البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [باب المواقيت]
. الصلاة مؤقتة، والدليل عليه: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] [النساء: 103] . وقَوْله تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] [الروم: 17 - 18] .
قال ابن عباس: (والمراد بالتسبيح - هاهنا -: الصلاة، والمراد بقوله: {حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] : المغرب والعشاء، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] : الصبح، {وَعَشِيًّا} [الروم: 18] : العصر {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] : الظهر) .
وقَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78] [الإسراء: 78] .
فـ (الدلوك) : الزوال، و (غسق الليل) : الظلام. فتضمن ذلك: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء. و (قرآن الفجر) : يعني الصبح.

[مسألة وقت الصلاة]
] : قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (والوقت للصلاة وقتان: وقت مقام ورفاهية، ووقت عذر وضرورة) .
ولا خلاف بين أصحابنا أن (وقت المقام والرفاهية) : هو وقت المقيم المترفه، الذي ليس بممطور؛ لأن (المقام) - بضم الميم -: من الإقامة، و - بفتحها -: هو الموضع الذي يقام فيه.

(2/20)


و (الرفاهية) : هي الخفض والدعة.
وأما وقت العذر والضرورة: فاختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: (وقت العذر) : هو وقت المسافرين، والممطورين في الحضر.
وأما (وقت الضرورة) : فهو وقت أهل الضرورات، وهم: الكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ، والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا، والحائض والنفساء إذا طهرتا.
فعلى قول هذا القائل: الوقت ثلاثة أوقات.
وذهب أبو إسحاق، وسائر أصحابنا إلى: أن وقت العذر والضرورة، هو وقت واحد، وهو وقت أهل الضرورات الذين ذكرناهم، وهو الأصح؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (والوقت وقتان) .

[مسألة في وقت الظهر]
] : قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأم " [1/62] : (إذا زالت الشمس. . فهو أول وقت الظهر والأذان) . وإنما بدأ الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بوقت الظهر؛ لـ: «أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مواقيت الصلاة في يومين متواليين، عند باب البيت، فبدأ بصلاة الظهر» .

(2/21)


وقيل: إنها أول ما افترض الله من الصلوات.
والدليل على أن أول وقت الظهر يدخل بالزوال: ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن للصلاة أولا وآخرًا، فإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر» .
وروي عن ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمني جبريل عند باب البيت مرتين: فصلى بي الظهر في المرة الأولى، حين زالت الشمس والفيء مثل الشراك. وصلى بي الظهر في المرة الثانية، حين صار ظل كل شيء مثله» .
وهو إجماع لا خلاف فيه.
إذا ثبت هذا: فالزوال: هو زوال الشمس من الارتفاع إلى الانخفاض؛ لأن السماء

(2/22)


مثل القبة: وسطها عال، وأطرافها نازلة. والشمس تطلع في أطرافها، فيكون ظل الشخص - حين الطلوع - طويلاً إلى قدام الشخص؛ لدنو الشمس من الأرض، فكلما ارتفعت الشمس. . تناقص ظل الشخص، ودار حتى إذا حصلت الشمس في كبد السماء. . تناهى نقصانه، فيعلم - حينئذ - على ظل الشخص بعلامة، فإذا أخذت الشمس في الانحطاط. . زاد الظل، وذلك هو الزوال.
وظل الشخص الذي يكون عند الزوال يختلف باختلاف الأزمان والبلدان:
فأما (الأزمان) : فإنه يكون بالصيف قليلاً، وفي الشتاء أكثر منه؛ لأن الشمس بالصيف تسير في وسط السماء، فإذا حصلت في وسط الفلك. . لم يبق للشخص إلا ظل قليل. وتسير في الشتاء في جانب الفلك في عرض السماء، ولا تبلغ إلى وسطها، فتكون أقرب إلى الأرض، فيطول الظل لذلك قبل الزوال.
وأما (اختلاف ذلك في البلدان) : فكل بلد قرب من المشرق، أو المغرب. . بعد عن وسط الفلك، فيكون ظل الشخص عند الزوال أكثر منه في البلاد التي تحت وسط الفلك.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وقيل: إن الشخص قد لا يبقى له عند زوال الشمس في بعض الأوقات ظل) .
قال الشيخ أبو حامد: وهذا إنما يكون بمكة في السنة يومًا واحدًا، وهو أطول يوم في السنة؛ لأنه يقال: إن مكة أوسط الدنيا. وقيل: إن الكعبة سرة الأرض.
إذا تقرر هذا: فإنه لا يجوز افتتاح صلاة الظهر قبل الزوال، وهو قول كافة العلماء.
وروي عن ابن عباس رواية ضعيفة: (أنه يجوز) . وليس بشيء.
فإذا زالت الشمس. . فقد وجبت الصلاة. ويستحب: إقامتها، ولا ينتظر بها حتى يصير الفيء مثل الشراك.
وحكى الساجي: عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه قال: (يستحب ذلك، ولا يجب) . وليس بشيء.

(2/23)


ومن الناس من قال: لا يجوز أن تصلي، حتى يصير الفيء مثل الشراك؛ لأن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يصل بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر في المرة الأولى، إلا حين صار الفيء مثل الشراك.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وإن وقت الظهر حين تزول الشمس» .
وروي: «أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نزل، فقال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين زالت الشمس: " يا محمد قم فصل الظهر» .
وأما ما روي: «أنه صلى به حين زالت الشمس والفيء مثل الشراك» : فالمراد به: أنه حين زالت الشمس. . كان الفيء مثل الشراك، لا أنه أخر إلى أن صار الظل مثل الشراك.
فرع: [في الدلوك] : و (الدلوك) : هو الزوال وبه قال ابن عمر، وابن عباس، وعائشة.
وقال أبو حنيفة: (الدلوك: هو الغروب) . وبه قال علي، وابن مسعود.
دليلنا: ما روى أبو مسعود البدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «فصلى بي الظهر حين دلكت الشمس» وأراد: حين زالت؛ لأنه وقت الظهر.

(2/24)


وأما آخر وقت الظهر: فهو إذا صار ظل كل شيء مثله من غير الزيادة، لا من ظل أصل الشخص. وإن لم يكن للشخص ظل وقت الزوال، فمن أصل الشخص. ويدخل وقت العصر، ولا فاصل بينهما.
وقد أوهم المزني: أن بينهما فصلا، حيث قال: ثم لا يزال وقتها قائما حتى يصير ظل الشيء مثله، فإذا جاوز ذلك بأقل زيادة. . فقد دخل وقت العصر.
فيقتضي ظاهر هذا الكلام: أن تلك الزيادة ليست من وقت الظهر، ولا من وقت العصر، غير أن المذهب: ما ذكرناه.
وقد بينه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأم " [1/63] فقال: (إذا جاوز ذلك بأقل زيادة. . فقد خرج وقت الظهر، وذلك حين ينفصل وقت الظهر من وقت العصر) . ويكون تأويل ما ذكره المزني: أن يعلم بتلك الزيادة دخول وقت العصر. وبهذا قال الأوزاعي والليث والثوري.
وذهب عطاء، وطاوس، ومالك إلى: أنه يدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله، ولا يذهب وقت الظهر، بل يمتزج الوقتان إلى غروب الشمس.
وقال ابن جرير الطبري، والمزني، وأبو ثور، وإسحاق: يمتزج الوقتان بقدر أربع ركعات، من حين يصير ظل كل شيء مثله، ثم يصير الوقت بعد ذلك للعصر وحده.
وعن أبي حنيفة ثلاث روايات:
إحداهن: - وعليها يعتمدون - (أن وقت الظهر باق إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه) .
والثانية: (أن وقت الظهر باق إلى أن يصير ظل كل شيء دون مثليه) .
والثالثة: (أن آخره إذا صار ظل كل شيء مثله. ويدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه، وما بينهما يكون فصلا بين الوقتين) .

(2/25)


دليلنا: ما روى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلى بي جبريل الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس، ثم صلى بي الظهر في اليوم الثاني حين كان كل شيء بقدر ظله وقت العصر بالأمس، ثم التفت، وقال: يا محمد، الوقت ما بين هذين الوقتين» .
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن أول وقت الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر» . وهذا ينفي أن يكون بينهما فاصل.

[مسألة وقت العصر]
] : وأول وقت العصر: إذا صار ظل كل شيء مثله، غير الظل الذي يكون له وقت الزوال، وزاد أنى زيادة.
وآخر وقتها المختار: إذا صار ظل كل شيء مثليه. وبهذا قال الأوزاعي، وأحمد، ومالك.
وقال أبو حنيفة (أول وقت العصر: إذا صار ظل كل شيء مثليه، وآخره: إذا اصفرت الشمس) .
دليلنا: ما روي عن ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " صلى بي جبريل الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس والفيء مثل الشراك، ثم صلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى بي الظهر في المرة الثانية حين كان ظل كل شيء مثله، وقت العصر بالأمس، ثم صلى بي العصر في المرة الثانية حين كان ظل كل شيء مثليه» .
ومعنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلى بي الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس، وصلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثله» أي: بدأ بالصلاة.
وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلى بي الظهر في اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء مثله، وقت العصر بالأمس، وصلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليه» أي: فرغ؛ لأنه جاء ليبين أول الوقت وآخره.

(2/26)


فإذا صار ظل كل شيء مثليه. . ذهب وقت العصر المختار، وبقي وقت الجواز فيها إلى غروب الشمس.
وقال أبو سعيد الإصطخري: إذا صار ظل كل شيء مثليه. . ذهب وقت العصر الجائز، وكان ما بعده وقت القضاء.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس. . فقد أدرك العصر» .

[مسألة وقت المغرب]
] : وأول وقت المغرب: إذا غابت الشمس، وتم غروبها لما روي في حديث ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وصلى بي جبريل المغرب في اليوم الأول، حين وجبت الشمس وأفطر الصائم» . و (وجوب الشمس) : سقوطها، ولا يفطر الصائم إلا بعد غروب الشمس، ولا خلاف بين أهل العلم في أول وقت المغرب.
إذا ثبت هذا: فليس لابتدائها إلا وقت واحد، وهو: إذا غابت الشمس، وتطهر، وستر عورته، وأذن، وأقام، ودخل في الصلاة.
فإذا فاته الابتداء في هذا الوقت. . أثم وكان قاضيًا. وبه قال الأوزاعي.

(2/27)


وقال مالك: (يمتد وقت المغرب إلى أن يطلع الفجر الثاني) .
وقال أبو حنيفة، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود:
(يمتد وقت المغرب إلى غيبوبة الشفق) . وحكى ذلك أبو ثور عن الشافعي في القديم، وهو اختيار ابن المنذر، والزبيري من أصحابنا.
وقال الشيخ أبو حامد: لا يعرف هذا للشافعي.
ودليلنا: ما روي في حديث ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلى بي جبريل المغرب في المرة الثانية لوقتها الأول» .
وقال الشيخ أبو حامد: وعبارة أصحابنا: إن للمغرب وقتًا واحدًا، ولسائر الصلوات وقتين. . خطأ، بل الصلوات كلها لها وقت واحد، وإنما سائر الصلوات يمتد وقتها ويطول، ووقت المغرب قصير غير ممتد.
وإذا دخل في المغرب في وقتها. . فكم القدر الذي يجوز له استدامتها؟
فيه ثلاثة أوجه:
[الأول] : قال أبو إسحاق: له أن يستديمها إلى غيبوبة الشفق؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ الأعراف في صلاة المغرب» . ولا يفرغ منها إلا بعد غيبوبة الشفق.
والثاني: يجوز له أن يستديمها قدر ثلاث ركعات، لا طويلات، ولا قصيرات؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاها ثلاث ركعات.
والثالث: أن له أن يستديمها بمقدار أول الوقت من سائر الصلوات، وذلك ما لا يبلغ نصف وقتها؛ قياسًا على غيرها. هكذا ذكره عامة أصحابنا.
وذكر ابن الصباغ: أن الوجهين الآخرين في وقت ابتدائها أيضًا.

(2/28)


فرع: [الحفاظ على اسم المغرب] : روى البخاري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، إنها المغرب، وإن العرب تسميها العشاء» .

[مسألة وقت العشاء]
وأول وقت العشاء: إذا غاب الشفق، بلا خلاف بين أهل العلم؛ لما روى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلى بي جبريل العشاء حين غاب الشفق» .
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن أول وقت العشاء إذا غاب الشفق» .
واختلف العلماء: أي شفق هو؟
فذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى: أنه الشفق الأحمر. وبه قال ابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وعبادة بن الصامت، ومن الفقهاء: مالك، والثوري، وأبو يوسف، ومحمد.
وقال أبو حنيفة، والأوزاعي، والمزني: (بل هو الشفق الأبيض) .
وقال أحمد: (إن كان في الصحراء. . فحين يغيب الأحمر، وإن كان في البنيان. . فحين يغيب الأبيض) .

(2/29)


دليلنا: ما روي عن جابر: «أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مواقيت الصلاة؛ فقال: " لو صليت معنا» . . " فذكر الحديث، إلى أن قال: «فصلى المغرب حين غابت الشمس، وصلى العشاء قبل غيبوبة الشفق» .
ولا يجوز أنه أراد به: الأحمر؛ لأن ذلك لا يجوز بالإجماع، فثبت أنه أراد به: الأبيض.
وروى النعمان بن بشير: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي العشاء لسقوط القمر لثالثة» .
وهذا يكون قبل غيبوبة الشفق الأبيض. ولأنها صلاة تجب بعلم يشاركه غيره في اسمه، فوجبت بأظهرهما، كالصبح.
واختلف قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في آخر وقتها المختار:
فقال في الجديد: (إلى ثلث الليل) . وبه قال عمر بن الخطاب، وأبو هريرة. وعمر بن عبد العزيز؛ لما روي في حديث ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " ثم صلى بي العشاء في المرة الثانية حين ذهب ثلث الليل» .
وقال في القديم و " الإملاء ": (إلى نصف الليل) .

(2/30)


قال الشيخ أبو حامد: وهو الأصح؛ لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت العشاء ما بينك وبين نصف الليل» .
فإذا ذهب ثلث الليل، أو نصفه. . ذهب وقتها المختار، وبقي وقت الجواز إلى طلوع الفجر.
وقال أبو سعيد الإصطخري: يفوت وقتها، ويكون ما بعده وقتا للقضاء.
وحكى ابن الصباغ: أن الشيخ أبا حامد قال:
إذا قلنا بالقول الجديد: وأن آخر وقتها إذا ذهب ثلث الليل. . كان ما بعد ذلك قاضيًا؛ لأن الشافعي قال: (فإذا ذهب ثلث الليل. . فلا أراها إلا فائتة) .
والأول أصح؛ لما روى أبو موسى الأشعري: قال: «أعتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة حتى ابهار الليل» أي: تهور.
وروي عن بعض الصحابة: أنه قال: «بقينا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة، حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح» ومعنى قوله: (بقينا) أي: انتظرنا. و (الفلاح) : السحور. والفلاح لا يخاف فوته إلا بطلوع الفجر.

[فرع كراهية تسمية العشاء عتمة]
فرع: [كراهة تسمية العشاء عتمة] : قال في " الأم " [1/64] : (ولا أحب أن تسمى صلاة العشاء بالعتمة؛ لما روى ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، هي العشاء،

(2/31)


ألا إنهم يعتمون بالإبل» لأنهم كانوا يؤخرون الحلب إلى أن يعتم الليل، ويسمون الحلبة: العتمة) .
ويكره النوم قبلها، والحديث بعدها؛ لما روي: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ذلك) .

[مسألة وقت الفجر]
ويدخل أول وقت الصبح بطلوع (الفجر الثاني) : وهو الفجر الصادق المنتشر عرضًا، وسمي: صادقا؛ لأنه صدقك عن الصبح.
وأما (الفجر الأول) : فهو المستدق المتنفس صعدًا، كذنب السرحان، وهو: الذئب، وسمي: الفجر الكاذب؛ لأنه يضيء، ثم يسود، ويسمى: الخيط الأسود، ولا يتعلق به شيء من الأحكام.
والدليل عليه: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الفجر فجران: فأما الذي هو كذنب السرحان: فلا يحل الصلاة، ولا يحرم الطعام والشراب على الصائم، وأما المستطير في الأفق: فإنه يحرم الطعام والشراب على الصائم، ويحل الصلاة» .

(2/32)


وروى سمرة بن جندب: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يمنعنكم أذان بلال من سحوركم، ولكن الفجر المستطير في الأفق» .
ثم لا يزال الوقت المختار باقيًا إلى أن يسفر؛ لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " صلى بي جبريل الصبح في اليوم الأول حين طلع الفجر، ثم صلى بي الصبح في اليوم الثاني حين أسفر، ثم قال: فيما بين هذين الوقت» .
ثم يذهب وقت الاختيار، ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الشمس.
وقال أبو سعيد الإصطخري: إذا أسفر. . ذهب الوقت، وكان قاضيًا فيما بعده.
دليلنا: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس. . فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس. . فقد أدرك العصر» كذا في البخاري.
ويكره أن تسمى صلاة الغداة؛ لأن الله تعالى سماها صلاة الفجر بقوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78] [الإسراء: 78] . وسماها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " الصبح ".
إذا ثبت هذا: فإن صلاة الصبح من صلاة النهار. وبه قال كافة العلماء.
وقال بعض الناس: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ليس من الليل، ولا من النهار.
وقال حذيفة، والأعمش: (الليل من غروب الشمس إلى طلوعها) . فصلاة الصبح عندهما من صلاة الليل، ولا يحرم على الصائم الطعام والشراب، حتى تطلع

(2/33)


الشمس، واحتجا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة النهار عجماء» وصلاة الصبح مما يجهر فيها.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] [البقرة: 187] .
ولأن الأمة أجمعت على تحريم الطعام والشراب على الصائم بطلوع الفجر.
وقَوْله تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: 114] [هود: 114] . وقال أهل التفسير: أراد الصبح والعصر.
وأما قوله: «صلاة النهار عجماء» : فلا يصح ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما هو من قول بعض الفقهاء، فإن صح. . فالمراد به: معظم صلاة النهار عجماء، بدليل: أن الجمعة والعيدين من صلاة النهار، ويجهر فيهما.
والدليل على من قال: إن بين الليل والنهار فصلاً. . قَوْله تَعَالَى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [آل عمران: 27] [آل عمران: 27] . فدل على: أنه لا فاصل بينهما.

[مسألة وجود الغيم في السماء]
إذا كان في السماء غيم راعى فرجة الشمس، فإن بان له منها ما يدله على الوقت. . عمل عليه، وإن لم يرها. . استدل على دخول الوقت بمرور ما يعتاده من: قراءة القرآن، أو درس، أو عمل، فإذا غلب على ظنه. . عمل عليه.
قال الشيخ أبو حامد: وإنما جاز له الصلاة بغلبة الظن؛ لأن السماء لو كانت مصحية، فغلب على ظنه دخول الوقت من غير أن يراعي الشمس. . جاز له أن يصلي، فبأن يجوز له في يوم الغيم أولى.

(2/34)


قال: وكان ابن المرزبان من أصحابنا يقول: لا يجوز له أن يصلي، حتى يعرف دخول الوقت بيقين. وهذا خطأ.
فإذا صلى بالاجتهاد، وبان له أنه صلى في الوقت، أو فيما بعده أجزأه. وإن بان له أنه صلى قبل الوقت. . لم يجزئه، سواء علم ذلك بنفسه، أو أخبره غيره عن ذلك عن علم، لا عن اجتهاد، كالحاكم إذا حكم بالاجتهاد، ثم وجد النص بخلافه.

[فرع الإخبار بالوقت]
] : وأما الأعمى والمحبوس في ظلمة - إذا أخبرهما غيرهما عن الوقت -: فإن أخبرهما عن مشاهدة، وكان مصدقًا. . لزمهما قبول قوله، كما يلزم المجتهد قبول الخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وإن أخبرهما عن اجتهاد، فإن كان لهما طريق إلى الاجتهاد بالوقت: بقراءة أو درس، أو عمل. . لم يجز لهما العمل بقول من يجتهد لهما، كما لا يجوز للحاكم أن يحكم باجتهاد غيره.
وإن لم يكن لهما طريق إلى الاجتهاد بالوقت. . فهل يجوز لهما تقليد من يجتهد لهما؟
فيه وجهان:
أحدهما: يجوز، وهو ظاهر النص؛ لأن في أمارات الوقت ما يدرك بالنظر، ومنها ما يدرك بالعمل، فإذا تعذر الأمران. . لم يبق غير اجتهاد غيره.
والثاني: لا يجوز لهما؛ لأنهما من أهل الاجتهاد، فهما كالبصر الذي ليس بمحبوس.

[فرع سماع المؤذن]
] : وهل يجوز الرجوع إلى سماع المؤذن؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها - وهو قول أبي العباس، والشيخ أبي حامد -: أنه يجوز ذلك للبصير والأعمى؛ لأن المؤذن لا يؤذن في العادة إلا بعد دخول الوقت.

(2/35)


والثاني - وهو قول القاضي أبي الطيب -: أنه يجوز للأعمى الرجوع إلى قوله، ولا يجوز ذلك للبصير؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - خص الأعمى بذلك. ولأنه يجوز أن يكون قد أذن عن اجتهاد، لا عن مشاهدة.
والثالث - وهو قول ابن الصباغ -: إن كان في الصحو. . جاز الرجوع إلى قوله للبصير والأعمى؛ لأنه إذا كان ثقة. . فالظاهر: أنه لا يؤذن في الصحو إلا بعد العلم بدخول الوقت من طريق المشاهدة، فيكون ذلك خبرًا.
وإن كان غيم. . جاز للأعمى تقليده إن لم يغلب على ظنه دخول الوقت. ولا يجوز للبصير؛ لأنه يحتمل أن يكون أذن عن اجتهاد، والبصير من أهل الاجتهاد.
قال في " الفروع ": فإن كان منجمًا، فعلم دخول الوقت بالحساب. . فهل يقبل قوله فيه، وفي شهر رمضان؟ فيه وجهان:
المذهب: أنه يعمل عليه بنفسه، وأما غيره: فلا يعمل عليه.

[فرع الصلاة من غير تأكد]
فإن صلى المحبوس في ظلمة، أو الأعمى، أو البصير من غير توخ، فوافقوا الوقت. . أعادوا الصلاة؛ لأنهم صلوا من غير خبر، ولا غلبة ظن.

[مسألة في وجوب الصلاة بأول وقتها]
الصلاة تجب عندنا بأول الوقت، ويستقر الوجوب بإمكان الأداء.
وقال أبو حنيفة، وأصحابه: (تجب الصلاة بآخر الوقت، وإنما أول الوقت وقت؛ لجواز فعل الصلاة فيه) . وقد اختلفوا في وقت الوجوب:
فذهب أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد إلى: (أنها تجب إذا بقي من آخر الوقت قدر تكبيرة) .
وذهب زفر إلى: أنها تجب إذا بقي مقدار ما يصلى فيه صلاة الوقت.
فأما إذا صلى في أوله: فذهب أكثرهم إلى: أنها تقع مراعاة، فإن بقي إلى آخر الوقت، وهو على صفة تلزمه الصلاة. . تبين بذلك أنها كانت فريضة. وإن خرج عن

(2/36)


أن يكون من أهل وجوب الصلاة في آخر الوقت. . تبين أنها كانت نفلاً.
وذهب الكرخي إلى: أنه إذا صلى في أول الوقت. . كانت نفلاً. فإن بقي إلى آخر الوقت، وهو من أهل الوجوب. . منع ذلك النفل وجوب الفرض عليه.
ودليلنا: قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] الآية [الإسراء: 78] . والأمر إذا تجرد. . اقتضى الوجوب، وذلك يتناول أول الوقت.
ولأنها عبادة بدنية، ليس من شرط وجوبها المال، فوجب أن يكون أول وقت جواز فعلها متبوعة وقتًا لوجوبها، كالصوم.
فقولنا: (عبادة بدنية) احتراز من الزكاة؛ لأنه يجوز تقديم فعلها على وقت وجوبها.
وقولنا: (ليس من شرط وجوبها المال) احتراز من الحج.
وقولنا: (متبوعة) احتراز من العصر، إذا فعلها في وقت الظهر، على سبيل الجمع؛ لأنها لا تفعل متبوعة، بل تفعل تابعة للظهر.

[فرع أفضل وقت الصبح]
] : والأفضل: أن يصلي الصبح في (أول وقتها) : وهو إذا تحقق طلوع الفجر. وروي ذلك عن عمر، وعثمان، وابن الزبير، وأنس، وأبي موسى، وأبي هريرة. وبه قال مالك، وأحمد، وإسحاق.

(2/37)


وذهب أبو حنيفة، وأصحابه إلى: (أن الإسفار بها أفضل، إلا أن يخشى طلوع الشمس. . فيكره تأخيرها) . وروي ذلك عن ابن مسعود.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] [البقرة: 238] .
ومن المحافظة عليها فعلها في أول وقتها.
وروي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: «كن نساء من المؤمنات ينصرفن من صلاة الصبح مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهن متلفعات بمروطهن لا يعرفن من الغلس» . وهذا إخبار عن مداومة.
وروى أبو مسعود البدري قال: «صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الصبح مرة بغلس ثم صلاها مرة أخرى بعد ما أسفر، ثم لم يصليها بغلس، إلى أن مات، ولم يعد إلى الإسفار» .

[فرع أفضل وقت الظهر]
وأما صلاة الظهر: فإن كانت في غير وقت الحر. . فتقديمها في أول وقتها أفضل.

(2/38)


وقال مالك: (الأفضل أن يؤخرها، حتى يصير الفيء قدر ذراع) .
وقال أبو حنيفة: (تعجيلها في الشتاء أفضل، وتأخيرها في الصيف أفضل) . ولا يراعي الإبراد.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفضل الأعمال عند الله الصلاة لأول وقتها» .
وإن كان في وقت الحر. . فتأخيرها أفضل بأربع شروط:
إحداهن: أن تكون الصلاة تصلى جماعة في مسجد الجماعات.
الثانية: أن يكون ذلك في شدة الحر.
الثالثة: أن يكون في البلاد الحارة.
الرابعة: أن ينتاب الناس الصلاة من البعد.
قال ابن الصباغ: وله قول آخر في " البويطي ": (إن القريب والبعيد في ذلك سواء) .
ووجهه: أن القريب يلحقه حر المسجد، ويشق عليه ذلك، فيتأذى به، كما يتأذى البعيد.
والدليل على ما ذكرناه: ما روى أبو ذر قال: «كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال: " أبرد " ثم أراد أن يؤذن ثانيًا، فقال: " أبرد " مرتين أو

(2/39)


ثلاثًا، حتى رأينا فيء التلول، ثم قال: " إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر. . فأبردوا بالصلاة» .
قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (يؤخرها إلى القدر الذي إذا صلاها فيه. . كان بين فراغه منها، وبين آخر الوقت فصل) .
وفي الجمعة وجهان:
أحدهما: يبرد بها، كما يبرد في الظهر، إذا وجدت فيه الشرائط الأربع، كما ذكرناه في الظهر.
والثاني: لا يبرد بها؛ لأن الناس قد ندبوا إلى التبكير لها، ويشق عليهم الانتظار، بل يؤذيهم حر المسجد.
وهل الإبراد بالصلاة عند وجود هذه الشرائط سنة، أو رخصة؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه سنة؛ لأن شدة الحر تذهب الخشوع، فجرى مجرى الذي به حاجة إلى الطعام عند حضور الصلاة. . فإنه يستحب له البداية به.
والثاني: أنه رخصة؛ لأن الشافعي قال في " البويطي ": (أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتأخيرها في الحر توسعة، ورفقًا بالذين ينتابونه) .
والأول أصح؛ لأن أقل أحوال الأمر الندب

(2/40)


[فرع أفضل وقت العصر]
وأما العصر: فتعجيلها أفضل. وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر.
وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال مالك: (يؤخرها يسيرًا) . كما قال في الظهر.
وقال الثوري، وأبو حنيفة: (تأخيرها إلى آخر الوقت أفضل، ما دامت الشمس بيضاء نقية) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفضل الأعمال عند الله الصلاة في أول وقتها» .
وروي عن أنس قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي العصر والشمس بيضاء نقية، ثم يذهب إلى العوالي، فيأتيها والشمس مرتفعة» . وبين العوالي والمدينة ستة أميال.

[فرع أفضل وقت المغرب]
وأما المغرب: فتقديمها في أول وقتها أفضل. وبه قال أهل العلم كافة.
وقالت الروافض: تأخيرها إلى اشتباك النجوم أفضل.
ودليلنا: ما روى جابر قال: «كنا نصلي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة المغرب، ثم نخرج فنتناضل، حتى نبلغ دور بني سلمة، ونبصر مواقع النبل من الإسفار» .

(2/41)


وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم» .
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بادروا بصلاة المغرب طلوع النجم» .
وقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (صلوا هذه الصلاة - يعني: المغرب - والفجاج مسفرة) . (مسفرة) يعني: مضيئة.

[فرع أفضل وقت العشاء]
] : وأما العشاء الآخرة: ففيها قولان:
[الأول] : قال في القديم، و " الإملاء ": (تقديمها في أول وقتها أفضل) .
قال الشيخ أبو حامد: وهو الأصح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفضل الأعمال عند الله الصلاة لأول وقتها» .
وروي عن النعمان بن بشير: أنه قال: أنه قال: «أنا أعلمكم بوقت هذه الصلاة، صلاة العشاء الآخرة: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصليها، لسقوط القمر لثالثة» .

(2/42)


وهذا إخبار عن دوام فعله.
و [الثاني] : قال في الجديد: (تأخيرها أفضل) - وبه قال أبو حنيفة - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي. . لأمرتهم بتأخير العشاء إلى ثلث الليل» .
إذا ثبت هذا: فاختلف أصحابنا في الوقت الذي إذا صلى فيه. . صار مدركًا لفضيلة أول الوقت:
فمنهم من قال: هو أن يفتتحها عقيب دخول الوقت، من غير فصل.
فعلى هذا: المتيمم لا يمكنه أن يحوز فضيلة أول الوقت؛ لأنه لا يتيمم إلا بعد دخول أول الوقت، ويشتغل بعد الدخول بالطلب.
ومنهم من قال: إذا أداها في النصف الأول من الوقت. . فقد حاز فضيلة أول الوقت. وهذا هو المشهور؛ لأن النصف الأول من جملة الأول، والنصف الثاني من جملة الآخر. ولأن اجتماع الجماعة لا يحصل إلا بذلك.

[فرع تأخير الصلاة للغيم]
] : وإن كان في يوم غيم. . فالمستحب: أن يؤخر الصلاة، إلا أن يخشى إن أخرها عن ذلك، خرج وقت الصلاة.
وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال - في الغيم -: (يؤخر الظهر، ويعجل العصر، ويؤخر المغرب، ويعجل العشاء) .
وقال ابن مسعود: (يعجل الظهر والعصر، ويؤخر المغرب) .

(2/43)


وقال أبو حنيفة: (يؤخر الظهر، ويعجل العصر، ويؤخر المغرب، ويعجل العشاء، وينور بالفجر) .
دليلنا: أن فيما ذكرناه احتياطًا للصلاة، وفيما ذكروه من التعجيل تغرير بالصلاة.

[فرع تأخير الصلاة]
ويجوز تأخير الصلاة عن أول وقتها؛ لـ: «أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلوات في المرة الثانية في آخر وقتها» . فدل على جواز التأخير.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أول الوقت رضوان الله، وأوسطه رحمة الله، وآخره عفو الله» .
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (والرضوان: إنما يكون للمحسنين، والعفو: يشبه أن يكون للمقصرين) . فسماه مقصرًا.
قال أصحابنا: وله تأويلان:
أحدهما: أنه أراد أنه مقصر بإضافته إلى من صلى في أول الوقت وإن لم يكن

(2/44)


مقصرًا في نفسه، كما أن من تنفل بعشر ركعات مقصر عند من تنفل بعشرين ركعة.
والثاني: أنه أراد أنه مقصر في تأخير الصلاة عن أول الوقت؛ لأن الله تعالى وسع عليه في ذلك، ولا يأثم به.
فإن صلى ركعة في الوقت، ثم خرج الوقت. . ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يكون مؤديًا لما صلى في الوقت، قاضيًا لما صلى بعد خروجه، كما لو صلى جميع الصلاة بعد الوقت.
والثاني: أنه يكون مؤديًا للجميع؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس. . فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس. . فقد أدرك العصر» .

[مسألة الصلاة الوسطى]
قال الله سبحانه وتعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] [البقرة: 238] .
واختلف العلماء في الصلاة الوسطى التي خصها الله تعالى بالذكر:
فذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى: أنها الصبح. وروى ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وجابر.
ورواه مالك، عن علي كرم الله وجهه.

(2/45)


وقالت عائشة، وزيد بن ثابت، وأسامة بن زيد. وعبد الله بن شداد: (هي صلاة الظهر) . وحكي ذلك عن أبي حنيفة.
وقال أبو هريرة، وأبو أيوب، وأبو سعيد الخدري: (إنها العصر) . وهي الرواية الثانية عن علي. وحكاه الطحاوي عن أبي حنيفة.
وقال قبيصة بن ذؤيب: هي المغرب.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] [البقرة: 238] .
قال الشافعي: (وسياق الآية يدل على أنها الصبح، لأن الله تعالى قال: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] [البقرة: 238] . فذكر القنوت فيها، ولا قنوت إلا في الصبح) .
وروي عن ابن عباس: أنه صلى الصبح، وقنت فيها، وقال: (هذه هي الصلاة التي أمرنا الله أن نقوم فيها قانتين) .

(2/46)


وروي «عن أبي يونس - مولى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنه قال: (أمرتني عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن أكتب لها مصحفًا، وقالت: إذا بلغت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] فآذني. فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي: حافظوا على الصلوات، وصلاة العصر، والصلاة الوسطى، ثم قالت: سمعتها من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
ولأن صلاة الصبح يدخل وقتها والناس في أطيب نوم، فخصت بالذكر، حتى لا يتغافل عنها.

[مسألة وقت أهل العذر والضرورة]
قد مضى الكلام على وقت المقام والرفاهية، والكلام هاهنا في وقت أهل العذر والضرورة، وهم: الصبي إذا بلغ، والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا، والحائض والنفساء إذا طهرتا. سموا بهذا الاسم؛ لأنهم كانوا معذورين عن الفرض، مضطرين إلى تركه. وفي معناهم: الكافر إذا أسلم، وإنما جعلناه من المعذورين؛ لأن بإسلامه سقطت عنه المؤاخذة بما تركه في حال الكفر.
فإذا زالت أعذارهم، أو عذر واحد منهم، وقد بقي من الوقت قدر ركعة. . لزمه فرض الوقت؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس. . فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس. . فقد أدرك العصر» .
وإن أدرك من الوقت دون الركعة. . ففيه قولان:
أحدهما: لا يلزمه - وهو قول مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، واختيار أبي إسحاق المروزي - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس. . فقد أدرك الصبح» . فدل على: أنه لا يكون مدركًا بما دونها.

(2/47)


والثاني: يلزمه - وهو قول أبي حنيفة، واختيار القاضي أبي حامد - لأن الإدراك إذا تعلق به الإيجاب. . استوى فيه الركعة وما دونها، كما لو أتم المسافر خلف المقيم بجزء من الصلاة.
وأما الصلاة التي قبلها: فننظر فيها:
فإن كان ذلك في وقت الصبح، أو الظهر، أو المغرب. . لم يلزمه ما قبلها؛ لأن ذلك ليس بوقت لها بحال.
وإن كان ذلك في وقت العصر، أو العشاء. . ففيه ستة أقوال:
أحدها: يلزمه الظهر، إذا أدرك من وقت العصر قدر تكبيرة. ويلزمه المغرب، إذا أدرك من وقت العشاء قدر تكبيرة.
والثاني: لا تلزمه الصلاة الأولى، إلا إذا أدرك من وقت الصلاة الثانية قدر ركعة، وهو الأصح؛ لأنه لما كان وقت العصر وقتًا للظهر، ووقت العشاء وقتًا للمغرب في حق المسافر. . وجب أن يكون ذلك وقتًا لها في حق هؤلاء؛ لأنهم معذورون كالمسافر.
والثالث: لا تلزمه الصلاة الأولى، إلا إذا أدرك من وقت الثانية قدر ركعة وطهارة؛ لأنه لما اعتبر إدراك ركعة. . اعتبر قدر الطهارة؛ لأن الركعة لا تصح إلا بها.
والرابع: أن الظهر لا يلزمه، إلا إذا أدرك من وقت العصر قدر خمس ركعات؛ لأنه لما اعتبر الوقت للصلاتين. . اعتبر وقتًا يفرغ من إحداهما، ويشرع في الأخرى.
وهل يعتبر مع الخمس قدر الطهارة؟ فيه وجهان، حكاهما في " الإفصاح ".
فإذا قلنا بهذا. . فهل الأربع منها للعصر، أو للظهر؟ فيه وجهان:
أحدهما: أن الأربع منها للعصر، والخامسة للظهر.
فعلى هذا: لا يلزمه المغرب مع العشاء، إلا إذا أدرك من وقت العشاء قدر خمس ركعات: أربع للعشاء، وركعة للمغرب.

(2/48)


والثاني: أن الأربع للظهر، والخامسة للعصر، وهو الأصح؛ لأن العصر يلزمه بقدر ركعة، قولاً واحدًا، فدل على: أن الأربع للظهر.
فعلى هذا: يلزمه المغرب إذا أدرك من وقت العشاء قدر أربع ركعات.
والخامس - خرجه أبو إسحاق -: أن الظهر يلزمه إذا أدرك من وقت العصر قدر أربع ركعات وتكبيرة. ويلزمه المغرب مع العشاء، إذا أدرك من وقت العشاء قدر ثلاث ركعات وتكبيرة؛ لأن الشافعي قال في الجديد: (يلزمه العصر بقدر تكبيرة، فتكون الأربع للظهر) .
والسادس - ذكره في " الإفصاح " -: يلزمه الظهر إذا أدرك من وقت العصر قدر أربع ركعات. ويلزمه المغرب إذا أدرك من وقت العشاء قدر أربع ركعات؛ لأنه إذا أدرك من الوقت قدر صلاة الوقت. . لزمته الأولى تبعًا للثانية.
هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة: (لا يلزمه الأولى بإدراك وقت الثانية) .
دليلنا: ما روي: (أن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أوجبا على الحائض تطهر قبل الفجر بركعة المغرب والعشاء) . ولا مخالف لهما.
ولأنه لما كان وقت الثانية وقتًا للأولى في حق المسافر. . كان وقتًا لهما في حق هؤلاء.

[مسألة فيمن طرأ عليه مانع بعد الوقت]
] : وإن كان مفيقًا في أول الوقت، ثم طرأ عليه الجنون أو الإغماء، إلى أن خرج الوقت، أو كانت طاهرًا في أول الوقت، ثم طرأ عليها الحيض أو النفاس. . نظرت:
فإن لم تدرك من الوقت ما تتمكن فيه من فعل جميع الصلاة. . لم يلزمها قضاؤها.

(2/49)


وقال أبو يحيى البلخي من أصحابنا: إذا أدرك من أول الوقت قدر ركعة أو تكبيرة في أحد القولين. . لزمه قضاؤها، كما إذا أدرك ذلك من آخر الوقت.
وهذا خطأ؛ لأنه لم يدرك من الوقت ما يتمكن فيه من فعل الفرض، فلم يجب عليه، كما لو ملك نصابًا من المال، فهلك بعد الحول، وقبل إمكان الأداء.
وإن طرأ عليه العذر بعد أن أدرك ما يتمكن فيه من فعل الفرض. . وجب عليه القضاء عند زوال العذر.
وقال مالك: (لا يجب عليه، حتى يدرك آخر الوقت من غير عذر) . وبه قال أبو العباس ابن سريج.
وهذا خطأ؛ لأنه قد أدرك ما يتمكن فيه من فعل الفرض، فلم يسقط، كما لو هلك النصاب بعد الحول، وبعد إمكان الأداء.
وأما الصلاة التي بعدها: فلا تلزمه.
وحكى الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ، وأبو علي في " الإفصاح ": أن أبا يحيى البلخي قال: إذا أدرك من وقت الظهر قدر ثماني ركعات، ثم طرأ العذر. . لزمه الظهر والعصر، كما إذا أدرك ذلك من وقت العصر. . لزمه الظهر.
وهذا خطأ؛ لأن وقت الظهر إنما يكون وقتًا للعصر، على سبيل التبع لفعل الظهر؛ ولهذا يشترط تقديمها، بخلاف وقت العصر، فإنه وقت للظهر لا على سبيل التبع لها؛ ولهذا يجوز البداية بما شاء منهما.

[مسألة قضاء الصلاة]
] : ومن وجبت عليه الصلاة، فلم يصلها، حتى خرج وقتها. . وجب عليه قضاؤها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نام عن صلاة أو نسيها. . فليصلها إذا ذكرها» .

(2/50)


فإذا وجب القضاء على النائم والناسي. . فلأن يجب على من تركها عامدًا أولى.
ولا يجب عليه القضاء على الفور.
وقال أبو إسحاق: إن تركها بغير عذر. . وجب عليه القضاء على الفور.
والأول أصح؛ لأن وقتها قد فات، فصار الزمان كله في حقها واحدًا.
وإن فاتته صلوات. . فالمستحب: أن يقضيهن على الترتيب؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك أربع صلوات يوم الخندق، حتى خرج وقتها. . فقضاها على الترتيب» .
وكان ذلك جائزًا في أول الإسلام، ثم نسخ، وأمر أن يصلي كيف أمكنه.
فإن قضاهن من غير ترتيب. . جاز؛ لأن الترتيب استحق للوقت، وقد فات الوقت، فسقط الترتيب.
وإن ذكر الفائتة في وقت صلاة حاضرة، فإن كان قد ضاق وقت الحاضرة. . لزمه أن يبدأ بالحاضرة، ثم يصلي الفائتة. وإن كان وقت الحاضرة واسعًا. . فالمستحب: أن يبدأ بالفائتة، ثم بالحاضرة. وإن بدأ بالحاضرة قبل الفائتة. . صح.
وذهب النخعي، والزهري، وربيعة إلى: أن من نسي صلاة فذكرها، وقد دخل وقت غيرها، وأحرم بالحاضرة. . فإن صلاته تبطل، فيصلي الفائتة، ثم يصلي الحاضرة.
وذهب مالك، والليث إلى: أنه إن نسي صلاة، حتى دخل وقت صلاة أخرى، فإن ذكر ذلك، وقد أحرم بالحاضرة. . فيستحب له أن يتم التي هو فيها، ثم يقضي

(2/51)


الفائتة، ثم يجب عليه: أن يصلي الحاضرة، إلا أن تكون الفوائت ستًا، فيسقط الترتيب.
وذهب أبو حنيفة، وأصحابه إلى: أنه إن نسي صلاة، حتى دخل وقت صلاة أخرى، ثم ذكرها، فإن ذكرها بعد فراغه من الحاضرة. . أجزأته، ويقضي الفائتة، سواء كان الوقت واسعًا، أو ضيقًا. وإن ذكرها وقد أحرم بصلاة وقته، فإن كان الوقت واسعًا. . بطلت، فيصلي الفائتة، ثم يصلي الحاضرة، وإن كان الوقت ضيقًا. . مضى عليها، ولم تبطل، ثم يقضي الفائتة. وإن كن الفوائت ستًا. . سقط الترتيب.
وفي الخمس روايتان: إحداهما: أنهن كالست. والثانية: أنهن كالأربع.
وذهب أحمد، وإسحاق إلى: أنه إن ذكر الفائتة وهو مع الإمام في الحاضرة. . مضى فيها واجبًا، ثم قضى الفائتة، ثم أعاد الحاضرة.
وقال أحمد: (إذا ترك الرجل صلاة في شبابه إلى أن شاخ. . فعليه أن يقضي الفائتة، ثم يعيد كل صلاة صلاها قبل قضائها) .
ودليلنا: ما روى الدارقطني: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا نسي أحدكم صلاة، فذكرها وهو في صلاة مكتوبة. . فليبدأ بالتي هو فيها، فإذا فرغ منها. . صلى التي نسي» .

[فرع نسيان صلاة غير معينة]
] : وإن نسي صلاة من خمس صلوات، ولا يعرف عينها. . لزمه أن يصلي خمس صلوات.
وقال المزني: يجوز أن ينوي الفائتة، ويصلي أربع ركعات، فيجلس في ركعتين، ويجلس في الثالثة، ويجلس في الرابعة، ويسجد للسهو، ويسلم؛ لجواز أن يكون قد زاد في صلاته.

(2/52)


وهذا خطأ؛ لأن تعيين الصلاة واجب وذلك لا يحصل إلا بخمس صلوات.
وإن كان عليه فوائت لا يعرف عددها، ولكن يعرف مدتها. . ففيه وجهان، حكاهما الشاشي:
أحدهما - وهو قول القفال -: أن يقال له: كم تحقق أنك تركت من الصلوات؟ فإن قال: عشرًا، قلنا: اقضها دون ما زاد.
والثاني - وهو قول القاضي حسين -: أن يقال له: كم تتحقق أنك صليت في هذه المدة؟ .
فإن قال: عشرًا. . أمرناه بقضاء ما زاد؛ لأن الأصل اشتغال ذمته بالصلاة، فلا يسقط عنه إلا ما يتحقق أداؤه.
وبالله التوفيق.
* * *

(2/53)