البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [باب الحيض] [مسألة: المراد بالحيض والأحكام المترتبة عليه]
قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] [البقرة: 222] .
واختلف الناس في المحيض المراد بالآية:
فقال قوم: هو موضع الحيض، وهو الفرج، كما يقال: مبيت لموضع البيتوتة.
وقال قوم: هو زمن الحيض.
وذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى: (أنه هو الحيض، وهو الدم؛ فكأنه قال: اعتزلوا النساء في حال وجود الدم؛ لأنه قال: {هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] [البقرة: 222] . ولا يوصف الفرج والزمان: أنه أذى، وإنما يوصف به الدم) .
وروي: «أن أسماء قالت: يا رسول الله، كيف تغتسل إحدانا من المحيض؟» .
فإذا حاضت المرأة.. تعلق بها أربعة عشر حكمًا:
أحدها: أنه يحرم فعل الصلاة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أقبلت الحيضة.. فدعي الصلاة» .
والثاني: أنه يسقط وجوبها؛ لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: (كنا نحيض عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا نقضي الصلاة، ولا نؤمر بقضائها» .

(1/335)


الثالث: أنه يحرم عليها الصوم؛ لما روى أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا حاضت المرأة.. لم تصل، ولم تصم» .
ولا يسقط وجوبه؛ لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، أنها قالت: (كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة» .
الرابع: أنه يحرم الطواف؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة رضوان الله عليها وقد حاضت وهي محرمة: «اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت» .
الخامس: يحرم عليها قراءة القرآن.
وقال مالك: (لا يحرم عليها قراءة القرآن؛ لأنها إذا لم تقرأ.. نسيت القرآن) .

(1/336)


وحكى المسعودي [في " الإبانة " ق\21] : أن هذا قول للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم.
ووجه الأول: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقرأ الجنب، ولا تقرأ الحائض شيئًا من القرآن» . ولأنها يمكنها أن تستذكر القرآن في نفسها، فلا تنسى.
السادس: يحرم عليها مس المصحف وحمله؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] [الواقعة: 79] .
السابع: يحرم عليها اللبث في المسجد؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا أحل المسجد لجنب ولا لحائض» .
الثامن: يمنع صحة الاعتكاف؛ لأنه إذا حرم عليها اللبث في المسجد من غير عبادة.. فلأن يحرم ذلك عليها مع نية العبادة أولى.
وأما العبور في المسجد: فإن لم تستوثق في الشد والتلجم.. حرم عليها؛ لأنه لا يؤمن أن تلوث المسجد.
وإن استوثقت بالشد.. ففيه وجهان:
[أحدهما] : من أصحابنا من قال: يجوز؛ لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: قال لي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ناوليني الخمرة من المسجد"، فقلت: إني

(1/337)


حائض، فقال: "ليست حيضتك في يدك» و (الخمرة) : الحصير الصغير.
ولأنه حدث يمنع اللبث في المسجد، فلم يمنع العبور فيه، كالجنابة.
و [الثاني] : منهم من قال: لا يجوز؛ لأن حدث الحيض أغلظ من حدث الجنابة، بدليل: أنه يمنع صحة الصوم، ويسقط الصلاة، بخلاف حدث الجنابة.
التاسع: يتعلق به وجوب الغسل. وهل يجب برؤية الدم، أو بانقطاعه؟
فيه وجهان، قد مضى ذكرهما. الصحيح: أنه يجب برؤيته.
فعلى هذا: إذا أجنبت المرأة، وحاضت قبل أن تغتسل، وأرادت أن تغتسل؛ لتقرأ القرآن: إذا قلنا بالقول القديم.. لم يصح غسلها؛ لأن ما أوجب الطهارة منع صحتها، كخروج البول.
وإن قلنا: إن الغسل لا يجب عليها إلا بانقطاع الدم.. صح غسلها عن الجنابة قبل انقطاعه.
العاشر: أنه يحكم ببلوغ المرأة به.
الحادي عشر: أنه يمنع من الاعتداد بالشهور.
الثاني عشر: أنه يمنع من الدخول في العدة وهو إذا طلقها حائضًا.
الثالث عشر: أنه يحرم طلاق المدخول بها، ونحن نذكر أدلة هذه الأحكام في مواضعها، إن شاء الله تعالى.

(1/338)


الرابع عشر: أنه يحرم وطؤها في الفرج؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] [البقرة: 222] .
فأما مباشرتها فيما بين السرة والركبة.. فالمنصوص: (أنه لا يجوز) .
وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وأبو يوسف.
وقال الثوري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، ومحمد بن الحسن: (يجوز) . وبه قال أبو إسحاق المروزي من أصحابنا؛ لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه قال: «اصنعوا كل شيء غير النكاح» .
ودليلنا: ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمر إحدانا إذا حاضت أن تأتزر، ثم يباشرها» .
وفي رواية عنها: «كان يباشر نساءه فوق الإزار، وهن حيض» .
وروي «عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يحل للرجل من

(1/339)


امرأته، وهي حائض؟ فقال: "ما فوق الإزار» .
وأما مباشرتها فيما فوق السرة، وفيما دون الركبة: فإن لم يكن عليه شيء من دم الحيض.. جاز له مباشرتها فيه بالإجماع، ولما رويناه عن عمر، وعائشة.
وإن كان عليه شيء من دم الحيض.. فهل يجوز له مباشرتها؟ فيه وجهان، حكاهما المحاملي:
أحدهما: لا يجوز؛ لأن به أذى الحيض.
والثاني: يجوز؛ لحديث عمر، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولم يفرق.
فإن خالف ووطئ امرأته في فرجها وهي حائض، فإن كان جاهلاً بحيضها، أو جاهلاً بتحريمه.. فلا شيء عليه.
وإن كان عالمًا بحيضها، عالمًا بتحريم وطئها.. ففيه قولان:
[أحدهما] : قال في القديم: (إن كان في أول الدم.. لزمه أن يتصدق بدينار. وإن كان في آخره.. لزمه أن يتصدق بنصف دينار) . وبه قال الأوزاعي، وإسحاق؛ لما روى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أتى امرأته حائضًا.. فليتصدق بدينار، ومن أتاها وقد أدبر الدم ولم يقبل.. فليتصدق بنصف دينار» . وفي رواية: «في الذي يأتي امرأته وهي حائض.. يتصدق بدينار، أو بنصف دينار» ولهذا خيره أحمد بينهما.

(1/340)


و [الثاني] : قال في الجديد: (يأثم بذلك، وقد أتى كبيرة، فليستغفر الله ويتوب إليه، ولا كفارة عليه) ؛ لما روى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقوله، أو أتى امرأته في دبرها، أو حائضًا.. فقد كفر بما أنزل على محمد» ولم يأمره بالكفارة.
ولأنه وطء محرم؛ للأذى، فلم تتعلق به الكفارة، كالوطء في الدبر.
وفيه احتراز ممن وطئ في رمضان، أو محرمًا بالحج أو العمرة.
وأما حديث ابن عباس: فقيل: إنه موقوف عليه.
فإذا قلنا بالقول القديم.. فاختلف أصحابنا في إقبال الدم الذي يجب بالوطء فيه دينار، وفي إدباره نصف دينار:
فقال أكثرهم: (إقباله) : هو أول الدم، وأيام كونه قويًا، و (آخره) : هو انتقاله من القوة إلى الضعف، كانتقال الأسود إلى الأحمر، وانتقال الأحمر إلى الأصفر؛ لما روي في حديث ابن عباس: أنه قال: (إن كان الدم أحمر.. فدينار، وإن كان أصفر.. فنصف دينار) .
وقال أبو إسحاق الإسفراييني: (أول الدم) : هو قبل انقطاعه، و (آخره) : هو إذا انقطع، ولم تغتسل.

(1/341)


و (الدينار) الذي يجب في ذلك: هو مثقال الإسلام.
وقال الحسن البصري، وعطاء: يجب فيه ما يجب على المجامع في رمضان.
ودليلنا: ما ذكرناه من الخبر.
قال صاحب " الفروع ": ويجب ذلك على الزوج دون الزوجة، على ظاهر المذهب، ومصرفه مصرف الكفارات.

[فرع: إخبارها بالحيض]
] إذا أراد الرجل وطء امرأته فقالت: أنا حائض، ولم يعلم بحيضها.. فاختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: إن كانت فاسقة.. لم يقبل قولها. وإن كانت عفيفة.. قبل قولها.
وقال الشاشي: إن كانت بحيث يمكن صدقها.. قبل كلامها. وإن كانت فاسقة.. فكما نقول في العدة.

[فرع: غسل الحائض بعد الانقطاع]
وإذا انقطع دم الحائض.. حل لها: أن تصوم، وتغتسل؛ لأن تحريمهما بالحيض، وقد زال.

(1/342)


ولا يحل لها: الصلاة، والطواف، واللبث في المسجد، والاعتكاف، وقراءة القرآن؛ لأن المنع منه؛ لحدثها، وهو باق.
ولا يحل وطؤها حتى تغتسل، وبه قال الزهري، وربيعة، والثوري، ومالك.
وقال أبو حنيفة: (إن انقطع دمها لأكثر الحيض.. حل وطؤها قبل الاغتسال، وإن انقطع لدون ذلك.. لم يحل حتى تغتسل) .
وقال داود: (إذا غسلت فرجها.. حل وطؤها) .
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] [البقرة: 222] . فشرط الطهر والطهارة.
فإن عدمت الماء فتيممت.. حل وطؤها.
وقال مكحول: لا يحل وطؤها بالتيمم.
وقال أبو حنيفة: (لا يحل وطؤها حتى تصلي به) .
دليلنا: أن التيمم طهارة تبيح الصلاة، فأباحت الوطء، كطهارة الماء.
فإن صلت بالتيمم فريضة.. فهل يحل وطؤها؟ فيه وجهان.
أحدهما: لا يحل، كما لا يحل لها فعل فريضة ثانية.
والثاني: يحل، وهو الأصح؛ لأن هذا التيمم قام مقام غسلها، ولهذا يجوز لها فعل النافلة.

[مسألة: سن الحيض]
] الحيض له سن مخصوص، وقدر مخصوص، فإذا وجد ذلك.. تعلق به أحكام الحيض. والمرجع في إثبات ذلك إلى الوجود، وهو ما يوجد عادة مستمرة، فإذا وجد ذلك.. صار أصلاً.
ومن الناس من قال: لا يرجع في ذلك إلى الوجود.
ودليلنا: أن كل ما ورد به الشرع مطلقًا، ولا بد من تقديره، ولم يكن له أصل في

(1/343)


الشرع، ولا في اللغة.. رجع فيه إلى العرف والعادة، كالتفرق في البيع، والقبض، والحرز في السرقة.
إذا ثبت هذا: فقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأم ": (أعجل من سمعت من النساء يحضن نساء تهامة، يحضن لتسع سنين) .
وقال في بعض كتبه: (رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة) .
قال أصحابنا: ويجيء على أصله أن تكون جدة لها تسع عشرة سنة؛ لأنها تحبل لتسع سنين، وتضع لستة أشهر، ثم تحبل ابنتها لتسع سنين، وتضع لستة أشهر، فذلك تسع عشرة سنة.

[فرع: أقل الحيض]
وأما أقل الحيض: فاختلف العلماء فيه:
فقال أبو حنيفة، والثوري: (أقله ثلاثة أيام) .
وقال أبو يوسف: أقله يومان وأكثر اليوم الثالث.
وقال مالك: (ليس لأقله حد، ويجوز أن يكون لحظة واحدة) .
وأما الشافعي: فذكر في " المختصر " [1/55] : (أن أقله يوم وليلة) . وقال في كتاب (العدد) : (أقله يوم) .
واختلف أصحابنا فيها، على ثلاث طرق:
فـ[الأول] : منهم من قال: فيه قولان.

(1/344)


و [الثاني] : منهم من قال: أقله يوم، قولاً واحدًا، وإنما قال: يوم وليلة، قبل أن يثبت عنده اليوم وحدة، فلما ثبت عنده اليوم.. رجع إليه.
و [الثالث] : منهم من قال: هو يوم وليلة، قولاً واحدًا.
قال الشيخ أبو حامد: وهو الصحيح الذي فرعنا عليه، وبه نفتي، وعليه نناظر، ولا يجوز أن يكون للشافعي فيها قولان؛ لأنه رجع في ذلك إلى الوجود، وقد ثبت الوجود عنده بذلك. وقوله: (يوم) أراد: بليلته؛ لأن العرب إذا أطلقت الأيام.. فالمراد بها: بلياليها، وإذا أطلقت الليالي.. فالمراد بها: بأيامها.
قال الله تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7] [الحاقة: 7] .
وأما الوجود في ذلك: فقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (رأيت امرأة أثبت لي عنها: أنها لم تزل تحيض يومًا لا تزيد عليه، وأثبت لي عن نساء: أنهن لم يزلن يحضن أقل من ثلاثة أيام) .
وقال عطاء: رأيت من النساء من تحيض يومًا، وتحيض خمسة عشر يومًا.
وقال أبو عبد الله الزبيري: كان من نسائنا من تحيض يومًا، وتحيض خمسة عشر يومًا.
وأكثر الحيض خمسة عشر يومًا. وبه قال أحمد في إحدى الروايتين عنه. وروي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وقال أبو حنيفة، والثوري: (أكثره عشرة أيام) .

(1/345)


وقال سعيد بن جبير: أكثره ثلاثة عشر يومًا.
وروي عن مالك ثلاث روايات:
إحداهن: كقولنا. والثانية: (لا حد لأكثره) . والثالثة: (أكثره سبعة عشر يومًا) .
دليلنا: أن المرجع في ذلك إلى الوجود، وقد روينا عن عطاء، وأبي عبد الله الزبيري: أن من النساء من تحيض خمسة عشر يومًا.
وقال شريك بن عبد الله: عندنا امرأة تحيض من الشهر خمسة عشر يومًا.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (رأيت نساء أثبت لي عنهن: أنهن لم يزلن يحضن ثلاثة عشر يومًا) .
وغالب الحيض: ست أو سبع؛ «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحمنة بنت جحش: "تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام، كما تحيض النساء ويطهرن؛ لميقات حيضهن وطهرهن» .

(1/346)


[فرع: حد الطهر]
وليس لأكثر الطهر حد بلا خلاف. وأما أقله.. فاختلف العلماء فيه:
فذهب الشافعي إلى: أن أقله خمسة عشر يومًا.
وقال عبد الملك بن الماجشون: أقله خمسة أيام.
وقال أحمد: (أقله ثلاثة أيام) .
وقال يحيى بن أكثم: أقله تسعة عشر يومًا.
وقال بعضهم: أقله عشرة أيام.
وقال بعضهم: أقله ثمانية أيام.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النساء: «نقصان دينهن: أن إحداهن تمكث شطر دهرها لا تصلي» . ولأن الله سبحانه وتعالى أوجب على المعتدة بالأقراء ثلاثة أقراء، وأوجب على الآيسة ثلاثة أشهر، فبطل أن يكون أقام الشهر مقام أكثر الحيض وأكثر الطهر؛ لأن أكثر الطهر لا حد له. وبطل أن يكون أقامه مقام أقل الحيض وأقل

(1/347)


الطهر؛ لأن أقلهما ستة عشر يومًا. وبطل أن يكون أقامه مقام أقل الحيض وأكثر الطهر؛ لأن أكثر الطهر لا حد له، فثبت: أنه أقامه مقام أقل الطهر وأكثر الحيض، وذلك ثلاثون يومًا.

[فرع: دم الحامل]
وأما الدم الذي تراه الحامل.. ففيه قولان:
أحدهما: أنه ليس بحيض، بل هو دم فساد. وبه قال أبو حنيفة؛ لأنها لا تحبل، فلا تحيض كالصغيرة. ولأنه لو كان حيضًا.. لحرم الطلاق، ولانقضت العدة بثلاثة أطهار منه.
والثاني: أنه حيض، وهو الصحيح؛ لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخصف نعله، وأسارير وجهه تبرق، فقلت: يا رسول الله، أنت أحق بما قال أبو كبير الهذلي:
ومبرأ من كل غبر حيضة ... وفساد مرضعة وداء مغيل
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلل
فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وأنت مبرأة من أن تكون أمك حملت بك في غبر الحيض» . و (الغبر) : البقية.

(1/348)


وإذا ثبت أن المرأة تحمل على الحيض.. ثبت أنها تحيض على الحمل. ولأن الحمل عارض لا يمنع دم العلة، وهو دم الاستحاضة، فلم يمنع دم الحبلة، وهو: دم الحيض، كالرضاع، أو لأنه دم لا يمنعه الرضاع، فلا يمنعه الحمل، كالاستحاضة.

[فرع: أيام النقاء]
إذا رأت المرأة يومًا وليلة دمًا، ويومًا وليلة طهرًا، ولم يعبر ذلك الخمسة عشر يومًا.. فلا خلاف على المذهب: أن أيام الدم حيض، ولا خلاف أنها إذا رأت النقاء.. يجب عليها أن تغتسل، وتصلي، وتصوم. ويجوز للزوج وطؤها؛ لأن الظاهر بقاء الطهر، وعدم معاودة الدم.
فإذا عاودها الدم في اليوم الثالث.. فما حكم ذلك النقاء؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه حيض ـ وهو قول أبي حنيفة ـ لأن أقل الطهر خمسة عشر يومًا، ولأن الدم يسيل مرة وينقطع أخرى.
فعلى هذا: لا يجزئها الصوم إن كان فرضًا، ويجب عليها قضاؤه، ولا ثواب لها فيه إن كان نفلا، ولا إثم على الزوج ولا عليها بالوطء، ولا إثم عليها بفعل الصلاة، ولا يجب عليها إعادتها؛ لأن الحائض لا يجب عليها الصلاة.
والقول الثاني: أن أيام النقاء طهر، وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو صحيح؛ لأن الله سبحانه وتعالى وصف الحيض بأنه: أذى [البقرة: 222] . وأمر باعتزال النساء فيه حتى يطهرن، وليس هناك ما يستدل به على الحيض إلا وجود الدم، ولا ما يستدل به على الطهر إلا النقاء.
فعلى هذا: قد وقع ما فعلت في أيام النقاء من الصلاة والصوم والوطء موقعه.
فإذا رأت النقاء في اليوم الرابع، والسادس، والثامن، وما بعدها.. كان حكمه حكم اليوم الثاني.
فإن قيل: هلا قلتم ـ على القول الذي يجعل أيام النقاء حيضًا، إذا تكرر ذلك

(1/349)


منها ـ: أن تؤمر فيه بما تؤمر الحائض، كما قلتم في المستحاضة في الشهر الثاني، إذا جاوز الدم عادتها؟
فالجواب: أن المستحاضة انضمت عادتها في الشهر الأول إلى الظاهر في الشهر الثاني، وهو بقاء الدم الذي تراه، ومجاوزته أكثر الحيض، فثبت على ذلك. وليس كذلك هاهنا؛ فإن الظاهر بقاء الطهر، فلم ينتقل عن هذا الظاهر بمجرد العادة.

[مسألة: الصفرة والكدرة]
إذا رأت المرأة الدم لسن يجوز أن تحيض فيها.. أمسكت عما تمسك عنه الحائض؛ لأن الظاهر أنه حيض. فإن انقطع لدون اليوم والليلة.. علمنا أنه دم فساد، ولم تأثم بخروج وقت الصلاة عنها؛ لأنا قد أمرنا بتركها، ووجب عليها قضاؤها لأنا قد تبينا أنه لم يكن حيضًا، ولا يفسد صومها.
وإن انقطع ليوم وليلة، أو لخمسة عشر يوما، أو لما بينهما، وهو أسود أو أحمر.. فهو حيض.
وإن كان في الدم صفرة أو كدورة.. فقد قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الصفرة والكدورة في أيام الحيض حيض) .
واختلف أصحابنا فيه، على ثلاثة أوجه:
أحدهما ـ وهو قول أبي العباس، وأبي إسحاق، وأكثر أصحابنا ـ: أن الصفرة والكدرة حيض في أيام العادة، وفي غيرها من الأيام التي يمكن أن تكون أيام الحيض؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] [البقرة: 222] .
وهذا يتناول الصفرة، والكدرة.

(1/350)


و [الثاني] : قال أبو سعيد الإصطخري: لا تكون الصفرة والكدرة حيضا، إلا إذا رأت ذلك في أيام العادة، بأن تكون قد حاضت في أيام من الشهر دمًا أسود، أو أحمر، ثم رأت ـ في الشهر الثاني في مثل تلك الأيام ـ صفرة أو كدرة. فأما إذا رأت المبتدأة صفرة، أو كدرة، أو رأت المعتادة في غير أيام العادة الصفرة أو الكدرة.. لم يكن ذلك حيضًا؛ لما روي «عن أم عطية، وكانت قد بايعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنها قالت: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الغسل شيئًا» ولأنه ليس فيه أمارة الحيض، فلم يكن حيضًا.
والثالث ـ وهو اختيار أبي علي الطبري ـ: إن تقدمهما دم قوي، كالأسود، والأحمر، ولو بعض يوم؛ كانا حيضًا.
وإن لم يتقدمها دم قوي.. فليسا بحيض. وهو قول أبي ثور.
وقال أبو يوسف: الصفرة حيض، والكدرة ليست حيض، إلا أن يتقدمها دم.
والأول أصح: لأنه دم في زمان الإمكان، ولم يجاوز الأكثر، فكان حيضًا، كالأسود، وكما لو كان في أيام العادة.
وما روي عن أم عطية يعارضه ما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: (كنا نعد الصفرة والكدرة حيضًا» وقولها أولى؛ لأنها أعلم.

(1/351)


فإن رأت المبتدأة خمسة أيام دما أسود، ثم رأت خمسة أيام دما أصفر أو كدرة، ثم رأت خمسة أيام دمًا أسود، وانقطع.. فعلى قول أبي سعيد الإصطخري: أن الصفرة والكدرة هاهنا ليست بحيض.
وعلى الوجه الذي اختاره أبو علي الطبري: الجميع هاهنا حيض.
وأما على قول عامة أصحابنا: فإن أبا العباس ابن سريج قال: تكون الصفرة والكدرة هاهنا طهرًا واقعا بين الدمين. فتكون على قولين في التلفيق؛ لأن عادة دم الحيض، كلما تطاول به الأيام.. رق وضعف، وتغيرت صفته.
فإذا رأت في الابتداء دما أسود، ثم رأت بعده صفرة، أو كدرة.. حمل على: أن الصفرة والكدرة بقية ذلك الدم.
فإذا رأت بعده دم أسود، علم أنه ليس ببقيته، بل هو بحكم الطهر.
قال ابن الصباغ: وهذا لا يجيء على قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول أبي العباس؛ لأن عندهما: أن الصفرة والكدرة في زمان الإمكان حيض. وإنما يجيء على قول أبي سعيد الإصطخري.
وإن رأت الدم، وعبر على خمسة عشر يوما.. فقد اختلط الحيض بالاستحاضة؛ لأنا حكمنا بأن ابتداء الدم حيض، ولا يزيد الحيض على خمسة عشر يوما، ويجوز أن يكون قد وردت الاستحاضة على الحيض، لأن الحيض في النساء جبلة وعادة وصحة، لا تنقطع إلا من علة أو كبر، والاستحاضة مرض وسقم، والمرض يطرأ على الصحة، والصحة تطرأ على المرض، وأحدهما لا ينفي الآخر، فكذلك الحيض

(1/352)


يطرأ على الاستحاضة، والاستحاضة تطرأ على الحيض، ولا بد من التمييز بينهما.
إذا ثبت هذا: فالمستحاضات على ثلاثة أضرب:
مبتدأة، ومميزة، ومعتادة. وقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحيض ثلاثة أخبار، جعلها الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أصولا في المستحاضات، ونحن نذكر كل واحدة منهن على ما ينقسم عليه أمرها، وما يتفرع عليها.

[مسألة: أحكام المستحاضة المبتدأه غير المميزة]
فأما المستحاضة المبتدأة: فصفتها أن ترى المرأة أول ما طرقها الحيض دما بصفة واحدة، وعبر خمسة عشر يومًا.
فالخبر الذي جعله الشافعي أصلا فيها ما روي: «أن حمنة بنت جحش ـ وقيل: أم حبيبة بنت جحش ـ قالت: (كنت أحيض حيضة كثيرة شديدة) . وروي: (أنها استحيضت سبع سنين) . قالت: فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجدته في بيت أختي زينب، فقلت يا رسول الله، إن لي حاجة، وإنه لحديث لا بد منه وإني لأستحيي منه. فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (ما هو يا هنتاه؟) فقلت: إني أحيض حيضة كثيرة شديدة، فقد منعتني الصلاة والصوم، فما ترى؟ قال: (أنعت لك الكرسف، فإنه يذهب بالدم، فاحتشي به) فقلت: هو أشد من ذلك، فقال: (تلجمي) ، فقلت: هو أشد من ذلك، فقال (اتخذي ثوبا) فقلت: هو أشد من ذلك؛ إنما أثج ثجًا، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إنها ركضة من ركضات الشيطان، فتحيضي في علم الله ستا أو سبعا، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت، فصلي أربعًا وعشرين ليلة، أو ثلاثًا وعشرين ليلة وأيامها، وصومي، فإنها تجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء ويطهرن، لميقات حيضهن وطهرهن» .

(1/353)


قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فيحتمل أن تكون حمنة مبتدأة، فردها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عادات النساء، فيكون هذا الخبر أصلا للمبتدأة. ويحتمل أن تكون حمنة معتادة، فردها إلى عادتها، فترد المبتدأة إلى اليقين، ولا يكون هذا الخبر أصلا لها) .
فيخرج من بين هذين التأويلين في المبتدأة وغير المميزة قولان:
أحدهما: ترد إلى يوم وليلة؛ لأنه هو اليقين، وما زاد مشكوك فيه.
وعلى هذا: إلى ماذا ترد إليه من الطهر؟ فيه قولان، حكاهما في " العدة ".
أحدهما: إلى أقل الطهر، وهو خمسة عشر يوما، كما ردت إلى أقل الحيض.
والثاني ـ وهو المشهور ـ: أنها ترد إلى غالب طهر النساء، وهو ما بقي من الشهر، فيكون لها على هذا القول ثلاثة أحوال:
حيض بيقين، وهو اليوم والليلة.
وطهر بيقين، وهو ما زاد على خمسة عشر يومًا.
وطهر مشكوك فيه، وهو ما زاد على يوم وليلة إلى خمسة عشر يومًا.
وعلى هذا ـ القول ـ: تكون حمنة معتادة، فيكون تخيير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها بين الست والسبع يحتمل: أن تكون شاكة في أن عادتها كانت ستا أو سبعًا، فقال لها: «تحيضي في علم الله ستًا أو سبعا» . أي: فيما علمك الله، ومعناه: فيما تحفظين من عادتك.

(1/354)


ويكون تأويل قوله ـ على هذا ـ: «وكذلك فافعلي في كل شهر، كما تحيض النساء ويطهرن، لميقات حيضهن وطهرهن» ؛ أي: أنك إذا حيضت نفسك ستًا أو سبعًا.. صرت بمنزلة سائر النساء اللواتي يحضن ستا أو سبعا، فذكر ذلك لها على وجه التشبية بغيرها من النساء؛ لأنه جعل عادتها كعادة غيرها.
والقول الثاني ـ في أصل المسألة ـ: أنها ترد إلى ست أو سبع، وهو إذا قلنا: إن حمنة كانت مبتدأة، وهو الأصح؛ لأنه لم ينقل: أنه سألها عن حيضها قبل ذلك، ولو كانت معتادة.. لسألها عن عادتها، وردها إليها.
فعلى هذا: يكون لها أربعة أحوال:
حيض بيقين، وهو الليلة واليوم.
وطهر بيقين؛ وهو ما زاد على خمسة عشر يومًا.
وحيض مشكوك فيه، وهو ما زاد على يوم وليلة إلى الست أو السبع.
وطهر مشكوك فيه، وهو ما زاد على الست أو السبع إلى تمام خمسة عشر يومًا.
وأما تخيير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحمنة ـ على هذا القول ـ بين الست أو السبع.. فقال أصحابنا: يحتمل تأويلين:
أحدهما: أنه خيرها في ذلك، وهو اختيار ابن الصباغ؛ لأن الست عادة غالبة في النساء، والسبع عادة غالبة فيهن، وقد روي: أنه قال لها: «فأيهما قعدت.. فلا حرج؛ لأنك لم تخرجي عن عادة النساء» .
والثاني: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شك في العادة الغالبة، فردها إلى اجتهادها في ذلك، وهو اختيار الطبري، فيكون معنى قوله: "تحيضي في علم الله تعالى". يعني: إن كانت العادة في علم الله ستًا.. فتحيضي ستًا، وإن كانت سبعًا.. فتحيضي سبعًا.
فإذا قلنا بهذا التأويل.. فهل تعتبر نساء الناس. أو نساء أهلها وأقربائها وأهل بلدها؟ فيه وجهان:
أحدهما: تعتبر نساء العالم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كما تحيض النساء". والعموم يقتضي نساء العالم.

(1/355)


والثاني: تعتبر نساء أهلها وأهل بلدها؛ لأنها أقرب إليهن.
إذا ثبت هذا: فإن حال هذه المستحاضة في الشهر الأول بالصلاة والصوم: أن تؤمر بالإمساك عن ذلك من حين رأت الدم، فإذا جاوز الدم الخمسة عشر.. فإنا نأمرها بالاغتسال وبالصلاة والصوم، وتقضي ما تركت فيه الصوم في مدة الخمسة عشر. وأما الصلاة:
فإذا قلنا: إنها ترد إلى يوم وليلة.. قضت صلاة ما زاد على يوم وليلة إلى خمسة عشر يومًا.
وإن قلنا ترد إلى ست أو سبع.. قضت صلاة ما زاد على ذلك إلى خمسة عشر يومًا.
وأما في الشهر الثاني: فإنا نأمرها بالاغتسال والصوم والصلاة، عند انقضاء اليوم والليلة ـ إذا قلنا: ترد إليه ـ أو عند انقضاء الست أو السبع ـ إذا قلنا: ترد إليه ـ لأن الظاهر أنها مستحاضة في هذا الشهر كالأول.
فإن انقطع الدم في هذا الشهر لخمسة عشر يومًا أو لدونها.. علمنا أنها إنما كانت مستحاضة في الشهر الأول دون الثاني.
فعلى هذا: يلزمها إعادة ما صامت فيه، ولا إثم عليها بفعلها الصلاة والصوم والوطء؛ لأنا قد حكمنا لها بالطهر في الظاهر. فإذا انقطع الدم لخمسة عشر يومًا.. تيقنا أنه كان حيضًا.
وإن زاد الدم في هذا الشهر على خمسة عشر يومًا.. فإنها لا تقضي ما أتت به من الصلاة بعد الخمسة عشر؛ لأنه طهر بيقين. ولا تقضي ما أتت به من الصلاة في الطهر المشكوك فيه، وهو ما بعد اليوم والليلة إلى تمام خمسة عشر يوما في أحد القولين، أو ما بعد الست أو السبع في الثاني؛ لأنها إن كانت حائضا فيه.. فلا صلاة عليها، وإن كانت طاهرا فيه.. فقد صلت.
وهل تقضي ما أتت به من الصوم؟

(1/356)


قال الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ، وعامة أصحابنا: فيه قولان، وحكاهما صاحب " المهذب " وجهين:
أحدهما: يجب عليها قضاء ذلك؛ لأنا نتيقن وجوب ذلك عليها، ونشك في سقوط ذلك عنها؛ لجواز أن تكون حائضًا فيه، فلم يسقط الفرض عنها بالشك.
والثاني: لا يجب عليها قضاؤه، وهو الصحيح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحمنة بنت جحش: «فإذا علمت أنك قد طهرت.. فصلى ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها، أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها، وصومي؛ فإنها تجزئك» . فأخبر: أن صومها يجزئها، وما أجزأها.. فلا يجب قضاؤه. هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة: (إذا استحاضت المبتدأة.. ردت إلى أكثر الحيض، وهو عشرة أيام) .
وقال أبو يوسف: يؤخذ بالصوم والصلاة بأقل الحيض. وبتحريم الوطء بأكثر الحيض.
وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثلاث روايات:
إحداهن: (ترد إلى عادة لداتها) .
والثانية: (إلى عادة نسائها، ويستظهر بعد ذلك بثلاثة أيام، ما لم يجاوز خمسة عشر يوما) .
والثالثة: (أنها تقعد خمسة عشر يوما) .
ودليلنا ـ عليهم ـ: ما مضى من القولين.

[مسألة: المستحاضة المبتدأة المميزة]
وأما المستحاضة المميزة: فهي المرأة إذا ابتدأها الحيض، وعبر الخمسة عشر، إلا أن الدم على لونين: قوي، وضعيف، بأن يكون الدم في بعض الأيام ثخينا محتدما قانيا، وفي بعضها أحمر مشرقًا.

(1/357)


فـ (المحتدم) : الحار، يقال: احتدم النهار: إذا اشتد حره.
و (القاني) : هو الذي يضرب إلى السواد من شدة حمرته.
فالقوي هاهنا: هو الأسود.
وإن رأت بعض الأيام الدم أحمر مشرقًا، وفي بعضها أصفر.. فالقوي هاهنا: هو الأحمر.
إذا ثبت هذا: فإنها لا تغتسل عند تغير صفة الدم في الشهر الأول؛ لجواز أن لا يجاوز الدم خمسة عشر يومًا، فيكون الجميع حيضًا.
فإذا جاوز الدم خمسة عشر يومًا.. علمنا أنها مستحاضة، فيكون حيضها أيام الأسود مع الأحمر، أو أيام الأحمر مع الأصفر، بشرط أن لا ينقص القوي عن أقل الحيض ولا يزيد على أكثره. وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة: (لا اعتبار بالتمييز، وإنما الاعتبار بالعادة. فإن لم يكن لها عادة.. ردت إلى أكثر الحيض) .
دليلنا: ما روي: «أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله، إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اأ: "إنما ذلك عرق، وليست بحيضة، إن دم الحيض أسود يعرف، فإذا كان ذلك.. فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر.. فتوضئي وصلي» .
وروي عن ابن عباس: أنه قال: (إن دم الحيض بحراني) .

(1/358)


و (البحراني) : الأحمر، يريد: شديد الحمرة. وقيل: إنه يخرج من قعر الرحم.
ولأنه خارج يوجب الغسل، فجاز الرجوع إلى صفته عند الإشكال، كالمني.
فإن رأت السواد أقل من يوم وليلة، أو أكثر من خمسة عشر يوما.. لم تكن مميزة؛ لأن الحيض لا ينقص عن يوم وليلة، ولا يزيد على خمسة عشر يومًا.
وإن رأت خمسة أيام دما أسود، وخمسة أيام دما أحمر، وخمسة أيام دمًا أسود، وانقطع.. فالكل حيض؛ لأنه لم يزد على أكثر الحيض، بخلاف ما لو كانت الخمس الثانية كدرة، أو صفرة على قول أبي العباس؛ لأن الأحمر أشبه بصفة دم الحيض.
إذا ثبت هذا: فإن المبتدأة إذا رأت يومًا وليلة دما أسود، ثم احمر الدم أو اصفر، وجاوز الخمسة عشر مع السواد.. فإنا نأمرها بالغسل عند انقضاء الخمسة عشر، وبالصلاة والصوم؛ لأنه لا يجوز أن يكون حيضًا، ثم نأمرها بقضاء صوم الخمسة عشر يومًا، وبقضاء صلاة ما زاد على يوم وليلة.
فإن رأت السواد في الشهر الثاني يوما وليلة، أو ثلاثا، أو أربعًا، ثم احمر الدم أو اصفر.. فإنا نأمرها بالاغتسال عند تغير الدم، وبالصلاة والصوم؛ لأن الظاهر أنها مستحاضة في هذا الشهر كالأول. فإن لم يجاوز الدم الخمسة عشر في هذا الشهر.. علمنا أن الكل حيض، وعلمنا أنها إنما استحيضت بالأول دون الثاني.

[فرع: المبتدأة المميزة]
وإن رأت خمسة أيام دما أسود، وخمسة أيام طهرًا، وعشرة أيام دمًا أحمر.. فحيضها أيام الأسود، وأما أيام الأحمر: فاستحاضة؛ لأن الدم الأحمر لو زاد مع

(1/359)


الأسود على خمسة عشر يومًا، ولم يفصل بينهما طهر.. لكان استحاضة، فإذا فصل بينهما طهر أولى.
قال أبو العباس: فإن رأت نصف يوم دمًا أسود، ونصف يوم دما أحمر، وكذلك فيما بعده، فلما كان يوم الخامس، رأت في جميعه دمًا أسود، ثم احمر الدم، وعبر الخمسة عشر يومًا.. فالدم الأحمر الذي وجد بعد الخامس استحاضة، وأما السواد في الخامس، وما قبله: فهو حيض، وأما الأحمر الذي وجد بين السواد: فهو في حكم الطهر، فيكون على قولين في التفليق.
قال أبو العباس: والأشبه هاهنا أن يكون حيضا ـ وإن كان الصحيح من القولين في الطهر الموجود بين الدمين: أنه طهر ـ لأن الأحمر هاهنا بصفة دم الحيض، فكان إلى الحيض أقرب.

[فرع: ومن صور المستحاضة غير المميزة]
وإن رأت خمسة أيام دما أحمر، ثم رأت نصف يوم دما أسود، ثم احمر الدم، وعبر الخمسة عشر.. فهذه مبتدأة، لا تمييز لها؛ لأنها لم تر السواد في يوم كامل، فيكون على القولين في المبتدأة.

[فرع: ومن صور الاستحاضة]
وإن رأت خمسة أيام دما أحمر، وخمسة أيام دما أسود؛ ثم احمر الدم، وعبر مع ما قبله الخمسة عشر.. ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن حيضها أيام السواد، وما قبله وبعده استحاضة؛ لأن السواد بصفة دم الحيض، فكان حيضًا، كما لو كان متقدمًا.
والثاني: أنها مبتدأة، لا تمييز لها؛ لأن الأحمر الأول له قوة السبق، والأسود له قوة الصفة، وما بعدهما مثل الأول في الصفة.
فعلى هذا: يكون على قولين، كالمبتدأة.

(1/360)


والثالث: أن حيضها العشر الأولى؛ لأن الأول له قوة السبق، والثاني له قوة الصفة، فتساويا، وما بعدهما استحاضة.
والأول أصح؛ لأن الصفة أقوى من الزمان.
فإن رأت خمسة أيام دمًا أحمر، وعشرة أيام دما أسود، ثم احمر الدم إلى آخر الشهر.. فعلى الوجه الأول: حيضها العشر الأسود، وما قبله وبعده استحاضة.
وعلى الثاني: لا تمييز لها، فترد إلى يوم وليلة في أحد القولين، أو إلى ست أو سبع من أول الأحمر.
وعلى الثالث: حيضها الخمس التي قبل العشر مع العشر، وما بعد العشر استحاضة.
وإن رأت خمسة أيام دما أحمر، ثم أسود الدم إلى آخر الشهر.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا تمييز لها، فترد إلى يوم وليلة في أحد القولين، أو إلى ست أو سبع في الثاني، ويجعل ابتداء ذلك من أول الأحمر؛ لأن له قوة بالسبق، ولا حكم للأسود؛ لأنه زاد على أكثر الحيض.
والثاني: أن الأسود يرفع الأحمر ـ ومعنى قولنا: (يرفعه) ، أي يسقط حكمه ـ ويكون ابتداء حيضها من أول الأسود يوما وليلة في أحد القولين، أو ستًا أو سبعًا في الآخر؛ لأنه بصفة دم الحيض. والأول أصح.
وإن رأت خمسة عشر يوما دما أحمر، وخمسة عشر يوما دما أسود، وانقطع.. فاختلف أصحابنا فيه:
فقال الشيخ أبو حامد، والمحاملي: فيه وجهان، كالتي قبلها:
أحدهما: لا تمييز لها، فحيضها من أول الدم الأحمر يوما وليلة في أحد القولين، أو ستًا أو سبعًا في الثاني.
والثاني: أن حيضها الأسود؛ لأنه لم يزد على خمسة عشر يومًا.
وقال الشيخ أبو إسحاق، وابن الصباغ: يكون حيضها الأسود وجها واحدًا.

(1/361)


[فرع: من صور المبتدأة]
فإن رأت المبتدأة ستة عشر يوما دما أحمر، ثم رأت دما أسود، وزاد على خمسة عشر يوما.. فإن أبا العباس قال: يبنى على الوجهين في الأسود إذا وجد بعد الأحمر، وزاد على خمسة عشر.. هل يرفع حكمه؟
فإن قلنا بالأول: إن الأسود لا يرفع حكم الأحمر.. فهي كالمبتدأة التي لا تمييز لها.
فإن قلنا: إن المبتدأة ترد إلى يوم وليلة.. حيضناها من أول الأحمر يوما وليلة، وجعلنا باقيه، وهو خمسة عشر يوما طهرًا، ثم حيضناها من أول الأسود حيضا آخر يوما وليلة.
وإن قلنا: إن المبتدأة ترد إلى ست أو سبع.. فإنا نحيض هذه من أول الأحمر ستًا أو سبعا، ولا يمكننا أن نحيضها من أول الأسود حيضا آخر؛ لأنه يوجد في اليوم السابع عشر، اللهم إلا أن يستمر بها الدم الأحمر إلى آخر الحادي والعشرين، أو إلى آخر الثاني والعشرين. ثم ابتدأها الأسود بعد ذلك.. فإنا نحيضها من أول الأسود حيضًا آخر؛ لأنا إذا حيضناها من أول الأحمر ستًا أو سبعا، وكان باقي الأحمر خمسة عشر يومًا، وبعده الأسود.. كان ابتداء الحيض الثاني بعد استكمال طهر صحيح بعد الحيضة الأولى. وإذا ابتدأ الأسود قبل استكمال طهر صحيح.. لم يمكن أن نجعل ابتداء الأسود حيضًا.
وإن قلنا: إن الأسود يرفع الأحمر ويبطل حكمه.. فلا حاجة بنا إلى إسقاط حكم الأحمر، بل نحيضها من أول الأحمر يومًا وليلة قولاً واحدا، ويكون باقية طهرا، وهو خمسة عشر يومًا، ثم نبتدئ لها حيضًا آخر من أول الأسود، إلا أن يستمر بها الأحمر اثنين وعشرين يوما، ثم يبتدئها الأسود.. فإن في القدر الذي نحيضها من أول الأحمر قولين:
أحدهما: يوما وليلة.

(1/362)


والثاني: ست أو سبع؛ لأنه يمكن الجمع بينهما.
قال القاضي أبو الطيب: الصحيح عندي أن نحيضها من أول الأحمر، إما يوما وليلة في أحد القولين، أو ستًا أو سبعًا في الثاني. ولا نحيضها من أول الأسود؛ لأنه قد بطلت دلالته؛ لزيادته على أكثر الحيض.
قال: وقد ناقض أبو العباس ابن سريج في هذا الفرع؛ لأنه إذا قال: إن الأسود يرفع الأحمر.. فكان ينبغي أن يحيضها من أول الأسود، ويكون الأحمر استحاضة؛ لأن معنى قولنا: (يرفعه) أي: يدل على أنه استحاضة، وقوله: (لأنه يمكن الجمع بينهما) ليس بصحيح؛ لأن المميزة لو رأت يومًا وليلة دما أسود، وباقي الشهر أحمر.. حيضناها الأسود، وكان الأحمر كله استحاضة، وإن كان يمكن أن يكون السابع عشر حيضًا، ولا يمنعه الأسود.

[مسألة: المستحاضة المعتادة غير المميزة]
مسألة: [في المستحاضة المعتادة غير المميزة] :
وأما المستحاضة المعتادة: فلا تخلو: إما أن تكون ذاكرة لوقت عادتها وعددها، أو ناسية.
فإن كانت ذاكرة.. نظرت: فإن كانت غير مميزة، بأن تكون قد ثبت لها حيض صحيح، ثم عبر الدم عادتها، وعبر على الخمسة عشر، والدم على لون واحد.. فإنها لا تغتسل في الشهر الأول عند مجاوزة الدم عادتها إن كانت عادتها دون الخمسة عشر لجواز أن تنقطع لخمسة عشر.
فإذا جاوز الدم الخمسة عشر.. علمنا أنها مستحاضة، فتغتسل عند ذلك، وتقضي

(1/363)


صلاة ما زاد على أيام عادتها. وفي الشهر الثاني تغتسل عند مجاوزة الدم أيام العادة، ويكون حيضها أيام عادتها.
وقال مالك: (لا اعتبار بالعادة) .
ودليلنا: ما روي: «أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستفتت لها أم سلمة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتدع الصلاة قدر ذلك، فإذا خلفت ذلك.. فلتغتسل، ولتستثفر بثوب وتصلي» .
فإن رأت الدم في خمسة أيام من كل شهر مرتين، ثم استحيضت في الشهر الثالث.. فإنها ترد إلى الخمس، بلا خلاف على المذهب.
وإن رأت الدم في خمسة أيام مرة، ثم استحيضت في الشهر الثاني.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا تكون معتادة؛ لأن العادة مأخوذة من العود، وذلك لا يستعمل في أقل من مرتين.
والثاني: أنها تكون معتادة، وهو الصحيح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتدع الصلاة قدر ذلك» . ولم يفرق بين أن تحيض فيه مرة أو مرتين.

(1/364)


[فرع: ثبوت العادة]
وتثبت العادة بالتمييز، كما تثبت بانقطاع الدم. فإن كانت عادتها أن ترى ثلاثة أيام أو أربعا من أول الشهر دما أسود، وباقي الشهر أحمر، فلما كان بعض الشهور رأت الدم من أوله مبهما، وجاوز الخمسة عشر.. جعل حيضها أيام السواد.
ويثبت الطهر بالعادة، كما يثبت الحيض. فإن كانت عادتها أن ترى الدم خمسة أيام من أول الشهر، وتطهر باقي الشهر، والشهر الذي بعده، فرأت في بعض الشهور الدم مناول الشهر، وعبر على خمسة عشر.. فإن شهر حيضها يكون ستين يومًا: حيضها خمسة أيام، وطهرها خمسة وخمسون يومًا.

[فرع: تلون دم المبتدأة]
فإن رأت المبتدأة دما أحمر، واتصل في شهر، ثم رأت في الشهر الثاني خمسة أيام دما أسود، ثم أحمر إلى آخر الشهر، ثم رأت الشهر الثالث دما مبهما.. فإنها في الشهر الأول: مبتدأة غير مميزة، إلى ماذا ترد؟ على قولين.
وفي الشهر الثاني: هي مميزة، فترد إلى أيام السواد.
وفي الشهر الثالث: إن قلنا: إن العادة تثبت بمرة.. كان حيضها خمسة أيام.
وإن قلنا: لا تثبت إلا بمرتين.. كانت كالمبتدأة التي لا تمييز لها، إلى ماذا ترد؟
فيه قولان.

[فرع: تغير العادة]
وقد تنتقل العادة، فتتقدم وتتأخر، وتزيد وتنقص، فترد إلى آخر ما رأت.
فإن كانت عادتها أن تحيض خمسة أيام من أول الشهر، فلما كان في بعض الشهور رأت الخمس المعتادة من أول الشهر، ثم طهرت عشرين يومًا، ثم رأت الدم في الخمس الأخيرة من الشهر وانقطع.. فهذه قد تقدمت عادتها.

(1/365)


وإن رأت الطهر في الخمسة الأولى من الشهر، ثم رأت الدم في الخمسة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، أو الخامسة، أو السادسة وانقطع.. فهذه تأخرت عادتها.
وإن رأت الدم من أول الشهر، واستمر بها إلى آخر العاشر وانقطع.. فهذه زادت عادتها.
وكذلك لو رأت الدم في خمس قبل عادتها، واستمر بها الدم إلى آخر عادتها وانقطع.. فهذه زادت عادتها.
وإن رأت الدم في ثلاثة أيام، أو أربع من أول الشهر، وانقطع.. فهذه نقصت عادتها، ولم تنتقل.
وإن رأت الدم في أيام عادتها، وفي خمس قبلها، وخمس بعدها.. فقد صار حيضها خمسة عشر يوما.
وقال أبو حنيفة: (إذا رأت الدم في خمس قبل عادتها، وفي أيام عادتها.. كان حيضها في زمان عادتها، وما قبل ذلك استحاضة وإن رأت مع عادتها خمسا بعدها.. كان الجميع حيضًا؛ لأن الذي بعد عادتها تبع لها) .
وهذا ليس بصحيح؛ لأنه دم رأته في زمان إمكانة، ولم يجاوز أكثر الحيض، فكان حيضًا، كما لو رأته بعد أيام العادة.

[فرع: أحوال العادة]
وإن كانت عادتها الخمسة الأولى من الشهر، فلما كان في بعض الشهور رأت الدم في الخمسة الأولى وانقطع، ثم رأت الدم في الخمسة الأخيرة واتصل، أو طهرت في الخمسة الأولى، ورأت الدم من أول الخمس الثانية، واتصل الدم.. ففيه وجهان:
أحدهما: أن حيضها: خمسة أيام من أول الدم؛ لأنه دم رأته في زمان إمكانه، فكان حيضًا.

(1/366)


والثاني: أن حيضها: الخمس الأولى من الشهر، وهو الصحيح؛ لأنه قد ثبتت عادتها فيها، فلا تنتقل عنها إلا بحيض صحيح، وهذا دم قد زاد على أكثر الحيض، فلم يكن له حكم.

[فرع: صور في اختلاف عادة غير المميزة]
وإن كانت عادتها أن تحيض خمسة أيام من أول الشهر، ثم رأت في شهر خمسة أيام من أوله دمًا أحمر، ثم اسود الدم إلى آخر الشهر:
فإن قلنا: إن الأسود لا يرفع الأحمر.. كان حيضها الخمسة الأولى، وهي أيام الدم الأحمر.
وإن قلنا: إن الأسود يرفع الأحمر.. كان حيضها خمسة أيام من أول الأسود، وقد انتقلت عادتها.
فإن كانت بحالها، ورأت خمسة أيام من أول الشهر دمًا أحمر، وخمسًا بعدها أسود، ثم احمر الدم، وعبر.. بنيت على الثلاثة الأوجه ـ لأبي العباس في المبتدأة ـ:
فإن قلنا: ـ في المبتدأة أن لو رأت كذلك ـ: إن حيضها أيام السواد.. كان حيضها هاهنا الخمس الثانية، وقد انتقلت عادتها.
وإن قلنا: ـ في المبتدأة أن لو رأت ذلك ـ: إنها غير مميزة.. كان حيضها هاهنا الخمس الأولى، وهي أيام عادتها.
وإن قلنا: ـ في المبتدأة ـ: إن حيضها العشر الأولى.. كان حيضها هاهنا الخمس الأولى، والخمس الثانية، وقد زادت عادتها.

(1/367)


[فرع: اختلاف عادة غير المميزة]
وإن كانت عادتها تختلف.. نظرت:
فإن كانت على نسق واحد، مثل أن كانت عادتها أن تحيض في الشهر الأول ثلاثة أيام، وفي الثاني أربعة أيام، وفي الثالث خمسة أيام، وفي الرابع ستة أيام، ثم تعود في الشهر الخامس إلى الثلاث، وفي السادس إلى أربع، وفي السابع إلى خمس، وفي الثامن إلى ست، فاستحيضت في شهر.. قيل لها: ما كانت عادتك في هذا الشهر؟
فإن قالت: ثلاثًا.. حيضناها فيه ثلاثا، وفي الذي بعده أربعا، وفي الذي بعده خمسًا، وعلى هذا على ترتيب عادتها؛ لأن ذلك قد ثبت عادة لها، هذا نقل البغداديين من أصحابنا.
وقال المسعودي [في " الإبانة " ق\43] : فيه وجهان:
أحدهما: هذا.
والثاني: ترد إلى أيام حيضها في الشهر الذي قبل شهر الاستحاضة؛ لأنا لا نقول: إن ذلك لها عادة دائرة، ولكنها منتقلة، والعادة تنتقل بمرة.
وإن قالت: عادتي على نسق، ولكني لا أدري ما كانت عادتي في هذا الشهر، ولا في الذي قبله.. حيضناها ثلاثة أيام في هذا الشهر؛ لأنه يقين، ثم نأمرها أن تغتسل في آخرها؛ لجواز أن يكون هذا وقت انقطاع حيضها، ثم تصلي اليوم الرابع، وتغتسل في آخره؛ لجواز أن يكون حيضها أربعا، ثم تصلي الخامس، فتغتسل في آخره، ثم في آخر السادس.
وإن كانت عادتها على غير نسق.. نظرت:
فإن كانت أوائل أيامها متفقة، لكنها غير دائرة، مثل أن كانت عادتها أن ترى من أول الشهر ثلاثة أيام، وفي الشهر بعده خمسًا، ثم في شهر بعده أربعا، ثم في شهر

(1/368)


بعده ستًا، ثم استحيضت.. فإن البغداديين من أصحابنا قالوا: ننظر إلى الشهر الذي قبل شهر الاستحاضة:
فإن كانت قد حاضت فيه ذلك القدر مرتين.. كان حيضها في شهر الاستحاضة ذلك القدر.
وإن لم تحض فيه إلا مرة، فإن قلنا: العادة تثبت بمرة.. كان حيضها ذلك القدر.
وإن قلنا: لا تثبت إلا بمرتين، أو كانت ناسية لحيضها في الشهر الذي قبل شهر الاستحاضة.. كان حيضها في هذا الشهر ثلاثة أيام، ثم تغتسل؛ لأنه اليقين.
وحكى المسعودي [في " الإبانة ": ق\49] ، عن المزني فيها قولين:
أحدهما: ترد إلى أقل عادتها، وهي ثلاثة أيام، ثم تغتسل في آخرها، ثم لها ما للطواهر، وعليها ما عليهن إلى آخر الشهر.
والثاني: تحيض ثلاثة أيام من أول الشهر، ثم تغتسل في آخره، وتصلي اليوم الرابع بالوضوء، ثم تغتسل في آخره، ثم كذلك في الخامس والسادس، ثم تدخل في طهر بيقين إلى آخر الشهر.
وإن اختلفت أوائلها، وأواخرها، ومقدارها، مثل: أن ترى في شهر ثلاثة أيام دمًا من أول الشهر، وفي الثاني خمسًا من آخره، ثم استحيضت، فإن كانت تحفظ أيام حيضها في الشهر الذي قبل شهر الاستحاضة، وكانت قد حاضت ذلك القدر فيه مرتين أو مرة ـ إذا قلنا: تثبت العادة بمرة ـ حيضناها ذلك القدر.
وإن كانت لا تحفظ حيضها في الشهر الذي قبل شهر الاستحاضة.. قال المسعودي [في " الإبانة " ق\49ـ50] : ففيه وجهان، بناء على القولين في المسألة قبلها:

(1/369)


أحدهما: يحكم لها بالحيض في ثلاثة أيام، ثم تغتسل في آخرها، ثم لها ما للطواهر، وعليها ما عليهن إلى آخر الشهر.
والثاني: تصلي بالوضوء ثلاثًا من أول الشهر، ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة إلى آخر الشهر.
ووجه البناء: أن جميع الشهر في حق هذه، كالخمس والأربع والست في حق تلك.

[فرع: المعتادة المميزة]
وإن كانت معتادة مميزة، بأن تكون عادتها أن تحيض خمسة أيام من أول الشهر، فلما كان في بعض الشهور رأت من أول الشهر عشرة أيام دما أسود، ثم احمر الدم إلى آخر الشهر. ففيه وجهان:
أحدهما ـ هو قول ابن خيران، والإصطخري، وأبي حنيفة ـ: (أن العادة أولى) . فيكون حيضها الخمسة الأولى؛ لأنه قد ثبتت عادتها في ذلك، فلا تنتقل عنها إلا بحيض صحيح.
والثاني ـ وهو المذهب ـ: أن التمييز أولى. فيكون حيضها هاهنا العشرة الأولى؛ لأن التمييز علامة قائمة في شهر الاستحاضة، فكان الرد إليه أولى من الرد إلى عادة قد انقضت.

[مسألة: نسيان عادة المميزة]
وإن كان لها عادة فنسيت أيام عادتها، واستحيضت. نظرت:
فإن كانت مميزة في شهر الاستحاضة:
فإن قلنا: التمييز مقدم على العادة إذا ذكرتها.. ردت هاهنا إلى التمييز.
وإن قلنا: إن العادة مقدمة على التمييز. كانت كمن لا تمييز لها.

(1/370)


[مسألة: نسيان عادة غير المميزة والمتحيرة]
وإن كانت لها عادة فنسيتها، ثم استحيضت ولا تمييز لها، فلا يخلو: إما أن تكون ناسية للوقت والعدد، أو ناسية للوقت ذاكرة للعدد، أو ناسية للعدد ذاكرة للوقت.
فإن كانت ناسية للوقت والعدد وهي المتحيرة ـ قال ابن الصباغ ويتصور وجود ذلك بأن يصيبها الجنون سنينا كثيرة، ثم أفاقت واستحيضت، ولا تذكر عدد أيام حيضها ولا وقتها ـ:
فقال الشافعي في (العدد) : (إنها تحيض من أول كل هلال يومًا وليلة) .
وقال في كتاب (الحيض) : (لا حيض لها في زمان بعينة، ويكون زمانها مشكوكًا فيه، فتغتسل لكل صلاة وتصوم، ولا يأتيها زوجها) .
واختلف أصحابنا فيها:
فمنهم من قال: هي على قول واحد، وأنه لا طهر لها ولا حيض بيقين، كما قال في كتاب (الحيض) ، وتأولوا ما ذكره في (العدد) على أنه أراد: في حكم العدة، حتى لا يحصل لها في كل شهر إلا قرء واحد.

(1/371)


وقال أكثرهم: هي على قولين:
أحدهما: أنها تحيض يومًا وليلة؛ لأنه أقل الحيض. هكذا ذكره الشيخ أبو حامد، والمحاملي، وسليم، وابن الصباغ، قالوا: وهذا يدل على ضعف هذا القول؛ إذ لم يردها إلى ست أو سبع في أحد القولين، كالمبتدأة.
وأما الشيخ أبو إسحاق، وصاحب " العدة "، والمسعودي [في " الإبانة " ق\44] فقالوا: هي ـ على هذا ـ على قولين، كالمبتدأة.
فإذا قلنا بهذا القول.. فمن أين يعتبر ابتداء ذلك؟
المنصوص ـ للشافعي في (العدد) ـ: (أن ابتداء ذلك من أول كل هلال) .
وقال أبو العباس: يحتمل وجهًا آخر، أن يقال لها: هل تذكرين ابتداء حيضك؟ فإن ذكرت ذلك.. كان ابتداء حيضها من ذلك الوقت. وإن لم تذكر ذلك.. قيل لها: أتذكرين وقتا كنت فيه طاهرًا؟ فإن ذكرت ذلك.. جعل ابتداء حيضها عقيب ذلك الوقت.
فعلى هذا: نأمرها باجتناب ما تجتنبه الحائض يومًا وليلة، أو ستًا أو سبعًا في أحد القولين في طريقة صاحب " المهذب "، ثم تغتسل بعد ذلك، وتصلي، وتصوم إلى آخر الشهر. ولا يلزمها قضاء الصلاة. وأما الصوم: فلا تقضي ما صامت بعد الخمسة عشر. وهل تقضي ما صامت بعد اليوم والليلة إلى الخمسة عشر؟ على القولين، أو الوجهين المذكورين في المبتدأة.
والقول الثاني ـ في أصل المسألة، وهو المنصوص في (الحيض) ، وهو الصحيح ـ: (أنه لا حيض لها ولا طهر لها بيقين) ؛ لأن كل وقت يمكن أن تكون فيه حائضًا، ويمكن أن تكون فيه طاهرًا، وقول الأول: نحيضها اليقين.. فليس بصحيح؛ لأنا لا نعلم ذلك الوقت من أيام الشهر.
فعلى هذا: يجعل زمانها زمان الطاهرات في إيجاب العبادات عليها، ويحرم عليها ما يحرم على الحائض، ولا يطؤها الزوج احتياطًا. وهل يجوز لها أن تصلي النوافل؟ فيه وجهان، حكاهما الشاشي.

(1/372)


وأما الصلوات المفروضة: فيجب عليها أن تصليها، ولكن يلزمها أن تغتسل لكل صلاة؛ لجواز أن يكون ذلك وقت انقطاع حيضها، وهل يلزمها قضاؤها؟
فيه وجهان:
[أحدهما] : قال الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ، وغيرهما: لا يلزمها قضاؤها؛ لأنها إن كانت طاهرة وقت الصلاة.. فقد صحت صلاتها، وإن كانت حائضًا.. فلا صلاة عليها.
و [الثاني] : قال الشيخ أبو زيد المروزي: يلزمها أن تعيد كل صلاة، وهو الأقيس؛ لأنه يحتمل أن ينقطع دمها في حال الصلاة أو بعد فراغها، وقد بقي من الوقت قدر ركعة، أو تكبيرة.. فيجب عليها إعادة تلك الصلاة. ويحتمل أيضًا: أن ينقطع دمها قبل غروب الشمس.. فيلزمها فرض الظهر والعصر، أو قبل طلوع الفجر.. فيلزمها فرض صلاة العشاء والمغرب.
فعلى هذا: يلزمها أن تعيد الظهر والعصر بعد غروب الشمس؛ لما ذكرناه.
فإن أرادت قضاءهما قبل المغرب. اغتسلت للأولى منهما، وكفاها الوضوء للثانية؛ لأنه إن كان دمها قد انقطع قبل أن تصلي الظهر لم يلزمها إعادة واحدة منهما. وإن انقطع دمها قبل الغروب.. فقد اغتسلت بعده. ثم يلزمها أن تغتسل للمغرب؛ لجواز أن ينقطع دمها في حال قضائها لها بين الصلاتين.
وإن أرادت أن تؤدي المغرب قبل قضاء الظهر والعصر.. كفاها غسل واحد لهذه الصلوات الثلاث؛ لما ذكرناه، ولكن يلزمها الوضوء لكل واحدة من الظهر والعصر. فإذا طلع الفجر.. لزمها أن تعيد المغرب والعشاء، والكلام في الغسل لهما مع الصبح على ما مضى في الظهر والعصر مع المغرب. فإذا طلعت الشمس.. لزمها أن تعيد الصبح، ويلزمها أن تغتسل له؛ لما ذكرناه.
وأما الصوم: فإنها تصوم شهر رمضان؛ لأنه لا يجوز لها أن تفطر إلا في الوقت الذي يتيقن حيضها فيه، وليس لها وقت يتيقن حيضها فيه، فإذا صامت رمضان:
قال الشيخ أبو حامد، والمحاملي، وأبو علي في " الإفصاح ": يصح لها منه

(1/373)


خمسة عشر يوما؛ لأن ذلك أقل الطهر، ويبقى عليها منه خمسة عشر يومًا.
وقال الشيخ أبو زيد المروزي: هذا إذا عرفت أن انقطاع دمها كان ليلا.. فإنه لا يفسد عليها من الصوم إلا خمسة عشر يومًا، فأما إذا لم تعرف متى كان ينقطع دمها، أو عرفت أن دمها كان ينقطع نهارًا، فإنها إذا صامت شهر رمضان وكان تامًا.. لم يصح لها منه إلا أربعة عشر يومًا ـ ولم يذكر في " المهذب " و" الشامل " غير هذا ـ لأنه يجوز أن يكون حيضها أكثر الحيض، وهو خمسة عشر يوما، ويجوز أن يكون ابتداء ذلك من بعض اليوم الأول من الشهر.. فيفسد عليها صوم ذلك اليوم؛ لوجود الحيض في آخره. ثم تنتهي مدة الحيض إلى مثل ذلك الوقت من اليوم السادس عشر.. فيفسد عليها صوم ستة عشر يومًا، ويبقى لها أربعة عشر يومًا.
فإذا أرادت قضاء ذلك..صامت ثلاثين يومًا متوالية، وصح لها منها أربعة عشر يومًا؛ لما ذكرناه في شهر رمضان. ويبقى عليها قضاء يومين.
وإن كان شهر رمضان الذي صامه الناس ناقصًا فصامته، وصامت بعده ثلاثين يومًا.. فقال الشيخ أبو إسحاق في " المهذب ": بقي عليها قضاء يوم.
فقال بعض أصحابنا: بل يجب على هذا التنزيل أن يبقى عليها قضاء يومين؛ لأن الناقص تسعة وعشرون يومًا، وإذا صامته.. فسد عليها صوم ستة عشر يوما، وصح لها ثلاثة عشر يومًا فإذا صامت بعده ثلاثين يوما..صح لها منه أربعة عشر يومًا، فذلك سبعة وعشرون يومًا، فيبقى عليها من الشهر الذي صامه الناس يومان.
وما قاله هذا القائل ليس بصحيح؛ لأن الله تعالى أجرى العادة أن الشهر لا يخلو من طهر صحيح، سواء كان متفرقًا أو متتابعًا، ولهذا قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن إحداكن

(1/374)


تمكث شطر دهرها لا تصلي» . والشهر يقع على ما بين الهلالين، فإذا كان ناقصا.. لم يجز أن ينقص طهرها فيه عن أقله، وهو خمسة عشر، ويجوز أن ينقص الحيض فيه عن أكثره. فإذا كان كذلك.. كان حيضها من الناقص أربعة عشر يومًا، لكن يفسد عليها في الصوم خمسة عشر يومًا؛ لجواز تفرق الحيض في يوم، ويصبح لها منه صوم أربعة عشر يومًا، كالتام. فإذا صامت بعد ذلك ثلاثين يومًا.. صح لها صوم أربعة عشر يومًا، وبقي عليها صوم يوم.
إذا ثبت هذا: وأرادت قضاء صوم هذا اليوم، أو كان عليها صوم يوم عن نذر.. فإن الشيخ أبا حامد، ومن قال بطريقته، قال: يمكنها ذلك، بأن تصوم يومين بينهما أربعة عشر يومًا.
وهذا صحيح إذا علمت أن دمها كان ينقطع ليلاً. فأما إذا علمت أن دمها كان ينقطع نهارًا، أو لم تعلم متى كان ينقطع.. فلا يصح لها صوم يوم من هذا القدر، لجواز أن يبتدئها الحيض في بعض اليوم الأول، ثم ينتهي إلى مثل ذلك الوقت من اليوم السادس عشر، فيفسد عليها صوم اليومين.
فعلى هذا: هي بالخيار في قضاء اليوم بين ثلاثة أشياء:
إن شاءت صامت ثلاثة أيام، في كل عشرة أيام يومًا.
وإن شاءت صامت أربعة أيام من سبعة عشر يومًا: يومين في أولها، ويومين في آخرها؛ لأنه إن كان بدأ بها الحيض في بعض اليوم الأول.. كان انتهاؤه يوم السادس عشر، فيصح لها السابع عشر.
وإن كان ابتدأها في بعض الثاني من الشهر.. انتهى إلى بعض السابع عشر، فيصح لها اليوم الأول.
وإن بدأ بها بعض اليوم السادس عشر من الشهر الذي قبل الشهر الذي صامت فيه هذه الأيام.. انتهى حيضها إلى بعض اليوم الأول من الشهر الذي صامت فيه هذه الأيام، ولم يصح لها منه إلا الثاني.

(1/375)


وإن ابتدأها الحيض من بعض اليوم السابع عشر من الشهر الذي قبل شهر القضاء.. كان انتهاؤه إلى اليوم الثاني من شهر القضاء، وصح لها صوم السادس عشر.
وإن شاءت قضت صوم اليوم بصوم ثلاثة أيام من سبعة عشر يومًا، لكنها تصوم اليوم الأول، ثم تصوم يومًا من الثالث إلى الخامس عشر، أي يوم شاءت منها، بشرط أن لا تصومه في اليوم الثاني، ولا في السادس عشر، ثم تصوم الثالث يوم السابع عشر، فيصح لها قضاء اليوم، لأن حيضها إن كان ابتداؤه من بعض اليوم الأول من شهر القضاء.. كان انتهاؤه بعض السادس عشر، فيصح لها صوم السابع عشر.
وإن كان ابتداؤها من بعض الثاني منه.. كان انتهاؤه بعض السابع عشر، فصح لها منه صوم اليوم الأول.
وإن كان ابتداء حيضها من يوم السادس عشر من الشهر الذي كان قبل شهر القضاء.. كان انتهاؤه إلى بعض اليوم الأول من شهر القضاء، وصح لها اليوم الأوسط، وفسد عليها السابع عشر من شهر القضاء؛ لأنها تكون فيه حائضًا أيضًا.
وإن كان ابتداء حيضها من بعض اليوم السابع عشر من الشهر الذي قبل شهر القضاء.. كان انتهاؤه إلى بعض الثاني من شهر القضاء، وصح لها الأوسط، فكان ابتداء حيضها من شهر القضاء كالذي قبله أيضًا.
وإن أرادت أن تقضي صوم اليومين عليها في الشهر التام، أو لزمها صوم يومين بنذر.. فهي بالخيار:
إن شاءت صامت ستة أيام من ثمانية عشر يومًا، ثلاثًا في أولها، وثلاثًا في آخرها.
وإن شاءت صامت أربعًا في أولها، ويومين في آخرها.
وإن شاءت صامت يومين في أولها، وأربعًا في آخرها.
وإن شاءت صامت يومين في أولها، ويومين في وسطها، ويومين في آخرها؛ لأنك على أي تنزيل نزلت.. فإنه يصح لها صوم اليومين.

(1/376)


وإن لزمها صوم ثلاثة أيام.. صامت ثمانية أيام من تسعة عشر يوما، على ما ذكرناه في قضاء اليومين، وعلى هذا التنزيل.

[فرع: طواف المتحيرة]
وإن لزمها طواف، وأرادت أن تؤديه، أو كان عليها صلاة فرض، فأرادت أن تقضيها.. فهي بالخيار بين ثلاثة أشياء:
إن شاءت طافت ثلاث مرات، في كل عشرة أيام طوافًا.
وإن شاءت طافت أربع مرات، فتطوف في اليوم الأول طوافًا، ثم تطوف بعد فراغها منه طوافًا آخر، ثم تترك خمسة عشر يومًا، ابتداؤها من ابتداء الطواف الثاني من الأول، ثم تطوف طوافًا ثالثا، ثم تفرغ منه آخر هذه الخمسة عشر، ثم تطوف عقيبه طوافًا رابعًا.
وإن شاءت طافت ثلاث مرات، فتطوف طوافًا، ثم تترك من بعد فراغها منه خمسة عشر يومًا، ثم تطوف في وسط الخمسة عشر طوافًا ثانيًا، بشرط أن تترك منه ـ مثل أول الخمسة عشر ـ ساعة بقدر الطواف، ومن آخرها مثل ذلك لا تطوف الطواف الثاني فيه، ثم تطوف الطواف الثالث عقيب خمسة عشر يومًا؛ لأنك على أي تنزيل نزلت.. صح لها الطواف.
فإذا فرغت من الطواف.. فهل تفتقر إلى إعادة الوضوء لركعتي الطواف؟
إن قلنا: إنهما واجبتان.. افتقرت إلى وضوء ثان لهما.
وإن قلنا: إنهما سنتان.. كفاها لهما الغسل للطواف.

(1/377)


فأما إعادة الغسل لهما: فلا يجب قولا واحدًا؛ لأن الطواف إن صح.. فلا يكون عقيبه توهم انقطاع الحيض، فتحتاج إلى الاغتسال له.
وإن لم يصح الطواف؛ لوقوعه في الحيض.. فلا حاجة بها إلى الركعتين.

[مسألة: الناسية لوقت حيضها الذاكرة لعدده]
] : وإن كانت ناسية لوقت الحيض، ذاكرة لعدد أيامه.. نظرت ـ في الأيام المنسية ـ:
فإن كانت مثل نصف الأيام المنسي منها، أو أقل.. فلا حيض لها بيقين.
وإن كانت أزيد من نصفها بيوم.. فلها فيها يومان: حيض بيقين.
وإن كانت أكثر من نصفها بيومين.. فلها فيها أربعة أيام حيض بيقين.
وإن كانت أزيد من نصفها بثلاث.. فلها فيها ستة أيام حيض بيقين. وعلى هذا التنزيل.
فكل زمان تيقنا فيه حيضها.. لزمها أحكام الحيض فيه.
وكل زمان تيقنا فيه طهرها.. وجب عليها فيه ما يجب على الطاهر، وأبيح لها ما يباح للطاهر.
وكل زمان شككنا في طهرها.. حرمنا عليها ما يحرم على الحائض، وأوجبنا عليها ما يجب على الطاهر احتياطًا، وأوجبنا فيه الوضوء لكل صلاة.
وكل زمان جوزنا انقطاع الدم فيه.. أوجبنا عليها فيه الغسل.
فإذا قالت: كان حيضي عشرة أيام من هذا الشهر، لا أعلم وقتها.. فهذه ليس لها في الشهر حيض ولا طهر بيقين؛ لأن عدد الأيام المنسية لا تزيد على نصف عدد الأيام المنسي فيها، فيجب عليها ما يجب على الطاهر، ويحرم عليها ما يحرم على الحائض احتياطًا، إلا أنها تتوضأ لكل صلاة في العشر الأولى؛ لأنه لا يحتمل أن ينقطع فيها الدم، ثم تغتسل عقيبها؛ لجواز أن يكون ذلك وقت انقطاع حيضها. فإن علمت وقتًا من اليوم كان ينقطع دمها فيه.. اغتسلت فيه دون غيره، وإن لم تعلم ذلك.. لزمها أن

(1/378)


تغتسل لكل صلاة. ولا يلزمها أن تعيد الصلاة في العشر الأولى؛ لأنه يحتمل أن ينقطع فيها الدم.
وأما فيما بعدها: فيأتي على قياس ما قاله الشيخ أبو زيد: أن تعيد كل صلاة ـ على ما مضى في المتحيرة ـ لأنه يجوز أن ينقطع دمها بعد الصلاة.
وإذا صامت رمضان.. فسد عليها أحد عشر يومًا، إذا لم تعلم متى كان ينقطع حيضها، أو علمت أنه كان ينقطع نهارًا. وإن علمت أنه كان ينقطع ليلاً.. لم يفسد عليها إلا صوم عشرة أيام، كما ذكرنا في المتحيرة.
وإن قالت: كان حيضي إحدى عشرات الشهر.. فليس لها حيض ولا طهر بيقين فتصلي جميع الشهر، وتتوضأ لكل صلاة، ولا يلزمها الاغتسال إلا في آخر كل عشر من عشرات الشهر؛ لأنه يحتمل أن ينقطع فيه الدم دون غيره.
وإن قالت: كان حيضي ثلاثة أيام من العشر الأولى، أو أربعًا، أو خمسًا.. فهذه ليس لها حيض ولا طهر بيقين في العشر الأولى؛ لأن عدد الأيام المنسية لا تزيد على نصف المنسي منها. فتتوضأ لكل صلاة في الأيام المنسية من العشر؛ لأنه لا يحتمل أن ينقطع فيها الدم. وتغتسل بعدها لكل صلاة إلى آخر العشر؛ لجواز أن يكون ذلك وقت انقطاع الحيض، إلا أن تعلم وقتًا من اليوم كان ينقطع فيه الدم.. فتغتسل فيه دون غيره. فإذا مضت العشر الأولى.. دخلت في طهر بيقين، تتوضأ لكل صلاة إلى آخر الشهر.
وإن قالت: كان حيضي ستة أيام من العشر الأولى.. فإنها في أربعة أيام من أول العشر الأولى في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل أن ينقطع فيها الدم، فتتوضأ لكل صلاة. وفي اليوم الخامس والسادس في حيض بيقين؛ لأنك على أي تنزيل نزلت.. لم يخرجا عن الحيض، فتترك فيهما ما تترك الحائض، ثم تغتسل في آخر السادس، ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخر العشر.
وإن قالت: كان حيضي سبعة أيام من العشر الأولى.. فهي في ثلاثة أيام من أول العشر في طهر مشكوك فيه، فتتوضأ فيها لكل صلاة. ومن الرابع إلى آخر السابع في

(1/379)


حيض بيقين، فتغتسل في آخر السابع إلى آخر العشر لكل صلاة؛ لجواز انقطاع الدم فيه.
وإن قالت: كان حيضي ثمانية أيام من العشر الأولى.. فاليومان الأولان في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيهما لكل صلاة، وتدخل من أول الثالث إلى آخر الثامن في حيض بيقين، ومن آخر الثامن إلى آخر العاشر في طهر مشكوك فيه، يحتمل انقطاع الدم فيه، فتغتسل فيهما لكل صلاة.
وإن قالت: كان حيضي تسعة أيام من العشر الأولى.. فاليوم الأول منها في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة. ومن آخر الأول إلى آخر التاسع، في حيض بيقين، فتغتسل في آخر التاسع، وفي العاشر لكل صلاة.
إذا ثبت هذا: فذكر في " المهذب ": إذا قالت: كان حيضي ثلاثة أيام، أو أربعة أيام من العشر الأولى.. فليس لها حيض ولا طهر بيقين في هذه العشر، ثم قال: وعلى هذا التنزيل في الخمس، والست، والسبع، والثمان، والتسع.
فحمل بعض أصحابنا كلامه هذا على أنه أراد: إذا قالت: كان حيضي ستة أيام، أو سبعًا أو ثمانيًا، أو تسعًا من العشر.. فإنه لا حيض لها بيقين. وأخطأ من حمل كلامه على هذا؛ لأنه أجل قدرًا من أن يذهب عليه هذا ـ وأنها إذا قالت: كان حيضي تسعة أيام في العشر الأولى.. لا حيض لها قبلها بيقين ـ بل يحمل كلامه على أنه أراد: إذا قالت: كان حيضي في الخمس، أو الست، أو السبع، أو الثمان، أو التسع أيامًا، لا تزيد على نصفها.. فإنه لا حيض لها فيها بيقين؛ لأنه عطف ذلك على من قالت: كان حيضي ثلاثًا، أو أربعا في العشر.

(1/380)


[فرع: تيقن الطهر أثناء الشهر]
] : وإن علمت بيقين الطهر في بعض الشهر، بأن قالت: كان حيضي عشرة أيام من الشهر، لا أعلم موضعها، إلا أني أعلم أني كنت طاهرًا في العشر الأولى.. فإنها في العشر الأولى في طهر بيقين. وفي العشر الثانية في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل أن ينقطع فيها الدم، فتتوضأ فيها لكل صلاة. وفي العشر الثالثة في طهر مشكوك فيه، يحتمل انقطاع الدم فيها، فتغتسل فيها لكل صلاة.
وهكذا إن قالت: كنت أحيض عشرا من الشهر، لا أعلم وقتها، إلا أني كنت طاهرًا في العشر الأخيرة.. فهي في العشر الأولى في طهر مشكوك فيه، فتتوضأ فيها لكل صلاة. وفي العشر الثانية في طهر مشكوك فيه، ويحتمل انقطاع الدم فيها، فتغتسل فيها لكل صلاة. وفي العشر الأخيرة في طهر بيقين.
وإن قالت: كان حيضي خمسة أيام من العشر الأولى، وكنت في اليوم الأول من الشهر طاهرًا.. فهي في اليوم الأول في طهر بيقين. وقد زاد عدد الأيام المنسية هاهنا على نصف الأيام المنسي فيها بنصف يوم، فيكون لها فيها حيض بيقين يومًا.
فعلى هذا: هي في اليوم الأول في طهر بيقين. ومن الثاني من الشهر إلى آخر الخامس في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة. وفي السادس في حيض بيقين. وتغتسل من آخر السادس إلى آخر العشر لكل صلاة لجواز انقطاع الدم فيه.
وإن قالت: كان حيضي خمسة أيام من العشر الأولى، وكنت طاهرا في اليوم الثاني من الشهر.. فلا يجوز لها أن تكون حائضًا في اليوم الأول أيضًا، فتكون طاهرا في اليومين الأولين، وتصير كما لو قالت: كان حيضي خمسة أيام من ثمانية أيام، فيكون لها يومان حيضًا بيقين؛ لأن عدد الأيام المنسية زاد على نصف المنسي منها بيوم،

(1/381)


فتكون في الثالث، والرابع، والخامس، في طهر مشكوك فيه لا يحتمل أن ينقطع فيها الدم، فتتوضأ فيها لكل صلاة. وفي السادس والسابع في حيض بيقين. وتغتسل في آخر السابع، وفيما بقي من العشر لكل صلاة؛ لجواز انقطاع الدم فيها.
وإن قالت: كان حيضي خمسة أيام من العشر الأولى، وكنت طاهرا في اليوم الرابع منها.. فإنها في طهر بيقين من أول الشهر إلى آخر الرابع. وفي اليوم الخامس في طهر مشكوك فيه لا يحتمل انقطاع الدم، فتتوضأ فيه لكل صلاة. ومن السادس إلى آخر التاسع في حيض بيقين، فتغتسل في آخره إلى آخر العاشر لكل صلاة؛ لأنه طهر مشكوك فيه، يحتمل انقطاع الدم فيه.
وإن قالت: كان حيضي عشرة أيام من الشهر، لا أعلم وقتها، إلا أني كنت أعلم أني كنت طاهرا في السادس من الشهر. أو تيقنت طهرها في اليوم العاشر، أو فيما بينهما.. فإنها تكون في طهر بيقين من أول الشهر إلى آخر اليوم الذي تيقنت طهرها فيه من العشر؛ لأنه لا يجوز أن تكون حائضًا في ذلك. وتصير كما لو قالت: كان حيضي عشرة أيام مما بقي من الشهر.. فلا حيض لها فيها ولا طهر بيقين؛ لأنه لا يزيد عدد الأيام المنسية على نصف المنسي منها، فتصلي عشرة أيام من أول ما بقي من الشهر بالوضوء، وتغتسل بعد ذلك لكل صلاة إلى آخر الشهر.
وإن قالت: كان حيضي عشرة أيام من الشهر، وأعلم أني كنت طاهرًا يوم الحادي عشر.. فليس لها حيض ولا طهر بيقين في العشر الأولى، بل يحتمل أن تكون حائضًا فيها، ويحتمل أن تكون فيها طاهرًا، فتتوضأ فيها لكل صلاة، وتغتسل في آخرها، لجواز انقطاع الدم فيها. وفي اليوم الحادي عشر في طهر بيقين. ومن أول الثاني عشر إلى آخر الحادي والعشرين في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيها لكل صلاة. وتغتسل من آخر الحادي والعشرين إلى آخر الشهر لكل صلاة، لأنه طهر مشكوك فيه، يحتمل انقطاع الدم فيه.
وإن قالت: كان حيضي خمسة أيام من الشهر، لا أعلم موضعها، إلا أني أعلم أني كنت طاهرًا في الخمس الأخيرة من الشهر، وأعلم أن لي طهرًا صحيحًا غيرها.. فإنه يحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الأولى، والباقي من الشهر طهرًا. ويحتمل

(1/382)


أن يكون حيضها في الخمس الثانيه، والباقي طهرًا، ولا يحتمل أن يكون حيضها في الخمس الثالثه؛ لأن قبلها أقل من الطهر، وبعدها أقل من الطهر غير الخمس الأخيرة. ويحتمل أيضًا أن يكون حيضها في الخمسة الرابعة. ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الخامسة. فتكون في الخمس الأولى في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل أن ينقطع فيه الدم، فتتوضأ فيها لكل صلاة، وتغتسل في آخرها.
وفي الخمس الثانية تغتسل لكل صلاة؛ لأنها في طهر مشكوك فيه، يحتمل أن ينقطع فيها الدم. وفي الخمس الثالثة في طهر بيقين. وفي الخمس الرابعة في طهر مشكوك فيه، فتتوضأ فيها لكل صلاة؛ لأنه لا يحتمل انقطاع الدم فيها. وفي الخمس الخامسة في طهر مشكوك فيه، يحتمل انقطاع الدم فيها فتغتسل فيها لكل صلاة. وفي الخمس الأخيرة في طهر بيقين.
وإن قالت: كان حيضي خمسة عشر يومًا من الشهر، وكنت في الثاني عشر طاهرًا.. فهي من أول الشهر إلى آخر الثاني عشر في طهر بيقين، فتتوضأ فيه لكل صلاة.
وفي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة.
ومن السادس عشر إلى آخر السابع والعشرين في حيض بيقين. وفي الثلاث الأخر من الشهر في طهر مشكوك فيه، يحتمل أن ينقطع فيها الدم، فيها لكل صلاة.

[فرع: تيقنت العدد وعينت يومًا من الحيض]
وإن علمت يقين الحيض في وقت من الشهر، بأن قالت: كان حيضي عشرة أيام من الشهر، لا أعلم موضعها، غير أني أعلم أني كنت حائضًا في اليوم السادس من الشهر.. فيحتمل أن يكون ابتداء حيضها من أول يوم من الشهر، وآخره العاشر. ويحتمل بأن يكون ابتداؤه من السادس، وآخره يوم الخامس عشر. ويحتمل بأن يكون ابتداؤه ما بين اليوم من الشهر والسادس. ولا يحتمل ابتداؤه في غير ذلك.

(1/383)


فتكون من أول يوم من الشهر إلى آخر الخامس في طهر مشكوك فيه، ولا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ لكل صلاة.
ومن أول السادس إلى آخر العاشر في حيض بيقين، ثم تغتسل في آخره، وفيما بعده إلى آخر الخامس عشر؛ لأنه طهر مشكوك فيه يحتمل انقطاع الدم فيه. ومن السادس عشر إلى آخر الشهر في طهر بيقين.
وإن قالت: كان حيضي عشرة أيام من الشهر، وكنت حائضًا في اليوم العاشر.. فإنها من أول الشهر إلى آخر التاسع في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل أن ينقطع فيه الدم، فتتوضأ فيه لكل صلاة. وفي اليوم العاشر في حيض بيقين. ومن الحادي عشر إلى آخر التاسع عشر في طهر مشكوك فيه، يحتمل أن ينقطع فيه الدم، فتغتسل فيه لكل صلاة. ومن أوائل العشرين إلى آخر الشهر في طهر بيقين.
وإن قالت: كان حيضي عشرة أيام من الشهر، وكنت حائضًا في اليوم الثاني عشر من الشهر.. فإنها في اليومين الأولين من الشهر في طهر بيقين.
ومن الثالث إلى آخر الحادي عشر في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه فتتوضأ فيه لكل صلاة. وفي الثاني عشر في حيض بيقين.
ومن الثالث عشر إلى آخر الحادي والعشرين في طهر مشكوك فيه، ويحتمل انقطاع الدم فيه، فتغتسل فيها لكل صلاة. وبعد ذلك في طهر بيقين إلى آخر الشهر.
وإن قالت: كان حيضي عشرة أيام من الشهر، وكنت في الثاني عشر حائضًا، ولي طهر صحيح في الشهر.. فإنها في اليومين الأولين من الشهر في طهر بيقين. ومن الثالث إلى آخر الخامس في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة.
ومن أول السادس إلى آخر الثاني عشر في حيض بيقين. ومن الثالث عشر إلى آخر الخامس عشر في طهر مسكوك فيه، يحتمل انقطاع الدم فيه، فتغتسل فيه لكل صلاة. ومن أول السادس عشر إلى آخر الشهر في طهر بيقين.

(1/384)


[فرع: من لها حيضان في شهر]
] : وإن قالت: كان لي في كل شهر حيضتان، لا أعلم قدريهما، ولا وقتيهما.. ففيه وجهان:
[الأول] : قال الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ، وأكثر أصحابنا: لا يحصل لها في الشهر حيضتان، إلا إن كان بينهما طهر كامل.
وأقل ما يحتمل أن يكون حيضها يومًا وليلة من أول الشهر، ويومًا وليلة من آخره، ويكون ما بينهما طهر.
وأكثر ما يحتمل أن يكون حيضها يومًا وليلة من أول الشهر، وبعده خمسة عشر يوما طهرًا، وأربعة عشر يوما من آخره حيضًا. أو أربعة عشر يومًا من أوله حيضًا، وبعده خمسة عشر يومًا طهرًا، ويومًا وليلة من آخره حيضًا. ويحتمل ما بين ذلك.
فعلى هذا: هي في يوم وليلة من أول الشهر في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة. ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة إلى آخر الرابع عشر، لأنه طهر مشكوك فيه، يحتمل انقطاع الدم فيه. وفي الخامس عشر والسادس عشر في طهر بيقين. وفي اليوم السابع عشر في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة. ثم بعد ذلك تحصل في طهر مشكوك فيه إلى آخر الشهر، يحتمل انقطاع الدم فيه، فتغتسل فيه لكل صلاة.
و [الثاني] : قال القاضي أبو الطيب: هي كالمتحيرة الناسية لأيام حيضها ووقته ـ على ما مضى ـ لأنا إذا نزلنا هذا التنزيل في شهر.. لم يمكنا ذلك في الشهر الثاني.

(1/385)


[فرع: من حيضها خمسة أيام في الشهر]
] : وإن قالت: كان حيضي خمسة أيام من الشهر، لا أعلم وقتها غير أني أعلم أني إذا كنت يوم السادس طاهرًا، كنت في اليوم السادس والعشرين حائضًا. وإن كنت في اليوم السادس من الشهر حائضًا، كنت في اليوم السادس والعشرين طاهرًا.
وتحقيق هذا: أني كنت حائضًا، في أحد هذين اليومين، ولا يحصل لي الحيض، ولا الطهر فيهما معًا.
فإن كانت حائضًا في اليوم السادس.. احتمل أن يكون ابتداؤه من اليوم الثاني من الشهر، وآخره السادس. ويحتمل أن يكون ابتداؤه من السادس، وآخره العاشر. ويحتمل أن يكون ابتداؤه ما بين اليوم الثاني والسادس.
وإن كانت حائضًا يوم السادس والعشرين.. احتمل أن يكون ابتداء حيضها من اليوم الثاني والعشرين، وآخره يوم السادس والعشرين. ويحتمل أن يكون ابتداؤه يوم السادس والعشرين، وآخره يوم الثلاثين. ويحتمل أن يكون ابتداؤه ما بين اليوم الثاني والعشرين، والسادس والعشرين. فلا يكون لها في هذا الشهر حيض بيقين.
فعلى هذا: تكون في اليوم الأول من الشهر في طهر بيقين. ومن الثاني إلى آخر السادس في طهر مشكوك فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة؛ لأنه لا يحتمل انقطاع الدم فيه، وتغتسل في آخر السادس؛ لجواز انقطاع الدم فيه. ثم تغتسل من السابع إلى آخر العاشر؛ لأنه طهر مشكوك فيه، يحتمل انقطاع الدم فيه. ومن الحادي عشر إلى آخر الحادي والعشرين في طهر بيقين، فتتوضأ فيه لكل صلاة. ومن الثاني والعشرين إلى آخر السادس والعشرين في طهر مشكوك فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة؛ لأنه لا يحتمل انقطاع الدم فيه. وتغتسل من آخر السادس والعشرين إلى آخر الشهر لكل صلاة؛ لأنه طهر مشكوك فيه، يحتمل انقطاع الدم فيه.
وإن قالت: كنت أحيض خمسة أيام من العشر الأولى لا أعلم وقتها، إلا أني كنت في اليوم الثاني من الشهر طاهرًا، وفي اليوم الخامس حائضًا. فإنها في اليومين

(1/386)


الأولين من الشهر في طهر بيقين. وفي الثالث والرابع في طهر مشكوك فيه، فتتوضأ فيهما لكل صلاة؛ لأنه لا يحتمل انقطاع الدم فيه. وفي اليوم الخامس والسادس والسابع في حيض بيقين. وفي الثامن والتاسع في طهر مشكوك فيه، يحتمل انقطاع الدم فيه، فتغتسل فيه لكل صلاة. ومن العاشر إلى آخر الشهر في طهر بيقين.

[فرع: المعتادة غير المميزة الناسية للعدد لا الوقت]
] : وإن كانت ناسية لعدد أيام الحيض، ذاكرة لوقته.. نظرت: فإن كانت ذاكرة لوقت ابتدائه، بأن قالت: كان ابتداء حيضي أول الشهر، ولا أعلم عدده.. فإنا نحيضها يوما وليلة من أول الشهر؛ لأنه اليقين، ثم نأمرها بالاغتسال لكل صلاة إلى آخر الخامس عشر؛ لأنه طهر مشكوك فيه، ويحتمل انقطاع الدم فيه. وفي النصف الأخير من الشهر هي في طهر بيقين.
وإن كانت ذاكرة لوقت انقطاع الدم، بأن قالت: كان حيضي ينقطع آخر ساعة من الشهر.. فإنها في النصف الأول من الشهر في طهر بيقين، ومن أول السادس عشر إلى آخر التاسع والعشرين في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة. وفي يوم وليلة من آخر الشهر في حيض بيقين.

[فرع: خلط أحد النصفين بيوم أو أكثر]
] : وإن قالت: كان حيضي خمسة عشر يومًا من الشهر، وكنت أخلط أحد النصفين بالآخر بيوم، ولا أخلط بأكثر منه.
فتحقيق هذا: أن الحيض أربعة عشر يومًا من أحد النصفين، ويوم وليلة من أحدهما، ولكن وقع شكها: هل الأربعة عشر من النصف الأول، واليوم والليلة من النصف الثاني. أو اليوم والليلة من الأول، والأربعة عشر من الثاني؟ فيحتمل أن تكون الأربعة عشر من النصف الأول، فيكون ابتداء حيضها من اليوم الثاني من الشهر، وآخره السادس عشر. ويحتمل أن تكون الأربعة عشر من النصف الثاني، فيكون ابتداء حيضها من اليوم الخامس عشر، وآخره التاسع والعشرون.

(1/387)


فاليوم الأول والآخر من الشهر طهر بيقين. ومن اليوم الثاني إلى آخر الرابع عشر طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة. والخامس عشر والسادس عشر حيض بيقين، فتغتسل في آخر السادس عشر؛ لجواز أن تكون الأربعة عشر من النصف الأول، واليوم والليلة من النصف الثاني، فيكون هذا وقت انقطاع حيضها. ومن السابع عشر إلى آخر التاسع والعشرين في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل فيه انقطاع الدم. فإذا انتهى التاسع والعشرون.. اغتسلت في آخره؛ لجواز أن تكون يكون اليوم والليلة من النصف الأول، والأربعة عشر من النصف الثاني، فيكون هذا وقت انقطاع الحيض.
وإن قالت: كنت أحيض خمسة عشر يومًا من الشهر، وأخلط أحد النصفين بالآخر بيومين، ولا أدري: هل اليومان من النصف الأول، أو من الثاني؟
فهي في اليومين الأولين والآخرين من الشهر في طهر بيقين. أما الثالث إلى آخر الثالث عشر في طهر مشكوك فيه لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة. ومن الرابع عشر إلى آخر السابع عشر في حيض بيقين، فتغتسل في آخر السابع عشر. ثم تحصل في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه إلى الثامن والعشرين، وتغتسل في آخر الثامن والعشرين.
وإن قالت: كان حيضي أربعة عشر يومًا من الشهر، وكنت أخلط أحد النصفين بالآخر بيوم، ولا أدري: أن اليوم من النصف الأول، أو من الثاني؟ فيحتمل أن يكون ابتداء حيضها من اليوم الثالث، وآخره السادس عشر. ويحتمل أن يكون ابتداؤه من اليوم الخامس عشر، وآخره الثامن والعشرين.
فهي في اليومين الأولين والآخرين من الشهر في طهر بيقين. ومن الثالث إلى آخر الرابع عشر في طهر مشكوك فيه لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة. وفي الخامس عشر والسادس عشر في حيض بيقين، فتغتسل في آخره. ومن السابع عشر إلى آخر الثامن والعشرين في طهر مشكوك فيه، ولا يحتمل أن ينقطع الدم فيه، إلا في آخر الثامن والعشرين، فتغتسل فيه، وتتوضأ في غيره.

(1/388)


وإن قالت: كان حيضي ثلاثة أيام من الشهر، وأخلط أحد النصفين بالآخر بيوم.. فيحتمل أن يكون ابتداء حيضها من الرابع عشر، وآخره السادس عشر. ويحتمل أن يكون ابتداؤه من الخامس عشر، وآخره السابع عشر.
فهي من أول الشهر إلى آخر الثالث عشر في طهر بيقين. وفي الرابع عشر في طهر مشكوك فيه لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة. والخامس عشر والسادس عشر حيض بيقين، فتغتسل في آخره. وفي السابع عشر في طهر مشكوك فيه، ويحتمل انقطاع الدم في آخره، فتتوضأ فيه لكل صلاة، وتغتسل في آخره. ثم تدخل في طهر بيقين إلى آخر الشهر.
وإن قالت: كان حيضي خمسة عشر يومًا من الشهر، وكنت أخلط أحد النصفين بالآخر بيوم، وأشك: هل كنت أخلط بأكثر؟
فحكمها حكم من تيقنت الخلط بيوم غير، في يقين الطهر والحيض، إلا في شيء واحد، وهو: أن هذه يلزمها أن تغتسل بعد السادس عشر لكل صلاة إلى آخر التاسع والعشرين؛ لجواز أن يكون الخلط بأكثر من يوم.

[فرع: الخلط بجزء من يوم]
] : وإن قالت: كنت أحيض خمسة عشر يومًا من الشهر، وكنت أخلط أحد النصفين بالآخر بجزء، ولا أدري: هل كان الجزء من النصف الأول، أو من الثاني؟ ولا أخلط بأكثر من ذلك.. فيحتمل أن يكون الجزء من النصف الأخير، فيكون ابتداء الحيض بعد مضي جزء من الليلة التي يرى فيها الهلال من أول الشهر، وآخره بعد مضي جزء من النصف الأخير: وهو بعد غروب الشمس من اليوم الخامس عشر.
ويحتمل أن يكون الجزء من النصف الأول، فيكون ابتداء الحيض قبل غروب الشمس من اليوم الخامس عشر، وآخره إذا بقي جزء من يوم الثلاثين، قبل غروب الشمس.
إذا ثبت هذا فإنها في جزء من أول الشهر: وهو بعد غروب الشمس من الليلة

(1/389)


التي يرى فيها الهلال، وفي جزء من آخر الشهر: وهو قبل غروب الشمس يوم الثلاثين في طهر بيقين.
ويحصل لها الحيض بيقين في جزء من آخر اليوم الخامس عشر: وهو قبل غروب الشمس، وفي جزء من أول ليلة السادس عشر. ولا يفوتها في هذين الجزءين صلاة إلا أن صوم يوم الخامس عشر يبطل، ولا يجب عليها الغسل إلا بعد جزء من أول ليلة السادس عشر، وإذا بقي جزء من آخر الشهر. وتتوضأ في غير ذلك لكل صلاة.
فإن كانت بحالها وقالت: لا أدري هل كنت أخلط بجزء أو بأكثر منه؟
فالحكم في هذه كالحكم في التي قبلها إلا في الغسل، فإنه يلزمها أن تغتسل لكل صلاة، بعد مضي جزء من ليلة السادس عشر إلى أن يبقى جزء من الشهر؛ لجواز أن يكون الخلط بأكثر من جزء.

[فرع: من أحكامها خلط يوم وكسر]
] وإن قالت: كنت أحيض خمسة عشر يومًا من الشهر، وأكسر في أول حيضي بنصف يوم، وأخلط أحد النصفين بالآخر بيوم من الشهر.. فإنها تكون طاهرا في اليوم الأول من الشهر، وفي نصف اليوم الثاني من الشهر. وتكون حائضًا من نصف اليوم الثاني من الشهر إلى آخر السادس عشر، فيكون حيضها أربعة عشر يومًا ونصفًا. ويكون باقي شهرها طهرًا بيقين.
وإن قالت: كنت أحيض خمسة عشر يومًا، وأكسر في آخر حيضي بنصف يوم، وأخلط أحد النصفين بالآخر بيوم، ولا أخلط بأكثر منه.. فإنها تكون طاهرًا من أول الشهر إلى آخر الرابع عشر. ويكون ابتداء حيضها من أول الخامس عشر إلى نصف اليوم التاسع والعشرين. وباقيه واليوم الأخير طهر بيقين؛ لأنها قد أخبرت: أنها تخلط بيوم، وأن الكسر في آخر حيضها. فيكون حيضها أربعة عشر يوما ونصفًا؛ لأنه لا يحتمل غير ذلك.
وإن قالت: كنت أحيض خمسة عشر يومًا، وأكسر في أول حيضي بنصف يوم،

(1/390)


وفي آخره بنصف يوم، وأخلط أحد النصفين بالآخر بيوم، ولا أخلط بأكثر منه.. فهذه مستحيلة؛ لأنه إن كان اليوم الذي يقع به الخلط من النصف الأول.. فأول حيضها يكون من الخامس عشر، فلا يحصل في ابتداء حيضها كسر بنصف يوم.
وإن كان من النصف الثاني.. فآخر حيضها يكون السادس عشر، فلا يكون في آخر حيضها كسر بنصف يوم.

[فرع: من صور الشك تخلط بين الخمسين الأول]
] : وإن قالت: كان حيضي خمسة أيام من العشر الأولى: ثلاثًا من إحدى الخمسين، ويومين من الخمس الأخرى، ولا أدري: هل الثلاث من الخمس الأولى، واليومان من الخمس الثانية. أو اليومان من الخمس الأولى، والثلاث من الخمس الثانية؟ فيحتمل أن تكون الثلاث من الخمس الأولى، فيكون ابتداء حيضها من اليوم الثالث، وآخره السابع. ويحتمل أن تكون الثلاث من الخمس الثانية، واليومان من الخمس الأولى، فيكون ابتداء حيضها من الرابع، وآخره الثامن.
فاليومان الأولان من الشهر طهر بيقين. والثالث طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة. ومن الرابع إلى آخر السابع حيض بيقين، فتغتسل في آخر السابع؛ لجواز أن تكون الثلاث من الخمس الأولى.. فيكون هذا وقت انقطاع الدم. واليوم الثامن طهر مشكوك فيه فتتوضأ فيه لكل صلاة، وتغتسل في آخره؛ لجواز أن تكون الثلاث من الخمس الثانية.. فيكون هذا وقت انقطاع الحيض. ومن التاسع إلى آخر الشهر في طهر بيقين.
وإن قالت: كنت أحيض خمسة أيام من العشرة الأولى، وكنت أخلط أحد الخمسين بالأخرى بجزء، ولا أخلط بأكثر من ذلك، ولا أدري من أي الخمسين كان الجزء؟
فإنها في طهر بيقين بجزء من أول الخمس الأولى، وهو: لحظة بعد غروب الشمس من الليلة التي يرى فيها الهلال.

(1/391)


وكذلك هي في طهر بيقين بجزء من آخر الخمس الثانية، وهي لحظة قبل غروب الشمس من اليوم العاشر.
وتحصل في طهر مشكوك فيه بعد اللحظة الأولى من العشر؛ لأنه لا يحتمل أن ينقطع فيه الدم، فتتوضأ فيه لكل صلاة إلى أن تبقى لحظة من الخمس الأولى، وهي: قبل غروب الشمس من اليوم الخامس. فتكون في تلك اللحظة مع لحظة تليها من أول الخمس الأخيرة ـ وهي: بعد غروب الشمس من ليلة السادس ـ في حيض بيقين، وتغتسل عقيب تلك اللحظة من ليلة السادس؛ لاحتمال انقطاع الدم فيه. ولا يفوتها في هاتين اللحظتين صلاة، ولكن يبطل صوم اليوم الخامس. ثم تتوضأ لكل صلاة إلى أن تدخل في اللحظة التي في آخر العشر، فتغتسل أيضا؛ لاحتمال انقطاع الدم فيها.

[فرع: اختلاط الحيض]
فرع: [في اختلاط حيضها] : وإن قالت: كنت أحيض خمسة أيام في الشهر، وأخلط إحدى الخمسين بالتي بعدها بثلاثة أيام من إحدى الخمسين، ويومين من الخمس الأخرى، ولا أدري: هل الثلاث من الخمس الأولى، واليومان من الخمس التي بعدها؟ أو اليومان من الخمس الأولى، والثلاث من الخمس التي بعدها؟ ثم لا أدري ـ مع ذلك ـ في أي الخمسات وقع الخلط: هل في الخمس الأولى مع الثانية، أو في الثانية مع الثالثة، أو في الثالثة مع الرابعة، أو في الرابعة مع الخامسة، أو في الخامسة مع السادسة؟
فإنه ليس لها حيض بيقين في الشهر. ولكن لها اليومان الأولان من الشهر، والآخران منه طهر بيقين. وباقي شهرها طهر مشكوك فيه:
فمن الثالث إلى السابع تتوضأ لكل صلاة؛ لأنه لا يحتمل أن ينقطع الدم في شيء من ذلك. وتغتسل في آخر السابع؛ لجواز أن تكون الثلاث من الخمس الأولى، واليومان من الخمس الثانية. ثم تغتسل في آخر الثامن؛ لجواز أن يكون اليومان من الأولى، والثلاث من الثانية.
ومن التاسع إلى الثاني عشر تتوضأ لكل صلاة؛ لأنه لا يحتمل انقطاع الدم فيه

(1/392)


وتغتسل في آخر الثاني عشر؛ لجواز أن يكون الخلط في الخمس الثانية مع الثالثة، وتكون الثلاث من الثانية، واليومان من الثالثة. ثم تغتسل أيضا في آخر الثالث عشر؛ لجواز أن يكون اليومان من الخمس الثانية، والثلاث من الخمس الثالثة.
وتتوضأ لكل صلاة من الرابع عشر إلى السابع عشر؛ لأنه لا يحتمل انقطاع الدم فيه. ثم تغتسل في آخر السابع عشر؛ لجواز أن يكون الخلط في الخمس الثالثة والرابعة، وتكون الثلاث من الثالثة، واليومان من الرابعة. ثم تغتسل في آخر الثامن عشر؛ لجواز أن يكون اليومان من الثالثة، والثلاث من الرابعة.
ثم تتوضأ لكل صلاة من التاسع عشر إلى الثاني والعشرين؛ لأنه لا يحتمل انقطاع الدم فيه. وتغتسل في آخر الثاني والعشرين؛ لجواز أن يكون الخلط في الرابعة والخامسة، وتكون الثلاث من الرابعة، واليومان من الخامسة، فيكون هذا وقت انقطاع الدم فيها. ثم تغتسل أيضا في آخر الثالث والعشرين؛ لجواز أن يكون اليومان من الرابعة، والثلاث من الخامسة.
ثم تتوضأ لكل صلاة من الرابع والعشرين إلى السابع والعشرين؛ لأنه لا يحتمل انقطاع الدم فيه. وتغتسل في آخر السابع والعشرين؛ لجواز أن يكون الخلط في الخامسة والسادسة، وتكون الثلاث من الخامسة، واليومان من السادسة. ثم تغتسل أيضًا في آخر الثامن والعشرين؛ لجواز أن يكون اليومان من الخامسة، والثلاث من السادسة، فيكون هذا وقت انقطاع الدم. فيلزمها في هذا الشهر عشرة اغتسالات في المواضع التي ذكرنا ويلزمها الوضوء لكل صلاة في غير ذلك.

[فرع: خلط جزء من نهارين]
فروع ثلاثة: [في خلط جزء من نهارين] : فرعها ابن بنت الشافعي، وهو أحمد بن محمد:
الأول: إذا قالت: كنت أحيض خمسة أيام من العشرة الأولى، وكنت أخلط نهار إحدى الخمسين بنهار الخمس الأخرى بجزء، ولا أخلط بأكثر، ولا أدري: من أي الخمسين كان الجزء؟

(1/393)


فإن كان الجزء من نهار الخمس الثانية.. فإن أول حيضها بعد مضي جزء من نهار اليوم الأول من الشهر، وآخره إذا مضى جزء من نهار يوم السادس. وإن كان الجزء من نهار الخمس الأولى: فإن أول حيضها قبل غروب الشمس من اليوم الخامس بجزء إلى قبل غروب الشمس من اليوم العاشر.
فعلى هذا التنزيل: هي من الليلة الأولى، وفي جزء من نهار اليوم الأول من الشهر في طهر بيقين، ثم تحصل في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل أن ينقطع فيه الدم، فتتوضأ فيه لكل صلاة، إلى أن يبقى من اليوم الخامس جزء قبل غروب الشمس. فيحصل في ذلك الجزء في ليلة السادس، وفي جزء من أول اليوم السادس في حيض بيقين، ويجب عليها أن تغتسل بعد ذلك الجزء من اليوم السادس؛ لجواز أن يكون ذلك في وقت انقطاع حيضها. ولا يسقط عنها في هذين الجزأين من النهارين صلاة، ولكن لا تجب عليها صلاة المغرب والعشاء ليلة السادس ولم يذكر الصوم. والذي يقتضي المذهب: أنه يفسد عليها يوم الخامس والسادس ـ ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة؛ لأنه طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه، إلى أن يبقى من اليوم العاشر جزء.. فيجب عليها أن تغتسل؛ لأنه لا يحتمل انقطاع الدم فيه.
الفرع الثاني: إذا قالت: كان حيضي يومين من العشر الأولى، لا أعلم موضعها، ولكني كنت أخلط نهار إحدى الخمسين بالأخرى بجزء، ولا أخلط بأكثر منه، ولا أدري: من أين كان الجزء؟
فيحتمل أن يكون الجزء من نهار الخمس الثانية.. فيكون ابتداء حيضها بعد مضي جزء من اليوم الرابع، وآخره إذا مضى جزء من اليوم السادس. وإن كان الجزء من الخمس الأولى.. كان ابتداء حيضها إذا بقي جزء من اليوم الخامس قبل غروب الشمس، وآخره إذا بقي جزء من اليوم السابع، وهو قبل غروب الشمس.

(1/394)


فهي من أول الشهر إلى أن يمضي جزء من اليوم الرابع في طهر بيقين. ثم تدخل في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة إلى أن يبقى جزء من اليوم الخامس.
ثم تحصل في ذلك الجزء في ليلة السادس، وفي جزء من أول اليوم السادس في حيض بيقين، ولا تفوتها إلا صلاة المغرب والعشاء ـ ولم يذكر الصوم، والذي يقتضي المذهب: أن صوم يوم الخامس والسادس يبطل ـ ثم يجب عليها أن تغتسل إذا مضى جزء من أول اليوم السادس؛ لجواز أن ينقطع فيه دمها. وتحصل في طهر مشكوك فيه لا يحتمل انقطاع الدم فيه، فتتوضأ فيه لكل صلاة، إلى أن يبقى جزء من السابع فتغتسل فيه؛ لجواز انقطاع الدم فيه. وبعد ذلك تحصل في طهر بيقين إلى آخر الشهر.
الفرع الثالث: إذا قالت: كنت أحيض يومًا من العشر الأولى، وكنت أخلط نهار إحدى الخمسين بنهار الخمس الأخرى بجزء، ولا أخلط بأكثر منه، ولا أدري: من أين كان الجزء؟ فإن كان الجزء من نهار الخمس الثانية.. فأول حيضها إذا مضى جزء من أول اليوم الخامس، وآخره بعد مضي جزء من اليوم السادس. وإن كان الجزء من الخمسة الأولى.. فأول حيضها إذا بقي جزء من اليوم الخامس قبل غروب الشمس، وآخره إذا بقي جزء من اليوم السادس قبل غروب الشمس.
فهي من أول الشهر إلى أن يمضي جزء من اليوم الخامس بعد طلوع الفجر في طهر بيقين.
ثم تحصل في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه إلى أن يبقى جزء من اليوم الخامس. فتحصل في ذلك الجزء في ليلة السادس، وفي جزء من أول اليوم السادس في حيض بيقين، فتغتسل عقيب ذلك الجزء؛ لجواز انقطاع دمها فيه. ولا تفوتها إلا صلاة المغرب والعشاء ليلة السادس ـ والذي يقتضي المذهب: أن يبطل

(1/395)


صوم اليوم الخامس، والسادس ـ ثم تحصل في طهر مشكوك فيه، لا يحتمل انقطاع الدم فيه إلى أن يبقى جزء من اليوم السادس، فيجب عليها الغسل فيه أيضًا؛ لجواز انقطاع الدم فيه. وتحصل في طهر بيقين إلى آخر الشهر.

[مسألة: بيان حكم النقاء]
] : وإن رأت يومًا دمًا، ويوما نقاء.. فقد تقدم ذكر الحكم في يوم النقاء في العبادات والمباحات، إذا لم يجاوز ما رأت من ذلك على خمسة عشر يوما.
فأما إذا جاوز ذلك خمسة عشر يومًا.. فالمنصوص ـ في كتاب (الحيض) ـ: (أن هذه مستحاضة، اختلط حيضها بالاستحاضة) .
وقال ابن بنت الشافعي: الطهر في اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض والاستحاضة. وفي النقاء الذي وجد في مدة الخمسة عشر القولان في التلفيق.
قال أصحابنا: وهذا خطأ مذهبا وحجاجا:
أما المذهب: فلأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نص على ما ذكرناه.
وأما الحجاج: فلأن الطهر لو كان يفصل في اليوم السادس عشر.. لفصل في الخمسة عشر كالمميزة.
إذا ثبت هذا: فلا يخلو إما أن تكون مميزة، أو معتادة، أو مبتدأة.
فإن كانت مميزة، بأن ترى يومًا وليلة دمًا أسود، ويومًا وليلة طهرًا إلى اليوم التاسع، ثم رأت اليوم العاشر طهرًا، ثم رأت الحادي عشر دما أحمر، ثم رأت يوما وليلة طهرًا إلى أن عبر الخمسة عشر.. فإن الدم الأسود الذي رأته في اليوم الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع حيض. وفيما بين ذلك من النقاء القولان في التلفيق. والدم الأحمر الذي رأته بعد الأسود استحاضة.

(1/396)


وإن كانت معتادة غير مميزة، بأن رأت يومًا وليلة دمًا، ويومًا وليلة طهرًا، والدم على صفة واحدة إلى أن جاوز الخمسة عشر، وقالت: كانت عادتي خمسة أيام.
فإن قلنا: لا يلفق الدم إلى الدم.. كانت الخمسة كلها حيضًا، وما زاد عليها من الدم استحاضة.
وإن قلنا: يلفق لها.. فمن أين يلفق؟
حكى الشيخ أبو حامد فيه قولين، وحكاهما القاضي أبو الطيب، والشيخ أبو إسحاق وجهين:
أحدهما: يلفق لها من أيام عادتها فحسب؛ لأن النقاء من أيام العادة، وإنما انقطع دمها فيه، فنقص من عادتها.
فعلى هذا: يكون حيضها ثلاثة أيام، ونقص من عادتها يومان.
والثاني: يلفق لها من مدة الخمسة عشر؛ لأن عادتها تفرقت فيها.
فعلى هذا: يلفق لها خمسة أيام من تسعة أيام.
وإن قالت: كانت عادتي ستة أيام:
فإن قلنا: لا يلفق لها.. كان حيضها هاهنا خمسة أيام، ونقص من عادتها يوم؛ لأن يوم السادس نقاء، والنقاء إنما يجعل حيضا على هذا القول، إذا كان واقعا بين دمي حيض.
وإن قلنا: يلفق لها من أيام عادتها.. كان حيضها ثلاثة أيام لا غير.
وإن قلنا: يلفق لها من عدة الخمسة عشر.. لفقنا لها بستة أيام من أحد عشر يومًا.
وإن كانت عادتها سبعة أيام، فإن قلنا: لا يلفق لها.. كانت السبع كلها حيضًا، ولا ينقص من عادتها هاهنا شيء؛ لأن الدم في اليوم السابع، فيمكن استيفاء عادتها.
وإن قلنا: يلفق لها، فإن قلنا: يلفق لها من أيام العادة.. كان حيضها هاهنا أربعة أيام، ونقص ثلاث من عادتها.

(1/397)


وإن قلنا: يلفق لها من الخمسة عشر.. لفقنا لها سبعة أيام من ثلاثة عشر يومًا.
وإن كانت عادتها ثمانية أيام، فإن قلنا: لا يلفق لها.. كان حيضها سبعة أيام ونقص عليها يوم.
وإن قلنا: يلفق لها، فإن قلنا: يلفق من أيام العادة.. كان حيضها أربعة أيام.
وإن قلنا: يلفق لها من الخمسة عشر.. لفقنا لها ثمانية أيام من خمسة عشر يومًا.
وإن كانت عادتها تسعة أيام، فإن قلنا: لا يلفق.. كان حيضها تسعة أيام، من غير نقص.
وإن قلنا: يلفق لها من أيام العادة.. لفقنا لها من التسع خمسة أيام، ونقصت عادتها أربعا.
وإن قلنا: يلفق لها من الخمسة عشر.. لفقنا لها من الخمسة عشر ثمانية أيام، ونقصت عادتها يوما؛ لأنه لا يمكن التلفيق مما زاد عليها.
وإن كانت مبتداة غير مميزة ولا معتادة، فإن قلنا: إنها ترد إلى يوم وليلة.. كان حيضها يومًا وليلة من أول ما رأت.
وإن قلنا: ترد إلى ست أو سبع.. كانت كمن عادتها ست أو سبع، وقد مضى.

[فرع: نقاء المبتدأة غير المميزة]
] : إذا رأت ثلاثة أيام دمًا، واثني عشر يومًا نقاء، ثم رأت ثلاثة أيام دمًا.. فالأول حيض، والثاني دم فساد؛ لأنه لا يمكن تلفيقه إلى الأول؛ لأنه خارج عن الخمسة عشر. ولا يمكن أن يجعل حيضًا آخر؛ لأنه ليس بينهما طهر كامل.
فإن رأت يوما بلا ليلة دمًا، وأربعة عشر يومًا طهرًا، وثلاثة أيام دمًا.. فالدم الثاني حيض. والأول دم فساد؛ لأنه لا يمكن ضم الأول إلى الثاني؛ لأنه وجد بعد الخمسة عشر، فاعتبر كل واحد منهما بنفسه. والثاني يمكن أن يكون حيضًا بنفسه. والأول لا يمكن أن يكون حيضًا بنفسه.

(1/398)


وإن رأت يومًا بلا ليلة دمًا، وأربعة عشر يوما طهرًا، وربما بلا ليلة دمًا.. فاليومان دم فساد على القولين؛ لأنا:
إن قلنا: لا يلفق.. فلا يمكن أن يضم الدم في اليوم الأول إلى الدم في اليوم السادس عشر.
وإن قلنا: يلفق.. لم يمكن؛ لأن الدم في اليوم وجد بعد الخمسة عشر، فلم يمكن ضمه إلى الأول.
وإن رأت يومًا دمًا، وثلاثة عشر يومًا طهرًا، وثلاثة أيام دمًا.. فقد رأت في الخمسة عشر يومين دمًا.
فإن قلنا لا يلفق.. جعلنا الدم الثاني حيضًا، والأول دم فساد؛ لأنه لا يمكن أن يضم الثاني إلى الأول ويجعلا مع ما بينهما حيضا ً لأنه يزيد على خمسة عشر فأسقطنا الأول.
وإن قلنا: يلفق من وقت العادة فحسب.. فهذه مبتدأة لا عادة لها.
وإلى ماذا ترد المبتدأة؟ على قولين:
أحدهما: ترد إلى يوم وليلة. والثاني: إلى ست أو سبع.
وما وجد في هذين الوقتين إلا يوم لا يمكن أن يكون حيضًا بنفسه، فحكم بأنه دم فساد، والثاني بأنه حيض.
وإن قلنا: يلفق لها من مدة الخمسة عشر، فإن قلنا: إن المبتدأة ترد إلى يوم وليلة.. حيضناها اليوم الأول، ومن اليوم الخامس عشر بمقدار ليلة.
وإن قلنا: ترد إلى ست أو سبع.. حيضناها اليوم الأول، والخامس عشر بكماله.

[فرع: نقاء المعتادة غير المميزة]
] : إذا كانت عادتها أن تحيض خمسة أيام من أول كل شهر، فلما كان بعض الشهور رأت اليوم الأول من الشهر طهرًا، ثم رأت من اليوم الثاني يوما وليلة دمًا، ويوما وليلة طهرًا، إلى أن عبر الخمسة عشر.

(1/399)


فإن قلنا: يلفَقُ لها من زمان العادة لا غير.. كان لها يومان حيضًا، وهما الثاني والرابع لا غير.
وإن قلنا: يلفَقُ لها من مدة الخمسة عشر.. لفقنا لها خمسًا، أوَلها الثاني، وآخرها العاشر.
وإن قلنا: لا يلفق لها.. قال أبو العباس: فهل الاعتبار بزمان العادة، أو بعددها؟ فيه قولان ـ يعني: وجهين ـ:
أحدهما: أن الاعتبار بزمان العادة؛ لأنه اعتبر عددها، فوجب اعتبار زمانها.
فعلى هذا: يكون حيضها ثلاثة أيام، وهي: الثاني، والثالث، والرابع لا غير.
وأما الأول والخامس: فطهر. وما بعد الخامس من الدم استحاضة.
والوجه الثاني: أن الاعتبار بعد العادة دون زمانها؛ لأن الحيض انتقل، بدليل: أن الطهر وجد في أول زمان العادة. فيكون حيضها خمسة أيام، أولها الثاني من الشهر، وآخرها السادس.
ولو كانت بحالها، فحاضت قبل عادتها يومًا، وطهرت اليوم الأول من الشهر، ثمَ رأت يومًا دمًا، ويوما طهرًا إلى أن عبر الخمسة عشر:
فإن قلنا: إنه يلفق لها، وقلنا: يلفق لها من زمان العادة لا غير.. فليس لها في زمان العادة إلا يومان: الثاني، والرابع، فيكون ذلك حيضها.
وإن قلنا: يلفق لها من الخمسة عشر.. قال أبو العباس: احتمل أن يكون أول الحيض اليوم الذي سبق العادة، واحتمل أن يكون أوله الثاني من الشهر. والأول أظهر؛ لأنه دم وجد في زمان الإمكان:
فإن قلنا: أوله اليوم الذي سبق العادة.. لفقنا لها خمسًا، آخرها الثامن من الشهر.
وإن قلنا: أوله الثاني من الشهر.. لفقنا لها خمسًا، آخرها العاشر من الشهر.
وإذا قلنا: لا يلفق، فإن قلنا: إن الاعتبار بزمان العادة.. حيَضناها ثلاثًا من الشهر، وهي، الثاني، والثالث، والرابع.

(1/400)


وإن قلنا: الاعتبار بعدد أيام العادة.. حيَضناها خمسا، أولها اليوم الذي سبق العادة، وآخرها الرابع من الشهر.

[فرع: التلفيق للمعتادة غير المميزة في أيام الحيض]
] : قال أبو العباس: إذا كانت عادتها أن تحيض خمسة أيام من أول كل شهر، فلما كان في بعض الشهور رأت أربعة أيام من أول الشهر دمًا، وخمسة أيام طهرًا، ويومًا دمًا:
فإن قلنا: لا تلفق.. كانت العشرة كلها حيضًا.
وإن قلنا: تلفق.. حيضناها خمسة أيام وهي: الأربعة الأولى، واليوم العاشر.
فإن كانت بحالها، فرأت من أول الشهر يومًا دمًا، وسبعة أيام طهرًا، ويومين دمًا:
فإن قلنا: لا تلفق.. حيضناها العشر كلها، فتزيد عادتها خمسة أيامٍ.
وإن قلنا: تلفق.. حيضناها ثلاثة أيام فنقصت عادتها.

[فرع: رؤية الدم نصف يوم]
] : وإن رأت نصف يومٍ دمًا، ونصف يوم نقاءً، فإن لم يجاوز الخمسة عشر.. فاختلف أصحابنا فيه:
فذهب أبو العباس، وأبو إسحاق، وعامة أصحابنا إلى أنها على القولين في التلفيق:
فإن قلنا: لا يلفق.. كان لها أربعة عشر يوما، ونصف يوم حيضًا.
وإن قلنا: يلفق.. كان حيضها سبعة أيام ونصفًا.
وقال بعض أصحابنا: هي مستحاضة إلا أن يتقدم لها أقل الحيض متصلاً.
وقال بعضهم: هي مستحاضة إلا أن يتقدم لها أقل الحيض متصلاً، وينعقب لها أقل الحيض متصلاً. والأول أصح.

(1/401)


قال أبو العباس: وهل يلزمها الاغتسال عندما ترى الطهر؟
إن قلنا: لا يلفق لها.. لم يلزمها الاغتسال؛ لأن الدم إن عاد.. فالنقاء حيض، وإن لم يعد.. فالنصف الأول دم فسادٍ، فلا يجب الغسل بانقطاعه؛ لأنه أقل من أقل الحيض.
وإن قلنا: يلفق.. وجب عليها الاغتسال؛ لأن الدم إن عاد.. كان انتقالاً من بعض الحيض إلى بعض الطهر، فوجب الاغتسال، كما إذا انتقلت من جميع الحيض إلى بعض الطهر.
قال ابن الصباغ: وعندي أنه لا يجب عليها الاغتسال على هذا القول أيضا؛ لأن الدم لم يحكم بكونه حيضا، ولا يعلم معاودة الدم، والظاهر بقاء الطهر، كما إذا كان الدم يومًا وليلةً.. فإنه يلزمها الاغتسال إذا رأت الطهر، ويأتيها زوجها؛ لأن الظاهر بقاؤه، وإنما يتصور ما ذكره في اليوم الثاني، وما بعده.
وإن رأت نصف يوما دمًا، ونصف يوم نقاءً، وجاوز الخمسة عشر.. فقد اختلط حيضها بالاستحاضة، فترد إلى التمييز إن كانت مميزة، بأن ترى نصف يوم دمًا أسود، ونصف يوم نقاء، ثم ترى في اليوم الثاني نصف يوم دما أسود، ونصف يوم نقاء، ثم كذلك في الثالث والرابع، ثم ترى في اليوم الخامس نصف يوم دمًا أحمر، ونصف يومٍ نقاء، ثم كذلك إلى أن عبر الخمسة عشر يومًا.. فإن حيضها: هو الأسود. وفيما بينه من النقاء القولان في التلفيق. وإن كانت معتادة، بأن كانت عادتها خمسة أيام من الشهر، فرأت في بعض الشهور نصف يوم دمًا، ونصف يوم نقاء إلى أن جاوزت الخمسة عشر، والدم بصفة واحدة:
فإن قلنا: لا يلفق.. كان حيضها أربعة أيام ونصف يوم ونقص من عادتها نصف يوم.
وإن قلنا: يلفق لها من أيام العادة.. كان حيضها يومين ونصفًا، ونقص يومان ونصف.
وإن قلنا: يلفق لها من الخمسة عشر.. لفقت الخمس لها من عشرة أيام.

(1/402)


وإن كانت مبتدئة، فإن قلنا: ترد إلى ست أو سبعٍ.. كانت كمن عادتها ست أو سبعٌ.
وإن قلنا: تردُ إلى يوم وليلة، فإن قلنا: لا يلفق، أو قلنا: يلفق من أيام العادة لا غير.. فلا حيض لها؛ لأنه لا يحصل لها أقل الحيض من ذلك.
وإن قلنا: يلفق لها من الخمسة عشر.. لفق لها يوم وليلة من أربعة أيام.

[فرع: رؤية الدم ساعة وساعة]
وإن رأت ساعة دمًا، وساعة نقاءً، ولم تجاوز الخمسة عشر.. نظرت ـ في الساعات ـ: فإن كانت تبلغ بمجموعها أقل الحيض.. كانت كالاتصاف على ما مضى. وإن كانت الساعات لا تبلغ بمجموعها أقل الحيض ـ بأن رأت في أول الخمسة عشر ساعة دمًا، وفي آخرها ساعة دمًا، وما بينهما طهرٌ ـ:
فإن قلنا: يلفق لها.. كان دم فساد؛ لأنه لا يتلفق منه أقل الحيض.
وإن قلنا: لا يلفق.. قال أبو العباس: فيه وجهان:
أحدهما: أن الدمين وما بينهما من النقاء حيض؛ لأنا نجعل النقاء حيضا على هذا.
والثاني: أنه دم فساد؛ لأن النقاء إنما يجعل حيضا ـ على هذا القول ـ على سبيل التبع للدم، والدم لا يبلغ بمجموعه أقل الحيض، فلم يجعل النقاء تابعا له.

[مسألة: حكم النفاس]
مسألة: [في حكم النفاس] : وأما دم النفاس: فإنه يحرم ما يحرم الحيض، ويسقط ما يسقط الحيض؛ لأنه حيض مجتمع لأجل الحمل. فإذا ولدت المرأة، وخرج منها دم بعد الولادة.. كان

(1/403)


نفاسًا بلا خوف. وإن خرج قبل الولادة.. لم يكن نفاسًا.
وإن كان خرج مع الولد.. فيه وجهان:
[أحدهما] : قال أبو إسحاق، وابن القاص: هو نفاس؛ لأنه دم خرج بخروج الولد، فأشبه الدم الخارج بعده.
والثاني: ليس بنفاس؛ لأنه دم انفصل قبل انفصال الولد، فأشبه ما خرج قبله.

[فرع: رؤية الحامل الدم]
وإن رأت المرأة الحامل الدم قبل ولادتها خمسة أيام، ثم ولدت قبل مضي أقل الطهر.. فإن الدم الذي رأته قبل الولادة ليس بنفاس، وهل هو حيض، أو دم فساد؟ اختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: إنه دم فساد قولاً واحدًا؛ لأنه لما لم يكن بينه وبين النفاس طهرٌ صحيح.. كان دم فساد.
ومنهم من قال: هو على القولين ـ في أن الحامل تحيض ـ:
فإن قلنا: إنها تحيض.. كان حيضًا؛ لأن الولد يقوم مقام الطهر في الفصل.

[فرع: مدة النفاس]
أكثر مدة النفاس: ستون يوما، وغالبه: أربعون يومًا. وبه قال مالك، وداود، وعطاءً، والشعبي.
وقال أبو حنيفة، والثوري، وأحمد، وأبو عبيد، والمزني: (أكثره أربعون يومًا) .

(1/404)


وقال الحسن: أكثره خمسون يومًا.
ومن الناس من قال: أكثره سبعون يومًا.
دليلنا: أن المرجع في ذلك إلى الوجود.
وقد قال الأوزاعي: (عندنا امرأة ترى النفاس شهرين) .
وليس لأقل النفاس حد، وقد تلد المرأة ولا ترى دمًا.
وقال الثوري: أقله ثلاثة أيام.
وقال أبو يوسف: أقله أحد عشر يومًا؛ ليزيد أقله على أكثر الحيض.
دليلنا: أن المرجع فيه إلى الوجود. وقد روي: «أن امرأة ولدت على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم تر دمًا، فسميت: ذات الجفوف» .
وروى أبو أمامة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا طهرت المرأة حين تضع.. صلت» .
وإن ولدت ولدين توأمين، ورأت بينهما الدم.. فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يعتبر أول النفاس وآخره بالولد الأول. وبه قال أبو حنيفة، وأبو يوسف؛ لأنه يقع عليه اسم الولد، فأشبه إذا كان وحده.

(1/405)


والثاني: أنه يعتبر أول النفاس وآخره بالثاني.
قال الشيخ أبو حامد: وهو الصحيح؛ لأن الولدين في حكم الولد، ألا ترى أن الزوج لا يملك نفي أحدهما دون الآخر، ولا تنقضي عدتها إلا بوضعهما؟
والثالث: أنه يعتبر ابتداء المدة من الأول، ثم تستأنف المدة من الثاني؛ لأن كل واحد منهما سبب في إثبات حكم النفاس إذا انفرد، فإذا اجتمعا.. ثبت لكل واحد منهما نفاس، وتدخلا فيما اجتمعا فيه، كالوطء بالشبهة في العدة.

[فرع: رؤية دم النفاس ساعة بعد ساعة]
] : إذا ولدت المرأة ورأت ساعةً دمًا، وساعةً طهرًا، ولم تجاوز الستين. أو رأت يومًا دمًا، ويومًا طهرًا، ولم تجاوز الستين.. فإن الدَم نفاسٌ، وفيما بينهما من النَقاء القولان في التَلفيق.
وإن رأت ساعةً دمًا، ثمَ طهرت أربعة عشر يومًا، ثمَ رأت يومًا وليلةً دمًا.. فالدَمان: نفاسٌ، وفي ما بينهما من النَقاء القولان في التلفيق.
وإن رأت ساعةً دمًا، ثمَ طهرت خمسة عشر يومًا ثمَ رأت يومًا وليلةً دمًا.. ففيه وجهان:
أحدهما: أن الدَم الأول نفاسٌ، والثاني حيضٌ، وما بينهما طهرٌ. وبه قال أبو يوسف، ومحمَدٌ؛ لأن الدمين قد فصل بينهما طهرٌ صحيحٌ، فلم يضمَ أحدهما إلى الآخر، كالحيضتين.
والثاني ـ وبه أبو حنيفة ـ: أن الدمين نفاسٌ، وما بينهما من النَقاء على القولين في التلفيق؛ لأنهما وجدا في زمان إمكان النفاس، فهو كما لو كان بينهما أقل من خمسة عشر يومًا. ويفارق الحيضتين؛ لأن الثاني لا يمكن ضمه إلى الأول.

(1/406)


وقال أحمد: (الأول نفاسٌ. والثاني مشكوكٌ فيه، فتصوم وتصلي، ولا يأتيها زوجها، وتقضي الصوم والصلاة؛ لأنه يحتمل أنه نفاسٌ، ويحتمل أنه دم فسادٍ) وهذا ليس بصحيح؛ لأنه دم في زمان الإمكان، فكان نفاسًا. وإن رأت ساعة دمًا، ثمَ طهرت خمسة عشر يومًا، ثم رأت ساعةً دمًا:
فإن قلنا في الأولى: إنهما نفاسٌ.. فها هنا مثله.
وإن قلنا في الأولى: إن الثاني حيضٌ.. فخرج أبو العباس في هذه وجهين:
أحدهما: أنه نفاسٌ ـ وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ـ لأنه ينقص عن أقل الحيض.
والثاني: أنه دم فساد ـ وهو قول زفر، ومحمد ـ لأنه لا يمكن أن يكون حيضًا؛ لأنه دون أقله، ولا يمكن أن يكون نفاسًا؛ لأن بينهما طهرًا صحيحًا.
قال أبو العباس: فإذا قال لامرأته الحامل: إذا ولدت فأنت طالقٌ. فولدت.. طلقت. فإذا أخبرت بانقضاء العدة.. فكم القدر الذي يقبل قولها فيه؟
إن قلنا: إن الدم إذا عاودها بعد الطهر يكون حيضًا.. فأقل مدة تنقضي عدتها فيها سبعة وأربعون يومًا وجزءان؛ لأنه يمكن أن تضع قبل المغرب بجزء ترى فيه الدم، فيكون نفاسًا، ثم تطهر خمسة عشر يومًا، ثم تحيض يومًا وليلةً، ثم تطهر خمسة عشر يومًا، ثم تحيض يومًا وليلةً، ثم تطهر خمسةَ عشرَ يومًا، ثم تطعن في الحيض، فتنقضي عدَتها.
والذي يقتضي المذهب عندي: أنه يقبل قولها ـ على هذا ـ في سبعة وأربعين يومًا وجزء؛ لأنها قد تلد ولا ترى دمًا، فتكون في القُرءِ الأول عقيب الولادة.
وإن قلنا: إن الدم إذا عاودها في مدة الستين كان نفاسًا.. فأقل مدة تنقضي بها عدتها اثنان وتسعون يومًا وجزءٌ؛ لأن الستين لا يمكن أن يحصل فيها إلا طهرٌ واحدٌ ثم تحيض بعد الستين يومًا وليلةً، ثم تطهر خمسةَ عشرَ يومًا، ثم تحيضُ يومًا وليلةً، ثم تطهر خمسةَ عشرَ يومًا، ثم تطعنُ في الحيض، فتنقضي به عدتها.

(1/407)


[فرع: انقطاع النفاس لدون أربعين]
] : وإذا انقطع دم النفاس لدون أربعين يومًا.. لم يكره وطؤها.
وقال أحمد) يكره وطؤها) . وروي ذلك عن علي، وابن عباس.
دليلنا: أنها حالة يجب عليها الصلاة، فلم يكره وطؤها فيها كما لو انقطع لأربعين يومًا.

[فرع: جاوز النفاس الستين]
إن جاوز النفاس الستين فرعٌ: [إن جاوز النفاس الستين] : وإذا جاوز دم النفاس ستين يومًا.. ففيه ثلاثة أوجه، حكاها الشيخ أبو حامد:
أحدها ـ وهو قول أكثر أصحابنا ـ: أن الاستحاضة قد دخلت في النفاس.
فعلى هذا: تُردُ إلى التمييز إن كانت مميزة، أو إلى العادة إن كانت معتادةً.
وإن كانت مبتدئة لا تمييز لها.. فاختلف أصحابنا فيها:
فقال أبو العباس، وأبو إسحاق: نردُها إلى أقل النفاس، وهو: لحظة.
وقال سائر أصحابنا: هي على قولين:
أحدهما: هذا.
والثاني: تردُ إلى غالب النفاس، وهو: أربعون يومًا، كما قلنا في الحيض إن جاوز أكثره.
والوجه الثاني: أن الستين تكون نفاسًا، وما زاد عليها استحاضةً.
والفرق بين النفاس والحيض: أن النفاس يُعلم وجوده قطعًا؛ لأنه يخرجُ عقيب الولد، فلم يجز أن ينتقل عن النفاس إلى الاستحاضة إلا باليقين، وهو: مجاوزة الدَم

(1/408)


الستين، بخلاف الحيض؛ لأنا إنما نحكم بكونه حيضًا من حيث الظاهر، لا بالقطع واليقين، فجاز أن ينتقل عنه من غير قطع.
والوجه الثالث ـ ذكره ابن القطان ـ: أن الستين نفاسٌ، وما زاد عليها حيضٌ؛ لأنهما لا يتنافيان. والأول أصح.

[فرع: ولدت في وقت حيضها ولم تتغير عادتها]
] : ذكر أبو إسحاق المروزي في (النفاس) مسألتين:
إحداهما: إذا كانت المرأة تحيض خمسة أيام وتطهر خمسة عشر يومًا.. فهذه شهرها عشرونَ يومًا، فلما كانت في بعض الشهور ولدت في وقت حيضها، ورأت عشرين يومًا دمًا، ثم طهرت خمسة عشر يومًا، ثم رأت الدم بعد ذلك، وعبر الخمسة عشر.. فهذه لم تتغير عادتها في حيضها وطهرها. فتكون نفاسًا في مدة العشرين، وطاهرًا في مدة الخمسة عشر، ونحيضها بعد ذلك خمسة أيام، وتكون طاهرًا خمسة عشر يومًا، وعلى هذا أبدًا.
الثانية: إذا كانت عادتها أن تحيض عشرة أيامٍ، وتطهر عشرين يومًا.. فهذه شهرها ثلاثون يومًا.
فإن ولدت في وقت حيضها، ورأت عشرين يومًا دما وانقطع، وطهرت شهرين، ثم رأت الدم بعد ذلك، وزاد على خمسة عشر يومًا.. فهذه لم تتغير عادتها في الحيض، ولكن زاد الطهر فصار شهرين، بعد أن كان عشرين يومًا، وتكون نفساء في مدة العشرين الأولى، وطاهرًا في الشهرين بعدها، وحائضًا عشرة أيام بعدها، ويكون طهرها بعد ذلك شهرين.
قال ابن الصباغ: وهذا يجيء على قول من لا يعتبر تكرار العادة.

[مسألة: فيما يجب على المستحاضة]
] : يجب على المستحاضة ـ إذا أرادت أن تصلي ـ: أن تغسل فرجها، وتحتشي؛ لترد الدم.

(1/409)


فإن كان الدمُ يسيرًا، وإذا أدخلت قطنةً أو خِرقةً حبستهُ.. فعلت ذلك.
وإن لم ينقطع بذلك.. (تلجَمت) : وهو أن تأخذ قطنةً أو خرقةً وتسدَ بها فرجها، وتأخذ خرقةً مشقوقة الطرفين فتدخلها بين فخذيها، وتشدها على تلك القطنة، وتخرج أحد طرفيها إلى بطنها، والآخر إلى صلبها، ثم تشدَ أحد الطرفين بالآخر إلى خاصرتها اليمنى، وأحد الطرفين المشقوقين بالآخر إلى خاصرتها اليسرى.
وهذا هو الاستثفار المذكور في الخبر، مأخوذ من: ثفر الدابة تحت ذنبها. وهكذا يفعل بالميت إذا غُسل.
والدليل على هذا: ما روي في «حديث حمنة بنت جحش: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها: "أنعت لك الكرسف، فإنه يذهب بالدم"، فقالت: هو أشد من ذلك، فقال: "اتخذي ثوبًا"، فقالت: هو أشد من ذلك، إنما أثج ثجًا، فقال: تلجمي»
ولا يجب على المستحاضة غير المتحيرة إلا غسل واحد، عندما يحكم لها بانقطاع دم الحيض، وإنما يجب عليها الوضوء. وروي ذلك عن علي، وعائشة وابن مسعود، وابن عباسٍ.
وروي عن ابن عمر، وابن الزبير: أنهما قالا: (يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة) . وقد روي ذلك أيضًا عن عليٍ، وابن عباس.
وروي ـ أيضًا ـ عن عائشة: أنها قالت: (تغتسل لكل يومٍ غسلاً واحدًا) .
وقال ابن المسيب، والحسن: تغتسل من طهرٍ إلى طهرٍ، وتتوضأ لكل صلاةٍ.

(1/410)


دليلنا: ما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن فاطمة بنت أبي حبيس استحيضت، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل، وتتوضأ لكل صلاة، وتصلي حتى يجيء ذلك الوقت، وإن قطر الدم على الحصير» .
وإذا استوثقت بالشد على ما ذكرناه وتوضأت، فخرج منها الدم قبل الدخول في الصلاة، أو في حال الصلاة، فإن كان لرخاوةٍ في الشد.. وجب إعادة الشد والطهارة. وإن كان ذلك لغلبة الدم وقوته.. لم يجب عليها إعادة الشد والطهارة، ولا تبطل الصلاة؛ لما ذكرناه في حديث فاطمة ابنة أبي حبيشٍ، ولأنه لا يمكن الاحتراز منه.
وإن توضأت المستحاضة.. ارتفع حدثها السابق. وأما حدثها الموجود حال الطهارة والطارئ.. فلا يرتفع ذلك، ولكن يعفى عنه؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه. هذا نقل البغداديين من أصحابنا.
وقال المسعودي [في " الإبانة" ق \ 15] : هل يرتفع حدثها؟ فيه وجهان.
فإن قلنا: لا يرتفع حدثها.. فكيف تنوي بطهارتها؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وهو الأصح ـ: أنها تنوي استباحة الصلاة، ولا تنوي رفع الحدث؛ لأنه لا يرتفع.

(1/411)


و [الثاني] : قال الخضريُ: تجمع في نيتها بين رفع الحدث، واستباحة الصلاة.

[فرع: لا تجمع المستحاضة بالوضوء أكثر من فرض]
] : ولا يجوز للمستحاضة أن تصلي بالوضوء أكثر من فريضةٍ واحدةٍ، وما شاءت من النوافل، سواء كان ذلك في وقت، أو في وقتين.
وقال أبو حنيفة، وأحمد: (يجوز لها أن تجمع بين فريضتين في وقت واحد، وتبطل طهارتها بخروج وقت الصلاة) .
وقال ربيعة، ومالك: (لا وضوء على المستحاضة) .
وقال الأوزاعي، والليث: (تجمع في طهاراتها بين الظهر والعصر) .
دليلنا: ما ذكرناه من حديث فاطمة ابنة أبي حبيش.
ولا تصح طهارتها إلا بعد دخول الوقت.
وقال أبو حنيفة: (تصح) .
دليلنا: أنها طهارة ضرورةٍ، ولا ضرورة بها إلى الطهارة قبل دخول الوقت.
وهل يجب عليها حل العصابة، وغسل الفرج عند الصلاة الثانية؟
قال المسعودي [في " الإبانة " ق \ 44] : ينظر فيها: فإن كانت العصابة قد تحركت من موضعها.. وجب غسلها، وإن لم تتحرك من موضعها.. ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو الأصح ـ: أنه يجب عليها ذلك، كما يجب عليها الوضوء.
والثاني: لا يجب. والفرق بينهما: أنه قد تؤمر بالطهارة عن الحدث وإن لم يرتفع، ولا تؤمر بإزالة النجاسة إذا لم تزل بالغسل.

(1/412)


[فرع: حكم الولاء بين الطهارة والصلاة]
] : إذا توضأت المستحاضة بعد دخول الوقت.. فالأولى: أن تصلي عقيب الطهارة.
فإن أخرت الصلاة إلى آخر الوقت أو وسطه، فإن كان لسبب يعود إلى مصلحة الصلاة، كانتظار الجماعة، وستر العورة، وما أشبهه.. جاز ذلك.
وإن أخرتها لغير ذلك.. فهل تصح صلاتها؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز، وعليها أن تستأنف الطهارة؛ لأنه لا حاجة بها إلى ذلك.
والثاني: يجوز؛ لأنه قد جوز تأخير الصلاة إلى آخر الوقت، فلا يضيق عليها.
وإن خرج الوقت قبل أن تصلي به الفرض.. فهل لها أن تصلي الفرض بتلك الطهارة؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأنها غير معذورة في ذلك.
والثاني: يجوز، لأن طهارتها لا تبطل ـ عندنا ـ بخروج الوقت.
فإذا صلت الفريضة بوقتها.. فلها أن تتنفل بها ما شاءت؛ لأن النوافل تكثر، فلو ألزمناها: أن تتوضأ لكل صلاة نافلة.. شق وأدى إلى قطعها.
فإذا خرج وقت الفريضة.. فهل لها أن تتنفل بتلك الطهارة؟ فيه وجهان.

[فرع: انقطاع دم المستحاضة]
] : إذا انقطع دم المستحاضة.. نظرت: فإن كان قبل الدخول في الصلاة:
فإن كان انقطاعًا غير معتاد، بأن كان أول ما استحيضت، فتوضأت ودمها سائل، ثم انقطع.. قال الشيخ أبو حامد: فلا خلاف على المذهب: أنه يجب عليها إعادة الوضوء إذا أرادت أن تصلي؛ لأن هذا الانقطاع يجوز أن يكون لزوال الاستحاضة، فتبطل لذلك طهارتها. ويجوز أن يكون ليعود، فلا تبطل، إلا أن الظاهر أنه لا يعود.
فإن خالفت ودخلت في الصلاة من غير تجديد طهارة، فإن اتصل الطهر.. لم تصح صلاتها.

(1/413)


وإن عاودها الدم، فإن كان بين معاودة الدم وانقطاعه مدة يمكن فيها فعل الصلاة.. لم تصح صلاتها؛ لأنه قد أمكنها فعل الصلاة من غير نجاسةٍ.
وإن كان بينهما مدة لا يمكن فيها فعل الصلاة.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجب عليها إعادة الصلاة؛ لأنا تيقنا بعود الدم أن الانقطاع لا حكم له.
والثاني: يجب عليها الإعادة، وهو الأصح؛ لأنها حال ما دخلت في الصلاة، دخلت بطهارة مشكوك فيها، فيلزمها إعادتها، وإن تيقنت أن طهارتها كانت صحيحة، كما لو استفتح لابس الخف الصلاة بعد أن مسح يومًا وليلة، وهو يشك: هل ابتدأ المسح في الحضر أو في السفر، ثم بان له أنه ابتدأ المسح في السفر.
وإن كان انقطاع دمها معتادًا، مثل: أن تستمر عادتها بأن ينقطع دمها ساعةً، ثم يعود، ثم ينقطع، فإن كانت مدة الانقطاع في عادتها مما يمكن فيها فعل الطهارة والصلاة.. فعليها: أن تعيد الطهارة والصلاة.
قال ابن الصباغ: وليس لها أن تتوضأ في حال جريان الدم، بل عليها أن تنتظر حال انقطاعه، ما لم يخرج الوقت. فإن توضأت في المدة التي جرت عادتها أن الانقطاع يتسع لفعل الطهارة والصلاة، ثم دخلت في الصلاة، ثم عاد الدم في حال الصلاة.. قال أبو العباس: فهذا حدث ثانٍ، فتبطل طهارتها بوجوده، ويلزمها الخروج من الصلاة، واستئناف الطهارة. وهل يلزمها استئناف الصلاة؟
فيه قولان كالقولين فيمن يسبقه الحدث في الصلاة؛ لأن خروج الدم عنها بغير اختيارها، كالصحيح إذا سبقه الحدث في الصلاة.
وإن كانت مدة الانقطاع يسيرة لا تتمكن فيها من فعل الصلاة والطهارة.. فهو كما لو كان الدم متصلاً.
قال أبو العباس: وهكذا إذا كانت مبتدأة وانقطع دمها، وعلمت أن هذا الانقطاع لا يتصل، لكنه يعود الدم. أو كان به جرح يسيل منه الدم فانقطع، فأخبره أهل البصر

(1/414)


بالطب: بأن هذا الانقطاع لا يتصل، بل يعود.. فهو كما لو لم ينقطع. ولها أن تصلي مع هذا الانقطاع.
فإن اتصل بها الطهر.. فإنه يجب عليها إعادة الصلاة وجهًا واحدًا؛ لأنا إنما أجزنا الصلاة بالطهر الأول ظنا أن الدم يعود، فإذا لم يعد.. تيقنا الخطأ فيما ظنناه.
وإن توضأت المستحاضة، ودخلت في الصلاة، فانقطع دمها في حال الصلاة، فإن كانت قد جرت عادتها بأن دمها ينقطع ويعود، وبين وقت انقطاعه وعوده مدة لا تتمكن فيها من الطهارة والصلاة.. لم تبطل صلاتها بهذا الانقطاع؛ لأن وجوده كعدمه.
وإن كانت قد جرت عادتها بأن دمها ينقطع، ويعود بعد مضي مدة تتمكن فيها من فعل الطهارة والصلاة. أو كان هذا الانقطاع لم تجر لها به عادةٌ، والظاهر أنه لا يعود الدم.. فهل تبطل صلاتها؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا تبطل صلاتها، كالمسافر إذا عدم الماء فتيمم، ثم وجد الماء بعد الدخول في الصلاة.
والثاني: تبطل صلاتها، وهو الصحيح؛ لأن عليها طهارة حدث، وطهارة نجس، ولم تأت عن طهارة النجس بشيء، وقد قدرت عليها، فلزمها الإتيان بها.
وتفارق المتيمم؛ لأنه قد أتى عن الطهارة بالماء بما هو بدل عنها، فجاز له استدامة التيمم مع وجود الماء. وطهارة المستحاضة قد بطلت بانقطاع الدم، وإذا بطلت الطهارة.. بطلت الصلاة.

[فرع: وطء المستحاضة]
] : يجوز للزوج وطء زوجته المستحاضة وإن كان الدم جاريًا.
وقال الحكم، وابن سيرين، والنخعي: لا يجوز له وطؤها.

(1/415)


وبه قال أحمد، إلا أن يخاف على نفسه العنت.
دليلنا: ما روي: (أن حمنة بنت جحش كانت تحت طلحة بن عبيد الله، وأم حبيبة كانت تحت عبد الرحمن، وكانتا مستحاضتين، وكانا يجامعان) .
والظاهر أنه لا يخفى ذلك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه قد بين سائر أحكامها ولم يذكر الوطء، فدل على جوازه.

[فرع: صاحب السلس]
] : ومن به سلس البول والمذي.. حكمه حكم المستحاضة في الشد، والوضوء لكل صلاة؛ لأن ذلك من نواقض الوضوء، فهو كالاستحاضة.
وأما من به جرح لا ينقطع منه الدم أو القيح.. فإنه بمنزلة المستحاضة في وجوب غسله، وشده عند كل صلاةٍ؛ لأنها نجاسة متصلة لعلة، فهو كالمستحاضة.
وأما الوضوء لكل صلاة: فلا يجب عليه.
وبالله التوفيق

(1/416)