز فَلَا يقطع فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أما فِي الأولى فَلِأَن لَهُ حَقًا وَإِن كَانَ غَنِيا كَمَا مر لِأَن ذَلِك قد يصرف فِي عمَارَة الْمَسَاجِد والرباطات والقناطر
فينتفع بِهِ الْغَنِيّ وَالْفَقِير من الْمُسلمين
لِأَن ذَلِك مَخْصُوص بهم بِخِلَاف الذِّمِّيّ يقطع بذلك وَلَا نظر إِلَى إِنْفَاق الإِمَام عَلَيْهِ عِنْد الْحَاجة لِأَنَّهُ إِنَّمَا ينْفق عَلَيْهِ للضَّرُورَة وبشرط الضَّمَان كَمَا ينْفق على الْمُضْطَر بِشَرْط الضَّمَان وانتفاعه بالقناطر والرباطات بالتبعية من حَيْثُ إِنَّه قاطن بدار

(2/538)


الْإِسْلَام لَا لاختصاصه بِحَق فِيهَا
وَأما فِي الثَّانِيَة فلاستحقاقه بِخِلَاف الْغَنِيّ
فَإِنَّهُ يقطع لعدم اسْتِحْقَاقه إِلَّا إِذا كَانَ غازيا أَو غارما لذات الْبَين فَلَا يقطع لما مر فَإِن لم يكن لَهُ فِي بَيت المَال حق قطع لانْتِفَاء التّبعِيَّة
فرع لَو سرق شخص الْمُصحف الْمَوْقُوف عَن الْقِرَاءَة لم يقطع إِذا كَانَ قَارِئًا لِأَن لَهُ فِيهِ حَقًا
وَكَذَا إِن كَانَ غير قارىء لِأَنَّهُ رُبمَا تعلم مِنْهُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ أَو يَدْفَعهُ إِلَى من يقْرَأ فِيهِ لاستماع الْحَاضِرين وَيقطع بموقوف على غَيره لِأَنَّهُ مَال مُحرز وَلَو سرق مَالا مَوْقُوفا على الْجِهَات الْعَامَّة أَو على وُجُوه الْخَيْر لم يقطع
وَإِن كَانَ السَّارِق ذِمِّيا لِأَنَّهُ تبع للْمُسلمين
تَعْرِيف السّرقَة تَنْبِيه قد تقدم أَن المُصَنّف ترك الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ السّرقَة وَهِي أَخذ المَال خُفْيَة
كَمَا مر وَحِينَئِذٍ لَا يقطع مختلس وَهُوَ من يعْتَمد الْهَرَب من غير غَلَبَة مَعَ مُعَاينَة الْمَالِك وَلَا منتهب وَهُوَ من يَأْخُذ عيَانًا مُعْتَمدًا على الْقُوَّة
وَالْغَلَبَة وَلَا مُنكر وَدِيعَة وعارية لحَدِيث لَيْسَ على المختلس والمنتهب والخائن قطع صَححهُ التِّرْمِذِيّ وَفرق من حَيْثُ الْمَعْنى بَينهم وَبَين السَّارِق بِأَن السَّارِق يَأْخُذ المَال خُفْيَة وَلَا يَتَأَتَّى مَنعه
فشرع الْقطع زجرا لَهُ وَهَؤُلَاء يقصدونه عيَانًا فَيمكن مَنعهم بالسلطان وَغَيره
كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَغَيره
وَلَعَلَّ هَذَا حكم على الْأَغْلَب وَإِلَّا فالجاحد لَا يقْصد الْأَخْذ عِنْد جحوده عيَانًا فَلَا يُمكن مَنعه بسُلْطَان وَلَا بِغَيْرِهِ وفروع الْبَاب كَثِيرَة وَمحل ذكرهَا المبسوطات وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة لقارىء هَذَا الْكتاب (وتقطع يَده) أَي السَّارِق (الْيُمْنَى) قَالَ تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} اي وقرىء شاذا فَاقْطَعُوا أيمانهما وَالْقِرَاءَة الشاذة كَخَبَر الْوَاحِد فِي الِاحْتِجَاج بهَا
ويكتفي بِالْقطعِ وَلَو كَانَت مَعِيبَة كفاقدة الْأَصَابِع أَو زائدتها لعُمُوم الْآيَة
وَلِأَن الْغَرَض التنكيل بِخِلَاف الْقود فَإِنَّهُ مَبْنِيّ على الْمُمَاثلَة كَمَا مر أَو سرق مرَارًا قبل قطعهَا لِاتِّحَاد السَّبَب

(2/539)


كَمَا لَو زنى أَو شرب مرَارًا يَكْتَفِي بِحَدّ وَاحِد
وكاليد الْيُمْنَى فِي ذَلِك غَيرهَا كَمَا هُوَ ظَاهر وانعقد الْإِجْمَاع على قطعهَا
(من مفصل الْكُوع) بِضَم الْكَاف وَهُوَ الْعظم الَّذِي فِي مفصل الْكَفّ مِمَّا يَلِي الْإِبْهَام وَمَا يَلِي الْخِنْصر اسْمه الكرسوع
والبوع هُوَ الْعظم الَّذِي عِنْد أصل إِبْهَام الرجل وَمِنْه قَوْلهم الغبي من لَا يعرف كوعه من بوعه
أَي مَا يدْرِي لغباوته مَا اسْم الْعظم الَّذِي عِنْد كل إِبْهَام من أصْبع يَدَيْهِ من الْعظم الَّذِي عِنْد كل إِبْهَام من رجلَيْهِ
(فَإِن سرق ثَانِيًا) بعد قطع يمناه (قطعت رجله الْيُسْرَى) بعد اندمال يَده الْيُمْنَى لِئَلَّا يُفْضِي التوالي إِلَى الْهَلَاك وتقطع من الْمفصل الَّذِي بَين السَّاق والقدم لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِك
(فَإِن سرق ثَالِثا) بعد قطع رجله الْيُسْرَى
(قطعت يَده الْيُسْرَى) بعد اندمال رجله الْيُسْرَى لما مر
(فَإِن سرق رَابِعا) بعد قطع يَده الْيُسْرَى
(قطعت رجله الْيُمْنَى) بعد اندمال يَده الْيُسْرَى لما مر وَإِنَّمَا قطع من خلاف لما روى الشَّافِعِي أَن السَّارِق إِن سرق فَاقْطَعُوا يَده ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا رجله ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا يَده ثمَّ إِن سرق فَاقْطَعُوا رجله
وحكمته لِئَلَّا يفوت جنس الْمَنْفَعَة عَلَيْهِ فتضعف حركته كَمَا فِي قطع الطَّرِيق
لَو سرق بعد قطع أَعْضَائِهِ (فَإِن سرق بعد ذَلِك) أَي بعد قطع أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَة
(عزّر) على الْمَشْهُور لِأَنَّهُ لم يبْق فِي نكاله بعد مَا ذكر إِلَّا التَّعْزِير كَمَا لَو سَقَطت أَطْرَافه أَولا
(وَقيل) لَا يزجره حِينَئِذٍ تَعْزِير بل (يقتل) وَهَذَا مَا حَكَاهُ الإِمَام عَن الْقَدِيم لوروده فِي حَدِيث رَوَاهُ الْأَرْبَعَة
قَالَ فِي الرَّوْضَة إِنَّه مَنْسُوخ أَو مؤول على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتله لاستحلاله أَو لسَبَب آخر اه
وَالْإِمَام أطلق حِكَايَة هَذَا القَوْل عَن الْقَدِيم كَمَا ترَاهُ وَقَيده المُصَنّف بِكَوْنِهِ (صبرا) قَالَ بعض شارحيه وَلم أره بعد التتبع فِي كَلَام وَاحِد من الْأَئِمَّة الحاكين لَهُ بل أطلقهُ من وقفت على كَلَامه مِنْهُم
فَلَعَلَّ مَا قيد بِهِ المُصَنّف من تصرفه أَو لَهُ فِيهِ سلف لم أظفر بِهِ وعَلى كلا الْأَمريْنِ هُوَ مَنْصُوب على الْمصدر اه
قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه الصَّبْر فِي اللُّغَة الْحَبْس وَقَتله صبرا حَبسه للْقَتْل
اه وَيُوَافِقهُ قَول الْجَوْهَرِي فِي صحاحه يُقَال قتل فلَان صبرا إِذا حبس على الْقَتْل حَتَّى يقتل اه
مُلَخصا
القَوْل فِي حكم الْيَمين الْمَرْدُودَة تَتِمَّة هَل يثبت الْقطع فِي السّرقَة بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة أَو لَا كَأَن يَدعِي على شخص سَرقَة نِصَاب فينكل عَن الْيَمين فَترد على الْمُدَّعِي فَيحلف جرى فِي الْمِنْهَاج على أَنه يثبت بهَا فَيجب الْقطع
لِأَن الْيَمين الْمَرْدُودَة كَالْإِقْرَارِ أَو الْبَيِّنَة وَالْقطع يجب بِكُل مِنْهُمَا وَالَّذِي جزم فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا فِي الْبَاب الثَّالِث فِي الْيَمين من الدَّعَاوَى وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِير هُنَا أَنه لَا يقطع بهَا وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَن الْقطع فِي السّرقَة حق الله تَعَالَى بل قَالَ الْأَذْرَعِيّ إِنَّه الْمَذْهَب وَالصَّوَاب الَّذِي قطع بِهِ جُمْهُور الْأَصْحَاب وَهَذَا الْخلاف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقطع
وَأما المَال فَيثبت قطعا
القَوْل فِيمَا يثبت بِهِ السّرقَة وَيثبت قطع السّرقَة بِإِقْرَار السَّارِق مُؤَاخذَة لَهُ بقوله وَلَا يشْتَرط تكْرَار الْإِقْرَار
كَمَا فِي سَائِر الْحُقُوق وَذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ الأول أَن يكون بعد الدَّعْوَى عَلَيْهِ فَلَو أقرّ قبلهَا لم يثبت الْقطع فِي الْحَال بل يُوقف على حُضُور الْمَالِك وَطَلَبه
وَالثَّانِي أَن يفصل الْإِقْرَار فيبين السّرقَة والمسروق مِنْهُ
وَقدر الْمَسْرُوق والحرز بِتَعْيِين أَو وصف بِخِلَاف مَا إِذا لم يبين ذَلِك لِأَنَّهُ قد يظنّ غير السّرقَة الْمُوجبَة للْقطع سَرقَة مُوجبَة لَهُ
وَيقبل رُجُوعه عَن الْإِقْرَار بِالسَّرقَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقطع وَلَو فِي أَثْنَائِهِ لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى
وَمن أقرّ بِمُقْتَضى عُقُوبَة الله تَعَالَى كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر كَانَ

(2/540)


للْقَاضِي أَن يعرض لَهُ بِالرُّجُوعِ عَمَّا أقرّ بِهِ
كَأَن يَقُول لَهُ فِي الزِّنَا لَعَلَّك فَأخذت أَو لمست أَو باشرت وَفِي السّرقَة لَعَلَّك أخذت من غير حرز
وَفِي الشّرْب لَعَلَّك لم تعلم أَن مَا شربته مُسكرا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لمن أقرّ عِنْده بِالسَّرقَةِ مَا إخالك سرقت قَالَ بلَى فَأَعَادَ عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَأمر بِهِ فَقطع وَقَالَ لماعز لَعَلَّك قبلت أَو غمزت أَو نظرت رَوَاهُ البُخَارِيّ
وَلَا يَقُول لَهُ ارْجع عَنهُ لِأَنَّهُ يكون أمرا بِالْكَذِبِ
وَتثبت أَيْضا بِشَهَادَة رجلَيْنِ كَسَائِر الْعُقُوبَات غير الزِّنَا
فَلَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ ثَبت المَال وَلَا قطع
وَيشْتَرط ذكر الشَّاهِد شُرُوط السّرقَة الْمُوجبَة للْقطع كَمَا مر فِي الْإِقْرَار
وَيجب على السَّارِق رد مَا أَخذه إِن كَانَ بَاقِيا لخَبر أبي دَاوُد على الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه فَإِن تلف ضمنه بِبَدَلِهِ جبرا لما فَاتَ

فصل فِي قَاطع الطَّرِيق
الأَصْل فِيهِ آيَة {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} وَقطع الطَّرِيق هُوَ البروز لأخذ مَال أَو لقتل أَو لإرعاب مُكَابَرَة واعتمادا على الْقُوَّة مَعَ الْبعد عَن الْغَوْث
وَيثبت برجلَيْن لَا بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ
وقاطع الطَّرِيق مُلْزم للْأَحْكَام وَلَو سكرانا أَو ذِمِّيا مُخْتَار مخيف للطريق يُقَاوم من يبرز هوله بِأَن يُسَاوِيه أَو يغلبه بِحَيْثُ يبعد مَعَه غوث لبعد عَن الْعِمَارَة أَو ضعف فِي أَهلهَا
وَإِن كَانَ البارز وَاحِدًا أَو أُنْثَى أَو بِلَا سلَاح
وَخرج بالقيود الْمَذْكُورَة أضدادها فَلَيْسَ المتصف بهَا أَو بِشَيْء مِنْهَا من حَرْبِيّ وَلَو معاهدا وَصبي وَمَجْنُون ومكره ومختلس ومنتهب قَاطع طَرِيق
وَقد علم مِمَّا تقرر أَنه لَا يشْتَرط فِيهِ إِسْلَام وَإِن شَرطه فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ وَلَو دخل جمع بِاللَّيْلِ دَارا وَمنعُوا أَهلهَا من الِاسْتِعَانَة مَعَ قُوَّة السُّلْطَان وحضوره فقطاع
(وقطاع الطَّرِيق على أَرْبَعَة أَقسَام) فَقَط لِأَن الْمَوْجُود مِنْهُم إِمَّا الِاقْتِصَار على الْقَتْل أَو الْجمع بَينه وَبَين أَخذ المَال أَو الِاقْتِصَار على أَخذ المَال أَو على الإخافة ورتبها المُصَنّف على هَذَا مبتدئا بِالْأولِ فَقَالَ (إِن قتلوا) مَعْصُوما مكافئا لَهُم عمدا
(وَلم يَأْخُذُوا المَال قتلوا) حتما لِلْآيَةِ السَّابِقَة
وَلِأَنَّهُم ضمُّوا إِلَى جنايتهم إخافة سَبِيل الْمُقْتَضِيَة زِيَادَة الْعقُوبَة
وَلَا زِيَادَة هُنَا إِلَّا تحتم الْقَتْل فَلَا يسْقط
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيّ وَمحل تحتمه إِذا قتلوا لأخذ المَال وَإِلَّا فَلَا تحتم

(2/541)


ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقسم الثَّانِي بقوله (فَإِن قتلوا وَأخذُوا المَال) الْمُقدر بنصاب السّرقَة وَقِيَاس مَا سبق اعْتِبَار الْحِرْز وَعدم الشُّبْهَة
(قتلوا) حتما (وصلبوا) زِيَادَة فِي التنكيل وَيكون صلبهم بعد غسلهم وتكفينهم وَالصَّلَاة عَلَيْهِم
وَالْغَرَض من صلبهم بعد قَتلهمْ التنكيل بهم وزجر غَيرهم ويصلب على خَشَبَة وَنَحْوهَا ثَلَاثَة أَيَّام ليشتهر الْحَال
وَيتم النكال وَلِأَن لَهَا اعْتِبَارا فِي الشَّرْع وَلَيْسَ لما زَاد عَلَيْهَا غَايَة ثمَّ ينزل هَذَا إِذا لم يخف التَّغَيُّر
فَإِن خيف قبل الثَّلَاثَة أنزل على الْأَصَح وَحمل النَّص فِي الثَّلَاث على زمن الْبرد والاعتدال ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقسم الثَّالِث بقوله (وَإِن أخذُوا المَال) الْمُقدر بنصاب سَرقَة بِلَا شُبْهَة من حرز مِمَّا مر بَيَانه فِي السّرقَة
(وَلم يقتلُوا قطعت) بِطَلَب من الْمَالِك (أَيْديهم وأرجلهم من خلاف) بِأَن تقطع الْيَد الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى دفْعَة أَو على الْوَلَاء لِأَنَّهُ حد وَاحِد فَإِن عَادوا بعد قطعهمَا ثَانِيًا قطعت الْيَد الْيُسْرَى وَالرجل الْيُمْنَى لقَوْله تَعَالَى {أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف} وَإِنَّمَا قطع من خلاف لما مر فِي السّرقَة وَقطعت الْيَد الْيُمْنَى لِلْمَالِ كالسرقة وَقيل للمحاربة وَالرجل قيل لِلْمَالِ وَقيل للمجاهرة تَنْزِيلا لذَلِك منزلَة سَرقَة ثَانِيَة وَقيل للمحاربة قَالَ العمراني وَهُوَ أشبه
ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقسم الرَّابِع بقوله (فَإِن أخافوا السَّبِيل) أَي الطَّرِيق بوقوفهم فِيهَا (وَلم يَأْخُذُوا مَالا) من الْمَارَّة (وَلم يقتلُوا) مِنْهُم أحدا (حبسوا) فِي غير موضعهم لِأَنَّهُ أحوط وأبلغ فِي الزّجر والإيحاش
كَمَا هُوَ فِي الرَّوْضَة حِكَايَة عَن ابْن سُرَيج
وَأقرهُ (وعزروا) بِمَا يرَاهُ الإِمَام من ضرب وَغَيره لارتكابهم مَعْصِيّة لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة
تَنْبِيه عطف المُصَنّف التَّعْزِير على الْحَبْس من عطف الْعَام على الْخَاص إِذْ الْحَبْس من جنس التَّعْزِير وَللْإِمَام تَركه إِن رَآهُ مصلحَة وَبِمَا تقرر فسر ابْن عَبَّاس الْآيَة الْكَرِيمَة فَقَالَ الْمَعْنى أَن يقتلُوا إِن قتلوا أَو يصلبوا مَعَ ذَلِك إِن قتلوا وَأخذُوا المَال أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف إِن اقتصروا على أَخذ المَال أَو ينفوا من الأَرْض إِن أرعبوا وَلم يَأْخُذُوا شَيْئا فَحمل كلمة أَو على التنويع لَا التَّخْيِير كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا كونُوا هودا أَو نَصَارَى} أَي قَالَت الْيَهُود كونُوا هودا وَقَالَت النَّصَارَى كونُوا نَصَارَى
إِذْ لم يُخَيّر أحد مِنْهُم بَين الْيَهُودِيَّة والنصرانية وَقتل الْقَاطِع يغلب فِيهِ معنى الْقصاص لَا الْحَد لِأَن الأَصْل فِيمَا اجْتمع فِيهِ حق الله تَعَالَى وَحقّ الْآدَمِيّ يغلب فِيهِ حق الْآدَمِيّ لبنائه على التَّضْيِيق وَلِأَنَّهُ لَو قتل بِلَا محاربة ثَبت لَهُ الْقود فَكيف يحبط حَقه بقتْله فِيهَا
فَلَا يقتل بِغَيْر كُفْء كولده وَلَو مَاتَ بِغَيْر قتل فديَة تجب فِي تركته فِي الْحر
أما فِي الرَّقِيق فَتجب قِيمَته مُطلقًا وَيقتل بِوَاحِد مِمَّن قَتلهمْ وللباقين ديات فَإِن قَتلهمْ مُرَتبا قتل بِالْأولِ مِنْهُم
وَلَو عَفا ولي الْقَتِيل بِمَال وَجب المَال وَقتل الْقَاتِل حدا لتحتيم قَتله وتراعى الْمُمَاثلَة فِيمَا قتل بِهِ وَلَا يتحتم غير قتل وصلب كَأَن قطع يَده فاندمل لِأَن التحتم تَغْلِيظ لحق الله تَعَالَى
فاختص بِالنَّفسِ كالكفارة
الظفر بِهِ (سقط عَنهُ الْحُدُود) أَي الْعُقُوبَات الَّتِي تخص الْقَاطِع من تحتم الْقَتْل والصلب وَقطع الْيَد وَالرجل لآيَة {إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن}

(2/542)


القَوْل فِي حكم من تَابَ مِنْهُم (وَمن تَابَ مِنْهُم قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ) أَي قبل تقدروا عَلَيْهِم {وَأخذُوا} من الْمُؤَاخَذَة مَبْنِيّ للْمَفْعُول بِمَعْنى طُولِبَ
(بالحقوق) أَي بباقيها فَلَا يسْقط عَنهُ وَلَا عَن غَيره بِالتَّوْبَةِ قَود وَلَا مَال وَلَا بَاقِي الْحُدُود من حد زنا وسرقة وَشرب خمر وَقذف لِأَن العمومات الْوَارِدَة فِيهَا لم تفصل بَين مَا قبل التَّوْبَة وَمَا بعْدهَا بِخِلَاف قَاطع الطَّرِيق نعم تَارِك الصَّلَاة كسلا يقتل حدا على الصَّحِيح
وَمَعَ ذَلِك لَو تَابَ سقط الْقَتْل قطعا وَالْكَافِر إِذا زنى ثمَّ أسلم فَإِنَّهُ يسْقط عَنهُ الْحَد كَمَا نَقله فِي الرَّوْضَة عَن النَّص وَلَا يرد الْمُرْتَد إِذا تَابَ حَيْثُ تقبل تَوْبَته وَيسْقط الْقَتْل لِأَنَّهُ إِذا أصر يقتل كفرا لَا حدا وَمحل عدم سُقُوط بَاقِي الْحُدُود بِالتَّوْبَةِ فِي الظَّاهِر أما فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَيسْقط قطعا لِأَن التَّوْبَة تسْقط أثر الْمعْصِيَة كَمَا نبه عَلَيْهِ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة فِي بَاب السّرقَة
وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّوْبَة تجب مَا قبلهَا وَورد التائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ
تَتِمَّة التَّوْبَة لُغَة الرُّجُوع وَلَا يلْزم أَن تكون عَن ذَنْب وَعَلِيهِ حمل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأتوب إِلَى الله تَعَالَى فِي الْيَوْم سبعين مرّة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجَعَ عَن الِاشْتِغَال بمصالح الْخلق إِلَى الْحق
قَالَ تَعَالَى {فَإِذا فرغت فانصب} وَإِنَّمَا فعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك تشريعا وليفتح بَاب التَّوْبَة للْأمة ليعلمهم كَيفَ الطَّرِيق إِلَى الله تَعَالَى وَقد سُئِلَ بعض أكَابِر الْقَوْم عَن قَوْله تَعَالَى {لقد تَابَ الله على النَّبِي} من أَي شَيْء فَقَالَ نبه بتوبة من لم يُذنب على تَوْبَة من أذْنب يَعْنِي بذلك أَنه لَا يدْخل أحد مقَاما من المقامات الصَّالِحَة إِلَّا تَابعا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلولا تَوْبَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا حصل لأحد تَوْبَة
وأصل هَذِه التَّوْبَة أَخذ الْعلقَة من صَدره الْكَرِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل هَذِه حَظّ الشَّيْطَان مِنْك وَشرعا لرجوع عَن التعويج إِلَى سنَن الطَّرِيق الْمُسْتَقيم
وشروطها إِن كَانَت من حق الله تَعَالَى النَّدَم والإقلاع والعزم على أَن لَا يعود
وَإِن كَانَت من حُقُوق الْآدَمِيّين زيد على ذَلِك رَابِع وَهُوَ الْخُرُوج من الْمَظَالِم وَقد بسطت الْكَلَام على التَّوْبَة مَعَ ذكر جمل من النفائس الْمُتَعَلّقَة بهَا فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره

فصل فِي حكم الصيال وَمَا تتلفه الْبَهَائِم
والصيال هُوَ الاستطالة والوثوب
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم}

(2/543)


وَخبر البُخَارِيّ انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما
والصائل ظَالِم فَيمْنَع من ظلمه لِأَن ذَلِك نصر
ثمَّ شرع فِي الْقسم الأول وَهُوَ حكم الصَّائِل فَقَالَ (وَمن قصد) بِضَم أَوله على الْبناء للْمَفْعُول
بِمَعْنى قَصده صائل من آدَمِيّ مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا عَاقِلا أَو مَجْنُونا بَالغا أَو صَغِيرا قَرِيبا أَو أَجْنَبِيّا أَو بَهِيمَة
(بأذى) بتنوين الْمُعْجَمَة أَي بِمَا يُؤْذِيه (فِي نَفسه) كَقَتل وَقطع طرف وَإِبْطَال مَنْفَعَة عُضْو (أَو) فِي (مَاله) وَلَو قَلِيلا كدرهم (أَو) فِي (حريمه فقاتل عَن ذَلِك) ليندفع عَنهُ (فَقتل) المصول عَلَيْهِ الصَّائِل
(فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ) من قصاص وَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة وَلَا قيمَة بَهِيمَة وَغَيرهَا لخَبر من قتل دون دَمه فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون أَهله فَهُوَ شَهِيد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
وَجه الدّلَالَة أَنه لما جعله شَهِيدا دلّ على أَن لَهُ الْقَتْل والقتال كَمَا أَن من قَتله أهل الْحَرْب لما كَانَ شَهِيدا كَانَ لَهُ الْقَتْل والقتال وَلَا إِثْم عَلَيْهِ أَيْضا لِأَنَّهُ مَأْمُور بِدَفْعِهِ وَفِي الْأَمر بِالْقِتَالِ وَالضَّمان مُنَافَاة حَتَّى لَو صال العَبْد الْمَغْصُوب أَو الْمُسْتَعَار على مَالِكه فَقتله دفعا لم يبرأ الْغَاصِب وَلَا الْمُسْتَعِير وَيسْتَثْنى من عدم الضَّمَان الْمُضْطَر إِذا قَتله صَاحب الطَّعَام دفعا فَإِن عَلَيْهِ الْقود كَمَا قَالَه الزبيلي فِي آدَاب الْقَضَاء وَلَو صال مكْرها على إِتْلَاف مَال غَيره لم يجز دَفعه بل يلْزم الْمَالِك أَن يقي روحه بِمَالِه
كَمَا يتَنَاوَل الْمُضْطَر طَعَامه وَلكُل مِنْهُمَا دفع الْمُكْره
تَنْبِيه تَعْبِير المُصَنّف بِالْمَالِ قد يخرج مَا لَيْسَ بِمَال كَالْكَلْبِ المقتنى والسرجين وَقَضِيَّة كَلَام الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره إِلْحَاقه بِهِ
وَهُوَ الظَّاهِر وَله دفع مُسلم عَن ذمِّي ووالد عَن وَلَده وَسيد عَن عَبده
لأَنهم معصومون وَلَا يجب الدّفع عَن مَال لَا روح فِيهِ لِأَنَّهُ تجوز إِبَاحَته للْغَيْر أما مَا فِيهِ روح فَيجب الدّفع عَنهُ
إِذا قصد إِتْلَافه مَا لم يخْش على نَفسه لحُرْمَة الرّوح
وَيجب الدّفع عَن بضع لِأَنَّهُ لَا السَّبِيل إِلَى إِبَاحَته وَسَوَاء بضع أَهله وَغَيرهم وَمثل الْبضْع مقدماته وَعَن نَفسه إِذا قَصدهَا كَافِر وَلَو مَعْصُوما إِذْ غير الْمَعْصُوم لَا حُرْمَة لَهُ والمعصوم بطلت حرمته بصياله وَلِأَن الاستسلام للْكَافِرِ ذل فِي الدّين أَو قَصدهَا بَهِيمَة لِأَنَّهَا تذبح لاستبقاء الْآدَمِيّ فَلَا وَجه

(2/544)


للإستسلام لَهَا وَظَاهره أَن عضوه ومنفعته كنفسه وَلَا يجب الدّفع إِذا قَصدهَا مُسلم وَلَو مَجْنُونا بل يجوز الاستسلام لَهُ بل يسن كَمَا أفهمهُ كَلَام الرَّوْضَة لخَبر أبي دَاوُد كن خير ابْني آدَمِيّ يَعْنِي قابيل وهابيل
وَالدَّفْع عَن نفس غَيره إِذا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرما كالدفع عَن نَفسه فَيجب حَيْثُ يجب وينتفي حَيْثُ يَنْتَفِي وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد من أذلّ عِنْده مُسلم فَلم ينصره وَهُوَ قَادر أَن ينصره أذله الله على رُؤُوس الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة وَيدْفَع الصَّائِل بالأخف فالأخف
فَإِن أمكن دَفعه بِكَلَام أَو استغاثة حرم الدّفع بِالضَّرْبِ أَو بِضَرْب بيد حرم بِسَوْط أَو بِسَوْط حرم بعصا أَو بعصا حرم بِقطع عُضْو أَو بِقطع عُضْو حرم قتل لِأَن ذَلِك جوز للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة فِي الأثقل مَعَ إِمْكَان تَحْصِيل الْمَقْصُود بالأسهل وَفَائِدَة هَذَا التَّرْتِيب أَنه مَتى خَالف وَعدل إِلَى رُتْبَة مَعَ إِمْكَان الِاكْتِفَاء بِمَا دونهَا ضمن وَيسْتَثْنى من التَّرْتِيب مَا لَو التحم الْقِتَال بَينهمَا وَاشْتَدَّ الْأَمر عَن الضَّبْط سقط مُرَاعَاة التَّرْتِيب كَمَا ذكره الإِمَام فِي قتال الْبُغَاة
وَمَا لَو كَانَ الصَّائِل ينْدَفع بِالسَّوْطِ والعصا والمصول عَلَيْهِ لَا يجد إِلَّا السَّيْف فَالصَّحِيح أَن لَهُ الضَّرْب بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ الدّفع إِلَّا بِهِ وَلَيْسَ بمقصر فِي ترك اسْتِصْحَاب السَّوْط وَنَحْوه
وعَلى التَّرْتِيب إِن أمكن المصول عَلَيْهِ هرب أَو التجاء لحصن أَو جمَاعَة فَالْمَذْهَب وُجُوبه وَتَحْرِيم قتال لِأَنَّهُ مَأْمُور بتخليص نَفسه بالأهون
فالأهون وَمَا ذكره أسهل من غَيره فَلَا يعدل إِلَى الأشد
القَوْل فِي حكم مَا تتلفه الْبَهَائِم ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ مَا تتلفه الْبَهَائِم بقوله (وعَلى رَاكب الدَّابَّة) وسائقها وقائدها سَوَاء أَكَانَ مَالِكًا أم مُسْتَأْجرًا أم مودعا أم مستعيرا أم غَاصبا
(ضَمَان مَا أتلفته دَابَّته) أَي الَّتِي يَده عَلَيْهَا بِيَدِهَا أَو رجلهَا أَو غير ذَلِك نفسا أَو مَالا لَيْلًا أَو نَهَارا لِأَنَّهَا فِي يَده وَعَلِيهِ تعهدها وحفظها وَلِأَنَّهُ إِذا كَانَ فعلهَا مَنْسُوبا إِلَيْهِ
وَإِلَّا نسب إِلَيْهَا كَالْكَلْبِ إِذا أرْسلهُ صَاحبه وَقتل الصَّيْد حل وَإِن استرسل بِنَفسِهِ فَلَا فجنايتها كجنايته وَلَو كَانَ مَعهَا سائق وقائد فَالضَّمَان عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَلَو كَانَ مَعهَا سائق وقائد مَعَ رَاكب فَهَل يخْتَص الضَّمَان بالراكب أَو يجب أَثلَاثًا وَجْهَان أرجحهما الأول
وَلَو كَانَ عَلَيْهَا راكبان فَهَل يجب الضَّمَان عَلَيْهِمَا أَو يخْتَص بِالْأولِ دون الرديف وَجْهَان أوجههمَا الأول لِأَن الْيَد لَهما

(2/545)


تَنْبِيه حَيْثُ أطلق ضَمَان النَّفس فِي هَذَا الْبَاب فَهُوَ على الْعَاقِلَة كحفر الْبِئْر وَيسْتَثْنى من إِطْلَاقه صور الأولى لَو أركبها أَجْنَبِي بِغَيْر إِذن الْوَلِيّ صَبيا أَو مَجْنُونا فأتلفت شَيْئا فَالضَّمَان على الْأَجْنَبِيّ
الثَّانِيَة لَو ركب الدَّابَّة فنخسها إِنْسَان بِغَيْر إِذْنه كَمَا قَيده الْبَغَوِيّ
فرمحت فأتلفت شَيْئا فَالضَّمَان على الناخس فَإِن أذن الرَّاكِب فِي النخس فَالضَّمَان عَلَيْهِ الثَّالِثَة لَو غلبته دَابَّته فَاسْتَقْبلهَا إِنْسَان فَردهَا فأتلفت فِي انصرافها شَيْئا ضمنه الرَّاد
الرَّابِعَة لَو سَقَطت الدَّابَّة ميتَة فَتلف بهَا شَيْء لم يضمنهُ
وَكَذَا لَو سقط هُوَ مَيتا على شَيْء وأتلفه لَا ضَمَان عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَيَنْبَغِي أَن يلْحق بسقوطها ميتَة سُقُوطهَا بِمَرَض أَو عَارض ريح شَدِيد وَنَحْوه
الْخَامِسَة لَو كَانَ مَعَ الدَّوَابّ رَاع فهاجت ريح وأظلم النَّهَار فتفرقت الدَّوَابّ فَوَقَعت فِي زرع فأفسدته فَلَا ضَمَان على الرَّاعِي فِي الْأَظْهر للغلبة كَمَا لَو ند بعيره أَو انفلتت دَابَّته من يَده فأفسدت شَيْئا بِخِلَاف مَا لَو تَفَرَّقت الْغنم لنومه فَيضمن وَلَو انتفخ ميت فتكسر بِسَبَبِهِ شَيْء لم يضمنهُ بِخِلَاف طِفْل سقط على شَيْء لِأَن لَهُ فعلا بِخِلَاف الْمَيِّت وَلَو بَالَتْ دَابَّته أَو راثت بمثلثة بطرِيق وَلَو واقفة فَتلفت بِهِ نفس أَو مَال فَلَا ضَمَان كَمَا فِي الْمِنْهَاج كَأَصْلِهِ لِأَن الطَّرِيق لَا تَخْلُو عَن ذَلِك وَالْمَنْع من الطروق لَا سَبِيل إِلَيْهِ
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن نَازع فِي ذَلِك أَكثر الْمُتَأَخِّرين وَإِنَّمَا يضمن صَاحب الدَّابَّة مَا أتلفته دَابَّته إِذا لم يقصر صَاحب المَال فِيهِ فَإِن قصر بِأَن وضع المَال بطرِيق أَو عرضه للدابة فَلَا يضمنهُ لِأَنَّهُ المضيع لمَاله وَإِن كَانَت الدَّابَّة وَحدهَا فأتلفت زرعا أَو غَيره نَهَارا لم يضمن صَاحبهَا أَو لَيْلًا ضمن لتَقْصِيره بإرسالها لَيْلًا بِخِلَافِهِ نَهَارا للْخَبَر الصَّحِيح فِي ذَلِك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره
وَهُوَ على وفْق الْعَادة فِي حفظ الزَّرْع وَنَحْوه نَهَارا وَالدَّابَّة لَيْلًا وَلَو تعود أهل الْبَلَد إرْسَال الدَّوَابّ أَو حفظ الزَّرْع لَيْلًا دون النَّهَار
انعكس الحكم فَيضمن مرسلها مَا أتلفته نَهَارا دون اللَّيْل اتبَاعا لِمَعْنى الْخَبَر وَالْعَادَة وَمن ذَلِك يُؤْخَذ مَا بَحثه البُلْقِينِيّ أَنه لَو جرت عَادَة بحفظها لَيْلًا وَنَهَارًا ضمن مرسلها مَا أتلفته مُطلقًا
تَتِمَّة يسْتَثْنى من الدَّوَابّ الْحمام وَغَيره من الطُّيُور فَلَا ضَمَان بإتلافها مُطلقًا كَمَا حَكَاهُ فِي أصل الرَّوْضَة عَن ابْن الصّباغ

(2/546)


وَعلله بِأَن الْعَادة إرسالها وَيدخل فِي ذَلِك النَّحْل
وَقد أفتى البُلْقِينِيّ فِي نحل لإِنْسَان قتل جملا لآخر بِعَدَمِ الضَّمَان
وَعلله بِأَن صَاحب النَّحْل لَا يُمكنهُ ضَبطه وَالتَّقْصِير من صَاحب الْجمل وَلَو أتلفت الْهِرَّة طيرا أَو طَعَاما أَو غَيره إِن عهد ذَلِك مِنْهَا ضمن مَالِكهَا أَو صَاحبهَا الَّذِي يَأْوِيهَا مَا أتلفته لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا وَكَذَا كل حَيَوَان مولع بِالتَّعَدِّي كَالْجمَلِ وَالْحمار اللَّذين عرفا بعقر الدَّوَابّ وإتلافها
أما إِذا لم يعْهَد مِنْهَا إِتْلَاف مَا ذكر فَلَا ضَمَان لِأَن الْعَادة حفظ مَا ذكر عَنْهَا لَا ربطها
فَائِدَة سُئِلَ الْقفال عَن حبس الطُّيُور فِي أقفاص لسَمَاع أصواتها أَو غير ذَلِك فَأجَاب بِالْجَوَازِ إِذا تعهدها صَاحبهَا بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ
كالبهيمة ترْبط وَلَو كَانَ بداره كلب عقور أَو دَابَّة جموح ودخلها شخص بِإِذْنِهِ وَلم يُعلمهُ بِالْحَال فعضه الْكَلْب أَو رمحته الدَّابَّة ضمن وَإِن كَانَ الدَّاخِل بَصيرًا أَو دَخلهَا بِلَا إِذن أَو أعلمهُ بِالْحَال
فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ المتسبب فِي هَلَاك نَفسه

فصل فِي قتال الْبُغَاة
جمع بَاغ وَالْبَغي الظُّلم ومجاوزة الْحَد سموا بذلك لظلمهم وعدولهم عَن الْحق وَالْأَصْل فِيهِ آيَة {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} وَلَيْسَ فِيهَا ذكر الْخُرُوج على الإِمَام صَرِيحًا لَكِنَّهَا تشمله بعمومها أَو تَقْتَضِيه لِأَنَّهُ إِذا طلب الْقِتَال لبغي طَائِفَة على طَائِفَة فللبغي على الإِمَام أولى وهم مُسلمُونَ مخالفو إِمَام وَلَو جائرا بِأَن خَرجُوا عَن طَاعَته بِعَدَمِ انقيادهم لَهُ أَو منع حق توجه عَلَيْهِم كَزَكَاة بِالشُّرُوطِ الْآتِيَة (وَيُقَاتل أهل الْبَغي) وجوبا كَمَا اسْتُفِيدَ من الْآيَة الْمُتَقَدّمَة
وَعَلَيْهَا عول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قتال صفّين والنهروان
(بِثَلَاثَة شَرَائِط) الأول (أَن يَكُونُوا فِي مَنْعَة) بِفَتْح النُّون وَالْعين الْمُهْملَة أَي شَوْكَة بِكَثْرَة أَو قُوَّة وَلَو بحصن بِحَيْثُ يُمكن مَعهَا مقاومة الإِمَام فَيحْتَاج فِي ردهم إِلَى الطَّاعَة لكلفة من بذل مَال وَتَحْصِيل رجال وَهِي لَا تحصل إِلَّا بمطاع أَي متبوع يحصل بِهِ قُوَّة لشوكتهم يصدرون عَن رَأْيه
إِذْ لَا قُوَّة لمن لَا تجمع كلمتهم بمطاع فالمطاع شَرط لحُصُول الشَّوْكَة لَا أَنه شَرط آخر غير الشَّوْكَة كَمَا تَقْتَضِيه عبارَة الْمِنْهَاج وَلَا يشْتَرط أَن يكون فيهم إِمَام مَنْصُوب لِأَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَاتل أهل الْجمل وَلَا إِمَام لَهُم وَأهل صفّين قبل نصب إمَامهمْ

(2/547)


(و) الثَّانِي (أَن يخرجُوا عَن قَبْضَة الإِمَام) أَي عَن طَاعَته بانفرادهم ببلدة أَو قَرْيَة أَو مَوضِع من الصَّحرَاء كَمَا نَقله فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا عَن جمع وَحكى الْمَاوَرْدِيّ الِاتِّفَاق عَلَيْهِ
(و) الثَّالِث (أَن يكون لَهُم) فِي خُرُوجهمْ عَن طَاعَة الإِمَام (تَأْوِيل سَائِغ) أَي مُحْتَمل من الْكتاب أَو السّنة ليستندوا إِلَيْهِ لِأَن من خَالف بِغَيْر تَأْوِيل كَانَ معاندا للحق
تَنْبِيه يشْتَرط فِي التَّأْوِيل أَن يكون فَاسِدا لَا يقطع بفساده بل يَعْتَقِدُونَ بِهِ جَوَاز الْخُرُوج كتأويل الخارجين من أهل الْجمل وصفين على عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِأَنَّهُ يعرف قتلة عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلَا يقْتَصّ مِنْهُم لمواطأته إيَّاهُم وَتَأْويل بعض مانعي الزَّكَاة من أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِأَنَّهُم لَا يدْفَعُونَ الزَّكَاة إِلَّا لمن صلَاته سكن لَهُم أَي دعاؤه رَحْمَة لَهُم وَهُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن فقدت فِيهِ الشُّرُوط الْمَذْكُورَة بِأَن خَرجُوا بِلَا تَأْوِيل
كمانعي حق الشَّرْع كَالزَّكَاةِ عنادا أَو بِتَأْوِيل يقطع بِبُطْلَانِهِ كتأويل الْمُرْتَدين أَو لم تكن لَهُم شَوْكَة بِأَن كَانُوا أفرادا يسهل الظفر بهم أَو لَيْسَ فيهم مُطَاع
فليسوا بغاة لانتقاء حرمتهم فيترتب على أفعالهم مقتضاها على تَفْصِيل فِي ذِي الشَّوْكَة يعلم مِمَّا يَأْتِي حَتَّى لَو تأولوا بِلَا شَوْكَة وأتلفوا شَيْئا ضمنوه مُطلقًا كقاطع الطَّرِيق وَأما الْخَوَارِج وهم قوم يكفرون مرتكب كَبِيرَة ويتركون الْجَمَاعَات فَلَا يُقَاتلُون وَلَا يفسقون مَا لم يقاتلوا وهم فِي قبضتنا نعم إِن تضررنا بهم
تعرضنا لَهُم حَتَّى يَزُول الضَّرَر فَإِن قَاتلُوا أَو لم يَكُونُوا فِي قبضتنا قوتلوا وَلَا يتحتم قتل الْقَاتِل مِنْهُم وَإِن كَانُوا كقطاع الطَّرِيق فِي شهر السِّلَاح لأَنهم لم يقصدوا إخافة الطَّرِيق وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا عَن الْجُمْهُور وَفِيهِمَا عَن الْبَغَوِيّ أَن حكمهم كَحكم قطاع الطَّرِيق وَبِه جزم فِي الْمِنْهَاج وَالْمُعْتَمد الأول فَإِن قيد بهَا إِذا قصدُوا إخافة الطَّرِيق فَلَا خلاف
القَوْل فِي حكم شَهَادَة الْبُغَاة وَتقبل شَهَادَة الْبُغَاة لأَنهم لَيْسُوا بفسقة لتأويلهم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَّا أَن يَكُونُوا مِمَّن يشْهدُونَ لموافقيهم بتصديقهم كالخطابية وهم صنف من الرافضة يشْهدُونَ بالزور ويقضون لموافقيهم بتصديقهم فَلَا تقبل شَهَادَتهم وَلَا ينفذ حكم قاضيهم وَلَا يخْتَص هَذَا بالبغاة نعم إِن بينوا السَّبَب قبلت شَهَادَتهم لانْتِفَاء التُّهْمَة حِينَئِذٍ وَيقبل قَضَاء قاضيهم بعد اعْتِبَار صِفَات القَاضِي فِيهِ فِيمَا يقبل فِيهِ قَضَاء قاضينا لِأَن لَهُم تَأْوِيلا يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد إِلَّا أَن يسْتَحل شَاهد الْبُغَاة أَو قاضيهم دماءنا وَأَمْوَالنَا فَلَا تقبل شَهَادَته وَلَا قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعدْل وَشرط الشَّاهِد وَالْقَاضِي الْعَدَالَة هَذَا مَا نَقله الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَة
وَأَصلهَا هُنَا عَن الْمُعْتَبر وَجرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج وَلَا يُنَافِي ذَلِك مَا ذكره فِي زِيَادَة الرَّوْضَة فِي كتاب الشَّهَادَات من أَنه لَا فرق فِي قبُول شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء وَقَضَاء قاضيهم بَين من يسْتَحل الدِّمَاء وَالْأَمْوَال أم لَا لِأَن مَا هُنَا مَحْمُول على من اسْتحلَّ ذَلِك بِلَا تَأْوِيل
وَمَا هُنَاكَ على من استحله بِتَأْوِيل

(2/548)


القَوْل فِي حكم مَا أتْلفه الْبُغَاة وَمَا أتْلفه بَاغ من نفس أَو مَال على عَادل وَعَكسه
إِن لم يكن فِي قتال لضرورته بِأَن كَانَ فِي غير الْقِتَال أَو فِيهِ لَا لضرورته ضمن كل مِنْهُمَا مَا أتْلفه من نفس أَو مَال جَريا على الأَصْل فِي الاتلافيات نعم إِن قصد أهل الْعدْل إِتْلَاف المَال إضعافهم وهزيمتهم لم يضمنوا كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ
فَإِن كَانَ الْإِتْلَاف فِي قتال لضرورته فَلَا ضَمَان اقْتِدَاء بالسلف لِأَن الوقائع الَّتِي جرت فِي عصر الصَّحَابَة كوقعة الْجمل وصفين لم يُطَالب بَعضهم بَعْضًا بِضَمَان نفس وَلَا مَال وَهَذَا عِنْد اجْتِمَاع الشَّوْكَة والتأويل فَإِن فقد أَحدهمَا فَلهُ حالان الأول الْبَاغِي المتأول بِلَا شَوْكَة يضمن النَّفس وَالْمَال وَلَو حَال الْقِتَال كقاطع الطَّرِيق
وَالثَّانِي لَهُ شَوْكَة بِلَا تَأْوِيل وَهَذَا كباغ فِي الضَّمَان وَعَدَمه
لِأَن سُقُوط الضَّمَان فِي الباغين لقطع الْفِتْنَة واجتماع الْكَلِمَة وَهُوَ مَوْجُود هُنَا
وَلَا يُقَاتل الإِمَام الْبُغَاة حَتَّى يبْعَث لَهُم أَمينا فطنا إِن كَانَ الْبَعْث للمناظرة ناصحا لَهُم يسألهم عَمَّا يكْرهُونَ اقْتِدَاء ب عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ بعث ابْن عَبَّاس إِلَى أهل النهروان فَرجع بَعضهم وأبى بَعضهم فَإِن ذكرُوا مظْلمَة أَو شُبْهَة أزالها لِأَن الْمَقْصُود بقتالهم ردهم إِلَى الطَّاعَة فَإِن أصروا نصحهمْ ووعظهم فَإِن أصروا أعلمهم بِالْقِتَالِ لِأَن الله تَعَالَى أَمر أَولا بالإصلاح ثمَّ بِالْقِتَالِ فَلَا يجوز تَقْدِيم مَا أَخّرهُ الله تَعَالَى فَإِن طلبُوا من الإِمَام الْإِمْهَال اجْتهد وَفعل مَا رَآهُ صَوَابا
القَوْل فِي أَسِير الْبُغَاة ومالهم (وَلَا يقتل) مدبرهم وَلَا من ألْقى سلاحه وَأعْرض عَن الْقِتَال وَلَا (أسيرهم وَلَا يذفف) بِالْمُعْجَمَةِ أَي لَا يسْرع (على جريحهم) بِالْقَتْلِ (وَلَا يغنم مَالهم) لقَوْله تَعَالَى {حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله} والفيئة الرُّجُوع عَن الْقِتَال بالهزيمة وروى ابْن أبي شيبَة أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَمر مناديه يَوْم الْجمل فَنَادَى لَا يتبع مُدبر وَلَا يذفف على جريح وَلَا يقتل أَسِير وَمن أغلق بَابه فَهُوَ آمن وَمن ألْقى سلاحه فَهُوَ آمن وَلِأَن قِتَالهمْ شرع للدَّفْع عَن منع الطَّاعَة وَقد زَالَ
تَنْبِيه قد يفهم من منع قتل هَؤُلَاءِ وجوب الْقصاص بِقَتْلِهِم
وَالأَصَح أَنه لَا قصاص لشُبْهَة أبي حنيفَة وَلَا يُطلق أسيرهم وَلَو كَانَ صَبيا أَو امْرَأَة أَو عبدا حَتَّى يَنْقَضِي الْحَرْب
ويتفرق جمعهم وَلَا يتَوَقَّع عودهم إِلَّا أَن يُطِيع الْأَسير بِاخْتِيَارِهِ
فيطلق قبل ذَلِك وَهَذَا فِي الرجل الْحر
وَكَذَا فِي الصَّبِي وَالْمَرْأَة وَالْعَبْد إِن كَانُوا مقاتلين وَإِلَّا أطْلقُوا بِمُجَرَّد انْقِضَاء الْحَرْب وَيرد لَهُم بعد أَمن شرهم بعودهم إِلَى الطَّاعَة أَو تفرقهم وَعدم توقع عودهم مَا أَخذ مِنْهُم من سلَاح وخيل وَغير ذَلِك
وَيحرم اسْتِعْمَال شَيْء من سِلَاحهمْ وخيلهم وَغَيرهم من أَمْوَالهم لعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا بِطيب نفس مِنْهُ إِلَّا لضَرُورَة كَمَا إِذا خفنا انهزام أهل الْعدْل وَلم نجد غير خيولهم فَيجوز لأهل الْعدْل ركُوبهَا وَلَا يُقَاتلُون بِمَا يعم كنار ومنجنيق وَلَا يستعان عَلَيْهِم بِكَافِر لِأَنَّهُ يحرم تسليطه على الْمُسلم إِلَّا لضَرُورَة بِأَن كَثُرُوا وَأَحَاطُوا بِنَا فيقاتلون بِمَا يعم كنار ومنجنيق وَلَا بِمن يرى قَتلهمْ مُدبرين لعداوة أَو اعْتِقَاد كالحنفي وَالْإِمَام لَا يرى ذَلِك إبْقَاء عَلَيْهِم

(2/549)


القَوْل فِي إحصار الْبُغَاة وَلَا يجوز إحصارهم بِمَنْع طَعَام وشراب إِلَّا على رَأْي الإِمَام فِي أهل قلعة وَلَا يجوز عقر خيولهم إِلَّا إِذا قَاتلُوا عَلَيْهَا وَلَا قطع أَشْجَارهم أَو زُرُوعهمْ
القَوْل فِي مقاومة أهل الْبَغي وَيلْزم الْوَاحِد كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِي من أهل الْعدْل مصابرة اثْنَيْنِ من الْبُغَاة كَمَا يجب على الْمُسلم أَن يصبر لكافرين فَلَا يولي إِلَّا متحرفا لقِتَال أَو متحيزا إِلَى فِئَة قَالَ الشَّافِعِي يكره للعادل أَن يعمد إِلَى قتل ذِي رَحمَه من أهل الْبَغي وَحكم دَار الْبَغي كَحكم دَار الْإِسْلَام
فَإِذا جرى فِيهَا مَا يُوجب إِقَامَة حد أَقَامَهُ الإِمَام المستولي عَلَيْهَا وَلَو سبى الْمُشْركُونَ طَائِفَة من الْبُغَاة وَقدر أهل الْعدْل على استنقاذهم لَزِمَهُم ذَلِك
االقول فِي شُرُوط الإِمَام الْأَعْظَم تَتِمَّة فِي شُرُوط الإِمَام الْأَعْظَم وَفِي بَيَان طرق انْعِقَاد الْإِمَامَة وَهِي فرض كِفَايَة
كالقضاء فَشرط الإِمَام كَونه أَهلا للْقَضَاء قرشيا لخَبر الْأَئِمَّة من قُرَيْش شجاعا ليغزو بِنَفسِهِ وَتعْتَبر سَلَامَته من نقص يمْنَع اسْتِيفَاء الْحَرَكَة وَسُرْعَة النهوض كَمَا دخل فِي الشجَاعَة
القَوْل فِيمَا تَنْعَقِد بِهِ الْإِمَامَة وتنعقد الْإِمَامَة بِثَلَاثَة طرق الأولى ببيعة أهل الْحل وَالْعقد من الْعلمَاء
ووجوه النَّاس المتيسر اجْتِمَاعهم فَلَا يعْتَبر فِيهَا عدد وَيعْتَبر اتصاف المبايع بِصفة الشُّهُود
وَالثَّانيَِة باستخلاف الإِمَام من عينه فِي حَيَاته كَمَا عهد أَبُو بكر لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَيشْتَرط الْقبُول فِي حَيَاته
كجعله الْأَمر فِي الْخلَافَة تشاورا بَين جمع
كَمَا جعل عمر الْأَمر شُورَى بَين سِتَّة عَليّ وَالزُّبَيْر وَعُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَطَلْحَة فاتفقوا على عُثْمَان
وَالثَّالِثَة باستيلاء شخص متغلب على الْإِمَامَة وَلَو غير أهل لَهَا نعم الْكَافِر إِذا تغلب لَا تَنْعَقِد إِمَامَته لقَوْله تَعَالَى {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} وَتجب طَاعَة الإِمَام وَإِن كَانَ جائرا فِيمَا يجوز من أمره وَنَهْيه لخَبر اسمعوا وَأَطيعُوا وَإِن أَمر عَلَيْكُم عبد حبشِي مجدع الْأَطْرَاف وَلِأَن الْمَقْصُود من نَصبه اتِّحَاد الْكَلِمَة وَلَا يحصل ذَلِك إِلَّا بِوُجُوب الطَّاعَة