البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [كتاب الصلاة]
الصلاة في اللغة: عبارة عن الدعاء، قال الله تعالى لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] [التوبة: 103] ؛ أي: ادع لهم.
وقال الأعشى:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ... يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليكِ مثل الذي صليت فاغتمضي ... يومًا فإن لجنب المرء مضطجعا
يقول: عليكِ مثل الذي دعوت.
وأما في الشرع: فقد نقل هذا الاسم إلى أقوال وأفعال مخصوصة، وهي: التكبير، والقراءة، والركوع، والسجود، والتشهد، وغير ذلك. فإذا وردت الصلاة في الشرع.. فإنما تنصرف إلى الصلاة الشرعية دون اللغوية.
إذا ثبت هذا: فإن الصلاة واجبة، والأصل - في وجوبها -: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 110] [البقرة: 110] .
وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} [البينة: 5] [البينة: 5] .
وقَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] [الكوثر: 2] . وغير ذلك من الآيات.

(2/7)


وأما السنة: فما روى ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» . وغير ذلك من الأخبار.
وأجمعت الأمة على وجوب الصلاة.
إذا ثبت هذا: فإن أول ما افترض الله تعالى من الصلاة قيام نصف الليل، أو دونه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} [المزمل: 3] {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] [المزمل: 1 - 4] . ثم نسخ ذلك، وخففه بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] [المزمل: 20] . يريد: صلوا ما تيسر.
قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: (كان بين أول السورة وآخرها سنة، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس) . وقيل نسخ بقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] [الإسراء: 78] . واستقر الفرض على الصلوات الخمس ليلة الإسراء.
والدليل عليه: ما روي - في حديث المعراج -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «فرض الله تعالى على أمتي خمسين صلاة، فلما لقيت موسى بن عمران - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.. فقال: ما فعل معك ربك؟ فقلت: فرض على أمتي خمسين صلاة، فقال: ارجع، فاسأله التخفيف؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك. فراجعته، فنقصني خمسًا - وفي رواية: فوضع شطرها - فما زلت أتردد بين ربي وموسى، حتى جعلها خمس صلوات، فقال موسى: ارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك، فقلت: أستحيي، فإذا النداء - من عند الله تعالى -: ألا إني قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وجعلت الحسنة بعشر أمثالها، هي خمس، وهن خمسون، ما يبدل القول لدي، وما أنا بظلام للعبيد» .

(2/8)


وروى عبادة بن الصامت: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «افترض الله تعالى على عباده خمس صلوات، فمن جاء بهن، فأحسن وضوءهن، وأتم ركوعهن وخضوعهن وخشوعهن ... كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة. ومن لم يأت بهن، وضيّع حقوقهن.. لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له» .
وروي: «أن أعرابيًا دخل المسجد، وسأل عن الإسلام؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خمس صلوات في اليوم والليلة ". فقال: هل علي غيرها؟ فقال: " لا، إلا أن تطوع» .
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن، ما لم تُغْشَ الكبائر» .

[مسألة في شروط وجوب الصلاة]
] : ولا تجب الصلاة إلا على مسلم، بالغ، عاقل، طاهر.
فأما الكافر: فإن كان أصليًا. . فلا خلاف أنه مخاطب بالتوحيد. وهل هو مخاطب بالأعمال الشرعية، كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج؟ فيه وجهان:
[الأول] : قال أكثر أصحابنا: هو مخاطب بها؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 44] [المدثر: 42 - 44] .

(2/9)


وقَوْله تَعَالَى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 6] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 7] [فصلت: 6 - 7] .
فعلى هذا: يعاقبون على ترك ذلك في الآخرة، إذا ماتوا على الكفر، ولا خلاف أنهم لا يعاقبون على تركها في الدنيا، ولا يصح منهم فعلها قبل الإسلام.
والوجه الثاني - وهو اختيار الشيخ أبي حامد -: أنهم غير مخاطبين بذلك، ولا يأثمون بتركها؛ لأنهم لو كانوا مخاطبين بذلك. . لعوقبوا على تركها في الدنيا، ولصح منهم فعلها، ولوجب عليهم قضاؤها.
ومن الناس من قال: إنهم مخاطبون بالمنهيات، مثل: ترك الزنا، والقتل، وغير مخاطبين بالمأمورات.
وإذا أسلم الكافر. . لم يجب عليه قضاء ما تركه من الصلوات في حال الكفر، سواء قلنا: إنه مخاطب بفعلها، أو غير مخاطب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] [الأنفال: 38] .
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإسلام يجب ما قبله» .
ولأن في إيجاب القضاء عليه تنفيرًا عن الإسلام.

(2/10)


وإن كان الكافر مرتدًا. . فإنه مخاطب بالصلاة؛ لأنه قد التزم ذلك بالإسلام، ولا تصح منه في حال الردة؛ لأن الردة تنافي الصلاة، فلم تصح معها.
فإذا أسلم. . وجب عليه قضاء ما تركه في حال الردة.
وقال أبو حنيفة: (لا يجب) .
دليلنا: أنه قد التزم ذلك بالإسلام، فلم تسقط عنه بالردة، كحقوق الآدميين. وأما الصبي: فلا تجب عليه الصلاة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق» .
إلا أنه يجب على الولي: أن يعلمه فرض الطهارة والصلاة؛ ليبلغ وهو يحسن ذلك. ويستحب للولي: أن يأمره بفعل الطهارة والصلاة إذا صار ابن سبع سنين وكان مميزًا، ويضربه على ترك ذلك إذا صار ابن عشر سنين؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» . ولا يلزم الصبي ذلك.

(2/11)


وقال أحمد: (يلزمه ذلك) . وقال الطبري: وإليه أشار الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بعض كتبه. وليس بشيء؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة» . فذكر فيه: «عن الصبي حتى يبلغ» .

[فرع زوال العقل بجنون]
] : ومن زال عقله بجنون، أو إغماء. . لم تجب عليه الصلاة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وعن المجنون حتى يفيق» .
وإن شرب دواء ولم يكن الغالب منه ذهاب العقل، فزال عقله. . لم يجب عليه فرض الصلاة؛ لأنه زال عقله بسبب مباح، فهو كما لو زال بالجنون.
وإن أراد أن يتناول دواء فيه سم. . فقد قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب (الصلاة) : (إن غلب على ظنه، أنه يسلم منه. . جاز له تناوله، وإن غلب على ظنه أنه لا يسلم منه. . لم يجز له تناوله) .
وذكر في (الأطعمة) : (إذا كان الغالب منه السلامة. . هل له تناوله؟ فيه قولان) .
قال الشافعي: (وأقل زوال العقل: أن يكون مختلطًا، فيعزب عنه الشيء وإن قل، ثم يثوب إليه عقله) .

(2/12)


وإذا أفاق المجنون، أو المغمى عليه، أو من زال عقله بمباح. . لم يجب عليهم قضاء ما فاتهم من الصلوات، في حال زوال العقل.
وقال أبو حنيفة: (إذا أغمي عليه أكثر من يوم وليلة، حتى دخلت الصلاة في حد التكرار.. سقط عنه فرض الصلاة. وإن أغمي عليه دون ذلك.. وجب عليه القضاء) .
وفي المجنون: عنه روايتان، المعروف عنه: أنه كمذهبنا.
دليلنا: أن كل معنى أسقط فرض الصلاة إذا دخل في حد التكرار. . أسقطها وإن لم يدخل في حد التكرار، كالجنون.

[فرع زوال العقل بسكر]
] : وإن شرب مسكرًا فزال عقله، أو شرب دواء من غير حاجة فزال عقله. . فإن فرض الخطاب بالصلاة متوجه عليه؛ لأنه مفرط فيما فعل، ولكن لا يصح منه فعل الصلاة؛ لأنه لا يمكنه ذلك؛ فإذا أفاق.. لزمه قضاء ما فاته في حال السكر؛ لأنه غير معذور بزوال عقله.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في " الأم " [1/60] : (وأقل السكر: أن يغلب عليه؛ فيذهب عنه بعض ما لم يكن يذهب عنه) .
ولا يجب فرض الصلاة على الحائض والنفساء، وقد مضى ذلك في كتاب (الحيض) .

[فرع الجنون في حال الردة والسكر]
] : وإن سكر أو ارتد، ثم جن في حال سكره، أو في حال ردته. . وجب عليه القضاء.
وإن حاضت المرأة في حال الردة.. لم يجب عليها قضاء ما فاتها في حال الحيض.

(2/13)


والفرق بينهما: أن سقوط الصلاة عن المجنون للتخفيف، والمرتد والسكران ليسا من أهل التخفيف. وسقوط الصلاة عن الحائض عزيمة، والمرتد من أهل العزائم.
قال في " الإبانة " [ق \ 57] : وكم القدر الذي يجب قضاؤه على المجنون في حال سكره من الصلوات؟ فيه وجهان:
أحدهما: قدر ما يدوم السكر.
والثاني: ما فاته في أيام جنونه.
وأما إذا جن في حال الردة. . فيلزمه إعادة جميع ما فاته في حال الجنون.

[مسألة في إتمام وإعادة ما صُلِّيَ قبل البلوغ]
قال الشافعي: (ولو دخل غلام في الصلاة، فلم يكملها، حتى استكمل خمس عشرة سنة.. أحببت أن يتم ويعيد، ولا يبين لي أن عليه الإعادة) .
واختلف أصحابنا فيها.
فقال أبو إسحاق: يلزمه أن يتم الصلاة؛ لأن صلاته صحيحة، وقد أدركه الوجوب وهو فيها، فلزمه إتمامها، كمن دخل في صوم تطوع، ثم نذر إتمامه، ويستحب له أن يعيد؛ ليكون مؤديًا للصلاة في حال الكمال. وهذا: ظاهر نص الشافعي؛ لأن سقوط الإعادة عنه معلوم بقوله: (ولا يبين لي أن عليه الإعادة) .
وقوله: (أحببت أن يتم ويعيد) الاستحباب: عائد إلى الإعادة، مع وجوب الإتمام.
فعلى هذا: إذا صلى في أول الوقت، ثم بلغ في آخره. . لم تلزمه الإعادة، بل يستحب.
قال الشيخ أبو حامد: ورأيت في كتاب " الانتصار " لأبي العباس مثل قول أبي إسحاق.
وحُكِيَ عن أبي العباس: أنه قال: يستحب له الإتمام، وتلزمه الإعادة؛ لأن

(2/14)


ما صلى قبل البلوغ نفل، فاستحب له إتمامه. ويلزمه أن يعيد؛ لأنه لا يصح أداء الصلوات الواجبة إلا بعد البلوغ.
فعلى هذا: إذا صلى في أول الوقت، ثم بلغ في آخره. . لزمه أن يعيد.
وقال أبو سعيد الإصطخري: إن بلغ وقد بقي من الوقت ما يتمكن فيه من فعل الصلاة. . لزمه أن يعيد، وإن لم يبق في الوقت ما يتمكن فيه من فعل الصلاة. . لم يلزمه أن يعيد.
وهذا ليس بشيء؛ لأنه لو لزمته الإعادة إذا بقي من الوقت قدر الصلاة. . لكانت الإعادة لازمة له وإن لم يبق من الوقت إلا قدر ركعة. هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة: (إذا بلغ الصبي في حال الصلاة، أو بعد الصلاة. . لزمه أن يعيد) . وأصل الخلاف - بيننا وبينه -: يعود إلى أن للصبي صلاة شرعية أم لا؟
فعندنا: له صلاة شرعية.
وعنده: إنما يؤمر بالصلاة؛ ليتمرن على فعلها، وليست بصلاة شرعية.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر» .
فلولا أن ما يفعلونه عبادة.. لما أمر بضربهم عليها؛ ولأنها عبادة يرجع إلى شرطها في حال العذر، فجاز أن يعتد بفعلها في حال الصغر، كالطهارة.

[مسألة حكم تارك الصلاة]
مسألة: [حكم ترك الصلاة] : ومن وجبت عليه الصلاة، فلم يصل حتى خرج الوقت. . سئل: لم تركها؟ فإن قال: لأني أعتقد أنها غير واجبة علي. . نظرت:
فإن كان ناشئًا في بلد قاصية من المسلمين، أو أسلم ولم يختلط بالمسلمين. .

(2/15)


قيل له: هي واجبة عليك. وإن كان ممن تقدم إسلامه، وهو مخالط للمسلمين. . حكم بكفره؛ لأن وجوبها معلوم من دين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطريق يوجب العلم الضروري. ويجب قتله لذلك.
وإذا قتل. . كان ماله فيئًا للمسلمين، ولا يرثه ورثته من المسلمين، ولا يدفن في مقابرهم.
وإن قال لما سئل عنها: نسيتها. . قيل له: اقضها، فإن قال: لا أستطيع. . قيل له: صل كيفما استطعت.
قال صاحب " الفروع ": وهل يتعين فعل القضاء في أول وقت التذكر، حتى يقتل إن أخره عن ذلك الوقت؟ فيه وجهان.
المذهب: أنه لا يتعين، ولا يقتل.
وإن قال: أنا أعتقد وجوبها، ولكني لا أصلي كسلاً وتهاونًا. . فهذا يجب قتله عندنا.
وقال الثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه، والمزني: (لا يقتل) .
فمنهم من يقول: (يحبس، حتى يصلي) .
ومنهم من يقول: يضرب، وهو اختيار المزني.
ومنهم من قال: لا يتعرض له؛ لأنها أمانة في عنقه.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] إلى قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] [التوبة: 5] . فأمر الله تعالى بدفع القتل عنهم بالتوبة، وإقامة الصلاة، فمن قال: إنه إذا تاب وآمن، ولم يصل، سقط عنه القتل. . فقد ترك أحد الشرطين في الكتاب.

(2/16)


وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ترك الصلاة. . فقد برئت منه الذمة» .
وهذا يدل على: إباحة دمه.
وروي: أنه قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهيت عن قتل المصلين» فدل على: أنه لم ينه عن قتل غير المصلين.
ولأن الصلاة عبادة محضة، تجب لا بقوله، لا تدخلها النيابة ببدن ولا مال، فوجب: أن يقتل تاركها، كالشهادتين.
فقولنا: (عبادة محضة) احتراز من العدة.
وقولنا: (تجب لا بقوله) احتراز من الصلاة المنذورة.
وقولنا: (لا تدخلها النيابة ببدن) احتراز من الحج.
وقولنا: (ولا مال) احتراز من الزكاة، ومن الصوم؛ لأن الشيخ الهرم إذا عجز. . أفطر وفدى.
إذا ثبت هذا - أنه يقتل -: فمتى يقتل؟ فيه ثلاثة أوجه، حكاها ابن الصباغ:
أحدها - وهو قول أبي سعيد الإصطخري -: أنه يقتل إذا ضاق الوقت عن الصلاة الرابعة، فيقتل بها لا بما مضى؛ لأنه إذا ترك ثلاث صلوات. . علم تهاونه بها، وإذا ترك دونها. . جاز أن يكون تركها لعذر، أو تأويل.

(2/17)


والثاني - وهو قول أبي إسحاق -: أنه يقتل إذا ضاق وقت الصلاة الثانية، وهو اختيار الشيخ أبي حامد؛ لأن الأولى مختلف في جواز تأخيرها، فإذا ترك الثانية. . علم أنه قد عزم على الترك مداومة.
والثالث: أنه يقتل إذا خرج وقت الأولى.
قال ابن الصباغ: وهذا ظاهر مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ومتى وجب قتله. . فهل يجب استتابته ثلاثة أيام، أو في الحال؟ فيه قولان، كالمرتد:
فإذا قلنا: يجب استتابته ثلاثة أيام، فقتله قبل الثلاث. . أثم قاتله، ولا يجب ضمانه، كالمرتد.
وكيف يقتل؟
المنصوص: (أنه تحز رقبته) .
ومن أصحابنا من قال: لا تحز رقبته، بل يضرب بالخشب حتى يصلي، أو يموت.
فإذا قتل. . فإنه يقتل حدًا، كما يقتل الزاني المحصن، فيدفن في مقابر المسلمين، وترثه ورثته من المسلمين.
وقال صاحب " التلخيص ": يسوى عليه التراب بحيث لا يعلم أن هناك قبرًا؛ عقوبة له.
ولا يحكم بكفره في هذا القسم.
وقال أحمد، وإسحاق، وبعض أصحابنا: (يكفر بذلك) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«بين العبد والكفر ترك الصلاة، فمن تركها. . فقد كفر» .

(2/18)


ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس صلوات في اليوم والليلة كتبهن الله تعالى على عباده، فمن فعلهن. . كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن تركهن. لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له» .
ولو كان كافرًا. . لم يغفر له؛ لأن الكافر لا يغفر له.
وأما الخبر: فمحمول على أنه يتعلق عليه بعض أحكام الكفر، وهو القتل، كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قتال المسلم كفر» . قال الصيمري: ومن كذب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببعض ما جاء به، أو قال: أصلي الفرض قاعدًا مع القدرة على القيام، أو عريانًا مع السترة، أو أصلي بغير وضوء. . كفر بذلك.
وبالله التوفيق.
* * *

(2/19)