البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [باب التكبير]
التكبير مسنون في العيدين.
وقال داود: (هو واجب في عيد الفطر) .
وقال النخعي: إنما يفعل ذلك الحواكون.
وقال ابن عباس: (يكبر مع الإمام، ولا يكبر المنفرد) .
وحُكي عن أبي حنيفة: أنه قال: (لا يكبر في الفطر، ويكبر في الأضحى) .
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] [البقرة:185] .
قال الشافعي: (سمعت من أرضاه من أهل العلم يقول في قَوْله تَعَالَى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة: 185] [البقرة:185] : عدة صوم رمضان، {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} [البقرة: 185] عند كماله) .
وروى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج يوم الفطر والأضحى رافعًا صوته بالتهليل والتكبير، فيأخذ طريق الحدادين حتى يأتي المصلى» .

(2/652)


[مسألة أوقات التكبير]
وأول وقت التكبير في عيد الفطر إذا غابت الشمس من آخر يوم من رمضان، وبه قال فقهاء المدينة السبعة.
وقال مالك، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق: (لا يكبر ليلة الفطر، وإنما يكبر عند ذهابه إلى المصلى) ؛ لحديث ابن عمر.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] [البقرة:185] ، وإكمال العدة بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان، ولا يمكن حمل الواو -هاهنا- على الجمع؛ لأن أحدًا لا يقول: إنه يكبر مع جمع العدة، فثبت أن المراد بها الترتيب، فيكون تقدير الآية: (ولتكملوا العدة، ثم لتكبروا الله) .
وأما حديث ابن عمر: فلا يعني: أنه لم يكبر قبله.
وأما آخر وقت تكبير عيد الفطر: ففيه طريقان:
من أصحابنا من قال: فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يسن التكبير إلى أن يبرز الإمام للصلاة، ثم ينقطع؛ لأنه إذا برز ... بالناس حاجة إلى أن يأخذوا أُهبة الصلاة، ويشتغلوا بالقيام إليها، فينبغي أن ينقطع التكبير.
والثاني: يسن التكبير إلى أن يحرم الإمام بصلاة العيد، لأن الكلام مباح لهم في هذه الحالة، فالتكبير أولى.
والثالث: إلى أن يفرغ الإمام من صلاة العيد والخطبتين؛ لما روى الزهري: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكبر في العيد حتى يأتي المُصلى. وحتى يقضي الصلاة» . وهذا

(2/653)


القول إنما يجيء فيمن لم يكن مع الإمام في الصلاة.
ومن أصحابنا من قال: المسألة على قولٍ واحدٍ، وأنه يكبر إلى أن يُحرم الإمام بالصلاة، قولًا واحدًا. وتأول ما سواه عليه.

[فرع التكبير في العيد]
ويسن في عيد الفطر التكبير المطلق: وهو أن لا يتحرى له وقت، وإنما يكبر الإنسان متى اتفق وقدر عليه في المنزل والسوق والمسجد وغيرها، وفي الليل والنهار، وهل يسن فيه التكبير المقيد، وهو أن يتحرى له أدبار الصلوات؟ فيه وجهان:
أحدهما: يسن له؛ لأنه عيد يسن فيه التكبير المطلق، فسن فيه التكبير المقيد، كالأضحى.
فعلى هذا: يكبر خلف ثلاث صلوات: المغرب، والعشاء، والصبح.
والثاني: لا يسن فيه التكبير المقيد؛ لأنه لم يُرو ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا عن أحد من الصحابة، بخلاف عيد الأضحى.

[مسألة تكبير الأضحى]
وأما التكبير في عيد الأضحى: فاختلف أصحابنا في وقته:
فقال أكثرهم: فيه ثلاثة أقوال:

(2/654)


أحدها: أنه يبتدأ بالتكبير بعد صلاة الظهر يوم النحر، ويقطعه بعد صلاة الصبح من آخر يوم من أيام التشريق، فيكبر عقيب خمس عشرة صلاة مجموعة، وهو الصحيح. وروي ذلك عن عثمان، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وهو قول مالك، وأحمد.
ووجهه: أن الناس تبع للحاج، والحاج يقطعون التلبية مع أول حصاةٍ، ويكبرون مع الرمي، وإنما يرمون يوم النحر، وأول صلاةٍ بعد رميهم: صلاة الظهر يوم النحر، وآخر صلاةٍ يصليها الحاج بمنى: صلاة الصبح من آخر أيام التشريق.
والقول الثاني: أنه يكبر بعد المغرب من ليلة يوم النحر، قياسًا على عيد الفطر، ويقطعه بعد الصبح آخر أيام التشريق، فيكبر عقيب ثماني عشرة صلاة؛ لما ذكرناه من التبع للحاج.
والقول الثالث: أنه يكبر بعد الصبح من يوم عرفة، ويقطعه بعد العصر من آخر يومٍ من أيام التشريق.
وروي ذلك عن عمر، وعلي، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبي يوسف، ومحمدٍ، واختاره ابن المنذر.
والدليل عليه: ما «روى جابر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى صلاة الصبح يوم عرفة، ثم أقبل علينا، فقال: "الله أكبر، الله أكبر، ومد التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق» .
ومن أصحابنا من قال: هي على قولٍ واحدٍ، وأنه يكبر بعد الظهر يوم النحر إلى

(2/655)


بعد الصبح من آخر أيام التشريق، والقولان الآخران حكاهما عن غيره.
قال المحاملي: ولا يأتي في الحاج إلا هذا القول؛ لأنهم قبل ذلك مشغولون بالتلبية والمناسك. هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة: (يكبر بعد الصبح يوم عرفة إلى بعد العصر يوم النحر، لا غير) .
وقال الأوزاعي، والمزني، ويحيى بن سعيد الأنصاري: (يكبر من الظهر يوم النحر إلى بعد الظهر من اليوم الثالث من أيام التشريق) .
وقال داود: (يكبر من الظهر يوم النحر إلى بعد العصر آخر أيام التشريق) ، وهو قول الزهري، وسعيد بن جبير، وروي ذلك عن ابن عباس.
دليلنا: ما ذكرناه للأقوال.
قال الصيمري: وما الأوكد في التكبير؟ فيه قولان:
[أحدهما] : قال في القديم: (تكبير ليلة النحر آكد من تكبير ليلة الفطر) .
و [الثاني] : قال في الجديد: (تكبير ليلة الفطر آكد من تكبير ليلة النحر) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] [البقرة:185] .

[فرع التكبير عقب الصلوات]
] : ويكبر في الأضحى خلف الفرائض في الأمصار والقرى المقيم، والمسافر، والرجل، والمرأة، سواء صلى في جماعة أو منفردًا.

(2/656)


وقال أبو حنيفة: (التكبير مسنون للرجال البالغين من أهل الأمصار إذا صلوا الفرض في جماعة، فأما أهل السواد والقرى والمسافرون، ومن صلى منفردًا ... فلا يكبر، ومن صلى في جماعة
فإنما يكبر عقيب السلام، فإن أتى بما ينافي الصلاة، مثل: أن تكلم، أو خرج من المسجد ... لم يكبر) .
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 200] [البقرة:200] .
وقَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] [البقرة:203] .
وقَوْله تَعَالَى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} [الحج: 28] [الحج:28] .
فخاطب الله الحجيج بالتكبير، وهم مسافرون، ولأن كل من خوطب بالفرائض سن له التكبير، كأهل المصر إذا صلوا في جماعة.
ويسن التكبير المطلق في عيد الأضحى، وهو أن يكبر كل وقتٍ.
ويسن فيه التكبير المقيد، وهو أن يكبر خلف الفرائض.
والدليل على ذلك: نقل الخلف عن السلف، وهل يسن التكبير خلف النوافل؟ فيه طريقان:
من أصحابنا من قال: فيه قولان.
أصحهما: أنه لا يُسن؛ لأن النقل تابع للفرض، والتابع لا يكون له تبع.

(2/657)


والثاني: يسن؛ لأنها صلاة راتبة، فأشبهت الفرائض.
ومنهم من قال: يكبر، قولًا واحدًا؛ لما ذكرناه.
وإن صلى، وقام، ولم يكبر، ومشى خطواتٍ ... فهل يكبر؟
قال أصحابنا البغداديون: يكبر كما يصلي السنن الراتبة بعد الفرائض بعد قيامه من مجلسه.
وقال الخراسانيون: هل يكبر؟ فيه قولان: بناء على أنه لو ترك سجود السهو، وسلم، وتطاولت المدة. هذا مذهبنا.
وقال مالك: (إن ذكره قريبًا ... أتى به، وإن تباعد
لم يأت به) . وقد مضى ذكر مذهب أبي حنيفة.
دليلنا: أن التكبير مسنون في أيام التشريق، وهي باقية.

[فرع التكبير بعد القضاء]
] : قال أصحابنا الخراسانيون: إذا فاتته صلاة في أيام التشريق، فقضاها في أيام التشريق ... كبر خلفها قولًا واحدًا.
وهل يكون قضاء أو أداء؟ فيه قولان، بناء على أنه هل يكبر خلف النفل؟
فإن قلنا: يكبر خلف النفل ... كان التكبير خلف المقضية أداء؛ لأنها أولى بالتكبير من النفل.
وإن قلنا: لا يكبر خلف النفل ... كان التكبير خلف المقضية قضاء.
فإن فاتته صلاة في غير أيام التشريق، فقضاها في أيام التشريق، فإن قلنا في التي

(2/658)


قبلها: تكون أداء ... فإنه يكبر هاهنا، وإن قلنا: يكون هناك قضاء
فلا يكبر هاهنا.
وأما البغداديون: فقالوا: إذا فاتته صلاة في أيام التشريق، فقضاها في غير أيام التشريق، أو فاتته في غير أيام التشريق، فقضاها في أيام التشريق ... لم يكبر خلفها، وجهًا واحدًا.
وإن فاتته صلاة في هذه الأيام، فقضاها في هذه الأيام ... ففيه وجهان:
أحدهما: يكبر؛ لأن وقت التكبير باقٍ.
والثاني: لا يكبر؛ لأن التكبير خلف هذه الصلوات يختص بوقتها، وقد فات الوقت، فلم يُقض.

[فرع ألفاظ التكبير]
التكبير: هو أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثلاثًا نسقًا.
قال الشافعي: (وما زاد من ذكر الله تعالى ... فهو حسن، وإن قال: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، والله أكبر) ؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ذلك على الصفا» .
قال ابن الصباغ: والذي يقوله الناس، لا بأس به، وهو: الله أكبر، ثلاثًا، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد. هذا نقل أصحابنا البغداديين.

(2/659)


وقال صاحب " الإبانة " [ق] : يكبر ثلاثًا نسقًا، وهل يهلل معه؟ فيه قولان. هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة، وأحمد: (يكبر مرتين) .
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما صعد الصفا يوم النحر للسعي، قال: "الله أكبر، الله أكبر" ثلاثًا نسقًا» . ثم ذكر الدعاء الذي ذكرناه.
قال الشافعي: (فثبت أن التكبير المسنون هذا؛ لأنه يوم عيد) .
قال في: " الإبانة " [ق -102] : إذا اقتدى بإمامٍ لا يرى التكبير ... فهل يكبر هو؟ فيه وجهان، حكاهما ابن سريج:
أحدهما: يكبر؛ لأنه قد خرج من متابعته بالسلام.
والثاني: يتابعه في تركه.
وبالله التوفيق * * *

(2/660)