البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [كتاب الفرائض]
الأصل في الحث على تعلم الفرائض: ما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإنها نصف العلم، وهي أول ما ينسى، وأول شيء ينزع من أمتي» .
وروى ابن مسعود: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وسيقبض العلم، وتظهر الفتنة حتى يختصم الرجلان في الفريضة فلا يجدان أحدا يفصل بينهما» .

(9/7)


وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: (إذا لهوتم.. فالهوا بالرمي، وإذا تحدثتم.. فتحدثوا بالفرائض) .
وقال علقمة: إذا أردت أن تتعلم الفرائض.. فأمت جيرانك.
إذا ثبت هذا: فإن التوارث كان في الجاهلية بالحلف والنصرة، فكان الرجل يقول للرجل: تنصرني وأنصرك، وترثني وأرثك، وتعقل عني وأعقل عنك، وربما تحالفوا على ذلك. فإذا كان لأحدهما ولد.. كان الحليف كأحد أولاد حليفه، وإن لم يكن له ولد.. كان جميع المال للحليف، فجاء الإسلام والناس على هذا، فأقرهم الله تعالى على ذلك في صدر الإسلام بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] [النساء: 33] وروي: " أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حالف رجلاً، فمات، فورثه أبو بكر) . ثم نسخ ذلك وجعل التوارث بالإسلام والهجرة، فكان الرجل إذا أسلم وهاجر.. ورثه من أسلم وهاجر معه من مناسبيه دون من لم يهاجر معه من مناسبيه، مثل: أن يكون له أخ وابن مسلمان، فهاجر معه الأخ دون الابن فيرثه أخوه دون ابنه.

(9/8)


والدليل عليه: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] [الأنفال: 72] . ثم نسخ الله ذلك بالميراث بالرحم بقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6] [الأحزاب: 6] ، وفسر المعروف بالوصية.
وقال الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] [النساء: 7] فذكر: أن لهم نصيباً في هذه الآية ولم يبين قدره، ثم بين قدر ما يستحقه كل وارث في ثلاثة مواضع من كتابه، على ما نذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى.
إذا تقرر هذا: فإن الميت إذا مات.. أخرج من ماله كفنه وحنوطه ومؤنة تجهيزه من رأس ماله مقدما على دينه ووصيته، موسراً كان أو معسراً. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تعالى.
وقال الزهري: إن كان موسراً.. احتسب ذلك من رأس ماله، وإن كان معسراً احتسب من ثلثه.
وقال خلاس بن عمرو: يحتسب من ثلثه بكل حال.
دليلنا: ما روى خباب بن الأرت قال: «قتل مصعب بن عمير يوم أحد وليس له إلا نمرة، إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه خرج رأسه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر» ، ولم يسأل عن ثلث ماله.
وروي: أن الرجل الذي وقص وهو محرم، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما» ، ولم يعتبر الثلث.

(9/9)


ولأن الميراث إنما نقل إلى الورثة لاستغناء الميت عنه، وهذا غير مستغن عن كفنه ومؤنة تجهيزه، فقدم على الإرث.
ثم يقضى دينه إن كان عليه دين، ثم تخرج وصاياه، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] [النساء: 11] . وأجمعت الأمة: على أن الدين مقدم على الوصية.
وهل انتقل ماله إلى ورثته قبل قضاء الدين؟ اختلف أصحابنا فيه.
فذهب أكثرهم إلى: أنه ينتقل إليهم قبل قضاء الدين.
وقال أبو سعيد الإصطخري: لا ينتقل إليهم حتى يقضى الدين. هكذا ذكر الشيخان - أبو حامد وأبو إسحاق - عن أبي سعيد من غير تفصيل.
وأما ابن الصباغ: فحكي عنه: أنه إن كان الدين لا يحيط بالتركة.. فإن عند أبي سعيد الإصطخري: لا يمنع الدين من انتقال المال إلى الورثة إلا بقدره، واحتج بأنه لو بيع شيء من مال الميت بعد موته.. لكانت العهدة على الميت دون الورثة، فدل على بقاء ملكه.
فعلى هذا: إذا حدث من المال فوائد قبل قضاء الدين.. كان ذلك ملكا للميت، فيقضى منه دينه وينفذ منه وصاياه.
وقال أبو حنيفة: (إن كان الدين يحيط بالتركة.. منع انتقال الملك إلى الورثة، وإن كان الدين لا يحيط بالتركة.. لم يمنع انتقال الملك إلى الورثة) .
والمذهب: أن الدين لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة بحال، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] الآية: [النساء: 12] ، ولم يفرق.
ولأنه لا خلاف: في أن رجلاً لو مات وخلف ابنين وعليه دين، فمات أحدهما قبل قضاء الدين وخلف ابنا، ثم أبرأ من له الدين الميت عن الدين.. فإن تركة من كان عليه الدين تقسم بين الابن وبين ابن الابن، فلو كان الدين يمنع انتقال الملك إلى الورثة.. لكانت التركة للابن وحده.

(9/10)


فعلى هذا: إن حصل من التركة فوائد قبل قضاء الدين.. فإنها للورثة لا يتعلق بها حق الغرماء ولا الوصية.
وإن كان الدين أكثر من التركة، فقال الوارث: أنا أدفع قيمة التركة من مالي ولا تباع التركة، وطلب الغرماء بيعها.. فهل يجب بيعها؟ فيه وجهان بناء على العبد الجاني، إذا بذل سيده قيمته، وطلب المجني عليه بيعه، وكان الأرش أكثر من قيمته.. فهل يجب بيعه؟ فيه قولان.

[مسألة: أصناف الإرث والوارثين والتعريف بأولي الأرحام]
] : ثم يصرف مال الميت بعد قضاء الدين وإخراج وصيته إلى ورثته.
والإرث ضربان: عام وخاص.
فأما (العام) : فهو أن يموت رجل من المسلمين ولا وارث له خاص.. فإن ماله ينتقل إلى المسلمين إرثا بالتعصيب، يستوي فيه الذكر والأنثى، وهل يدخل فيه القاتل؟ فيه وجهان.
وأما (الإرث الخاص) : فيكون بأحد أمرين: بسبب أو نسب.
فأما (السبب) : فينقسم قسمين: ولاء ونكاحاً.
فأما (الولاء) : فقد مضى بيانه.
وأما (النكاح) : فهو إرث أحد الزوجين من الآخر على ما يأتي بيانه.
وأما (النسب) : فهم الوارثون من القرابة من الرجال والنساء.
فالرجال المجمع على توريثهم: خمسة عشر، منهم أحد عشر لا يرثون إلا بالتعصيب، وهم: الابن، وابن الابن وإن سفل، والأخ للأب والأم، والأخ للأب، وابن الأخ

(9/11)


للأب والأم، وابن الأخ للأب، والعم للأب والأم، والعم للأب، وابن العم للأب والأم، وابن العم للأب، والمولى المعتق.
فكل هؤلاء لا يرث واحد منهم فرضاً، وإنما يرث تعصيباً إلا الأخ للأب والأم.. فإنه قد يرث بالفرض في المشتركة لا غير، على ما نذكره في موضعه.
واثنان من الرجال الوارثين يرثان تارة بالفرض، وتارة بالتعصيب، وتارة بالفرض والتعصيب معا، وهما: الأب، والجد أبو الأب وإن علا.
واثنان لا يرثان إلا بالفرض لا غير، وهما: الأخ للأم، والزوج.
وأما النساء المجمع على توريثهن: فعشر، وهن: الابنة، وابنة الابن وإن سفلت، والأم، والجد أم الأم، والجدة أم الأب، والأخت للأب والأم، والأخت للأب، والأخت للأم، والزوجة، والمولاة المعتقة.
فأربع منهن يرثن تارة بالفرض وتارة بالتعصيب، وهن: الابنة، وابنة الابن، والأخت للأب والأم، والأخت للأب.
وخمس منهن لا يرثن إلا بالفرض، وهن: الأم، وأم الأم، وأم الأب، والأخت للأم، والزوجة.
وواحدة منهن لا ترث إلا بالتعصيب، وهي: المولاة المنعمة.
والورثة من الرجال والنساء ينقسمون ثلاثة أقسام: قسم يدلي بنفسه، وقسم يدلي بغيره، وقسم قد يدلي بنفسه وقد يدلي بغيره.
فأما (القسم الذي يدلي بنفسه) : فهم ستة: الأب، والأم، والابن، والابنة، والزوج، والزوجة. وهؤلاء لا يحجبون بحال.

(9/12)


وأما (القسم الذي يدلي بغيره) : فهو من عدا من ذكرنا من القرابات، وقد يحجبون.
وأما (القسم الثالث الذي قد يدلي بنفسه مرة وبغيره أخرى) : فهو من يرث بالولاء، وقد يحجب أيضاَ.
وقد ورد الشرع بتوريث جميع من ذكرنا، على ما يأتي بيانه.
وأما (ذوو الأرحام) وهم: ولد البنات، وولد الأخوات، وبنات الإخوة، وولد الإخوة للأم، والخال، والخالة، والعم للأم، والعمة، وبنات الأعمام، وكل جد بينه وبين الميت أم، ومن يدلي بهؤلاء. فاختلف أهل العلم في توريثهم على ثلاثة مذاهب:
فـ[الأول] : ذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلى: أنهم لا يرثون بحال. وبه قال من الصحابة: زيد بن ثابت وابن عمر. وهي إحدى الروايتين عن عمر، ومن الفقهاء: الزهري ومالك والأوزاعي وأهل الشام وأبو ثور.
و [الثاني] : ذهبت طائفة إلى: أنهم يرثون ويقدمون على المولى والرد. وذهب إليه من الصحابة: علي بن أبي طالب وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء، وهو الصحيح عن عمر.
[والثالث] : ذهب الثوري وأبو حنيفة إلى: (أن ذوي الأرحام يرثون ولكن يقدم عليهم المولى والرد، فإن كان له مولى منعم.. ورث، وإن لم يكن له مولى منعم، وهناك من له فرض كالابنة والأخت.. كان الباقي لصاحب الفرض بالرد، وإن لم يكن هناك أحد من أهل الفروض.. ورث ذوو الأرحام) ، وبه قال بعض أصحابنا إن لم

(9/13)


يكن هناك إمام عادل، وهي إحدى الروايتين عن علي إلا أنها رواية شاذة، ولا سلف لأبي حنيفة في مذهبه غير هذه الرواية الشاذة.
دليلنا: ما روى أبو أمامة الباهلي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث» . فظاهر الخبر يقتضي: أنه لا حق في الميراث لمن لم يعطه الله شيئا، وجميع ذوي الأرحام لم يعطهم الله في كتابه شيئاً، فثبت: أنه لا ميراث لهم.
وروى أبو سلمة، عن أبي هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن ميراث العمة والخالة، فقال: " لا أدري حتى يأتي جبريل "، ثم قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أين السائل عن ميراث العمة والخالة؟ أتاني جبريل فسارني: أن لا ميراث لهما» .
وروى عطاء بن يسار، عن ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأتي قباء على حمار أو

(9/14)


حمارة، يستخير الله في ميراث العمة والخالة، فأنزل الله عز وجل: أن لا ميراث لهما» .
ولأن كل من لم يرث مع من هو أبعد منه.. لم يرث إذا انفرد، كابنة المولى، لأن ابنة المولى لما لم ترث مع ابن ابن المولى - وهو أبعد منها - لم ترث أيضاً إذا انفردت. وكذلك العمة لما لم ترث مع ابن العم - وهو أبعد منها - لم ترث أيضا إذا انفردت. ولأن ابنة الأخ لما لم ترث مع أخيها.. لم ترث إذا انفردت، كابنة المولى، وعكسه الابنة والأخت، لأنهما لما ورثتا مع أخيهما.. ورثتا إذا انفردتا.

[فرع: لا توارث بالموالاة عندنا]
] : مولى الموالاة لا يرث عندنا بحال، وهو أن يقول رجل لآخر: واليتك على أن ترثني وأرثك، وتنصرني وأنصرك، وتعقل عني وأعقل عنك. ولا يتعلق بهذه الموالاة عندنا حكم إرث ولا عقل ولا غيره. وبه قال زيد بن ثابت. ومن التابعين: الحسن البصري والشعبي. ومن الفقهاء: الأوزاعي ومالك.
وذهب النخعي إلى: أن هذا العقد يلزم بكل حال، ويتعلق به التوارث والعقل، ولا يكون لأحدهما فسخه بحال.
وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (مولى الموالاة يرث، ولكنه يؤخر عن المناسبين والمولى، وهو عقد جائز، لكل واحد منهما فسخه ما لم يعقل أحدهما عن الآخر، فإذا عقل.. لزمه ذلك ولم يكن له سبيل إلى فسخه) .
دليلنا: ما روي: «أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أرادت أن تشتري بريرة، فامتنع أهلها من بيعها إلا على أن يكون الولاء لهم، فقال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اشتري واشترطي لهم الولاء "، فاشترتها واشترطت لهم الولاء، فصعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنبر، فقال: " ما بال

(9/15)


أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ كل شرط ليس في كتاب الله.. فهو باطل، كتاب الله أحق، وشرطه أوثق، والولاء لمن أعتق» ، فجعل جنس الولاء للمعتق فلم يبق، ولا يثبت لغيره.
ولأن كل سبب لم يورث به مع وجود السبب.. لم يورث به مع فقده، كما لو أسلم رجل على يد رجل. ولأن عقد الموالاة لو كان سبباً يورث به.. لم يجز فسخه وإبطاله، كالنسب والولاء.

[مسألة: الكافر والمسلم لا يتوارثان]
] : لا يرث الكافر من المسلم بلا خلاف، وأما المسلم: فلا يرث الكافر عندنا. وبه قال علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وزيد بن ثابت. وهو مذهب الفقهاء كافة. وقال معاذ ومعاوية: (يرث المسلم من الكافر) .
دليلنا: ما روى أسامة بن زيد الليثي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» .
وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يتوارث أهل ملتين شتى» ، الإسلام والكفر ملتان شتى، فوجب أن لا يتوارثا. ِِ

(9/16)


[فرع: يتوارث أهل الملة وحكم من دخل إلينا من أهل الحرب]
] : ويرث الكافر من الكافر إذا اجتمعا في الذمة أو في الحرب.
فيرث اليهودي من النصراني، ويرث النصراني من اليهودي، وكذا المجوسي إذا جمعتهم الذمة أو كانوا حربا لنا.
فأما أهل الحرب وأهل الذمة: فإنهم لا يتوارثون وإن كانوا من اليهود أو النصارى. وبه قال من الصحابة: عمر وعلي وزيد بن ثابت. ومن الفقهاء: مالك والثوري وأبو حنيفة. هذا نقل أصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي [في " الإبانة " ق \ 375] : الذمي هل يرث الحربي؟ فيه قولان: أحدهما: يرثه؛ لأن ملتهما واحدة.
والثاني: لا يرثه، لأن حكمنا لا يجري على الحربي.
هذا مذهبنا، وذهب الزهري والأوزاعي وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق إلى: (أن اليهودي لا يرث من النصراني، ولا النصراني من اليهودي وإن جمعتهما الملة، وإنما يرث النصراني من النصراني، واليهودي من اليهودي) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يرث المسلم الكافر» . دليله: أن غير المسلم يرث الكافر. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ولا الكافر المسلم» . دليله: أنه يرث غير المسلم.
ويرث أهل الحرب بعضهم بعضاً إذا تحاكموا إلينا وإن اختلفت دارهم وكان بعضهم يرى قتل بعض. وحكم من دخل إلينا بأمان أو رسالة أو تجارة.. حكم أهل الذمة، ويرث بعضهم من بعض.

(9/17)


ومتى كانت امرأة الكافر ذات رحم منه من نسب أو رضاع.. لم يتوارثا بالنكاح، وإن كانت غير ذات رحم محرم منه ممن لو أسلما أقرا على ابتداء النكاح.. أقرا على نكاحهما، وتوارثا بالنكاح وإن عقدا بغير ولي ولا شهود.

[فرع: ميراث المرتد لبيت المال عندنا]
] : قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وميراث المرتد لبيت المال) .
وجملة ذلك: أن العلماء اختلفوا في إرث مال المرتد بعد موته على أربعة مذاهب:
فـ[الأول] : ذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلى: أن ماله لا يورث، بل يكون فيئا لبيت المال، سواء في ذلك ما اكتسبه في حال إسلامه أو في حال ردته، وسواء قلنا: إن ملكه يزول، أو لا يزول، أو موقوف. وبهذا قال ابن عباس، وهي إحدى الروايتين عن علي. وبه قال ربيعة ومالك وابن أبي ليلى وأحمد.
[والثاني] : ذهب ابن مسعود إلى: (أن جميع ما يخلفه لورثته، سواء كسبه قبل الردة أو بعدها) . وهي إحدى الروايتين عن علي، وبه قال الأوزاعي وأبو يوسف ومحمد.
و [الثالث] : ذهب قتادة وعمر بن عبد العزيز إلى: أن ماله يكون لأهل الملة التي انتقل إليها، فإن انتقل إلى اليهود..كان ماله لهم، وإن انتقل إلى النصارى.. كان ماله لهم.
و [الرابع] : قال أبو حنيفة والثوري: (ما اكتسبه قبل الردة.. ورث عنه، وما اكتسبه بعد الردة.. يكون فيئاً) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» ، والمرتد كافر. ولأنه لا يرث بحال، فلم يورث كالكافر.

(9/18)


والجواب على أبي حنيفة هو: أن كل من لم يرث المسلم ما اكتسبه في حال إباحة دمه.. لم يرث ما اكتسبه في حال حقن ٍدمه، كالذمي إذا لحق بدار الحرب.
إذا ثبت هذا: فهل يخمس مال المرتد؟ فيه قولان، يأتي بيانهما في موضعهما إن شاء الله تعالى.

[مسألة: لا يرث العبد أقاربه الأحرار ولا يرثهم عندنا]
] : إذا مات العبد وفي يده مال.. لم ترثه قراباته الأحرار، لأن من الناس من يقول: إنه لا يملك المال، ومنهم من يقول: إنه يملك المال، ومنهم من يقول: إنه يملكه إذا ملكه السيد ولكنه ملك ضعيف يزول بزوال ملك سيده عن رقبته. ولهذا: إذا باعه.. زال ملك العبد عنه. وإذا مات العبد.. فقد زال ملك العبد عن المال، فيصير كمن مات ولا مال له.
وأما إذا مات للعبد مناسب يملك المال.. فإن العبد لا يرثه عندنا. وبه قال كافة أهل العلم.
وقال ابن مسعود: (يشتري نفسه ببعض التركة فيعتق، ثم يدفع إليه الباقي) .
وقال طاووس: يرث العبد ويدفعه إلى مولاه.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] [النحل: 75] ، فنفى أن يقدر العبد على شيء، والإرث شيء.
وقَوْله تَعَالَى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ} [الروم: 28] [الروم: 28] ، فثبت بهذا: أن العبد لا يرث، لأن الميراث مما رزقه الله للأحرار، وهو يشارك الحر فيما رزقه الله.
ولأن العبد لا يملك المال، فلم يرث، كالبهيمة.
وحكم المكاتب والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة. حكم العبد في الميراث، لأنهم ناقصون بالرق.

(9/19)


[فرع: إرث المبعض]
] : وأما من نصفه حر ونصفه مملوك: فإنه لا يرث بنصفه الحر.
وحكى المسعودي [في " الإبانة " ق \ 375] عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن أبي ليلى، وعثمان البتي، والمزني: أنهم قالوا: (يرث بنصفه الحر) .
وهذا غلط، لأنه ناقص بالرق، ولهذا لا تقبل شهادته ولا يتزوج أربعا ولا يطلق ثلاثاً، هو كما لو لم يعتق شيء منه.
وهل يرث عنه ورثته الأحرار ما جمعه بنصفه الحر؟ فيه قولان:
[أحدهما] : قال في الجديد، (يرثه ورثته المناسبون، فإن لم يكن له مناسب. كان كمن أعتق نصفه) ، لأنه مال ملكه بما فيه من الحرية، فورثه ورثته المناسبون، كالحر.
و [الثاني] : قال في القديم: (لا يرثه ورثته المناسبون) ، لأنه ناقص بالرق، فلم يرثه المناسبون له، كالعبد. ولأنه لا يرث بحال، فلم يورث كالمرتد.
فإذا قلنا بهذا: فلمن يكون ما جمعه بما فيه من الحرية؟ فيه وجهان: أحدهما - وهو المنصوص -: (أنه يكون لمالك نصفه) ، لأنه لا يجوز أن يكون لمناسبه، لأن المناسب يأخذ المال إرثا وهذا لا يورث، ولا يجوز أن يكون لمولاه الذي اعتق نصفه بالولاء، لأن الولاء أضعف من النسب، فإذا يستحقه المناسب.. فالمعتق أولى، فلم يبق إلا أن يكون لمن يملك نصفه.
والثاني - وهو قول أبي سعيد الإصطخري -: أنه يكون لبيت المال، لأنه لا يجوز أن يكون لمناسبه ولا لمن أعتق نصفه، لما ذكرناه في الأول، ولا يجوز أن يكون لمالك نصفه، لأنه ملكه بنصفه الحر، ولا ملك لمالك نصفه في ذلك النصف ولا

(9/20)


ولاء، فلم يبق إلا أنه يكون لبيت المال. هذا نقل البغداديين من أصحابنا.
وقال المسعودي [في " الإبانة " ق \ 375] : إذا قلنا بقوله الجديد فمات، فإن لم يكن بينه وبين سيده مهايأة.. كان لمالك نصفه النصف من الذي في يده، والنصف للوارث. وإن كان بينهما مهايأة، وقد أعطى السيد حقه وبقي حقه في يده.. ففيه وجهان:
أحدهما: أنه لورثته، لأن السيد قد أخذ حقه.
والثاني: أنه بين السيد وبين الورثة نصفان؛ لأنه شخص لا يورث إلا بعض ماله، فلم يكن للورثة إلا بعض ما في يده.
وإن قلنا بقوله القديم ومات وفي يده مال، فإن كان قد أعطى السيد حقه.. كان فيمن يستحق ما بقي بيده وجهان:
أحدهما: أنه لمالك نصفه.
والثاني: أنه لبيت المال.
وإن كان لم يعط السيد حقه من الكسب، بل الجميع في يده.. كان لمالك نصفه نصف ما بيده، وفي النصف الباقي وجهان:
أحدهما: أن جميع ذلك النصف لبيت المال.
والثاني: أن لبيت المال نصف ذلك النصف، والنصف لمالك نصفه.
وإن كان بينه وبين مالك نصفه مهايأة، وكان ما بقي في يده خالص ملكه.. ففيه وجهان:

(9/21)


أحدهما: أنه لبيت المال.
والثاني: أن نصفه لمالك نصفه. ونصفه لبيت المال.

[فرع: خلف أولاداً مسلمين أحراراً ومملوكين وكافرين]
] : إذا مات مسلم حر وخلف أولادا أحراراً مسلمين، وأولاداً مملوكين مسلمين، وأولاداً كفاراً.. ورثه الأولاد المسلمون الأحرار.
فإن أسلم الكفار أو أعتق العبيد بعد قسمة الميراث.. لم يشاركوا في الإرث بلا خلاف.
وإن أسلموا أو أعتقوا بعد موت أبيهم وقبل قسمة تركته.. لم يشاركوا في الميراث عندنا، وبه قال أكثر أهل العلم.
وقال عمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: (إذا أسلموا أو أعتقوا قبل القسمة. شاركوا في الإرث) .
دليلنا: أن كل من لم يرث حال الموت.. لم يرث بعد ذلك، كما لو أسلم أو أعتق بعد القسمة.

[فرع: دبر أخاه فمات أو علق عتقه على موته]
أو آخر جزء من حياته] : وإن دبر رجل أخاه فمات.. عتق، ولم يرث من أخيه شيئاَ، لأنه صار حرا بعد الموت.
قال الشيخ أبو إسحاق: فإن قال: أنت حر في آخر جزء من حياتي المتصل بالموت، ثم مات.. عتق من ثلثه، وهل يرثه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يرثه، لأن العتق في المرض وصية، والإرث والوصية لا يجتمعان.

(9/22)


والثاني: يرثه، ولا يكون عتقه وصية؛ لأن الوصية ما يملك بموت الموصي، وهذا لم يملك نفسه بموته.
وإن قال له في مرض موته: إن مت بعد شهر فأنت اليوم حر، فمات بعد شهر.. عتق يوم تلفظ، وهل يرثه؟ على الوجهين.

[مسألة: القاتل لا يرث عندنا]
] : قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (والقاتلون عمداً أو خطأ لا يرثون) . وجملة ذلك: أن العلماء اختلفوا في ميراث القاتل من المقتول.
فذهب الشافعي إلى: أن القاتل لا يرث المقتول، لا من ماله ولا من ديته، سواء قتله عمداً أو خطأ، أو مباشرة أو بسبب، لمصلحة - كسقي الدواء أو بط الجرح- أو لغير مصلحة، متهما كان أو غير متهم، وسواء كان القاتل صغيراً أو كبيراً، عاقلاً كان أو مجنوناً. وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وعمر بن عبد العزيز وأحمد بن حنبل.
وقال أبو إسحاق: من أصحابنا من قال: إذا كان القاتل غير متهم، بأن كان حاكماًً، فجاء مورثه فأقر عنده بقتل رجل عمداً، فطلب وليه القود، فمكنه الحاكم من قتله، أو اعترف عنده بالزنا وهو محصن فرجمه، أو اعترف بقتل المحاربة فقتل.. فإنه يرثه، لأنه غير متهم في قتله. ومن أصحابنا من قال: إن كان القتل مضموناً..لم يرث القاتل، لأنه قتل بغير حق. وإن كان غير مضمون، بأن قتله قصاصاً، أو في الزنا، أو كان باغياً فقتله العادل، وما أشبه ذلك.. ورث؛ لأنه قتله بحق، فلم يمنع الإرث.
وقال عطاء وابن المسيب ومالك والأوزاعي: (إن كان القتل عمداً.. لم يرث

(9/23)


القاتل لا من ماله ولا من ديته، وإن كان القتل خطأ.. ورث ماله ولم يرث من ديته) .
وقال أبو حنيفة وأصحابه: (إن قتله مباشرة.. فلا يرثه، سواء قتله عمداً أو خطأ، إلا إن كان القاتل صبياً أو مجنوناً أو عادلا فقتل الباغي.. فإنهم يرثون. وإن قتله بسبب، مثل: أن حفر بئرا أو نصب سكينا فوقع عليها مورثه، أو كان يقود دابة أو يسوقها فرفسته.. فإنه يرثه) . وإن كان راكبا للدابة فرفست مورثه أو وطئته فمات.. فقال أبو حنيفة: (لا يرثه) .
وقال أبو يوسف ومحمد: يرثه.
دليلنا: ما روى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «لا يرث القاتل شيئاً» . وروى عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يقاد والد بولده، وليس للقاتل شيء» . وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يرث القاتل» .
وهذه نصوص في أن القاتل لا يرث، ولم تفرق بين العمد والخطأ، والبالغ

(9/24)


والصغير، وعن المضمون وغير المضمون. ولأنه معني أسقط إرثه من الدية، فأسقط إرثه من المال، كالرق والردة، وعكسه الجنون والصغر.
فإن قيل: إنما لم يرث الدية؛ لأن العاقلة تعقل عنه، فلا يجوز أن تعقل عنه له!
فالجواب: أن العاقلة قد تعقل عنه له، وهو: أن رجلا لو كان له ابنان، فقتل أحدهما أباه خطأ.. ورثه ابنه الذي لم يقتل، فلو مات الأخ الوارث للأب.. ورثه الأخ القاتل وورث الدية التي على العاقلة، وكانت العاقلة تعقل عنه له.

[فرع: الشهادة على القتل هل تمنع من الإرث]
فرع: [الشهادة على القتل تمنع الإرث] وإن شهد شاهدان على رجل بقتل العمد فقتل بشهادتهما.. لم يرثه الشاهدان؛ لأنه قتل بشهادتهما، فهو كما لو باشرا قتله.
وكذلك إن شهد أربعة على رجل بالزنا وهو محصن فقتل، أو شهد عليه شاهدان بالإحصان وزنا ثم قتل.. لم ترثه الشهود، لما ذكرناه.

[مسألة: إرث المطلقة في مرض الموت]
] وإذا طلق الرجل امرأته في مرض موته.. وقع الطلاق، وهو إجماع لا خلاف فيه؛ لأن المرض لا يزيل التكليف، فهو كالصحيح.
فإن كان الطلاق رجعيا، فمات وهي في العدة، أو ماتت قبله في العدة.. ورث أحدهما صاحبه بلا خلاف أيضاً، لأن الرجعية حكمها حكم الزوجة إلا في إباحة وطئها، فهي كالحائض.
وإن كان الطلاق بائناً، فإن ماتت قبل الزوج.. لم يرثها الزوج، وهو إجماع أيضا لا خلاف فيه. وإن مات الزوج قبلها.. فهل ترثه؟ فيه قولان: قال في القديم: (ترثه) . وبه قال عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ومن الفقهاء ربيعة، ومالك، والأوزاعي، والليث، وسفيان بن عيينة،

(9/25)


وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة، وأصحابه، وأحمد.
ووجه هذا: ما روي: أن عمر قال: (المبتوتة في حال المرض ترث من زوجها) . وروي: (أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر بنت أصبغ الكلبية في مرض موته، فورثها منه عثمان بن عفان) . وروي: (أن عثمان لما حوصر طلق امرأته، فورثها منه علي بن أبي طالب، وقال: كان قد أشرف على الموت) . ولأنه متهم في قطع ميراثها، فغلظ عليه وورثت منه، كالقاتل لما كان متهما في القتل لاستعجال الميراث.. غلظ عليه، فلم يرث.
وقال في الجديد: (لا ترثه) . وبه قال عبد الرحمن بن عوف، وابن الزبير، وأبو ثور، وهو الصحيح، لأنها فرقة تقطع ميراثه عنها فقطعت ميراثها منه، كما لو أبانها في حال الصحة، وعكسه الرجعية. ولأنها فرقة لو وقعت في الصحة.. لقطعت ميراثها عنه، فإذا وقعت في المرض.. قطعت ميراثها عنه، كاللعان. ولأنها ليست بزوجة له، بدليل: أنها لا يلحقها طلاقه ولا إيلاؤه ولا ظهاره ولا عدة وفاته، فلم ترثه، كالأجنبية. وأما ما روي عن عمر وعثمان وعلي: فإن ابن الزبير وعبد الرحمن بن عوف خالفاهم في ذلك، فإن ابن الزبير قال: (أما أنا: فلا أرى أن ترث مبتوتة) ، وعبد الرحمن بن عوف إنما طلق امرأته في مرض موته ليقطع ميراثها عنه.
فإذا قلنا بقوله الجديد.. فلا تفريع عليه.

(9/26)


وإذا قلنا بقوله القديم.. فإلى متى ترثه؟ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ترثه ما دامت في عدتها منه، فإذا انقضت عدتها منه.. لم ترثه - وبه قال أبو حنيفة وسفيان والليث والأوزاعي، وإحدى الروايتين عن أحمد - لأن الميراث للزوجة إنما يكون لزوجة أو لمن هي في حكم الزوجات، فما دامت في عدتها منه.. فهي في حكم الزوجات، وإذا انقضت عدتها.. فليست بزوجة ولا في حكم الزوجات.
والثاني: أنها ترثه ما لم تتزوج بغيره، فإذا تزوجت بغيره لم ترثه - وبه قال ابن أبي ليلى، وهي الرواية الصحيحة عن أحمد - لأن حقها قد ثبت في ماله، فإذا لم يسقط ببينونتها.. لم يسقط بانقضاء عدتها، وإنما يسقط برضاها، فإذا تزوجت.. فقد رضيت بفراقه، وقطع حقها عنه.
والثالث: أنها ترثه أبدا، سواء تزوجت أو لم تتزوج - وبه قال مالك - لأنها قد ثبت لها حق في ماله، فإذا لم يسقط ببينونتها.. لم يسقط بانقضاء عدتها ولا بتزويجها، كمهرها.

[فرع: الإقرار في مرض الموت بطلاق الزوجة في حال الصحة]
فرع: [أقر في مرض موته بطلاق زوجته في صحته ثلاثاً] : إذا أقر في مرض موته: [أنه قد كان طلق امرأته في صحته ثلاثاً.. بانت منه.
قال الشيخ أبو حامد: ولا ترثه قولاً واحداً، لأن ما أقر به في مرض موته وأضافه إلى حال الصحة.. كالذي يفعله في الصحة، كما لو أقر في مرض موته: أنه كان وهب ماله في صحته وأقبضه.. فإن ذلك لا يعتبر من الثلث.
وحكى القاضي أبو الطيب عن بعض أصحابنا في ذلك قولين، كما لو طلقها ثلاثا في مرض موته، لأنه متهم في إسقاط حقها فلم يسقط، بدليل: أنه لا يسقط بهذا الإقرار نفقتها ولا سكناها في حال النكاح وإن أضاف ذلك إلى وقت ماض.

[فرع: طلقها بطلبها ثلاثاً في مرض الموت]
] : إذا كان الرجل مريضاً فسألته امرأته أن يطلقها ثلاثاً فطلقها ثلاثاً ومات في مرضه ذلك، أو قال لها في مرض موته: أنت طالق ثلاثاً إن شئت، فقالت: شئت.. طلقت، وهل ترثه؟ اختلف أصحابنا فيه:

(9/27)


فقال أبو علي بن أبي هريرة: هي على قولين، لأن الأصل في هذا قصة عثمان في توريثه تماضر من زوجها عبد الرحمن بن عوف في مرض موته، وقد كانت سألته الطلاق.
وقال الشيخ أبو حامد: لا ترثه قولا واحدا، وهو المذهب، لأنها إذا سألته الطلاق.. فلا تهمة عليه في طلاقها، وأما قصة تماضر: فلا حجة فيها، لأن عبد الرحمن قال لنسائه: (من اختارت منكن أن أطلقها.. طلقتها، فقالت تماضر: طلقني، فقال لها: إذا حضت فأعلميني، فأعلمته، ثم قال لها: إذا طهرت فأعلميني، فأعلمته فطلقها) . وليس طلاقه لها في هذا الوقت جوابا لكلامها، لأن قولها: طلقني.. يقتضي الجواب في الحال، فإذا تأخر، ثم طلقها.. كان ذلك ابتداء الطلاق.

[فرع: سألته في مرض موته طلاقاً واحدا فطلقها ثلاثاً]
ً] : وإن سألته في مرض موته: أن يطلقها واحدة، فطلقها ثلاثاً، ثم مات من مرضه ذلك.. فهل ترثه؟ فيه قولان، لأنها سألته تطليقة، فإذا طلقها ثلاثاً.. صار متهما بذلك، لأنه قصد قطع ميراثها، فصار كما لو طلقها ثلاثاً ابتداء من غير سؤال منها.

[فرع: تعليق الطلاق بصفة ثم وجدت في مرض الموت]
فرع: [تعليق المريض أو الصحيح طلاقه بصفة ثم وجدت في مرض موته] : إذا علق المريض طلاق امرأته ثلاثاً بصفة، ثم وجدت تلك الصفة في مرضه ومات منه.. فهل ترثه؟ نظرت:
فإن كانت صفة لها منها بد، مثل أن قال لها: إن دخلت الدار، أو خرجت منها. أو كلمت فلانا، أو صليت النافلة، أو صمت النافلة، فأنت طالق ثلاثاً، ففعلت ذلك في مرض موته.. لم ترثه قولاً واحداً، لأنها إذا فعلت ذلك مع علمها بالطلاق.. فقد اختارت وقوع الطلاق عليها بما لها بد منه، فصارت كما لو سألته الطلاق.

(9/28)


وإن كانت صفة لا بد لها منها، بأن قال: إن تنفست، أو صليت الفرض، أو صمت الفرض، أو كلمت أباك أو أمك، فأنت طالق ثلاثاً، ففعلت ذلك في مرض موته ومات منه.. فهل ترثه؟ على القولين، لأنها لا بد لها من فعل هذه الأشياء، فصار كما لو طلقها ثلاثا طلاقاً منجزاً.
وقال المسعودي [في " الإبانة "] : وهكذا إن قال لها: إن قمت أو قعدت فأنت طالق ثلاثاً، فقامت أو قعدت في مرض موته.. فهل ترثه؟ على القولين، لأنها لا تجد بدا من القيام أو القعود.
وإن قال لها: إذا مرضت فأنت طالق ثلاثاً، فمرض.. طلقت ثلاثاً، فإن مات منه.. فهل ترثه؟
قال الشيخ أبو حامد: فيه قولان، لأنه لما جعل مرض موته صفة في وقوع الطلاق عليها.. كان متهما في ذلك، فهو كما لو طلقها في المرض.
فإن قال لها وهو صحيح: إذا جاء رأس الشهر، أو جاء الحاج، أو طلعت الشمس، وما أشبه ذلك فأنت طالق ثلاثاً، فوجدت هذه الصفات في مرض موته.. فهل ترثه؟
قال البغداديون من أصحابنا: لا ترثه قولا واحدا، لأنه غير متهم في ذلك، لأن اتفاق ذلك في مرضه مع هذه الصفات لم يكن من قصده.
وقال المسعودي [في " الإبانة "] : من أصحابنا من قال: في ميراثها منه قولان، كما لو قال فيمن قال لعبده: إذا قدم زيد فأنت حر، فقدم زيد في مرض موت السيد.. فهل يعتق العبد من الثلث أو من رأس المال؟ على قولين.
وأصحابنا البغداديون قالوا: يعتق من رأس المال قولا واحدا أيضاً.

[فرع: علق طلاقها قبل موته بشهر أو بآخر حياته أو صحته]
] : إذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً قبل موتي بشهر، فإن عاش هذا الزوج بعد هذا القول أقل من شهر، ثم مات.. لم يحكم بوقوع الطلاق، لأنا لو حكمنا بوقوعه.. لأوقعناه

(9/29)


قبل إيقاعه وهذا لا يجوز. وإن عاش بعد ذلك شهرا أو مات مع الشهر.. لم يقع الطلاق، لأن الطلاق إنما يقع عقيب الإيقاع لا معه. وإن عاش شهرا وجزءا، ثم مات.. طلقت قبل موته بشهر.
قال الشيخ أبو حامد: وهل ترثه؟ فيه قولان؛ لأنه متهم في ذلك، ثم إنه إنما قصد بذلك منعها من الميراث.
قال الصيمري: وإن قال لامرأته: إن مت من مرضي فأنت طالق ثلاثاً، فمات.. فلا طلاق، ولها الميراث. ولو قال لها: أنت طالق ثلاثاً في آخر أجزاء حياتي..فهل ترثه؟ فيه قولان. ولو قال هذا القول وهو صحيح.. فهو بمنزلة من طلق في المرض، لأن أحدا لا يموت إلا من سبب قبل وفاته.
قال: ولو قال لها: أنت طالق ثلاثاً في آخر أجزاء صحتي المتصلة بسبب وفاتي.. فلا ميراث لها، والطلاق واقع. قال: والأجود أن يقول: المتصل بمرض موتي: لأنه قد يموت فجأة أو بهدم أو بغرق.
قلت: والذي يتبين لي: أنها على قولين، لأنه متهم في ذلك، كما قلنا فيمن قال لامرأته: أنت طالق قبل موتي بشهر، فعاش شهراً وجزءا ثم مات.. فإنه لا فرق بين أن يقول ذلك في الصحة أو في المرض.

[فرع: طلقها ثلاثاً في مرضه ثم تخلل بين مرضه وموته حالة لا ترث فيها]
] : إذا طلقها ثلاثاً في مرضه، ثم صح من مرضه، ثم مرض، ثم مات.. فإنها لا ترثه قولاً واحداً؛ لأنه قد تخلل بين المرض والموت حالة لو طلقها ثلاثاً فيها.. لم ترث شيئاً، فكذلك لو طلقها قبل تلك الحالة.. وجب أن لا ترث.
وهكذا: إذا طلقها في مرض موته ثلاثاً، ثم ارتد الزوج أو الزوجة، ثم رجعا، ثم مات الزوج.. لم ترثه قولا واحداً، لأنه قد تخلل بينهما حالة لا ترث فيها.

(9/30)


[فرع: قذف امرأته في صحته أو مرضه ثم لاعنها في مرض موته]
فرع: [قذف امرأته في صحته أو مرض موته ثم لاعنها أو فسخ نكاحها بعيب في مرض موته] : إذا قذف امرأته في صحته، ثم لاعنها في مرض موته.. لم ترثه قولًا واحدا؛ لأنه مضطر إلى اللعان لدرء الحد عنه، فلا تلحقه التهمة.
فإن قذفها في مرض موته ثم لاعنها.. قال ابن الصباغ: فإنها لا ترثه قولاً واحداً، لأن به حاجة إلى اللعان لإسقاط الحد عن نفسه.
قال ابن اللبان: وهو ظاهر تعليل الشافعي.
قال ابن اللبان: ويحتمل أن يقال: إذا قذفها في حال مرضه.. فقد تلحقه التهمة، لأنه قصد تعييرها لتطالب بما يدفع العار عنها، فتلاعن، فتقع الفرقة، فلا ترث.
وقال: يحتمل أن يقال: إن كان قد نفى الحمل.. فإنها لا ترث، لأنه مضطر إلى قذفها. وإن لم ينف الولد.. ورثته - يعني: في أحد القولين - لأنه لم يكن مضطرا إلى قذفها.
وإن فسخ نكاحها في مرض موته بأحد العيوب.. ففيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو إسحاق:
أحدهما: أنه كالطلاق في المرض، فيكون في ميراثها منه قولان.
والثاني: لا ترثه قولا واحدا؛ لأنه يستند إلى معنى من جهتها، ولأن به حاجة إلى الفسخ، لما عليه من الضرر في المقام معها على العيب.

[فرع: طلق أمة ثلاثاً أو طلاقا رجعياً في مرض موته]
] : إذا كانت تحته أمة فطلقها ثلاثاً في مرض موته، ثم أعتقت، ثم مات الزوج.. فإنها لا ترثه قولاً واحداً؛ لأنها وقت طلاقها لم تكن وارثة، فكان غير متهم في قطع ميراثها منه.

(9/31)


وإن قال لها في مرض موته: أنت طالق غداَ ثلاثا، فأعتقها سيدها قبل مجيء الغد، ثم جاء الغد، ثم مات الزوج.. فإنها لا ترث قولاً واحداً، لأن الزوج وقت عقد الطلاق لم تكن الزوجة ممن يرث أيضاً.
فإن أعتقت الأمة في مرض موته، ثم طلقها ثلاثاً.. فهل ترثه؟ فيه قولان.
وإن طلقها في مرض موته وأعتقت، ثم مات الزوج، فقالت الزوجة: أعتقت، ثم طلقت فلي الميراث، وقال الورثة: بل طلقت، ثم أعتقت، فلا ميراث لك.. فالقول قول الورثة مع أيمانهم، لأن الأصل أن لا عتق.
وإن طلقها في مرضه طلاقاً رجعيا، ثم أعتقت، ثم مات الزوج من مرضه، فإن مات وهي في العدة.. فلها الميراث قولا واحداً، لأنها في حكم الزوجات. وإن مات بعد انقضاء عدتها. فلا ميراث لها قولاً واحداً، لأنها ليست بزوجة ولا في معنى الزوجات.

[فرع: طلق نساءه الأربع في مرض موته طلاقاً بائناً ثم تزوج أربعاً]
ً] : إذا كان تحته أربع نسوة فطلقهن في مرض موته طلاقاً بائناً، ثم تزوج بعدهن أربعا سواهن، ثم مات من مرضه ذلك، فإن قلنا بقوله الجديد: وأن المبتوتة في مرض الموت لا ترث.. كان ميراثه للأربع الزوجات دون المطلقات. وإن قلنا بقوله القديم: وأن المبتوتة في مرض الموت ترث.. ففي ميراث هذه ثلاثة أوجه حكاها الشيخ أبو حامد:
أحدها: أنه للزوجات الجديدات دون المطلقات؛ لأنه لا يجوز أن يرث الرجل أكثر من أربع زوجات، ولا بد من تقديم بعضهن على بعض، فكان تقديم الزوجات أولى، لأن ميراثهن ثابت بنص القرآن، وميراث المطلقات ثبت بالاجتهاد.
والثاني: أنه للزوجات المطلقات دون الزوجات الجديدات، لأنه لا يجوز أن يرثه أكثر من أربع، فكان تقديم المطلقات أولى، لأن حقهن أسبق.
والثالث: أنه يكون بين الزوجات والمطلقات بالسوية، لأن إرث الزوجات ثابت بنص القرآن، وإرث المطلقات ثابت بالاجتهاد، فشرك بينهن.

(9/32)


وقول من قال: لا يجوز أن يرثه أكثر من أربع زوجات.. ليس بصحيح، لأن الشرع إنما منع من نكاح ما زاد على أربع: وأما توريث ما زاد على أربع: فلم يمنع الشرع منه.

[مسألة: مات متوارثان معا]
] وإذا مات متوارثان- كالرجل وابنه، أو كالزوجين - بالغرق أو الهدم، فإن علم أن أحدهما مات أولا وعرف عينه.. ورث الثاني من الأول. وإن علم أن أحدهما مات أولاً وعرف عينه، ثم نسي.. وقف الأمر إلى أن يتذكر من الأول منهما، فيرث منه الثاني، لأن الظاهر ممن علم ثم نسي أنه يتذكر، وهذا لا خلاف فيه.
وإن علم أنهما ماتا معا، أو علم أن أحدهما مات أولا ولم تعرف عينه - قال الشيخ أبو حامد: مثل أن غرقا في ماء فرئي أحدهما يصعد من الماء وينزل ولم يعرف بعينه، والآخر قد نزل ولا يصعد.. فإنه يعلم لا محالة أن الذي يصعد وينزل لم يمت، وأن الذي نزل ولم يصعد قد مات - أو لم يعلم: هل ماتا في حالة واحدة، أو مات أحدهما قبل الآخر.. فمذهبنا في هذه الثلاث المسائل: أنه لا يرث أحدهما من الآخر، ولكن يرث كل واحد منهما ورثته غير الميت معه، وبه قال أبو بكر، وعمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت، ومالك، وأبو حنيفة، وأكثر أهل العلم.

(9/33)


وذهب علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى: (أنه يرث كل واحد منهما الآخر ثم يرثهما ورثتهما) . وبه قال داود.
دليلنا: ما روي عن زيد بن ثابت: أنه قال: (ولاني أبو بكر مواريث قتلى اليمامة، فكنت أورث الأحياء من الأموات، ولا أورث الموتى من الموتى) .
ولأن كل من لم تعلم حياته عند موت مورثه.. لم يرثه، وأصله الحمل، وهو: أن الرجل إذا مات وخلف امرأة حاملاً، فإنه إن خرج حياً.. ورث، لأنا تيقنا حياته عند موت مورثه.. وإن خرج ميتاً.. لم يرث، لأنا لا نعلم حياته عند موت مورثه.
ولأن توريث كل واحد منهما من الآخر خطأ بيقين، لأنهما إن ماتا معاً في حالة واحدة.. لم يرث أحدهما من الآخر. وإن مات أحدهما قبل الآخر.. فتوريث السابق منهما موتاً من الآخر خطأ، فإذا كان كذلك.. لم يرث أحدهما من الآخر، لأنه ليس أحدهما أن يكون مات أولا بأولى من الآخر.

[مسألة: يرث الأسير ما دام حيا]
] : وإن مات رجل وخلف ولداً أسيراً في أيدي الكفار.. فإنه يرث ما دام تعلم حياته. وبه قال كافة أهل العلم.
وقال النخعي: لا يرث الأسير.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] [النساء: 11] . ولم يفرق بين الأسير وغيره.
فأما إذا لم تعلم حياته.. فحكمه حكم المفقود.
وإذا فقد رجل وانقطع خبره.. لم يقسم ماله حتى يعلم موته أو يمضي عليه من

(9/34)


الزمان من حين ولد زمان لا يعيش في مثله، فحينئذ يحكم الحاكم بموته، ويقسم ماله بين ورثته الأحياء يومئذ دون من مات من ورثته قبل ذلك.
وقال مالك: (إذا مضى له من العمر ثمانون سنة.. قسم ماله) .
وقال عبد الملك بن الماجشون: إذا مضى له تسعون سنة.. حكم الحاكم بموته.
وقال أبو حنيفة: (إذا مضى له مائة وعشرون سنة.. حكم بموته) .
وحكى بعضهم: أن ذلك مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وإن مات للمفقود من يرثه قبل أن يحكم بموته.. أعطي كل وارث من ورثته ما يتيقن أنه له، ووقف المشكوك فيه إلى أن يتبين أمر المفقود، مثل: أن تموت امرأة وتخلف زوجاً، وأختين لأب وأم، وأخا لأب وأم مفقوداً.. فإن الزوج لا يستحق النصف كاملاً إلا إذا تيقنا حياة الأخ عند موت المرأة، ولا تستحق الأختان أربعة أسباع المال إلا إذا تيقنا موت الأخ عند موت المرأة.
والعمل في هذه وما أشبهها أن يقال: لو كان الأخ ميتا وقت موت أخته.. لكانت الفريضة من سبعة: للزوج ثلاثة، وللأختين للأب والأم أربعة.
ولو كان الأخ حيا وقت موت أخته.. لكانت الفريضة من ثمانية: للزوج أربعة، ولكل أخت سهم، وللأخ سهمان. والثمانية لا توافق السبعة بشيء، فتضرب الثمانية في سبعة - فذلك ستة وخمسون - فيعطى الزوج أقل نصيبيه وهو عند موت الأخ، فله حينئذ ثلاثة من سبعة مضروبة في ثمانية - فذلك أربعة وعشرون - وتعطى كل

(9/35)


أخت أقل نصيبيها وهو عند وجود الأخ حيا وعند موت أخته، وذلك سهم من ثمانية مضروب في سبعة - فذلك سبعة - ويبقى من المال ثمانية عشر سهما فيوقف ذلك إلى أن يتبين أمر الأخ.
فإن بان أنه كان حيا وقت موت أخته.. كان له سهمان من ثمانية في سبعة، فذلك أربعة عشر نأخذه من الموقوف، وللزوج أربعة من ثمانية في سبعة - فذلك ثمانية وعشرون - فمعه أربعة وعشرون، ويبقى له أربعة، فيأخذها من الموقوف وقد استوفى الأختان نصيبهما.
وإن بان أن الأخ كان ميتاً وقت موت أخته.. كان للأختين أربعة من سبعة في ثمانية - فذلك اثنان وثلاثون - فمعهما أربعة عشر، ويبقى لهما ثمانية عشر وهو الموقوف، فيأخذانه وقد استوفى الزوج نصيبه. هذا هو المشهور من المذهب.
وخرج ابن اللبان في ذلك وما أشبهه وجهين آخرين:
أحدهما: أن يجعل حكم الأخ المفقود حكم الحي، لأن الأصل بقاء حياته، فلا ينقص الزوج عن النصف كاملاً لجواز موته، فيدفع إلى الزوج النصف كاملاً، وإلى كل أخت الثمن، ويوقف ربع المال.
فإن بان أن الأخ كان حيا وقت موت أخته.. دفع الربع الموقوف إليه أو إلى ورثته إن كان قد مات.
وإن بان أنه ميت وقت موت أخته.. أخذ من الزوج نصف السبع ودفع ذلك مع الربع الموقوف إلى الأختين.
وهل يؤخذ من الزوج ضمين في نصف السبع؟ فيه قولان:
أحدهما: يؤخذ منه ضمين، لجواز أن يكون الأخ ميتاً.

(9/36)


والثاني: لا يؤخذ منه ضمين، كما يقسم مال الغرقى على الأحياء من ورثتهم ولا يؤخذ منهم ضمين.
قال: وهذان القولان مأخوذان مما لو مات رجل فادعى رجل: أنه ابنه وأقام بينة أنه ابنه ولم تقل البينة: لا نعلم له وارثا سواه.. فإنه يبحث عن حال الميت: هل له وارث غيره أم لا؟ ثم يدفع إليه المال، وهل يؤخذ منه ضمين؟ فيه قولان.
والوجه الثاني: أن يجعل حكم المفقود مع الورثة الموجودين حكم الميت، لأنا لا نعلم للميت وارثا غير الموجودين في الظاهر، فحكم لهم بجميع الميراث، وإمكان أن يكون المفقود حيا لا يمنع من القضاء في الظاهر في هذا الوقت، كما لم يمنع إمكان أن يتبين في الغرقى من مات أولا في أن يورث الأحياء من ورثهم.
فعلى هذا: يدفع إلى الزوج النصف عائلاً وهو ثلاثة أسهم من سبعة، ويدفع إلى الأختين الثلثان عائلا وهو أربعة من سبعة.
وهل يؤخذ من الأختين ضمين مما جاوز الربع؟ على قولين.
والله أعلم بالصواب

(9/37)


[باب ميراث أهل الفرض]
والفروض المذكورة في كتاب الله تعالى ستة:
النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس.
وإن شئت، قلت: النصف ونصفه ونصف نصفه، والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما.
وأهل الفروض عشرة: الزوج، والزوجة، والأم، والجدة، والبنت، وبنت الابن، والأخت، وولد الأم، والأب مع الابن أو ابن الابن، والجد مع الابن أو ابن الابن.
فأما (الزوج) : فله فرضان، النصف مع عدم الولد أو ولد الابن، والربع مع وجود الولد أو ولد الابن وإن سفل ذكرا كان الولد أو أنثى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] [النساء: 12] .
وأما (الزوجة) : فلها الربع من زوجها إذا لم يكن له ولد ولا ولد ابن وإن سفل، ولها منه الثمن إذا كان له ولد أو ولد ابن وإن سفل، ذكرا كان الولد أو أنثى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] [النساء: 12] .
وللزوجتين والثلاث والأربع ما للزوجة الواحدة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ} [النساء: 12] [النساء: 12] وهذا لفظ جمع. وإنما كان للزوجة نصف ما كان للزوج عند عدم الولد وعند وجوده، لأن الأنثى ترث نصف ميراث الذكر.

[مسألة: ميراث الأم]
] : فأما (الأم) : فلها ثلاثة فروض: الثلث، أو السدس، أو ثلث ما يبقى، ولها سبع أحوال.

(9/38)


أحدها: أن يكون معها ولد ذكر أو أنثى، أو ولد ابن ذكر أو أنثى وإن سفل.. فلها السدس، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] [النساء: 11] .
الحالة الثانية: أن لا يكون مع الأم ولد، ولا ولد ابن، ولا أحد من الإخوة والأخوات.. فللأم الثلث، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] [النساء: 11] .
الحالة الثالثة: أن يكون مع الأم ثلاثة إخوة أو ثلاث أخوات أو منهما.. فلها السدس، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] [النساء: 11] ، وقَوْله تَعَالَى: {لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] لفظ جمع، وأقل الجمع ثلاثة.
الحالة الرابعة: أن يكون مع الأم أخ أو أخت.. فلها الثلث أيضاً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] [النساء: 11] . فحجبها عن الثلث إلى السدس بالإخوة وذلك جمع، ولا خلاف: أن الواحد ليس بجمع.
الحالة الخامسة: أن يكون مع الأم اثنان من الإخوة أو الأخوات، أو منهما.. فللأم السدس. وبه قال عامة الصحابة والفقهاء أجمع، إلا ابن عباس، فإنه قال: (لها الثلث) ، وله خمس مسائل في الفرائض انفرد بها، هذه إحداهن.
دليلنا: أنه حجب لا يقع بواحد وينحصر بعدد، فوجب أن يوقف على اثنين. أصله حجب بنات الابن بالبنات.
فقولنا: (حجب لا يقع بواحد) احتراز من حجب الزوج والزوجة، فإنه يقع بالواحد من الأولاد.
وقولنا: (ينحصر بعدد) احتراز من حجب البنين للبنات، والإخوة للأخوات، لأن الابنة فرضها النصف والأخت فرضها النصف، وإذا حصل مع أحدهما أخوها.. حجبها من النصف، ولكن لا ينحصر هذا الحجب بعدد، بل كلما كثر الإخوة حجبوها

(9/39)


أكثر. ولأنا وجدنا الاثنين من الأخوات كالثلاث في استحقاق الثلثين.. فوجب أن يكون حجب الاثنين من الإخوة للأم حجب الثلاثة.
وروي: (أن ابن عباس دخل على عثمان، فقال له: قال الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] . وليس الأخوان إخوة بلسان قومك، فقال عثمان: لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي، وانتشر في الأمصار وتوارث به الناس) ، فدل بهذا: أنهم قد أجمعوا على ذلك.
الحالة السادسة: إذا كان هناك زوج وأبوان.. قال أصحابنا: فللزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، وللأب الباقي. وأصلها من ستة: للزوج ثلاثة، وللأم ثلث ما بقي- وهو سهم - وللأب سهمان.
وقال القاضي أبو الفتوح بن أبي عقامة: للأم هاهنا السدس ولا يقال: لها ثلث ما بقي. قلت: ومعنى العبارتين واحد، لأن العبارة الأولى هي المشهورة.
وبه قال عامة الصحابة والفقهاء. وقال ابن عباس: (للزوج النصف، وللأم ثلث جميع المال، وللأب ما بقي، وأصلها من ستة: للزوج ثلاثة، وللأم سهمان، وللأب سهم) . وتابعه على هذا شريح.

(9/40)


الحالة السابعة: إذا كان زوجة وأبوان.. فللزوجة الربع، وللأم ثلث ما بقي، وللأب ما بقي. وأصلها من أربعة: للزوجة سهم، وللأم ثلث ما بقي وهو سهم، وللأب ما بقي وهو سهمان. وبه قال عامة الصحابة وأكثر الفقهاء.
وقال ابن عباس: (للزوجة الربع، وللأم ثلث جميع المال، وللأب ما بقي، وأصلها من اثني عشر: للزوجة الربع ثلاثة، وللأم أربعة، وللأب خمسة) .
وهاتان المسألتان من المسائل التي انفرد بها ابن عباس عن الصحابة وتابعه على هذه من التابعين شريح وابن سيرين.
ودليلنا: أن في الأولى يؤدي إلى تفضيل الأم على الأب، وهذا لا يجوز. ولأنهما أبوان معهما ذو سهم، فوجب أن يكون للأم ثلث ما بقي بعد ذلك السهم، كما لو كان مع الأبوين بنت. ولأن كل ذكر وأنثى لو انفرد.. لكان للذكر الثلثان وللأنثى الثلث، فوجب إذا كان معهما زوج أو زوجة أن يكون ما بقي بعد فرض الزوج أو الزوجة بينهما كما كان بينهما إذا انفردا، كالابن والابنة والأخ والأخت.

[مسألة: ميراث الجدات]
وأما الجدة أم الأم وأم الأب: فإنها وارثة، لما روى عبد الله بن بريدة، عن أبيه: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطعم الجدة السدس إذا لم يكن دونها أم» .
وروى بلال بن الحارث: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى الجدة أم الأم السدس» .

(9/41)


وأجمعت الأمة: على توريث الجدة.
إذا ثبت هذا: فإن فرضها السدس، سواء كانت أم الأم أو أم الأب. وبه قال كافة الصحابة والفقهاء.
وروي عن ابن عباس رواية شاذة: أنه قال: (أم الأم ترث الثلث، لأنها تدلي بالأم فورثت ميراثها، كالجد يرث ميراث الأب) .
ودليلنا: ما ذكرناه من الخبرين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وروى قبيصة بن ذؤيب: (أن جدة أتت أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تطلب ميراثها، فقال أبو بكر: ما لك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئا، فارجعي حتى أسأل الناس، ثم سأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد أعطاها السدس، فقال أبو بكر: من يشهد معك؟ فقام محمد بن مسلمة وشهد بمثل ما شهد المغيرة، فأنفذه أبو بكر، ثم أتت الجدة الأخرى إلى عمر تطلب ميراثها، فقال: ما لك في كتاب الله شيء، وما كان ذلك القضاء الذي قضى به إلا لغيرك، ولست بزائد في الفرائض، وإنما هو ذلك السدس، فإن اجتمعتما.. فهو بينكما، وأيكما خلت به.. فهو لها) . قال الشيخ أبو حامد: والجدة التي أتت أبا بكر هي أم الأم، والجدة التي أتت عمر هي أم الأب.

(9/42)


ومعنى قول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (ما لك في كتاب الله شيء) : أن الكتاب محصور، وليس فيه ذكر الجدة، ولهذا قلنا: إن اسم الأم لا يطلق على الجدة، لأنه قال: (ما لك في الكتاب شيء) ، وفي الكتاب ذكر الأم، ثم قال: (وما علمت لك في السنة شيئاً) ، فلم يقطع به، لأن السنة لا تنحصر، ولكن أراد على مبلغ علمه.
ومعنى قول عمر: (لست بزائد في الفرائض) أي: لا أزيد في الفريضة لأجلك، وإنما هو ذلك السدس الذي قضى به.
وأما الاحتجاج بقول ابن عباس: لما كانت تدلي بالأم أخذت ميراثها.. فيبطل بالأخ من الأم، فإنه يدلي بها ولا يأخذ ميراثها.
إذا ثبت هذا: فإن أول منازل الجدات يجتمع فيه جدتان، وهي: أم الأم وأم الأب. فإن عدمت إحداهما ووجدت الأخرى.. كان السدس للموجودة منهما، وإن اجتمعتا.. كان السدس بينهما.
قال الشيخ أبو إسحاق: لما روى الحكم عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى الجدتين السدس» . وروى القاسم بن محمد، قال: (أتت الجدتان- أم الأم وأم الأب - أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فأعطى أم الأم السدس، ولم يعط أم الأب شيئاً، فقال له رجل من الأنصار: ورثتها عمن لو ماتت لم يرثها، ولم تورثها عمن لو ماتت.. لورثها! فأشرك أبو بكر بينهما السدس) .
قال الشيخ أبو حامد: وأصحابنا يحكمون أن هذه القضية كانت لعمر، وإنما هي قضية أبي بكر.

(9/43)


ومعنى قول الأنصاري: (ورثتها عمن لو ماتت.. لم يرثها) أي: أن أم الأم ورثتها عن ابن ابنتها، فهذه الجدة لو ماتت.. لم يرثها ابن بنتها، ولم ترث أم الأب عمن لو ماتت.. لورثها، لأنه ابن ابنها.
فإذا ارتفعت الجدات إلى المنزلة الثانية.. اجتمعن أربع جدات: اثنتان من جهة الأم، وهما: أم أم الأم، وأم أبي الأم، واثنتان من جهة الأب، وهما: أم أم الأب، وأم أبي الأب.
فأما أم أم الأم، وأم أم الأب: فهما وارثتان بلا خلاف، وأما أم أبي الأم: فإنها غير وارثة. وهو قال كافة الفقهاء، إلا ما روي عن ابن سيرين: أنه ورثها.
وهذا خطأ، لأنها تدلي بمن ليس بوارث، فلم تكن وارثة، كابنة الخال.
وأما الجدة أم أبي الأب..فهل ترث؟ فيه قولان:
أحدهما: لا ترث - وهي إحدى الروايتين عن زيد بن ثابت، وبه قال أهل الحجاز: الزهري وربيعة ومالك - لأنها جدة تدلي بجد.. فلم ترث، كأم أبي الأم.
فعلى هذا: لا ترث قط إلا جدتان.
والثاني: أنها ترث، وبه قال علي وابن مسعود وابن عباس، وهي إحدى الروايتين عن زيد بن ثابت، وبه قال الحسن البصري وابن سيرين، وأهل الكوفة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وهو الصحيح، لأنها جدة تدلي بوارث فورثت، كأم الأم. ولأن تعليل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - موجود فيها، حيث قيل لأبي بكر في أم الأب: ورثتها عمن لو ماتت: لم يرثها، ولم تورثها عمن لو ماتت.. لورثها! فورثها أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لهذه العلة، وهي موجودة في أم أبي الأب.

(9/44)


فعلى هذا: ترث في الدرجة الثانية ثلاث جدات.
فإذا ارتفعت الجدات إلى الدرجة الثالثة.. اجتمع ثماني جدات، فترث منهن أربع ولا ترث أربع. وإنما كان كذلك، لأن الميت واحد فله في المنزلة الأولى جدتان، فإذا ارتفعن إلى الدرجة الثانية.. كان للميت أبوان، ولكل واحد منهما جدتان، فلذلك قلنا: له في الدرجة الثانية أربع جدات، فإذا ارتفعن إلى الدرجة الثالثة.. كان له جدان وجدتان، لكل واحد منهما جدتان، فيجتمع له في الدرجة الثالثة ثماني جدات. ثم في الرابعة ست عشرة جدة، وكلما ارتفع الميت درجة.. ازداد عدد الجدات ضعفاً.
وأما الوارثات منهن: فترث في الدرجة الأولى جدتان، وفي الثانية ثلاث، وفي الثالثة أربع، وفي الرابعة خمس، إلى أن ترثه مائة جدة في الدرجة التاسعة والتسعين؛ لأن عدد الجدات الوارثات يزيد عن عدد الدرجات بواحدة.
وإذا اجتمعن الجدات الوارثات وهن متحاذيات.. كان السدس بينهن، لما ذكرناه في الجدتين: أم الأم، وأم الأب. وإن اجتمع جدتان، إحداهما أبعد من الأخرى.. نظرت: فإن كانتا من جهة واحدة، بأن كان هناك أم أم، وأم أم أم.. كان السدس لأم الأم، لأن البعدى تدلي بهذه القربى، وكل من أدلى بغيره.. فإنه لا يشاركه في فرضه، كالجد مع الأب، وابن الابن مع الابن. وعلى هذا جميع الأصول.
فإن قيل: أليس الأخ للأم يدلي بالأم، ومع ذلك فإنه يرث معها؟
فالجواب: أنه لا يرث أخاه بالإدلاء إليه بالأم، ولكن لأجل أنه ركض معه في رحم واحد، لأنه وإن أدلى بها.. فقد احترزنا عنه بقولنا: (لا يشاركه في إرثه) ، وهو: أن السدس إرث للقربى لو انفردت، فلو ورثت الجدة البعدى.. لشاركتها في ذلك السدس، وليس كذلك الأخ للأم، فإنه لا يشارك أمه في إرثها، بل تأخذ حقها ويأخذ هو حقه.
وإن اجتمع أم أب، وأم أبي الأب.. فإن السدس يكون لأم الأب، وتسقط أم أبي الأب. وبه قال علي وزيد، والفقهاء أجمع.

(9/45)


وقال ابن مسعود - في إحدى الروايتين عنه-: (يشتركان في السدس) .
وهذا ليس بصحيح، لأنهما من جهة واحدة، لأنهما يدليان بالأب، وإحداهما أقرب من الأخرى، فسقطت البعدى منهما بالقربى، كأم الأم إذا اجتمعت مع أم أم الأم.
وإن كانتا من جهتين: إحداهما من جهة الأم، والأخرى من جهة الأب.. نظرت: فإن كانت القربى من جهة الأم، والبعدى من جهة الأب.. فإن القربى تسقط البعدى.
وقال ابن مسعود: (لا تسقطها، وإنما يشتركان في السدس) .
دليلنا: أن إحداهما أقرب من الأخرى فسقطت البعدى بالقربى، كما لو كانتا من جهة واحدة.
وإن كانت القربى من جهة الأب، والبعدى من جهة الأم.. ففيه قولان:
أحدهما: أن البعدى منهما تسقط بالقربى- وبه قال علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو قول أهل الكوفة، ورووا ذلك عن زيد بن ثابت - لأنهما جدتان لو انفردت كل واحدة منهما.. لكان لها السدس، فإذا اجتمعتا.. وجب أن تسقط البعدى بالقربى، كما لو كانت القربى من جهة الأم.
والثاني: لا تسقط البعدى بالقربى، بل تشتركان في السدس - وهي الرواية الثانية عن زيد، رواها المدنيون عنه- وهو الصحيح، لأن الأب لو اجتمع مع أم الأم.. لم يحجبها وإن كان أقرب منها، فلأن لا تسقط الجدة التي تدلي به من هو أبعد من جهة الأم أولى.

(9/46)


[فرع: اجتماع جدتين متحاذيتين إحداهما تدلي بسبب والأخرى باثنين]
وإن اجتمعت جدتان متحاذيتان، وإحداهما تدلي بقرابة والأخرى تدلي بقرابتين، بأن يتزوج رجل بابنة عمته فيولد منها ولدا، فإن جدة هذا الولد أم أبي أبيه، وهي جدته أم أم أمه، فإن اجتمع معها أم أم أبي هذا الولد.. ففيه وجهان:
أحدهما - وهو قول أبي العباس، وبه قال الحسن بن صالح ومحمد بن الحسن وزفر - أن السدس يقسم بين هاتين الجدتين على ثلاثة، فتأخذ التي تدلي بولادتين سهمين، لأنها تدلي بسببين، وتأخذ التي تدلي بولادة سهماً، لأنها تدلي بسبب واحد.
والثاني: يقسم السدس بينهما نصفين - وبه قال أبو يوسف - وهو الصحيح، لأنها شخص واحد، فلا يأخذ فرضين.

[مسألة: ميراث البنت]
] : وأما (البنت) : فلها النصف، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] [النساء: 11] ، و: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] [النساء: 176] . وبه قال كافة الصحابة والفقهاء.
وروي عن ابن عباس رواية شاذة: أنه قال: (للابنتين النصف) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] [النساء: 11] .
ودليلنا: ما روى جابر: «أن امرأة أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعها ابنتان لها، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما يوم أحد، وقد أخذ عمهما

(9/47)


مالهما، ولم يعطهما شيئاً، ووالله إنهما لا ينكحان ولا مال لهما، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقضي الله في ذلك "، فنزل قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] الآية [النساء: 11] ، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ادع لي المرأة وصاحبها " فدعوتهما، فقال للعم: " أعط الابنتين الثلثين، وأعط للأم الثمن، وما بقي.. فلك» ، فدل على أن للابنتين الثلثين. ولأن الآية وردت على سبب، وهو: ابنتا سعد بن الربيع، فلا يجوز إخراج السبب عن حكم الآية.
وأيضاً: فإن الله عز وجل فرض للابنة الواحدة النصف، وفرض للأخت الواحدة النصف في آية أخرى، وجعل حكمهما واحدا، ثم جعل للأختين الثلثين، ووجدنا أن البنات أقوى من الأخوات، بدليل: أن البنات لا يسقطن مع الأب ولا مع البنين، والأخوات يسقطن مع الأب والبنين. فإذا كان للأختين الثلثان.. فالابنتان بذلك أولى.
وأما الجواب عن قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] فإن قَوْله تَعَالَى: فوق صلة في الكلام، كقوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] [الأنفال: 12] أي: فاضربوا الأعناق.
وإن كن البنات أكثر من اثنتين.. فلهما الثلثان، للآية والإجماع.

[مسألة: ميراث ابنة الإبن]
] : وأما (ابنة الابن) : فلها النصف إذا انفردت، ولابنتي الابن فصاعدا الثلثان،

(9/48)


لأن الأمة أجمعت: أن ولد البنين يقومون مقام الأولاد، ذكورهم كذكور الأولاد، وإناثهم كإناثهم.

[فرع: اجتماع ابنة وابنة ابن أو أكثر]
] : وإن اجتمع ابنة وابنة ابن.. كان للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين؛ لما روى هذيل بن شرحبيل الأودي: أن رجلا سأل أبا موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة عن رجل مات وخلف بنتا وبنت ابن وأختا، فقالا: للابنة النصف، وللأخت النصف، واذهب إلى عبد الله فإنه سيتابعنا. فأتى ابن مسعود فأخبره بقولهما، فقال ابن مسعود: (قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين) يعني: إن أفتيت بقولهما، ثم قال: (لأقضين فيها بقضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس، والباقي للأخت) . فأخبر: أن هذا قضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولأن بنات الابن يرثن فرض البنات، ولم يبق من فرض البنات إلا السدس.. فكان لابنة الابن السدس.
وإن ترك ابنة وبنات ابن.. كان للابنة النصف، ولبنات الابن السدس؛ لأنه هو الباقي عن فرض البنات.
وهكذا: لو ترك بنتا وبنت ابن ابن، أو بنات ابن ابن ابن بدرج.. كان للابنة النصف، ولمن بعدها من بنات الابن وإن بعدن السدس إذا تحاذين. وإن كان بعضهن أعلى من بعض.. كان السدس لمن علا منهن.

(9/49)


[فرع: اجتماع ابنتين وابنة ابن أو بنات ابن]
وغير ذلك] : وإن كان هناك ابنتان وابنة ابن أو بنات ابن ولا ذكر معهن.. كان للابنتين الثلثان، ولا شيء لابنة الابن ولا لبنات الابن، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] [النساء: 11] ، ففرض للبنات الثلثين فدل على: أنه لا شيء لهن غير ذلك.
وإن ترك ابنتين وابنة ابن وابن ابن.. كان للابنتين الثلثان، وما بقي: بين ابن الابن وابنة الابن، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وبه قال عامة الصحابة والفقهاء، إلا ابن مسعود، فإنه قال: (ما بقي لابن الابن دون ابنة الابن) .
دليلنا: أن كل ذكر وأنثى لو انفردا كان المال بينهما ثلثا وثلثين.. وجب إن كان معهما ذو سهم أن يكون الباقي بينهما كذلك، كما لو كان معهما زوج.
وإن ترك ابنة وبنات ابن وابن ابن.. فللابنة النصف، والباقي لبنات الابن وابن الابن، للذكر مثل حظ الأنثيين. وبه قال عامة الصحابة والفقهاء.
وقال ابن مسعود: (لبنات الابن الأقل من المقاسمة أو السدس، فإن كان السدس أقل.. كان لهن السدس، والباقي لابن الابن، وإن كانت المقاسمة أقل من السدس.. فلهن المقاسمة) .
ودليلنا عليه: ما ذكرناه في الأولى.

[فرع: اجتماع بنت وابن ابن وبنت ابن ابن]
وغير ذلك] : فإن خلف بنتا وابن ابن وبنت ابن ابن.. فللبنت النصف، والباقي لابن الابن، ويسقط بنت ابن الابن، لأنه أقرب منها.

(9/50)


وإن خلف بنتين وبنت ابن وابن ابن ابن.. كان للابنتين الثلثان، والباقي بين بنت الابن وابن ابن الابن، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وقال بعض الناس: الباقي لابن ابن الابن وتسقط بنت الابن.
ودليلنا: أنا وجدنا أن بنت الابن لو كانت في درجة ابن ابن الابن.. لم تسقط معه، بل يعصبها، فلما لم يسقطها إذا كانت في درجته.. فلأن لا يسقطها إذا كانت أعلى منه أولى.
وإن خلف بنتا وبنات ابن وابن ابن ابن.. كان للبنت النصف، ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي لابن ابن الابن، لأن من فوقه من بنات الابن قد أخذن شيئاً من فرض البنات، فلا يجوز أن يرثن بالتعصيب، فكان الباقي له دونهن.

[مسألة: ميراث الأخوات الشقيقات]
مسألة: [الأخوات الشقيقات] : وأما (الأخوات للأب والأم) : فترتيبهن كترتيب البنات.
فإن خلف أختا واحدة.. فلها النصف. وإن خلف أختين فصاعداً.. فلهن الثلثان، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] [النساء: 176] . وليس في الآية ذكر ثلاث أخوات فما زاد، ولكن قد ذكر في البنات إذا كن فوق اثنتين:، فلم يذكر الثلاث في الأخوات اكتفاء بما ذكره في البنات، كما أنه لم يذكر ما للابنتين اكتفاء بما ذكره للأختين، لأن حكم البنات والأخوات واحد.
وأيضاً: «فروى جابر قال: اشتكيت وعندي سبع أخوات، فدخل علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعودني، فقلت: يا رسول الله، كيف أصنع بمالي، وليس يرثني إلا

(9/51)


كلالة؟ فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم رجع، فقال: " قد أنزل الله في أخواتك وبين، فجعل لهن الثلثين» قال جابر: في نزل قَوْله تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176] الآية [النساء: 176] . فذكر: أن الآية نزلت في أخواته وهن سبع، وإنما وردت باثنتين، فدل على: أن المراد بالآية الاثنتان وما زاد عليهما.

[فرع: ميراث الأخوات لأب مع الشقيقات]
] : وأما الأخوات للأب: فإنهن مع الأخوات للأب والأم كبنات الابن مع البنات، لأنهن قد تساوين في الأخوة، إلا أن الأخوات للأب والأم فضلن بالإدلاء بالأم، فكن كالبنات فضلن على بنات الابن.
إذا ثبت هذا: فإن لم يكن هناك أحد من الإخوة للأب والأم، وهناك أخت واحدة لأب.. فلها النصف، وإن كانتا أختين فصاعداً.. فلهما الثلثان.
وإن كان هناك أخت واحدة لأب وأم وأخت لأب.. كان للأخت للأب والأم النصف، وللأخت للأب السدس قياساً على ابنة الابن مع ابنة الصلب.

(9/52)


وإن كان هناك أخت لأب وأم، وأخ وأخت لأب.. كان للأخت للأب والأم النصف، وللأخ والأخت للأب الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإن خلف أختين لأب وأم وأختا لأب.. كان للأختين للأب والأم الثلثان، ولا شيء للأخت للأب، لأنه لا يجوز أن تأخذ الأخوات بالفرض أكثر من الثلثين.
وإن خلف أختين لأب وأم، وأخا وأخوات لأب.. فللأختين للأب والأم الثلثان، وما بقي للأخ والأخوات للأب، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وبه قال كافة الصحابة والفقهاء، إلا ابن مسعود، فإنه قال: (لهن الأقل من المقاسمة، أو سدس المال) ، وقد مضى الدليل عليه في ذلك في بنات الابن.
وإن خلف أختين لأب وأم، وأختا لأب، وابن أخ لأب وأم، أو لأب.. فللأختين للأب والأم الثلثان، والباقي لابن الأخ ولا يعصب الأخت للأب.
والفرق بينه وبين ابن ابن الابن - حيث عصب عمته - أن ابن ابن الابن يعصب أخته، فعصب عمته، وابن الأخ لا يعصب أخته، فلم يعصب عمته.

[فرع: ترك ابنة وأختا وغير ذلك]
] : وإن خلف ابنة وأختا لأب وأم أو لأب، أو ابنة ابن وأختا لأب وأم أو لأب.. كان للابنة أو لابنة الابن النصف، وما بقي للأخت.
وهكذا: إن خلف ابنتين، وأختا لأب وأم أو لأب.. كان للابنتين الثلثان، وللأخت ما بقي.
وإن خلف ابنة وابنة ابن، وأختا لأب وأم أو لأب.. كان للابنة النصف، ولابنة الابن السدس، وللأخت ما بقي.
وكذلك إن كان في هذه المسائل مع الأخت ابن أخ، أو عم.. فإن ما بقي عن فرض البنات للأخت دون ابن الأخ والعم.

(9/53)


وبه قال كافة الصحابة والفقهاء، إلا ابن عباس، فإنه لم يجعل للأخت مع البنت ولا مع ابنة الابن شيئا، بل جعل ذلك لابن الأخ أو للعم، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] [النساء: 176] .
فورث الأخت بشرط أن لا يكون للميت ولد. ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبقت الفرائض.. فلأولى عصبة ذكر» .
ودليلنا: ما ذكرناه من حديث هزيل بن شرحبيل حيث قال ابن مسعود: (لأقضين فيها بقضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس، وللأخت ما بقي) .
وأما الجواب عن قَوْله تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] [النساء: 176] : فإن الآية تدل على أنه لا فرض لها إذا كان للميت ولد ونحن نقول كذلك، لأن هذا النصف الذي تأخذه مع عدم الولد تأخذه بالفرض، وهذا الذي تأخذه مع وجود الولد تأخذه بالتعصيب، بدليل ما ذكرناه من الخبر.
وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبقت الفرائض.. فلأولى عصبة ذكر» : فنحمله إذا لم يكن

(9/54)


هناك أخوات، بدليل ما ذكرناه من الخبر، ولأن للأخت تعصيباً ولابن الأخ تعصيباً، وتعصيب الأخت أولى، لأنها أقرب من ابن الأخ، والعم وابن العم.

[مسألة: ميراث ولد الأم أو الإخوة والأخوات لأم]
] : وأما (ولد الأم) : فللواحد منهم السدس، ذكراً كان أو أنثى، وللأنثيين منهم فما زاد الثلث ويسوى فيه بين الذكر والأنثى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] [النساء: 12] . وهذه الآية نزلت في الإخوة والأخوات للأم، بدليل: ما روي: أن سعد بن أبي وقاص وابن مسعود كانا يقرآنها: (وله أخ أو أخت من أم فلكل واحد منهما السدس) والقراءة الشاذة تحل محل الإخبار عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو التفسير، فيجب العمل به. ولأن إرث الإخوة للأم إرث بالرحم المحض ولا تعصيب لهم، فاستوى ذكرهم وأنثاهم، كالأبوين مع الابن.

[مسألة: ميراث الأب]
] : وأما (الأب) : فله ثلاث حالات:
حالة يرث فيها بالفرض لا غير. وحالة يرث فيها بالتعصيب لا غير. وحالة يرث فيها بالفرض والتعصيب.
فأما الحالة التي يرث فيها بالفرض لا غير فهي: إذا كان الأب مع الابن أو ابن الابن.. فإن فرض الأب السدس، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] [النساء: 11] ، والمراد بالولد هاهنا الذكر.
وأما الحالة التي يرث فيها بالتعصيب لا غير فتنقسم قسمين:

(9/55)


أحدهما: ينفرد بجميع المال، وهو: إذا لم يكن معه من له فرض، بأن كان وحده.
والثاني: يأخذ بعض المال بالتعصيب، وهو: إذا كان معه من له فرض غير الابنة، مثل: أن كان معه أم، أو أم أم، أو زوج، أو زوجة.. فإنه يأخذ ما بقي عن فرض هؤلاء بالتعصيب، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] [النساء: 11] ، فأضاف المال إلى الأبوين، ثم قطع للأم منه الثلث ولم يذكر حكم الباقي، فدل على أن جميعه للأب.
وأما الحالة الثالثة التي يرث فيها بالفرض والتعصيب فهي: إذا كان هناك أب وابنة، أو ابنة ابن.. فإن للأب السدس بالفرض، وللابنة أو لابنة الابن النصف، والباقي للأب بالتعصيب.
وقيل: إن رجلاً سأل الشعبي عن رجل مات وخلف بنتاً وأباً، فقال له: للابنة النصف والباقي للأب، فقال له: أصبت المعنى وأخطأت العبارة، قل: للأب السدس، وللابنة النصف، والباقي للأب.
وهكذا: لو خلف ابنتين وأبا، أو ابنة وابنة ابن وأبا.. فللأب السدس، وللابنتين الثلثان، والباقي للأب.

[فرع: ميراث الجد]
] : وأما (الجد) : ففرضه السدس مع الابن أو ابن الابن، لاجتماع الأمة على ذلك.

(9/56)


وإن مات رجل وخلف جداً وابنة، أو ابنة ابن.. قال المسعودي [في " الإبانة " ق\370] : فمن أصحابنا من قال: للجد السدس بالفرض، وللابنة أو ابنة الابن النصف، والباقي للجد بالتعصيب، كما قلنا في ابنة وأب.
ومنهم من قال: يجوز أن يقال: للابنة النصف والباقي للجد بالتعصيب.

[مسألة: سقوط الجدات بالأم]
وحجب الأب كل من يرث بالأبوة] : قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا يرث مع الأب أبواه، ولا مع الأم جدة) .
وجملة ذلك: أن الأم تحجب الجدات من جهتها ومن جهة الأب؛ لما روى عبد الله بن زيد: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطعم الجدة السدس إذا لم يكن دونها أم» ، فشرط في إرث الجدة إذا لم يكن هناك أم، فدل على: أنه إذا كان هناك أم.. أنه لا شيء للجدة.. ولأن أم الأم تدلي بالأم ومن أدلى بشخص.. لم يشاركه في الميراث، كابن الابن مع الابن. وأما أم الأب: فلأن الأم أقرب منها، فلم تشاركها في الميراث، كالعم لا يشارك الأخ.
وأما الأب: فإنه لا يرث معه أبوه، لأن الجد يدلي بالأب، ومن أدلى بعصبة..

(9/57)


لم يشاركه في الميراث، كابن الابن لا يشارك الابن. وكذلك لا يرث مع الأب أحد من أجداده، لما ذكرناه في الجد.
ولا يحجب الأب أم الأم، لأنها تدلي بالأم، والأب لا يحجب الأم، فلم يحجب أمها، كما لا يحجب الأب ابن الابن. وكذلك أم الأم ترث مع الجد، لأن الأب إذا لم يحجبها.. فلأن لا يحجبها الجد أولى.
وكذلك الجد لا يحجب أم الأب، لأنها تساويه في الدرجة والإدلاء إلى الميت.
قال أصحابنا: وجميع هذه المسائل في الحجب لا خلاف فيها، وأما الأب، فهل يحجب أم نفسه؟ اختلف الناس فيه:
فذهب الشافعي إلى: (أنه يحجبها) . وبه قال من الصحابة: عثمان، وعلي، وزيد بن ثابت. ومن التابعين: شريح. ومن الفقهاء: الأوزاعي، والليث، ومالك، وأبو حنيفة وأصحابه. وذهب عمر بن الخطاب، وابن مسعود،

(9/58)


وأبو موسى، وعمران بن الحصين إلى: (أنه لا يحجبها، بل ترث معه من ولده) . وبه قال أحمد، وإسحاق، وابن جرير الطبري، لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورث امرأة من ثقيف مع ابنها» .
ودليلنا: أنها تدلي بولدها، فلم تشاركه في الميراث، كأم الأم لا ترث مع الأم.
وأما الخبر في الجدة التي ورثت مع ابنها: فيجوز أن يكون لها ابنان مات أحدهما وخلف ابنا، ثم مات ابن ابنها وخلف عمه وجدته، أو يجوز أن يكون الابن كافراً أو قاتلاً أو مملوكاً.
إذا ثبت هذا: فمات رجل وخلف أباه وأم أمه وأم أبيه.. فإن البغداديين من أصحابنا قالوا: لأم الأم السدس والباقي للأب.
وقال المسعودي [في " الإبانة " ق \ 369] فيه وجهان:
أحدهما: هذا.
والثاني: أن الجدة أم الأب تحجب أم الأم عن نصف السدس، ويأخذه الأب مع باقي المال.
ووجهه: أنهما لو اجتمعا.. لشاركتها في نصف السدس واستحقته، فإذا كان هناك الأب.. استحق ما كانت تستحقه، لأنها تدلي به. والأول هو المشهور. ولا ترث ابنة الابن مع الابن، لما ذكرناه في أم الأب مع الأب.

(9/59)


[مسألة: سقوط الإخوة والأخوات لأم بأربعة]
] : وأما الإخوة والأخوات للأم: فيسقطون عن الإرث مع أحد أربعة: مع الأب، أو الجد الوارث، أو مع الولد ذكرا كان أو أنثى واحدا كان أو أكثر، أو مع ولد البنين سواء كان ولد الابن ذكرا أو أنثى واحدا كان أو أكثر.
والدليل عليه: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] [النساء: 12] فورثهم بالكلالة، و (الكلالة) هو: من لا ولد له ولا والد، والدليل عليه: الكتاب والسنة والإجماع، واللغة.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] [النساء: 176] فنص: أن الكلالة من لا ولد له، والاستدلال من الآية: أن الكلالة أيضا من لا والد ولا ولد له؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] [النساء: 176] فورث الأخت نصف مال الأخ، وورث الأخ جميع مال الأخت إذا لم يكن لها ولد، والأخت إنما ترث من أخيها النصف إذا لم يكن له والد، وكذلك الأخ لا يرث جميع مال الأخت إلا إذا لم يكن لها ولد ولا والد.
وأما السنة: فما روي: «أن جابرا قال: (قلت: يا رسول الله كيف أصنع بمالي، وإنما ترثني كلالة؟ ولم يكن له ولد ولا والد، فأقره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك» .
وأما الإجماع: فروي عن أبي بكر، وابن مسعود، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أنهم قالوا: (الكلالة من لا ولد له ولا والد) . ولا مخالف لهم.
وأما اللغة: فإن الكلالة مأخوذة من الإكليل، والإكليل: إنما يحيط بالرأس من

(9/60)


الجوانب ولا يعلو عليه ولا ينزل عنه، والأب يعلو الميت، وولده ينزل عنه، وكذلك الكلالة تحيط بالميت من الجوانب ولا تعلو عليه ولا تنزل عنه، ولهذا قال الشاعر يمدح بني أمية:
ورثتم قناة الملك لا عن كلالة ... عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
يقول: لم ترثوا الملك عمن هو مثلكم، وإنما ورثتموه عمن هو أعلى منكم عثمان بن عفان جدكم، وعثمان ورثه عن جده عبد شمس، وعبد شمس ورثه عن هاشم جد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

[مسألة: سقوط ولد الأب والأم بثلاثة وولد الأب بأربعة]
] : ولا ترث الإخوة والأخوات للأب والأم مع أحد ثلاثة: مع الأب أو مع الابن أو ابن الابن؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: 176] [النساء: 176] فورث الأخت من أخيها وورثه منها في الكلالة، وقد دللنا على: أن الكلالة من لا ولد له ولا والد، ثم دل الدليل على: أنهم يرثون مع البنات وبنات الابن ومع الجد، وبقي الأب والابن وابن الابن على ظاهر الآية.
ولا ترث الإخوة والأخوات للأب مع أحد أربعة وهم: الأب والابن وابن الابن؛ لما ذكرناه، ولا مع الأخ للأب والأم؛ لأنه أقرب منهم.

[مسألة: أنواع الحجب]
] : الحجب حجبان: حجب إسقاط، وحجب نقصان.
فأما (حجب الإسقاط) فمثل: حجب الابن للإخوة والأخوات وبنيهم، والأعمام وبنيهم، ومثل: حجب الإخوة لبني الإخوة، وللإعمام وبنيهم، ومثل: حجب الأب للإخوة.

(9/61)


وأما (حجب النقصان) فمثل: حجب الولد للزوج من النصف إلى الربع، وحجب الولد للزوجة من الربع إلى الثمن، ومثل: حجب الأم من الثلث إلى السدس.
إذا ثبت هذا: فإن جميع من ذكرنا ممن لا يرث من ذوي الأرحام، والكفار، والمملوكين، والقاتلين، ومن عمي موته.. فإنه لا يحجب غيره.
وبه قال كافة الصحابة والفقهاء، إلا ابن مسعود، فإنه قال: (يحجبون حجب النقصان) ووافق: أنهم لا يحجبون حجب الإسقاط.
ودليلنا: أن كل من لا يحجب حجب الإسقاط.. لا يحجب حجب النقصان، كابن البنت. ولأنه ليس بوارث فلم يحجب غيره، كالأجنبي.
فإن قيل: الأخوان لا يرثان مع الأب ويحجبان الأم؟
فالجواب: أنهما وارثان، وإنما أسقطهما من هو أقرب منهما، وهؤلاء ليسوا بورثة في الجملة.

[فرع: أبناء الإخوة لا يحجبون الأم ولا يرثون مع الجد]
] : قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وبنو الإخوة لا يحجبون الأم عن الثلث، ولا يرثون مع الجد) وهذا صحيح، فبنو الإخوة لا يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، سواء كانوا بني إخوة لأب وأم، أو لأب، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] [النساء: 11] وبنو الإخوة ليسوا بإخوة حقيقة ولا مجازاً.
فإن قيل: أليس لما حجبها الأولاد حجبها أولاد الأولاد.. فهلا قلتم لما حجبها الإخوة حجبها أولادهم؟
قلنا: الفرق بينهما: أن حجب الأولاد أقوى من حجب الإخوة، بدليل: أن الواحد من الأولاد يحجب الأم، فمن حيث قوي حجبه.. تعدى ذلك إلى لده، وحجب الإخوة أضعف، لأنه لا يحجبها إلا اثنان منهم عندنا، وعند ابن عباس لا يحجبها إلا ثلاثة، فمن حيث ضعف حجبهم.. لم يتعد حجبهم إلى أولادهم.
ولأن كل من حجبه الولد.. حجه ولد الابن، لأن الولد يحجب الإخوة فحجبهم

(9/62)


ولده، والولد يحجب الأب فحجبه ولده، وليس كذلك ولد الإخوة، فإنهم لا يحجبون من يحجب أبوهم، ألا ترى: أن الأخ للأب والأم يحجب الأخ للأب، ومعلوم: أن ابن الأخ للأب والأم لا يحجب الأخ للأب، بل الأخ للأب يسقط ابن الأخ للأب والأم؟
ولا يرث بنو الإخوة مع الجد، لأن الجد أقرب منهم فأسقطهم.

[مسألة تعول المسألة عند ضيق السهام]
] : وإذا اجتمع أصحاب الفروض وتضايقت سهام المال عن أنصبائهم.. أعيلت الفريضة - أي -: زيد في حسابها ليدخل النقص على كل واحد منهم بقدر حقه.
و (العول) هو: الرفع، يقال: عالت الناقة بذنبها - أي-: رفعت به. وإنما سمي عولًا للرفع في الحساب - أي - الزيادة فيه.
إذا ثبت هذا: فأصول حساب الفرائض سبعة: الاثنان، والثلاثة، والأربعة، والستة، والثمانية، والاثنا عشر، والأربعة وعشرون.
فأربعة من هذه الأصول لا تعول قط، وهي: الاثنان، والثلاثة، والأربعة، والثمانية.
وثلاثة من هذه الأصول تعول، وهي: الستة، والاثنا عشر والأربعة وعشرون.
فأما أصل الستة: فإنه يعول إلى سبعة وثمانية وتسعة وعشرة.
فأما (التي تعول إلى سبعة) فهي: إذا ماتت امرأة وخلفت زوجاً وأختين لأب وأم.. فللزوج النصف - ثلاثة - وللأختين الثلثان - أربعة - فذلك سبعة.
أو مات رجل وخلف أختين لأب وأم، وأختين لأم، وأما أو جدة.. فللأختين للأب والأم الثلثان- أربعة - وللأختين لأم الثلث - سهمان - وللأم أو الجدة السدس-

(9/63)


سهم - فذلك سبعة، فيتصور أن يكون الميت فيها رجلاً أو امرأة.
وأما (التي تعول إلى ثمانية) فمثل: أن يكون هناك أختان لأب وأم، وأخ لأم، وزوج.. فللأختين للأب والأم الثلثان - أربعة - وللأخ للأم السدس- سهم - وللزوج النصف - ثلاثة -.
وكذلك إذا خلفت زوجاً، وأختا لأب وأم أو لأب، وأما.. فللزوج النصف. ثلاثة - وللأخت النصف - ثلاثة - وللأم الثلث - سهمان.
وتعرف هذه المسألة بالمباهلة، فإنها حدثت في أيام عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقضى فيها عمر كذلك، فأنكرها ابن عباس، وقال: (من شاء باهلته فيها) ، (والبهلة) : اللعنة.
وأما (التي تعول إلى تسعة) فمثل: أن تموت امرأة وتخلف أختين لأب وأم، وأخوين لأم، وزوجاً.. فللأختين الثلثان - أربعة - وللأخوين للأم الثلث - سهمان - وللزوج النصف - ثلاثة.
وأما (التي تعول إلى عشرة) فمثل: أن تموت امرأة وتخلف زوجاً، وأختين لأب

(9/64)


وأم، وأخوين لأم، وأما وجدة.. فللزوج النصف - ثلاثة - وللأختين للأب والأم الثلثان- أربعة - وللأخوين للأم الثلث-سهمان - وللأم أو الجدة السدس - سهم - فذلك عشرة وهي أكثر ما تعول إليه الفرائض، لأنها عالت بثلثيها. وتسمى: أم الفروخ، لكثرة ما فرخت وعالت به من السهام، وتسمى: الشريحية، لأنها حدثت في أيام شريح فقضى بها كذلك، وكان الزوج يقول: جعل لي شريح النصف، فلما كان وقت القسمة.. لم يعطني النصف ولا الثلث، فقال شريح: أراك رجلاً جائرا، تذكر الفتوى ولا تذكر القصة.
وإذا عالت الفريضة إلى ثمانية أو تسعة أو عشرة.. فلا يحتمل أن يكون الميت ذكراً.
وأما أصل الاثني عشر: فإنه يعول إلى ثلاثة عشر، وخمسة عشر، وسبعة عشر.
فأما (التي تعول إلى ثلاثة عشر) فمثل: أن يموت رجل ويخلف زوجة، وأختين لأب وأم، وأما أو جدة.. فللأختين الثلثان- ثمانية- وللزوجة الربع- ثلاثة - وللأم أو الجدة السدس- سهمان.
أو تموت امرأة وتخلف ابنتين، وزوجاً، وأما أو جدة.. فللابنتين الثلثان ثمانية - وللزوج الربع - ثلاثة - وللأم أو الجدة السدس - سهمان - فيتصور في التي تعول إلى ثلاثة عشر: أن يكون الميت رجلاً أو امرأة.
وأما (التي تعول إلى خمسة عشر) فمثل: أن يكون هناك زوجة وأختان لأب وأم وأخوان للأم.. فللزوجة الربع- ثلاثة - وللأختين للأب- والأم الثلثان- ثمانية - وللأخوين للأم الثلث- أربعة -.
أو تموت امرأة فتخلف زوجاً وابنتين وأبوين.. فللزوج الربع- ثلاثة - وللابنتين الثلثان- ثمانية - وللأبوين السدسان- أربعة - فيتصور أن يكون الميت فيها رجلاً أو امرأة.
وأما (التي تعول إلى سبعة عشر) : فأن يكون هناك زوجة وأختان لأب وأم وأخوان لأم وأم أو جدة.. فللزوجة الربع- ثلاثة - وللأختين للأب، والأم الثلثان - ثمانية

(9/65)


- وللأخوين للأم الثلث- أربعة - وللأم أو الجدة السدس- سهمان- فذلك سبعة عشر، وهذا أكثر ما يعول إليه هذا الأصل، وتسمى: أم الأرامل، لأنه لا يتصور أن يكون الميت فيها إلا رجلاً.
وأما أصل أربعة وعشرين: فإنه يعول إلى سبعة وعشرين لا غير، وهو: أن يكون هناك زوجة وابنتان وأبوان.. فللزوجة الثمن- ثلاثة - وللابنتين الثلثان- ستة عشر- وللأبوين السدسان - ثمانية - ولا يتصور أن يكون الميت فيها إلا رجلاً، وتسمى: المنبرية، لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سئل عنها وهو على المنبر، فقال: (صار ثمنها تسعاً) .
إذا ثبت هذا: فقد قال بالعول كافة الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وذلك: (أنه حدث في أيام عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن امرأة ماتت وخلفت زوجاً، وأختا لأب وأم، وأما، فاستشار الصحابة فيها، فأشار العباس عليه بالعول، فقالوا: صدقت، وكان ابن عباس يومئذ صبياً، فلما بلغ.. أنكر العول، وقال: من شاء باهلته) .
وروي عن عبيد بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أنه قال: (التقيت أنا وزفر بن أوس الطائي، فذهبنا إلى ابن عباس وتحدثنا معه، فقال: إن الذي أحصى رمل عالج عدداً لم يجعل في مال نصفاً ونصفاً وثلثاً، فالنصفان: ذهبا بالمال، فأين الثلث؟ فقال له زفر: من أول من أعال المسائل؟ فقال: عمر، فقال ابن عباس: عمر! وايم الله لو قدموا من قدمه الله، وأخروا من أخره الله.. ما عالت فريضة قط، فقال له زفر: من المقدم ومن المؤخر؟ فقال: من أهبط من فرض إلى فرض.. فهو المقدم،

(9/66)


ومن أهبط من فرض إلى ما بقي.. فهو المؤخر، فقال زفر: فهلا أشرت عليه؟ فقال: هبته، وكان امرأ مهيبا) .
فكان ابن عباس يدخل النقص على البنات والأخوات، ويقدم الزوج والزوجة، والأم، لأنهم يستحقون الفرض لكل حال، والبنات والأخوات تارة يفرض لهن وتارة لا يفرض لهن، فيقول في زوجة وابنتين وأبوين: للزوجة الثمن - ثلاثة - وللأبوين السدسان- ثمانية - وللابنتين ما بقي، وهو: ثلاثة عشر.
ودليلنا: ما روى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اقسموا الفرائض على كتاب الله عز وجل» . ووجدنا أن الله تعالى فرض لكل واحد ممن ذكرنا من البنات والأخوات فرضاَ، فوجب أن يقسم ذلك لهن، ولأن الأخوات أقوى حالا من الأم، والبنات أقوى حالاً من الزوج والزوجة، بدليل: أن البنات يحجبن الزوج والزوجة، والزوجان لا يحجبانهن، والأخوات يحجبن الأم، والأم لا تحجبهن، فكيف يجوز تقديم الضعيف على من هو أقوى منه؟ ولأن لا خلاف: أن رجلاً لو أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بثلث ماله، ولم تجز الورثة. لقسم الثلث بينهما، وإذا ضاق مال المفلس عن ديونه.. قسم بينهم على قدر ديونهم، فوجب إذا ضاقت التركة عن سهام الورثة أن يجعل لكل واحد منهم على قدر سهمه ويضرب به. ولأنه إذا كان هناك زوج وأختان لأم وأم.. فلا بد أن ينتقض فيها بعض أصول ابن عباس، لأنه إن قال: للزوج

(9/67)


النصف، وللأم السدس، وللأختين للأم الثلث.. نقض أصله في أن الأختين تحجبان الأم من الثلث إلى السدس.
وإن قال: للزوج النصف، وللأم الثلث، وللأختين للأم السدس.. نقض أصله، لأنه أدخل النقص على من له فرض مقدر لا ينقص عنه.
وإن قال: للزوج النصف، وللأم الثلث، وللأختين للأم الثلث.. أعال الفريضة فنقض أصله في العول.

[مسألة الإرث لشخص بسببين]
] : وإذا أدلى شخص واحد بنسبين يورث لكل واحد منهما فرضا مقدراً، مثل: أن يتزوج المجوسي ابنته فأولدها بنتاً.. فلا خلاف: أنهما لا يتوارثان بالزوجية.
وأما القرابة: فإنهما قد صارتا أختين لأب، وإحداهما أم الأخرى، فإن مات الأب.. كان لابنتيه الثلثان، وما بقي لعصبته. فإن ماتت البنت السفلى.. ورثتها الأخرى بأقوى القرابتين وهي كونها أما.
وهكذا: لو وطئ مسلم ابنته بشبهة فأتت منه ببنت.. فإنها بنتها وأختها لأب، فإن ماتت البنت السفلى.. ورثتها أمها بكونها أما لا بكونها أختاً. وبه قال زيد بن ثابت، ومن الفقهاء مالك.
وذهب علي، وابن مسعود، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة وأصحابه إلى: أنها ترث بالقرابتين.
دليلنا: أنهما قرابتان تورث بكل واحدة منهما فرضا مقدراً، فوجب أن لا يورث بهما معاً، كالأخت للأب والأم لا ترث بكونها أختا للأب وأختا للأم.
وإن ماتت الأم.. ورثتها بكونها بنتا النصف، وهل ترث الباقي بكونها أختا؟ فيه وجهان:

(9/68)


أحدهما: لا ترث للعلة الأولى.
والثاني - وهو قول أبي حنيفة -: أنها ترث، لأنها ترث بكونها بنتاً النصف بالفرض، وترث بكونها أختاً الباقي بالتعصيب، فجاز أن ترث بهما، كأخ من أم هو ابن عم.
وإن أتت منه بابن وابنة ثم مات الأب.. كان ماله لابنه وابنته، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإن ماتت بعد ذلك البنت التي هي زوجة.. كان مالها لابنها وابنتها، للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يرثان بالأخوة.
وإن مات الابن وخلف أما- وهي أخت لأب- وأختا لأب وأم.. فعندنا: للأم الثلث، ولا شيء لها بكونها أختا للأب وللأخت للأب، والأم النصف، والباقي للعصبة.
وعند أبي حنيفة: (للأخت للأب والأم النصف، وللأم بكونها أما السدس، ولها بكونها أختا لأب السدس) ، فوافقنا في الجواب وخالفنا في المعنى.
والله أعلم وبالله التوفيق

(9/69)


[باب ميراث العصبة]
العصبة: كل ذكر لا يدلي إلى الميت بأنثى، وإنما سمي عصبة، لأنه يجمع المال ويحوزه. مشتق من العصابة، لأنها تحيط بالرأس وتجمعه.
والأصل في توريث العصبة: قَوْله تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: 33] [النساء: 33] .
قال مجاهد: الأقربون هاهنا هم العصبة.
إذا ثبت هذا:: فأقرب العصبة الابن، ثم ابن الابن وإن سفل، ثم الأب.
قال المسعودي [في " الإبانة " ق\373] : ومنهم من لا يسمي الابن عصبة. وليس بشيء. والدليل على أن الابن أقرب تعصيباً من الأب قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الآية [النساء: 11] . فبدأ بذكر الولد، والعرب لا تبدأ إلا بالأهم فالأهم.

(9/70)


ولأن الله تعالى فرض للأب مع الولد السدس، فدل على أن الابن أسقط تعصيب الأب، ولأنه إنما يأخذ السدس بالفرض، ولأن الابن يعصب أخته، بخلاف الأب.
فإن عدم البنون وبنوهم وإن سفلوا.. كان التعصيب للأب، وكان أحق من سائر العصبات، لأن سائر العصبات يدلون به.
فإن عدم الأب.. كان التعصيب للجد إن لم يكن أخ، لأنه يدلي بالأب، ثم أبي الجد وإن علا مع الإخوة للأم والأب أو للأب، ويقدمون على بني الإخوة، وبنو الإخوة يقدمون على الأعمام.
فإن لم يكن جد، وهناك أخ لأب وأم أو لأب.. كان التعصيب له، لأنه يدلي بالأب، فإن اجتمع الجد والأخ.. كان المال بينهما عندنا على ما يأتي ذكره.
وإن اجتمع أخ لأب وأم وأخ لأب. فالأخ للأب والأم أولى، لما روى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بالدين قبل الوصية، وقال: " إن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه» . ولأنه يدلي بقرابتين، فكان أولى ممن يدلي بقرابة.
فإن عدم الأخ للأب والأم.. كان التعصيب للأخ للأب، ويقدم على ابن الأخ للأب والأم، لأنه أقرب. ثم بعد الأخ للأب ابن الأخ للأب والأم، ثم ابن الأخ للأب.
فإن عدم الإخوة وبنوهم.. كان التعصيب للأعمام، لأنهم أبناء الجد، ويقدم العم

(9/71)


للأب والأم على العم للأب، ويقدم العم للأب على ابن العم للأب والأم، لأنه أقرب.
فإن عدم الأعمام وبنوهم.. كان التعصيب لأعمام الأب، لأنهم أبناء أبي الجد، يقدم الأقرب فالأقرب منهم، ثم بنوهم.
فإن عدم أعمام الأب وبنوهم. كان التعصيب لأعمام الجد، الأقرب فالأقرب منهم، ثم بعدهم يكون لبنيهم، وعلى هذا يكون أبداً.
فإذا انفرد الواحد من العصبة.. أخذ جميع المال، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] [النساء: 176] . فورث الأخ جميع مال الأخت. وإن كان هناك اثنان من العصبة في درجة واحدة.. اقتسما المال بينهما، لاستوائهما في النسب. وإن كان مع العصبة من له فرض.. أعطي صاحب الفرض فرضه، وكان الباقي للعصبة، لما ذكرناه في حديث ابنتي سعد بن الربيع وزوجته وأخته.
ويعصب الابن أخته وأخواته، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] [النساء: 11] .
وكذلك ابن الابن يعصب أخواته كالابن، ويعصب عماته، وقد مضى ذكره.
وكذلك الأخ للأب والأم أو الأخ للأب يعصب أخواته، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] إلى قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] [النساء: 176] .
ومن عدا هؤلاء من العصبة لا يعصب أخواته، لأنه لا فرض لهن عند انفرادهن.. فلم يعصبهن.

[مسألة خلفت زوجاً وأما واثنين من ولد الأم وأخا وأختا شقيقين]
] : وإن ماتت امرأة وخلفت زوجاً، وأما واثنين من ولد الأم، وأخا وأختا لأب وأم.. كان للأم السدس- وهو سهم- من ستة، وللزوج النصف- ثلاثة - وللأخوين

(9/72)


للأم الثلث- سهمان - ويشاركهما في هذين السهمين الأخ والأخت للأب والأم، يقتسمونه بينهم، الذكر والأنثى فيه سواء.
وتصح من اثني عشر: للأم سهمان، وللزوج ستة، ولكل واحد من الإخوة والأخوات سهم، وبه قال عمر، وعثمان، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وشريح، ومالك، وإسحاق.
وقال علي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبو موسى الأشعري، وأبي بن كعب، والشعبي، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد: (يسقط الأخ والأخت للأب والأم) .
دليلنا: أنها فريضة جمعت ولد أم وولد أب وأم يرث كل واحد منهما إذا انفرد، فإذا ورث ولد الأم.. لم يسقط ولد الأب والأم، كما لو انفرد ولد الأم وولد الأب والأم ولم يكن معهم ذو سهم غيرهم.
وهذه المسألة تعرف بالحمارية، لأنه يحكى فيها: أن ولد الأب والأم قالوا: احسب أن أبانا كان حماراً، أليس أمنا وأمهم واحدة؟!
وتعرف بالمشتركة أيضاَ، لما فيها من التشريك بين الإخوة للأم والإخوة للأب والأم في الثلث.

[مسألة خلفت ابني عم أحدهما زوج أو خلف ابني عم أحدهما أخ لأم]
] : إذا ماتت امرأة وخلفت ابني عم، أحدهما زوج.. ورث الزوج النصف بالفرض، والباقي بينه وبين الآخر نصفان بالتعصيب.
وإن مات رجل وخلف ابني عم، أحدهما أخ لأم.. فإن للذي هو أخ لأم السدس بالفرض، والباقي بينه وبين ابن العم الآخر نصفان بالتعصيب. وبه قال علي، وزيد بن ثابت، ومالك، والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة.

(9/73)


وذهب عمر، وابن مسعود، وشريح، والحسن، وأبو ثور إلى: (أن المال كله لابن العم الذي هو أخ للأم) .
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] [النساء: 7] .
وابن العم الذي ليس بأخ لأم من الرجال الأقربين، فينبغي أن يكون له نصيب. ولأنه يدلي نسب يفرض له به، فوجب أن يقوى به تعصيبه، كابني عم أحدهما زوج.

[مسألة ميراث ولد الملاعنة وولد الزنا]
] : إذا قذف رجل امرأته بالزنا وانتفى عن نسب ولدها ونفاه باللعان.. فإن النسب ينقطع بين الأب والولد، فلا يثبت بينهما توارث، لأن الإرث بينهما بالنسب، ولا نسب بينهما بعد اللعان، ولا ينقطع التوارث بين الولد والأم، لأنه لا ينتفي عنها.
فإن ماتت الأم.. ورث ولدها جميع مالها إن كان ذكراً.
وإن مات الولد ولم يخلف غير الأم.. كان لها الثلث، والباقي لمولاه إن كان له مولى، وإن لم يكن له مولى.. كان الباقي لبيت المال.
وإن كان له أخ لأم.. كان له السدس، ولأمه الثلث، والباقي لمولاه أو لبيت المال.
وإن كان له أخوان لأم وأم.. كان لأمه السدس، ولأخويه لأمه الثلث، والباقي لمولاه أو لبيت المال. وبه قال ابن عباس، وزيد بن ثابت، وهي إحدى الروايتين عن علي.

(9/74)


وقال أبو حنيفة: (يكون للأم فرضها، وتأخذ الباقي بالرد) بناء على أصله في ذلك.
وذهب ابن مسعود إلى: (أن الأم عصبة له، فتأخذ سهمها بالفرض والباقي بالتعصيب) .
وذهب بعض الناس إلى: أن عصبته عصبة الأم.
دليلنا: ما روى الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي: أنه قال: «فرق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين الرجل والمرأة - يعني: باللعان - وكانت حاملاً فانتفى عنه حملها، فكان الولد يدعى لأمه، وجرت السنة أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها» والذي فرض الله للأم من الولد الثلث أو السدس، فالظاهر يقتضي: أنها لا تزاد على ذلك.
ولأن من ورث سهماً من فريضة.. لم يستحق زيادة عنها إلا بتعصيب، قياساً على الزوجة.
ولأن الأم لو كانت عصبة.. لم يسقطها المولى، لأن العصبة لا تسقط بالمولى، فدل على: أنها ليست بعصبة.
وأما الدليل على أن عصبتها ليست عصبة لولدها: أن الأم ليست عصبة للولد، فلم يكن من يدلي بها عصبة له، كابن الأخ للأم.
إذا ثبت هذا: فإن حكم ولد الزنا حكم ولد الملاعنة، لأنه ثابت النسب من أمه وغير ثابت النسب من أبيه، فكان حكمه حكم ولد الملاعنة.

[فرع ولدا الزنا أو اللعان]
] : وإن أتت امرأة بولدين توأمين من الزنا، أو أتت امرأة رجل بولدين توأمين فنفاهما الأب باللعان.. فإن التوارث بينهما وبين الأم ينقطع، لما ذكرناه في الولد، ولا ينقطع التوارث بينهما وبين الأم.

(9/75)


وأما إرث أحدهما من الآخر: فهل يتوارثان بكونهما أخوين لأم لا غير، أو بكونهما أخوين لأب وأم؟ فيه وجهان:
أحدهما: يتوارثان بكونهما أخوين لأب وأم، لأن حكم اللعان إنما يتعلق بالزوجين دون غيرها، ألا ترى: أن الزوج إذا قذفها بعد ذلك.. لم يحد، وإذا قذفها غيره.. حد؟
والثاني: أنهما يتوارثان بكونهما أخوين لأم لا غير، وهو الأصح، لأن نسبهما قد انقطع عن الأب، فكيف يتوارثان به؟

[مسألة ميراث الخنثى]
] : وإن مات ميت وخلف وارثا خنثى- وهو الذي له ذكر رجل وفرج امرأة - فإن كان يبول من الذكر لا غير.. فهو رجل، وإن كان يبول من فرج المرأة لا غير.. فهو امرأة، لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: (إن خرج بوله من مبال الذكر.. فهو ذكر، وإن خرج من مبال الأثنى.. فهو أنثى) . ولأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة في الرجل أنه يبول من ذكره، وأن الأنثى تبول من فرجها، فرجع في التمييز إليه.
وإن كان يبول منهما سواء، أو خلق الله له موضعاً آخر يبول منه.. فهو مشكل.
وإن كان يبول منهما إلا أن أحدهما يبول منه أكثر.. ففيه وجهان:
أحدهما: يعتبر بالأكثر، لأنه أقوى في الدلالة.
والثاني: لا يعتبر، لأن اعتبار ذلك يشق.
وحكي: أن أبا حنيفة سئل عن الخنثى المشكل، فقال: (يحكم بالمبال) ، فقال أبو يوسف: أرأيت إن كان يبول بهما؟ قال: (لا أدري) ، قال أبو يوسف: لكني أرى

(9/76)


أن يحكم بأسبقهما بولاً، فقال أبو حنيفة: (أرأيت لو استويا في الخروج؟) فقال أبو يوسف: بأكثرهما، فقال أبو حنيفة: (يكال أو يوزن؟) فسكت أبو يوسف.
وإن لم يكن فيه دلالة من المبال.. فهل يعتبر بنبات اللحية ونهود الثديين وعدد الأضلاع؟ فيه وجهان:
أحدهما: يعتبر، فإن نبتت له لحية.. دل على أنه ذكر، وإن نهد ثدياه.. دل على أنه امرأة، فإن الله أجرى العادة بنبات اللحية للرجال، ونهود الثديين للنساء.
وإن استوت أضلاعه من الجانبين.. فهو امرأة، وإن نقص أحد جانبيه ضلعاً.. فهو رجل، لأن المرأة لها في كل جانب سبع عشرة ضلعاً، والرجل له في الجانب الأيمن سبع عشرة ضلعاً وفي الجانب الأيسر ست عشرة ضلعا؛ لأنه يقال: إن حواء خلقت من ضلع من جانب آدم الأيسر.. فلذلك نقص من الجانب الأيسر من الرجال.
و [الثاني] : منهم من قال: لا يعتبر بذلك، وهو قول أكثر أصحابنا، لأن اللحية قد تنبت لبعض النساء ولا تنبت لبعض الرجال، وقد يكون الثدي لبعض الرجال.
وروي: أن رجلاً كان له ثدي يرضع به في مجلس هارون الرشيد.
وأما اعتبار الأضلاع: فإنه يشق ولا يتوصل إلى ذلك، لأن فيها شيئاً يخفى، فلا يمكن اعتبارها.
إذا ثبت هذا، أو تعذر اعتباره من هذه الأشياء.. فإنه يرجع إلى قوله، وإلى ماذا يميل إليه طبعه. فإن قال: أميل إلى جماع النساء.. فهو رجل، وإن قال: أميل إلى جماع الرجال.. فهو امرأة.
وليس ذلك تخييراً له، وإنما هو سؤال له عن ميلان طبعه. فإن أخبر بأحدهما ثم رجع عنه.. لم يقبل رجوعه، لأنه إذا أخبر بأحدهما تعلقت به أحكام، وفي قبول قوله في الرجوع إسقاط لتلك الأحكام، فلم يجز.

(9/77)


وهل يصح ذلك منه قبل البلوغ وبعد التمييز؟ فيه وجهان، حكاهما المسعودي [في " الإبانة " ق\388] :
أحدهما: يصح منه، كما يصح منه أن يختار الكون مع أحد الأبوين.
والثاني: لا يصح، لأن طبع الرجل والمرأة إنما يختلفان بعد البلوغ.
فإن قال: أنا رجل فزوج بامرأة فحبلت امرأته وحبل هو.. تبينا أنه امرأة، وأن نكاحه كان باطلاً، وأن ولد المرأة غير لاحق به، لأن الحمل يدل على الأنوثية قطعاً.
وإن قال الخنثى: أنا أشتهي جماع النساء والرجال، أو لا أشتهي واحدا منهما. فهو مشكل.
والحكم في توريث المشكل: أنه يعطى ما يتيقن أنه له، وإن كان معه ورثة.. أعطي كل وارث منهم ما يتيقن أنه له، وهو أقل حقيه، ووقف الباقي إلى أن يتبين أمر الخنثى أو يصطلحوا عليه.
فإن مات ميت وخلف ابنا خنثى مشكلاً لا غير.. أعطي نصف ماله، وإن كانا خنثيين.. أعطيا الثلثين ووقف الباقي إلى أن يتبين أمرهما أو يصطلحوا عليه.
وقال أبو حنيفة: (يعطى الخنثى المشكل ما يتيقن أنه له، ويصرف الباقي إلى العصبة) . وخرجه ابن اللبان وجها آخر، وليس بمشهور.
وذهبت طائفة من البصريين إلى أنه: إذا خلف ابنا خنثى مشكلاً لا غير.. أعطي ثلاثة أرباع المال، واختلفوا في تنزيل حاله.
فمنهم من قال: تنزيل حاله أنه يحتمل أن يكون ذكراً، فيكون له جميع المال، ويحتمل أنه أنثى، فيكون له نصف المال والباقي للعصبة، فالنصف متيقن له، والنصف الآخر يتنازعه هو والعصبة، فيكون بينهما.
ومنهم من قال: تنزيل حاله أنه يحتمل أن يكون ذكراً، فيكون له جميع المال، ويحتمل أنه أنثى، فيكون له نصف المال، فيعطى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى.

(9/78)


دليلنا: أنه يحتمل أن يكون ذكراً ويحتمل أن يكون أنثى فأعطيناه اليقين وهو ميراث الأنثى، لأنه متيقن له، ولم نورثه ما زاد؛ لأنه توريث بالشك.
وعلى أبي حنيفة: أنا لا نتيقن استحقاق العصبة للموقوف، فلم يجز دفع ذلك إليه.

[مسألة خلف حملاً وارثا أو غير وارث]
] : وإن مات رجل وخلف حملاً وارثا.. نظرت: فإن انفصل واستهل صارخاً.. فإنه يرث، سواء كان فيه روح حال موت مورثه أو كان يومئذ نطفة؛ لما روى أبو الزبير عن جابر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استهل الصبي.. ورث وصلي عليه» .
قال الشيخ أبو حامد: ولا خلاف في هذا. وإن خرج ولم يستهل، ولكن علمت حياته بحركة أو غير ذلك، ثم مات.. فإنه يرث عندنا. وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك: (لا يرث) .
دليلنا: أن كل من تحققت حياته بعد انفصاله.. وجب أن يرث، كما لو خرج واستهل صارخاً، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما نص على الاستهلال، لأن ذلك تعلم به الحياة، فكل ما علمت به الحياة كالحركة والبكاء.. قام مقامه.
وإن خرج ميتا.. لم يرث، لأنا لا نعلم أنه نفخ فيه الروح وصار من أهل الميراث أو لم ينفخ.

(9/79)


وإن انفصل ميتاً وتحرك بعد الانفصال حركة لا تدل على الحياة.. لم يرث، لأن بهذه الحركة لم تعلم حياته، لأن المذبوح قد يتحرك، واللحم قد يختلج ولا روح فيه.
وإن خرج بعضه فصرخ، ثم مات قبل أن ينفصل.. لم يرث، لأنه ما لم ينفصل جميعه.. لا يثبت له أحكام الدنيا.
إذا ثبت هذا: فما حكم مال الميت قبل انفصال الحمل؟ ينظر فيه:
فإن كان مع الحمل وارث له فرض لا ينقصه الحمل، كالزوج والزوجة والأم والجدة.. أعطي صاحب الفرض فرضه، ووقف الباقي من ماله.
وإن كان الوارث معه ممن لا سهم له مقدر، كالابن والابنة.. فاختلف أصحابنا فيه:
فذهب المسعودي [في " الإبانة " ق \ 377] ، وابن اللبان وغيرهما إلى: أنه يدفع إلى الابن الموجود خمس المال، ويوقف الباقي.
وحكى الشيخ أبو حامد: أن هذا مذهب أبي حنيفة، لأن أكثر ما تلد المرأة في بطن أربعة أولاد.
وقال الشيخان- أبو حامد وأبو إسحاق -: لا يعطى الابن الموجود شيئا من المال، بل يوقف جميعه.
وحكى المسعودي [في " الإبانة " ق\377] : أن هذا مذهب أبي حنيفة.
وقال محمد بن الحسن: يدفع إليه ثلث المال، لأن أكثر ما تلده المرأة اثنان.
وقال أبو يوسف: يدفع إليه نصف المال، لأن الظاهر أنها لا تلد أكثر من واحد.
فإذا قلنا: إنه يوقف جميع المال.. فوجهه: أنه لا يعلم أكثر ما تحمله المرأة. وحكي عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أنه قال: (قدمت اليمن، فكنت عند شيخ بها أستمع عليه الحديث، فبينما هو جالس على بابه إذ جاء خمسة كهول، فسلموا عليه وقبلوا رأسه ودخلوا الدار، ثم جاء خمسة شباب، فسلموا عليه وقبلوا رأسه ودخلوا

(9/80)


الدار، ثم جاء خمسة فتيان، فسلموا عليه وقبلوا رأسه ودخلوا الدار، ثم جاء خمسة صبيان، فسلموا عليه وقبلوا رأسه ودخلوا الدار، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء أولادي، ولدت أمهم كل خمسة في بطن واحد، فهؤلاء عشرون في أربعة بطون، وخمسة أطفال في المهد) .
وحكى ابن المرزبان: أنه قال: أسقطت امرأة عندنا بالأنبار كيسا فيه اثنا عشر ولداً، كل اثنين متحاذيان، فعلم أنه ليس لما تلده المرأة حد.

[فرع بعض الأمثلة المتعلقة بإرث الحمل]
] : ميت مات، فقالت امرأة حامل: إن ولدت أنثى.. لم ترث منه، وإن ولدت ذكراً.. ورث منه، وإن ولدت ذكراً وأنثى.. ورث الذكر دون الأنثى.. فهذه امرأة أخ للميت، أو امرأة ابن أخيه، أو امرأة عمه، أو امرأة ابن عمه.
وإن قالت: إن ولدت أنثى.. ورثت، وإن ولدت ذكراً.. لم يرث، وإن ولدت ذكراً وأنثى.. لم يرثا.. فهذه امرأة ماتت وخلفت زوجاً وبنتاً وأبوين وزوجة ابنها حاملاً من ابنها، فإن ولدت أنثى.. ورثت السدس تكملة الثلثين، فإن ولدت ذكراً.. لم يرث، وإن ولدت ذكراً وأنثى.. لم يرثا.
وإن قالت امرأة حامل: إن ولدت ذكراً.. ورث، وإن ولدت أنثى.. لم ترث، وإن ولدت ذكراً وأنثى.. ورثا.. فهذا ميت مات وخلف ابنتين وزوجة ابن حاملاً منه، أو ميت مات وخلف أختين لأب وأم وزوجة أب حاملاً منه.
ولو قالت الحامل: إن ولدت ذكراً.. ورث وورثت معه، وإن ولدت ذكراً، وأنثى.. ورثا وورثت معهما، وإن ولدت أنثى.. لم ترث ولم أرث.. فهذا رجل مات وخلف ابنتين وابنة ابن حاملاً من ابن ابن آخر قد مات.

(9/81)


ولو قالت الحامل: إن ولدت أنثى.. ورثت وورثت معها، وإن ولدت ذكراً أو ذكراً وأنثى.. لم يرث واحد منا.. فهذه امرأة ماتت وخلفت ابنة وأبوين وزوجاً، وهذه الحامل ابنة ابن ابن هذه الميتة من ابن ابن لها آخر قد مات.
ولو قالت حامل: إن ولدت ذكراً.. ورث ولم أرث أنا، وإن ولدت أنثى.. ورثت أنا ولم ترث هي.. فهذه امرأة أعتقت عبداً، ثم نكحت المعتقة أخ المعتق، فحملت منه فمات، ثم مات المعتق. فإن ولدت ذكراً.. كان ابن أخ المعتق، فورثه ولم ترثه المعتقة، وإن ولدت أنثى.. كانت ابنة أخ المعتق، فلا ميراث لها وترثه المعتقة.

[فرع صورة تستحق البنت فيها التسع والابن التسعين]
قال ابن اللبان: فإن مات رجل وخلف بنتاً، وبنت ابن ابن، وأخا، وأمة للميت حاملاً منه، وامرأة ابن حاملاً من الابن.. فإن البنت تعطى تسع المال ويوقف الباقي.
وقلت: هذا بناه على أصله: أن المرأة لا تلد أكثر من أربعة.
فإن ولدت الأمة وامرأة الابن ذكراً وأنثى وأشكل: أيتهما ولدت الذكر، وأيتهما ولدت الأنثى.. فإن البنت يكمل لها ثلث جميع المال، لأنها تستحق ذلك يقينا، ويعطى الابن تسعي المال، لأنه يستحقه بيقين، ويوقف الباقي حتى يصطلح عليه بنت الابن والمولودان، ولا حق للبنت في الموقوف.

[فرع إرث ابن العبد لأخيه الحر]
وماذا لو مات ابن الزوجة؟] : قال ابن اللبان: ولو أن عبداً له ابن حر وتحت العبد امرأة حرة، فمات ابن العبد ولم يعلم: هل امرأة العبد حامل أم لا؟

(9/82)


فإن لم يمسك العبد عن وطئها، فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر.. ورث أخاه، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر من يوم مات.. لم يرثه، لأنه يحتمل أن تكون حبلت به بعد موته، إلا أن يتصادق الورثة: أنها كانت حاملاً به يوم مات.. فيرثه. قال: وهذا إجماع.
قال: وكذلك ينبغي للحر - إذا كان تحته امرأة فمات ابن لامرأته من غيره- أن يمسك عن وطئها حتى يستبرئها بحيضة، فلعل بها حملاً يرث أو يحجب، فإن لم يفعل.. فالجواب على ما مضى.

[فرع يوقف توزيع التركة حتى يعلم من المستهل]
] : وإن مات رجل وخلف أما، وأخا لأب وأم أو لأب، وأمة حاملاً من هذا الميت، فولدت ذكراً وأنثى، واستهل أحدهما، ووجدا ميتين، ولم يعلم أيهما المستهل.. فيعطى الأخ أقل حقيه، وهو: عشرة أسهم من ثمانية عشر سهماً، لجواز أن يكون المستهل هو الذكر، ويدفع إلى أم الولد ثلاثة أسهم من ثمانية عشر سهماً وهو أقل حقها، لجواز أن يكون المستهل هو الأنثى، ويدفع إلى أم الميت ثلاثة أسهم وهو سدس المال ولا تستحق غير ذلك بكل حال، ويوقف سهمان حتى يصطلح عليه الأخ وأم الولد، ولا شيء للأم فيهما.

(9/83)


وإن مات رجل وخلف أخا، وأمة حاملاً منه، وامرأة ابن حاملا من ابن الميت وقد مات الابن، فولدت أمة الميت ذكراً، وولدت امرأة ابنه أنثى، واستهل أحدهما ومات، ولم يعلم أيهما المستهل، ووجدا ميتين، قال ابن اللبان: فإنه يدفع إلى أخي الميت ثلثا المال؛ لأنه يستحقه بكل حال، ويوقف الثلث حتى يصطلح عليه الأخ وأم الولد وامرأة الابن؛ لأنه إن كان المستهل هو الابن.. فالثلث كله لأم الولد، وإن كان المستهل هو الابنة.. كان لامرأة الابن السدس، وللأخ السدس.
قال: وهكذا الحكم إذا لم يعلم من التي ولدت الذكر منهما، ومن التي ولدت الأنثى، واستهل أحدهما، ووجدا ميتين، ولم يعلم من المستهل منهما.

[فرع يوقف التقسيم للصلح]
] : وإن مات رجل وخلف أخا، وابنتين، وبنت ابن، وأم ولد حاملا ًمنه، وامرأة ابن حاملاً من الابن، فولدت إحداهما ذكراً والأخرى أنثى، واستهل أحدهما ووجدا ميتين، ولم يعلم من المستهل منهما، ومن التي ولدت الذكر ولا من التي ولدت الأنثى.. قال ابن اللبان: فإن التركة تقسم على مائة سهم وثمانية، فتعطى كل ابنة اثنين وثلاثين سهما، ويعطى للأخ أربعة، ويوقف أربعون سهما، فالأخ يدعي منها ستة وثلاثين سهما، وكل بنت تدعي ثلاثة عشر سهما، وأم الولد تدعي تسعة أسهم، وامرأة الابن تدعي ثمانية، وبنت الابن تدعي أربعة وعشرين سهما، فيوقف ذلك بينهم حتى يصطلحوا عليه.

(9/84)


فإن كانت امرأة حاملاً فولدت ابنتين توأمين وماتت، فاستهلت إحداهما، ثم سمع استهلال آخر، ووجدتا ميتتين، ولم يعلم هل تكرر الاستهلال من إحداهما أم استهلتا جميعاً؟ وخلفت المرأة أخاها وزوجها وهو أبو ولدها.. قال ابن اللبان: فإنه يعطى الأخ نصف السدس، والزوج ثلاثة أرباع، ويوقف السدس حتى يصطلحوا عليه.
قال: ويحتمل أن يعطى الأخ الربع، لأنا لا نعلم أن المرأة ورثها ابنتاها، وقد علمنا أن إحداهما حية، والحي قد يتكرر منه الاستهلال، فلا يورث منهما إلا من تيقنا حياته، ولا يحجب الأخ إلا بيقين.

(9/85)


[فرع الاختلاف في الموت والاستهلال]
] : وإن مات رجل وخلف أخاً، وامرأة حاملاً فولدت ابنا وبنتا فاستهلا، ثم مات أحدهما، ثم ماتت المرأة بعده، ثم مات الولد الآخر ولم يعلم أيهما مات قبل الأم.. قال ابن اللبان: فقد قيل: القياس أن لا يرث الولدان أمهما ولا ترثهما؛ لأنه لا يعلم على الانفراد أيهما مات قبلها، كالغرقى، فيكون ثمن المرأة لعصبتها، والسبعة الأثمان التي للولدين للأخ بميراثه منهما.
وقيل: بل ينزل فيقال: إن كان الذي مات قبل المرأة هي البنت.. فالمال كله للأخ، وإن كان الذي مات قبل المرأة هو الابن.. ورثت المرأة منه ثلث سهامه - وهو أربعة أسهم وثلثا سهم من أربعة وعشرين - وورثت الأخت نصفها والعم سدسها، فلما ماتت المرأة.. كان ما بيدها - وهو سبعة أسهم وثلثا سهم - بين ابنتها وعصبتها نصفين، فيصح لعصبتها ثلاثة أسهم وخمسة أسداس سهم، فلما ماتت البنت.. صار ما في يدها للعم، فاجتمع للعم بميراثه من الابن والبنت عشرون سهماً وسدس سهم، فهذا للأخ بيقين.

(9/86)


والباقي من المال - وهو ثلاثة أسهم وخمسة أسداس سهم - لعصبة المرأة فيوقف ذلك حتى يصطلحا عليه، فتضرب الفريضة - وهي أربعة وعشرون - في مخرج السدس - وهو ستة - فذلك مائة وأربعة وأربعون.

[مسألة تقديم أصحاب الفروض]
] : وإن مات ميت وخلف من الورثة من له فرض لا يستغرق جميع ماله، كالأم والابنة والأخت.. فإن صاحب الفرض يأخذ فرضه، وما بقي عن فرضه.. يكون لعصبته إن كان له عصبة، وإن لم يكن له عصبة.. كان للمولى إن كان له مولى، وإن لم يكن له مولى.. كان الباقي لبيت المال، فيصرف إلى الإمام ليصرفه في مصالح المسلمين. وبه قال زيد بن ثابت، والزهري، والأوزاعي، ومالك.
وذهب علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى: (أنه يرد ذلك على ذوي الفروض إلا على الزوجين.. فإنه لا يرد عليهما، فإن لم يكن له أحد من أهل الفروض.. صرف ذلك إلى ذوي الأرحام، فيقام كل واحد من ذوي الأرحام مقام من يدلي به) .
وبه قال الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه. واختاره بعض أصحابنا إذا لم يكن هناك إمام عادل، لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تحوز المرأة ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وابنها الذي لا عنت عليه» . فأخبر: أنها تحوز ميراث ابنها

(9/87)


الذي لا عنت عليه وهذا نص.
ودليلنا: قَوْله تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] [النساء: 176] ولم يفرق بين أن يكون هناك وارث غيرها أو لم يكن.
فمن قال: إن لها جميع المال.. فقد خالف ظاهر القرآن. وكذلك جعل للابنتين الثلثين ولم يفرق. ولأن كل من استحق من فريضة سهماً مقدراً.. لم يرث منها شيئاً آخر إلا بتعصيب، كالزوج والزوجة.
فعلى هذا: إن كان هناك إمام عادل.. سلم المال إليه، وإن لم يكن هناك إمام عادل.. صرفه من هو بيده إلى مصالح المسلمين.
وبالله التوفيق

(9/88)


[باب الجد والإخوة]
الجد أبو الأب وإن علا.. وارث بلا خلاف بين أهل العلم.
وروي: (أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سأل الصحابة: هل تعلمون أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل في الجد شيئا؟ فقال معقل بن يسار المزني: نعم شهدت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورثه السدس، فقال له عمر: مع من؟ قال: لا أدري، فقال له: لا دريت، إذن لا تغني) .
فإن اجتمع الجد مع الإخوة أو الأخوات للأم.. أسقطهم بالإجماع، وقد مضى.
وإن اجتمع مع الإخوة أو الأخوات للأب والأم أو للأب.. فقد كانت الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يتحرجون من الكلام فيه، لما روى سعيد بن المسيب: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أجرؤكم على الجد أجرؤكم على النار» .
وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال (من أحب أن يتقحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة) .

(9/89)


وروي عن ابن مسعود: أنه قال: (سلونا عن كل شيء ودعونا من الجد، لا حياه الله ولا بياه) .
إذا ثبت هذا: فقد اختلف الناس في الجد إذا اجتمع مع الإخوة أو الأخوات للأب والأم أو للأب:
فذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلى: أن الجد لا يسقطهم، وروي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت، وبه قال مالك والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل.
وذهبت طائفة إلى: أن الجد يسقطهم، وروي ذلك عن أبي بكر، وابن عباس،

(9/90)


وعائشة، وأبي الدرداء، وبه قال أبو حنيفة، وعثمان البتي، وابن جرير الطبري، وداود، وإسحاق، واختاره المزني.
قال المسعودي [في " الإبانة " ق\394] : وإليه ذهب ابن سريج.
ودليلنا: قَوْله تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] [النساء: 7] ، فجعل للرجال والنساء الأقارب نصيباً. والإخوة والأخوات للأب إذا اجتمعوا مع الجد.. فهم من الأقارب، فمن قال: لا نصيب لهم.. فقد ترك ظاهر القرآن. ولأن الأخ يعصب أخته فلم يسقطه الجد، كالابن. ولأن الأخت تأخذ النصف بالفرض فلم يسقطها الجد، كالبنت. ولأن الجد والأخ على منزلة واحدة من الميت، لأن الجد أبو أبيه، والأخ ابن أبيه، والجد له تعصيب ورحم، والأخ له تعصيب من غير رحم فلم يسقطه الجد، كالابن والبنت إذا اجتمعا.
إذا ثبت هذا: فإن الجد كالأب في عامة أحكامه، فيرث بالتعصيب إذا انفرد كالأب، ويرث بالفرض مع الابن وابن الابن، ويرث بالفرض والتعصيب مع البنت وبنت الابن، إلا أن الجد يخالف الأب في أربع مسائل:
[الأولى] منها: أن الأب يحجب الإخوة والأخوات للأب والأم أو للأب، والجد لا يحجبهم.
والثانية والثالثة: أن الأب يحجب الأم عن كمال الثلث إلى ثلث ما يبقى في زوج

(9/91)


وأبوين أو زوجة وأبوين، والجد لا يحجبها فيهما، بل يكون لها ثلث جميع المال مع الجد فيهما.
الرابعة: أن الأب يحجب أم نفسه، والجد لا يحجب أم الأب، لأنها تساويه في الدرجة إلى الميت، وتدلي بالأب فلم ترث معه.

[مسألة الجد مع الإخوة]
وإذا اجتمع الجد والإخوة أو الأخوات للأب والأم أو للأب، وليس معهم من له فرض.. فللجد الأحظ من المقاسمة، أو ثلث جميع المال.
فإن كان معه أخ واحد.. فالأحظ له هاهنا المقاسمة؛ لأنه يأخذ نصف جميع المال، وإن كان معه أخوان.. استوت له المقاسمة والثلث، وإن كان معه ثلاثة إخوة فما زاد.. فالأحظ له هاهنا أن ينفرد بثلث جميع المال.
هذا مذهبنا، وبه قال زيد بن ثابت وابن مسعود.
وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روايتان:
إحداهما - وهي المشهورة: - أن له الأحظ من المقاسمة أو سدس جميع المال، فإذا كان معه أربعة إخوة.. فالمقاسمة أحظ له، وإن كانوا خمسة.. استوت المقاسمة

(9/92)


والسدس، وإن كانوا ستة.. فالسدس أحظ له) .
والثانية: (أن له الأحظ من المقاسمة أو سبع جميع المال) .
وروي عن عمران بن الحصين، وأبي موسى الأشعري: أنهما قالا: (له الأحظ من المقاسمة أو نصف سدس جميع المال، فإذا كان معه عشرة إخوة.. فالمقاسمة خير له، وإن كانوا أحد عشر.. استوت المقاسمة ونصف السدس) .
ودليلنا - عليهما: - أن البنين أقوى حالاً من الإخوة، بدليل: أن الإخوة يسقطون بالبنين، ثم ثبت أن البنين لا يسقطون الجد عن السدس، فالإخوة أولى أن لا يسقطوه عنه.
وأما الدليل على ما قلناه: فلأن حجب الإخوة للجد لا يقع بواحد وينحصر بعدد، فوجب أن يكون غاية ذلك اثنين، قياساً على حجب الإخوة للأم عن الثلث، وحجب بنات الصلب لبنات الابن، وحجب الأخوات للأب والأم للأخوات للأب.
وأما إذا اجتمع مع الجد الأخوات للأب والأم أو للأب منفردات.. فمذهبنا: أن حكمهن حكم الإخوة مع الجد، فيقاسمهن ويكون المال بينه وبينهن للذكر مثل حظ الأنثيين ما لم تنقصه المقاسمة عن الثلث، فإذا نقصته عن الثلث.. أفرد بثلث جميع المال، وبه قال زيد بن ثابت.

(9/93)


وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: (يفرض للأخوات فروضهن، ويكون الباقي للجد) . ودليلنا: أنها فريضة جمعت أبا أب وولد أب، فوجب أن لا يأخذ ولد الأب بالفرض، كما لو كان مع الجد إخوة.. ولا ينتقض بالأكدرية، لأنه يفرض للأخت، ولكن لا تأخذ ما فرض لها.
وإن كان مع الجد إخوة وأخوات لأب وأم أو لأب.. فإن الجد يقاسمهم، للذكر مثل الأنثيين ما لم تنقصه المقاسمة عن الثلث، فإذا نقصته المقاسمة عن ذلك.. فرض له الثلث كما ذكرنا.

[مسألة اجتماع إخوة وجد وذوي فروض]
] : وإن اجتمع مع الجد والإخوة من له فرض، وهم ستة: البنت، وبنت الابن، والزوج، والزوجة، والأم، والجدة.. فإن صاحب الفرض يعطى فرضه، ويكون للجد أوفى ثلاثة أشياء: المقاسمة، أو ثلث ما يبقى، أو سدس جميع المال.
فإن كان الفرض أقل من نصف جميع المال.. فثلث ما يبقى خير له من السدس، فيكون له الأحظ من المقاسمة أو ثلث ما يبقى.
وإن كان الفرض النصف.. فثلث ما يبقى والسدس واحد.
وإن كان الفرض أكثر من النصف.. فالسدس أكثر من ثلث ما يبقى، فيكون للجد الأحظ من المقاسمة أو السدس.

(9/94)


إذا ثبت هذا: فمات رجل وخلف بنتاً وأختا لأب وأم وجداً.. فللبنت النصف، والباقي بين الجد والأخت، للذكر مثل حظ الأنثيين، والمقاسمة هاهنا خير للجد..
هذا مذهبنا، وبه قال زيد بن ثابت.
وقال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (للبنت النصف، وللجد السدس، والباقي للأخت) .
دليلنا: أنها فريضة جمعت أبا أب وولد أب، فاشتركا في الفاضل عن فرض ذوي السهام، كما لو كان بدل الأخت أخا مع البنت والجد.

[فرع اجتماع زوج وجد وأم]
والمسألة المربعة] : زوج وجد وأم.. فالتركة من ستة: للزوج ثلاثة، وللأم الثلث - سهمان - وللجد سهم. وبه قال زيد بن ثابت.
فإن كان بدل الزوج زوجة.. كان للزوجة الربع، وللأم الثلث، والباقي للجد..
وروي عن عمر روايتان:
إحداهما: (أن للزوج النصف، وللأم ثلث ما يبقى، والباقي للجد) .
والثانية: (للزوج النصف، وللأم السدس، والباقي للجد) .
ويفيد اختلاف الروايتين إذا كان مكان الزوج زوجة.. فعلى إحدى الروايتين: يكون للزوجة الربع، وللأم ثلث ما يبقى، والباقي للجد.
وروي عن ابن مسعود ثلاث روايات: كروايتي عمر. والثالثة (للزوج النصف، والباقي بين الجد والأم) ، فتكون على هذه الرواية من مربعات ابن مسعود.
وإن مات رجل وخلف زوجة وأما وأخا وجدا.. كان أصلها من اثني عشر: للزوجة ثلاثة، وللأم أربعة وللأخ والجد ما بقي وهو خمسة، فتصح من أربعة،

(9/95)


وعشرين، وهي من مربعات ابن مسعود، فإنه قال: (للزوجة الربع، وللأم ثلث ما بقي، وللجد وللأخ سهمان) .
وإن خلف رجل زوجة وأختا وجدا.. كان للزوجة الربع - سهم من أربعة - والباقي بين الجد والأخت، للذكر مثل حظ الأنثيين، وتصح من أربعة. وبه قال زيد بن ثابت.
وقال أبو بكر وابن عباس: (للزوجة الربع، والباقي للجد) .
وقال عمر وابن مسعود: (للزوجة الربع- سهم من أربعة - وللأخت النصف، سهمان - وللجد ما بقي، وهو سهم) .
وتعرف هذه المسألة بالمربعة، فإنهم اختلفوا في قدر ما يرث كل واحد من الجد والأخت، واتفقوا على أن أصلها من أربعة.

[فرع المسألة الخرقاء]
فرع: [اجتماع أم وأخت وجد أو المسألة الخرقاء] : وإن مات رجل وخلف أما وأختا وجداً.. فهذه تسمى الخرقاء؛ لتخرق أقاويل الصحابة فيها، فإن فيها سبعة أقاويل:
[الأول] : قال أبو بكر، وابن عباس، وعائشة - ومن قال: إن الجد يسقط الإخوة - (للأم الثلث، والباقي للجد، وتسقط الأخت) .
و [الثاني والثالث] : عن عمر فيها روايتان:
إحداهما: (أن للأخت النصف، وللأم السدس، والباقي للجد) .
والثانية: (أن للأخت النصف، وللأم ثلث ما بقي، والباقي بين الجد والأخت نصفان) .

(9/96)


و [الرابع] : عن ابن مسعود فيها ثلاث روايات: روايتان: مثل روايتي عمر. والثالثة: (للأخت النصف، والباقي بين الجد والأم نصفان) ، فتكون على هذه الرواية من مربعاته.
و [الخامس] : قال عثمان: (يقسم المال كله على ثلاثة: للأم سهم، وللأخت سهم، وللجد سهم) .
و [السادس] : قال علي: (للأم الثلث، وللأخت النصف، وللجد السدس) .
و [السابع] : قال زيد بن ثابت: (للأم الثلث، والباقي بين الجد والأخت، للذكر مثل حظ الأنثيين، وتصح من تسعة) . وبه قال الشافعي وأصحابه.

[مسألة عول الإخوة والأخوات مع الجد في الأكدرية]
] : قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وليس يعال لأحد من الإخوة والأخوات مع الجد إلا في الأكدرية) ، وهي: زوج وأم وأخت لأب وأم أو لأب، وجد، وقد اختلفت الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فيها:
فذهب أبو بكر وابن عباس إلى: (أن للزوج النصف، وللأم الثلث، والباقي للجد، وتسقط الأخت) .
وقال عمر وابن مسعود: (للزوج النصف، وللأخت النصف، وللأم السدس، وللجد السدس، فتعول إلى ثمانية وإنما فرضنا للأم السدس هاهنا؛ لئلا تفضل على الجد) .
وقال علي: (للزوج النصف، وللأم الثلث، وللأخت النصف، وللجد السدس، فتعول إلى تسعة، فتأخذ الأخت ثلاثة) .
وقال زيد بن ثابت: (تعول إلى تسعة) ، كما قال علي ولكن قال: (تجمع

(9/97)


الثلاثة التي للأخت والسهم الذي للجد، فتصير أربعة فيقتسمانها للذكر مثل حظ الأنثيين، وتصح من سبعة وعشرين: للزوج تسعة، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة) . وبهذا قال الشافعي وأصحابه.
وإنما كان كذلك، لأنه ليس هاهنا من يحجب الزوج عن النصف، ولا من يحجب الأم عن الثلث، ولا يمكن أن ينتقص الجد عن السدس، لأن الابن لا يسقطه عنه.. فهؤلاء أولى، وقد استكملت الفريضة، ولا سبيل إلى إسقاط الأخت، لأنه ليس هاهنا من يسقطها ففرض لها النصف، ولا يمكن أن تأخذ جميعه، لأنه لا يجوز تفضيلها على الجد، فوجب أن يجمع نصيبهما، ويقتسماه: للذكر مثل حظ الأنثيين، كما قلنا في غير هذا الموضع.
واختلف الناس: لأي معنى سميت أكدرية؟
فروي عن الأعمش: أنه قال: إنما سميت أكدرية، لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلاً يقال له: أكدر، فذكر له اختلاف الصحابة فيها، فنسبت إليه.
وقيل: سميت أكدرية، لأن امرأة تسمى أكدرية ماتت وخلفت هؤلاء، فسميت أكدرية ونسبت إليها.
وقيل: سميت أكدرية، لأنها كدرت على زيد أصله، لأنه لا يفرض للأخوات مع الجد وقد فرض لها هاهنا، ولا يعيل مسائل الجد وقد أعال هاهنا.
وإن كان بدل الأخت أخ.. فإن للزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس،

(9/98)


ويسقط الأخ، لأن الأخ له تعصيب محض، ولا يمكن أن يفرض له ولم يبق من الفريضة شيء، فسقط.
وإن كان هناك زوج وأم وأختان وجد.. فليست بأكدرية، بل للزوج النصف، وللأم السدس، والباقي بين الجد والأختين: للذكر مثل حظ الأنثيين، فتصح من اثني عشر.
فإن كان هناك زوج وأم وبنت وأخت وجد.. كان أصلها من اثني عشر: للزوج ثلاثة، وللبنت ستة، وللأم سهمان، وللجد سهمان، ولا شيء للأخت، لأن المسألة قد عالت، ولا يفرض لها، لأنها إنما تأخذ مع البنت بالتعصيب، ولا تعصيب هاهنا.

[مسألة المعادة للأشقاء والجد بالإخوة للأب]
] : قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (والإخوة للأب والأم يعادون الجد بالإخوة والأخوات للأب) .

(9/99)


وجملة ذلك: أنه إذا اجتمع جد، وأخ لأب وأم، وأخ لأب.. فإن الأخ للأب والأم يعاد الجد بالأخ للأب فيقسم المال بينهم على ثلاثة، لكل واحد منهم سهم، ثم يرجع الأخ للأب والأم فيأخذ السهم الذي بيد الأخ للأب. وبه قال زيد بن ثابت، ومالك بن أنس.
وذهب علي وابن مسعود إلى: (أن الأخ للأب يسقط، ويكون المال بين الجد والأخ للأب والأم نصفين) .
دليلنا: أن الجد له ولادة، فإذا حجب بأخوين وارثين.. جاز أن يحجب بأخوين أحدهما وارث والآخر غير وارث، كالأم تحجب بالأخوين أحدهما لأب والآخر لأب وأم وهما وارثان، وتحجب بأخ لأب وأم وهو وارث، وبأخ لأب وهو غير وارث.
فإن كان هناك أخ لأب وأم، وأخت لأب، وجد.. عاد الأخ للأب والأم الجد بالأخت للأب، فيقسم المال على خمسة: للجد سهمان، وللأخ للأب والأم سهمان، وللأخت سهم، ثم يرجع الأخ فيأخذ سهم الأخت.
وإن كان هناك أخوات لأب وأم، وأخ لأب، وجد.. فلا حاجة هاهنا إلى المعادة، لأن الجد لا يجوز أن ينقص عن الثلث.

[فرع اجتماع شقيقة وأخت لأب وجد]
] : وإن اجتمع أخت لأب وأم، وأخت لأب، وجد.. كان المال بينهم على أربعة: للجد سهمان، ولكل أخت سهم، ثم تأخذ الأخت للأب والأم السهم الذي بيد الأخت للأب، وقد حصل معها نصف المال.
وإن كان هناك أخت لأب وأم، وأخ لأب، وجد.. كان المال بينهم على خمسة:

(9/100)


للجد سهمان، وللأخت سهم، وللأخ سهمان، ثم تأخذ الأخت من الأخ تمام النصف وهو سهم ونصف، لأنه لا يجوز أن ترث أكثر من نصف المال، فتضرب الخمسة في اثنين، فتصح من عشرة: للجد اثنان في اثنين فذلك أربعة، وللأخت سهمان ونصف في اثنين فذلك خمسة، وللأخ نصف في اثنين فذلك سهم. وتعرف هذه المسألة بعشرية زيد.
وإن كان بدل الأخ للأب أختان لأب.. كان الحكم فيها ما ذكرناه، ولكن لا تصح إلا من عشرين، لأنه يبقى للأختين سهم من عشرة فيكسر عليهما، فتضرب العشرة في اثنين. فذلك عشرون، وتعرف بالعشرينية.
وإن اجتمع مع الجد والإخوة للأب والأم والإخوة للأب من له فرض.. كان الحكم حكم ما لو كان مع الجد والإخوة للأب والأم من له فرض في أنه يجعل للجد الأوفر من المقاسمة بعد الفرض، أو ثلث ما يبقى، أو سدس جميع المال، ويعاد الإخوة للأب والأم الجد بالإخوة للأب على ما ذكرناه.
والله أعلم بالصواب وبالله التوفيق

(9/101)