البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [كتاب العتق]

(8/319)


كتاب العتق الأصل في العتق: قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] [الأحزاب: 37] .
قال أهل التفسير: أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعمت عليه بالعتق.
وقَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] [النساء: 92] في مواضع القرآن.
«وروى واثلة بن الأسقع قال: أتينا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صاحب لنا أوجب النار بالقتل، فقال: " أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار» .

(8/321)


وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» .
وأجمعت الأمة على صحة العتق وحصول القربة به.
ولا يصح العتق إلا ممن يصح تصرفه في المال، كما قلنا في الهبة.
فإن أعتق الموقوف عليه العبد الموقوف.. لم يصح عتقه؛ لأنه لا يملكه ملكاً تاماً.
وإن أعتق في مرض موته عبداً له وعليه دين يستغرق تركته.. لم يصح؛ لأن عتقه وصية، والدين مقدم على الوصية.
وإن أعتق عبدا جانياً.. فهو كما لو أعتق عبداً مرهوناً، وقد مضى بيانه.
إذا ثبت هذا: فإن العتق يقع بالصريح من غير نية، وبالكناية مع النية.
و (الصريح) : العتق والحرية؛ لأنه ثبت لهما عرف الشرع واللغة.
و (الكناية) : مثل قوله: خليتك، وسيبتك، وحبلك على غاربك، ولا سبيل لي عليك، ولا سلطان لي عليك، وأنت لله، وأنت طالق؛ لأنه يحتمل العتق وغيره، فوقع به العتق مع النية.
فإن قال لأمته: أنت علي كظهر أمي ونوى به العتق.. ففيه وجهان:
أحدهما: تعتق؛ لأنه يوجب تحريم الزوجة، فأشبه الطلاق.
والثاني: لا تعتق؛ لأنه لا يزيل الملك عن الزوجة، فهو كالإيلاء.
وإن قال: فككت رقبتك.. ففيه وجهان:

(8/322)


أحدهما: أنه صريح في العتق، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] [البلد: 13] .
والثاني: يحتمل أنه كناية في العتق؛ لأنه يستعمل في العتق وغيره.

[مسألة عتق أحد الشريكين نصيبه]
وإن كان عبد بين نفسين، فأعتق أحدهما نصيبه فيه، فإن كان معسراً بقيمة باقيه..عتق نصيبه ورق نصيب شريكه.
وإن كان موسراً بقيمة نصيب شريكه، بحيث يملك قيمة نصيب شريكه فاضلاً عن قوت يومه.. سرى عتقه إلى نصيب شريكه، وعتق عليه، وقوم عليه نصيب شريكه.
هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة: (لا يسري، وإنما يستحق إعتاق نصيب الشريك. وإن كان المعتق معسراً.. كان المالك للنصيب مخيرا بين شيئين: بين أن يعتق نصيب نفسه ويكون الولاء بينه وبين شريكه، وبين أن يستسعي العبد في قيمة نصيبه، فإذا أداه..عتق عليه، وكان الولاء بينه وبين شريكه.
وإن كان المعتق موسراً.. كان شريكه مخيراً بين ثلاثة أشياء: بين أن يعتق نصيبه، وبين أن يستسعي العبد في قيمة نصيبه ويكون الولاء بينهما في هذين، وبين أن يضمن شريكه المعتق قيمة نصيبه ويكون جميع الولاء للشريك المعتق، ثم يرجع المعتق في سعاية العبد بما غرمه من قيمته) .
وقال ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والثوري، وأبو يوسف، ومحمد: يسري العتق في الحال بكل حال. وإن كان المعتق موسراً.. غرم قيمة نصيب شريكه. وإن كان معسراً.. استسعى العبد في قيمة نصيبه.
وقال ربيعة: لا يعتق نصيب الشريك بحال إلا أن يرضى الشريك.
وقال عثمان البتي: لا يعتق نصيب الشريك بحال.
دليلنا: ما روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أعتق شركاً له

(8/323)


في عبد، فإن كان معه ما يبلغ ثمن العبد.. قوم عليه قيمة عدل، وأعطى شركاءه حصصهم وإلا.. فقد عتق منه ما عتق، ورق منه ما رق» .

[فرع العبد المسلم بين مسلم وكافر]
) : وإن كان العبد المسلم مشتركاً بين كافرين، أو بين مسلم وكافر: فأعتق الكافر نصيبه فيه.. عتق نصيبه. فإن كان موسراً بقيمة نصيب شريكه.. فهل يقوم عليه؟
من أصحابنا من قال: فيه قولان بناء على أن شراء الكافر للمسلم هل يصح؟
فإن قلنا: لا يصح.. لم يقوم عليه؛ لأن التقويم يوجب الملك.
وإن قلنا: يصح شراؤه.. قوم عليه نصيب شريكه.
ومنهم من قال: يقوم عليه هاهنا قولاً واحداً، وهو المنصوص؛ لأنه تقويم متلف فامستوى فيه المسلم والكافر في الإتلاف. ولأن المقصود هاهنا تكميل الأحكام لا الملك، بخلاف الشراء.

[فرع وقت عتق نصيب الشريك]
) : ومتى يعتق نصيب الشريك؟ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يعتق بنفس اللفظ، وهو الصحيح، لما روى ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(8/324)


قال: «من أعتق شركاً له في عبد وله مال يبلغ ثمنه.. فهو عتيق» .
ولأن قدر القيمة معتبر بحال العتق، فثبت أن العتق قد نفذ في تلك الحال.
والثاني: أنه لا يعتق إلا بدفع القيمة، لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، فإن كان موسراً.. قوم عليه ولا وكس ولا شطط، ثم يعتق» .
و (الوكس) : النقصان. و (الشطط) : الزيادة.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أعتق شركاً له في عبد.. فعليه خلاصه إن كان له مال» فثبت أنه باق على الرق.
والثالث: أنه مراعى، فإن دفع القيمة.. حكمنا بأنه عتق باللفظ. وإن لم يدفع القيمة.. حكمنا بأنه لم يعتق؛ لأنا لو أعتقناه باللفظ قبل دفع القيمة.. أضررنا بالشريك، ولو قلنا: إنه باق على الرق.. أضررنا بالعبد في إبقاء أحكام الرق عليه، فثبت أنه موقوف ليزول الضرر عنهما.
فإذا قلنا: إنه يعتق بنفس اللفظ.. صارت أحكامه أحكام الأحرار من حين الإعتاق، فإن مات للعبد من يرثه.. ورثه.
فإن أعسر المعتق بعد ذلك، أو هرب، أو مات، ولم يخلف وفاء.. فقيمة نصيب شريكه في ذمته.

(8/325)


وهل عتق جميعه باللفظ في حالة واحدة؟ فيه وجهان حكاهما الطبري.
أحدهما: أن عتق جميعه وقع في حالة واحدة، لأن الجميع صار كأنه له، فعتق جميعه باللفظ.
والثاني - وهو الأصح -: أن العتق وقع في نصيب المعتق أولا، ثم يسري إلى نصيب شريكه؛ لأنه لا يملك نصيب شريكه، فلم يقع عتقه فيه مباشرة.
وإذا طالب الشريك بقيمة نصيبه.. أجبر المعتق على الدفع. وإن بذل المعتق القيمة، فامتنع الشريك من أخذها.. قبضها الحاكم له، وليس للعبد المعتق المطالبة بالدفع ولا بالقبض؛ لأن عتقه غير موقوف على ذلك.
وأما إذا قلنا: إن العتق لا يقع إلا بدفع القيمة، فإن طلب الشريك القيمة.. وجب على المعتق دفعها، فإن بذلها المعتق.. وجب على الشريك قبضها، فإن امتنع من قبضها.. قبضها الحاكم له وعتق العبد. وإن امتنع المعتق والشريك.. فللعبد أن يطالبهما بذلك ليصل إلى حقه من العتق، فإذا لم يطالب العبد.. فللحاكم أن يطالب المعتق بالدفع والشريك بالقبض، فإن امتنعا.. أخذ الحاكم القيمة من المعتق للشريك، وعتق العبد، لما في العتق من حق الله تعالى.
فإن باع الشريك نصيبه من العبد أو وهبه قبل أن يدفع المعتق القيمة إليه.. لم يصح بيعه ولا هبته؛ لأن في ذلك إبطال ما ثبت للعبد من الحرية.
وإن أعتق نصيبه.. ففيه وجهان:
أحدهما - وهو قول أبي حنيفة وأبي علي بن أبي هريرة -: (أنه يعتق؛ لأن العتق صادف ملكه ويحصل العتق للعبد) .
والثاني: لا يعتق، وهو الأصح؛ لأن ذلك يبطل ما ثبت للمعتق من الولاء.
وإن مات للعبد من يرثه قبل دفع القيمة، أو شهد، أو جنى، أو جني عليه.. فحكمه في ذلك حكم العبيد؛ لأنه باق على الرق.
وإن مات العبد قبل دفع القيمة.. فهل للشريك أن يطالب المعتق بالقيمة؟ على هذا القول فيه وجهان:

(8/326)


أحدهما: له ذلك؛ لأن القيمة وجبت على المعتق بالعتق، فلا تسقط بموت العبد.
والثاني: لا يجب عليه ذلك؛ لأن القيمة إنما وجبت عليه لتكميل أحكام العبد، وليحصل للمعتق الولاء عليه، وهذا لا يوجد في حقه بعد موته.
وعلى القول الأول: له مطالبته بعد موت العبد قولاً واحداً؛ لأنه مات حراً.

[فرع استيلاد الجارية من أحد الشريكين]
وإن كانت جارية بين اثنين فاستولدها أحدهما.. ثبت لها حرمة الاستيلاد في نصيبه. فإن كان موسراً بقيمة نصيب شريكه.. قوم عليه. ومتى يثبت لها حرمة الاستيلاد؟ فيه طريقان حكاهما الطبري في " العدة ".
ومن أصحابنا من قال: هي على الأقوال الثلاثة في العتق.
ومنهم من قال: إن قلنا في العتق: يسري بنفس اللفظ.. فهاهنا تثبت لها حرمة الاستيلاد بالإحبال. وإن قلنا في العتق: لا يسري إلا بدفع القيمة.. ففي الإحبال وجهان:
أحدهما: لا تثبت لها حرمة الاستيلاد في نصيب شريكه إلا بدفع القيمة كالإعتاق.
والثاني: تثبت بالإحبال؛ لأنه أقوى من العتق، بدليل: أن العتق لا يصح من السفيه والمجنون، والإحبال يصح منهما.
وأما إذا استولدها الشريكان معاً، مثل: أن كانا معسرين فاستولدها أحدهما، ثم استولدها الثاني.. فإنها تصير أم ولد لهما. فلو أعتق أحدهما نصيبه منها بعد ما أيسر.. فهل يقوم عليه نصيب شريكه؟ فيه وجهان:

(8/327)


أحدهما: يقوم عليه؛ لأنها تعتق بالإعتاق
والثاني: لا يقوم عليه؛ لأن أم الولد لا تملك.

[فرع يدخل نصيب الشريك بالملك في التقويم]
] : كل موضع قوم على المعتق نصيب شريكه.. فإنه يحكم بدخول ملك نصيب الشريك في ملك المعتق. ومتى يملكه؟ فيه وجهان:
[أحدهما] : قال أبو إسحاق: يملكه ويعتق عليه في حالة واحدة.
و [الثاني] : من أصحابنا من قال: يملكه ثم يعتق عليه، وهكذا إذا اشترى من يعتق عليه.. فإنه يملكه، وفي وقت ملكه الوجهان.

[مسألة اختلاف الشريكين في قيمة العبد المعتق]
إذا اختلف الشريكان في قيمة العبد المعتق، فادعى الشريك أن قيمته ألفان، وقال المعتق: بل قيمته ألف.. فلا خلاف أن قيمته تعتبر حال الإعتاق؛ لأنه وقت الإتلاف.
فإن كان الاختلاف عقيب الإعتاق أو بعده بزمان ولم تختلف قيمته من حين الإعتاق إلى حين التقويم.. رجع فيه إلى مقومين.
وإن كان العبد قد مات، أو غاب، أو تأخر تقويمه زماناً تختلف فيه قيمته، ولا بينة على قيمته وقت الإعتاق.. فمن القول قوله مع يمينه؟ فيه قولان، واختلف أصحابنا في مأخذ القولين.
فمنهم من قال: أصلهما القولان في وقت السراية.
فإن قلنا: إن السراية وقعت بنفس اللفظ.. فالقول قول المعتق مع يمينه؛ لأنه غارم، فكان القول قوله في قيمة ما أتلفه، كالمتلف.
وإن قلنا: إن السراية لا تقع إلا بدفع القيمة.. فالقول قول الشريك مع يمينه؛ لأن

(8/328)


ملكه ثابت على نصيبه، فلا ينتزع منه إلا بما يقر به، كما لو اختلف الشفيع والمشتري في الثمن.
ومنهم من قال: أصلهما: القولان فيمن اشترى عبدين فتلف أحدهما ووجد بالآخر عيباً، وقلنا: له رده، فاختلفا في قيمة التالف، وفيه قولان:
أحدهما: القول قول المشتري؛ لأنه كالغارم. فعلى هذا: القول قول المعتق.
والثاني: القول قول البائع؛ لأن ملكه ثابت على الثمن، فلا ينتزع منه إلا بما يقر به. فعلى هذا: القول قول الشريك.
قال الطبري: وحكى الشيخ أبو حامد عن الربيع: أنه قال: فيها قول آخر: أنهما يتحالفان. قال: وهذا من تخريج الربيع؛ لأنه ليس بينهما عقد ينفسخ بالتحالف، ولأنا لو حلفناهما.. لاحتجنا إلى الرجوع إلى القيمة، فلا يفيد التحالف شيئاً.
والطريق الأول هو المشهور.
وأن ادعى الشريك زيادة صنعة في العبد تزيد بها قيمته، فإن كان العبد غائباً، أو ميتاً، ولا بينة للشريك، فأنكرها المعتق.. ففيه طريقان:
من أصحابنا من قال: فيه قولان.
أحدهما: القول قول المعتق.
والثاني: القول قول الشريك.
ومنهم من قال: القول قول المعتق قولاً واحداً؛ لأن الأصل عدم الصنعة.
وإن كان العبد حاضراً، فإن كان يحسن الصنعة التي ادعاها الشريك، فإن لم يمض من حين العتق زمان يمكن تعلم تلك الصنعة.. فالقول قول الشريك؛ لأنا علمنا صدقه. وإن كان قد مضى زمان يمكن فيه تعلم الصنعة.. فعلى الطريقتين.
وإن قال المعتق: كان سارقاً، أو آبقاً، وأنكر الشريك، ولا بينة للمعتق.. فعلى طريقين:

(8/329)


[الأول] : من أصحابنا من قال: فيه قولان.
و [الثاني] : منهم من قال: القول قول الشريك قولاً واحداً؛ لأن الأصل عدم ذلك.

[فرع وجود دين مستغرق على المعتق]
إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد وهو يملك من المال قدر قيمة شريكه إلا أن عليه دينا يستغرق ذلك.. فهل يقوم عليه نصيب شريكه؟ فيه قولان بناءً على أن الدين: هل يمنع وجوب الزكاة؟

[فرع تعليق الشريكين على شرط واحد]
إذا قال أحد الشريكين في العبد: إذا دخلت الدار الفلانية فأنت حر، ثم قال له الآخر: إذا دخلتها فأنت حر، فدخلها..عتق عليهما، ولم يقوم نصيب أحدهما على الآخر؛ لأنه عتق عليهما في حالة واحدة.
وإن قال أحد الشريكين للآخر: إذا أعتقت نصيبك من العبد فنصيبي منه حر، فأعتق الآخر نصيبه.. عتق نصيبه عليه، وقوم عليه نصيب شريكه إن كان موسراً؛ لأن عتق نصيب المباشر سبق، فاستحقت به السراية، فمنعت وقوع عتق الشريك المعلق عتق نصيبه بصفة.
وإن قال: إذا أعتقت نصيبك. فنصيبي حر في حال عتق نصيبك، فأعتق الآخر نصيبه.. عتق عليه نصيبه. وهل يقوم عليه نصيب شريكه الذي علق عتقه؟ فيه وجهان.
أحدهما: يقوم عليه؛ لأن إعتاقه لنصيبه شرط في عتق نصيب شريكه، والشرط يتقدم على المشروط، فكان كالأولى.
والثاني: لا يقوم عليه، وهو اختيار القاضي أبي الطيب؛ لأن العتق وقع على النصيبين في وقت واحد.

(8/330)


[فرع علق أحدهما عتقه بمدة قبل الموت وجعله الآخرحالاً]
فرع: [علق أحدهما عتقه بمدة قبل الموت وجعله الآخر حالاً] :
وإن قال أحد الشريكين في العبد: نصيبي منك حر قبل موتي بشهر، ثم قال الثاني بعده: نصيبي منك حر الآن، ثم مات الأول، فإن كان بين موت القائل الأول وبين قوله أقل من شهر.. لم يعتق عليه نصيبه؛ لأن العتق لا يقع قبل الإعتاق، ويعتق على الثاني نصيبه حين أعتقه، فإن كان موسراً بقيمة نصيب شريكه.. قوم عليه وإن كان معسراً.. لم يقوم عليه.
وإن كان بين قول الثاني وبين موت الأول أكثر من شهر.. لم يعتق على الأول أيضاً نصيبه إن كان الثاني موسراً بقيمة نصيب الأول؛ لأن عتق الثاني مقدم عليه، فيعتق على الثاني نصيبه، ويقوم عليه نصيب الأول. وإن كان معسراً به.. لم يقوم عليه، وعتق على الأول نصيبه قبل موته بشهر، فيكون الولاء بينهما.
وإن كان بين قول الأول وبين موته شهر من غير زيادة ولا نقصان.. عتق عليه نصيبه لوجود الصفة قبل عتق الثاني، فإن كان موسراً بقيمة نصيب الثاني.. قوم عليه، وكان جميع ولائه له، وإن كان معسراً.. عتق عليه نصيبه قبل موته بشهر، وعتق على الثاني نصيبه بعده حين أعتقه، وكان ولاؤه بينهما.

[فرع توكيل أحد الشريكين في عتق نصيبه]
وإن كان عبد بين اثنين نصفين، فوكل أحد الشريكين شريكه في عتق نصيبه، فقال الوكيل: نصفك حر ... رجع إليه، فإن قال: أردت به نصيبي.. عتق عليه نصيبه، وقوم عليه نصيب شريكه إن كان موسراً به. وإن قال: أردت به نصيب شريكي.. عتق نصيب شريكه، وقوم نصيب الوكيل على الموكل إن كان الموكل موسراً به.
وإن أطلق، ولم ينو شيئاً.. ففيه وجهان: حكاهما ابن الصباغ:

(8/331)


أحدهما: يعتق نصيب الموكل، ويقوم عليه نصيب الوكيل؛ لأنه أمره بالإعتاق.
والثاني: يعتق نصيب الوكيل، ويقوم عليه نصيب الموكل؛ لأن نصيب نفسه لا يحتاج إلى نية، ونصيب الموكل يحتاج إلى النية، ولم ينو.

[فرع له شقصان في عبدين فأعتق أحدهما ثم الآخر ولا مال له]
قال ابن الحداد: إذا كان لرجل شقصان من عبدين، وقيمتهما سواء، ولا مال له غيرهما، فأعتق أحد الشقصين في صحته.. عتق عليه نصيبه، وقوم عليه نصيب شريكه؛ لأنه موسر بقدر قيمته - وهو: الشقص في العبد الآخر - فإن أعتق الشقص الآخر بعد ذلك في صحته.. عتق نصيبه فيه، ولا يقوم عليه نصيب شريكه فيه؛ لأنه لا مال له. ولا يمنع عتقه في الثاني ثبوت الدين في ذمته؛ لأن قيمة الأول لم تتعلق في رقبة الثاني، وإنما هي في ذمة المعتق.
وإن كان بين اثنين عبد يساوي عشرين ديناراً، فقال رجل لأحدهما: أعتق نصيبك عني على عشرة دنانير، فأعتقه عنه - والسائل لا يملك غير عشرة دنانير - عتق نصيب المعتق عن السائل.
قال ابن الحداد: ويعتق نصيب شريك المعتق عن السائل أيضاً؛ لأنه واجد لقيمة نصيبه - وهي العشرة - ثم يتضارب المعتق وشريكه في العشرة التي للسائل على قدر حقيهما لكل واحد منهما نصفها.
قال القاضي أبو الطيب: وهذا على القول المشهور: أن نصيب الشريك يعتق بنفس اللفظ. فأما إذا قلنا: إنه لا يعتق بدفع القيمة.. فإنه يعتق منه بقدر ما يؤدي إليه.
فأما إذا قال السائل: أعتق عني نصيبك من هذا العبد على هذه العشرة، وعينها وأشار إليها، فأعتقه.. عتق عن السائل، ولم يعتق نصيب الشريك؛ لأن العشرة قد ملكها المعتق ولا مال للسائل غيرها.

(8/332)


[مسألة عتق بعض العبد عتق لكله]
وإن ملك عبداً، فأعتق بعضه.. سرى العتق إلى باقيه؛ لأنه موسر به.
وإن كان عبد بين اثنين نصفين، فقال أحدهما له: إن كان هذا الطائر غراباً، فنصيبي منك حر، وقال الآخر: إن لم يكن غراباً، فنصيبي منك حر، فطار ولم يعرف.. قال ابن الحداد:
فإن كانا معسرين.. فالعبد باق على ملكهما؛ لأن عتق نصيب أحدهما لم يتعين.
فإن باع أحدهما نصيبه من رجل، وباع الآخر نصيبه من آخر.. فلكل واحد من المشتريين أن يتصرف فيما اشتراه؛ لأن كل واحد منهما قائم مقام من اشترى منه.
وإن باعا نصيبيهما من واحد.. قال ابن الحداد:
عتق على المشتري نصفه؛ لأنه قد تيقن أن نصفه حر، فلا يكون له أن يتصرف في جميعه.
وعلى قياس قول ابن الحداد: إذا اشترى أحدهما نصيب الآخر.. عتق على المشتري نصفه؛ لأنا نتيقن أن أحد النصفين حر بيقين.
وإن كانا موسرين، فإن قلنا: إن العتق يسري باللفظ.. عتق جميعه؛ لأن كل واحد منهما يعترف أن عتق شريكه يسري إلى نصيبه. ولا يجب لأحدهما على الآخر شيء؛ لأنه لا يقبل قوله على صاحبه في استحقاق حق له عليه.
وإن قلنا: لا يسري إلا بأداء القيمة.. لم يعتق العبد، ولا يجوز لأحدهما بيع نصيبه ولا هبته؛ لأنه قد استحق عتقه، وهل يجوز له عتقه، فيه وجهان، مضى ذكرهما.
وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً.. عتق نصيب المعسر؛ لأن قوله يتضمن أن صاحبه حانث في يمينه وأن نصيبه حر، فإن كان موسراً.. سرى العتق في نصيبه، وهذا إذا قلنا: إن السراية تقع باللفظ.

(8/333)


وإن قلنا: لا تقع إلا بدفع القيمة.. لم يعتق نصيب المعسر أيضاً ولكن لا يصح بيعه ولا هبته، وهل يصح عتقه؟ على الوجهين.

[فرع علق أحد الشريكين عتق نصيبه على بيع شريكه شقصه]
) . وإن كان عبد بين اثنين، فقال أحدهما: إن بعت نصيبك من العبد فنصيبي حر، وقال الآخر: إن اشتريت نصيب شريكي فنصيبي حر، ثم اشتري نصيب شريكه.. فقد حنثا جميعاً، وعتق كل واحد منهما نصيبه، ولا يقوم على أحدهما نصيب شريكه؛ لأن عتقهما وقع في حالة واحدة.
وإن كان لرجل عبد، فقال: إن بعته فهو حر، وقال الآخر: إن اشتريته فهو حر، فاشتراه منه.. عتق على البائع دون المشتري؛ لأن المشتري عقد الصفة وهو لا يملكه، فلم يصح، والبائع عقد الصفة وهو يملكه. فإذا وجد الإيجاب والقبول.. فقد وجدت الصفة، وهو يملك عتقه لثبوت الخيار بينهما، فوقع عليه العتق بالصفة.
وإن قال لعبده: إذا بعتك بيعاً فاسداً فأنت حر، فباعه بيعاً فاسداً.. قال الطبري: لم يعتق.
وقال المزني: يعتق.

[مسألة شركاء في عبد أعتق اثنان نصيبهما]
إذا كان عبد بين ثلاثة أنفس لأحدهم النصف، ولآخر الثلث، ولآخر السدس، فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس نصيبهما في حالة واحدة بأن أعتقا واتفق لفظهما، أو وكلا وكيلاً فأعتق عنهما بكلمة وهما موسران.. قوم عليهما نصيب شريكهما، وكيف يقوم عليهما؟ فيه طريقان، ومن أصحابنا من قال: فيه قولان:
أحدهما: يقوم بينهما نصفين.

(8/334)


والثاني يقوم على قدر الملكين، كالقولين في الشفعاء. وهو قول مالك؛ لأن له فيه روايتين.
ومنهم من قال: يقوم عليهما نصفين قولا واحداً. وهذه طريقة الشيخ أبي حامد وأكثر أصحابنا؛ لأن إعتاق النصيب إتلاف لرق الباقي، فإذا اشتركا في الإتلاف.. استويا في الضمان وإن اختلفا في سبب الإتلاف، كما لو جرح رجل رجلاً جراحة، وجرحه آخر جراحات ومات.
وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسرا.. قوم نصيب صاحب الثلث على الموسر منهما؛ لأن عتق المعسر لا يسري.

[مسألة ادعى أحد الشريكين بعتقهما وأنكره الآخر]
إذا قال أحد الشريكين في العبد: أعتقت أنا وأنت العبد في حالة واحدة، وقال الآخر: أما أنا فما أعتقت نصيبي.. كان القول قول المنكر مع يمينه؛ لأن الأصل عدم الإعتاق، فإذا حلف.. ثبت أنه لم يعتق، ويعتق نصيب المقر بإقراره.
وإن كان معسراً ... بقي نصيب الحالف رقيقاً.
وإن كان المقر موسراً.. قوم عليه نصيب شريكه، وعتق عليه ويكون ولاء نصيب المقر له، وأما ولاء نصيب المنكر.. فإنه يكون موقوفاً بينهما؛ لأن كل واحد منهما لا يدعيه ويقر به لصاحبه.
فإن مات العبد المعتق قبل موت المنكر وخلف مالاً.. فللمقر أن يأخذ من تركته قدر ما دفع إلى شريكه من القيمة؛ لأنه يستحقه بكل حال، ويوقف الباقي بينهما إلى أن يصطلحا عليه، أو يدعيه أحدهما فيأخذه.
وإن مات العبد بعد موت المنكر.. فليس للمقرر أن يأخذ من تركته قدر ما دفعه من

(8/335)


الثمن ما دام مقيماً على إقراره الأول؛ لأنه يقر بمال المعتق لعصبة المنكر، ويقر أنهم لم يظلموه وإنما ظلمه المنكر.
وإن قال كل واحد منهما: أعتق شريكي نصيبه، وأنكر كل واحد منهما، وهما موسران.. حلف كل واحد منهما أنه لم يعتق نصيبه؛ لأن الأصل عدم الإعتاق، وعتق جميع العبد إذا قلنا: تقع السراية باللفظ؛ لأن كل واحد منهما يقر بعتق نصيبه على شريكه، ويكون الولاء موقوفاً بينهما.
وإن كانا معسرين.. لم يعتق شيء من العبد فإن اشترى أحدهما نصيب شريكه.. عتق عليه ما اشتراه؛ لأنه مقر بحريته.
وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً.. عتق نصيب المعسر إذا قلنا: تقع السراية باللفظ؛ لأنه مقر بعتق نصيبه على صاحبه، ولا يعتق نصيب الموسر؛ لأن عتق المعسر لا يسري. فأما إذا قلنا: لا يسري العتق إلا بدفع القيمة.. لم يعتق من العبد شيء.

[فرع عبد بين ثلاثة فشهد اثنان على الثالث بعتق نصيبه]
وإن كان عبد بين ثلاثة رجال، فشهد رجلان منهم على الثالث أنه أعتق نصيبه وأنكر ذلك المشهود عليه، فإن كان المشهود عليه معسراً: قبلت شهادتهما عليه وعتق نصيبه لا غير؛ لأنهما لا يجران بهذه الشهادة إلى أنفسهما نفعاً ولا يدفعان عنهما بها ضرراَ. وإن كان موسراً.. لم تقبل شهادتهما عليه؛ لأنهما يجران بهذه الشهادة إلى أنفسهما نفعاً وهو التقويم عليه.
فإن قلنا: تقع السراية باللفظ.. عتق نصيبهما؛ لأن شهادتهما تضمنت الإقرار به.
وإن قلنا: لا تقع السراية إلا بدفع القيمة.. لم يعتق نصيبهما، ولا يجوز لهما بيعه، وهل يجوز لهما عتقه؟ على وجهين.

(8/336)


وللشاهدين أن يحلفا المنكر أنه لم يعتق نصيبه، لجواز أن يقر. فإن نكل عن اليمين.. حلفا ووجبت عليه قيمة نصيبهما.

[فرع رجوع الشاهدين عن قولهما أعتق شقصاً]
وإن شهد شاهدان على رجل أنه أعتق شقصاً له من عبد وهو موسر، فقوم عليه نصيب شريكه، ثم رجع الشاهدان.. قال ابن الحداد: رجع المشهود عليه على الشاهدين بقيمة نصيبه، ولا يرجع عليهما بما غرم لشريكه من القيمة.
قال القاضي أبو الطيب: أما نصيب المشهود عليه: فيرجع عليهما بقيمته؛ لأنهما أتلفاه عليه.
وأما ما غرمه من قيمة نصيب شريكه.. فهل يرجع عليهما به؟ فيه قولان، كما لو شهدا عليه بمال في يده؟ أو في ذمته، ثم رجعا.. المشهور: أنه لا يرجع عليهما فأجاب ابن الحداد على المشهور: قال القاضي أبو الطيب: إلا أن الصحيح عندي أنه يرجع عليهما به أيضاً.

[مسألة أعتق شقصين أحدهما بعد الآخر في مرض موته]
إذا أعتق في مرض موته شقصين له من عبدين له شريك فيهما أحدهما بعد الآخر:
فإن احتمل الثلث عتق الشقصين وتقويم باقيهما.. عتق عليه الشقصان بالمباشرة، وباقي العبدين بالسراية والتقويم.
وإن لم يحتمل الثلث إلا عتق الأول وتقويم باقيه.. قدم تقويم باقي الأول على عتق الثاني.
فإن احتمل الثلث عتق الشقص الأول وتقويم باقيه، والشقص الثاني دون تقويم باقيه.. عتق جميع العبد الأول عليه بالمباشرة والسراية، والشقص الثاني، ولا يقوم باقي الثاني عليه.
وإنما قدمنا تقويم باقي الأول على الشقص الثاني؛ لأنا إن قلنا: إن السراية تقع

(8/337)


باللفظ.. فقد سبق عتق باقي الأول. وإن قلنا: لا تقع إلا بدفع القيمة.. فقد استحق إعتاق بقيته في الثلث قبل الثاني.
وإن أعتق الشقصين في حالة واحدة.. عتق الشقصان وقوم باقي العبدين عليه إن احتملهما الثلث. وإن لم يحتمل الثلث إلا عتق الشقصين.. عتق الشقصان لا غير ورق باقي العبدين.
وإن لم يحتمل الثلث إلا عتق أحد الشقصين.. أقرع بينهما.
وإن خرج الشقصان من الثلث وباقي أحد العبدين لا غير.. ففيه وجهان:
قال ابن الحداد: عتق الشقصان، وقسم الباقي بينهما؛ لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر.
ومن أصحابنا من قال: يعتق الشقصان، ثم يقرع بينهما فيما بقي من الثلث بعد الشقصين، كما إذا أعتق عبدين.. فخرج أحدهما من الثلث. والأول أصح.

[مسألة يعتبر الثلث في عتق عبد بمرض موته]
إذا أعتق عبداً له في مرض موته.. فقد ذكرنا أن قيمته تعتبر من ثلث ماله.
وقال مسروق: تعتبر من رأسماله، كما لو أتلف شيئاً من ماله.
دليلنا: حديث عمران بن الحصين في: «الرجل الذي أعتق ستة أعبد له في مرض موته، فأقرع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة» .
وإن أعتق شركاً له في عبد في مرض موته.. عتق نصيبه من ثلث تركته، وقوم عليه نصيب شريكه أن احتمله الثلث.
وحكي عن أحمد بن حنبل: أنه قال: (لا يقوم عليه نصيب شريكه) .

(8/338)


دليلنا: أنه موسر بقيمة نصيب شريكه ولا يتعلق به حق أحد فقوم عليه، كعتق الصحيح.
وإن أوصى بعتق شرك له في عبد، أو بعتق بعض عبد له.. أعتق عليه، ولا يقوم عليه نصيب شريكه، ولا يسري إلى عتق باقي العبد سواء احتمله الثلث أو لم يحتمله؛ لأن ملكه يزول عن ماله إلا عن القدر الذي أوصى به، فصار كالمعسر إذا أعتق شركاً له في عبد.
وإن أوصى بعتق شقص له من عبد وأوصى أن يعتق عليه نصيب شريكه فإن احتمله الثلث أعتق عليه نصيب شريكه ودفعت قيمته إلى شريكه؛ لأن له التصرف في الثلث بما فيه قربة.
قال القاضي أبو الطيب في " المجرد ": عندي أنه إنما تقوم حصة الشريك إذا رضي الشريك بذلك، ولا تقوم إذا لم يرض؛ لأن التقويم لم يجب على الموصي وإنما وجب بالوصية، فجرى ذلك مجرى المعسر إذا أعتق شقصاً له في عبد ثم أيسر، فإنه لا يقوم عليه نصيب شريكه إلا برضاه.
قال ابن الصباغ: وأصحابنا أطلقوا ذلك، وما قالوه له وجه صحيح؛ لأن التقويم لا يجب؛ لأن العتق وقع حال زوال ملك الميت عن المال، فجرى ذلك مجرى المعسر إذا أعتق شقصاً له من عبد.
فأما إذا أوصى بتكميله.. كانت قيمته باقية كالباقية على حكم ملكه، فصار كالموسر إذا أعتق، وهكذا لو قال: إذا مت فنصيبي حر.. عتق نصيبه إن خرج من الثلث ولم يسر إلى نصيب شريكه.

[فرع أوصى بعتق شقصين من عبدين]
إذا كان له شقصان من عبدين فأوصى بعتقهما بعد موته، وبأن يكمل باقي عتق العبدين من الثلث، فإن احتملهما الثلث.. أعتقا عنه، وإن لم يحتمل الثلث إلا قيمة

(8/339)


باقي أحدهما.. قال ابن الحداد: أقرع بينهما ولا يقسم بينهما؛ لأن الموصي قصد تكميل العتق فيهما، فإذا لم يكن ذلك فيهما.. كان في أحدهما.
وإن كان له ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم، وقيمتهم سواء، فقال: نصف كل واحد منكم حر بعد موتى، ولم تجز الورثة:
قال ابن الحداد: أقرع بينهم، وهو بأن يكتب في رقعة عتق، وفي رقعة رق، ويخرج إحدى الرقعتين على واحد منهم، فإن خرجت عليه رقعة الرق.. رق جميعه وعتق من كل واحد من الآخرين نصفه. وإن خرجت على الأول رقعة العتق.. عتق نصفه، ثم تعاد القرعة بين الآخرين، فمن خرجت عليه رقعة العتق.. عتق نصفه ورق نصفه وجميع الآخر، فيعتق نصفا عبدين.
قال القاضي أبو الطيب: وهذه لا يختلف فيها أصحابنا، ودل هذا على أن المعتق إذا فرق العتق في شخصين.. لم يجمع في شخص واحد.
فإن كان له عبدان سالم وغانم، وقيمتهما سواء، فقال: إذا مت فنصف سالم حر، وثلث غانم حر، فمات ولا مال له غيرهما، ولم تجز الورثة.. فقد زاد على الثلث سدس أحدهما.
قال ابن الحداد: فيقرع بينهما، فيكتب رقعة عتق وفي رقعة رق، ويخرج إحداهما على أحدهما، فإن خرجت رقعة العتق على أحدهما.. عتق منه ما أعتق لا غير وتمم الثلث من الثاني. فإن خرجت رقعة العتق على سالم عتق نصفه وعتق من غانم سدسه. وإن خرجت رقعة العتق على غانم.. عتق ثلثه وعتق من سالم ثلثه؛ لأن ذلك قدر الثلث.
وإن كان له ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم، فقال في مرض موته: أثلاثكم أحرار.. عتق ثلث كل واحد منهم - اتفقت قيمتهم أو اختلفت - ولا يقرع بينهم؛ لأنه عين العتق ولم يزد على الثلث.

(8/340)


وإن قال: ثلثكم حر، أو ثلث هؤلاء حر.. قال القاضي أبو الطيب: فإن الظاهر من هذا الكلام أنه أعتق واحداً منهم لا بعينه فيقرع بينهم، ويعتق واحد منهم ويرق اثنان.

[فرع عتق نصيبه عند موته وأوصى بالباقي من ثلثه وكذا شريكه]
إذا كان عبد بين شريكين فقال أحدهما: نصيبي من هذا العبد حر بعد موتي، ويستتم عتق باقيه من ثلثي، وقال شريكه: إذا مات شريكي فنصيبي حر من هذا العبد، فمات الأول.. قال ابن الحداد: عتق العبد عليهما، ولم يقوم نصيب أحدهما على الآخر؛ لأن عتق نصيبيهما وقع في حالة واحدة.
وإن قال أحدهما: نصيبي حر بعد موتي، ويستتم عتق نصيب شريكي من ثلثي، وقال الثاني: إذا عتق نصيب شريكي فنصيبي حر، فمات الأول.. قال ابن الحداد: فإن الوصية بالتقويم صحيحة؛ لأن عتق الموصي يتقدم وعتق شريكه يتعقبه، فوجب التقويم عليه.

[فرع أعتق أحدهما نصيبه من حمل جاريتهما]
وإن كان بين نفسين جارية حامل من نكاح أو زنى، فأعتق أحدهما نصيبه من الحمل: فإن أسقطته حياً.. عتق عليه وقوم عليه نصيب شريكه إن كان موسراً به. وتجب قيمته يوم الإسقاط؛ لأنه أول حالة يمكن تقويمه فيها.
وإن أسقطته ميتاً من غير ضرب.. لم يجب على المعتق لشريكه شيء؛ لأنه لا يعلم أن العتق صادفه وهو حي.
وإن ضربها ضارب فأسقطته ميتاً.. وجب على الضارب غرة عبد أو أمة؛ لأن الظاهر أنه تلف بالضرب.
قال ابن الحداد: ويجب على المعتق لشريكه نصف عشر قيمة الأم؛ لأنه ضمن نصيب شريكه بالإعتاق، وقيمة نصيبه لو كان مملوكاً نصف عشر قيمة أمه.

(8/341)


ومن أصحابنا من قال: يجب عليه أقل الأمرين من نصف عشر قيمة أمه أو الغرة والأول أصح.

[مسألة قال لعبده وهبتك أو ملكتك نفسك]
] : قال الطبري في (العدة) : لو قال لعبده: وهبتك نفسك، أو ملكتك نفسك.. افتقر إلى القبول ليعتق.
وإن قال لأمته: إذا ولدت ولداً فهو حر، فولدت ولداً حياً.. عتق. وإن ولدت بعده ولداً آخر.. لم يعتق؛ لأن لفظه لا يقتضي التكرار. وإن ولدت ولداً ميتاً، ثم ولدت ولداً حياً.. قال ابن الصباغ: فالذي يقتضيه المذهب: أن الثاني لا يعتق. وبه قال أبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: (يعتق؛ لأن العتق يستحيل في الميت فيعلق بالحي) .
ودليلنا: أن شرط العتق وجد بالأول، بدليل: أنه لو علق به عتقها.. لعتقت لولادة الميت فانحلت اليمين به، كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت حر، فباعه ثم دخل.

[فرع حلف بعتقه فحنث]
وإن كان عبده مقيداً، فحلف سيده بعتقه أن في قيده عشرة أرطال، وحلف بعتقه لا أحله ولا أحد من الناس، فشهد شاهدان أن في قيده خمسة أرطال، فحكم الحاكم بعتقه لحنثه في يمينه أن في قيده عشرة أرطال، فوزن القيد بعد حله، فوجد فيه عشرة أرطال.. فإن العبد يعتق، وهل يجب على الشاهدين شيء؟
قال أبو حنيفة: (يجب على الشاهدين قيمة العبد) .
وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجب عليهما شيء، قال ابن الصباغ: وهو الصحيح.
فبنى أبو حنيفة ذلك على أصله، بأن حكم الحاكم ينفذ في الباطن وإن كان بشهادة الزور، ووجه الآخر: أنه عتق بحل القيد دون ما شهدا به؛ لأنا تحققنا كذبهما.

(8/342)


[فرع شهدا بعتق عبد ورجعا ثم شهد آخران بعتق غيره]
وإن شهد شاهدان أن رجلاً أوصى بعتق عبد عيناه، وقيمته ثلث تركته، فحكم الحاكم بشهادتهما بعد موت الموصي، ثم رجعا عن الشهادة، وشهد آخران أن الموصي أوصى بعتق عبد آخر عيناه، وقيمته قدر ثلث تركته، وحكم بشهادتهما.. أقرع بين العبدين؛ لأنه قد ثبت أن الميت أوصى بعتقهما، ورجوع الشاهدين لا يقبل في نقض الحكم.
فإن خرجت قرعة العتق على الأول.. عتق ورق الثاني، ووجب على الشاهدين الراجعين قيمة العبد لورثة المعتق؛ لأنه تلف بشهادتهما، وقد أقرا ببطلانها. وإن خرجت قرعة العتق على الثاني.. عتق ورق الأول، ولم يجب على الشاهدين الراجعين للورثة شيء؛ لأنهما لم يتلفا بشهادتهما شيئاً.

[مسألة أعتق عبداً بعينه ثم أشكل عليه أمر]
إذا كان له أعبد فأعتق واحداً منهم بعينه، ثم أشكل عليه.. أمر بأن يتذكر وينفق عليهم إلى أن يتبين، فإن قال: الذي كنت قد أعتقته هو هذا.. حكم بعتقه من حين العتق.
فإن قال آخر من عبيده: بل أنا الذي كنت أعتقت، فإن صادقه.. حكم بعتقهما، وإن كذبه.. حلف له، وإن نكل عن اليمين.. ردت اليمين على الآخر، فإن حلف.. حكم بعتقه أيضاً.
وإن قال: أعتقت هذا، لا، بل هذا.. حكم بعتقهما؛ لأنه لما أقر للأول.. حكم بعتقه، فإذا رجع عن الأول وأقر للثاني.. لم يقبل رجوعه عن الأول وقبل إقراره للثاني.
فإن مات قبل أن يبين، فإن ذكر الوارث أنه يعرف المعتق منهما.. رجع إليه، فإذا أخبر بعتق واحد.. قبل وحكم بعتقه؛ لأنه قائم مقام مورثه. وإن اتهمه غيره.. حلف له.

(8/343)


وإن قال الوارث: لا أعرف المعتق منهم.. ففيه قولان:
أحدهما: يقرع بينهم؛ لأن أحدهم ليس بأولى من الآخر.
والثاني: لا يقرع، ولكن يوقف إلى أن يتبين؛ لأن القرعة ربما أعتقت الرقيق وأرقت العتيق. والصحيح هو الأول.

[فرع أعتق واحداً من جماعة ولم يعينه]
وإن أعتق واحداً منهم لا بعينه.. أمر بأن يعين العتق فيمن شاء منهم، فإن قال: أعتقت هذا، لا، بل هذا.. أعتق الأول دون الثاني؛ لأن ذلك اختيار لا إخبار. فإن اتهمه الآخر.. لم يحلف له؛ لأنه لو أقر للثاني لم يحكم بعتقه، فلا معنى لتحليفه.
وإن مات قبل أن يبين.. فهل يرجع إلى الوارث؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يرجع إليه، بل يقرع بينهما، كما لا يرجع إليه إذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها.
والثاني: يرجع إليه، وهو الأصح؛ لأنه خيار يتعلق بالمال فقام الوارث مقام المورث، كخيار الرد بالعيب والشفعة. هذا نقل أصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي (في " الإبانة ") : هل يرجع إلى الوارث؟ فيه قولان، واختلف أصحابنا في موضع القولين:
فمنهم من قال: القولان فيه إذا كان المعتق قد عينه بقلبه، فيجوز أن يكون قد أخبر به الوارث. فأما إذا لم يعينه المعتق بقلبه.. فلا يرجع إلى الوارث قولاً واحداً.
ومنهم من قال: القولان إذا لم يعنيه المعتق بقلبه. فأما إذا كان قد عينه بقلبه.. فلا يرجع إلى الوارث قولاً واحداً، بل يقرع بينهم.
ومنهم من قال: القولان في الجميع.

(8/344)


[فرع اختلاف قول الابن فيمن أعتق الأب في مرض موته]
وإن مات رجل وخلف ابناً وثلاثة أعبد قيمتهم سواء، لا مال له غيرهم، فقال الابن: أعتق أبي هذا العبد في مرض موته، وأشار إلى واحد منهم، ثم قال: لا، بل أعتق هذا وهذا بكلمة واحدة، وأشار إلى الأول وإلى آخر معه، ثم قال: لا بل أعتق الثلاثة كلهم بكلمة واحدة.. قال ابن الحداد:
عتق العبد الأول بإقراره الأول من غير قرعة، ثم يقرع بين الأول وبين الثاني الذي أشار إليه معه في الإقرار الثاني لإعتاق الثاني لا لإرقاق الأول، فإن خرجت قرعة العتق على الثاني.. عتقاً، وإن خرجت قرعة العتق على الأول.. لم يعتق الثاني بالإقرار الثاني. ثم تعاد القرعة بين الثلاثة، فإن خرجت قرعة العتق على الثالث.. عتق أيضاً. وإن خرجت على الأول.. رق الثالث والثاني إن لم يعتق الثاني بالقرعة الأولى. وإن خرجت قرعة العتق على الثاني.. عتق ورق الثالث.

[فرع ترك ثلاثة بنين وثلاثة أعبد واختلفوا في معتق]
وإن مات رجل وخلف ثلاثة بنين وثلاثة أعبد قيمتهم سواء، ولا مال له غيرهم، فقال أحد البنين: أعتق أبي هذا العبد في مرض موته، وقال آخر: بل أعتق أبي هذا وهذا في مرض موته بكلمة واحدة وأشار إلى الذي أشار إليه الأول وإلى آخر معه، وقال الثالث: بل أعتق أبي جميع الثلاثة في مرض موته بكلمة واحدة.
قال ابن الحداد: فإن الأول يعتق ثلثه بإقرار الابن الأول؛ لأنه أقر بعتقه عليه وعلى إخوته.. فقبل إقراره في نصيب نفسه دون نصيب إخوته، ثم يقرع بين العبدين اللذين أشار إليهما الابن الثاني، فأيهما خرجت عليه قرعة العتق.. عتق ثلثه؛ لأنه قدر نصيبه، ثم يقرع بين الأعبد الثلاثة لإقرار الثالث، فأيهم خرجت عليه قرعة العتق.. عتق عليه ثلثه؛ لأنه قدر نصيبه، ولا يقوم على المقر باقي العبد؛ لأن العتق لم يقع بقوله، وإنما هو مخبر عن إعتاق أبيه، والإخبار واجب عليه، فلم يجب عليه التقويم.

(8/345)


وإن كانت قيمة العبد الذي أشار إليه الأول مائة، وقيمة الثاني الذي أشار إليه الثاني مع الأول مائتين، وقيمة العبد الثالث ثلاثمائة.. فإن الأول يعتق ثلثه بإقرار الابن الأول؛ لأنه لم يقر أن أباه أعتق إلا ما يساوي مائة، فلزمه ثلثها.
فإذا أقرعنا بين الأول والثاني لإقرار الثاني، فإن خرجت قرعة العتق على الأول.. عتق ثلثه وعتق من الثاني سدسه، وقيمة ذلك ثلاثة وثلاثون وثلث؛ لأنه أقر أن أباه أعتق ما يساوي مائتين، فلزمه ثلثهما. وإن خرجت قرعة العتق على الثاني.. عتق ثلثه.
فإذا أقرعنا بين الثلاثة لإقرار الثالث، فإن خرجت قرعة العتق على الأول.. عتق ثلثه ثم تعاد القرعة بين الثاني والثالث، فإن خرجت قرعة العتق على الثاني.. عتق سدسه وهو تمام حصته من الثلث. وإن خرجت على الثالث بعد خروجها على الأول.. عتق تسعه تمام حصته من الثلث. وإن خرجت قرعة العتق في الابتداء على الثالث.. عتق منه تسعاه. ولا يجب التقويم على ما مضى في الأول.

[فرع اختلاف قول الوارث والشهود في عين المعتق]
قال القاضي أبو الطيب: وإن شهد شاهدان أن رجلاً أعتق قبل موته عبداً له عيناه، وقيمته قدر ثلث تركته، وقال الوارث: لا، بل أعتق هذا، وقيمته قدر ثلث تركته، أو كانت الشهادة والإقرار في الوصية.. عتق العبد المشهود له بالشهادة، ثم يقرع بين المشهود له وبين الذي أقر له الوارث لبيان حكم المقر له لإرقاق المشهود له، فإن خرجت قرعة العتق على المشهود له.. رق المقر له؛ لأنه لا يجوز الزيادة على الثلث. وإن خرجت قرعة العتق على المقر له.. عتق بإقراره وعتق الأول بالشهادة.

[فرع اختلاف قول الشهود في عين المعتق]
قال في " الأم ": [وإن شهد شاهدان على ميت أنه أعتق هذا العبد عتقاً بتاتاً وهو يخرج من الثلث، وشهد آخران أنه أعتق عبدا آخر عتقاً بتاتاً.. سئل عن الوقت،

(8/346)


فأيهما سبق بالعتق.. عتق ورق الثاني، ولا قرعة. وإن كانا في وقت واحد ولم يعلم.. أقرع بينهما؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر) .
قال في " الأم ": (وإن شهد شاهدان أنه نجز عتق هذا العبد وهو الثلث، وشهد آخران أنه أعتق هذا العبد في الوصية وهو الثلث.. عتق المنجز ورق المعتق في الوصية؛ لأن المنجز سابق، فقدم) .
قال في " الأم ": (وإن شهد شاهدان أنه أعتق هذا العبد في الوصية أو التدبير وشهد آخران أنه أعتق عبدا آخر في الوصية أو التدبير، وكل واحد منهما قدر الثلث.. أعتق واحد منهما بالقرعة) .
إذا ثبت هذا: فإن المزني روى في " المختصر ": لو شهد أجنبيان أنه أعتق عبده وصية وهو الثلث، وشهد وارثان أنه أعتق عبداً غيره وصية وهو الثلث.. عتق من كل واحد منهما نصفه. واختلف أصحابنا في ذلك:
فقال القاضي أبو الطيب: أخطأ المزني في النقل، وقد ذكر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في المسألة قبلها أنه يقرع بينهما.
وقال بعض أصحابنا: المسألة مفروضة في الوصية بالعتق دون العتق المنجز؛ لأنه قال: (أعتق عبده وصية) وقوله: (عتق من كل واحد منهما نصفه) أراد: أن القياس كان يقتضي ذلك؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر إلا أن السنة وردت بالقرعة، وإنما قصد أن يبين له أنه لا مزية لشهادة الورثة على غيرهم.
ومنهم من قال: بل صورتها أن الشهادتين وقعتا في العتق المنجز؛ لأنه قال: (فإن شهدا أنه أعتق عبده) وقوله: (وصية) أراد: في مرض الموت؛ لأنه حالة الوصية. والحكم في ذلك أنه يعتق من كل واحد منهما نصفه، ولا يمكن الإقراع بينهما لأنه ربما يكون قد تقدم عتق أحدهما، فخرج عليه سهم الرق، فيكون قد أرق الحر.
وقال ابن القاص: بل تأويل ذلك أنه إذا كان في لفظ الموصي ما يدل على تفريق العتق فيهما.. فيجعل بينهما.

(8/347)


[فرع إن ولدت غلاماً فهو حر أو جارية فأنت حرة]
إذا قال لأمته الحامل: إن كان أول ولد تلدينه غلاماً فهو حر، وإن كانت جارية فأنت حرة، فولدت غلاماً وجارية:
فإن ولدت الغلام أولاً: عتق ورقت الأم والجارية.
وإن ولدت الجارية أولاً.. عتقت الأم بوجود صفة العتق فيها، وعتق الغلام تبعاً لها؛ لأن العتق وقع عليها وهي حامل به فتبعها في العتق.
وإن ولدتهما معاً.. فالذي يقتضي المذهب: أنه لا يعتق أحد منهم؛ لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر.
وإن ولدت أحدهما بعد الآخر ولم يعلم أيهما نزل أول.. قال ابن الحداد: عتق الغلام؛ لأنه حر بكل حال، ورقت الجارية؛ لأنها رقيقة بكل حال.
وأما الأم: فإنه يقرع عليها بسهم عتق وسهم رق، فإن خرج عليها سهم العتق.. عتقت. وإن خرج عليها سهم الرق.. رقت. فاعترض عليه بعض أصحابنا، وقال: أخطأ؛ لأن الإقراع لا يكون إلا بين شخصين، فأما شخص واحد يشك في عتقه.. فلا تدخله القرعة.
قال القاضي أبو الطيب: وهذا الذي قاله هذا القائل ليس بصحيح؛ لأن الإقراع ها هنا بين شخصين وهو الابن والأم؛ لأن سبب العتق وجد في أحدهما؛ لأن ولادة البنت سبب عتقهما، وولادة الابن سبب عتقه، وعلم أنه وجد في أحدهما، ولم يعلم بعينه، فوجب الإقراع بينهما.

[فرع علق العتق على الوطء]
وإن كان له أربع إماء، فقال: كلما وطئت واحدة منكن.. فواحدة حرة، فوطئ ثلاثاً منهن ولم يطأ الرابعة:
قال ابن الحداد: أقرع بين الموطوءة أولاً وبين الرابعة التي لم توطأ، فإن خرجت

(8/348)


قرعة العتق على الرابعة.. عتقت، ثم تعاد القرعة بين الثانية والأولى، فإن خرجت قرعة العتق على الأولى.. عتقت، ثم تعاد القرعة بين الثانية والثالثة.
قال القاضي أبو الطيب: وبيان صحة ما قاله أنه بناه على أصلين:
أحدهما: أن الموطوءة تدخل في لفظ العتق كما يدخل غيرها.
والثاني: أن الوطء اختيار لملك الموطوءة ويعتبر العتق في غيرها.
إذا ثبت هذا الأصلان: فإنه إذا وطئ إحداهن.. فقد وقع العتق على واحدة من الأربع بغير عينها، فلما وطئ الثانية والثالثة.. كان اختياراً لملكهما، وتعين العتق بين الأولى والرابعة، فوجب الإقراع بينهما لتعيين العتق في إحداهما.
فإن قيل: أليس قد وطئ الأولى كما وطئ الثانية والثالثة، فهلا قلتم: إن العتق ينصرف عنها ويتعين في الرابعة بغير قرعة؟
فالجواب: أن الثانية والثالثة وطئهما بعد وقوع العتق على إحداهن والتعيين إليه، فكان وطؤهما اختياراً لملكهما، ووطئ الأولى قبل وقوع العتق، وإنما وقع العتق بعد هذا الوطء.
وأما العتق الواقع بوطء الثانية: فهو شائع بينهما وبين التي لم تعتق بوطء الأولى، وهي إما الأولى وإما الرابعة.
وأما الثالثة: فقد وطئها بعد وقوع العتق بوطء الثانية فكان اختياراً لملكها، وصرف العتق عنها، فتردد العتق الواقع بوطء الثانية بين الثانية والأولى والرابعة.
وأما العتق الواقع بوطء الثالثة: فهو شائع بينها وبين التي لم تعتق بالقرعة الأولى أو الثانية، وهي الأولى أو الثانية أو الرابعة، فيقرع بينهما، فإذا خرجت القرعة على إحداهما.. عتقت، فنكون قد عينا العتق في ثلاث منهن وأرققنا واحدة منهن.
ومن أصحابنا من خالفه في ذلك وقال: الوطء لا يكون اختياراً لملك الموطوءة كما لا يكون رجعة في المطلقة. ووافقه أن الموطوءة تدخل في لفظ الإعتاق كغيرها.

(8/349)


فعلى هذا: قد عتق بوطء الثلاث ثلاث منهن بغير أعيانهن، فيكتب في ثلاث رقاع عتق، وفي رقعة رابعة رق، ثم يخرج رقعة على إحدى الأربع، فإن خرجت عليها رقعة الرق.. رقت وعتق البواقي. وإن خرجت عليها رقعة العتق.. عتقت، ثم تخرج رقعة أخرى على أخرى، فإن خرجت رقعة الرق.. رقت وعتق الأخريان إلى أن يستوفى عتق ثلاث.
ومن أصحابنا من قال: الموطوءة لا تدخل في لفظ العتق، والوطء اختيار منه لملك الموطوءة.
فعلى هذا: إذا وطئ الأولى.. لم تدخل هي في العتق، وتعتق واحدة إما الثانية أو الثالثة أو الرابعة، لكنه وطئ الثانية والثالثة، فكان ذلك اختياراً لملكهما فتعتق الرابعة. وتعتق الأولى بوطء الثانية؛ لأن الرابعة قد عتقت، والثالثة قد اختار تملكها بوطئها، فلم يبق إلا الأولى.
ويعتق بوطء الثالثة الثانية؛ لأن الرابعة قد عتقت بوطء الأولى، والأولى قد عتقت بوطء الثانية، والثالثة هي الموطوءة لا تدخل في العتق، فلم يبق إلا الثانية.
قال القاضي أبو الطيب: والأول أصح؛ لأن قوله: (كلما وطئت واحدة منكن) عام في جميعهن، والوطء اختيار للملك، كما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في البائع إذا وطئ الأمة المعيبة في مدة الخيار.. كان اختياراً للفسخ.

[فرع تعليق العتق بدخول دار أولاً وآخراً]
قال أبو العباس: لو قال: أول عبد يدخل الدار فهو حر، فدخل عبد الدار.. احتمل أن يعتق في الحال، وهو الأصح؛ لأنه أول، واحتمل أن لا يعتق حتى يدخل آخر؛ لأنه لا يقال له أول حتى يكون له آخر.
وإن قال: آخر عبد يدخل الدار فهو حر.. لم يحكم عليه بعتق عبد حتى يموت

(8/350)


فيحكم بعتق آخر من دخل من عبيده الدار؛ لأنه لا يعلم ذلك إلا بموته.
وإن قال: أول عبد يدخل الدار فهو حر، فدخل اثنان معاً، ثم دخل الثالث بعدهما.. لم يعتق أحدهم؛ لأن الاثنين لما دخلا معاً لم يكن أحدهما أولاً، واللفظ اقتضى واحداً، والثالث ليس بأول إلا إن قال: أول عبد يدخل الدار وحده فهو حر.. فيعتق الثالث.
وإن قال: أي أمة ابتعتها وتسريتها فهي حرة، فاشترى أمة وتسراها.. لم تعتق لأنه عقد الصفة قبل الملك.

[مسألة ملك الأصول أو الفروع]
إذا ملك الإنسان أباه، أو أمه، أو جده، أو جدته من قبل الأب أو الأم وإن علوا، أو ملك ولده أو ولد ولده وإن سفلوا، من البنين أو البنات.. عتق عليه بالملك. وبه قال مالك وأبو حنيفة وعامة أهل العلم. وقال داود: [لا يعتق عليه بالملك أحد من والد ولا ولد ولا غيرهم) .
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] [الأنبياء: 26] ، وهذا يدل على أن الولد لا يكون مملوكاً.
وقال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 90] {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: 91] {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] [مريم: 90 - 93] . فدل على أن الولادة والعبودية لا يجتمعان له.
وإن ملك من سوى الوالدين له، أو المولودين من سائر القرابة.. لم يعتق عليه.
وقال مالك: (يعتق عليه الإخوة والأخوات) .
وقال أبو حنيفة وأحمد: (يعتق عليه بالملك كل ذي رحم محرم) .

(8/351)


دليلنا: أن من جاز للمكاتب بيعه إذا ملكه.. لم يعتق على الحر إذا ملكه، كالعصبات.

[فرع ولد الزنا لا يعتق]
وإن ولدت المرأة ولداً من الزنى وملكه الزاني بها.. لم يعتق عليه.
وقال أبو حنيفة: (يعتق عليه) .
دليلنا: أنها ولادة لا يتعلق بها ثبوت النسب، فلا يتعلق بها وجوب الإعتاق، كما لو ولدته لأكثر من أربع سنين من حين الزنى.

[فرع يعتق شقص من ذكر بالملك]
وإن ملك شقصاً ممن يعتق عليه بالملك.. عتق عليه ذلك الشقص كما لو ملك جميعه، وهل يقوم الباقي عليه ويعتق؟ ينظر فيه:
فإن كان معسراً.. لم يقوم عليه ولم يعتق عليه؛ لأن التقويم والسراية لإزالة الضرر عن الشريك، وفي التقويم على المعسر إضرار بالمعسر.
وإن كان موسراً.. نظرت:
فإن ملك ذلك الشقص باختياره، بأن اتباعه أو اتهبه أو أوصي به له فقبله.. قوم عليه الباقي وعتق عليه. وإن ملكه بغير اختياره، بأن ورثه.. لم يقوم عليه الباقي ولم يعتق عليه؛ لأن اختياره لملك الشقص اختيار للتقويم عليه والعتق.

[فرع الوصية والهبة بمن يعتق عليه]
وإذا وصى له بمن يعتق عليه، أو وهب له، أو قدر على شرائه.. فالمستحب له أن يقبل الوصية والهبة ويشتريه ليعتق عليه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجزي ولد والده إلا أن يجده

(8/352)


مملوكاً فيشتريه فيعتقه» . ومعناه: فيعتقه بالشراء كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الناس غاديان: فبائع نفسه فموبقها، ومشتريها فمعتقها» .
ولا يجب عليه ذلك، وهو قول كافة العلماء. وقال بعض الناس إذا أوصي له بأبيه أو وهب له.. وجب عليه القبول، ليخلصه من ذل الرق.
دليلنا: أنه اجتلاب ملك فلم يجب عليه قبوله، كما لو وصى له بغير أبيه، ولأنه لا يجب عليه شراء أبيه، فلم يجب عليه قبول الوصية والهبة فيه.

[فرع قبول الولي الوصية والهبة]
وإن وصى للمولى عليه بمن يعتق عليه بالملك أو وهب له، فإن كان المولى عليه معسراً.. وجب على الولي أن يقبل له الوصية والهبة؛ لأنه يحصل للمولى عليه بذلك الثواب والولاء من غير ضرر عليه.

(8/353)


وإن كان المولى عليه موسراً، فإن كان الموصى به له يلزم المولى عليه نفقته.. لم يجز للولي قبوله؛ لأن النفقة تلزم المولى عليه. وإن كان المولى عليه لا تلزمه نفقته.. وجب على الولي أن يقبل له الوصية والهبة؛ لأنه لا ضرر على المولى عليه.
وإن وصى له ببعضه: فإن كان المولى عليه معسراً.. لزم الولي قبوله؛ لأنه لا يقوم على المولى عليه ولا تلزمه نفقته.
وإن كان موسراً: فإن كان الموصى به زمناً يلزمه نفقته.. لم يجز للولي قبوله؛ لأنه يدخل الضرر على المولى عليه بوجوب النفقة عليه. وإن كان الموصى به صحيحاً مكتسباً.. ففيه قولان:
أحدهما: لا يجوز للولي قبوله؛ لأنه يلزم المولى عليه الضرر بالتقويم.
والثاني: يلزم الولي قبوله، ولا يقوم على المولى عليه ولا يسري؛ لأنه يدخل في ملكه بغير اختياره، فهو كما لو ملك بعضه بالإرث.

[فرع وصى بجارية لزوجها فماتا وله ابن]
إذا وصى رجل بجارية لزوجها، فمات الموصي، ثم مات الموصى له قبل قبول الوصية، وللموصى له ابن من هذه الجارية يرثه.. فالابن بالخيار: بين أن يقبل الوصية وبين أن يردها.
فإن ردها.. بقيت الأمة على ملك ورثة الموصي.
إن قبل الابن الوصية واحتملها الثلث.. صح ذلك ودخلت في ملك الزوج أولاً، ثم انتقلت إلى ابنه ميراثاً وعتقت عليه.
وإن لم يحتمل الثلث إلا بعضها ولم تجز الورثة باقيها.. صحت الوصية فيما احتمل الثلث منها، ودخل في ملك الزوج بقبول الابن، ثم ينتقل بعد ذلك إلى ملك ابنها بالإرث عن أبيه، ويعتق عليه ذلك.
فإن كان الابن معسراً.. لم يسر العتق إلى باقيها.
وإن كان موسراً.. فهل يقوم عليه باقيها ويسري العتق إليه؟ فيه وجهان:

(8/354)


(أحدهما) : قال ابن الحداد: يقوم عليه ويعتق؛ لأنه اجتلب ملك بعضها بقبول الوصية فيقوم عليه باقيها، كما لو أوصى له ببعض أمة فقبلها.
والثاني: من أصحابنا من قال: لا تقوم عليه؛ لأنه ملك بعضها بالإرث عن أبيه، فهو كما لو ورث بعض أمة من غير الوصية.
قال القاضي أبو الطيب: والأول أصح؛ لأن له صنعاً في ملك بعضها، وهو قبوله. قال: ونظيرها: إذا باع بعض أمة له بثوب وقبض الثوب ومات بائع بعض الأمة وورثه رجل هو ابن الأمة فوجد الابن بالثوب عيباً فرده.. رجع إليه بعض أمه.
وهل يقوم عليه باقيها إن كان موسراً؟ على الوجهين، الصحيح: أنه يقوم عليه.

[فرع استولد أمة ثم ملكها عتق ابنه منها]
إذا تزوج رجل أمة لغيره فأولد منها ابناً، ثم ملكها.. عتق عليه ابنه وانفسخ النكاح.
فإن ملك الأمة، ثم أوصى بهذه الجارية زوجها لابن لها من غيره، فإن رد الموصى له الوصية.. ملكها ابنها منه إرثاً عن أبيه، وعتقت عليه. وإن قبلها الموصى له وخرجت من الثلث.. عتقت عليه؛ لأنها أمه.
وإن لم يكن له مال غيرها ولم يجز ابنها الوصية فيها.. عتق ثلثها على ابنها الموصى له، وعتق ثلثاها على ابنها الوارث.
وإن أجاز ابنها الوصية فيما زاد على الثلث، فإن قلنا، إن الإجازة ابتداء عطية من الوارث.. لم تصح الإجازة؛ لأنه ليس له أن يهب أمه.
وإن قلنا: الإجازة تنفيذ لما فعله الموصي.. صحت الإجازة، وعتق جميعها على الابن الموصى له.

[فرع أوصى بأمته لابنها من غيره وله ابن منها]
وإن كان لرجل أمة وله ابن من غيرها، ولها ابن من غيره، فأوصى بها لابنها ولا مال له غيرها، فمات الموصي، فأعتق ابنه ثلثيها، ثم قبل ابنها الوصية فيها، فإن

(8/355)


قلنا: إن الموصى له يملك الوصية بالقبول.. سرى إعتاق الوارث إلى ثلثها الموصى به.
وإن قلنا: تبين بالقبول أنه ملك بموت الموصي.. فقد قال ابن الحداد: لا يقوم نصيب الابن الوارث على ابن الأمة الموصى له وإن كان عتقه سابقاً لعتق الوارث.
ومن أصحابنا من خالفه وقال: يقوم ما زاد على الثلث على الابن الموصى له إن كان موسراً؛ لأن عتق نصيب الموصى له سابق لعتق نصيب الوارث، فيقوم عليه، ولأن ابن الحداد قال: إذا أوصى بها لابنها الذي ليس منه ولأجنبي، فقبل الأجنبي الوصية في نصفها وأعتقه، ثم قبل ابنها الوصية.. تبينا أنه عتق على ابنها نصفها حين موت الموصي، ووجب تقويم نصف الأجنبي عليه؛ لأن عتق نصيب ابنها سابق لعتق نصيب الأجنبي، فكذا هذا مثله.
ومنهم من صوب قول ابن الحداد، وقال: لا يقوم على ابنها نصيب الوارث الذي أعتقه؛ لأن ملك الوارث آكد من ملك الموصى له؛ لأنه ينتقل إلى الوارث من غير قبول. فإذا أعتق ذلك.. صح واستقر، والموصى له لا يملك إلا بالقبول.
وإذا قلنا: إنه تبين بالقبول أنه ملك بالموت.. ففي ذلك خلاف بين أهل العلم، فلم يجز إبطال الأقوى بالأضعف. وليس كذلك إذا كانت الوصية للأجنبي ولابنها؛ لأن سبب ملكهما واحد، وهو الوصية والقبول، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فجعلنا الحكم للسابق.

[فرع أوصى له بما يعتق عليه]
وإن وصى لرجل بمن يعتق عليه، فمات الموصي، ثم مات الموصى له قبل القبول وله وارثان، فقبل أحدهما ورد الآخر.. فإن نصيب القابل يدخل في ملك الموصى له ويعتق عليه، وهل يقوم الباقي على القابل؟

(8/356)


قال ابن الحداد: إن كان القابل قد ورث عن الموصى له قدر قيمة الباقي.. قوم عليه الباقي. وإن ورث عنه أقل من قيمة الباقي.. قوم عليه من باقي العبد بقدر ما ورث عن الموصى له. وإن لم يرث عن الموصى له شيئاً.. لم يقوم عليه وإن كان موسراً من غير ميراثه عنه؛ لأن التقويم لزم على المتوفى لعتقه عنه في نصيب أحد الوارثين، فتعلق بما ورث عنه وقدم على الميراث، ولم يتعلق بنصيب الوارث الآخر؛ لأن العتق لم يثبت على الموصى له في نصيبه.
قال القاضي أبو الطيب: ويجيء في مثل هذا ما قال بعض أصحابنا: أنه لا يقوم عليه؛ لأنه دخل في ملك القابل بالإرث. والأول أصح.

[فرع اشترى الأمة الحامل زوجها وابنها الحر]
إذا كان لرجل أمة ولها ابن حر من غيره، فزوجها مالكها من رجل وحملت من الزوج، فاشتراها زوجها وابنها الحر من مولاها وهي حامل صفقة واحدة.. فإن نصيب الابن من الجارية يعتق عليه؛ لأنه ملك بعض أمه، ويتبعه نصف حملها، فإن كان الابن معسراً.. لم يقوم عليه نصيب الزوج. وإن كان موسراً.. قوم عليه نصيب الزوج من الجارية.
وأما نصيب الزوج من الحمل: فإنه يعتق عليه؛ لأنه ملك بعض ولده، ولا يقوم نصيب أحدهما بالحمل على صاحبه بحال؛ لأن عتق نصيبهما وقع عليهما في حالة واحدة.
فإن لم يشترياها ولكن أوصى بها مولاها لهما، فإن قبلا الوصية في حالة واحدة، بأن اتفق لفظهما في القبول أو وكلا وكيلا فقبل لهما بكلمة واحدة.. فهو كما لو اشترياها صفقة واحدة.
وإن قبل الوصية أحدهما بعد الآخر.. بنى على وقت ملك الموصى له، فإن قلنا: يتبين بالقبول أنه ملك بالموت.. فهو كما لو قبلا الوصية في حالة واحدة. وإن قلنا: يملك الموصى له بالقبول.. نظرت:

(8/357)


إن قبل الزوج أولاً.. عتق عليه نصف الحمل؛ لأنه ملك بعض ولده، وقوم عليه النصف الآخر للموصى له إن كان موسراً، ثم إذا قبل الابن بعده.. عتق عليه نصف الأمة؛ لأنها أمه، ويقوم عليه نصفها للزوج إن كان الابن موسراً فيتقاصان فيما استويا فيه من القيمة ويترادان بالفضل.
وإن قبل الابن أولاً.. عتق عليه نصف الأمة، وتبعها نصف الحمل، وقوم عليه نصف الأمة ونصف الحمل للزوج.

[فرع أسر المسلم أباه الحربي]
وإذا أسر المسلم أباه الحربي وانفرد بأسره.. قال ابن الحداد: لم يعتق عليه؛ لأن الإمام فيه بالخيار: بين قتله ومفاداته والمن عليه، فلو أعتقناه.. لأبطلنا خيار الإمام فيه، ولأن الغانم لا يملك شيئا إلا أن يختار تملكه، ولم يوجد من الابن الاختيار لتملكه.
فإن اختار الإمام استرقاقه، واختار الابن تملكه.. عتق على الابن أربعة أخماسه، ويكون خمسه لأهل الخمس.
فإذا كان الابن معسراً.. رق خمسه. وإن كان موسراً.. قوم عليه الخمس وعتق عليه.
وإن لم يختر الابن تملكه.. كانت أربعة أخماسه مرصدة لمصالح المسلمين، وخمسه لأهل الخمس.
وإن سبى أمه وابنه الصغير واختار تملكهما.. عتق عليه أربعة أخماسهما، وقوم عليه خمسهما لأهل الخمس إن كان موسراً؛ لأنه لا خيار للإمام فيهما.
وإن لم يختر تملكهما.. كانت أربعة أخماسهما لمصالح المسلمين، وخمسهما لأهل الخمس.

(8/358)


[فرع قال لأحد عبديه أحدكم حر على ألف]
إذا قال رجل لعبدين له: أحدكما حر على ألف، فقال كل واحد منهما: قد قبلت.. عتق أحدهما لا بعينه. وله أن يعين أيهما شاء، ولا يقرع بينهما ما دام حياً. فإن مات قبل البيان ولا وارث له.. أقرع بينهما.. وإن كان له وارث.. فهل يقوم مقامه في البيان؟ فيه وجهان، حكاهما القاضي أبو الطيب.
أحدهما: يقوم مقامه في البيان كسائر حقوقه.
والثاني: يقرع بينهما كما أقرع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لتعيين العتق في العبيد الستة.
فإذا أقرع بينهما وخرجت القرعة لأحدهما.. عتق. قال ابن الحداد: ولزم العبد قيمته لمولاه، ولا تلزمه الألف؛ لأنه زال ملكه عنه بعوض مجهول ولا يمكنه الرجوع إلى العبد، فيرجع عليه بقيمته.
ومن أصحابنا من قال: فيه قول آخر: أنه يرجع عليه بالألف.
قال القاضي أبو الطيب: وهذا هو القول القديم في الصداق إذا تلف في يد الزوج قبل القبض، أو تلف عوض الخلع في يد الزوجة قبل القبض. والأول أصح.

[فرع اختلف إخوة في ملك جارية وولدها]
ولو كانت جارية وولدها في يد ثلاثة رجال إخوة، فقال أحدهم: هذه أم ولدي وهذا ولدها مني. وقال آخر: هذه أم ولد أبينا وولدها أخونا. وقال الثالث: هذه أمتي وولدها عبدي، ولا بينة لوحد منهم.. قال ابن الحداد: فإنه يعتق ثلث الجارية وثلث ولدها بإقرار من قال: هي أم ولد أبينا. ويعتق ثلث ثان من الولد بإقرار من قال: الجارية أم ولدي وولدها مني، ويصير ثلث الجارية أم ولد له، ويسري إلى ثلث الجارية وثلث ولدها، فيلزم الذي أقر بكونها أم ولد له ثلث قيمتها وثلث قيمة ولدها إن

(8/359)


كان موسراً بقيمتها للذي ادعى أنهما مملوكان له. ويثبت نسب الولد من الذي ادعى أنه ابنه؛ لأنه أقر بثبوت نسبه منه ولا منازع له في ذلك. ولا يثبت النسب من الأب؛ لأنه إقرار من بعض الورثة.

[فرع علق عتق عبده على حجه العام]
إذا قال: إن لم أحج العام فعبدي حر، فادعى أنه حج، فأقام العبد بينة أنه كان يوم النحر بالكوفة.. قال في " الفروع ": عتق العبد؛ لأن الحال إذا كان كذلك استحال أن يكون حج تلك السنة.

[فرع مسائل من الدور في العتق]
مسائل من الدور في العتق: إذا أوصى رجل بعتق عبد، فاكتسب العبد مالا بعد الوصية وقبل موت سيده.. فإن جميع كسبه يكون ملكاً لسيدة ولورثته بعده؛ لأن عتقه قبل موت سيده غير لازم؛ لأن للموصي أن يرجع في وصيته بعتقه.
وإن مات الموصي فاكتسب هذا العبد مالاً بعد موت سيده وقبل الإعتاق، فإذا كان العبد يخرج من الثلث.. فإن جميع الكسب له؛ لأن العبد قد استحق العتق بموت سيده، وإنما تأخر إعتاقه بتفريط الوصي أو الوارث. وإن لم يخرج من الثلث ولم تجز الورثة.. كان للعبد من الكسب بقدر ما عتق منه. فإن عتق منه ثلثه.. كان له ثلث كسبه، وإن عتق منه نصفه.. كان له نصف كسبه، وباقي كسبه للورثة؛ لأن الكسب حصل منه بعد أن دخل ما لم يستحق إعتاقه في ملكهم.
وإن أعتق في مرض موته عبداً له، ومات السيد، ثم كسب العبد مالاً بعد موت سيده وعلى السيد دين يحيط بتركته.. فإن العبد لا يعتق، ويباع في الدين، والكسب للورثة ولا يقضى الدين من الكسب.
وقال أبو سعيد الإصطخري: يقضى الدين من الكسب. والمنصوص هو الأول. وإن لم يكن على الميت دين. فإن جميع الكسب للعبد إن كان يخرج من الثلث. وإن كان لا يخرج من الثلث.. فله من الكسب بقدر ما عتق منه، وللورثة بقدر ما رق

(8/360)


منه، ولا تزداد التركة هاهنا بالكسب؛ لأنه حدث في ملكهم. ولا دور في شيء من هذه المسائل.
وإن أعتق عبداً في مرض موته فاكتسب العبد مالاً بعد العتق وقبل موت سيده، فإن خرج العبد من الثلث.. كان جميع الكسب للعبد. وإن لم يخرج من الثلث. دخله الدور؛ لأن الكسب يتقسط على ما فيه من الحرية والرق، فما قابل ما فيه من الحرية.. كان للعبد بغير وصية. وما قابل فيه من الرق.. فهو للسيد فتزداد تركته بذلك. فإذا ازدادت التركة.. ازداد العتق، وإذا ازداد العتق.. ازداد استحقاق العبد من الكسب فدارت المسألة.
فإن كانت قيمة العبد مائة وكسبه مائة ولا مال للسيد غير ذلك.. فحسابه أن تقول:
يعتق من العبد شيء، وله من كسبه شيء من غير وصية فيبقى في يد الورثة مائتان إلا شيئين تعدل مثلي ما عتق منه - وهو شيئان - فإذا جبرت المائتين بالشيئين الناقصين وزدتهما على الشيئين المعادلين. صار مع الورثة مائتان يعدلان أربعة أشياء، فإذا قسمت المائتين على أربعة أشياء.. أصاب كل شيء خمسون، فيعلم أن الشيء المطلوب خمسون - وهو نصف العبد - فيعتق منه نصفه ويتبعه شيء - وهو نصف كسبه - فيبقى مع الورثة من العبد شيء - وهو خمسون - ومن كسبه شيء - وهو خمسون - فذلك مائة، وهو مثلاً ما عتق منه.
وإنما قلت: يتبعه شيء؛ لأن الكسب مثل قيمته، ولو كسب مثلي قيمته.. لقلت: يتبعه شيئان، وإن كسب ثلاثة أمثال قيمته.. لقلت: يتبعه ثلاثة أشياء. وإن كسب مثلي نصف قيمته.. لقلت: يتبعه من كسبه نصف شيء.
وإن ترك السيد مائة، وكسب العبد مائة، وقيمة العبد مائة.. فحسابه أن يقول: يعتق من العبد شيء، وله من كسبه شيء بغير وصية، فيبقى في يد الورثة ثلاثمائة إلا شيئين تعدل شيئين، فإذا جبرت.. عدلت الثلاثمائة أربعة أشياء، الشيء خمسة وسبعون - وهو ثلاثة أرباع العبد - فيعتق ذلك منه، وله من كسبه مثل ذلك، فيبقى في

(8/361)


يد الورثة المائة التي تركها مورثهم، ومن العبد ما قيمته خمسة وعشرون ومن كسبه خمسة وعشرون، فذلك مائة وخمسون، وهو مثلاً ما عتق من العبد.
وإن كسب العبد مائة، وقيمته مائة، وعلى السيد دين مائة دينار ولا مال له غير ذلك.. فحسابه أن نقول:
يعتق من العبد شيء، وله من كسبه شيء بغير وصية، فبقي في يد الورثة مائتان إلا شيئين، يخرج من ذلك مائة للدين، يبقى مائة إلا شيئين تعدل شيئين، فإذا جبرت.. عدلت المائة أربعة أشياء، الشيء خمسة وعشرون، فيعتق قدر ذلك من العبد - وهو ربعه - وله ربع كسبه، فبقي في يد الورثة خمسون، وهو مثلاً ما عتق من العبد.
ولو استقرض السيد في حياته المائة التي كسبها العبد وأتلفها، ومات؟ ولا مال له غير العبد.. قيل للعبد: إن أبرأت مما تستحقه من الكسب.. عتق ثلثك ورق ثلثاك، وإن طالبت بما تستحقه من الكسب.. فحسابه أن يقال:
يعتق من العبد شيء، وله من كسبه شيء بغير وصية دين على السيد، فبقي في يد الورثة مائة إلا شيئين تعدل شيئين، فإذا جبرت.. عدلت المائة أربعة أشياء، الشيء ربع العبد، فيعتق ربعه - وقيمته خمسة وعشرون - ويرق ثلاثة أرباعه - وقيمته خمسة وسبعون - ويقال للورثة: إن اخترتم أن تعطوا العبد من خاص أموالكم خمسة وعشرين - وهو ما يستحقه من كسبه - ملكتم ثلاثة أرباعه. وإن اخترتم بيعه.. بعتم ربعه بدينه، وملكتم بالإرث نصفه، وهو مثلاً ما عتق منه.
فإن اختار العبد أن يأخذ ربع رقبته بدينه.. قال ابن اللبان: كان أحق به من الأجنبي. فإذا أخذه.. عتق نصفه.
وإن كان بدل الكسب في هذه المسائل مالاً وهب للعبد، أو أرش جناية عليه، أو كانت جارية فوطئها رجل بشبهة، أو حبلت بعد أن أعتقت وولدت، أو داراً فاستغلت.. فحكمه حكم الكسب على ما ذكرناه.

(8/362)


[فرع أعتق في مرض موته عبداً فزادت قيمته قبل موته]
] : وإن أعتق في مرض موته عبداً قيمته مائة، أو وهبه لغيره وأقبضه، فزادت قيمة العبد قبل موت سيده، فبلغت ستمائة، ومات السيد ولا مال له غير العبد.. فهو كالكسب، وحسابه أن نقول: يعتق منه شيء ويتبعه بالزيادة خمسة أشياء بغير وصية، فيبقى في يد الورثة ستمائة إلا ستة أشياء تعدل شيئين، فإذا جبرت.. عدلت الستمائة ثمانية أشياء، فإذا قسمت الستمائة على ثمانية أشياء.. خص كل شيء خمسة وسبعون درهماً، وهو قيمة ثلاثة أرباعه يوم عتق، فيعتق ثلاثة أرباعه، ولا يحتسب على العبد بزيادة قيمة ثلاثة أرباعه، ويبقى للورثة ربعه، وقيمته يوم مات سيده مائة وخمسون، وهو مثلاً قيمة ما عتق من العبد يوم العتق.
ولو لم تزد قيمة العبد ولكن نقصت قيمته بعد ما أعتق وقبل أن يقبضه الورثة فبلغت قيمته خمسين. فحسابه أن نقول: يعتق منه شيء ويبقى مائة إلا شيئاً حصل ذلك في يد الورثة، وهو خمسون إلا نصف شيء يعدل شيئين، فإذا جبرت.. عدلت الخمسون شيئين ونصف شيء، فإذا قسمتها.. كان الشيء عشرين، فيعتق ذلك منه - وذلك خمس العبد يوم أعتق - ويبقى للورثة أربعة أخماسه وقيمته يوم قبضه الورثة أربعون، وذلك مثلاً ما عتق من العبد.. وهكذا الحكم في الهبة.
وفيه وجه آخر: أنه لا يحتسب على العبد ولا على الموهوب بما نقص من القيمة في يده، فيصح العتق والهبة في ثلثه ويرق ثلثاه؛ لأن المعتق والموهوب له لم يستقر ملكهم على ما قبضوا من وصاياهم. ألا ترى أنهم ممنوعون من التصرف فيه حتى تقسم التركة؟ فكانت أيديهم كيد المودع الحافظ على الميت تركته حتى تقسم التركة فلم يضمنوا، ألا ترى أن التركة لو كانت في يد الورثة وهم ممنوعون من التصرف فيها لحق الغرماء وأهل الوصايا فنقصت في أيديهم، لما احتسب عليهم بما نقص في أيديهم من حقوقهم؟ فكذلك المعتق والموهوب.
قال ابن اللبان: وظاهر كلام الشافعي بخلاف هذا.

(8/363)


[فرع وهب في مرض موته وأقبضه فمات العبد]
] : فإن وهب في مرض موته لغيره عبداً قيمته مائة، وأقبضه الموهوب له، فمات العبد في يد الموهوب له، ثم مات الواهب ولا مال له غير العبد.. ففيه وجهان:
أحدهما: أن الهبة صحيحة؛ لأن العبد لم يبق، فتقع فيه المواريث ولا تركة هناك فيدخل العبد في التركة ليجري فيها ما توجبه الوصية.
والثاني: أن الهبة باطلة؛ لأن هبته في مرض موته وصية ولا تصح حتى يبقى للورثة مثلاه.
فعلى هذا: لا يلزم الموهوب له ضمان العبد؛ لأن العقد الفاسد يجري مجرى الصحيح، في الضمان.
فإن كسب العبد في يد الموهوب له ألفاً، ثم مات العبد، ثم مات سيده.. صحت الهبة في شيء منه، وللموهوب له من كسبه عشرة أشياء، فبقي في يد الورثة ألف إلا عشرة أشياء، تعدل شيئين، فإذا جبرت.. عدلت اثني عشر شيئاً، فإذا قسمت الألف على اثني عشر شيئاً.. أصاب الشيء ثلاثة وثمانون وثلث درهم، وذلك خمسة أسداس العبد، وهو الذي صحت فيه الهبة. فللموهوب له خمسة أسداس الألف بغير وصية، ولورثة الواهب سدس الألف وهو مثلاً ما صحت فيه الهبة ولا يحتسب ذلك على الورثة بما تلف من العبد؛ لأنه لم يحصل في أيديهم. ولا يضمن الموهوب له حصة الورثة منه؛ لأن يده أمانة.

[فرع أعتق عبداً في مرض موته فماتا]
] : فإن أعتق في مرض موته عبداً قيمته مائة، فمات العبد، ثم مات السيد ولا مال له.. ففيه وجهان:
أحدهما: أن العبد مات رقيقاً؛ لأن عتقه في مرض الموت وصية، ولم يبق للورثة مثلاً قيمته.

(8/364)


والثاني: أنه مات حراً؛ لأن عتق المريض لم يمنع ورثته من إرثه، فصار كأنه لم يتلف عليهم شيئاً، فصار كعتق الصحيح.
فإن كسب العبد مالاً بعد عتقه وقبل موت سيده، ومات العبد وخلفه، ثم مات سيده.. قال ابن اللبان: تغير هذا المعنى؛ لأن السيد ليس له أن يدخل على ورثته ما يمنعهم مما يلحق بحكم هذا العبد من كسبه، ولا يتهيأ لهم أن يأخذوا مال حر إلا من جهة الميراث.
فإن ترك العبد مائتي درهم فما زاد ولا وارث له إلا مولاه.. مات العبد حراً، وورثه السيد بالولاء، وحصل لورثة السيد.
وإن ترك العبد مائة درهم.. مات العبد ونصفه حر ونصفه رقيق، وورث السيد نصف المائة، ونصفها في حق الملك في أحد الوجهين. وفي الثاني: مات حراً كله، نصفه بالوصية؛ لأن مع ورثة السيد مثليه، ونصفه بغير وصية؛ لأنه لم يبق حتى يجري فيه الميراث.
وإن ترك العبد مائتي درهم وبنتاً وارثة ومولاه.. فإن قلنا بالقول الجديد، وأن من مات وبعضه حر وبعضه مملوك ورث عنه ورثته ما ملكه ببعضه الحر ... دخلها الدور، فنقول: عتق منه شيء وله من كسبه شيئان، ترث البنت شيئاً، ويرث المولى شيئاً بحق الولاء، وباقي كسبه للمولى بحق الملك، فيبقى في يد المولى مائتان إلا شيئاً، تعدل شيئين فإذا جبرت
عدلت المائتان ثلاثة أشياء، الشيء ثلثا المائة، فيعتق ثلثا العبد، فيكون له ثلثاً كسبه وهو مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، فترث البنت نصف ذلك، ويرث المولى نصف ذلك بحق الولاء، ويأخذ باقي كسبه بحق الملك فيكون للمولى مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وهو مثلاً ما عتق من العبد.
وإن قلنا بالقول القديم، وأن وارثه لا يرث عنه ما ملكه ببعضه الحر، وقلنا: يكون لسيده.. مات العبد حراً كله، وجميع كسبه لمولاه، ولا ترثه البنت؛ لأن في

(8/365)


توريثها ما ينقص تركة السيد فلا يخرج العبد من ثلثه، فيؤدي إلى رق بعضه، وإذا رق بعضه.. لم ترثه البنت، فكان توريثها يؤدي إلى أن لا ترث، فمنعت الإرث.
وإن ترك العبد أربعمائة درهم فصاعداً.. مات العبد حراً كله في أحد القولين وورثت البنت مائتين والسيد مائتين.
وإن ترك العبد ابناً ومائتي درهم، وقلنا بالقول الجديد.. عتق من العبد شيء، وله من كسبه شيئان يرثهما ابنه، والباقي من الكسب للسيد، وهو مائتان إلا شيئين تعدل شيئين، فإذا جبرت.. عدلت أربعة أشياء، الشيء خمسون - وهو نصف قيمة العبد - فيعتق نصفه، فيكون له نصف كسبه، وهو مائة منه يرثها ابنه، ويكون لسيده نصف كسبه، وهو مائة، وذلك مثلاً ما عتق من العبد.
وإن قلنا بالقديم.. مات العبد حراً كله، وكان الكسب كله للسيد، ولا يرث الابن شيئاً؛ لأن توريثه يؤدي إلى أن لا يرث على ما تقدم.
فإن مات ابن العبد بعد العبد، ثم مات السيد ولا وارث للابن غير مولى أبيه.. عتق جميع العبد، وورث ابنه جميع المائتين، ثم ورث السيد ابن العبد، فيحصل لورثته مثلاً قيمة العبد. فلو لم يخلف العبد شيئاً ولكن خلف ابن العبد مائتي درهم، وترك مولى أبيه ومولى أمه.. مات الأب حراً، وورث مولى العبد الابن، فيحصل مع ورثته مثلاً قيمة العبد.
وإن ترك ابن العبد أقل من مثلي قيمة أبيه، فإن قلنا: إن العبد مات رقيقاً.. لم يرث مولى العبد من ابن العبد شيئاً. وإن قلنا: إنه مات حراً.. ورثه.
قال ابن اللبان: فإن لم يمت العبد ولكن مات ابنه وخلف ألف درهم، ثم مات السيد.. عتق العبد، ولم يرث من ابنه شيئاً، وورثه السيد بالولاء.
فإن قيل: فهلا ورث العبد ابنه وقد تم عتقه؟
قيل: لو ورثه لما خرج من الثلث فيرق بعضه فلا يرث، فكان توريثه يؤدي إلى قطعه فلم يرث، فكان السيد أحق بميراثه.

(8/366)


فإن ترك ابن العبد مائة.. عتق من العبد شيء وجر من ولاء ولده بقدر ما عتق منه، فورث السيد من المائة التي تركها الابن شيئاً، فيحصل ذلك مع باقي العبد لورثة السيد، وذلك مائة تعدل شيئين، فالشيء خمسون - وهو نصف العبد - فيعتق نصف العبد فيجر إلى سيده نصف ولاء ولده، فيرث نصف المائة التي تركها الابن مع نصف العبد، وذلك مائة مثلاً ما عتق من العبد.
وإن ترك ابن العبد خمسين.. قلت: يعتق من العبد شيء، وورث السيد مما ترك ابن العبد نصف شيء، فبقي في يده مائة إلا نصف شيء تعدل شيئين، فإذا جبرت.. عدلت شيئين، ونصفا، الشيء خمسا المائة، فيعتق خمسا العبد وقيمته أربعون، فيرث السيد خمسي الخمسين، وهو عشرون مع ما بقي من العبد -فذلك ثمانون- وهو مثلا ما عتق من العبد.

[فرع أعتق جارية فوطئها قبل موته]
وإن أعتق في مرض موته جارية له قيمتها مائة، فوطئها قبل موته، ومهر مثلها خمسون، ولا مال له غيرها، ثم مات.. فحسابه أن يقال.
يعتق منها شيء بوصية، ولها على سيدها نصف شيء بغير وصية، فبقي في يده جارية قيمتها مائة إلا شيئاً ونصف شيء تعدل شيئين، فإذا جبرت.. عدلت ثلاثة أشياء، ونصفا، الشيء سبعاها، فيعتق سبعاً الجارية، وتستحق الجارية سبعي مهرها، وذلك قدر سبع رقبتها، فتباع بمهرها، فيبقى في يد الورثة أربعة أسباعها، وهو مثلاً ما عتق منها. فإن حبلت من هذا الوطء وولدت.. ففيه وجهان:
أحدهما: تعتق من جهة أنها أم ولد لا من جهة الوصية؛ لأن الميت لا ثلث له.
والثاني: تعتق من حين أعتقها سيدها؛ لأنها لم تبق على ملك الميت فتجري في الميراث والوصية، فصار عتق الميت مانعاً للورثة من أن يرثوها، فيكون كعتق الصحيح، ويجب لها المهر في ذمة السيد.

(8/367)


قال ابن اللبان: والأول أشبه بمذهب الشافعي.
فإن ترك السيد مائة درهم.. عتق منها شيء بالوصية يوم أعتقت، ولها نصف شيء بالمهر تأخذه من المائة، ويعتق باقيها بالإحبال من رأس المال، فبقي في يد الورثة مائة درهم إلا نصف شيء تعدل شيئين، فإذا جبرتها.. عدلت شيئين ونصفاً، الشيء خمسا المائة - وهو أربعون - فيعتق منها بالوصية خمساها، ولها خمسا مهرها - وهو عشرون من المائة - فيبقى في يد الورثة ثمانون، وهو مثلاً ما عتق منها بالوصية.

[مسألة أعتق في مرض موته عبدين]
ولو أعتق في مرض موته عبدين، قيمة كل واحد منهما مائة، أحدهما قبل الآخر، فاكتسب كل واحد منهما مائة بعد العتق وقبل موت السيد، ومات السيد ولا مال له غير ذلك.. عتق الأول بالوصية وله جميع كسبه بغير وصية، وللورثة العبد الثاني وكسبه وذلك مثلاً قيمة الأول.
فإن كسب كل واحد منهما مائتين.. عتق الأول وله كسب، وعتق من الثاني تمام الثلث، فيقال: عتق منه شيء، وله من كسبه شيئان، فبقي في يد الورثة ثلاثمائة إلا ثلاثة أشياء، تعدل مثلي قيمة الأول ومثلي ما عتق من الثاني - وهو مائتان وشيئان - فإذا جبرت الثلاثمائة الأشياء الناقصة، وزدتها على الشيئين المقابلين لها.. كانت الثلاثمائة تعدل مائتي درهم وخمسة أشياء، فأسقط مائتين بإزاء مائتين، فتبقى مائة تعدل خمسة أشياء، الشيء خمس المائة، فيعتق خمس العبد الثاني، وقيمة ما عتق منه عشرون، فيأخذ خمس كسبه -وهو أربعون - فيبقى في يد الورثة من قيمة الثاني ثمانون، ومن كسبه مائة وستون فذلك مائتان وأربعون وهو مثلاً قيمة الأول ومثلاً ما عتق من الثاني.
فإن كسب كل واحد منهما ثلاثمائة.. عتق الأول وله كسبه، وعتق من الثاني شيء وله من كسبه ثلاثة أشياء، فبقي في يد الورثة الثاني وكسبه، وهو أربعمائة إلا أربعة أشياء تعدل مثلي قيمة الأول ومثلي ما عتق من الثاني، وذلك مائتان وشيئان.

(8/368)


فإذا جبرت الأربعمائة بالأربعة الأشياء الناقصة وزدتها على الشيئين المقابلين.. صارت أربعمائة تعدل ستة أشياء ومائتين، فأسقط مائتين بإزاء مائتين، فتبقى مائتان تعدلان ستة أشياء، فالشيء الواحد سدس المائتين، وذلك قدر ثلث قيمة الثاني، فيعتق ثلث الثاني، ويتبعه ثلث كسبه - وهو مائة- فيبقى مع الورثة ثلثا رقبة الثاني وثلثا كسبه، وذلك مثلاً قيمة الأول ومثلاً ما عتق من الثاني.
ولو لم يعتق أحدهما بعد الآخر ولكن أعتقهما بكلمة واحدة.. أقرع بينهما، فمن خرجت عليه قرعة العتق منهما.. كان كما لو بدأ بعتقه.

[فرع أعتق ثلاثة أعبد في مرض موته]
وإن أعتق في مرض موته ثلاثة أعبد له، قيمة كل واحد منهم مائة، أحدهم بعد الآخر، فاكتسب الأول بعد عتقه وقبل موت سيده مائة، ومات السيد ولا مال له غيرهم.. عتق الأول وله كسبه، ورق الآخران وقيمتهما مثلاً قيمة الأول.
وإن كسب كل واحد منهم مائة.. عتق الأول وتبعه كسبه، وعتق من الثاني شيء وله من كسبه شيء، فبقي في يد الورثة أربعمائة إلا شيئين تعدل مائتين، وهو مثلاً قيمة الأول وشيئين، فإذا جبرت.. عدلت الأربعمائة مائتين وأربعة أشياء، فأسقط مائتين بإزاء مائتين، فيبقى مائتان يعدلان أربعة أشياء - الشيء خمسون - فيعتق نصف الثاني ويتبعه نصف كسبه، فيبقى مع الورثة نصف الثاني ونصف كسبه، والثالث وكسبه - وذلك ثلاثمائة - وهو مثلاً قيمة الأول ومثلاً ما عتق من الثاني.
فإن كسب كل واحد منهم ثلاثمائة.. عتق الأول والثاني، ولهما كسبهما، وكان للورثة الثالث وكسبه، وذلك مثلاً قيمة الأول والثاني.
وإن كسب كل واحد منهم خمسمائة.. عتق الأول والثاني، ولهما كسبهما، وعتق من الثالث شيء وله من كسبه خمسة أشياء، فيبقى في يد الورثة ستمائة إلا ستة أشياء تعدل مثلي قيمة الأول والثاني وما عتق من الثالث، وذلك أربعمائة وشيئان، فإذا جبرت.. عدلت الستمائة أربعمائة وثمانية أشياء، فأسقط أربعمائة بإزاء أربعمائة،

(8/369)


فيبقى مائتان تعدلان ثمانية أشياء، الشيء خمسة وعشرون - وهو ربع قيمة الثالث - فيعتق ربعه ويتبعه ربع كسبه، فيبقى من الثالث ومن كسبه أربعمائة وخمسون وذلك مثلاً قيمة الأول والثاني ومثلاً ما عتق من الثالث.
وإن أعتقهم بكلمة واحدة وكسب أحدهم مائة لا غير.. أقرع بينهم، فإذا خرجت قرعة العتق على المكتسب ... عتق جميعه وتبعه كسبه، ورق الآخران وقيمتهما مثلاً قيمة الأول.
وإن خرجت قرعة العتق على أحد الآخرين.. عتق جميعه وبقي من الثلث شيء، فيقرع بين المكتسب وبين الباقي من العبدين اللذين لم يكتسبا، فإن خرجت قرعة العتق على الذي لم يكتسب.. عتق ثلثه ورق ثلثاه والمكتسب وكسبه، فيبقى مع الورثة مائتان وستة وستون وثلثان، وذلك مثلاً قيمة الأول وما عتق من الثاني.
وإن خرجت قرعة العتق على المكتسب.. عتق منه شيء وله من كسبه شيء، فيبقى في يد الورثة باقي رقبته وباقي كسبه وجميع العبد الآخر، وذلك ثلاثمائة إلا شيئين تعدل مثلي قيمة الأول وما عتق من الثاني - وذلك مائتان وشيئان - فإذا جبرت الثلاثمائة بالشيئين الناقصين وزدتهما على الشيئين المقابلين لها.. صارت الثلاثمائة تعدل مائتين وأربعة أشياء، فأسقط مائتين بإزاء مائتين، فيبقى مائة تعدل أربعة أشياء، الشيء ربعها، فيعتق ربع العبد ويتبعه ربع كسبه، فيبقى مع الورثة ثلاثة أرباعه وثلاثة أرباع كسبه والعبد الآخر، ومبلغ ذلك مائتان وخمسون، وذلك مثلاً قيمة الأول وما عتق من الثاني.
وإن أعتق الثلاثة بكلمة واحدة، وكسب كل واحدة منهم مائة.. أقرع بينهم، فمن خرج له سهم العتق.. عتق جميعه وتبعه كسبه، وقد بقي من الثلث شيء فيقرع بين الآخرين، فمن خرج له سهم العتق.. عتق منه شيء وتبعه من كسبه شيء، فيبقى في يد الورثة أربعمائة إلا شيئين تعدل مائتين وشيئين، فإذا جبرت.. عدلت مائتين وأربعة أشياء، فأسقط مائتين بإزاء مائتين، فيبقى مائتان تعدل أربعة أشياء - الشيء خمسون -

(8/370)


فيعتق نصف الثاني ويتبعه نصف كسبه، ويبقى مع الورثة نصفه ونصف كسبه وجميع الثالث وكسبه، وذلك ثلاثمائة، وهو مثلاً قيمة الأول وما عتق من الثاني.
وإن كانت قيمة أحدهم ثلاثمائة وكسبه ثلاثمائة، وقيمة آخر مائتين وكسبه مائتين، وقيمة الثالث مائة وكسبه مائة، وأعتقهم بكلمة واحدة ومات، ولا مال للسيد غير ذلك.. أقرع بينهم.
فإن خرج سهم العتق على من قيمته ثلاثمائة.. عتق جميعه وله كسبه، وكان للورثة الآخران وكسبهما، ومبلغ ذلك ستمائة، وهو مثلاً قيمة المعتق.
وإن خرج سهم العتق على من قيمته مائتان.. عتق جميعه وتبعه كسبه وبقي من الثلث بعضه، فتعاد القرعة بين الآخرين، فإن خرج سهم العتق على من قيمته مائة.. عتق جميعه وتبعه كسبه، وبقي للورثة الذي قيمته ثلاثمائة وكسبه، وذلك مثلا قيمة العبدين المعتقين. وإن خرج سهم العتق على من قيمته ثلاثمائة.. عتق منه شيء وتبعه من كسبه شيء، فيبقى في يد الورثة ثمانمائة إلا شيئين تعدل أربعمائة وشيئين، فاجبر الثماني مائة بالشيئين الناقصين وزدهما على الشيئين المقابلين لهما مع أربعمائة، فتكون ثماني مائة تعدل أربعمائة وأربعة أشياء، فتسقط أربعمائة بإزاء أربعمائة، فيبقى أربعمائة تعدل أربعة أشياء الشيء مائة وهو ثلث العبد المقوم بثلاثمائة فيعتق ثلثه ويتبعه ثلث كسبه، ويبقى مع الورثة ثلثاه وثلثا كسبه والمقوم بمائة وكسبه، وذلك ستمائة، وهو مثلاً قيمة الأول وما عتق من الثاني.
وإن خرج سهم العتق أولاً على المقوم بمائة.. عتق كله وتبعه كسبه، وبقي بعض الثلث، فتعاد القرعة بين الآخرين، فإن خرج سهم العتق على المقوم بمائتين.. عتق جميعه وتبعه كسبه، ورق الثالث وقيمته ثلاثمائة وكسبه ثلاثمائة، وذلك مثلاً قيمة العبدين المعتقين.

(8/371)


وإن خرج سهم العتق على المقوم بثلاثمائة.. عتق منه شيء وتبعه من كسبه شيء، فيبقى في يد الورثة ألف إلا شيئين تعدل مائتين وشيئين، فإذا جبرت.. عدلت مائتين وأربعة أشياء، فأسقط مائتين بإزاء مائتين، فيبقى ثمانمائة تعدل أربعة أشياء - الشيء مائتان - وذلك ثلثا العبد المقوم بثلاثمائة، فيعتق ثلثاه ويتبعه ثلثا كسبه، فيبقى مع الورثة ثلثه وثلث كسبه وجميع العبد المقوم بمائتين وجميع كسبه، وذلك كله ستمائة، وهو مثلاً قيمة الأول وما عتق من الثاني.
والله أعلم وبالله التوفيق

(8/372)


[باب القرعة]
إذا أعتق عبيداً له في مرض موته في حالة واحدة، ومات ولم يحتملهم الثلث، ولم يجز الورثة.. أقرع بينهم.. وبه قال مالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة: (يعتق من كل واحد منهم ثلثه ويستسعى في قيمة باقيه) .
دليلنا: ما روى عمران بن الحصين: «أن رجلاً أعتق في مرض موته ستة أعبد ولا مال له غيرهم، فأقرع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم، فأعتق اثنين منهم، وأرق أربعة» .
إذا ثبت هذا: فإن كان القصد عتق الثلث. ففيه ست مسائل:
الأولى: أن يكون لهم ثلث صحيح وتكون قيمتهم متساوية، بأن كانوا ثلاثة أعبد قيمة كل واحد منهم مائة، أو ستة أعبد قيمة كل واحد مائة، فإن كانوا ستة ... جعل كل اثنين جزءاً، ثم يؤخذ ثلاث رقاع متساوية فيكتب في كل رقعة ما يريد، وتترك في ثلاث بنادق من طين أو شمع متساوية الصفة والوزن، وتجفف وتغطى بثوب، ويقال لرجل لم يحضر الكتابة والبندقة: أخرج بندقة، فيعمل بما فيها.
ثم هو بالخيار: بين أن يكتب الأسماء وبين أن يكتب الحرية والرق، فإن اختار أن يكتب الأسماء.. كتب في كل رقعة اسم اثنين.
ثم إن شاء أخرج على الرق، وإن شاء أخرج على الحرية. فإن أخرج على الرق.. أخرج رقعة، ويقول: من فيها رقيق، فيفتح وينظر من فيها، فيرق، ثم يخرج رقعة

(8/373)


أخرى فيقول: من فيها رقيق، فينظر من فيها، فيرق، وتتعين الحرية لمن في الثالثة ولا يحتاج إلى إخراجها؛ لأنه لا فائدة في إخراجها.
وإن شاء أخرج أولاً على الحرية، فيخرج رقعة فيقول: من فيها حر، فينظر من فيها، فيعتق، ويرق من في الرقعتين الباقيتين، ولا يحتاج إلى إخراجها. والإخراج على الحرية أولى؛ لأنه أقرب.
وإن اختار كتب الحرية والرق.. كتب في رقعة حر وفي رقعتين رق، ثم يخرج الرجل رقعة ويضعها على جزء من الثلاثة الأجزاء، وينظر ما فيها، فإن كان فيها الحرية.. عتق ذلك الجزء ورق الجزآن الآخران، ولا يحتاج إلى إخراج الرقعتين الباقيتين؛ لأنه لا فائدة في ذلك.
وإن خرج في الرقعة الأولى الرق.. حكم برق ذلك الجزء الذي خرجت عليه، ثم يخرج رقعة ثانية على جزء ثان، فإن خرج فيها رق.. حكم برق ذلك الجزء وتعين العتق للجزء الثالث. وإن خرج في الثانية الحرية.. عتق الجزء الثاني ورق الثالث، ولا يفتقر إلى إخراج الرقعة الثالثة.
المسألة الثانية: أن يكون لعددهم ثلث صحيح وقيمتهم مختلفة إلا أنه يمكن تعديل قيمتهم، مثل: أن يكونوا ستة قيمة اثنين ألفان، وقيمة اثنين أربعة آلاف، وقيمة اثنين ستة آلاف، فيجعل العبدان اللذان قيمتهما أربعة آلاف جزءاً، ويجعل أحد العبدين المقومين بألفين مع أحد العبدين المقومين بستة آلاف جزءاً، وكذلك يفعل بالآخرين، فيصيرون ثلاثة أجزاء كل جزء قيمته أربعة آلاف، ثم يقرع بينهم، على ما ذكرناه في التي قبلها.
المسألة الثالثة: أن يكون لعددهم ثلث صحيح، وقيمتهم مختلفة، ولا يمكن تعديلهم بالعدد والقيمة، فإن عدلوا بالعدد.. اختلفت قيمتهم. وإن عدلوا بالقيمة.. اختلف عددهم، وإنما يمكن بأحدهما. فإن كانوا ستة، قيمة واحد ألف، وقيمة اثنين ألف، وقيمة ثلاثة ألف.. ففيه وجهان:

(8/374)


أحدهما - وهو المنصوص -: (أنهم يعدلون بالقيمة، فيجعل العبد الذي قيمته ألف جزءاً، والعبدان اللذان قيمتهما ألف جزءاً، والثلاثة الذين قيمتهم ألف جزءاً، ثم يقرع بينهم على ما تقدم) .
والثاني: من أصحابنا من قال: يعدلون بالعدد، فيجعل كل اثنين جزءاً، فيجعل العبدان المقومان بألف جزءاً - وهو قدر الثلث - ويجعل العبد المقوم بألف مع أحد الثلاثة المقومين بألف جزءاً وقيمتهما أكثر من الثلث، ويجعل العبدان الآخران من الثلاثة جزءاً وقيمتهما أقل من الثلث، ثم يقرع بينهم على ما مضى.
فإن خرجت الحرية على المقومين بألف.. عتقاً وقيمتهما الثلث، ورق باقي العبيد.
وإن خرجت الحرية على المقومين بألف وثلث الألف.. فلا يمكن عتقهما، فيقرع بينهما، فإن خرجت الحرية على المقوم بألف ... عتق ورق الآخر مع باقي العبيد. وإن خرجت الحرية على المقوم بثلث الألف.. عتق وعتق ثلثاً المقوم بألف ورق ثلثه وباقي العبيد.
وإن خرجت الحرية على المقومين بثلثي الألف ... عتقاً وقد بقي بعض الثلث، ثم يقرع بين الجزأين الآخرين لتمام الثلث. فإن خرج سهم العتق على العبدين المقومين بألف.. أعيدت القرعة بين هذين العبدين، فأيهما خرج عليه سهم العتق.. عتق ثلثاه ورق ثلثه مع باقي العبيد. وإن خرج سهم العتق في المرة الثانية على المقومين بألف وثلث ألف.. أعيدت القرعة بينهما، فإن خرج سهم العتق على المقوم بثلث الألف.. عتق جميعه ورق الآخر مع العبدين المقومين بألف. وإن خرج سهم العتق على المقوم بألف.. عتق ثلثه ورق ثلثاه مع الثلاثة الباقين.
وأصل هذين الوجهين الاختلاف في تأويل حديث عمران بن الحصين، فقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (إنما جزأهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة أجزاء؛ لأن قيمتهم تساوت) . وهذا القائل يقول: إنما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلكم لأن عددهم كان مستوياً.

(8/375)


والصحيح هو الأول؛ لأنه أقرب. وفيما قال هذا القائل.. يحتاج إلى إعادة القرعة.
المسألة الرابعة: إذا كان لعددهم ثلث صحيح والقيم مختلفة ولا يمكن تعديل السهام بالقيمة، مثل أن كانوا ستة قيمة واحد ألفان، وقيمة اثنين ألف، وقيمة ثلاثة ألف:
قال المحاملي: فعلى منصوص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يعتبر تفاوت القيمة، فيجعل العبد الذي قيمته ألفان جزءاً، والعبدان اللذان قيمتهما ألف جزءاً، والثلاثة الذين قيمتهم ألف جزءاً، فإن خرج سهم العتق على العبد المقوم بألفين.. عتق منه قدر ثلث التركة ورق باقيه وباقي العبيد. وإن خرج سهم العتق على العبدين المقومين بألف.. عتقاً وأقرع بين الباقين، فيعتق منهم تمام الثلث بالقرعة، وكذلك إن خرج سهم العتق على الثلاثة المقومين بألف.. عتقوا، ثم يقرع بين الباقين، فيعتق منهم تمام الثلث.
وعلى قول ذلك القائل من أصحابنا: يسوى بينهم في العدد، فيجعل كل اثنين جزءاً، ثم يقرع بينهم على ما ذكرناه.
وإن كانوا خمسة قيمة واحد ألف، وقيمة اثنين ألف، واثنين ألف.. قال ابن الصباغ: فإن هاهنا يعدلون بالقيمة وجهاً واحداً.
المسألة الخامسة: إذا اختلف عددهم وقيمتهم، ولا يمكن تعديلهم بواحد منهما، بأن كانوا خمسة قيمة واحد ألف وقيمة اثنين ألف وقيمة اثنين ثلاثة آلاف.. ففيه قولان:
أحدهما: لا يجزءون، بل تخرج قرعة العتق على واحد واحد حتى يستوفى الثلث.
والثاني: أنهم يجزءون ثلاثة أجزاء بالقيمة، فيجعل العبد المقوم بألف جزءاً،

(8/376)


وكل اثنين من الأربعة جزءاً، ثم يقرع بينهم على ما ذكرناه؛ لأن ذلك أقرب إلى ما فعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
إذا ثبت هذا: فذكر في " المهذب ": إذا اختلف العدد والقيمة، ولم يمكن التعديل بالعدد ولا بالقيمة، بأن كانوا خمسة قيمة واحد مائة وقيمة الثاني مائتان وقيمة الثالث ثلاثمائة وقيمة الرابع أربعمائة وقيمة الخامس خمسمائة.. ففيه قولان.
فقال شيخنا الإمام الفقيه زيد بن عبيد الله: ليست هذه المسألة مسألة القولين؛ لأنه يمكن تعديلهم هاهنا بالقيمة، وإنما مسألة القولين إذا لم يمكن تعديلهم بالقيمة.
المسألة السادسة: أن يكون أعتق اثنين: فإنه يقرع بينهما، فإن خرجت قرعة العتق على أحدهما.. نظرت: فإن كانت قيمته قدر ثلث التركة.. عتق ورق الآخر، وإن كانت قيمته أكثر.. عتق منه قدر ثلث التركة ورق باقيه والعبد الآخر.
وإن كانت قيمته أقل من قدر ثلث التركة.. عتق جميعه وعتق من الآخر تمام الثلث ورق باقيه.

[مسألة أعتق ثلاثة قيمتهم سواء فمات أحدهم]
وإن أعتق ثلاثة أعبد له قيمتهم سواء، في مرض موته بكلمة واحدة، ولا مال له غيرهم، فمات واحد منهم قبل القرعة.. أقرع بين الميت والحيين. فإن خرج سهم العتق على الميت.. عتق جميعه ورق الآخران، سواء مات السيد أولا أو العبد.
وإن خرج سهم العتق على أحد الحيين.. نظرت: فإن مات العبد قبل سيده.. لم يعتق ممن خرجت عليه القرعة إلا ثلثاه؛ لأن الميت قبل سيده غير داخل في التركة.
وإن مات السيد قبل العبد.. نظرت: فإن مات العبد قبل أن يقبضه الورثة.. كان كما لو مات قبل سيده؛ لأنه لا يجوز أن يحتسب على الورثة بما لم يحصل في أيديهم من التركة. وإن مات بعد أن قبضه الورثة.. عتق جميع العبد الذي خرجت عليه القرعة؛ لأن العبد الذي مات قد كان في أيديهم، فاحتسب به عليهم من التركة.

(8/377)


[فرع أعتق ثلاث إماء ولا مال أقرع بينهن]
] : وإن أعتق ثلاث إماء في مرض موته بكلمة واحدة، ولا مال له غيرهن.. أقرع بينهن، فإن خرجت القرعة بالعتق لإحداهن فولدت.. كان الولد حراً؛ لأنه ولد حرة. فإن كان حادثاً بعد العتق.. فلا ولاء عليه. وإن كان موجوداً قبل العتق.. كان عليه الولاء.
قال ابن الصباغ: وينبغي أن يعتبر في ثبوت الولاء عليه أن تلده لدون أقل مدة الحمل من حين العتق.

[فرع ظهر ماله بعد إعتاقه ستة في مرض موته]
وإن أعتق ستة أعبد له في مرض موته بكلمة واحدة، ولا مال له في الظاهر غيرهم، فأقرع بينهم وحكم بعتق اثنين منهم ورق أربعة، ثم ظهر له مال.. نظرت: فإن كان مثلي قيمتهم.. حكم بعتق جميعهم. وإن كان مثل قيمتهم.. تبينا أن العتق قد كان لازماً في ثلثهم، وقد خرجت القرعة بعتق ثلثيهم، فيجب أن تعاد القرعة بين الأربعة ويعتق منهم نصفهم، ومن خرجت عليه قرعة العتق.. كان له جميع ما اكتسبه من حين العتق؛ لأن الحرية حصلت له بذلك.

[مسألة ظهر دين مستغرق وكان أعتق عبيداً في مرض موته]
] : وإن أعتق عبيداً له في مرض موته لا مال له غيرهم، ثم ظهر عليه دين يستغرق جميع ماله.. لم يصح العتق في شيء من العبيد؛ لأن عتقهم وصية والدين مقدم على الوصية، فيباع العبيد ويقضي الدين بثمنهم.
فإن قال الورثة: نحن نقضي الدين من أموالنا ليصح العتق، فقضوه.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا ينفذ العتق في شيء من العبيد إلا بإعتاق الوارث؛ لأنا حكمنا ببطلان عتق الميت لأجل الدين، فلم يحكم بصحته بقضاء الدين، كما لو اعتنق الراهن العبد المرهون وقلنا: لا يصح، فقضى الراهن الدين له.

(8/378)


والثاني: ينفذ العتق؛ لأن المانع هو الدين وقد قضي، فصار كأن لم يكن.
قال أصحابنا: وأصل هذين الوجهين: إذا مات وله تركة وعليه دين، فتصرف الوارث في التركة قبل قضاء الدين، ثم قضى الدين.. هل يصح تصرفه؟ على وجهين.
وإن كان الدين الذي ظهر على الميت لا يستغرق جميع قيمتهم، وإنما يستغرق نصف قيمتهم.. جعل العبيد جزأين، وكتب في رقعة دين وفي رقعة تركة، فمن خرجت عليه رقعة الدين.. بيع في الدين، ومن خرجت عليه رقعة التركة.. جعلوا ثلاثة أجزاء: جزءا للعتق، وجزأين للورثة؛ لأنه اجتمع حق أصحاب الدين وحق العبيد وحق الورثة وليس بعض العبيد - بأن يجعل للدين أو للعتق أو للورثة - بأولى من البعض فأقرع بينهم؛ لأن القرعة لها مدخل في العتق وإن لم يكن لها مدخل في الدين والتركة لو انفردا.
وإن استغرق الدين ثلث قيمتهم.. جعلوا ثلاثة أجزاء، وكتب ثلاث رقاع: رقعة للدين، ورقعتين تركة، فمن خرجت عليه رقعة الدين.. بيع في الدين، ومن خرجت عليه رقعة التركة.. جعلوا ثلاثة أجزاء وكتب ثلاث رقاع: رقعة للعتق ورقعتين تركة.
وإن استغرق الدين ربع قيمتهم.. جعلوا أربعة أجزاء، وكتب أربع رقاع: رقعة للدين وثلاث رقاع تركة، فمن خرجت عليه رقعة الدين.. بيع في الدين، ومن خرجت عليه رقعة التركة.. جعلوا ثلاثة أجزاء، وكتب ثلاث رقاع، رقعة للعتق، ورقعتين تركة.
فإن قيل: فهلا كتب في الأربع: رقعة للدين ورقعة للعتق ورقعتان للرق؛ لأن ذلك أسهل؟
قال أصحابنا: لا يفعل ذلك لقوة الدين على الوصية فلا يشرك بينهما في الإقراع، ولأنه ربما خرجت رقعة العتق قبل رقعة الدين، فيؤدي إلى حصول العتق قبل الدين، وذلك لا يجوز.

(8/379)


[فرع أعتق ثلاثة قيمتهم ثلاثمائة ولا مال غيرهم واكتسب أحدهم مائة]
] : وإن أعتق في مرض موته ثلاثة عبيد له، قيمة كل واحد منهم مائة بكلمة واحدة، ولا مال غيرهم، فاكتسب أحدهم بعد العتق وقبل موت السيد مائة، ثم مات السيد وعليه دين مائة ديناً.. كتب رقاع: رقعة دين ورقعتان تركة، ثم يقرع بينهم، فإن خرجت رقعة الدين على أحد العبدين اللذين لم يكتسبا.. بيع في الدين، ثم أعيدت القرعة للعبدين المكتسب وغير المكتسب الثاني. فإن خرجت رقعة العتق على الذي لم يكتسب.. عتق جميعه، وبقي مع الورثة المكتسب وكسبه، وذلك مثلاً قيمة المعتق بعد قضاء الدين. وإن خرجت رقعة العتق على المكتسب.. دخله الدور، فنقول: عتق من العبد شيء بوصية، وله من كسبه شيء بغير وصية، فبقي في يد الورثة ثلاثمائة إلا شيئين تعدل شيئين، فإذا جبرت.. عدلت أربعة أشياء - الشيء خمسة وسبعون - وذلك ثلاثة أرباع العبد، فيعتق ثلاثة أرباعه، وله ثلاثة أرباع كسبه، ويبقى للورثة ربعه وربع كسبه والعبد الآخر، وذلك مائة وخمسون، وهو مثلاً ما عتق من العبد.
وإن خرجت رقعة الدين على المكتسب.. قال ابن الحداد: بيع نصفه للدين لا غير؛ لأنه لا حاجة بنا إلى بيع جميعه وتفويت العتق في جميعه؛ لأن ما رق منه يتبعه بقدره من الكسب، فيقضى الدين بنصفه ونصف كسبه، ثم يقرع بين نصفه وبين العبدين الآخرين، فإن خرج سهم العتق على نصف المكتسب.. عتق نصفه الثاني وتبعه نصف كسبه الباقي، وقد بقي بعض الثلث، فتعاد القرعة بين العبدين الآخرين، فمن خرج عليه سهم العتق منهما.. عتق ثلثه، وهو تمام ثلث مائتين وخمسين بعد قضاء الدين. وإن خرج سهم العتق على أحد العبدين اللذين لم يكتسبا.. عتق جميعه وبقي للورثة العبد الآخر ونصف المكتسب ونصفه كسبه، وهو مثلاً قيمة المعتق بعد الدين.

[فرع أعتق ستة أعبد ولا مال غيرهم فأقرع بينهم]
وإن أعتق ستة أعبد له في مرض موته لا مال له غيرهم، فمات ولا دين عليه في الظاهر، فأقرع بينهم، وأعتق اثنان، ثم ظهر دين عليه يستغرق جميع قيمتهم.. لم ينفذ العتق. فإن قال الورثة: نحن نقضي الدين ليصح العتق وتمضي القرعة، فقضوا

(8/380)


الدين.. فهل يصح العتق؟ فيه وجهان، مضى ذكرهما.
وإن كان الدين يستغرق نصف قيمتهم.. ففيه وجهان:
أحدهما: يبطل عتق العبدين اللذين خرجت القرعة عليهما؛ لأنا تبيناً أن الدين كان شريكاً للورثة والعتق, فبطل العتق, كما لو اقتسم شريكان في المال ثم ظهر لهما شريك ثالث.
والثاني: أن العتق لا يبطل فيهما إلا في قدر ما يخصهما من الدين؛ لأنه يمكن إمضاء القرعة وإفراز حصة الدين من كل واحد من النصيبين؛ لأن القرعة دخلت لأجل العتق دون الدين, فيقال للورثة: اقضوا ثلثي الدين, وهو قدر نصف قيمة العبيد الأربعة المحكوم برقهم, إما من خاص أموالكم وإلا بيع نصفهم.
ويجب رد نصف العتق في العبدين المحكوم بعتقهما لما يخصهما من الدين, فيقرع بينهما, فإن خرجت قرعة الدين على أحدهما وكانت قيمتهما سواء.. بيع في الدين وعتق العبد الآخر.
وإن كانت قيمتهما مختلفة, فخرجت قرعة الدين على أكثرهما قيمة.. بيع منه بقدر نصف قيمتهما, وعتق باقيه والعبد الآخر. وإن خرجت قرعة الدين على أقلهما قيمة.. رق وبيع في الدين, ورق من الآخر تمام نصف قيمتهما وبيع ذلك في الدين وعتق باقيه.
والله أعلم

(8/381)


[باب المدبر]
التدبير: مأخوذ من الدبر, وهو: أن يعلق عتق عبده بموته. وهو مما يتقرب به إلى الله تعالى؛ لأن المقصود به العتق, فهو كالعتق المنجز.
فإذا قال لعبده: أنت حر, أو محرر, أو عتيق, أو معتق بعد موتي.. كان ذلك صريحاً في التدبير لا يفتقر إلى النية؛ لأنه لا يحتمل غير العتق بالموت.
وإن قال: دبرتك, أو أنت مدبر ونوى عتقه بموته.. صار مدبراً.
وإن أطلق ذلك من غير نية.. فالمنصوص في (التدبير) : (أنه صريح فيه, ويعتق بموت سيده) .
وقال في (الكتابة) : (إذا قال لعبده: كاتبتك, أو أنت مكاتب على مائة دينار تؤديها في نجمين.. لم يعتق حتى يقول: فإذا أديتها فأنت حر, أو ينوي ذلك) .
فمن أصحابنا من نقل جوابه في كل واحدة منهما إلى الأخرى وجعلهما على قولين:
أحدهما: أن ذلك صريح فيهما؛ لأن قوله: [دبرتك) موضوع التدبير, وقوله: (كاتبتك) موضوع للكتابة في عرف الشرع.
والثاني: أن ذلك كناية فيهما, فلا يكونان صريحين إلا بنية أو قرينة؛ لأنه لم يكثر استعمالهما لذلك.
ومنهم من حملهما على ظاهر النص فقال: قوله: دبرتك, أو أنت مدبر صريح في التدبير, وقوله: كاتبتك, أو أنت مكاتب كناية في الكتابة. وفرق بينهما بفرقين:

(8/382)


أحدهما: أن التدبير معقول المعنى, وأنه موضوع للعتق بعد الموت, يشترك في معرفة معناه الخاصة والعامة. والكتابة لا يعرفها إلا خواص الناس.
والثاني: أن التدبير لا يحتمل إلا العتق بعد الموت, والكتابة تحتمل المخارجة بأن يقول: كاتبتك كل شهر بكذا, فافتقر إلى النية أو القرينة.
إذا ثبت هذا: فإن المدبر يعتبر عتقه من ثلث التركة. وروي ذلك عن: علي وابن عمر , وابن المسيب , والزهري, والثوري, ومالك, وأبي حنيفة.
وقال ابن مسعود , وسعيد بن جبير, ومسروق, والنخعي وداود: (يعتبر عتقه من رأس المال) .
دليلنا: ما روى ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المدبر من الثلث» ولأنه تبرع يلزم بالموت, فكان من الثلث كالوصية.

(8/383)


فإن دبر عبدا وأوصى بأن يعتق عنه عبد آخر بعد موته وعجز الثلث عنهما ... أقرع بينهما.
ومن أصحابنا من قال: فيه قول آخر: أنه يقدم عتق المدبر؛ لأنه أقوى؛ لأنه يتنجز بالموت.
والأول أصح؛ لأنهما يستويان في وقت اللزوم.

[مسألة تدبير المجنون والصبي والسفيه]
] : ويصح التدبير من كل بالغ عاقل جائز التصرف في ماله، كما قلنا في العتق المنجز.
فأما المجنون والصبي الذي ليس بمميز ... فلا يصح تدبيرهما؛ لأنه لا حكم لكلامهما. وهل يصح تدبير الصبي المميز ووصيته؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يصح. وهو قول أبي حنيفة واختيار المزني والشيخ أبي إسحاق؛ لأنه لا يصح عتقه، فلم يصح تدبيره، كالمجنون.
والثاني: يصح. وهو اختيار القاضي أبي حامد؛ لما روي: (أن قوما سألوا عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن غلام - من غسان - يافع لم يبلغ الحلم، وصى لبنت عمه، فأجاز وصيته) . وأما تدبير السفيه: فاختلف أصحابنا فيه:

(8/384)


فمنهم من قال: فيه قولان، كالصبي. قال المحاملي: وهذا أشبه بكلام الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ومنهم من قال: يصح تدبيره قولا واحدا؛ لأن الصبي ليس من أهل العقود، والسفيه من أهل العقود، ولهذا يصح طلاقه ويصح نكاحه بإذن الولي. ولم يذكر في " المهذب " غير هذا.

[مسألة التدبير المطلق والمقيد]
] : ويصح التدبير مطلقا ومقيدا بشرط.
(فالمطلق) هو: أن يقول: أنت حر بعد موتي، أو إذا أنا مت ... فأنت حر.
و (المقيد) : مثل أنا يقول: إن مت من هذا المرض، أو في هذا الشهر، أو في هذه السنة ... فأنت حر.
ويجوز تعليق التدبير إلى الشرط في حال الحياة، مثل أن يقول: إذا دخلت الدار ... فأنت حر بعد موتي، فإن دخل الدار قبل موت سيده.. صار مدبرا؛ لأنه علق التدبير بدخول الدار، فإن دخل الدار.. صار مدبرا.
فإن لم يدخل الدار حتى مات السيد، ثم دخلها.. لم يعتق؛ لأنه علق التدبير على شرط، فإذا مات السيد قبل وجود الشرط.. بطل الشرط، كما لو وكل وكيلا في بيع سلعة، فمات الموكل قبل البيع.. فإن البيع لا يصح.
ويجوز تعليق العتق على شرط بعد الموت، مثل أن يقول: إن دخلت الدار بعد موتي.. فأنت حر. فإذا مات السيد، ثم دخل العبد الدار..عتق؛ لأنه صرح بذلك، فحمل عليه، كما إذا قال لوكيله: إذا مت، فبع هذه السلعة.. فإنه يصير وصيا بذلك، وجاز بيعه بعد موته.

(8/385)


ويعتق العبد هاهنا من الثلث بالصفة لا بالتدبير؛ لأن التدبير هو أن يعلق عتقه بموته وحده، وهاهنا علقه بموته ودخول الدار بعده.
فإن دخل العبد الدار في حال حياة السيد ولم يدخلها بعد موته.. لم يعتق؛ لأنه شرط الدخول بعد الموت، ولم يوجد.

[فرع ألفاظ لا يقطع بالعتق فيها]
: قال في (الأم) : (إذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي، أو لست بحر، أو أنت مدبر، أو لست بمدبر، أو أنت حر أو لا.. لم يكن ذلك شيئًا؛ لأنه لم يقطع بالعتق) .
وإن قال: لعبده إذا قرأت القرآن ومت.. فأنت حر، فإن قرأ جميع القرآن قبل موت السيد.. عتق بموته. وإن قرأ بعضه.. لم يعتق؛ لأنه علق حريته بقراءة جميع القرآن.
وإن قال له: إذا قرأت قرآنًا ومت.. فأنت حر، فقرأ بعض القرآن قبل موت السيد.. عتق بموته.
والفرق بينهما: أن في الأولى عرف القرآن بالألف واللام، فاقتضى جميعه، وفي الثانية نكره، فاقتضى بعضه.
فإن قيل: فقد قال الله - تعالى -: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] {النحل:98} ولم يرد جميعه وإنما أراد أي شيء قرأ منه؟
قلنا: ظاهر اللفظ يقتضي جميعه، وإنما حملناه على بعضه بدليل.

[فرع تعليق العتق على مشيئة العبد]
: إذا قال لعبده: إن شئت فأنت حر بعد موتي، أو إذا شئت فأنت حر بعد موتي، أو أنت حر إن شئت بعد موتي، أو أنت حر إن شئت متى مت، أو أنت حر إن شئت إذا

(8/386)


مت.. فلا يصير مدبرًا في شيء من هذه المسائل حتى توجد المشيئة من العبد؛ لأنه علق التدبير على مشيئته. فإن وجدت المشيئة من العبد على الفور بحيث تكون جوابًا لكلام سيده.. صار العبد مدبرًا. وإن أخر العبد المشيئة حتى قام من المجلس.. لم يصر مدبرًا.
وإن وجدت منه المشيئة بعد أن سكت سكوتًا طويلًا، أو اشتغل بأمر وقبل أن يقوم من مجلسه.. فعلى وجهين، كالوجهين فيمن علق طلاق امرأته بمشيئتها.
وإن لم توجد منه المشيئة حتى مات السيد.. بطل التدبير؛ لأن الصفة المطلقة تقتضي وجودها قبل موت السيد.
وإن قال: متى شئت، أو أي وقت شئت فأنت حر بعد موتي.. فهذا تعليق تدبير بمشيئة العبد كالأولى، إلا أن هاهنا متى وجدت المشيئة من العبد في حياة السيد على الفور أو على التراخي في المجلس أو بعده.. صار مدبرًا؛ لأن قوله: متى، وأي وقت، يقتضي العموم.
وإن مات السيد قبل وجود المشيئة.. بطلت الصفة؛ لأن الصفة المطلقة تبطل بموت السيد.

[فرع تعليق التدبير بمشيئة العبد بعد موت السيد]
: وإن قال لعبده: إذا مت، فشئت، فأنت حر.. فقد علق عتقه بوجود المشيئة منه بعد موت سيده، فإن مات السيد فشاء العبد عقيب موته.. عتق؛ لأن الفاء توجب الترتيب والتعقيب. وإن لم يشأ العبد بعد الموت إلا بعد قيامه من مجلسه.. لم يعتق. وإن شاء في مجلسه بعد موت السيد وقد اشتغل بعد الموت بسكوت طويل أو أمر غيره.. فهل يعتق؟ على الوجهين في التي قبلها. وإن شاء العبد في حياة السيد لا غير.. لم يتعلق بهذه المشيئة عتق؛ لأن السيد شرط أن تكون المشيئة بعد موته.

(8/387)


وإن قال لعبده: إذا مت فمتى شئت، أو أي وقت شئت فأنت حر، أو قال: إذا مت فأنت حر متى شئت، أو أي وقت شئت.. فهي كالأولى، وأنه لا يعتق إلا إذا شاء بعد موت سيده، إلا أن في هذه يجوز أن تتراخى المشيئة عن الموت، سواء وجدت في المجلس أو بعده؛ لأن قوله: (متى شئت، أو أي وقت شئت) عام في الزمان.
فإن اكتسب العبد مالًا في هذه المسألة بعد موت سيده وقبل وجود المشيئة منه، أو كسب مالًا بعد موت سيده في المجلس قبل وجود المشيئة إذا علق العتق بمشيئته بعد الموت بقوله: فشئت، وقلنا: إن المشيئة في المجلس هي مشيئة على الفور.. فلمن يكون ذلك المال الذي اكتسبه إذا وجدت منه المشيئة؟
قال القاضي أبو الطيب: تكون نفقة العبد منه، وما بقي من نفقته فيه قولان، كما لو كسب العبد الموصى به لرجل مالًا بعد موت سيده وقبل قبول الموصى له، فإنه على قولين:
أحدهما: يكون الكسب للموصى له.
والثاني: يكون لورثة الموصي.
وقال ابن الصباغ: يكون الكسب هاهنا لورثة المعتق قولًا واحدًا.
والفرق بينهما: أن العبد هاهنا مملوك قبل وجود المشيئة منه.. فكان كسبه للورثة، بخلاف الموصى به، فإن الموصى له إذا قبل الوصية فيه.. تبينًا أنه ملكه بالموت في أحد القولين، فكذلك حكمنا له بملك الكسب في هذا القول.
فأما إذا قال لعبده: أنت حر إذا مت إن شئت، أو إذا شئت، أو إذا مت فأنت حر إن شئت، أو إذا شئت.. فقد قال البغداديون من أصحابنا: حكمها حكم ما لو قال: إذا مت فشئت فأنت حر.. فإنه لا يعتق إلا بوجود المشيئة بعد موت السيد.
وقال المسعودي في (الإبانة) : يحتمل أن يكون المراد به المشيئة في حياته، ويحتمل بعد الموت، فيرجع إليه، فإن لم يكن له نية.. فلا بد من المشيئة مرة في المجلس في حياة السيد ومرة بعد الموت، فإن شاء مرة واحدة.. قال: فالمشهور: أنه لا يعتق. وقيل: يحمل على المشيئة بعد الموت؛ لأنه الظاهر.

(8/388)


ويعتق العبد في جميع ذلك من الثلث؛ لأنه علق عتقه على موته، وأضاف إليه المشيئة، فهو كما لو علق عتقه على الموت وحده.

[مسألة علق عتقه ثم دبره أو العكس]
: إذا قال لعبده: إذا دخلت الدار فأنت حر، ثم دبره، أو دبره ثم قال له: إذا دخلت الدار فأنت حر.. صح، فإن دخل الدار قبل موت سيده.. عتق بالصفة. وإن مات السيد قبل أن يدخل الدار.. عتق بالتدبير؛ لأن كل واحد منهما صفة للعتق، فتعلق العتق بالسابق منهما.
وإن كاتب عبده ثم دبره.. صح ذلك فإن أدى قبل موت سيده.. عتق بالكتابة.
وإن مات السيد قبل الأداء، فإن خرج من الثلث.. عتق بالتدبير وبطلت الكتابة، وإن لم يخرج من الثلث.. عتق منه ما احتمله، وبقي الباقي منه مكاتبًا بحصته من المال؛ لأن كل واحد منهما سبب للعتق، فتعلق العتق بالسابق منهما، كما لو قال له: إن دخلت الدار.. فأنت حر، ثم قال له: إن كلمت زيدًا.. فأنت حر.
وإن كانت جارية فاستولدها، ثم دبرها.. لم يفد التدبير شيئًا؛ لأنها تعتق بموته من رأس المال، ويعتق المدبر من الثلث، فكان الاستيلاد أقوى.

[مسألة دبر أحد الشريكين نصيبه]
: وإن كان بين اثنين عبد فدبر أحدهما نصيبه منه وهو موسر.. صار نصيبه مدبرًا.
وهل يسري إلى نصيب شريكه؟ فيه قولان:
أحدهما: يسري إلى نصيب شريكه، ويلزمه دفع قيمة نصيب شريكه، ويصير الجميع مدبرًا، يعتق بموته. وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه استحق العتق بموت سيده، فسرى إلى نصيب شريكه، كما لو استولد جارية بينه وبين شريكه.
والثاني: أنه لا يقوم عليه نصيب شريكه، ولا يسري إليه التدبير. وهو اختيار

(8/389)


المزني وابن الصباغ، وهو المشهور من المذهب؛ لأن التدبير لا يقطع التصرف في رقبته بالبيع فلم يسر إلى نصيب الشريك، كما لو علق عتق عبد مشترك بينه وبين غيره على صفة. ويخالف الاستيلاد فإنه يمنع من البيع.
فعلى هذا: يصير نصفه مدبرًا ونصفه قنا.
فإن مات السيد الذي دبر نصيبه.. عتق نصيبه، ولا يقوم عليه نصيب شريكه؛ لأنه لا مال له حال العتق.
فإن أعتق الذي لم يدبر نصيبه قبل موت السيد الذي دبر نصيبه.. فهل يقوم نصيب المدبر على المعتق إن كان موسرًا؟ الحكم فيه حكم ما لو كان عبد بين شريكين فدبراه، فأعتق أحدهما نصيبه قبل موت شريكه.. فهل يقوم عليه نصيب شريكه إذا كان موسرًا؟ فيه قولان:
أحدهما: يقوم عليه؛ لأن المدبر كالقن في التصرف فيه بالبيع والهبة، فكان كالقن في العتق والسراية.
والثاني: لا يقوم عليه. وهو قول أبي حنيفة.
قال المحاملي: وهو الأصح؛ لأن الشريك قد استحق الولاء على نصيبه بموته، فلم يجز إبطال ذلك عليه بالتقويم.
فعلى هذا: لو رجع الشريك في تدبير نصيبه.. فالذي يقتضي المذهب: أنه يقوم على المعتق ويسري عتقه إلى جميعه؛ لأن المنع من التقويم إنما كان لما استحقه السيد من الولاء، وقد بطل ذلك برجوعه.

[فرع تدبير بعض العبد]
: وإن كان لرجل عبد فدبر بعضه.. صح ذلك كما يصح عتقه في بعض عبده، وهل يسري التدبير إلى جميعه؟
المنصوص للشافعي: (أنه لا يسري التدبير إلى باقيه) ؛ لأن التدبير ليس بإتلاف ولا سبب يوجب الإتلاف؛ لأنه يجوز بيعه، فلم يقتض السراية.

(8/390)


قال المحاملي: ويجيء فيه قول آخر: أن التدبير يسري إلى باقيه، مأخوذ من القول المحكي: إذا دبر أحد الشريكين نصيبه.. سرى إلى نصيب شريكه وقوم عليه إذا كان موسرًا.

[فرع دبرا عبدهما معًا]
: وإن كان عبد بين اثنين، فقال كل واحد منهما: إذا متنا فأنت حر.. فقد علق كل واحد منهما عتق نصيبه بموته وموت شريكه، فلا يصير العبد مدبرًا في الحال؛ لأن المدبر هو العبد الذي علق سيده عتقه بموته وحده، وهاهنا قد علق عتقه بموته وموت شريكه، فكان عتقًا معلقًا بصفة.
فإن ماتا معًا.. عتق نصيب كل واحد منهما من ثلث تركته بالصفة لا بالتدبير. وإن مات أحدهما قبل الآخر.. لم يعتق نصيب الميت أولًا قبل موت شريكه، وأما نصيب الثاني.. فإنه يصير مدبرًا؛ لأن عتق نصيبه الآن متعلق بموته وحده.
وهل لورثة الأول أن يتصرفوا في نصيبهم قبل موت الثاني بما يزيل الملك، كالبيع والهبة؟ فيه وجهان، حكاهما الطبري في (العدة) :
{أحدهما} : قال صاحب (التقريب) : لهم ذلك، كما لو علق عتق عبده على صفتين فوجدت إحداهما، فله أن يزيل ملكه عنه قبل وجود الأخرى.
و {الثاني} : قال غيره من أصحابنا: ليس لهم ذلك، وهو الأصح، كما لو قال لعبده: إذا مت فدخلت الدار.. فأنت حر، فأراد العبد دخول الدار، لم يكن للوارث منعه من الدخول، ولا بيعه، وكما لو قال: إذا مت ومضى يوم.. فأنت حر، فليس لهم بيعه قبل مضي اليوم، ولهم استخدامه قبل موت الثاني.
فإن كسب مالًا بعد موت الأول وقبل موت الثاني. ثم مات الثاني.. فلمن يكون ما يخص نصيب الأول من ذلك الكسب؟ فيه وجهان:

(8/391)


أحدهما: أنه لورثة الأول لا يقضى منه دينه، ولا تنفذ منه وصاياه.
والثاني: أنه من جملة تركة الأول، يقضى منه دينه وتنفذ منه وصاياه، بناء على الوجهين في جواز تصرف الورثة في رقبته.
فأما إذا قال كل واحد من الشريكين: أنت حبيس على آخرنا موتًا، فإذا مات عتقت.. فإنه لا يعتق نصيب أحدهما إلا بموته وموت شريكه كالأولى، إلا أن هاهنا إذا مات أحدهما.. كانت منفعة نصيبه موصى بها لشريكه إلى أن يموت الآخر منهما، فإذا مات.. عتق عليهما من ثلث تركتهما.

[مسألة جواز بيع المدبر]
: ويجوز للمولى بيع المدبر وهبته ووقفه، سواء كان التدبير مطلقًا أو مقيدًا. وروي ذلك عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وعمر بن عبد العزيز، وطاووس، ومجاهد، وهي إحدى الروايتين عن أحمد. والأخرى عنه: (يجوز بيعه لأجل الدين) .
وقال أبو حنيفة: (إن كان التدبير مقيدًا، بأن قال: إذا مت في هذا الشهر أو من هذا المرض فأنت حر.. جاز بيعه وهبته. وإن كان مطلقًا؛ بأن يقول: إذا مت فأنت حر.. لم يجز بيعه ولا هبته) .
وقال مالك: (لا يجوز بيعه ولا هبته بحال) .
دليلنا: ما روى جابر: «أن رجلًا - يقال له: أبو مذكور - كان له عبد قبطي- يقال

(8/392)


له: يعقوب - فأعتقه عن دبر منه، فبلغ ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فدعاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه منه نعيم بن النحام بسبعمائة أو بتسعمائة، قال جابر: مات وهو عبد في أول عام من إمارة ابن الزبير» .
ولأن عتق نصفه ثبت بقول السيد وحده، فلم يكن لازمًا، كما لو قال له: إن دخلت الدار.. فأنت حر، أو كما لو كان مقيدًا.

[فرع للسيد اكتساب المدبر واستخدامه]
: ويملك السيد اكتسابه واستخدامه. وإن كانت جارية.. ملك وطأها؛ لما روي: (أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دبر أمتين له، وكان يطؤهما بعد التدبير) . ولأن المدبر كالقن في البيع، فكان كالقن فيما ذكرناه.
وإن جني على المدبر، فإن كانت على الطرف.. فللسيد استيفاء القصاص فيها والأرش، ويكون المدبر باقيًا على تدبيره.
وإن جنى على نفسه عمدًا.. فللسيد استيفاء القصاص فيها، وإن كانت خطأ أو عمدًا لا قصاص فيها.. فللسيد أخذ الأرش فيها، وإذا أخذه.. ملكه.
فإن قيل: فهلا قلتم: تكون قيمته قائمة مقامه كقيمة الرهن؟
قلنا: الفرق بينهما: أن القيمة لا تكون مدبرة، ويمكن أن تكون القيمة رهنًا.

(8/393)


فإن قيل: هلا أخذتم بالقيمة عبدًا مدبرًا، كما جعلتم قيمة المرهون رهنًا؟
قلنا: الفرق بينهما: أن العبد المأخوذ بقيمته لا يكون بدله، وإنما يكون بدل قيمته، ولأن الرهن لازم، فتعلق ببدله، والتدبير ليس بلازم؛ لأنه يجوز إبطاله بالبيع.

[فرع جناية المدبر]
: وإن جنى المدبر على غيره، فإن كانت الجناية عمدًا، فاختار المجني عليه القصاص، فاقتص، فإن كان في النفس.. بطل التدبير، وإن كان في الطرف.. كان باقيًا على تدبيره. وإن كانت الجناية خطأ أو عمدًا فعفى المجني عليه على مال.. تعلق الأرش برقبة المدبر كالعبد القن.
وإن اختار السيد أن يفديه.. فبكم يلزمه أن يفديه؟ فيه قولان:
أحدهما: بأقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية.
والثاني: بأرش الجناية بالغًا ما بلغ، كالقولين في العبد القن.
فإن فداه.. سقط حكم الجناية وكان باقيًا على التدبير. وإن اختار أن يسلمه للبيع، فإن كان الأرش يستغرق قيمته.. بيع جميعه في الأرش. وإن كان الأرش لا يستغرق قيمته.. بيع منه بقدر أرش الجناية إن أمكن بيع ذلك، وكان الباقي على التدبير، إلا أن يختار السيد بيع جميعه، فيباع؛ لأن للسيد بيع المدبر بكل حال.
فإن مات السيد قبل أن يفديه وقبل بيعه.. فهل يعتق؟
إن قلنا: لا يصح عتق العبد الجاني.. لم يعتق، وكان الورثة بالخيار بين أن يفدوه أو يسلموه للبيع.
وإن قلنا: يصح عتق العبد الجاني.. عتق بالتدبير وأخذت القيمة من أصل التركة؛ لأنه عتق بسبب من جهته، فتعلق الأرش بتركته.
ولا يجب في التركة إلا أقل الأمرين من القيمة أو الأرش قولًا واحدًا؛ لأنه لا يمكن بيعه.

(8/394)


[مسألة دبر أمته فأتت بولد]
وإذا دبر أمته فأتت بولد من زواج أو زنًا لستة أشهر، فما زاد من وقت التدبير.. فإنه يحكم بأن الولد حدث بعد التدبير، وهل يتبع أمه في التدبير؟ فيه قولان:
أحدهما: يتبعها في التدبير. وبه قال عمر، وابن عمر، وابن مسعود، وأبو حنيفة، ومالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لأنها أمة تعتق بموت سيدها، فتبعها ولدها في حكمها، كولد أم الولد.
والثاني: لا يتبعها. وبه قال جابر بن زيد أبو الشعثاء.
قال المحاملي: وهو الأصح؛ لأن التدبير عقد يلحقه الفسخ، فلم يسر إلى الولد، كالرهن والوصية.
واختلف أصحابنا في موضع القولين:
فمنهم من قال: إنما بناهما الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على القولين في التدبير. فإن قلنا: إنه وصية.. لم يتبعها ولدها، كما لو وصى بأمة ثم أتت بولد، فإنه لا يتبعها. وإن قلنا: إنه عتق بصفة.. تبعها ولدها.
ومنهم من قال: القولان إنما هما على القول الذي يقول: التدبير عتق بصفة، فأما إذا قلنا:
إنه وصية.. فلا يتبعها قولًا واحدًا.

(8/395)


ومنهم من قال: إن القولين في الحالين، وهو الأصح؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قد نص على أنه: (إذا علق عتق أمة على صفة، ثم أتت بولد من نكاح أو زنًا.. فهل يتبعها؟ فيه قولان) . فلو كان ولد المدبرة إنما يتبعها إذا قلنا: إن التدبير عتق بصفة.. لكان يتبعها هاهنا قولًا واحدًا.
فإن قلنا: إن الولد لا يتبع الأم في التدبير.. كان مملوكًا للسيد يتصرف فيه كيف شاء.
وإن قلنا: إنه يتبعها، فإن ماتت الأم في حياة المولى، أو رجع في تدبيرها.. لم يبطل التدبير في ولدها؛ لأنهما مدبران، فلا يبطل تدبير أحدهما ببطلان تدبير الآخر.

[فرع دبر الأمة وهي حامل]
] وإن دبر الأم وهي حامل، فإن أتت بالولد لدون ستة أشهر من وقت التدبير.. فاختلف أصحابنا فيه:
فقال أكثرهم: يتبعها في التدبير قولًا واحدًا؛ لأنه يجري مجرى أعضائها.
ومنهم من قال: إن قلنا: إن الحمل له حكم.. تبعها في التدبير قولًا واحدا ً. وإن قلنا: لا حكم له.. فهو كما لو حدث بعد التدبير، وهل يتبعها؟ على قولين. وهذه على طريقة المسعودي [في الإبانة] ، واختيار المحاملي.
ولو دبر جارية فمات المولى وهي حامل.. عتقت وتبعها ولدها في العتق قولًا واحدًا، سواء كان موجودًا وقت التدبير أو حدث بعده، كما لو أعتق جارية حاملًا.

[فرع وطء المدبر الجارية الموهوب له]
] : وإن دبر عبده، ثم وهب له جارية، فأذن له في وطئها، فوطئها فأتت منه بولد.. فإنه لا حد على العبد ويلحقه نسب الولد للشبهة.
فإن قلنا بالقول الجديد، وأن العبد لا يملك إذا ملكه سيده.. فالولد باق على ملك السيد.

(8/396)


وإن قلنا بالقول القديم، وأن العبد يملك إذا ملكه سيده.. فالولد ابن العبد ومملوكه، ولا يعتق عليه؛ لأن ملكه غير تام عليه. وهل يتبعه في التدبير؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يتبعه؛ لأن الولد إنما يتبع أمه في الرق والحرية دون أبيه.
والثاني: يتبعه الولد في التدبير؛ لأن وطأه صادف ملكه، فتبعه ولده في حكمه، كالحر إذا وطئ أمة له.

[مسألة جواز رجوع السيد بالتدبير]
) : التدبير غير لازم قبل موت السيد، فيجوز للسيد الرجوع فيه بما يزيل الملك، كالبيع والهبة والوقف، لحديث جابر في بيع المدبر. وإذا ثبت الخبر في البيع.. قسنا عليه كل تصرف يزيل الملك.
وهل يصح الرجوع فيه بقوله: نقضت التدبير، وأبطلته، ورجعت فيه، وفسخته؟ فيه قولان:
(أحدهما) : قال في القديم وبعض كتبه الجديدة: (هو كالوصية فيصح الرجوع فيه بما يزيل الملك وبالفسخ) . وهو اختيار المزني؛ لأنه جعل للعبد نفسه، فهو كالوصية.
(والثاني) : قال في أكثر كتبه الجديدة: (هو كالعتق المعلق على الصفة، فلا يصح الرجوع فيه إلا بتصرف يزيل الملك) وهو الأصح؛ لأنه عتق معلق بصفة، فهو كما لو قال لعبده: إذا دخلت الدار فأنت حر.
وإن دبر عبده ثم وهبه لغيره ولم يقبضه.. فالمنصوص: (أنه رجوع) .
فمن أصحابنا من قال: هذا على القول الذي يقول: إنه وصية، فأما إذا قلنا: إنه عتق بصفة.. فلا يكون رجوعًا؛ لأن ملكه لم يزل عنه بذلك.

(8/397)


ومنهم من قال: هو رجوع على القولين؛ لأن الهبة سبب لإزالة الملك.
وإن دبر عبده، ثم كاتبه، فإن قلنا: إن التدبير وصية.. كانت الكتابة رجوعًا فيه. وإن قلنا: إنه عتق بصفة.. لم يكن رجوعًا، وكان كما لو كاتبه، ثم دبره.
وإن دبر عبده، ثم قال له: إن أديت إلى وارثي ألفا فأنت حر.. فالمنصوص: (أنه رجوع في التدبير) . فاختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: إنما ذلك إذا قلنا: إن التدبير وصية؛ لأنه عدل عن العتق بالتدبير إلى العتق بالمال، فكان رجوعًا فيه.. فأما إذا قلنا: إنه عتق بصفة.. فليس برجوع، بل إن خرج من الثلث.. عتق بالتدبير وبطل العتق بالمال.
ومنهم من قال: بل هو رجوع على القولين؛ لأن ذلك معاوضة مع العبد، فجرى مجرى البيع.
وإن دبر جارية ثم استولدها.. بطل التدبير؛ لأن العتق بالاستيلاد أقوى.
وإن دبر عبدًا ثم رجع في تدبير بعضه.. صح الرجوع فيما رجع فيه، كما يصح التدبير في بعضه، ولا يسري الرجوع إلى باقيه؛ لأن ذلك لا سراية له.

[فرع تدبير الحمل دون الجارية]
) : ويجوز تدبير حمل الجارية دون الجارية كما يجوز عتقه، ولا يسري ذلك إلى الجارية، كما لا يسري عتق الحمل إلى الأم.
فإذا أراد الرجوع في تدبير الحمل، فإن قلنا: يصح الرجوع فيه بلفظ الفسخ والإبطال وما أشبه.. رجع في تدبيره بذلك. وإن قلنا: لا يصح الرجوع في التدبير إلا بتصرف يزيل الملك كالبيع والهبة.. فلا يمكن ذلك في الحمل وحده.
فإن باع الأم: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في " الأم " (7/358) : (فإن قصد بالبيع الرجوع في تدبير الحمل.. صح البيع. وإن لم يقصد الرجوع في تدبير الحمل.. لم يصح البيع) .

(8/398)


واختلف أصحابنا في ذلك:
فقال المسعودي (في " الإبانة ") وبعض أصحابنا البغداديين: إن نوى بالبيع الرجوع في تدبير الحمل، صح البيع في الأم والحمل. وإن لم ينو بالبيع الرجوع في تدبير الحمل.. لم يصح البيع فيهما، كما لو باع الجارية واستثنى حملها.
وذهب الشيخ أبو حامد، وأكثر أصحابنا إلى: أنه يصح البيع فيهما، ويكون رجوعًا في تدبير الحمل سواء نوى الرجوع أو لم ينو؛ لأن البيع لا يفتقر إلى النية؛ ألا ترى أنه لو دبر عبدًا فباعه.. صح البيع، وكان رجوعًا في التدبير وإن لم ينو الرجوع.
وتأولوا قوله: (إن قصد بالبيع الرجوع في تدبير الحمل.. صح البيع) أراد: إذا باع الجارية مطلقًا ولم يستثن الحمل.. فإن البيع يصح فيهما.
وقوله: (وإن لم يقصد الرجوع في تدبير الحمل.. لم يصح البيع) أراد: إذا باع الجارية واستثنى حملها.. لم يصح البيع فيهما، كما لا يصح استثناء بعض أعضائها.

[فرع يتبع الولد الحادث الأم في التدبير]
) : إذا قلنا: إن الولد الحادث بعد التدبير، يتبع الجارية في التدبير فولدت أولادًا بعد التدبير.. تبعها الجميع في التدبير. فإن قال السيد قبل الولادة: كلما ولدت ولدًا فقد رجعت في تدبيره.. لم يصح هذا الرجوع؛ لأن الرجوع إنما يصح فيمن ثبت له حكم التدبير، وقبل أن تلد ما ثبت للولد حكم التدبير، فلم يصح الرجوع فيه، كما لو قال لعبده: إن دبرتك فقد رجعت في تدبيرك.. فلا يصح هذا الرجوع.

[فرع تدبير الصبي]
والسفيه والسفيه) : وإن دبر الصبي أو السفيه، وقلنا: يصح تدبيرهما، فإن قلنا: يصح هذا الرجوع بلفظ الفسخ.. صح رجوعهما بالفسخ.
وإن قلنا: لا يصح الرجوع إلا بتصرف يزيل الملك.. فلا يصح ذلك منهما؛ لأنه لا يصح بيعهما.

(8/399)


وإن باع وليهما العبد.. كان ذلك رجوعًا في تدبيرهما.
وإن دبر عبده، ثم خرس السيد، فأشار إلى الرجوع أو كتب ذلك، فإن قلنا: يصح الرجوع بالقول.. صح الرجوع، وإن قلنا: لا يصح الرجوع إلا بتصرف يزيل الملك.. لم يصح رجوعه بذلك، ولا ينصب له ولي؛ لأنه رشيد.
فإن أشار إلى البيع وفهم ذلك منه.. صح بيعه وكان ذلك رجوعًا في التدبير.

[مسألة الردة لا تبطل]
التدبير التدبير) وإن دبر عبده، ثم ارتد السيد.. فنص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (أن التدبير لا يبطل) واختلف أصحابنا فيه:
فقال أبو إسحاق المروزي: لا يبطل التدبير قولًا واحدًا؛ لأن الردة إنما تؤثر في العقود المستقبلية دون الماضية.
ومنهم من قال: هذه المسألة مبينة على الأقوال في ملك المرتد، فإن قلنا: إن ملكه قد زال بالردة.. بطل التدبير. وإن قلنا: إن ملكه موقوف.. كان تدبيره موقوفًا. وإن قلنا: إن ملكه باق. لم يبطل التدبير، وحمل نص الشافعي هاهنا على القول الذي يقول: إن ملكه باق لم يبطل التدبير. وإلى هذا أومأ صاحب " المهذب ".
ومنهم من قال: يبطل التدبير قولًا واحدًا؛ لأن المدبر يعتق من ثلث التركة، فلا يعتق حتى يحصل للورثة مثلاه.
قال ابن الصباغ: والأول أصح؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قال: (إذا دبر المرتد عبده.. فهل يصح تدبيره؟ فيه ثلاثة أقوال بناء على الأقوال في ملكه فإن قلنا: إن ملكه لا يزول بالردة.. صح تدبيره. وإن قلنا: إن ملكه يزول بالردة.. لم يصح

(8/400)


تدبيره. وإن قلنا: إن ملكه موقوف.. كان تدبيره موقوفًا) .
وقول من قال: لا يصح حتى يحصل للورثة مثلاه.. غير صحيح؛ لأن ماله للمسلمين، وقد حصل لهم مثلاه.

[فرع ردة العبد لا تبطل التدبير]
] : وإن دبر المسلم عبده فارتد العبد.. لم يبطل التدبير؛ لأن الملك باق عليه لا يبطل بالردة.
فإن كان العبد ذميًا فلحق العبد بدار الحرب فأسر.. وجب رده إلى سيده؛ لأن ملكه باق عليه. وإن أسر بعد أن مات سيده.. لم يجز استرقاقه؛ لأنه قد ثبت عليه لمولاه الولاء، فلا يجوز إبطال ذلك عليه.

[مسألة تدبير الكافر]
] : وإن دبر الكافر عبده الكافر.. صح تدبيره، سواء كان يهوديًا، أو نصرانيًا، أو مجوسيًا، أو وثنيًا. ولا فرق بين أن يكون ذميًا أو حربيًا، كما يصح عتقه.
فإن دخل الحربي دار الإسلام بأمان ومعه عبد مدبر، ثم أراد الرجوع به إلى دار الحرب.. لم يمنع منه؛ لأن ملكه باق عليه، فإن رجع في تدبيره.. فحكمه حكم المسلم إذا رجع في تدبيره على ما مضى.
وإن أسلم العبد قبل رجوع السيد، فإن رجع السيد في التدبير بالفسخ، وقلنا: يصح الرجوع به.. رجع المدبر قنا له، وأمر بإزالة ملكه عنه؛ لأن الكافر لا يقر على ملك المسلم.
وإن لم يرجع، أو رجع وقلنا: لا يصح.. ففيه قولان.
أحدهما: يباع عليه العبد. وهو اختيار المزني؛ لأن الكافر لا يقر على ملك المسلم، فبيع عليه كغير المدبر.
والثاني: لا يباع عليه. وهو قول أبي حنيفة.

(8/401)


قال المحاملي وهو الأشبه؛ لأنه إنما يباع لطلب الحظ للعبد لأن لا يجري عليه صغار في ملك الكافر، وهاهنا الحظ له أن لا يباع؛ لأنه قد ثبت له سبب العتق، فلا يجوز إبطال ذلك عليه بالبيع.
فعلى هذا: لا يترك في يد سيده؛ لأن في ذلك صغارًا على المسلم، بل يكون السيد بالخيار: بين أن يخارجه على شيء، وبين أن يتركه على يد مسلم ثقة، وينفق عليه من كسبه إن كان له كسب، ويكون الباقي من الكسب للسيد. وإن لم يكن له كسب.. أنفق عليه من ماله.
فإن مات السيد وخرج من الثلث.. عتق عليه. وإن لم يخرج من الثلث.. بيع ما رق منه على الورثة قولًا واحدًا؛ لأنه لم تبق له حرية منتظرة، فوجب بيعه.

[مسألة يرد جحود التدبير بعدلين]
] : قال الشافعي: (ولا يجوز على التدبير إذا جحد السيد إلا عدلان) .
وجملة ذلك: أن العبد إذا ادعى على سيده أنه دبره وأنكر السيد، فإن قلنا: إن التدبير عتق بصفة.. سمعت دعوى العبد؛ لأن السيد لا يملك إبطال الصفة بالرجوع. فإن كان مع العبد بينة.. ثبت التدبير، ولا يقبل فيه إلا شاهدان ذكران؛ لأنه شهادة على ما ليس بمال، ويطلع عليه الرجال. وإن لم يكن مع العبد بينة.. فالقول قول السيد مع يمينه؛ لأن الأصل عدم التدبير، فيحلف على القطع أنه ما دبره؛ لأنه يحلف على فعل نفسه، فإن نكل عن اليمين.. ردت اليمين على العبد، فيحلف لقد دبره، ويثبت التدبير. فإن ادعى السيد أنه قد باعه ثم اشتراه، وأقام على ذلك بينة.. قبل، ويقبل فيه شاهد وامرأتان؛ لأنه دعوى ملك.
وإن قلنا: إن التدبير وصية.. فهل تسمع دعوى العبد؟ فيه وجهان:
[أحدهما] : من أصحابنا من قال: لا تسمع دعواه؛ لأن السيد يملك الرجوع فيه بالقول، فكان إنكاره رجوعًا.
و [الثاني] : منهم من قال: تسمع دعواه، وهو ظاهر النص هاهنا؛ لأن الشافعي

(8/402)


- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قال في (الدعاوى والبينات) : (لو ادعى العبد على السيد التدبير، وأنكر السيد.. قلنا للسيد: لا تحتاج إلى اليمين، بل قل: قد رجعت في التدبير) فدل على أن الجحود ليس برجوع، ولأن الرجوع أن يقول: قد رجعت. فأما قوله: ما دبرتك.. فليس ذلك برجوع. ولأن المرأة لو ادعت على الرجل النكاح فأنكر.. لم يكن إنكاره طلاقًا، فكذلك هاهنا لا يكون إنكاره رجوعًا.
فعلى هذا: الحكم فيه حكم التدبير إذا قلنا: إنه عتق بصفة في سماع دعواه.
وإن مات السيد، وادعى العبد على الورثة أن السيد كان دبره، وأنكر الورثة.. سمعت دعوى العبد على القولين؛ لأنه لا يصح رجوعهم في التدبير.
فإن كان مع العبد شاهدان ذكران على التدبير.. عتق من الثلث. وإن لم يكن معه شاهدان.. حلف الورثة أنهم لا يعلمون أن مورثهم دبره؛ لأنهم يحلفون على نفي فعل غيرهم. فإن ادعى الورثة أن مورثهم رجع في التدبير، وأقاموا على ذلك شاهدين ذكرين.. حكم بصحة الرجوع. وإن أقاموا على الرجوع شاهدًا وامرأتين.. فيه وجهان، حكاهما الطبري في " العدة ".
أحدهما: يقبل منهم ذلك؛ لأن القصد من ذلك إثبات المال، فقبل منهم، كما لو أقام ذلك مورثهم.
والثاني: لا يقبل منهم؛ لأنهم ينفون حرية حاصلة بموت السيد.

[فرع دبر أمة ومات ولها ولد فاختلفوا]
] : وإن دبر أمة ومات، ومع الجارية ولد، فاختلفت هي والورثة، فقالت: ولدته بعد التدبير، فيتبعني في التدبير - وقلنا: إن ولدها يتبعها - وقال الورثة: بل ولدته قبل التدبير.. فالقول قول الورثة مع أيمانهم؛ لأن الأصل في الولد الرق.
وإن مات السيد وفي يدها مال، فقالت: كسبته بعد موت السيد فهو لي، وقال الورثة: بل كسبته قبل موته فهو لنا، ولا بينة.. فالقول قول المدبرة مع يمينها؛ لأن الأصل عدم ملك الورثة على المال.

(8/403)


فإن أقام الورثة بينة على المال أنها كسبته قبل موت السيد، وأقامت الجارية بينة أنها كسبته بعد موته.. قدمت بينة الجارية؛ لأن يدها عليه.
وإن أقام الورثة البينة أن المال كان في يدها في حياة السيد، فقالت الجارية: لم يكن لي وإنما أفدته بعد موت السيد.. فالقول قولها مع يمينها؛ لأن البينة إنما شهدت لها باليد وقد يكون في يدها لغيرها.

[مسألة تعليق العتق على صفة كالتدبير]
] : ويجوز تعليق العتق على صفة، مثل أن يقول: إن دخلت الدار فأنت حر، أو إن كلمت فلانًا فأنت حر؛ لأنه تعليق عتق على صفة، فهو كالتدبير.
فإن علق العتق على صفة في مرض موته فوجدت الصفة قبل موته أو قال في صحته: أنت حر في مرض موتي.. عتق من الثلث؛ لأنه قصد إلى الإضرار بالورثة، فكان من الثلث كالمدبر.
وإن علق العتق على صفة في الصحة فوجدت الصفة في الصحة.. عتق من رأس المال؛ لأنه لم يقصد الإضرار بالورثة.
وإن علق العتق على صفة في الصحة يجوز أن توجد في الصحة، ويجوز أن توجد في المرض، فوجدت في مرض الموت.. فنقل البغداديون من أصحابنا أنه يعتق من رأس المال؛ لأنه لم يقصد إلى إعتاقه في مرض الموت، فلم توجد منه تهمة في حق الورثة.
ونقل المسعودي [في " الإبانة "] في ذلك قولين:
أحدهما: هذا.
والثاني: أنه يعتق من ثلث التركة. وبه قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وليس بمشهور. وإن قال لعبده: أنت حر في آخر جزء من أجزاء صحتي المتصل بمرض موتي..

(8/404)


فقد قال بعض أصحابنا المتأخرين: إنه يعتق من رأس المال؛ لأن العتق تقدم على مرض الموت.
والذي يقتضي المذهب عندي: أنه يعتق من ثلث التركة؛ لأن هذه صفة لا توجد إلا بمرض الموت، فهو كما لو قال: إذا مرضت فأنت حر.

[فرع علق عتقها على صفة ثم حملت وولدت]
] : وإن علق عتق أمة على صفة، مثل أن يقول: إن دخلت الدار فأنت حرة، ثم حملت بولد وولدته قبل وجود الصفة.. فهل يتبعها الولد إذا وجدت الصفة في العتق؟
فيه قولان، كما قلنا في المدبرة. ولسنا نريد: أنه تنعقد للولد تلك الصفة حتى إذا دخل الدار عتق، وإنما نريد به: أنه يتبعها في حكم الصفة، وهو أن الأم إذا دخلت الدار.. عتقت وعتق الولد معها.
فإن مات السيد أو ماتت قبل وجود الصفة.. بطلت الصفة في الأم، وبطل حكمها في الولد؛ لأن الصفة إذا بطلت.. بطل حكمها، بخلاف ولد المدبرة، فإن الأمة إذا ماتت في حياة السيد.. لم يبطل ذلك في الولد؛ لأنه يتبعها في التدبير.

[فرع علق العتق إلى ما بعد موته بعشرة سنين]
] : فإن قال لأمته: أنت حرة بعد موتي بعشر سنين، فأتت بولد بعد موت السيد وقبل انقضاء العشر.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (يتبعها الولد) .
فمن أصحابنا من قال: فيه قولان كالذي يأتي به بعد عقد الصفة وقبل موت السيد.
ومنهم من قال: يتبعها هاهنا قولا واحدًا؛ لأن سبب عتقها قبل موت السيد غير مستقر؛ لأن للسيد إبطاله بإزالة ملكه عنها، وبعد موت السيد سبب عتقها مستقر؛ لأنه لا سبيل لأحد إلى إبطاله، فهي بمنزلة أم الولد، فيتبعها ولدها قولًا واحدًا.
قال المحاملي: ويجيء على قول هذا القائل أن الولد هاهنا يعتق من رأس المال، كما يعتق ولد أم الولد من رأس المال.

(8/405)


[فرع تعليق العتق يمنع الفسخ]
] : إذا علق عتق عبده على صفة.. لم يملك فسخه بالقول؛ لأن ذلك ليس بوصية فلا يملك رفعه بالفسخ.
فإن باعه أو وهبه.. صح؛ لأنه ملكه. فإن رجع إليه ملكه.. فهل يعود حكم الصفة؟ فيه قولان بناء على القولين فيمن علق طلاق امرأته على صفة، فبانت منه، ثم تزوجها.
وإن دبر عبده فباعه، ثم رجع إليه، فإن قلنا: إن التدبير وصية.. لم يعد التدبير، وإن قلنا: إنه عتق بصفة.. فهل تعود الصفة؟ على القولين.

[فرع دبر عبدين يزيدان عن الثلث فيقرع بينهما]
] : وإن قال لعبدين له أنتما حران بعد موتي ولم يحتمل الثلث إلا أحدهما.. أقرع بينهما.
وإن دبر أحدهما بعد الآخر.. ففيه وجهان، حكاهما ابن اللبان:
أحدهما: يقرع بينهما؛ لأن عتقهما وقع في حالة واحدة.
والثاني: يقسم الثلث بينهما؛ لأنه علم أنه أراد أن يوقع لكل واحد منهما حرية لا محالة.
ولو قال لجارية له في صحته لا مال له غيرها: هذه أم ولدي أو مدبرتي أو حرة، ومات قبل أن يبين.. عقت ثلثها؛ لأنه اليقين.
وإن قال لعبدين له: أنتما حران أو مدبران، ثم مات قبل أن يبين.. كانا مدبرين.
وبالله التوفيق

(8/406)