البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [باب صلاة العيدين]
صلاة العيدين الأصل في ثبوتها: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] [الكوثر:2] .
قال بعض أهل التفسير: أراد به الصلاة التي يتعقبها النحر، وهي صلاة الأضحى.
وأما السنة: فروى أنس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟ "، فقالوا: يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: "إن الله قد أبدلكم بخير منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى» .
وأما الإجماع: فإن المسلمين أجمعوا على ثبوتها.
إذا ثبت هذا: فقال الشافعي: (ومن وجب عليه حضور الجمعة ... وجب عليه حضور العيدين) .
واختلف أصحابنا في هذا:

(2/624)


فقال أبو سعيد الإصطخري: صلاة العيدين فرض على الكفاية - فيكون تأويل كلام الشافعي عنده: من وجب عليه حضور الجمعة فرض عين ... وجب عليه حضور العيدين فرض كفاية، وهو مذهب أحمد بن حنبل - لأنها صلاة يتوالى فيها التكبير في القيام، فكانت فرضًا على الكفاية، كصلاة الجنازة.
وقال عامة أصحابنا: هي سنة. فيكون تأويل كلام الشافعي عندهم: ومن وجب عليه حضور الجمعة حتمًا ... وجب عليه حضور العيدين ندبًا.
وقال أبو حنيفة: (هي واجبة، وليست بفرض) .
ودليلنا: «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأعرابي: "خمس صلوات كتبهن الله تعالى على عباده"، فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: "لا، إلا أن تطوع» .
ولأنها صلاة ذات ركوعٍ وسجودٍ، لم يسن لها الأذان بوجهٍ، فلم تكن واجبة بالشرع، كصلاة الاستسقاء.
فقولنا: (ذات ركوع) احتراز من صلاة الجنازة.
وقولنا: (لم يسن لها الأذان) احتراز من الصلوات الخمس في مواقيتها.
وقولنا: (بوجهٍ) احتراز من الفوائت؛ لأنه لا يؤذن للثانية منها، ولكنه قد يسن لها الأذان بوجهٍ، وهو في وقتها.
وقولنا: (بالشرع) احتراز من النذر.
وأما قول الإصطخري: يتوالى فيها التكبير: فينتقض بصلاة الاستسقاء، فإن اتفق أهل بلدٍ على تركها ... قوتلوا على تركها على قول الإصطخري، وهل يقاتلون على تركها على قول عامة أصحابنا؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يُقاتلون؛ لأنها نفل، والإنسان لا يُقاتل على ترك النفل.
والثاني - وهو قول أبي إسحاق -: أنهم يُقاتلون؛ لأنها من الأعلام الظاهرة في

(2/625)


الشرع، وفي الاجتماع على تركها نقص ظاهر في الدين.
قال ابن الصباغ: وعندي: أن هذا القائل رجع إلى قول الإصطخري، لأنه إذا جاز للإمام أن يقاتلهم ... لحقهم بذلك الإثم والقتل، ولا يستحقون مثل ذلك إلا عن معصيةٍ، وإذا كانوا عاصين بتركها
كانت واجبة؛ لأن حد الواجب: ما أثم بتركه.

[مسألة وقت صلاة العيد]
وأول وقت صلاة العيد: إذا طلعت الشمس، وتم طلوعها.
والمستحب: أن يؤخرها حتى يرتفع قيد رُمح.
وآخره: إذا زالت الشمس.
والمستحب: أن يؤخر صلاة عيد الفطر عن أول الوقت قليلًا، ويصلي الأضحى في أول وقتها: لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى عمرو بن حزم: أن آخر صلاة الفطر، وعجل صلاة الأضحى، وذكر الناس»
ولأن الأفضل إخراج الفطرة قبل الصلاة، فأخرت الصلاة؛ ليتسع الوقت لذلك، والسنة: أن يضحي بعد الصلاة، فقدمت؛ ليرجع إلى الأضحية.

[مسألة الصلاة في المكان الأرفق]
قال الشافعي: (وأحب للإمام أن يصلي بهم حيث أرفق لهم) .
وجملة ذلك: أنه إذا كان مسجد البلد ضيقًا ... فالمستحب أن يصلي العيد في المصلى، فإن كان المسجد واسعًا
فالأفضل أن يصلي العيد في المسجد،

(2/626)


والأصل فيه: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي العيد في المصلى» ، وإنما كان كذلك؛ لأن مسجد المدينة كان صغيرًا لا يسع الناس، وكان الأئمة يصلون العيد بمكة في المسجد؛ لأنه واسع.
وقال مالك: (الأفضل أن يصلي العيد في المصلى بكل حالٍ) .
دليلنا: ما ذكرناه.
فإن صلى العيد في المصلى في غير يوم المطر، مع اتساع المسجد ... لم يكره.
وإن صلى في المسجد مع ضيقه في غير يوم المطر ... كره.
وإنما كان كذلك؛ لأنه إذا صلى في المسجد مع ضيقه، ربما فات على بعض الناس للصلاة، وإذا عدل إلى المصلى مع اتساع المسجد ... لم يفت على أحد شيء من الصلاة، وإن كان قد ترك الأفضل.
وإن كان في البلد مطر ... فالأفضل أن يصلي العيد في المسجد وإن كان ضيقًا؛ لما روى أبو هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى العيد في يوم مطر في المسجد» .
وكذلك روي عن عمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وإذا صلى في المصلى، وكان في البلد ضعفاء لا يقدرون على الخروج إلى المصلى ... استُحب للإمام أن يستخلف من يصلي بهم في المسجد في البلد؛ لما روي: (أن علي بن أبي طالب استخلف أبا مسعود الأنصاري يصلي العيد بضعفة الناس في المسجد) .

(2/627)


[مسألة الأكل قبل صلاة الفطر]
والمستحب: أن يطعم يوم الفطر قبل الصلاة.
قال الشافعي: (فإن لم يطعم في بيته، ففي الطريق، أو في المصلى إن أمكنه ذلك، فأما في الأضحى: فيستحب له ألا يطعم شيئًا حتى يرجع) ؛ لما روى بريدة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يخرج يوم الفطر حتى يأكل، ويوم النحر لا يأكل حتى يرجع، فيأكل من نسيكته» .
وقال ابن المسيب: كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل الصلاة، ولا يفعلون ذلك يوم النحر، وإنما فرق بينهما؛ لأن السنة: أن يتصدق يوم الفطر قبل الصلاة، فاستحب له الأكل؛ ليشارك المساكين في ذلك، والصدقة يوم النحر بعد الصلاة وقبلها، فلم يستحب الأكل فيها.
ويحتمل أن يكون الفرق بينهما؛ لأن ما قبل يوم الفطر يحرم فيه الأكل، فندب إلى الأكل قبل الصلاة؛ ليتميز عما قبله، وفي يوم الأضحى: لا يحرم الأكل فيما قبله، فأخر الأكل إلى ما بعد الصلاة؛ ليتميز عما قبله.
والسنة: أن يأكل في يوم الفطر تمرات وترًا: إما ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، أو أكثر، لما روى أنس: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل ذلك) .

(2/628)


[مسألة الغسل للعيد]
ويُسن الغسل للعيدين؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في جمعة من الجمع للناس: «إن هذا يوم جعله الله عيدًا للمسلمين، فاغتسلوا فيه، ومن كان عنده طيب ... فلا يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك» .
وروي عن علي، وابن عمر: (أنهما كانا يغتسلان في يوم الفطر والأضحى) .
ولأنه يوم يجتمع فيه الكافة للصلاة، فسن فيه الغسل، كيوم الجمعة، فإن اغتسل بعد طلوع الفجر ... أجزأه بلا خلاف، وإن اغتسل قبل طلوع الفجر
ففيه قولان: أحدهما: لا يُجزئه، كغسل الجمعة.
والثاني: يجزئه؛ لأن صلاة العيد تفعل قريبًا من طلوع الشمس، وقد يقصدها الناس من البعد.
فلو قلنا: لا يجوز الغُسل قبل الفجر ... لأدى إلى تفويتها عليهم بالغسل.
فإذا قلنا بهذا: فإن القاضي أبا الطيب، والشيخ أبا إسحاق قالا: يجوز في النصف الثاني من الليل، ولا يجوز في الأول، كما قلنا في أذان الصبح.
قال ابن الصباغ: ويحتمل أيضًا أن يجوز في جميع الليل، كما تجوز النية للصوم.
والفرق بينه وبين الأذان للصبح: أن النصف الأول في وقتٍ مختارٍ للعشاء، فربما ظن السامع أن الأذان لها بخلاف الغسل.
ويستحب أن يتطيب، ويستاك؛ لما ذكرناه في الخبر، وروي عن الحسن بن

(2/629)


علي: أنه قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نتنظف ونتطيب بأجود ما نجد في العيد» .
ويستحب أن يتنظف، ويقلم أظفاره، ويحلق الشعر - كما قلنا في يوم الجمعة - ويلبس أحسن ثيابه، ويعتم؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يلبس في العيدين بُرد حبرة» .
ويستحب ذلك لمن يريد حضور الصلاة، ولمن لا يريد حضورها؛ لأن المقصود إظهار الزينة والجمال، فاستحب ذلك لمن حضر الصلاة، ولمن لم يحضر.

[مسألة حضور النساء وغيرهن العيد]
والمستحب: أن تحضر النساء غير ذوات الهيئات: لما روت أم عطية: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يُخرج العواتق وذوات الخدور والحيض في العيد، وأما الحيض: فكن يعتزلن المُصلى، وتشهدن الخير ودعوة المسلمين» ويتنظفن بالماء، ولا يتطيبن،

(2/630)


ولا يلبسن الشهرة من الثياب، لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات» ، أي: غير مُتطيبات، والتفلة، والمتفال: هي التي غير متطيبة، قال الشاعر:
إذا ما الضجيع ابتزها من ثيابها ... تميل عليه هونة غير متفال
ولأن ذلك يدعو إلى الافتنان بها.
ويستحب أن يحضر العبيد والصبيان، قال أصحابنا: إلا أن سُنة العيد لا تتأكد في حق العبيد والنساء والصبيان، كما تتأكد في حق الذكور البالغين الأحرار.
ويزين الصبيان بالمصبغ والحرير والحلي من الذهب وغيره، ذكورًا كانوا أو إناثًا؛ لأنهم غير مكلفين.

[مسألة التبكير لغير الإمام]
والمستحب لغير الإمام: أن يبكر إلى المصلى، كما قلنا في الجمعة، ويمشي إليها، ولا يركب؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما ركب في عيد ولا جنازة» ، ولأنه

(2/631)


إذا ركب ... زاحم الناس بدابته وآذاهم، وربما بالت دابته في الطريق، أو راثت، فتتلوث به نعال الناس، ولأنه إذا مشى
كثر ثوابه بكثرة خطواته، إلا أن يكون به ضعف، فلا بأس بالركوب في ذهابه.
قال الربيع: هذا في الذهاب.
فأما في الرجوع: فإن شاء ... مشى، وإن شاء
ركب.
قال أصحابنا: هذا صحيح؛ لأنه غير قاصد إلى قربةٍ، إلا أن يتأذى الناس بمركوبه، فيكره له ذلك؛ لما يلحق الناس من الأذى.
وأما الإمام: فالسنة له: أن لا يخرج إلا في الوقت الذي يوافي فيه الصلاة؛ لما روى أبو سعيد: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كان يخرج في العيد إلى المصلى، ولا يبتدئ إلا بالصلاة» ، ولأن هذا أكثر في جماله وزينته من أن يخرج، ويجلس لانتظار الناس؛ لأن المأموم ينتظر الإمام، والإمام لا ينتظر المأموم.

[مسألة السنة لصلاة العيد]
ليس لصلاة العيد سنة قبلها ولا بعدها؛ لأنها نافلة، والنافلة لا إتباع لها.
إذا ثبت هذا: فإن الإمام يُكره له أن يتنفل قبلها وبعدها؛ لما روى ابن عباس:

(2/632)


«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الأضحى ركعتين، ولم يتنفل قبلها ولا بعدها» ، ولأن الإمام يُقتدى به، فإذا صلى قبلها أو بعدها ... أوهم أن ذلك سنة لها، ولا سنة.
وأما المأموم: فيجوز له أن يتنفل قبلها وبعدها في بيته، وفي طريقه، وفي مُصلاه، وروي ذلك: عن أنس، وأبي هريرة، وسهل بن سعد الساعدي.
وقال الثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة: (تكره النافلة قبلها، ولا تكره بعدها) .
وقال مالك، وأحمد: (تكره قبلها وبعدها) .
وعند مالك في المسجد روايتان.
دليلنا: أن هذا وقت للتنفل في غير هذا اليوم، فلم يكره في هذا اليوم، كسائر الأيام.
قال الشافعي: (وقد روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغدو يوم الفطر والأضحى يمشي في طريق، ويرجع في أخرى على دار عمار بن ياسر» .
وقد اختلف الناسُ في تأويل فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
فقيل: إنه كان يخرج في طريق بعيدٍ، ويرجع في طريقٍ قريبٍ؛ لكي يكثر ثوابه؛ لأن ذهابه قُربة، ورجوعه ليس بقربة.
وقيل: لأنه كان يذهب في طريق، فيتصدق فيه على الفقراء والمساكين، فلا يبقى معه شيء، فيكره أن يرجع في ذلك الطريق، فيسأله سائل، ولا شيء معه، فيرده.

(2/633)


وقيل: بل كان يتصدق على أهل ذلك الطريق في ذهابه، ثم يرجع في أخرى؛ ليتصدق على أهله في رجوعه.
وقيل: أراد: ليشرف أهل الطريق الأول برؤيته، ويرجع في أخرى؛ ليُشرف أهلها، فيساوي بين أهل الطريقين.
وقيل: أراد: ليشهد له الطريقان.
وقيل: أراد: ليسأله أهل الطريقين عن الحلال والحرام.
وقيل: إنه كان يقصد بذلك غيظ المنافقين.
وقيل: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوقى كيد المنافقين؛ لئلا يرصد في الطريق الأول.
وقيل: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصد به الفأل في تغيير الحال على نفسه، رجاء أن يغير الله تعالى على الأمة حالها إلى الأجر والثواب، كما حول رداءه في الاستسقاء.
وقيل: إنه كان يخرج في طريقٍ، فيخرج معه خلق كثير، فتكثر الزحمة، فإذا أراد الرجوع، انتظره الناس على ذلك الطريق؛ لكي يرجعوا معه، فكان يرجع في طريق أخرى، ويعدل عن الأول؛ لكي لا تكثر الزحمة، فيتأذى الناس بالازدحام.
قال الشيخ أبو حامد: ويشبه أن يكون هذا بعد الأول أشبه؛ لما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج إلى صلاة العيدين من طريق، ويرجع من أخرى» ؛ لكي لا يكثر الزحام.
إذا ثبت هذا في النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فما حكم غيره من الناس؟ قال الشافعي: (أُحب ذلك للإمام والمأموم) .
واختلف أصحابنا فيه:
فقال أبو إسحاق: إن لم يعلم المعنى الذي كان يفعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأجله ... اقتدى به، اتباعًا للسنة، وإن علم المعنى الذي فعله لأجله، فإن كان موجودًا
فعل كفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإن لم يكن موجودًا ... لم يفعل.
قال أبو علي بن أبي هريرة: يفعل كفعله ذلك، سواء علم المعنى الذي فعله

(2/634)


النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأجله، أو لم يعلم، وسواء كان موجودًا أو غير موجودٍ؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد يفعل ذلك لمعنى، ثم يزول ذلك المعنى، وتبقى السنة فيه، كما قلنا في الرمل والاضطباع، وذلك؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قدم مكة معتمرًا ... قال المشركون: أما ترون أصحاب محمد قد أنهكتهم حُمى يثرب، فأمرهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرمل والاضطباع بالطواف والسعي؛ ليريهم الجلد والقوة» ، ثم صارت مكة دار إسلام، وزال ذلك المعنى، ولم تزل السنة في الرمل والاضطباع.

[مسألة لا يؤذن للعيد]
ولا يُسن الأذان والإقامة للعيد، قال الشافعي: (فإن أذن، وأقام ... كرهته) . وبه قال كافة أهل العلم.
وقال سعيد بن المُسيب: أول من أحدث الأذان والإقامة في العيدين معاوية.
وقال ابن سيرين: أول من أحدث ذلك مروان، ثم أحدثه الحجاج.
وقال أبو قلابة: أول من أحدث الأذان في العيدين ابن الزبير.
فلم يختلفوا أنه محدث، وإنما اختلفوا في أول من أحدثه.
دليلنا: ما روى ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى العيد، ثم خطب بغير أذان ولا إقامة» ، وكذلك روي: عن أبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
إذا ثبت هذا: قال الشافعي: (فإذا خرج الإمام إلى المصلى، فالسنة: أن ينادى

(2/635)


لها: الصلاة جامعة) ؛ لما روى الزهري: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمر مناديه يوم العيد، فينادي: الصلاة جامعة» .
قال الشافعي: (فإن قال: هلموا إلى الصلاة، أو حي على الصلاة ... فلا بأس به - قال - وأحب أن يتوقى ألفاظ الأذان) .
قال أصحابنا: وكذلك يفعل لصلاة الاستسقاء والكسوف والتراويح.

[مسألة صلاة العيد ركعتان]
ثم يصلي صلاة العيد ركعتين؛ لما روي عن عمر: أنه قال: «صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم، وقد خاب من افترى» .
ولأنه نقل الخلف عن السلف، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو إجماع لا خلاف فيه.

(2/636)


والسنة: أن تصلى جماعة؛ لأنه نقل الخلف عن السلف، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا كبر للإحرام ... قرأ دعاء الاستفتاح عقيب تكبيرة الإحرام، وأما التعوذ: فيأتي به أول الفاتحة.
وقال في " الفروع ": وقد قيل فيه قول آخر: أنه يأتي بدعاء الاستفتاح بعد التكبيرات الزوائد. والمذهب الأول.
وقال أبو يوسف: يأتي بالتعوذ عقيب دعاء الاستفتاح، وهذا ليس بشيء؛ لأن دعاء الاستفتاح يراد لافتتاح الصلاة، وذلك يوجد عقيب تكبيرة الإحرام، والتعوذ يراد لافتتاح القراءة، وذلك يوجد بعد التكبيرات الزوائد.
إذا ثبت هذا: وفرغ من دعاء الاستفتاح، فإنه يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الثانية خمس تكبيرات قبل القراءة، وبه قال أبو بكر، وعمر، وعلي، وابن عمر، وعائشة، وأبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ومن الفقهاء: الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال مالك مثل قولنا، إلا أنه قال: (يكبر في الأولى بست تكبيرات لا غير) .
وقال الثوري، وأبو حنيفة: (يكبر في الأولى ثلاث تكبيرات قبل القراءة، وفي الثانية: ثلاث تكبيرات بعد القراءة) .
دليلنا: ما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «التكبير في الفطر في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات قبل القراءة فيهما» . وهذا نص.

(2/637)


وروت عائشة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الثانية خمس تكبيرات قبل القراءة» .

[فرع رفع اليدين حال التكبير]
ويستحب أن يرفع يديه في كل تكبيرة من هذه التكبيرات حذو منكبيه، وبه قال أبو حنيفة، إلا أنه قال: (يرفع إلى شحمتي أذنيه) . وقد مضى الدليل عليه في الصلاة.
وقال مالك، والثوري: (لا يرفع يديه إلا في تكبيرة الافتتاح) .
دليلنا: ما روي: (أن عمر صلى العيد، فكبر في الأولى سبعًا، وفي الثانية خمسًا، يرفع يديه عند كل تكبيرة منها) . ولا يعرف له مخالف.
ولأنها تكبيرة في الصلاة في حال الانتصاب، فيسن فيها رفع اليدين، كتكبيرة الافتتاح.
قال الشافعي: (ويقف بين كل تكبيرتين بقدر آية، لا طويلة ولا قصيرة، يهلل الله ويحمده - وقال - يمجده.
وقال مالك: (يقف بين كل تكبيرتين، ولا يقرأ شيئًا) .
وقال أبو حنيفة: (يكبر متواليًا، ولا يقف) .
دليلنا: ما روي: (أن ابن مسعود صلى صلاة العيد، وكان يقف بين كل تكبيرتين، يحمد الله، ويكبره، ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . ولا مخالف له.

(2/638)


ومن أصحابنا من قال: يقول بين كل تكبيرتين: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
ومنهم من قال: يقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
قال ابن الصباغ، والشيخ أبو نصر: ولو قال ما اعتاده الناس، فحسن، وهو: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكرة وأصيلا، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.
ولا يأتي بهذا الذكر بين تكبيرة الافتتاح والتي بعدها؛ لأن هذا الذكر من توابع تكبيرات العيد، وتكبيرة الافتتاح لا تختص بالعيد.

[فرع نسي التكبيرات]
] : فإن نسي تكبيرات العيد حتى شرع في القراءة ففيه قولان:
[الأول] : قال في القديم: (يأتي به) . وبه قال أبو حنيفة؛ لأن محله القيام، وهو باقٍ.
و [الثاني] : قال في الجديد: (لا يأتي به) ؛ لأن محله قد فات بالقراءة، كدعاء الاستفتاح.
فإذا قلنا بالقديم، وذكر ذلك في أثناء الفاتحة ... قطع الفاتحة وأتى بالتكبيرات، فإذا فرغ من التكبيرات
أعاد الفاتحة؛ لأنه قد قطعها بغيرها متعمدًا.
وإن ذكر ذلك بعد الفراغ من الفاتحة ... أتى بالتكبيرات، ولا يجب عليه إعادة الفاتحة؛ لأنها وقعت موقعها، ولكن يستحب له أن يعيدها؛ لتكون بعد التكبيرات.

(2/639)


وحكى المسعودي [في " الإبانة " ق\101] وجهًا آخر: أنه يجب عليه إعادتها. والمذهب الأول.
وإن ذكر ذلك في الركوع ... لم يأت به، قولًا واحدًا؛ لأنه فات محله.

[فرع فوات المأموم بعض التكبيرات]
وإن أدرك المأموم الإمام، وقد فاته ببعض التكبيرات ... فإنه يكبر ما بقي من تكبيرات الإمام، وهل يعيد ما فاته؟ على القولين في التي قبلها.
وكذلك: إذا أدركه في القراءة ... فهل يقضي التكبيرات؟ على القولين.
وإن أدركه راكعًا ... لم يأت بالتكبيرات، قولًا واحدًا.
وقال أبو حنيفة، ومحمد: (يكبر في حال الركوع تكبيرات العيد) .
دليلنا: أنه ذكر مسنون في حال القيام، فسقط بالركوع، كدعاء الاستفتاح.

[فرع زيادة التكبير]
فإن كبر في الأولى ثماني تكبيرات، ثم شك: هل نوى الإحرام بواحدةٍ منها؟ استأنف الصلاة؛ لأن الأصل عدم النية، وإن علم أنه نوى بواحدةٍ منها، وشك في أيهما نوى؟ قال الشافعي: (أخذ بالأشد، وأنه نوى في الآخرة، ويعيد تكبيرات العيد) .
وإن علم أنه نوى في الأولى، وشك في عدد ما كبر بعدها ... بنى على اليقين، وكبر التمام.

(2/640)


[فرع ما يقرأ في صلاة العيد]
ويستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بـ: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] [ق:1] . وفي الثانية بعد الفاتحة سورة: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] [القمر:1] .
وقال أبو حنيفة: (ليس بعض السور بأولى من بعض) .
وقال مالك، وأحمد: (يقرأ في الأولى بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] [الأعلى:1] ، وفي الثانية: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] [الغاشية] ) .
دليلنا: ما «روي أن عمر سأل أبا واقد الليثي: ما كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في صلاة العيد؟ فقال: (قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب، و {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] [ق:1] ، وفي الثانية: بفاتحة الكتاب، و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] [القمر:1] . ويجهر فيهما بالقراءة» .
وقال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (أسمع من يليك، ولا ترفع صوتك) .
دليلنا: حديث أبي واقد، ولولا أنه جهر به، لما سمعه.

[مسألة خطبة العيد]
فإذا فرغ من الصلاة ... خطب، وهو قول أبي بكر، وعمر، وعلي، وأبي مسعود البدري. وروي عن عثمان: (أنه كان يصلي، ثم يخطب) .
وروي عنه: (أنه خطب، ثم صلى، لما كثر الناس على عهده) . وروي ذلك عن ابن الزبير، ومروان بن الحكم.
«وروي: أن مروان أخرج المنبر يوم العيد، وخطب قبل الصلاة، فقام رجل، فقال: يا مروان، أخرجت المنبر في يوم لم يكن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا بإخراجه، وخطبت قبل الصلاة، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب بعد الصلاة؟! فقال أبو سعيد الخدري:

(2/641)


من هذا؟ فقالوا: هذا فلان، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: من رأى منكرًا، فاستطاع أن ينكره بيده ... فليفعل، فإن لم يستطع
فبلسانه، فإن لم يستطع ... فبقلبه، وهو أضعف الإيمان»
إذا ثبت هذا: فجملة الخطب عشر:
خطبتا العيدين، وخُطبتا الكسوفين، وخطبة الاستسقاء، وخطبة الجمعة. وأربع خطب في الحج:
خطبة بمكة يوم السابع من ذي الحجة، وخطبة يوم عرفة، وخطبة بمنى يوم النحر، وخطبة بمنى يوم النفر الأول.
وكل هذه الخطب بعد الصلاة، إلا خطبة الجمعة، وخطبة عرفة، فإنهما قبل الصلاة، والفرق من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن خطبة الجمعة فرض لصلاة فرضٍ، فقدمت، وسائر الخطب نفل، فأخرت؛ ليتميز الفرض عن النفل، ولا يدخل على ذلك خطبة عرفة؛ لأنها ليست للصلاة، وإنما هي للوقت.
والفرق الثاني: أن صلاة الجمعة لا تصلى إلا بجماعة، فإذا فاتته الجمعة ... لم تقض فرادى، فقدمت على الصلاة؛ لكي يمتد الوقت، ويلحق الناس الصلاة، فلا تفوتهم، وليس كذلك صلاة العيدين؛ لأنها تصح فرادى، فلم يُحتج إلى تقديم الخطبة عليها، ليلحق الناس الصلاة.
وهكذا ذكره الشيخ أبو حامدٍ.
والثالث -حكاه ابن الصباغ -: أن الخطبة في الجمعة شرط في الصلاة، فلذلك قدمت؛ لتكامل شرائط الصلاة، بخلاف غيرها، وأما خُطبة عرفة: فإنما قُدمت؛

(2/642)


ليعلم الناس مناسكهم وصلاتهم وما يفعلونه، فقدمت؛ ليشتغلوا بعد الصلاة بذلك.

[فرع الخطبة على المنبر]
] : والسنة: أن يخطب على المنبر؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخطب في العيد على المنبر» .
قال الشافعي: (فإذا ظهر على المنبر ... سلم عليهم، فيرد الناس السلام عليه؛ لأن هذا مروي عاليًا) ، فقيل: معناه: أن السلام يروى عاليًا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو عن أعالي الصحابة، يريد: كبارهم.
وقيل: يروى: (أنه كان يسلم عاليًا) ، أي: فوق المنبر.
وقيل: (عاليًا) ، أي: أنه يرفع صوته.
وهل يسن له الجلوس بعد السلام؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه يسن، وهو المنصوص، كما قلنا في خطبة الجمعة.
والثاني: لا يُسن؛ لأن في الجمعة إنما يُسن له؛ ليفرغ المؤذن من الأذان، ولا أذان هاهنا، وهذا ليس بشيء؛ لأنه وإن لم يكن هناك أذان فإنه يحتاج إلى الجلوس؛ ليستريح من تعب صعود المنبر، وليتأهب الناس للسماع.
ويخطب قائمًا؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخطب في العيدين قائمًا» .

(2/643)


فإن خطب جالسًا ... جاز؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب في العيد قاعدًا على راحلته» ، ولأن صلاة العيد تصح من القاعد مع قدرته على القيام، فكذلك الخطبة فيه. بخلاف الجمعة.
ويجب أن يفصل بين الخطبتين بجلسة بينهما:
قال في " الفروع ": وقيل: إن الجلسة ليست بمعتبرة في شيء من الخطب، وإنما المعتبر حصول الفصل، سواء كان بجلسة، أو سكتة، أو كلام من غيره.
وهذا ليس بصحيح؛ لما روي «عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أنه قال: (من السنة أن يخطب في العيد خطبتين، ويجلس بينهما»
وإطلاق السنة يقتضي سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخص الجلسة، فدل على أن غيرها لا يقوم مقامها.

[فرع وقت وعدد التكبير في الخطبتين]
] : ويستحب أن يبتدأ ويكبر في الخطبة الأولى تسع تكبيرات، وفي الثانية سبع تكبيرات نسقًا؛ لما روي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أنه قال: (هو من السنة) .

(2/644)


قال الشافعي: (وإن فصل بين كل تكبيرتين بحمد الله والثناء عليه كان حسنًا) ؛ لأنه روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز.
قال الشيخ أبو حامد: وظاهر كلام الشافعي: أن التكبيرات ليست من الخطبة؛ لأن الشافعي قال: (يكبر، ثم يخطب) .

[فرع ما يقال في خطبة العيد]
] : إذا خطب للعيد، فإنه يحمد الله، ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويوصي بتقوى الله، ويقرأ آية، لما ذكرناه في الجمعة.
ويستحب أن يعلمهم في خطبة الفطر صدقة الفطر، ووقت وجوبها، وأن السنة أن يخرجها قبل الصلاة، ولا يجوز تأخيرها عن يوم الفطر، ويبين قدرها وجنسها.
وفي الأضحى: يعلمهم أن الأضحية سنة مؤكدة، ويبين وقت الذبح، وجنس المذبوح، وسنه، وأن المعيب لا يجزئ؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في خطبته: «ولا يذبحن أحدكم حتى يصلي» ، وإن كان في الحج يوم السابع ...

(2/645)


أمرهم أن يحرموا يوم التروية، ويخرجوا إلى منى، ويبيتوا ليلتهم، ويبكروا إلى عرفات.
وإن كانت الخطبة بعرفة ... أمرهم ألا يخرجوا منها، حتى تغيب الشمس، ويأمرهم بالبيتوتة بالمزدلفة، وأن عليهم أن يرموا يوم النحر جمرة العقبة بسبع حصيات.
وإن كانت يوم النحر ... أعلمهم كيف ينحرون، وأين ينحرون، وكيفية الرمي في أيام منى.
وإن كانت يوم النفر الأول ... أخبرهم: أنهم مخيرون بين أن ينفروا يومهم، وبين أن يقفوا حتى يرموا اليوم الثالث.
وغير ذلك مما يحتاجون إليه؛ لأن ذكر ذلك يليق في الخطبة.

[فرع إعادة الخطبة لمن لم يسمعها]
] : قال في " الأم " [1/212] : (وإذا خطب، ثم رأى نساء أو جماعة من الرجال لم يسمعوا الخطبة ... لم أر بأسًا أن يأتيهم، فيستأنف الخطبة لهم) ؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج يوم العيد، فصلى ركعتين، ولم يصل قبلهما ولا بعدهما، ثم أتى النساء، ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها وتلقي سخابها، وقد فرش بلال ثوبه يطرحن فيه» ، فـ (الخرص) : الحلقة، و (السحاب) : القلادة.

(2/646)


[فرع من السنة استماع الخطبة]
] : ويستحب للناس استماع الخطبة؛ لما روي عن أبي مسعود البدري: أنه قال يوم عيد: (من شهد الصلاة معنا، فلا يبرح حتى يشهد الخطبة) .
فإن جاء رجل والإمام يخطب، فإن كان في المُصلى ... لم يستحب له أن يصلي التحية؛ لأنه لا حرمة لهذا الموضع، ولكن يجلس، ويستمع الخطبة، فإذا فرغ الإمام من الخطبة
صلى الرجل العيد على القول الذي يقول: يجوز للمنفرد أن يصلي العيد.
فإن كان في المسجد ... فإنه يصلي ركعتين؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جاء أحدكم والإمام يخطب
فليصل ركعتين من قبل أن يجلس» .
فإذا قلنا: يجوز للمنفرد أن يصلي صلاة العيد، فما هاتان الركعتان؟ فيه وجهان:
[الأول] : قال أبو إسحاق: يصليهما صلاة العيد؛ لأنهما أهم من تحية المسجد وأوكد، وإذا صلاهما ... حصلت بهما سنة صلاة العيد، وتحية المسجد.
و [الثاني] : قال أبو علي بن أبي هريرة: يصليهما تحية المسجد، وهو الأصح؛ لأنه يحتاج إلى استماع الخطبة، وصلاة العيد تطول؛ ولأن الإمام لم يفرغ

(2/647)


من سنة العيد، فلا يشتغل بالقضاء، فإذا فرغ الإمام من الخطبة ... صلى صلاة العيد.

[مسألة صحة صلاة العيد للمنفرد]
] : قال الشافعي: (وتجوز صلاة العيد للمنفرد في بيته، وللمسافر، والعبد، والمرأة) .
وقال في مواضع من كتبه: (لا يُصَلِّي العيد إلا في الموضع الذي يصلي فيه الجمعة) .
وظاهر هذا: أن المسافر والعبد والمرأة والمنفرد لا يصلون العيد، وكذلك أهل القرى الذين لا جمعة عليهم، وإنما يصليها أهل الأمصار.
واختلف أصحابنا فيها، فمنهم من قال: يجوز للعبد والمرأة والمسافر والمنفرد أن يصلوا العيد، قولًا واحدًا.
وما ذكره الشافعي: (لا يصلي إلا في الموضع الذي يصلي فيه الجمعة) أراد: لا يصلي العيد في المصر في مواضع، كسائر الصلوات، وإنما يصلي في موضعٍ واحدٍ، كالجمعة.
ومنهم من قال، فيه قولان:
أحدهما: لا يصليها إلا أهل الأمصار، ومن يصلي الجمعة، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصل العيد بمنى؛ لأنه كان مسافرًا، كما لم يصل الجمعة بعرفاتٍ.

(2/648)


والقول الثاني -وهو الصحيح -: أنه يجوز فعلها لكل واحدٍ؛ لأنها صلاة نفل، فاستوى فيها الحر والعبد، والرجل والمرأة، والحاضر والمسافر، كصلاة الاستسقاء، وسائر النوافل, ومن قال بهذا ... قال: إنما لم يُصل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العيد بمنى؛ لأنه كان مشغولًا بالنسك، فكان اشتغاله بالمناسك أولى.
فإذا قلنا: حكمها حكم الجمعة ... فماذا يكون حكمها؟ فيه وجهان:
أحدهما -وهو قول الشيخ أبي حامد -: أن حُكمها حكمُها في اعتبار الجماعة، وألا تقام إلا في موضع واحدٍ في المصر، ولكن لا يعتبر فيها الأربعون، ويجوز فعلها خارج البلد.
والثاني -وهو قول ابن الصباغ، وصاحب " الإبانة " [ق \ 100]-: أن حكمها حكم الجمعة في العدد، فلا يصح بأقل من أربعين رجلًا على الشروط المذكورة فيهم في الجمعة.
ويشترط الخطبة فيها، وإنما يجوز للمسافر والعبد والمرأة فعلها، تبعًا للعدد المشروط، كما قلنا في صلاة الجمعة.
فإذا قلنا بالقول الصحيح ... جاز فعلها للمنفرد، إلا أنه إذا صلاها وحده لم يخطب. وإن كانوا مسافرين
جاز أن يصلي بهم أحدهم، ويخطب بهم، قال في " الإبانة " [ق \ 100] : ويصح فعلها بغير خطبة على هذا.

[مسألة ثبوت العيد بشهادة العدول]
إذا أصبح الناس صيامًا يوم الثلاثين من رمضان، فشهد شاهدان: أنهما رأيا الهلال بالأمس.
فإن ثبت عدالتهما قبل الزوال ... فإن الإمام يأمر الناس بالإفطار، ويصلي بهم العيد، قولًا واحدًا، ويكون ذلك أداء.
وإن شهد بعد الزوال: أنهما رأيا الهلال بالأمس، أو شهدا قبل الزوال، ولم تثبت عدالتهما إلا بعد الزوال ... فإن الإمام يأمر الناس بالإفطار، وهل يسن لهم أن

(2/649)


يصلوا صلاة العيد؟ فيه قولان، كالقولين في النوافل، إذا فاتت ... هل يسن قضاؤها؟ وقد مضى ذكرهما.
فإن قلنا: لا يقضي ... فلا كلام.
فإن صلوا ... لم تكن صلاة عيد، بل تكون نفلًا، كسائر النوافل.
وإن قلنا: يقضي -وهو الصحيح -: فإن كان البلد صغيرًا بحيث يتمكن الإمام من جمع الناس ... أمر بجمعهم، وصلى بهم العيد؛ لأن قضاء الصلاة كلما كان أقرب إلى وقت الصلاة
كان أولى.
فإن تراخى ذلك إلى الليل ... فهل تقضى؟ فيه وجهان، حكاهما في الفروع " الفروع ".
وإن كان البلد كبيرًا بحيث لا يتمكن الإمام من جمع الناس ... فإنه يؤخرها إلى الغد؛ لكي يجتمع الناس، ويُظهروا الزينة.
وحكى في " الإبانة " [ق \ 100] وجهًا آخر: أنها لا تقضى في الحال بكل حال، وإنما تقضى من الغد، والمشهور هو الأول.
فأما إذا صام الناس يوم الثلاثين، فلما كان الليل شهد شاهدان: أنهما رأيا الهلال ليلة الثلاثين، وأن يوم الثلاثين الذي صام الناس فيه كان يوم فطر ... فإنهم يصلون يوم الحادي والثلاثين العيد، قولًا واحدًا، وتكون أداء لا قضاء، وهذا مراد الشيخ أبي إسحاق في " المهذب " بقوله: إذا شهدوا ليلة الحادي والثلاثين
صلوا قولًا واحدًا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون، وعرفتكم يوم تعرفون» .

(2/650)


[فرع قضاء صلاة العيد للجميع]
إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام، وقلنا: إنه يجوز للمنفرد فعلها ... صلاها ركعتين، كصلاة الإمام.
وقال أحمد: (يصليها أربعًا) . وروي ذلك عن ابن مسعود.
وقال * * *
الثوري: إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء صلى أربعًا.
وقال الأوزاعي: (يصلي ركعتين، ولا يجهر بهما، ولا يكبر كما يكبر الإمام) .
وقال إسحاق: إن صلاها في الجبان ... صلاها كصلاة الإمام، وإن لم يصلها في الجبان
صلاها أربعًا.
دليلنا: قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «صلاة الفطر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان على لسان نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ولم يفرق، ولأنها صلاة، فاستوى في عددها الانفراد والجماعة، كسائر الصلوات.
وبالله التوفيق

(2/651)