البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [باب صلاة الكسوف]
قال الأزهري: يقال: خسفت الشمس، وخسف القمر: إذا ذهب ضوؤهما، ومنه قَوْله تَعَالَى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8] [القيامة:8] .
ويقال أيضًا: كسفت الشمس، وكسف القمر: إذا ذهب ضوؤهما.
وقال بعضهم: كسفت الشمس: إذا تغطت، ومنه قول الشاعر:
الشمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
يعني: الشمس طالعة ليست مغطية نجوم الليل والقمر.
والأصل في صلاة الكسوف: قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: 37] [فصلت:37] .
قال الشافعي: (فاحتملت الآية معنيين:
أحدهما: أنه أمرنا بالسجود له، ونهى عن السجود للشمس والقمر.
والثاني: أنه أمر بالسجود له عند حادث يحدث فيهما) ، وهذا أظهر؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى عند حدوث الحادث بهما.
وروى الشافعي بإسناده عن أبي مسعود البدري: أنه قال: «كسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال الناس: إن الشمس انكسفت لموته، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم

(2/661)


ذلك ... فافزعوا إلى ذكر الله، والصلاة» .
والسنة: أن يغتسل لها؛ لأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة، فسن لها الغسل كالجمعة، وينادى لها: (الصلاة جامعة) ؛ لما روي عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أنها قالت: «كسفت الشمس، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلًا، فنادى: الصلاة جامعة، وصلى حيث يُصلي الجمعة» ؛ لأنها قد تتفق في وقت لا يُمكن قصد المُصلى فيه.

[مسألة مشروعية صلاة الكسوف للجميع]
ويجوز فعلها للمقيم والمسافر، في الجماعة والانفراد.
وقال الثوري، ومحمد بن الحسن: لا يجوز فعلها على الانفراد.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا رأيتم ذلك ... فافزعوا إلى ذكر الله، والصلاة» . ولم يفرق.
وروى صفوان بن عبد الله، قال: (رأيت ابن عباس يصلي على ظهر زمزم صلاة الخسوف) .
قال الشافعي: (فيحتمل ذلك ثلاثة معانٍ:
أحدها: أن يكون الإمام غائبًا، فصلاها ابن عباس منفردًا.
والثاني: يحتمل أن الإمام لم يفعلها، ففعلها ابن عباس لنفسه.

(2/662)


والثالث: يحتمل أن يكون ذلك وقتًا منهيًا عن الصلاة فيه، وكان الإمام ممن يرى أنها لا تصلى في الوقت المنهي عنه، ففعلها ابن عباس) .
ويستحب فعلها للنساء مع الإمام؛ لما روي عن أسماء بنت أبي بكر: أنها قالت: «كسفت الشمس، فقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قيامًا طويلًا، فرأيت المرأة التي هي أكبر مني والتي هي أصغر مني قائمة، فقلت: أنا أحرى على القيام» .
وإنما يستحب ذلك لغير ذوات الهيئات، فأما ذوات الهيئات فيصلين في البيوت منفردات.
قال الشافعي: (فإن جمعن ... فلا بأس، إلا أنهن لا يخطبن؛ لأن الخطبة من سنة الرجال، فإن قامت واحدة منهن، ووعظتهن، وذكرتهن، كان حسنًا) .

[فرع الجهر في خسوف القمر]
] : ويُصلي لخسوف القمر، كما يُصلي لخسوف الشمس، إلا أنه يجهر في صلاة خسوف القمر، ويُسر في صلاة خسوف الشمس.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (يصلي في خسوف القمر فرادى، ويكره أن يصلي جماعة) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك ... فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة» ، ولم يفرق.
ولأنها صلاة خسوف، فكان من سننها الجماعة، ككسوف الشمس.
والدليل على الإسرار والجهر: ما روي عن ابن عباس: أنه قال: «كسفت الشمس، فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي، فقمت إلى جنبه، فلم أسمع له قراءة» .

(2/663)


وأما صلاة خسوف القمر: فلأنها صلاة ليل لها نظير بالنهار، يسن في نظيرها الإسرار، فسن فيها الجهر كالعشاء.

[مسألة كيفية صلاة الكسوف]
وكيفية صلاة الكسوف: أن ينوي صلاة الكسوف، ويكبر، ثم يقرأ دعاء التوجه، ثم يتعوذ، ويقرأ بأم الكتاب، وبسورة البقرة، إن كان يحفظها، أو بقدرها من القرآن إن كان لا يحفظها، ثم يركع، ويسبح بقدر قراءة مائة آية من سورة البقرة، ثم يرفع رأسه، ويستوي قائمًا، ويتعوذ، ويقرأ بفاتحة الكتاب وبقدر مائتي آيةٍ من سورة البقرة، ثم يركع، ويسبح، قال الشافعي: (بقدر ثلثي الركوع الأول) . وروي عنه: (بقدر ما يلي الركوع الأول) ، يعني: دونه بقليل.
قال أصحابنا: وهذا أصح.
وقدره الشيخ أبو إسحاق بقدر سبعين آية، وقدره الشيخ أبو حامد بقدر ثمانين آية من سورة البقرة، ثم يسجد كما يسجد في غيرها.

(2/664)


وقال أبو العباس بن سريج: يطيل السجود كما يطيل الركوع، وليس بشيء؛ لأنه لم ينقل ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولو فعله ... لنقل كما نقل في الركوع.
ثم يقوم إلى الركعة الثانية، فإذا استوى قائمًا ... قرأ الفاتحة، ثم يقرأ بعدها بقدر مائة وخمسين آية من سورة البقرة، ثم يركع، ويسبح فيه بقدر قراءة سبعين آية من سورة البقرة. هكذا قال عامة أصحابنا.
وقال أبو علي في " الإفصاح ": يسبح فيه بقدر خمس وسبعين آية. قال أصحابنا: وهذا يدل على أن الصحيح: أن التسبيح في الركوع الثاني في الأولى يلي التسبيح الأول فيها؛ لأن السبعين أكثر من ثلثي المائة، وبناء هذه الصلاة: أن الفعل الثاني أخف من الفعل الذي قبله.
قلت: وهذا يدل على أنه يسبح في الثاني من الأولى بأكثر من قدر السبعين آية؛ ليكون أكثر مما بعده؛ لتقع الصلاة على نظم واحد.
ثم يرفع رأسه من الركوع، فإذا استوى قائمًا قرأ الفاتحة، وقرأ بعدها قدر مائة آية من سورة البقرة، ثم يركع، ويسبح بقدر قراءة خمسين آية من سورة البقرة، ثم يسجد سجدتين. هذا قول الشافعي المشهور.
وقال في رواية " البويطي ": (يقرأ في القيام الأول في الركعة الأولى سورة البقرة، وفي الثاني منها سورة آل عمران، وفي الأول من الثانية سورة النساء، وفي الثاني منها سورة المائدة) .

(2/665)


قال أصحابنا: وهذا قريب من الأول. هذا مذهبنا، وبه قال عثمان، وابن عباس من الصحابة، ومن الفقهاء: مالك، وأحمد.
وقال الثوري، والنخعي، وأبو حنيفة: (يصلي صلاة الخسوف، كصلاة الصبح) .
وروي عن حذيفة: (أنه ركع في صلاة الخسوف ست ركعات، وأربع سجدات) .
وروي عن علي: (أنه ركع خمس ركعات وسجد سجدتين، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ذلك، وقال: ما صلاها أحد بعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غيري) .
ومن الناس من قال: الأخبار ثابتة في الكسوف في كل ركعة: ركوعان، وثلاث، وأربع، وله أن يفعل أيها شاء. واختاره ابن المنذر.
دليلنا: أن ابن عباس، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رويا: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى صلاة الخسوف ركعتين، في كل ركعة ركوعان» . فذكرا نحوًا مما قلناه.
قال في " الإبانة " [ق 102] : إذا امتد الخسوف، وهو في الصلاة ... فهل يزيد ركوعًا آخر؟ فيه وجهان:

(2/666)


أحدهما: يزيد، ولو امتد عشر ركعاتٍ، إلى أن ينجلي، وعلى هذا يُحمل ما ورد من الأخبار في الزيادة على ركوعين.
والثاني -وهو طريقة أصحابنا البغداديين، وهو الأصح -: أنه لا يزيد؛ لأن الأخبار في الزيادة على ركوعين غير صحيحة.
قال في " الإبانة " [ق 102 -103] : فإن تجلى الكسوف، وهو في القيام الأول ... فهل يتجوز، ويقتصر على ركوع واحدٍ؟
إن قلنا: يزيد ركوعًا إذا امتد الخسوف ... اقتصر -هاهنا- على ركوع واحدٍ.
وإن قلنا هناك: لا يزيد ... لم يقتصر هاهنا.
قال في " الإبانة " [ق 103] : وإن فرغ من الصلاة، ولم يدخل الكسوف ... فهل يعود إلى الصلاة؟
إن قلنا: يزيد ركوعًا لو امتد الخسوف ... عاد إلى الصلاة.
وإن قلنا: لا يزيد ركوعًا ... لم يعد إلى الصلاة.
والوجه المذكور في " الإبانة " في زيادة الركوع غريب، وما يفرع عليه.

[مسألة إدراك الركوع الثاني]
قال في " الإبانة " [ق 103] : وإن أدرك المأموم الإمام في الركوع الثاني ... فقد قال الشافعي: (لم يكن مدركًا لتلك الركعة؛ لأنه لم يدرك معظمها) .

(2/667)


قال الشافعي: (فعلى هذا يفعل المأموم ما بقي من الركعة متابعة لإمامه، ويصلي معه الركعة الثانية، فإذا سلم الإمام ... قام المأموم، فإن كان الكسوف باقيًا
صلى الركعة الثانية بهيئاتها، وإن تجلى الكسوف ... صلاها، وتجوز فيها) .
فإن لم يقرأ في كل قيام إلا بأم القرآن ... أجزأه؛ لأن الفريضة تجزئ بذلك، فالنافلة بذلك أولى.
وقال صاحب " التقريب ": إذا أدركه في الركوع الثاني ... كان مدركًا للركعة.
وحكى الصيمري: أنه لو اقتصر على ركوعٍ واحدٍ ... أجزأه.

[مسألة خطبة الكسوف]
فإذا فرغ من الصلاة، فالسنة أن يخطب خطبتين يفصل بينهما بجلسةٍ، يحمد الله فيهما، ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويوصي بتقوى الله، ويقرأ آية؛ لما ذكرناه في الجمعة.
قال الشافعي: (ويحثهم على الصدقة، ويأمرهم بالتوبة، والاستغفار، والنزوع عن المعاصي) ؛ لأنه قد روي ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (لا يخطب) .
دليلنا: ما روي عن عائشة: أنها قالت: «لما كسفت الشمس ... قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى -ووصفت صلاته نحوًا مما ذكرناه- فلما تجلت الشمس
انصرف، وخطب الناس، فذكر الله، وأثنى عليه، وقال: "يا أيها الناس، إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك ... فادعوا الله، وكبروا، وتصدقوا"، ثم قال: "يا أمة محمد، والله، لو تعلمون ما أعلم
لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا» .
ولأنها صلاة نافلة يسن لها الجماعة، تنفرد بوقتٍ، فكان من سننها الخطبة، كالعيدين.

(2/668)


فقولنا: (نافلة) احتراز من الفريضة.
وقولنا: (يُسن لها الجماعة) احتراز من النوافل التي لم تسن لها الجماعة.
وقولنا: (تنفرد بوقت) احتراز من التراويح؛ لأن وقتها ووقت العشاء واحد.
وقال الشافعي: (يخطب حيث لا يجمع) .
قال أصحابنا: أراد أنه يخطب في الكسوف في السفر، وفي غير عددٍ، إلا أنه إذا كان منفردًا ... لم يخطب؛ لأن الخطبة لوعظ غيره وتذكيره.

[مسألة جلاء الكسوف قبل الصلاة]
] : فإن لم يصل للخسوف حتى تجلى الخسوف ... لم يصل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فصلوا حتى تنجلي ".
وإن تجلى بعض الكسوف ... جاز أن يبتدأ الصلاة، كما لو لم ينكشف غير ما بقي.
فإن جللها سحاب أو حائل، وهي كاسفة ... صلى الكسوف؛ لأن الأصل بقاؤه، وكذلك إذا ظهر بعض الشمس أو بعض القمر منجليًا
فإنه يصلي؛ لأن الأصل بقاء الكسوف في الباقي منه.
فإن غابت الشمس كاسفة ... لم يصل الكسوف؛ لأن الصلاة إنما تراد لكي يرد الله تعالى عليها نورها، ولا نور لها في الليل.
وإن غاب القمر خاسفًا، فإن كان قبل طلوع الفجر ... صلى الخسوف؛ لأنه ينتفع بضوئه في غير هذا اليوم في هذا الوقت.
وإن لم يصل لخسوف القمر حتى طلع الفجر الثاني، أو غاب خاسفًا في هذا الوقت ... ففيه قولان:

(2/669)


[أحدهما] : قال في القديم: (لا يصلِّي؛ لأن آية القمر الليل، وقد ذهب، فلا يصلِّي لأجله، كالشمس إذا ذهبت آيتها، وهي النهار) .
و [الثاني] : قال في الجديد: (يصلِّي؛ لأنه ينتفع بضوئه) .
وإن كسف القمر بعد طلوع الشمس، أو بقي كاسفًا إلى تلك الحالة.. لم يصل الكسوف، قولاً واحدًا؛ لأنه لا ينتفع بضوئه في هذه الحالة.
فإن طلعت الشمس، وهو في صلاة كسوف القمر، أو تجلَّى الكسوف، وهو في الصلاة.. لم تبطل صلاته؛ لأنها صلاة أصل، فلا يخرج منها بخروج وقتها، كسائر الصلوات.
وفيه احتراز من الجمعة، فإنها بدلٌ عن الظهر، ويخرج منها بخروج وقتها إلى الظهر.

[فرع لا يصلي لآية غير الخسوفين جماعة]
] : قال الشافعي: (ولا آمر بالصلاة جماعة لآية سواها، وآمر بالصلاة منفردين) .
وهذا كما قال: لا تستحب صلاة الجماعة لسائر الآيات، مثل: الزلازل، والظلمة بالنهار، والريح الشديدة، والأمطار الشديدة.
فإن صلَّى الناس منفردين؛ لئلا يكونوا على غفلة.. فلا بأس.

(2/670)


وقال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور: (يسن لها الصلاة بالاجتماع، كالكسوف) .
دليلنا: أن هذه الآيات قد كانت على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم ينقل: أنه صلَّى لها جماعة.
وروى ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا رأى ريحًا عاصفًا، قال: "اللهم اجعلها رياحًا، ولا تجعلها ريحًا» .
قال ابن عباس: (لأن كل موضع ذكر الله الريح، فهو عذاب) .

[مسألة اجتماع صلاة الكسوف وغيرها]
إذا اجتمعت صلاة الكسوف، وصلاة الجنازة، واستسقاء، وعيد ... فإنه يبدأ بصلاة الجنازة؛ لأنها فرض، ولأنه يُخشى على الميت التغير، ولهذا ندب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الإسراع بها.
فإن كان وقت صلاة العيد واسعًا ... بدأ بصلاة الكسوف قبل صلاة العيد؛ لأنه يخشى فواتها، وصلاة العيد يتحقق أنها لا تفوت، ثم يُصلَّى العيد بعدها، ويخطب لهما معًا.
وإن ضاق وقت صلاة العيد ... بدأ بصلاة العيد قبل صلاة الكسوف؛ لأنه يُتحقق فواتها، ويُشكُّ في فوات وقت صلاة الخسوف.

(2/671)


فإذا فرغ من صلاة العيد، وكان الخسوف باقيًا.. صلَّى له وخطب له، وللعيد خطبتين.
وأما الاستسقاء: فإنه يؤخره عن ذلك كلَّه إلى يوم آخر، لأنه لا يفوت بتأخيره عن اليوم.
وقد اعترض ابن داود على الشافعي، وقال: كيف يجتمع الكسوف مع صلاة العيد، والشمس لا تكسف في العادة إلا في يوم التاسع والعشرين، ويوم العيد أول يوم من الشهر، أو يوم العاشر؟!
قال أصحابنا: فالجواب: أنه لا يمتنع كسوفها في غير ذلك اليوم، وقد روي: أنها كسفت في اليوم الذي مات فيه إبراهيم بن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وموته كان يوم العاشر من ربيع الأول، على أن الفقهاء قد يذكرون مسائل، وإن لم يتفق وجودها في العادة، كقول الفرضيِّين: إذا مات رجلٌ، وخلَّف مائة جدَّةٍ.
وإن اجتمع الكسوف مع صلاة فريضة ... نظرت:
فإن كانت غير الجمعة، فإن كان وقت الفريضة واسعًا.. صلَّى صلاة الكسوف، لأنه يخشى فواتها، ثم صلَّى الفريضة؛ لأنه يتحقق أنها لا تفوت.
وإن كان وقت الفريضة ضيقًا ... بدأ بصلاة الفريضة؛ لأنها فريضة، ويخاف فواتها، ثم صلَّى صلاة الكسوف.
وإن كانت الفريضة الجمعة: فإن كان وقتها واسعًا.. صلَّى الخسوف أوَّلاً؛ لما ذكرناه في غير الجمعة.

(2/672)


قال الشافعي: (ويقرأ في كل قيام فاتحة الكتاب، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] [الإخلاص] . فإذا فرغ.. خطب خطبتين للجمعة والخسوف، ثم يصلِّي الجمعة) .
وإن كان وقت الجمعة ضيقًا.. بدأ بها قبل الكسوف؛ لأنها فريضة يخاف فوتها، والخسوف نافلة لا يتحقق فواتها.
وإن اجتمع الخسوف مع الوتر، أو التراويح، أو ركعتي الفجر.. فإنه يقدم صلاة الخسوف، وإن خاف فوت هذه الصلوات؛ لأنها آكد منهن.
قال في " الأمِّ " [1 216] : (وإن كان الكسوف حال الموقف بعرفة.. فإنه يقدم صلاة الكسوف على الدعاء، ثم يخطب راكبًا، ويدعو، وإن كسفت الشمس وقت صلاة الظهر بعرفة.. قدَّم صلاة الكسوف على الدفع إلى عرفة؛ لأنه يخاف فوات صلاة الخسوف، ولا يخاف فوات الدَّفع) .
وإن خُسف القمر بعد طلوع الفجر من ليلة المزدلفة، وهو بالمشعر الحرام صلَّى الخسوف وإن كان يؤدي إلى فوات الدفع إلى منى قبل طلوع الشمس؛ لأنها آكد، ويستحب أن يخفف؛ لئلا يفوته الدفع قبل طلوع الشمس.
وإن كسفت الشمس في اليوم الثامن بمكة، وخاف إن اشتغل بصلاة الخسوف أن يفوته الظهر بمنى.. قدَّم صلاة الخسوف.
وبالله التوفيق والعفو والمغفرة * * *

(2/673)