البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [باب إزالة النجاسة]
أبوال بني آدم وذروقهم نجسةٌ، وهو قول كافة العلماء، إلا ما حكي عن داود: أنه قال: (بول الغلام الذي لم يطعم الطعام طاهرٌ) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه» . ولم يفرق.
وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بقبرين، فقال: "إنهما يعذبان، وما يعذبان بكبيرةٍ، أما أحدهما: فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر: فكان لا يستنزه من البول» .
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعمارٍ: «إنما تغسل ثوبك من الغائط والبول والمني والدم والقيء» .

(1/417)


وأجمعت الأمة على نجاسة الغائط.
وأما أبوال البهائم وأرواثها: فهي نجسةٌ ـ عندنا ـ سواءٌ في ذلك ما يؤكل لحمه، وما لا يؤكل لحمه. وبه قال ابن عمر، والأوزاعي، وهذه طريقة أصحابنا البغداديين.
وقال صاحب " الإبانة " [ق \ 68] : في بول ما لا نفس له سائلةٌ، وروثه وجهان، بناء على الوجهين في: أنه هل ينجس بالموت؟
وقال النخعي: أبوال البهائم كلها طاهرةٌ.
وقال مالكٌ والزهري، والثوري، وأحمد: (بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهرٌ) .
وحكى صاحب " الفروع ": أن هذا وجه لبعض أصحابنا؛ لـ: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف على الجمل) فلولا أن بوله وروثه طاهرٌ.. لما طاف عليه خشية أن ينجس المسجد.
وقال أبو حنيفة: (الكل نجسٌ، إلا ذرق الحمام، والعصافير، وما لا يمكن الاحتراز منه.. فإنه طاهرٌ؛ لأن العسل ذرق النحل، وهو طاهرٌ) .
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66] [النحل: 66] . فامتن الله علينا بأن أخرج لنا لبنًا طاهرًا يحل شربه من بين نجسين: الفرث، والدم.

(1/418)


وروي: «أن ابن مسعود أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحجرين وروثةٍ؛ ليستنجي بذلك، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: "إنها ركسٌ» .
و (الركس) : الرجيع وهذه العلة تعم جميع ما ذكرناه.
وأما طواف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الجمل؛ فلأنه حمل أمره: على السلامة، وأنه لا يبول ولا يبعر. كما حمل أمامة بنت أبي العاص في الصلاة وحمل أمرها على: أنها لا تبول ولا تتغوط. ثم لا يدل ذلك على: أن بولها وغائطها طاهرٌ.
وأما قوله: إن العسل ذرق النحل.. فغير صحيح؛ لأنه قد قيل: إن النحل تعسل بأفواهها، وقيل: لا يكاد يعرف منها حقيقة؛ لما روي: أن سليمان بن داود - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - أراد أن يعرف حقيقة ذلك، فاتخذ آنية من زجاج، وجعلها فيها؛ ليعرف كيف تعسل.. فلطخت وجه الآنية بالطين حتى لم يرها كيف تعسل.
والقيء نجس؛ لحديث عمار، ولأنه طعام استحال في الجوف، فكان نجسًا، كالغائط.
والبلغم الخارج من المعدة نجسٌ.
وقال أبو حنيفة: (هو طاهرٌ) .
دليلنا: أنه طعام أحالته الطبيعة فكان نجسًا، كالسوداء والصفراء.

[مسألة: القول في المذي والمني]
] : والمذي نجسٌ؛ لـ: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يغسل ذكره منه) .
والودي نجسٌ؛ لأنه في معناه.
وأما مني الآدمي: فالمشهور من مذهب الشافعي أنه طاهر ما لم تصبه نجاسةٌ. وبه

(1/419)


قال من الصحابة: ابن عباس، وسعد بن أبي وقاصٍ وعائشة.
وقال مالك، والأوزاعي: (هو نجس يجب غسله رطبًا ويابسًا) . وخرج صاحب " التلخيص " قولاً للشافعي مثل هذا.
وقال أبو حنيفةَ: (هو نجس يجب غسله إن كان رطبًا، وإن كان يابسًا.. أجزأه الفرك) .
وحكى بعض أصحابنا الخراسانيين في مني المرأة قولين. ومنهم من يقول: فيه وجهان، بناء على الوجهين في نجاسة رطوبة فرجها.
دليلنا: ما روى ابن عباسٍ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن المني يصيب الثوب؟
فقال: "أمطه عنك بإذخرةٍ؛ فإنما هو كبصاقٍ أو مخاطٍ» .
وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيصلي فيه» ولو كان نجسًا.. لما انعقدت معه الصلاة. ولأنه خارجٌ من حيوانٍ طاهرٍ، يخلق منه، مثل أصله، فكان طاهرًا، كالبيض.
فقولنا: (من حيوانٍ طاهرٍ) احترازٌ من مني الكلب والخنزير.
وقولنا: (يخلق منه، مثل أصله) احتراز من البول والمذي والودي.
وأما مني سائر الحيوانات غير الكلب، والخنزير، وما تولد منهما أو من أحدهما.. ففيه ثلاثة أوجهٍ:

(1/420)


أحدها: أنه طاهرٌ، كعرقه ولعابه.
والثاني: أنه نجسٌ؛ لأنه من فضول الطعام المستحيل، وإنما حكم بطهارته من الآدمي؛ لكرامته.
والثالث: أن كل ما أكل لحمه.. فمنيه طاهرٌ، كلبنه. وما لا يؤكل لحمه.. فمنيه نجسٌ، كلبنه.
فكل موضع قلنا: إن المني طاهرٌ.. فهل يحل أكله؟ فيه وجهان:
[الأول] : قال الشيخ أبو حامد: لا يحل أكله.
و [الثاني] : قال الشيخ أبو زيد المروزي: يحل أكله.
وفي نجاسة بيض ما لا يؤكل لحمه وجهان، كمنيه:
فإذا قلنا: إنه طاهرٌ.. فهل يجب غسل ظاهره؟ فيه وجهان، بناء على نجاسة رطوبة الفرج.
قال المسعودي [في" الإبانة " ق \ 68] : وإذا قلنا ماتت الدجاجة وفي جوفها بيضٌ.. فهل يحكم بنجاستها؟ فيه وجهان.

[مسألة: حكم الدماء]
مسألةٌ: [في الدماء] : وجميع الدماء نجسةٌ. وفي دم السمك وجهان:
أحدهما: أنه نجسٌ، كغيره.
والثاني: أنه طاهرٌ، كميتته.
وقال أبو حنيفة: (دم ما لا نفس له سائلةٌ طاهرٌ) . وهي إحدى الروايتين عن أحمد.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] [المائدة: 3] . وحديث عمارٍ. ولم يفرق.

(1/421)


[فرع: القيح والصديد والعلقة]
فرعٌ: [في القيح والصديد والعلقة] :
وأما القيح والصديد: فهو نجسٌ؛ لأنه أسوأ حالاً من الدَم.
وأما ماء القروح: فإن كان له رائحةٌ.. فهو كالقيح نجسٌ وإن لم يكن له رائحةٌ.. ففيه طريقان:
[الأول] : من أصحابنا من قال: فيه قولان:
أحدهما: أنه نجس، كالقيح.
والثاني: أنه طاهرٌ، كالعرق.
و [الطريق الثاني] : منهم من قال: هو طاهرٌ قولاً واحدًا، كالعرق.
واختلف أصحابنا في العلقة والمضغة التي هي مبتدأ خلق الآدمي، وفي البيضة إذا صارت دمًا.
فقال الصيرفي: الكل طاهرٌ؛ لأنه مبتدأ خلق حيوان طاهرٍ، فكان طاهرًا، كالمني.
وقال أبو إسحاق: هو نجسٌ؛ لأنه دمٌ خارجٌ من الرحم، فهو كالحيض.

[مسألة: ميتة الحيوان الطاهر]
] : الحيوان الطاهر إذا مات.. ينظر فيه: فإن كان من غير السمك، والجراد، والآدمي.. فهو نجسٌ، سواءٌ كانت له نفسٌ سائلةٌ، أو لا نفس له سائلةٌ. هذا نقل أصحابنا البغداديين؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] [المائدة: 3] . ولم يفرق. وحكى الخراسانيون في طهارة ميتة ما لا نفس له سائلةٌ، وجهين.

(1/422)


وأما السمك والجراد: فميتتهما طاهرةٌ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحلت لنا ميتتان ودمان؛ أما الميتتان: فالسمك والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال» .
فإن قطع من السمكة قطعةٌ، وبقيت السمكة حيةً.. فهل يحكم بطهارة تلك القطعة؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: أنها نجسةٌ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبين من حي.. فهو ميتٌ» .
والثاني: أنها طاهرةٌ؛ لأن ميتة السمك طاهرةٌ.

(1/423)


قلت: وينبغي أن يكون فيما أخذ من الجرادة، وبقيت الجرادة حيةً وجهان، كالسمكة.
وكذلك ينبغي أن يكون في ذرق الجراد وجهان، كدم السمك وذرقه.

[فرع: ميتة الآدمي]
] : وأما الآدمي إذا مات.. ففيه قولان:
أحدهما: أنه نجسٌ؛ لأنه حيوان لا يؤكل بعد موته، فكانت ميتته نجسةً، كسائر الميتات.
والثاني: أنه طاهرٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] [الإسراء: 70] .
ومن كرامته أن لا يكون نجسًا بعد موته.
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المؤمن ليس بنجس حيا ولا ميتًا» .
وإن انفصل شيء من جسد ابن آدم في حياته.. فاختلف أصحابنا فيه:
فقال الصيرفي: فيه قولان، كميتته.
وقال عامة أصحابنا: هو نجسٌ قولاً واحدًا. وهو الأصح؛ لأن الحرمة إنما تثبت لجملته لا لأبعاضه.

(1/424)


قال ابن الصباغ: والمشيمة - التي يكون فيها الولد - نجسةٌ إذا انفصلت؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبين من حي.. فهو ميتٌ» .

[فرع: حكم الخمر]
فرعٌ: [في الخمر] : الخمر نجسةٌ.
وقال ربيعة، وداود: (هي طاهرةٌ) .
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] [المائدة: 90] . فسماه: رجسًا، و (الرجس) ـ عند العرب ـ: النجس. وقَوْله تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] وهذا عمومٌ.
وأما النبيذ: فالمذهب: أنه نجسٌ؛ لأنه مسكرٌ، فكان نجسًا، كالخمر.
ومن أصحابنا من قال: إنه طاهرٌ؛ لاختلاف الناس فيه. وليس بشيءٍ.

[فرع: نجاسة الكلب والخنزير]
] : الكلب نجس الذات، نجس السؤر. وبه قال ابن عباسٍ، وأبو هريرة، وعروة بن الزبير، وبه قال أبو حنيفة.
وذهب الزهري، ومالك، وداود إلى: (أنه طاهرٌ، وسؤره طاهرٌ، إلا أنه يجب الغسل من ولوغه تعبدًا، لا للنجاسة) . واختاره ابن المنذر.
دليلنا: ما روى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فأريقوه، واغسلوه سبعًا، أولاهن بالتراب» .

(1/425)


فأمر بإراقة ما فيه وقد يكون عسلاً أو سمنًا، فلولا أنه نجس الذات والسؤر.. لما أمر بإراقة سؤره، مع (نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن إضاعة المال) .
والخنزير نجس الذات نجس السؤر؛ لأنه أسوأ حالاً من الكلب؛ بدليل: أنه يندب إلى قتله وإن كان لا ضرر به، فإذا كان الكلب نجسًا.. فهذا أولى.
وينجس ما تولد من الكلب والخنزير؛ لأنه مخلوق من أصل نجس، فكان نجسًا.

[فرع: ألبان غير المأكول]
] : واختلف أصحابنا في ألبان الحيوانات التي لا يؤكل لحمها غير الآدمي:
فقال أبو سعيد الإصطخري: هو طاهرٌ؛ لأنه حيوانٌ طاهرٌ، فكان لبنه طاهرًا، كالشاة والبقرة.
وقال عامة أصحابنا: هو نجسٌ ـ وهو المنصوص ـ كلحمه.

[فرع: رطوبة فرج المرأة]
واختلف أصحابنا في رطوبة فرج المرأة:
فمنهم من قال: إنها طاهرةٌ، كعرقها.
ومنهم من قال: إنها نجسة. وهو المنصوص؛ لأنها متولدة في محل النجاسة.
وكل عين طاهرةٍ إذا أصابها شيءٌ من هذه النجاسات، وأحدهما رطبٌ.. نجست العين الطاهرة بذلك.

(1/426)


[مسألة: تخليل الخمر]
] : لا يجوز تخليل الخمر، وإذا خللت بخل، أو ملح، أو ما أشبهه.. لم تطهر.
وقال أبو حنيفة: (يستحب تخليلها، وتطهر إذا خللت فتخللت) .
وقال مالك: (يكره تخليلها، إلا أنها إذا خللت فتخللت.. طهرت) .
دليلنا: ما روي: «أن أبا طلحة سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أيتام ورثوا خمرًا؟
فقال: "أهرقها" قال: أفلا أخللها؟ قال: لا» فنهاه عن التخليل.
فإن تخللت الخمر بنفسها.. طهرت؛ لأنا إنما حكمنا بنجاستها للشدة المطربة فيها، وقد زالت من غير نجاسة خلفتها، فحكم بطهارتها.
وهل يطهر الدن الذي هي فيه؟ فيه وجهان:
[الأول] : قال الداركي: إن كان مما لا يقبل جزءًا منها، كالزجاج، ونحوه.. طهر. وإن كان مما يقبل جزءًا منها.. لم يطهر.
و [الثاني] : قال عامة أصحابنا: يطهر بكل حال، على سبيل التبع للخمر. وهو الأصح.

(1/427)


وإن نقل الخمر من الشمس إلى الظل، أو من الظل إلى الشمس، فتخللت.. فيه وجهان:
أحدهما: لا تطهر؛ لأنها إنما تخللت بفعله، وهو فعل محظورٌ، فلم تطهر.
والثاني: أنها تطهر؛ لأنها قد زالت الشدة المطربة فيها، من غير نجاسةٍ خلفتها.
ولا يجوز إمساك الخمر لكي تتخلل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعن الله الخمرة وحاملها» . فإن أمسكها حتى تخللت بنفسها من طول الإمساك.. فهل يحكم بطهارتها؟ فيه وجهان، حكاهما الشاشي.

[فرع: السرجين والعظام المحروقة]
] : وإن أحرق العذرة أو السرجين أو عظام الميتة فصار رمادًا، أو طرح كلبًا ميتًا في مملحةٍ فصار ملحًا، أو طرح السرجين في التراب فصار ترابًا.. لم يطهر شي من ذلك.
وقال أبو حنيفة: (يطهر جميع ذلك) .
وحكى صاحب " الإبانة " [في ق \ 70] : أن هذا وجه لبعض أصحابنا. والمذهب الأول. دليلنا: أن نجاسة هذه الأشياء لعينها، والرماد هو عينها، فلم يحكم بطهارته، كالدَبس المتنجس إذا صار خلاً.
وفي دخان النجاسة وجهان:

(1/428)


أحدهما: أنه طاهرٌ؛ لأنه ليس هو النجاسة، ولا تولد منها، وإنما هو شيءٌ يحدثه الله عند التقاء جسم النار والعين النجسة، فلا معنى لتنجيسه.
فعلى هذا: إذا علق بالثوب.. لم يمنع من الصلاة فيه. وإذا حصل على حائط تنورٍ.. لم يمنع الخبز عليه.
والثاني: أنه نجسٌ. قال في " الفروع ": وهو الأصح؛ لأنه حادث من العين النجسة، فأشبه الرماد.
قال أصحابنا: فعلى هذا: إذا علق بالثوب، فإن كان قليلاً.. عفي عنه. وإن كان كثيرًا.. لم يطهر إلا بالغسل. وإن سود التنور، فإن مسحه بخرقة وزال.. جاز الخبز عليه؛ لأن التنور والدخان يابسان. وإن ألصق عليه الخبز قبل الإزالة.. نجس ظاهر الرغيف، ووجب غسله. هكذا ذكره الشيخ أبو حامد.
وقال الشاشي: إذا قلنا: إن دخان النجاسة نجسٌ.. فهل يعفى عنه؟ فيه وجهان.

[مسألة: ولوغ الكلب]
] : إذا ولغ الكلب في إناء فيه مائعٌ، أو ماءٌ دون القلتين، أو أدخل فيه منه عضوًا، أو وقع فيه شيءٌ من دمه، أو بوله، أو ذرقه.. وجب غسله سبع مرات، إحداهنَ بالتراب. وبه قال ابن عباس، وأبو هريرة، وأحمد، وإسحاق، والأوزاعي.
وقال أبو حنيفة: (يجب غسله إلا أن السبع لا تجب، بل يغسل حتى يغلب على الظن طهارته، فلو غلب على الظن طهارته بمرة أو مرتين.. حكم بطهارته) .
وقال مالك، وداود: (يغسل من الولوغ ـ كما قلنا ـ فأما إذا أدخل عضوًا منه فيه، أو بال فيه، أو وقع فيه شيءٌ من دمه أو روثه.. فلا يجب غسله سبعًا من ذلك) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبعًا أولاهنَ

(1/429)


بالتراب» فعلق طهارته بالسبع، فمن قال: إنه يطهر بدون ذلك.. فقد خالف مقتضى الخبر.
والاستدلال على داود ومالك: أنه نص على الولوغ، ونبه به على ما سواه.
إذا ثبت هذا: فإنه لا يجب أن يكون التراب في غسلةٍ ثامنةٍ، بل في أي السبع جعل التراب.. جاز.
والأفضل أن يجعل التراب فيما قبل السابعة؛ ليرد عليه ما ينظفه.
وقال الحسن، وأحمد: (يجب أن يكون التراب في غسلةٍ ثامنةٍ) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إحداهن بالتراب» . وهذا نصٌ في موضع الخلاف.
وفي قدر التراب وجهان، حكاهما الشاشي عن " الحاوي ":
أحدهما: ما يقع عليه الاسم.
والثاني: ما يستوعب محل الولوغ.
قال الشاشيُ: فإن أصاب بول الكلب أو دمه ثوبًا، فلم تزل عين البول والدم إلا بمرتين.. فهل يحتسب بهما من السبع، أو يحتاج إلى استئناف السبع بعد زوال العين؟

(1/430)


فيه وجهان.
ولا فرق بين أن يصب الماء على التراب، أو يصب التراب على الماء.. فإنه يجزئ؛ لأن المقصود يحصل بذلك.
وإن خلط التراب بخل، أو بماء ورد، وغسل به.. فهل يصحُ؟ فيه وجهان، حكاهما في " الإبانة " [ق \ 6] :
أحدهما: لا يجزئ؛ لأن المقصود هو التراب.
والثاني: لا يجزئ. قال: وهو الأصح؛ لأن الخل وماء الورد ليس بطهورٍ.
وإن كان التراب نجسًا.. فهل يجزئ؟
فيه وجهان، حكاهما في " الإبانة" [ق \ 6] .
وإن أصاب بول الكلب أرضًا، وجرى الماء عليه سبع مراتٍ.. فهل يحتاج إلى تراب آخر؟
فيه وجهان، حكاهما في" الإبانة " [ق \ 5] . الأصح: لا يحتاج؛ لأن نفس الأرض ترابٌ.
وإن غسل الإناء ثماني مرات بالماء من غير تراب.. فهل يحكم بطهارته؟
فيه وجهان، بناء على الوجهين في أن التراب شرع تعبدًا لا بد منه، أو للتنظيف؟
قال أبو العباس ابن سريج: شرع لتنظيف النجاسة.
فعلى هذا: تقوم الثامنة مقام التراب في التنظيف؛ لأن كل موضع يجوز التطهر بالتراب.. فالماء أجوز.
وقال غيره من أصحابنا: شرع التراب تعبدًا لا بد منه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصد تقوية الماء بالتراب؛ لتغلظ النجاسة، والتراب مع الماء ينقي ما لا ينقي تكرار الماء.
هكذا ذكر أصحابنا.
وذكر في " المهذب ": إذا غسل بالماء وحده.. فهل يجزئ؟

(1/431)


فيه وجهان، وأطلق، ولعله أراد: إذا أقام الثامنة مقام التراب، كما ذكر غيره.

[فرعٌ: وقوع ما نجسه الكلب في قليل الماء]
] : وإن وقع الإناء ـ الذي ولغ فيه الكلب ـ في ماء قليل.. نجس الماء، ولم يطهر الإناء.
وإن وقع الإناء في ماء كثير.. لم ينجس الماء، وهل يطهر الإناء؟
فيه خمسة أوجه:
أحدها: يحكم بطهارته؛ لأنه قد بلغ إلى حالة لو ولغ فيه الكلب.. لم ينجس، فحكم بطهارته. وهذا قول من يقيم الثامنة مقام التراب.
والثاني: يحتسب بذلك مرةً واحدةً، ولا بد من أن يغسل سبع مراتٍ، إحداهن بالتراب؛ لأن الإناء ما لم ينفصل عن الماء.. فهو في حكم الغسلة الواحدة.
والثالث: يحتسب بذلك ست مراتٍ؛ لأن ذلك أبلغ من ورود الماء عليه ست مرات، ولا بد من غسلةٍ سابعةٍ بالتراب. وهذا قول من لا يقيم الثامنة مقام التراب.
والرابع ـ ذكره في " العدة " ـ: إن أصاب الكلب الإناء نفسه.. احتسب بذلك غسلةً. وإن أصاب الكلب الماء الذي في الإناء، ونجس الإناء تبعًا للماء.. احتسب به ـ ها هنا ـ سبعًا؛ لأنه لما نجس الإناء تبعًا لغيره.. حكم بطهارته تبعًا لغيره.
والخامس ـ ذكره في " الفروع " ـ: إن كان الإناء ضيق الرأس.. لم يطهر؛ لأن الماء لا يجول فيه إلا مرةً. وإن كان واسعًا.. طهر؛ لأنه يجول فيه مرارًا.

[فرع: فقد التراب]
] : قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إن كان في بحر لا يجد ترابًا، فغسله بما يقوم مقام التراب في التنظيف، من الأشنان، والنخالة، وما أشبه ذلك.. ففيه قولان:
أحدهما: لا يجزئه؛ للخبر. ولأنه تطهير نص فيه على التراب، فاختص به، كالتيمم. وفيه احتراز من الاستنجاء، والدباغ.

(1/432)


والثاني: يجزئه؛ لأنه تطهير نص فيه على جامد، فلم يختص به، كالاستنجاء والدباغ) . وفيه احتراز من إزالة النجاسة بالماء.
واختلف أصحابنا في موضع القولين:
فمنهم من قال: القولان في حال عدم التراب، فأما مع وجود التراب: فلا يجوز بغيره قولاً واحدا. وهو ظاهر النص؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نص على القولين، إذا كان في البحر حيث يعدم التراب، فعلم أن مع وجوده لا يقوم مقامه غيره قولاً واحدًا.
ومنهم من قال: القولان في الحالين؛ لأنه على القول الذي يقول: لا يجوز بغير التراب.. شبهه بالتراب ًفي التيمم، وجعل التيمم بالتراب أصلاً له، وعندنا: لا يجوز التيمم بغير التراب، مع وجود التراب، ولا مع عدمه.. فيجب أن يكون الغسل بغير التراب لا يجوز ـ على هذا القول ـ مع وجود التراب، ولا مع عدمه، كالأصل الذي قاس عليه.
وعلى القول الذي قال: يجوز الغسل بغير التراب.. شبهه بالاستنجاء والدباغ، وجعل الأحجار في الاستنجاء، والدباغ في القرظ أصلا له. والاستنجاء يجوز بغير الأحجار، مع وجود الأحجار ومع عدمها. والدباغ يجوز بغير القرظ مع وجود القرظ ومع عدمه.. فيجب أن يجوز غسل الإناء بغير التراب ـ على هذا القول ـ مع وجود التراب، ومع عدمه، كالأصل الذي قاس عليه.
وأما كلام الشافعي ـ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في البحر ـ: فلم يذكر البحر على سبيل الشرط، وإنما ذكر الموضع الذي تدعو الحاجة إلى العدول إلى غير التراب؛ لأنه مع وجود التراب.. لا غرض له في العدول عنه.
إذا ثبت هذا: فذكر في " الإبانة " [ق \ 5 و6] :
إذا قلنا: يقوم غير التراب مقامة في الإناء.. ففي الثوب أولى.

(1/433)


وإن قلنا: لا يقوم غير التراب مقامه في الإناء.. ففي الثوب وجهان.
والفرق بينهما: أن التراب يفسد الثوب ويقطعه ـ وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن إضاعة المال ـ بخلاف الإناء.

[فرع: في ولوغ الكلاب]
] : قال في " حرملة ": (إذا ولغ في الإناء كلابٌ.. أجزأه أن يغسله سبع مراتٍ إحداهن بالتراب) .
ومن أصحابنا من قال: يجب أن يغسل لكل كلبٍ سبع مراتٍ، كما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إذا بال رجلٌ.. صب عليه ذنوبٌ وإن بال رجلان.. صب عليه ذنوبان) .
والأول أصح؛ لأن البول يحتاج إلى زيادة ماء ليزيله. ولم يرد الشافعي بما ذكره التقدير، وإنما ذكره على حكم الغالب. وليس كذلك ولوغ الكلب الثاني؛ فإنه لا يزيد النجاسة، ولا يؤثر فيها، فجرى الكلب الواحد إذا كرر الولوغ. وإن ولغ الكلب في إناء، ووقعت فيه نجاسةٌ.. أجزأه للجميع غسله سبع مراتٍ إحداهن بالتراب؛ لأن النجاسة تتداخل. ولهذا لو أصابه بولٌ ودمٌ، وغسله مرةً زال الجميع.. أجزأه.

[فرع: غسالة الولوغ]
إذا ولغ الكلب في إناء فغسل، وانفصل الماء عن الإناء، وهو غير متغيرٍ.. فهل يحكم بطهارة الماء؟ فيه ثلاثة أوجهٍ:

(1/434)


أحدها: أن جميع الغسلات طاهرةٌ.
والثاني: أن جميعها نجسةٌ.
والثالث: أن السابعة طاهرةٌ، وما قبلها نجسةٌ. وهو الصحيح، وقد مضت دلالة الوجوه.
فإذا قلنا بهذا: فجمعت السابعة إلى الست، ولم يبلغ قلتين.. ففيه وجهان:
أحدهما: أنه طاهرٌ؛ لأنه ماءٌ انفصل عن الإناء وهو طاهرٌ، فأشبه السابعة.
والثاني: أن الكل نجسٌ. وهو الصحيح؛ لأن السابعة هي الطاهرة، والست نجساتٌ، وهن الغالبات على السابعة، فكان الكل نجسًا.
فأما إذا قلنا: إن الكل نجسٌ.. فلا يفيد الجمع، إذا لم يبلغ الجميع حد الكثرة.
وإن أصاب الثوب شيء من ماء إحدى الغسلات، فإن قلنا: إن الجميع طاهرٌ.. فلا تفريع عليه.
وإن أصابه مما حكم بنجاسته منها.. نجس الثوب. وكم القدر الذي يجب غسل الثوب منه؟ ينظر فيه:
فإن أصابه من السادسة، أو من السابعة إذا قلنا: إنها نجسةٌ.. حكم بطهارته بغسل مرة واحدةٍ، وجهًا واحدًا.
وإن أصابه مما قبلهما.. ففيه وجهان:
أحدهما: يكفيه غسل مرةٍ واحدةٍ؛ لأن كل غسلةٍ تزيل سبع النجاسة، فيغسل منها مرةً.
والثاني: إن أصابه من الغسلة الأولى.. لم يطهر ما أصابه منها إلا بغسل ست مراتٍ. وإن أصابه من الثانية.. غسل منها خمس مراتٍ. وإن أصابه من الثالثة.. غسل منها أربع مراتٍ، اعتبارًا بالبلل الباقي في الإناء.
فعلى هذا: ينظر: فإن أصاب الثوب من الغسلة التي غسل الإناء فيها بالتراب، أو

(1/435)


مما بعدها.. لم يجب أن يغسل الثوب بالتراب. وإن أصابه من غسلة في الإناء قبل التراب.. لم يطهر الثوب إلا بالغسل بالتراب، اعتبارًا بالبلل الباقي في الإناء.

[فرع: أكل الكلب الطعام الجامد]
] : إذا أكل الكلب من طعامٍ جامدٍ.. فإنه يزال ما أصاب منه، أو يغسل سبعًا إحداهن بالتراب، وينتفع بالباقي من غير غسل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الفأرة تقع في السمن: «إن كان ذائبًا.. فأريقوه، وإن كان جامدًا.. فألقوها وما حولها» .

[مسألة: حكم الخنزير]
مسألة: [في حكم الخنزير] : حكم الخنزير حكم الكلب، في جميع ما ذكرناه من الغسل.
وقال أبو العباس ابن القاص في " المفتاح ": قال الشافعي في القديم: (يغسل منه مرةً واحدةً) .
وقال سائر أصحابنا: يغسل منه كالكلب، قولاً واحدًا. والذي قاله في القديم مطلقٌ، وأراد به: السبع؛ لأنه حيوانٌ نجسٌ في حياته، فهو كالكلب.

(1/436)


[مسألة: بول الغلام الصغير]
] : بول الصبي والصبية اللذين لم يطعما الطعام نجسٌ، كبول الذي يطعم الطعام، خلافًا لداود في بول الصبي، وقد مضى.
إذا ثبت هذا: فلا خلاف على المذهب: أنه يجب الغسل منهما، ولكنهما مختلفان في كيفية الغسل: فيجزئ في بول الغلام الذي لم يطعم الطعام النضح، وهو: أن يبل موضعه بالماء، وإن لم ينزل عنه.
وفي بول الصبية وجهان، ومنهم من يقول: هما قولان:
أحدهما: يجزئ فيه النضح، كبول الغلام.
والثاني: يجب غسله، كسائر الأبوال. وهو المشهور.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (يجب غسل بول الصبي، كسائر الأبوال) .
دليلنا: ما روي: «أن الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بال على ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرشه، فقيل له: ألا تغسل ثوبك؟! فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
"إنما يغسل بول الجارية، ويرش بول الغلام» .
وروي عن علي كرم الله وجهه: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يغسل بول الجارية، وينضح بول الغلام» .

(1/437)


قال أصحابنا: ولأن الغلام يبلغ بطاهر وهو: المني والجارية تبلغ بنجس ـ وهو: الحيض ـ فاختلفا في تطهير بولهما. وأيضًا: فإن البول يختلف في الإزالة والتطهير: فمنه ما يحتاج في تطهيره إلى ماء كثير، وهو: بول المحرور فإن بوله ثخين أصفر، له رائحة، فلا يزول إلا بماء كثير.
وبول المرطوب: أبيض رقيق، لا رائحة له، يزول بماء قليل.
وإذا كان كذلك.. فقيل: إن بول الجارية أصفر ثخينٌ، وبول الغلام أبيض رقيق، فاختلفا في باب الإزالة.

[مسألة: أنواع النجاسات]
وما سوى ذلك من النجاسات.. ينظر فيها:
فإن كانت ذائبة.. غسل موضعها.
وإن كانت جامدة.. أزيلت، ثم غسل موضعها.
والمستحب: أن يغسل ذلك ثلاث مراتٍ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا استيقظ أحدكم من نومه.. فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا» .
فإذا شرع ذلك في النجاسة التي يشك فيها.. فلأن يشرع في النجاسة المتيقنة أولى.
والواجب من ذلك: مرةٌ واحدةٌ.
وقال أحمد: (يجب في جميع النجاسات سبع مراتٍ) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأسماء في دم الحيض يصيب الثوب: «حتيه، ثم اقرصيه، ثم اغسليه بالماء» . ولم يعتبر العدد.

(1/438)


وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام» . ولم يعتبر العدد.
وروي عن ابن عمر: أنه قال: «كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة والبول سبع مراتٍ، فلم يزل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يراجع ربه ليلة أسري به، حتى جعلت الصلاة خمسًا، والغسل من الجنابة والبول من الثوب مرةً» .

[فرع: نجاسة الأرض]
فإن أصابت الأرض نجاسةٌ ذائبةٌ وكاثرها بالماء.. أجزأه.
وقال أبو حنيفة: (إن كانت الأرض رخوة ينزل فيها الماء، وصب عليها الماء.. أجزأه. وإن كانت صلبة.. لم يجزئه إلا حفرها، ونقل التراب) .
دليلنا: ما روى أبو هريرة: «أن أعرابيًا دخل المسجد، فقال: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لقد تحجرت واسعًا". فما لبث أن قام إلى زاوية من المسجد، فبال فيها، فابتدره أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعوه"، ثم دعا بذنوب من ماءٍ، فأراقه عليه، وقال: "علموا، ويسروا ولا تعسروا» و (الذنوب) : هو الدلو الكبير، قال الشاعر:
لنا ذنوبٌ ولكم ذنوبُ ... فإن أبيتم فلنا القليب

(1/439)


والسجل: مثله، والغرب: دونه، والقليب: البئر.
وفي قدر المكاثرة وجهان:
أحدهما: لا يطهر حتى يصب على النجاسة سبعة أضعافها من الماء؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (ويصب الماء على البول سبعة أضعافه) .
والثاني ـ وهو المذهب ـ: أن قدر المكاثرة: هو أن يصب على النجاسة ماءٌ يغمرها ويستهلكها، مما يذهب بلونها ورائحتها، وقد نص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذا في " الأم " [1/44] . وأما قوله: (يصب الماء على البول سبعة أضعافه) : فليس على سبيل التقدير، بل أراد على حكم الغالب، وأن البول لا يذهب برائحته ولونه إلا هذا القدر.
وإن بال في الأرض اثنان.. ففيه وجهان:
[الأول] : من أصحابنا من قال: يجب لبول كل واحد ذنوبٌ؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (وإن بال اثنان.. لم يطهره إلا ذنوبان) .
والثاني ـ وهو الصحيح ـ: أنه يكفي فيه المكاثرة، على ما ذكرناه؛ لأن ذلك يؤدي إلى التناقض، بأن يطهر البول الكثير من واحد بذنوب، وما دون ذلك من اثنين لا يطهر إلا بذنوبين. وكلام الشافعي محمول على حكم الغالب في العادة، وأن بول الواحد لا يغمره إلا ذنوبٌ، وبول الاثنين لا يغمره إلا ذنوبان.
وإن أصابت الأرض نجاسةٌ مستحسةٌ، كالعذرة، والسرجين، ولحم الميتة، وفي أحدهما رطوبةٌ.. فتطهير الأرض يحصل بأن تزال عنها الأعيان النجسة، ثم يطهر موضعها، إما بأن يقلع التراب الذي بلغت إليه رطوبة النجاسة، أو بأن يغسل على ما ذكرناه في الذائبة.
وإن طين على النجاسة بطينٍ طاهرٍ، أو بترابٍ طاهر، وصلى فوق ذلك.. صح مع الكراهة، كالمقبرة التي لم تنبش.
وإن اختلطت العذرة بالتراب، ولم تتميز.. فإنها لا تطهر بصب الماء عليها؛ لأن أعيان النجاسة لا تطهر بالماء، وإنما تطهر بأن يزال ذلك التراب الذي بلغت إليه رطوبة

(1/440)


العذرةِ. أو بأن يطرح عليها ما يغطيها من التراب أو الطين، فإذا صلى فوقها.. كره، وصحت صلاته، كالمقبرة التي لم تنبش.

[فرع: مكاثرة النجاسة بالماء]
] : وإن كانت النجاسة على الأرض، فكاثرها بالماء.. فهل يحكم بطهارتها قبل أن ينشفها؟ فيه وجهان:
أحدهما: يحكم بطهارتها؛ لأن الطهارة تتعلق بالمكاثرة، وقد وجدت.
والثاني: لا يحكم بطهارتها حتى تنشف؛ لأنه لا يتحقق ذهاب النجاسة إلا بذلكٍ. والأول أصحُ. وإن كانت على ثوبٍ، فكاثرها بالماء.. فهل يحكم بطهارته قبل العصر؟ فيه وجهان:
أحدهما: يحكم بطهارته، كالأرض إذا كوثرت.
والثاني: لا يحكم بطهارته حتى يعصر؛ لأن العصر ممكن فيه، بخلاف الأرض. والأول أصح. وإن كانت النجاسة في إناء، فصب عليها ماء غمر النجاسة.. فهل يحكم بطهارته قبل أن يصب ما فيه؟ أو كان في الإناء شيءٌ، وفيه نجاسةٌ.. فهل تجزيء فيه المكاثرة قبل إراقة ما فيه؟ على وجهين:
أحدهما: يحكم بطهارته قبل إراقة ما كاثره به، وتجزئ فيه المكاثرة قبل إراقة ما فيه، كالأرض النجسة إذا كاثرها بالماء.
والثاني: لا يحكم بطهارته قبل الصب والإراقة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الكلب يلغ في

(1/441)


الإناء: «فليهرقه، ثم ليغسله سبع مراتٍ» . ولأنه يمكن إراقة ما في الإناء، فلم يحكم بطهارته قبل ذلك. والأول أصح.

[فرع: التلوث بنجاسة الخمر]
] : وإن كانت النجاسة خمرًا، فغسل ما أصابته، وبقي لونها.. لم يحكم بطهارة ما أصابته؛ لأن بقاء اللون يدل على بقاء عين الخمر.
وإن ذهب لونها، وبقي ريحها.. ففيه قولان ـ قال صاحب " العدة ": وقاس أصحابنا بول المبرسم على الخمر إذا بقي ريحه؛ لأن له رائحةً كريهةً ـ:
أحدهما: لا يحكم بطهارة الموضع؛ لأن بقاء الرائحة يدل على بقاء شيءٍ من عينها، فهو كما لو بقي اللون.
والثاني: يحكم بطهارته؛ لأن رائحته قد تعبق وإن لم يبق شيء من العين، بخلاف اللون.
فإن بقي ريح غير الخمر.. فسائر أصحابنا قالوا: لا يحكم بطهارة المحل، قولاً واحدًا.
وقال صاحب " الفروع "، و" التلخيص ": هي على قولين، كالخمر.
وإن أصاب الثوب دم الحيض، أو غيره من الدماء.. فالمستحب: أن يحته بعود أو عظم، ثم يقرصه بين إصبعيه، ثم يغسله؛ لما ذكرناه في حديث أسماء.

(1/442)


فإن غسله من غير قرصٍ ولا حتً.. أجزأه.
وقال أهل الظاهر: لا يجزئه.
دليلنا: أن المقصود غسله وإزالة عينه، وقد وجد.
فإن غسله، وبقي له أثر لم يزله الماء، ولا يزول إلا بالقطع.. عفي عنه، وكذلك الحكم في كل نجاسة غسلت، وبقي لها أثر لا يزول إلا بالقطع.. فإنه يعفى عنها.
وروي عن ابن عمر: (أنه كان يدعو بالجلم فيقطعه) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لخولة بنت يسار: «الماء يكفيك، ولا يضرك أثره» .
وروي: أن معاذة العدوية سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن ذلك؟ فقالت: «اغسليه بالماء، فإن لم يذهب فغيريه بالصفرة، ولقد كنت أحيض عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث حيضٍ، ولا أغسل لي ثوبًا» .
وروي: أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: (كنا نغسل الثوب من دم الحيض، فيبقى لونه، فنلطخه بالحناء) .
وإن غمس الثوب النجس في إناء فيه ماءٌ دون القلتين.. نجس الماء، ولم يطهر الثوب فيه.
ومن أصحابنا من قال: إن قصد إلى إزالة النجاسة بذلك.. طهر الثوب.

(1/443)


والأول أصح؛ لأنه ماءٌ قليلٌ قد وردت عليه النجاسة، والقصد غير معتبر في إزالة النجاسة، ولهذا يطهر الثوب بغسل المجنون، وبماء المطر.

[فرع: غسل بعض الثوب النجس]
] : حكى الشيخ أبو حامدٍ، والمحاملي، وصاحب " الإفصاح ": أن أبا العباس ابن القاص قال: إذا كان الثوب كله نجسًا، فغسل نصفه، ثم عاد إلى ما بقي، فغسله.. فإنه لا يطهر حتى يغسله كله. قال: لأنه إذا غسل نصفه.. فالجزء الرطب الذي يلاصق الجزء اليابس النجس ينجس به؛ لأنه يلاصق ما هو نجسٌ، ثم الجزء الذي بعده ينجس بملاصقته الجزء الأول، ثم الذي بعده ينجس بملاصقته، حتى تنجس الأجزاء بعضها ببعض إلى آخر الثوب.
وقال الشيخ أبو حامدٍ: غلط أبو العباس، بل يطهر الثوب؛ لأن الجزء الذي يلاصق ذلك الجزء النجس من الثوب ينجس به؛ لأنه لاقى عين النجاسة. فأما الجزء الذي يلاصق ذلك الجزء: فإنه لا ينجس به؛ لأنه لاقى ما هو نجسٌ حكمًا لا عينًا، ألا ترى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن الفأرة تقع في السمن؟ فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
«إن كان جامدًا.. فألقوها وما حولها» .
فحكم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بنجاسة الجزء الذي يلاصق الفأرة من السمن، دون سائر الأجزاء، فعلم بهذا: أن الجزء الذي يلاصق عين النجاسة ينجس به، وما لاقى ذلك الجزء لا ينجس. ولو كان الحكم كما ذكر ابن القاصَ.. لوجب أن ينجس السمن كله.
وأما ابن الصباغ: فحكى: أن ابن القاص قال: إذا غسل نصفه في جفنةٍ، ثم عاد إلى ما بقي فغسله.. لم يطهر حتى يغسله كله. وحكى عن أبي العباس العلة التي حكاها عنه الشيخ أبو حامدٍ.
قال ابن الصباغ: والأمر على ما قاله أبو العباس، إلا أنه أخطأ في الدليل، بل الدليل على صحة ما ذهب إليه: أن الثوب إذا وضع نصفه في الجفنة، وصب عليه ماءٌ يغمره.. فلا بد أن يكون هذا الماء ملاقيًا لجزء مما يغسله من الثوب، وذلك الجزء

(1/444)


نجسٌ واردٌ على ماءٍ قليلٍ فينجسه، وإذا نجس الماء.. نجس الثوب.
والذي يتبين لي من هذا: أنهما مسألتان:
فإن غسل نصفه في جفنةٍ.. فالأمر على ما قاله ابن الصباغ.
وإن غسل نصفه بصب الماء عليه من غير جفنةٍ.. فكما قال الشيخ أبو حامدٍ.

[مسألة: طهارة المصقول]
] : إذا أصابت النجاسة الأشياء الصقيلة، كالمرآة والسكين، والسيف.. لم تطهر بالمسح، وإنما تطهر بالغسل.
وقال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد: (تطهر بالمسح) .
دليلنا: أنه محلٌ نجسٌ، فلم يطهر بالمسح، كالثوب.
وإن بل خضابًا ببول أو خمرٍ أو دمٍ، وخضب به شعره أو بدنه، فغسله وبقي اللون.. فإن كان الباقي لون النجاسة.. لم يطهر.
وإن كان لون الخضاب.. فيه وجهان، حكاهما الشاشي.
قال: فإذا قلنا: إنه نجسٌ، وكان الخضاب في الشعر.. لم يلزمه حلقه. ويصلي، فإذا ذهب الخضاب.. أعاد الصلاة. وإن كان في بدنه، وكان لا يذهب، كالوشم، وخاف التلف من إزالته.. ففيه وجهان.
وإن سقى سكينًا بماءٍ نجسٍ ثم غسله.. طهر ظاهره. وهل يطهر باطنه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يطهر إلا أن يسقيه مرةً ثانيةً بماءٍ طاهرٍ.

(1/445)


والثاني: يطهر بغسل ظاهره؛ لأن الماء هو المطهر دون النار.
وإن طبخ لحمًا بماءٍ نجسٍ.. صار ظاهره وباطنه نجسًا. وكيف يطهر؟ فيه وجهان:
أحدهما: يطهر بأن يغليه مرةً أخرى بماءٍ طاهرٍ.
والثاني: يكاثره، ثم يعصره، كالبساط.
وإن ابتلعت بهيمةٌ حباتٍ من طعامٍ، فألقتها.. فقد قال بعض أصحابنا: إن كانت بحيث إذا زرعت نبتت.. غسل ظاهرها. وإن كانت بحيث إذا زرعت لم تنبت.. لم تطهر. قال الشاشي: وهذا فيه نظرٌ بل هو بمنزلة ما طبخ بماءٍ نجسٍ.

[مسألة: النجاسة الذائبة إذا أصابت الأرض]
] : إذا أصابت الأرض نجاسةٌ ذائبةٌ، فطلعت عليها الشمس، وهبت عليها الريح حتى ذهب لونها وأثرها وريحها.. ففيه قولان:
[الأول] : قال في القديم: (تطهر) . وبه قال أبو حنيفة، وأبو يوسف؛ لأن الأرض مع الشمس والريح يحيلان الشيء عن طبعه، فكان تأثيرها أكثر من تأثير الماء. ولأنها إذا جفت.. لم يبق شيء من النجاسة، أو يبقى الشيء القليل، فعفي عنه.
و [الثاني] : قال في الجديد: (لا تطهر) . وبه قال مالك، وهو الصحيح؛ لأنه محل نجسٌ، فلا يطهر بالشمس، كالثوب.
وأما إذا ذهب لون النجاسة وريحها بالظل.. فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا تطهر الأرض، قولاً واحدًا؛ لأنه ليس للظل قوة كقوة الشمس.
وقال الخراسانيون: إن قلنا: إن الأرض لا تطهر بالشمس.. فالظل أولى أن لا تطهر به.
وإن قلنا: تطهر بالشمس.. ففي الظل وجهان.

(1/446)


[فرع: حكم ضرب اللبن بتراب نجس]
] : إذا ضرب لبن من تراب فيه نجاسةٌ ذائبةٌ، مثل: البول، والخمر.. فإن اللبن نجسٌ. فإن أراد تطهيره قبل الطبخ، فإن كاثر ظاهره بالماء.. طهر ظاهره، ولا يطهر باطنه إلا بأن يفت، ثم يكاثره بالماء، أو يصب عليه من الماء ما يغمره ويتهرى في الماء.
وإن طبخ هذا اللبن، فإذا كاثر ظاهره بالماء.. طهر، فإن خرج البذاء من الجانب الآخر.. طهر باطنه أيضًا.
فإن خلط بطينه نجاسةً مستجسدةً مثل: السرجين، والعذرة، فما دام لبنًا لم يطبخ.. فإنه لا يطهر بالغسل؛ لأن الأعيان النجسة لا تطهر بالغسل.
فإن طبخ هذا اللبن.. فهل يطهر بذلك من غير غسل؟
المشهور من المذهب: أنه لا يطهر.
وخرج الخضري قولاً آخر: أنه يطهر قبل أن يغسل. وأخذه من أحد قولي الشافعي في الشمس إذا طلعت على الأرض التي أصابتها نجاسةٌ ذائبةٌ، وأذهبت لونها وأثرها وريحها.
فإذا قلنا: لا يطهر بالطبخ، فغسل ظاهر هذا اللبن.. فهل يحكم بطهارة ظاهره؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وهو قول القفال، وابن المرزبان، واختيار ابن الصباغ ـ: أنه يطهر؛ لأن النار أحرقت النجاسة، وإنما يبقى أثرها، فإذا مر عليها الماء.. طهرها.

(1/447)


والثاني ـ وهو اختيار الشيخ أبي إسحاق ـ: أنه لا يطهر؛ لأن النار لا تطهر النجاسة عندنا.
فإذا قلنا: إنه طاهرٌ، وكسر موضعٌ منه.. فما ظهر بالكسر نجسٌ، فلا يطهر بالغسل، وتصحُ الصلاة على ما لم يكسر منه، ولكنها مكروهةٌ، كما لو صلى على مقبرة لم تنبش. ويكره أن يبنى به المسجد.
وإن حمله المصلي.. فهل تصح صلاته؟
فيه وجهان، كما لو حمل قارورة فيها نجاسةٌ، وقد سد رأسها بصفرٍ أو نحاسٍ.

[مسألة: حكم الخف الذي تصيبه النجاسة]
] : إذا أصاب أسفل الخف نجاسةٌ، فدلكه على الأرض، فأزال عينها وبقي أثرها، فإن كانت رطبةً.. لم يجز؛ لأنها تزول بالدلك في حال رطوبتها عن محلها إلى غيره من الخف.
وإن أصابت الخف وهي رطبةٌ، فجفت عليه، ثم دلكها عن الخف، فأزال عينها وبقي الأثر.. فإنه لا يحكم بطهارة الخف قولاً واحدًا. وهل يعفي عن ذلك الأثر؟ فيه قولان:
[الأول] : قال في القديم: (يعفى عنه، وتصحُ صلاتهُ وهو لابسٌ لهُ) .
وبه قال أبو حنيفة؛ لما روى أبو سعيد الخدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد.. فلينظر نعليه: فإن كان فيهما خبثٌ.. فليمسحه بالأرض، ثم ليصل فيهما» . ولأنه موضع تتكرر فيه النجاسة، فأجزأ فيه المسح، كموضع الاستنجاء.

(1/448)


و [الثاني] : قال في الجديد: (لا يعفى عنه) . وهو الصحيح؛ لأنه ملبوسٌ نجسٌ، فلا يطهر إلا بالغسل، كالثوب. هذا ترتيب الشيخ أبي إسحاق.
وأما الشيخ أبو حامد، والمحاملي.. فقالا: إذا أصاب أسفل الخفَ نجاسةٌ، فدلكه بالأرض، حتى ذهبت عينها.. فهل تصح الصلاة به؟ فيه قولان:
الصحيح: لا تصحُ. ولم يفصلا.
والله أعلم بالصواب، وبالله التوفيق.

(1/449)