البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [كتاب الرضاع]

(11/135)


كتاب الرضاع
للرضاع تأثير في تحريم النكاح، وفي ثبوت الحرمة، وفي جواز النظر والخلوة.
والأصل فيه: قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] ، إلى قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] [النساء: 23] ، فذكر الله في جملة الأعيان المحرمات: الأم المرضعة، والأخت من الرضاعة، فدل على: أن له تأثيرًا في التحريم.
وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة»
وروى سعيد بن المسيب، «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: قلت: يا رسول الله،

(11/137)


هل لك في ابنة عمك حمزة؛ فإنها أجمل فتاة في قريش؟ فقال: أما علمت أن حمزة أخي من الرضاع، وأن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب؟»
ويدل على ثبوت الحرمة به: ما روي: «أن وفد هوازن قدموا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكلموه في سبي أوطاس، فقال رجل من بني سعد: يا محمد، إنا لو كنا مجلنا للحارث بن أبي سمرة أو للنعمان بن المنذر، ثم نزل منزلك هذا منا.. لحفظ ذلك لنا وأنت خير للمكفولين، فاحفظ ذلك» وإنما قالوا له ذلك؛ لأن حليمة التي أرضعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت من بني سعد بن بكر بن وائل، ولم ينكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولهم.
ومعنى قوله: (ملجنا) ، أي: أرضعنا، و (الملج) : هو الرضاع.
وروى الساجي في كتابه، «عن أبي الطفيل: أنه قال: رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بالجعرانة وهو يقسم لحمًا، فجاءته امرأة، فدنت منه، ففرش لها إزاره، فجلست عليه، قلت: من هذه؟ قال: هذه أمه التي أرضعته» وإنما أكرمها لأجل الحرمة التي حصلت بينهما بالرضاع، فدل على: أن الحرمة تثبت به.
وإذا ثبت هذا: فبلغت المرأة سن الحيض، وثار لها لبن.. فإنه يكون طاهرًا ناشرًا للحرمة، يجوز بيعه، ويضمن بالإتلاف، ويجوز الاستئجار عليه.

(11/138)


قال المسعودي [في " الإبانة "] : ويحكم ببلوغها بذلك، سواء ولدت قبله أو لم تلد.
وحكى ابن القاص وجهًا آخر: أنه إذا نزل لبن لها على غير ولد.. فهو كلبن الرجل لا حرمة له. والأول أصح؛ لأن جنسه معتاد.
وأما إذا نزل للمرأة لبن قبل أن تستكمل تسع سنين.. فلا يثبت له حرمة، ولا تنتشر الحرمة بإرضاعه، ويكون نجسًا، ولا يجوز بيعه، ولا يضمن بالإتلاف، ولا يجوز عقد الإجارة عليه.
قال الشاشي: وإن باع أمة فيها لبن بلبن آدمية.. صح البيع، وإن باع شاة في ضرعها لبن بلبن شاة.. لم يصح البيع.
والفرق بينهما: أن لبن الشاة في الضرع حكمه حكم العين؛ ولهذا: لا يجوز عقد الإجارة عليه. ولبن الآدمية في ضرعها ليس له حكم العين، بل هو كالمنفعة؛ ولهذا: يجوز عقد الإجارة عليه.
وإن باع لبن آدمية بلبن آدمية متفاضلًا.. لم يصح.

[مسألة ظهور لبن في فم ولد يثبت النسب]
] : إذا ثار للمرأة لبن على ولد ثابت النسب من رجل ولد على فراشه، وأرضعت به طفلا رضاعًا تامًا.. انتشر حكم الرضاع في التحريم والحرمة بين الرضيع والمرضعة، وبين الرضيع وبين الفحل، وهو أبو ولد المرأة التي ثار اللبن له، وبه قال علي بن أبي طالب، وابن عباس، وعطاء، وطاووس، ومالك، ومجاهد، والليث، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه.

(11/139)


وقال ابن عمر، وابن الزبير: (لا يثبت التحريم بين الرضيع وبين الفحل) . فيجوز للفحل أن ينكح الرضيع إن كان بنتًا، ويجوز للرضيع أن ينكح أخت الفحل - إن كان الرضيع رجلًا - وأخيه - إن كان الرضيع بنتًا - وبه قال ابن المسيب، وسليمان بن يسار، وربيعة، وحماد، والأصم، وابن علية؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] [النساء: 23] فدليل خطابه: أنه يجوز له أن ينكح بحليلة ابنه من الرضاع.
دليلنا: ما روي «عن علي بن أبي طالب: أنه قال: قلت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل لك في ابنة عمك حمزة، فإنها أجمل فتاة في قريش؟ فقال: أما علمت أن حمزة أخي من الرضاع، وأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟» .
«وروت عائشة، قالت: استأذن علي أفلح أخو أبي القعيس بعد ما ضرب الحجاب، فلم آذن له، فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأخبرته بذلك، فقال: " ائذني له، فإنه عمك من الرضاعة "، فقلت: يا رسول الله، إنما أرضعتني امرأة أخيه، فقال: ائذني له، فإنه عمك» وفي رواية: «فإنه عمك، فليلج عليك» .
ولأن اللبن ثار لولد، وهو مخلوق من مائهما، فكان اللبن لهما.
فأما الآية: فإنه قيده بابنه من الصلب ليبين أن حليلة الابن من التبني لا تحرم؛ لأن التبني كان مباحًا في صدر الإسلام، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبنى زيد بن حارثة، وكان يقال له: زيد ابن محمد، ثم طلق زيد زوجته، وتزوجها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(11/140)


إذا ثبت هذا: فإن الحرمة تنتشر منهما إليه، فيصير كأنه ابنهما من النسب، وتنتشر الحرمة منه إليهما.
فأما انتشار الحرمة منهما إليه: فلا يجوز للرضيع أن يتزوج بالمرضعة؛ لأنها أمه من الرضاعة، وتكون أمهاتها جدات الرضيع، وآباؤها أجداده، وإخوانها وأخواتها أخواله وخالاته، ويكون أولادها من الفحل وغيره إخوته وأخواته، وأولاد أولادها أولاد إخوته وأولاد أخواته، ويكون الفحل أبا الرضيع، وأولاده من المرضعة وغيرها إخوته وأخواته، وأولادهم أولاد إخوته وأولاد أخواته، ويكون آباء الفحل أجداده، وأمهاته جداته، وإخوته وأخواته أعمامه وعماته؛ لأن الله تعالى نص على تحريم الأم والأخت من الرضاع لينبه بهما على من سواهما من المحرمات بالسنة، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» . وهؤلاء يحرمن من النسب، فكذلك من الرضاع.
وأما انتشار الحرمة من الرضيع إلى المرضعة والفحل: فإنه يحرم عليهما نكاحه، ويحرم عليهما نسله، ولا يحرم عليهما من هو في طبقته، ولا من هو أعلى منه، فيجوز للمرضعة أن تتزوج بأخي الرضيع ونسله، وبأبي الرضيع وأجداده وأعمامه وأخواله، ويجوز للفحل أن يتزوج بأخت الرضيع وبناتها، وبأم الرضيع وجداته وعماته وخالاته، ويجوز لأبي الرضيع من النسب أن يتزوج بالمرضعة وأختها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وحرمة الولد من النسب تنتشر إلى أولاده، ولا تنتشر إلى أمهاته وآبائه وإخوته وأخواته، فكذلك في الرضاع.
قال أبو عبيد: والرضاعة إذا كان فيها هاء.. تفتح الراء، ولا اختلاف فيه، وأما الرضاع بغير هاء: فيقال بفتح الراء وكسرها.

(11/141)


[فرع الرضاعة تثبت البنوة]
إذا كان هناك أخوان، لكل واحد منهما زوجة، ولأحدهما ابنة من زوجته، فأرضعتها امرأة عمها بلبن عمها.. فإن الرضيعة تصير ابنة للمرضعة ولزوجها.
فإن ولدت هذه المرضعة أولادًا من زوجها.. فهم إخوة الرضيعة من الرضاع لأبيها وأمها، وبنو عمها من النسب، فلا يحل لهم نكاحها.
وإن ولدت المرضعة أولادًا من غير زوجها.. فهم إخوة الرضيعة من أمها.
وإن رزق عمها أولادًا من غير زوجته المرضعة.. فهم إخوة الرضيعة من الأب من الرضاع، وبنو عمها من النسب، فلا يحل لهم نكاحها.
وما تلده أم الرضيعة من النسب لا يحرمون على أولاد أمها من الرضاع؛ لأنهم إخوة أختهم، وليسوا بإخوة لهم، ومثل هذا يشرع في النسب؛ ولهذا: لو أن رجلًا له ابن تزوج بامرأة لها ابنة.. جاز لابن الرجل أن يتزوج بابنة زوجة أبيه.

[مسألة الرضاع في الحولين]
] : الرضاع مؤقت، فلا يثبت التحريم بما يرتضعه الطفل بعد استكماله حولين، وبه قال عمر، وابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، وهو قول محمد، وأبي يوسف.
وقال أبو حنيفة: (يثبت التحريم بما يرتضعه الطفل في ثلاثين شهرًا) .
وقال زفر: يثبت التحريم بما يرتضعه الطفل في ثلاث سنين.
وعن مالك ثلاث روايات:
إحداهن: كقولنا.
والثانية: بما يرتضعه بحولين وشهر.
والثالثة: بحولين وشهرين.
وقالت عائشة: (الرضاع غير مؤقت، فلو أن امرأة أرضعت شيخًا.. صار ابنًا

(11/142)


لها) . و: (كانت إذا أرادت أن يدخل إليها رجل.. أنفذت إلى بنات أخيها ليرضعنه) . وبه قال داود؛ لما روت: «سهلة بنت سهيل زوجة حذيفة، قالت: يا رسول الله، كنا نرى سالما ولدًا، وكان يدخل علي وأنا فضل، وليس لنا إلا بيت واحد، فما تأمرني؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أرضعيه خمس رضعات معلومات، فيحرم بلبنك» ففعلت، فكانت تراه ابنا من الرضاع.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] [البقرة: 233] فذكر أن تمام الرضاع في الحولين، فعلم أنه لم يرد أنه لا يجوز أكثر منه؛ لأن ذلك يجوز، وإنما أراد: أن تمام الرضاع الشرعي في الحولين، وأنه لا حكم لما زاد؛ بدليل: ما روى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا رضاع بعد الحولين» ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا رضاع بعد فصال» . والفصال إنما هو في

(11/143)


العامين؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] [لقمان: 14] .
وأما حديث سهلة: فكان خاصًا لها، بدليل: ما روي عن أم سلمة: أنها قالت: (رضاع سالم كان خاصًا) .
قال الصيمري: وابتداء الحولين عند خروج بعض الولد، لا عند خروج جميعه.
إذا ثبت هذا: فإن الرضاع في الحولين يتعلق به التحريم والحرمة، سواء كان الرضيع يستغني بالطعام والشراب عن اللبن أو لا يستغني.
وقال مالك: (إن كان الرضيع مستغنيًا عن اللبن بالطعام والشراب.. لم يتعلق بإرضاعه التحريم) .
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] [البقرة: 233] فجعل مدة الرضاع حولين، ولم يفرق بين أن يكون الولد مستغنيًا عنه، أو غير مستغن عنه.

[مسألة عدد الرضعات المحرمات]
والرضاع الذي يتعلق به التحريم والحرمة هو خمس رضعات، ولا يتعلق بما دون ذلك، وروي ذلك عن عائشة، وابن الزبير، وسعيد بن جبير، وعطاء، وطاووس، وأحمد، وإسحاق.

(11/144)


وروي عن علي، وابن عمر، وابن عباس: (أن التحريم يتعلق بقليل الرضاع وكثيره) . وبه قال مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث، وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال زيد بن ثابت: (يتعلق التحريم بثلاث رضعات) . وبه قال داود، وأبو ثور، وابن المنذر.
دليلنا: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان» .
و (الإملاجة والإملاجتان) : الرضعة والرضعتان. وقد روي: «لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان» . فهذا يبطل قول من قال: يتعلق التحريم بقليل الرضاع وكثيره.
فإن قيل: فدليل الخطاب هاهنا يدل على: أن الثلاث يحرمن.
قلنا: قد ثبت النص: أنه لا يحرم إلا الخمس، وهو أقوى من دليل الخطاب. والنص: ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: «كان فيما أنزل الله من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس رضعات معلومات، فمات رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهن مما يقرأ من القرآن» وهذا أمر لا تتوصل إليه عائشة إلا بتوقيف من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن القرآن أنزل عليه.
فإن قيل: فليس يتلى في القرآن عشر رضعات؛ لأن ما نسخ حكمه.. فإن رسمه يتلى في القرآن، كالآية في عدة الحول؟!

(11/145)


فالجواب: أن النسخ في القرآن على ثلاثة أقسام:
قسم: نسخ رسمه وحكمه: وذلك مثل: ما روي: أن قومًا قالوا: يا «رسول الله، إنا كنا نقرأ سورة من القرآن، فنسيناها، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنسيتموها» فأخبر: أنها نسخت تلاوتها وحكمها.
والقسم الثاني: ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته، مثل قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] [البقرة: 240] ومثل الوصية للوارث.
والثالث: ما نسخ رسمه وتلاوته وبقي حكمه، وذلك مثل: ما روي عن عمر: أنه قال: (كان فيما أنزل الله من القرآن: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله "، ولولا أني أخشى أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله.. لأثبت آية الرجم في حاشية المصحف، وقد قرأناها في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وأراد: لأثبت حكم الآية.
وهذه الآية مما نسخ رسمها وبقي حكم خمس رضعات.
فإن قيل: فما معنى قولها: (فمات رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهن مما يقرأ في القرآن) .
والنسخ بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يجوز؟ قلنا: فيه تأويلان:
أحدهما: أنها أرادت أن حكم الخمس مما يتلى في القرآن، لا رسمها.

(11/146)


والثاني - وهو تأويل أبي العباس -: أن هذه الآية نسخت تلاوتها في حياة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فمات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان الصحابة قريبي العهد بتلاوتها، وكانت ألسنتهم جارية على تلاوتها كما كانوا قبل النسخ، حتى عودوا ألسنتهم تركها، فاعتادته ألسنتهم.
ومم يدل على ما ذكرناه: حديث سهلة بنت سهيل، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها أن ترضع سالمًا خمسًا ليجوز دخوله عليها؛ لأن زوجها حذيفة كان قد تبناه، ثم حرم التبني، وشق عليهم ترك دخوله، فنسخ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محل الرضاع في الكبير بقوله: «لا رضاع إلا ما كان في الحولين» ، وبقي عدد الرضاع.
إذا ثبت أن التحريم يتعلق بخمس رضعات.. فمن شرط الخمس أن تكون متفرقات. فإذا التقم الصبي الثدي، وارتضع منه، فأقل أو أكثر، ثم قطع الرضاع باختياره من غير عارض.. حسب ذلك رضعة، فإن عاد إليها بعد فصل طويل، وارتضع منها ما شاء إلى أن قطع باختياره.. حسب ذلك رضعة، إلى أن يستوفي خمس رضعات؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر سهلة أن ترضع سالمًا خمس رضعات يحرم بلبنها، ولم يحد الرضعة، وكل حكم ورد الشرع به مطلقًا، وليس له حد في الشرع ولا في اللغة.. رجع في حده إلى العرف والعادة، والعرف والعادة في الرضاع هو ما ذكرناه.
وإن التقم الصبي الثدي، وارتضع منه، ثم أرسله ليتنفس أو ليستريح، ثم عاد إليه من غير فصل طويل، أو أرسله وانتقل إلى الثدي الآخر من غير فصل طويل، أو انتقل ليشرب الماء، ثم عاد إليه من غير طول فصل.. فالجميع رضعه واحدة، كما لو حلف: لا يأكل في النهار إلا أكلة، فقعد يأكل، فأكل، وقطع ليستريح أو ليتنفس أو ليشرب الماء، أو انتقل من لون إلى لون، وأكل بعده من غير أن يطول الفصل.. فالجميع أكلة واحدة، وإن أكل من أول النهار إلى آخره، أو أكل ثم قطع بفصل طويل، ثم رجع وأكل.. كان ذلك أكلتين.

(11/147)


وإن قطع الرضاع لشيء يلهيه، ثم رجع إليه.. فقد قال الشيخ أبو إسحاق: كان كما لو قطعه لضيق النفس. وقال الشيخ أبو حامد: إذا قطعه لشيء يلهيه حتى طال الفصل ثم عاد إليه.. فالأول رضعة، والثاني رضعة، كما لو حلف: لا يأكل إلا أكلة، فأكل ثم قطع الأكل لشيء يلهيه حتى طال الفصل، ثم عاد إليه وأكل.. فإن ذلك أكلتان.
وإن التقم ثديها، فارتضع منها، وانتزعت منه ثديها وقطعت عليه.. ففيه وجهان:
أحدهما: أنه لا يحتسب بذلك رضعة؛ لأن الاعتبار في الرضاع بفعله، بدليل: أنه لو ارتضع منها وهي نائمة رضعة.. حسب ذلك، فإذا قطعت عليه.. لم يحتسب عليه، كما لو حلف: لا آكل اليوم إلا أكلة، فأخذ في الأكل، فجاء إنسان، فقطع عليه الأكل.
والثاني: يحتسب بذلك رضعة؛ لأن الرضاع يحصل بفعلها؛ ولهذا: لو حلبت منها لبنًا، وأوجرته إياه وهو نائم.. حسب ذلك رضعة، وإذا حصل الرضاع بفعلها.. وجب أن يحسب بقطعها.

[فرع الارتضاع من امرأتين]
فإن ارتضع الصبي من امرأة، ثم انتقل منها إلى امرأة أخرى، وارتضع منها من غير أن يطول الفصل.. ففيه وجهان:
أحدهما: أنه لا يحتسب بما ارتضع من كل واحدة منهما؛ لأن الطفل إذا ابتدأ وارتضع.. فكل ما والى به الارتضاع.. فهو رضعة واحدة؛ بدليل: أنه لو انتقل من أحد الثديين إلى الآخر من غير فصل طويل.. فهو رضعة واحدة، وكذلك: إذا انتقل من إحداهما إلى الأخرى من غير فصل طويل.. فإنه لم يكمل الرضعة من كل واحدة منهما، فلم يحتسب به.
والثاني: يحتسب ما ارتضع من كل واحدة منهما رضعة؛ لأنه ارتضع من كل

(11/148)


واحدة منهما وقطع باختياره، فحسب عليه رضعة، كما لو قطع من إحداهما، وانتقل إلى خبز أو لبن، ويخالف إذا قطع من ثدي إلى ثدي؛ لأن ذلك شخص واحد، فيبنى حكم أحد ثدييها على الآخر، بخلاف الشخصين.
وإن ارتضع منها بعض الخمس في الحولين، ثم ارتضع باقي الخمس بعد الحولين.. فإن التحريم لا يحصل به؛ لأن التحريم يتعلق بخمس رضعات في الحولين، ولم يوجد ذلك.

[فرع الشك في عدد الرضاع]
إذا شكت المرضعة: هل أرضعته خمسًا، أو أقل، أو شكت: هل أرضعته، أم لا؟ لم يثبت التحريم، كما نقول في الرجل إذا شك: هل طلق امرأته طلقة، أو أكثر، أو هل طلقها، أم لا؟! والورع: أن يلتزم حكم التحريم في النكاح دون الحرمة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» .

[مسألة ثبوت حرمة الرضاع بالوجور ونحوها]
ويثبت التحريم بالوجور واللدود، وهو: أن يحلب لبن المرأة، ويصب في فم الصبي بغير اختياره.
و (الوجور) : الصب في وسط فيه.

(11/149)


و (اللدود) : الصب في أحد شقي فيه، وهو قول كافة العلماء، إلا عطاء، وداود، فإنهما قالا: (لا يثبت به التحريم) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرضاعة من المجاعة» . وقوله: «الرضاع: ما أنبت اللحم، وأنشز العظم» وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الرضاع: ما فتق الأمعاء» . وهذه المعاني موجودة في الوجور واللدود.
ولـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر سهلة أن ترضع سالمًا» . ومعلوم أنه لم يرد بذلك أن يرضع من ثديها؛ لأنه كان كبيرًا، وهي أجنبية منه، فكيف يجوز له النظر إلى ثدييها وهي أجنبية منه؟! فعلم أنه أراد الوجور أو اللدود.
ويثبت التحريم بـ (السعوط) ، وهو: أن يصب لبن المرأة في أنف الطفل، فيبلغ إلى دماغه أو جوفه.
ومن أصحابنا الخراسانيين من قال: فيه قولان، كالحقنة. والمشهور هو الأول.
وقال عطاء، وداود: (لا يثبت به التحريم) .
دليلنا: أن الدماغ محل للغذاء، بدليل: أنه من جف دماغه.. فإن الدهن يصب

(11/150)


في أنفه إلى دماغه، فيرطبه، فوقع التحريم باللبن الحاصل فيه من المرأة، كالجوف.
وإن صب اللبن في أذنه، فوصل إلى دماغه.. كان رضاعًا، وإن لم يصل إلى دماغه.. لم يكن رضاعًا.
وهل يثبت التحريم بـ (الحقنة) وهو: أن يصب اللبن في دبر الطفل؟ فيه قولان:
أحدهما: يثبت به التحريم، وهو اختيار المزني؛ لأنه سبيل يحصل بالواصل منه الفطر، فتعلق التحريم بلبن المرأة إذا دخل فيه، كالفم.
والثاني: لا يثبت به التحريم، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، وهو الأصح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الرضاع: ما أنبت اللحم، وأنشز العظم ". وهذا لا يحصل بالحقنة، وإنما تراد الحقنة للإسهال.
فإذا قلنا: يثبت به التحريم، فأرضعته مرة، وأوجرته مرة، ولدته مرة، وأسعطته مرة، وأحقنته مرة.. ثبت التحريم.
وإن كان بالطفل جراحة نافذة إلى محل الفطر، فداواه إنسان بلبن آدمية.. فقد قال القفال: لا يحصل به الرضاع. وقال الصيدلاني: ينبغي أن يكون على قولين، كالحقنة.

[مسألة حلب لبن امرأة وأطعمه طفلًا]
] : وإذا حلب من المرأة لبنًا كثيرًا، وأوجره الطفل.. ففيه خمس مسائل:
إحداهن: أن يحلب منها لبن دفعة واحدة، فيوجره الطفل مرة واحدة.. فهذا رضعة واحدة.
الثانية: أن يحلب منها اللبن خمس مرات في خمسة أوان، ثم يوجر الصبي ذلك اللبن في خمسة أوقات متفرقة لبن كل إناء في وقت.. فذلك خمس رضعات لتفرق الحلب والوجور.

(11/151)


الثالثة: أن يحلب منها لبن كثير دفعة واحدة، ثم يوجره الصبي في خمسة أوقات متفرقة.. فنقل المزني، والربيع: (أن ذلك رضعة واحدة) .
قال الربيع: وفيه قول آخر: (أنه خمس رضعات) .
واختلف أصحابنا في ذلك:
فمنهم من قال: هو رضعة واحدة، قولًا واحدًا، على ما نقلاه، وما حكاه الربيع.. من تخريجه؛ لأن ذلك لم يوجد في شيء من كتب الشافعي.
ومنهم من قال: فيه قولان؛ لأن ما حكاه الربيع.. يحتمل على أنه سمع منه ذلك:
أحدهما: أنه خمس رضعات؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرضاعة من المجاعة» . وهذا اللبن قد حصل به سد الجوع خمس مرات. ولأن الرضعات كالأكلات، ومعلوم أنه لو حلف: لا يأكل خمس أكلات، فأكل من طعام واحد خمس أكلات في خمسة أوقات متفرقة.. حنث، فوجب أن يكون هاهنا خمس رضعات.
والثاني: أن ذلك رضعة واحدة، قال الشيخان: وهو الأصح؛ لأن الوجور فرع للرضاع، ومعلوم أن التحريم لا يحصل في الرضاع إلا بأن ينفصل اللبن عن ثدي المرأة خمس مرات متفرقات، ويصل إلى جوف الصبي في خمسة أوقات متفرقة، وكذلك في الوجور لا بد أن ينفصل خمسة انفصالات، ويتصل خمسة اتصالات متفرقات.
الرابعة: إذا حلب منها اللبن في خمسة أوقات متفرقة في خمسة أوان، فأوجره الصبي دفعة واحدة.. فاختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: فيه قولان كالتي قبلها؛ لأن الرضاع يفتقر إلى إرضاع وارتضاع، فلما ثبت أن اللبن إذا انفصل من المرضعة دفعة واحدة وأوجره الصبي دفعات كان فيه قولان.. فكذلك إذا انفصل منها خمس دفعات، وأوجره دفعة.. يجب أن يكون على قولين:

(11/152)


ومنهم من قال: هي رضعة واحدة، قولًا واحدًا؛ لأن في التي قبلها حصل اللبن في جوف الصبي خمس مرات، وهاهنا لم يحصل في جوفه إلا مرة واحدة.
الخامسة: أن يحلب اللبن في خمسة أوقات متفرقة، كل وقت في إناء، ثم خلط ذلك اللبن في إناء واحد، وأوجره الصبي في خمسة أوقات متفرقة، فاختلف أصحابنا فيه:
فقال أبو إسحاق: هي خمس رضعات، قولًا واحدًا؛ لأن اللبن انفصل من المرأة في خمسة أوقات، واتصل بالصبي في خمسة أوقات، ولا اعتبار بالخلط.
ومن أصحابنا من قال: فيه طريقان؛ لأن التفريق في الحلب قد بطل حكمه بالخلط، وفي كل سقية حصل للطفل جزء من كل حلبة، فصار كما لو حلبته دفعة واحدة، وسقته إياه في خمسة أوقات فتكون:
إحدى الطريقين له: أنه على قولين.
والثاني: أنه رضعة، قولًا واحدًا.

[فرع وضع حليب اثنتين في إناء خمس مرات وسقي الطفل]
] : إذا حلبت امرأتان لبنًا منهما في إناء في وقت واحد، وأوجرتاه صبيًا، ثم حلبتا منهما لبنا في إناء في وقت آخر، وأوجرتاه الصبي، إلى أن فعلا ذلك خمس مرات.. حصل لكل واحدة منهما خمس رضعات، ويصير ابنهما معًا؛ لأنه قد حصل في جوفه اللبن من كل واحدة منهما خمس مرات.

[مسألة اختلاف صفة لبن المرضعة]
وإن حلب من المرأة لبن، فجبن، أو طبخ، أو جعل أقطًا أو شيرازًا، وأطعم منه طفل له دون الحولين خمس مرات متفرقات.. نشر الحرمة والتحريم.

(11/153)


وقال أبو حنيفة: (لا ينشر الحرمة ولا التحريم) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الرضاعة من المجاعة» ، و: «الرضاعة: ما أنبت اللحم وأنشز العظم» وهذا المعنى موجود في لبن المرأة وإن غير من صفته بما ذكرناه.

[فرع خلط لبن الظئر بشيء]
] : إذا خلط لبن المرأة بالماء أو بالعسل أو بغيرهما، وسقي منه الطفل خمس دفعات في خمسة أوقات متفرقة، فإن كانت الغلبة للبن، بأن يكون أكثر مما خالطه.. نشر الحرمة، وإن كانت الغلة للماء أو للعسل، بأن يكون أكثر من اللبن، فإن كان اللبن مستهلكًا فيما خالطه، بحيث إذا وصل شيء مما خلط فيه ذلك اللبن إلى جوف الطفل لم يتحقق أن جزءًا من اللبن حصل في جوف.. لم ينشر الحرمة، وإن كان اللبن غير مستهلك، بحيث إذا وصل شيء مما خلط فيه ذلك اللبن إلى جوف الطفل تحقق أن جزءًا من اللبن حصل معه.. فإنه ينشر الحرمة. هذا نقل الشيخ أبي حامد، والبغداديين من أصحابنا.
وقال المسعودي [في " الإبانة "] ، والطبري: لو خلط لبن المرأة بمائع، وسقي منه الطفل خمس دفعات متفرقات.. ففيه قولان:
أحدهما: أنه ينشر الحرمة بكل حال.
والثاني: إن كان اللبن غالبًا.. ينشر الحرمة، وإن كان مغلوبًا لم ينشر الحرمة.
وإن وقع في قلتين من الماء قليل من لبن المرأة، فسقي الطفل جميعه.. ففيه وجهان:
أحدهما: يتعلق به التحريم؛ لأنا تيقنا أن اللبن فيه.
والثاني: لا يتعلق به التحريم؛ لأنه صار مستهلكًا فيه.
ولو وقع قليل من لبن المرأة في أقل من قلتين من الماء، فإن سقي الطفل جميعه..

(11/154)


تعلق به التحريم، وإن سقي البعض، وزاد، في خمسة أوقات.. ففيه وجهان:
أحدهما: يتعلق به التحريم؛ لأنه حكم بوصوله إلى جميع الماء، بدليل: أنه لو وقعت فيه نجاسة.. نجس الجميع.
والثاني لا يتعلق به التحريم؛ لأنه يحتمل أنه فيما بقي.
وقال أبو حنيفة: (إذا مزج اللبن بطعام أو شراب أو عسل.. فإنه لا ينشر الحرمة، سواء كان اللبن ظاهرًا على ما مزج به أو مستهلكًا فيه) .
وإن مزج بدواء، فإن كان اللبن ظاهرًا فيه، فسقي منه الطفل خمس دفعات متفرقة.. نشر الحرمة، وإن لم يكن اللبن ظاهرًا، بل مستهلكًا.. لم ينشر الحرمة.
دليلنا: أنه وصل إلى جوفه لبن آدمية في خمسة أوقات متفرقة، فتعلق التحريم به، كما لو كان غالبًا.

[مسألة الرضاع ونحوه بعد الموت]
وإن ماتت امرأة، فارتضع منها طفل بعد موتها، أو حلب منها لبن بعد موتها، وأوجره الصبي.. لم يتعلق به التحريم.
وقال مالك، والأوزاعي، وأبو حنيفة: (يتعلق به التحريم) .
دليلنا: أن الرضاع معنى يوجب تحريمًا مؤبدًا، فلم يتعلق به التحريم بعد الموت، كوطء الشبهة؛ وذلك: أنه لو وطئ ميتة بشبهة.. لم يثبت به تحريم المصاهرة.
وإن ارتضع طفل من امرأة أربع رضعات في حياتها، ثم حلب منها لبن في إناء في حياتها، ثم أوجره الصبي بعد موتها.. ثبت به التحريم؛ لأن إنبات اللحم وإنشاز العظم يحصل بشرب ذلك اللبن، فهو كما لو التقم الصبي ثديها، فامتص منه لبنًا، وحصل في فيه، وماتت المرأة، ثم ابتلعه الصبي.. فإنه يحصل به التحريم، فكذلك هذا مثله.

(11/155)


وإن حلب من امرأة لبن، ووقعت فيه نجاسة، وأوجره الصبي.. قال الشيخ أبو حامد: يتعلق به التحريم.
والفرق بين هذا وبين اللبن الذي يؤخذ من الميتة: أن هذا اللبن كان طاهرًا، وإنما اختلط به نجاسة، فلم يمنع ثبوت الحرمة فيه، ولبن الميتة نجس العين، فلم يكن له حرمة.

[مسألة لا تحريم بلبن غير الآدمي]
ولا يثبت التحريم بلبن البهيمة، فإن شرب طفلان من لبن بهيمة، كل واحد خمس مرات في خمسة أوقات.. لم ينشر الحرمة بينهما.
وحكي عن بعض السلف: أنه قال: ينشر الحرمة بينهما. ويحكى ذلك عن مالك.
دليلنا: أن الأخوة في الرضاع فرع للأمومة، فإذا لم يثبت بهذا الرضاع أمومة.. لم تثبت به أخوة.

[فرع وجد لبن لرجل وأرضعه]
] : إذا ثار للرجل لبن، وأرضع به طفلًا له دون الحولين خمس رضعات متفرقات.. فلا يثبت به التحريم.
وقال الكرابيسي: يثبت به التحريم، كلبن المرأة.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] [البقرة: 233] فجعل الله تعالى الرضاع - الذي يتعلق به الحكم - من الوالدات، وهذا ليس بوالدة، ولا من جنس الوالدات، فلم يتعلق بإرضاعه حكم.
ولأن لبنه لم يجعل غذاء للولد، فلم يتعلق به التحريم، كلبن البهيمة.
قال ابن الصباغ: ولأنه نجس يقاس على لبن الميتة.

(11/156)


وإن ثار للخنثى المشكل لبن، وأرضع به طفلًا، وقلنا: إن لبن الرجل لا يتعلق به التحريم.. فقد اختلف أصحابنا فيه:
فقال أبو إسحاق المروزي: يرى النساء، فإن قلن: إن هذا اللبن على غزارته لا ينزل للرجل، وإنما ينزل للمرأة.. زال حكم إشكاله، وحكم بأنه امرأة، وجرى لبنه مجرى لبن المرأة. وإن قلن: قد ينزل هذا اللبن للرجل.. وقف أمر من ارتضع بلبنه.
وقال أكثر أصحابنا: لا يزول إشكاله باللبن، بل يوقف أمر من ارتضع بلبنه، فإن بان أنه امرأة.. تعلق به التحريم، وإن بان أنه رجل.. لم يتعلق به التحريم؛ لأن اللبن قد ينزل للرجل كما ينزل للمرأة.
وحكي عن الشافعي: أنه قال: (رأيت رجلًا يرضع في مجلس هارون الرشيد) .
وإن مات هذا الخنثى قبل زوال إشكاله.. فالذي يقتضي المذهب: أنه لا يثبت التحريم بإرضاعه؛ لأن الأصل عدم ثبوت التحريم.

[مسألة ولد الزوجين ولبنه ينسب لهما]
إذا كان لرجل زوجة، فولدت منه ولدًا.. فإن اللبن النازل للولد لهما، فإن طلقها الزوج وبقي ذلك اللبن.. فهو لهما ما لم يتزوج بغيره، فإن انقضت عدتها من الأول، وتزوجت بآخر.. فاللبن للأول ما لم تحمل للثاني، سواء وطئها الثاني أو لم يطأها، وسواء انقطع ذلك اللبن ثم عاد أو لم ينقطع، وسواء زاد أو نقص؛ لأن اللبن إنما ينزل للولد، ولا ولد هاهنا إلا للأول.
وإن حملت من الثاني.. نظرت:
فإن لم تبلغ إلى حال ينزل فيه اللبن للحمل.. فاللبن للأول أيضًا. وإن بلغت إلى

(11/157)


حال ينزل فيها اللبن للحمل - وقدره ابن الصباغ بأربعين يومًا، وأما الشيخ أبو حامد: فقال: يرجع فيه إلى معرفة القوابل - فمتى بلغت ذلك الوقت.. فإن كان ذلك اللبن على حالته لم يزد.. فإنه يكون للأول، ومتى أرضعت به طفلًا رضاعًا تامًا.. كان ابنًا للأول دون الثاني. وإن زاد ذلك اللبن، وأرضعت به طفلًا.. ففيه قولان:
[الأول] : قال في القديم: (هو ابنهما) . وبه قال محمد، وزفر، وأحمد؛ لأن اللبن الذي كان من الأول قد استدام، والظاهر أنه له.
فإن زاد بعد أن حملت للثاني في وقت ينزل اللبن له في العادة.. فالظاهر أن الزيادة لحمل الثاني، فكان المرضع بهذا اللبن ابنهما، كما لو حلبت امرأتان لبنًا في قدح أو في فم صبي.. فإنه يحكم بحصول رضعة من كل واحدة منهما.
و [الثاني] : قال في الجديد: (هو ابن الأول وحده) . وبه قال أبو حنيفة؛ لأن اللبن للأول بيقين، والزيادة يجوز أن تكون لحمل الثاني، ويجوز أن تكون لفضل الغذاء، فلم يجعل للثاني بالشك.
وإن انقطع لبن الأول، ونزل لها اللبن بعد أن حملت من الثاني في وقت ينزل فيه اللبن للحمل، وأرضعت به طفلًا.. ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ابن الأول وحده، وهو قول أبي حنيفة؛ لأن اللبن إنما يكون للولد إذا كان يتغذى به، وقبل الوضع لا يتغذى به، وإنما يتغذى به ولد الأول، فكان اللبن له.
والثاني: أنه ابن الثاني وحده، وبه قال أبو يوسف؛ لأن اللبن إنما انقطع، ثم عاد، والظاهر أن المنقطع لبن الأول، وأن الثاني للثاني.
والثالث: أنها ابنهما؛ لأن لكل واحد منهما أمارة تدل أن اللبن له، فجعل بينهما.
وإن وضعت ولد الثاني.. فإن اللبن للثاني بكل حال؛ لأن اللبن تابع للولد، والولد هاهنا للثاني، فكان اللبن له.

(11/158)


[مسألة تزوج امرأة وفارقها وتزوجت بعدتها ثم ولدت]
وإن تزوج امرأة ودخل بها وفارقها، وتزوجت في عدتها بآخر، ووطئها جاهلًا بالتحريم، فأتت بولد، وأرضعت بلبنه طفلًا.. فإن الرضيع يكون ابنها.
وأما أبو الرضيع من الرضاع: فإن أمكن أن يكون الولد من الأول دون الثاني.. كان الرضيع ابن الأول دون الثاني. وإن أمكن أن يكون الولد للثاني دون الأول.. فإن الرضيع يكون ابن الثاني دون الأول. وإن كان لا يمكن أن يكون ابنا لواحد منهما.. لم يكن الرضيع ابنا لواحد منهما. وإن أمكن أن يكون الولد من كل واحد منهما.. عرض على القافة، فأيهما ألحقته به القافة.. لحقه الرضيع أيضًا، فإن ألحقته القافة بهما، أو نفته عنهما، أو لم تكن قافة، أو كانت وأشكل الأمر عليها.. فإن الولد يترك إلى أن يبلغ وينتسب إلى من يميل إليه طبعه، فإذا انتسب إلى أحدهما.. لحقه نسبه، وتبعه الرضيع، وإن كان الولد معتوها أو مجنونًا.. لم يصح انتسابه.
فإن كان للولد والد.. لم يصح أن ينتسب إلى أحدهما ما دام أبوه حيًا، فإن مات الولد قبل أن يلحق بأحدهما بالقافة أو بالانتساب.. قام ولده مقامه في الانتساب إلى أحدهما، فإذا انتسب إلى أحدهما.. تبعه الرضيع، وإن لم يكن له ولد.. قال الشافعي: (ضاع نسبه) . يريد: أنه لا ينسب إلى أحدهما. وما حكم الرضيع؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه يكون ابنهما؛ لأن اللبن قد يثور للوطء، وقد يثور للولد.
فعلى هذا: لا يجوز له أن يتزوج بنت أحدهما.
والقول الثاني: أنه لا يكون ابنهما؛ لأن الرضيع تابع للولد، فإذا لم يجز أن يكون الولد ابنهما.. فكذلك الرضيع.
فعلى هذا: هل له أن ينتسب إلى من يميل إليه طبعه أنه ارتضع بلبنه منهما؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يجوز أن ينتسب إلى أحدهما؛ لأن الولد إنما جوز له أن ينتسب إلى

(11/159)


أحدهما؛ لأنه مخلوق من ماء أحدهما، وطبع الإنسان يميل إلى من خلق من مائه، وهذا المعنى لا يوجد في الرضيع؛ ولهذا: يجوز عرض الولد على القافة، ولا يجوز أن يعرض الرضيع على القافة.
والثاني: يجوز له أن ينتسب إلى من يميل طبعه إليه؛ لأن طبعه يميل إلى من ارتضع بلبنه؛ لأن اللبن يؤثر في الطباع.
فإذا كانت المرضعة على صفة من حسن خلق أو غيره.. تعدى ذلك إلى من أرضعته؛ ولهذا قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنا أفصح العرب، ولا فخر، بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد، وارتضعت في بني زهرة» . (بيد أني) أي: من أجل أني من قريش.
وروي: (أن عمر رأى رجلًا، فقال: أنت من بني فلان؟ فقال: لست منهم نسبًا، إنما أنا منهم رضاعًا) .
وقيل: إن المولود إذا سقي لبن البهيمة.. تطبع بطبع البهيمة.

(11/160)


فإذا قلنا: له أن ينتسب إلى أحدهما، فانتسب إلى أحدهما.. صار ابنًا له، وجاز أن يتزوج بنت الآخر.
وإن قلنا: ليس له أن ينتسب إلى أحدهما.. فهل له أن يتزوج بنت أحدهما؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ليس له أن يتزوج ببنت أحدهما، وهو اختيار الشيخ أبي إسحاق؛ لأنا تحققنا أن إحداهما محرمة عليه وإن جهلنا عينها، فحرمتا عليه، كما لو اختلطت زوجته بأجنبية، واشتبه عليه.

(11/161)


والثاني - وهو قول أبي علي بن أبي هريرة -: أن له أن يتزوج بنت أحدهما، فإذا تزوج ببنت أحدهما.. حرمت عليه بنت الآخر على التأبيد؛ لأن قبل التزويج يجوز تحريم كل واحدة منهما، فإذا تزوج إحداهما.. فقد قطع أن الأخرى هي المحرمة عليه، فحرمت عليه أبدًا، كما لو اشتبه عليه إناءان في أحدهما نجاسة، فأداه اجتهاده إلى طهارة أحدهما، وتوضأ به.. فإن النجاسة تتعين في الآخر.
والثالث - وهو قول أبي إسحاق، واختيار الشيخ أبي حامد -: أنه يجوز له أن يتزوج ببنت كل واحد منهما على الانفراد؛ لأن قبل الرضاع كانتا حلالًا له، وبعده شككنا في المحرمة منهما، ولا يزال اليقين بالشك، ولا يجوز له الجمع بينهما؛ لأن الخطأ يتيقن بالجمع، كما لو رأى رجلان طائرًا، فقال أحدهما: إن كان هذا الطائر غرابًا فعبدي حر، وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا فعبدي حر، فطار ولم يعرف.. فإنه لا يعتق على أحدهما عبده، فإذا اجتمعا في ملك أحدهما.. قال الشيخ أبو إسحاق: عتق عليه أحدهما، وقال الشيخ أبو حامد: يعتق عليه عبد الآخر؛ لأن إمساكه لعبده إقرار منه بحرية عبد الآخر.

[فرع أرضعت ولده فنفاه بلعان]
وإن أتت امرأته بولد، وأرضعت بلبنه طفلًا، فنفى الزوج الولد باللعان.. كان الرضيع ابن المرضعة دون الزوج؛ لأن الرضيع تابع للولد، فإذا لم يثبت نسب الولد.. لم يكن الرضيع ابنًا له.
وإن زنى رجل بامرأة، فأتت بولد، فأرضعت بلبنها صغيرة.. ثبت التحريم بينها وبين أولاد المرضعة، ولا يثبت التحريم بين الرضيعة وبين الزاني؛ لأنها تابعة للولد، والولد غير ثابت النسب منه، فكذلك الرضيع. والورع للزاني أن لا يتزوجها.
وقال أبو حنيفة: (لا يجوز له أن يتزوجها) . وقد مضى الدليل عليه في (النكاح) .

(11/162)


[مسألة رضع من خمس مستولدات رضعة رضعة]
وإن كان لرجل خمس أمهات أولاد، له منهن لبن، فارتضع طفل من كل واحدة منهن رضعة.. لم تصر واحدة منهن أما له؛ لأنه لم يرتضع منها رضاعًا تامًا، وهل يصير سيدهن أبًا له؟ فيه وجهان:
أحدهما - وهو قول ابن سريج، والأنماطي، وابن الحداد -: أنه لا يصير أبًا له؛ لأن الأبوة تابعة للأمومة، فإذا لم يثبت بهذا الرضاع أمومة.. لم يثبت به أبوة.
والثاني - وهو قول أبي إسحاق المروزي، وابن القاص. قال القاضي أبو الطيب، والشيخ أبو إسحاق: وهو الأصح -: أنه يصير أبًا له؛ لأنه ارتضع من لبنه خمس رضعات متفرقات، فهو كما لو ارتضع ذلك من واحدة منهن.
فإن كان لرجل خمس أخوات لهن لبن، فارتضع صبي من كل واحدة منهن رضعة.. لم تصر واحدة منهن أمًا له، وهل يصير أخوهن خالًا له؟ قال أكثر أصحابنا: فيه وجهان كالتي قبلها.
قال الشيخ أبو حامد: فإذا قلنا: يصير خالًا له.. لم يجز للرضيع أن يتزوج بواحدة من المرضعات له؛ لأنها خالته.
وقال ابن الصباغ: هذا بعيد؛ لأن الخؤولة فرع على الأمومة، فإذا لم تثبت الأمومة.. لم تثبت الخؤولة، بخلاف الأبوة.
وإن كان لامرأة خمس بنات لهن لبن، فارتضع صبي من كل واحدة منهن رضعة.. لم تصر واحدة منهن أمًا له، وهل تصير أمهن جدة له؟
قال القاضي أبو الطيب: من قال في خمس أمهات الأولاد: إن سيدهن لا يصير أبًا له.. قال هاهنا: لا تصير أم المرضعات جدة له. ومن قال هناك: يصير سيدهن أبًا له.. خرج في الجدة هاهنا وجهين:
أحدهما: لا تصير جدة له؛ لأن كونها جدة فرع على كون بنتها أما، فإذا لم تثبت أمومة بنتها.. لم تصر جدة.

(11/163)


والثاني: تصير جدة له، وهو اختيار القاضي أبي الطيب؛ لأنه ارتضع من لبن من ولد منها خمس رضعات متفرقات، فهو كما لو ارتضعه من واحدة منهن.
فإذا قلنا بهذا: فالذي يقتضي المذهب: أنه لا يحل له نكاح واحدة من المرضعات؛ لأنها بنت جدته، ولا يحل له نكاح بنت جدته من النسب، فكذلك من الرضاع.
وإن كان لرجل أم لها لبن، وأخت لها لبن، وبنت لها لبن، وزوجة لها لبن، وامرأة أخ لها لبن، فارتضع صبي من كل واحدة منهن رضعة.. لم تصر واحدة منهن أمًا له، وهل تثبت الحرمة بينه وبين هذا الرجل؟ يبنى على ثبوت الحرمة للجدة في التي قبلها.
فإذا قلنا: لا تثبت للجدة حرمة.. فهاهنا أولى أن لا تثبت.
وإن قلنا: تثبت للجدة حرمة.. فهاهنا وجهان:
أحدهما: تثبت؛ لأنه قد وجد العدد في حقه.
والثاني: لا تثبت؛ لأن الرضعات من جهات مختلفة، فلا يمكن أن يسمى له أبًا ولا أخًا ولا جدًا ولا عمًا ولا خالًا، بخلاف الجدة.

[فرع تفريق الرضعات بين رجلين يثبت أمومتها دونهما]
] : وإن كان لرجل زوجة له منها لبنا، فأرضعت به طفلًا ثلاث رضعات، ثم طلقها الزوج، وانقضت عدتها منه، وتزوجت بآخر، وولدت منه، وأرضعت ذلك الطفل رضعتين.. صارت أمًا له، ولم يصر واحد من الزوجين أبًا له؛ لأنه لم يرتضع من لبن أحدهما خمس رضعات.

(11/164)


[مسألة تزوج صغيرة فأرضعتها أمه]
وإن تزوج رجل صغيرة لها دون الحولين: فأرضعتها أمه من النسب أو الرضاع خمس رضعات متفرقات.. انفسخ نكاحه منها؛ لأنها إن أرضعتها بلبن أبيه.. صارت أخته لأبيه وأمه، وإن أرضعتها بغير لبن أبيه.. صارت أخته لأمه.
وإن أرضعتها أم أمه من النسب أو الرضاع.. انفسخ نكاحه منها؛ لأنها صارت خالته.
وإن أرضعتها امرأة أبيه.. نظرت:
فإن كان بلبن أبيه.. انفسخ نكاحه منها؛ لأنها صارت أخته لأبيه.
وإن أرضعته بغير لبن أبيه.. لم ينفسخ النكاح؛ لأنها تصير بنت امرأة أبيه، وهي لا تحرم عليه.
وإن أرضعتها أم أبيه من النسب أو الرضاع.. انفسخ النكاح؛ لأنها تصير عمته.
وإن أرضعتها ابنته من النسب أو الرضاع.. انفسخ نكاحها؛ لأنها تصير بنت بنته.
وإن أرضعتها أخته من النسب أو الرضاع.. انفسخ النكاح؛ لأنها تصير بنت أخته.
وإن أرضعتها امرأة ولده من النسب أو الرضاع بلبن ولده.. انفسخ النكاح؛ لأنها تصير بنت ابنه، وإن أرضعتها بغير لبن ولده.. لم ينفسخ النكاح.
وإن أرضعتها امرأة أخيه بلبن أخيه.. انفسخ النكاح؛ لأنها تصير بنت أخيه، وإن أرضعتها بغير لبن أخيه.. لم ينفسخ النكاح.
وإن أرضعتها امرأة عمه أو امرأة خاله.. لم ينفسخ النكاح؛ لأن بنت عمه وبنت خاله لا تحرم عليه.
وإن أرضعت امرأة أجنبية صبيًا أو صبية لهما دون الحولين، ثم كبر الغلام.. فله أن يتزوج أم أخته من الرضاع أو النسب؛ لأنه ليس بينهما ما يوجب التحريم. وكذلك: لو كان لأخته من النسب أم من الرضاع.. جاز له أن يتزوجها.

(11/165)


[فرع تزوج زوجتين فأرضعت إحداهما الأخرى]
وإن كان لرجل زوجة كبيرة وزوجة صغيرة لها دون الحولين، فأرضعت الكبيرة الصغيرة خمس رضعات متفرقات.. انفسخ نكاحهما بكل حال؛ لأنها تصير بنتًا لها، ولا يجوز الجمع بين المرأة وبنتها.
فإن أرضعتها بلبن الزوج.. حرمتا على التأبيد؛ لأن الكبيرة صارت من أمهات نسائه، والصغيرة صات بنتًا له، وإن أرضعتها بغير لبن الزوج.. حرمت عليه الكبيرة على التأبيد، سواء دخل بها أو لم يدخل بها؛ لأنها صارت من أمهات النساء، وأما الصغيرة: فإن كان قد دخل بالكبيرة.. حرمت عليه أيضًا على التأبيد؛ لأنها ربيبة دخل بأمها، وإن لم يدخل بالكبيرة.. لم تحرم عليه الصغيرة على التأبيد، بل يجوز له العقد عليها؛ لأنها ربيبة لم يدخل بأمها.

[فرع أرضعت زوجته الكبيرة ثلاث زوجات له صغارًا]
وإن كان له أربع زوجات: كبيرة، وثلاث صغار لهن دون الحولين، فأرضعت الكبيرة كل واحدة منهن خمس رضعات متفرقات.. نظرت:
فإن أرضعتهن بلبن الزوج.. انفسخ نكاح الجميع، وحرمن على التأبيد، سواء دخل بالكبيرة أو لم يدخل بها، وسواء ارتضعن في وقت واحد أو في أوقات متفرقات؛ لأن الصغار صرن بناته، وصارت الكبيرة أمًا لهن، ولا يجوز الجمع بين المرأة وابنتها.
وإن أرضعتهن بغير لبن الزوج.. ففيه أربع مسائل:

(11/166)


إحداهن: أن ترضع اثنتين منهن في حالة واحدة، والثالثة بعدهما، وذلك: بأن ترضع كل واحدة من الأوليين أربع رضعات، ثم ألقمت كل واحدة منهما ثديًا في الخامسة.. فإن ارتضعتا معًا وقطعتا معًا، أو حلبت اللبن في موضعين وسقتهما ذلك اللبن في حالة واحدة، ثم أرضعت الثالثة بعد ذلك.. فإن نكاح الكبيرة والأوليين ينفسخ، أما نكاح الكبيرة: فلأنه لا يجوز الجمع بينها وبين ابنتها في النكاح، وأما الصغيرتان: فلأنه لا يجوز الجمع بينهما وبين أمهما، ولأن كل واحدة منهما صارت أخت الأخرى، ولا يجوز الجمع بين الأختين.
وتحرم الكبيرة على التأبيد، سواء دخل بها أو لم يدخل بها؛ لأنها صارت من أمهات النساء.
وأما الصغيرتان: فإن كان قد دخل بالكبيرة.. حرمتا أيضًا على التأبيد؛ لأنهما ربيبتان دخل بأمهما. فإن لم يدخل بالكبيرة.. جاز له أن يعقد على كل واحدة منهما؛ لأنهما ربيبتان لم يدخل بأمهما، ولا يجوز أن يجمع بينهما؛ لأنهما أختان.
فإن أرضعت الثالثة بعد ذلك، فإن كان قد دخل بالكبيرة.. انفسخ نكاح الثالثة؛ لأنها ربيبة قد دخل بأمها، فحرمت على التأبيد، وإن لم يدخل بالكبيرة.. لم ينفسخ نكاح الثالثة؛ لأنها ربيبة لم يدخل بأمها.
الثانية: إذا أرضعت الأولى خمس رضعات، ثم أرضعت الأخريين معًا.. فإنها لما أرضعت الأولى.. انفسخ نكاح الكبيرة ونكاح الأولى، وحرمت الكبيرة على التأبيد. وإن كان قد دخل بالكبيرة.. حرمت الأولى على التأبيد، وإن لم يدخل بها.. لم تحرم على التأبيد.
وأما الأخريان: فإن نكاحهما ينفسخ؛ لأنهما صارتا أختين في حالة واحدة، ولا يجوز الجمع بين الأختين، فإن كان قد دخل بالكبيرة.. حرمتا على التأبيد، وإن لم يدخل بها.. لم تحرما على التأبيد.
الثالثة: إذا أرضعت الثلاث، واحدة بعد واحدة.. فإنها لما أرضعت الأولى.. انفسخ نكاح الكبيرة والصغيرة؛ لأنه لا يجوز الجمع بين المرأة وبنتها، وتحرم الكبيرة

(11/167)


على التأبيد بكل حال، وأما الصغيرة: فإن كان قد دخل بالكبيرة.. حرمت أيضًا على التأبيد، وإن لم يدخل بالكبيرة.. لم تحرم على التأبيد.
فإذا أرضعت الثانية.. فهل ينفسخ نكاحها؟ نظرت:
فإن كان قد دخل بالكبيرة.. انفسخ نكاحها؛ لأنها ربيبة قد دخل بأمها، فحرمت على التأبيد.
وإن لم يدخل بالكبيرة.. لم ينفسخ نكاحها؛ لأنها ربيبة لم يدخل بأمها.
فإذا أرضعت الثالثة، فإن كان قد دخل بالكبيرة.. انفسخ نكاحها، وحرمت على التأبيد، وإن لم يدخل بالكبيرة.. فقد صارت هي والثانية أختين، وما الحكم فيهما؟ فيه قولان:
[أحدهما] : قال في القديم: (ينفسخ نكاحهما) . وبه قال أبو حنيفة، واختاره المزني؛ لأنها أخوة اجتمعت في النكاح، فانفسخ النكاح، كما لو أرضعتهما معًا.
والثاني: ينفسخ نكاح الثالثة وحدها؛ لأن الجمع تم بها، فاختصت بفساد النكاح، كما لو تزوج بأختين إحداهما بعد الأخرى.. فإن فساد النكاح يختص بالثانية.
الرابعة: إذا أرضعتهن في حالة واحدة، بأن ترضع كل واحدة أربع رضعات، ثم تحلب ثلاث دفعات في ثلاثة أوقات متفرقة، ثم تسقيهن الخامسة دفعة واحدة.. فينفسخ نكاح الكبيرة وجميع الصغار، وتحرم الكبيرة على التأبيد، وأما الصغار: فإن دخل بالكبيرة.. حرمن على التأبيد، وإن لم يدخل بالكبيرة.. لم يحرمن على التأبيد، إلا أنهن صرن أخوات، فلا يجوز له الجمع بين اثنتين منهن، وإنما يجوز له أن يتزوج كل واحدة منهن على الانفراد.

[فرع له زوجتان فطلق الصغرى ثم أرضعتها الكبرى]
] : وإن كان له زوجتان صغيرة وكبيرة، فطلق الصغيرة، ثم أرضعتها الكبيرة.. انفسخ نكاح الكبيرة؛ لأنها صارت أم من كانت له زوجة.

(11/168)


وإن طلق الكبيرة، وأرضعت الصغيرة، فإن أرضعتها بلبن الزوج.. انفسخ نكاح الصغيرة أيضًا؛ لأنها صارت ابنته، وإن أرضعتها بغير لبن الزوج، فإن كانت الكبيرة مدخولًا بها.. انفسخ نكاح الصغيرة أيضًا؛ لأنها صارت بنت امرأة له أيضًا مدخول بها، وإن لم يدخل بالكبيرة.. لم ينفسخ نكاح الصغيرة؛ لأنها بنت امرأة لم يدخل بها.

[فرع أرضعت ثلاث زوجات زوجة صغيرة]
إذا كان له أربع زوجات، ثلاث منهن كبار، وواحدة صغيرة، فأرضعتها كل واحدة من الثلاث الكبار خمس رضعات متفرقات.. انفسخ نكاح الجميع؛ لأن كل واحدة من الكبار صارت أمًا لمن كانت له زوجة، ويحرمن الكبار على التأبيد، وأما الصغيرة: فإن أرضعتها واحدة منهن بلبن الزوج، أو بغير لبن الزوج إلا أن واحدة منهن مدخول بها.. حرمت على التأبيد، وإن لم ترتضع بلبن الزوج، ولا في الكبار مدخول بها.. لم تحرم الصغيرة على التأبيد، بل له أن يعقد عليها.
قال ابن الحداد: وإن كان له ثلاث زوجات، كبيرتان وصغيرة، فأرضعتها كل واحدة أربع رضعات، ثم حلبتا لبنهما في مسعط، وأوجرتاه إياها.. تمت بها الخامسة من كل واحدة منهما، فينفسخ نكاح الجميع، وتحرم الكبيرتان على التأبيد بكل حال، وأما الصغيرة: فإن كان قد دخل بالكبيرتين أو بإحداهما.. حرمت الصغيرة أيضًا على التأبيد، وإن لم يدخل بواحدة منهما.. لم تحرم على التأبيد.
قلت: وهذا إذا كان اللبن لغير الزوج، وأما إذا كان لبنهما أو لبن إحداهما للزوج: فإن الصغيرة تحرم عليه على التأبيد على كل حال.

[فرع له زوجتان فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة]
وإن كان له زوجتان: كبيرة وصغيرة، فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة خمس رضعات.. انفسخ نكاح الكبيرة والصغيرة؛ لأنه صار جامعًا بين نكاح أختين، وذلك لا يجوز.

(11/169)


وإن أرضعتها جدة الكبيرة.. انفسخ نكاحهما؛ لأن الصغيرة صارت خالة الكبيرة، فإن أرضعتها أخت الكبيرة.. انفسخ نكاحهما؛ لأن الكبيرة تصير خالة للصغيرة.
وإن أرضعتها أم أبي الكبيرة.. انفسخ نكاحهما؛ لأن الصغيرة صارت عمة الكبيرة، ويجوز له أن يعقد على كل واحدة منهما على الانفراد؛ لأنه لا يمنع أن يتزوج بخالة من كانت زوجته ولا عمتها، سواء دخل بالكبيرة أو لم يدخل بها.

[فرع طلق امرأته فأرضعت زوجته الصغيرة]
] : وإن كان لرجل زوجتان: كبيرة وصغيرة، فطلقهما، وتزوجهما آخر، فأرضعت الكبيرة الصغيرة.. انفسخ نكاحهما من الثاني، فإن أراد الأول أن يتزوج بهما.. لم يجز له أن يتزوج بالكبيرة؛ لأنها أم من كانت زوجته، وأما الصغيرة: فإن دخل بالكبيرة.. لم يجز له أن يتزوج بالصغيرة أيضًا؛ لأنها بنت امرأة دخل بها، وإن لم يكن دخل بالكبيرة.. فله أن يتزوج بها؛ لأنها بنت امرأة لم يدخل بها.

[فرع زوجان طلقا زوجتيهما ثم تزوج كل زوجة الآخر]
] : وإن كان لرجل زوجة كبيرة، ولآخر زوجة صغيرة، فطلق كل واحد منهما زوجته، فتزوج من كان تحته الكبيرة الصغيرة، وتزوج من كان تحته الصغيرة الكبيرة، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة.. فإن نكاح الكبيرة ينفسخ، وتحرم على التأبيد؛ لأنها صارت أم من كانت زوجته، وأما الصغيرة: فإن كان زوجها قد دخل بالكبيرة قبل أن يطلقها.. انفسخ نكاح الصغيرة، وحرمت عليه على التأبيد؛ لأنها بنت امرأة دخل بها، وإن لم يكن دخل بها.. لم ينفسخ نكاحها؛ لأنها بنت امرأة لم يدخل بها.

[فرع عتقت ففسخت النكاح وتزوجت بآخر ثم أرضعت الأول]
قال المزني في " المنثور ": إذا زوج الرجل أمته الكبيرة بعبده الصغير، ثم أعتقها سيدها، فاختارت فسخ النكاح؛ لكونها حرة تحت عبد، ثم تزوجت بآخر، وولدت

(11/170)


له، وأرضعت بلبنه زوجها الأول.. انفسخ نكاحها من زوجها؛ لأنها حليلة ابنه.
قال أصحابنا: وهكذا: إذا زوج الرجل ابنه الطفل بكبيرة، فوجدت به عيبًا، وفسخت النكاح، ثم تزوجت بكبير، وولدت منه، وأرضعت بلبنه زوجها الأول.. انفسخ نكاحها من زوجها؛ لأنها حليلة ابنه، وحرمت عليهما على التأبيد.
وإن تزوجت امرأة برجل، وحصل لها منه لبن، فطلقها وتزوجت بعده بطفل، فأرضعته بلبن الزوج الأول خمس رضعات.. انفسخ نكاحها من الصغير، وحرمت عليه على التأبيد؛ لأنها أمه وحليلة أبيه، وحرمت على زوجها الأول على التأبيد؛ لأنها حليلة ابنه.

[فرع إرضاع الجدة أحد الصغيرين المتزوجين]
إذا كان هناك أخوان، لأحدهما ابن، وللآخر ابنة، فزوج الأخوان ابنيهما الصغيرين أحدهما من الآخر، فأرضعت أم الأخوين أحد الصغيرين.. انفسخ نكاحهما؛ لأنها إن أرضعت الابن.. صار عم زوجته، وإن أرضعت الابنة.. صارت عمة زوجها.
وإن زوج الصغير بابنة عمته الصغيرة، فأرضعت جدتهما أحدهما.. انفسخ نكاحهما؛ لأنها إن أرضعت الابن.. صار خال زوجته، وإن أرضعت الابنة.. صارت عمة زوجها.
وإن زوج الصغير بابنة خاله الصغيرة، فأرضعت جدتهما أحدهما.. انفسخ

(11/171)


نكاحهما؛ لأنها إن أرضعت الابن.. صار عم زوجته، وإن أرضعت الابنة.. صارت خالة زوجها.
وإن زوج الصغير بابنة خالته الصغيرة، فأرضعت جدتهما أحدهما.. انفسخ نكاحهما؛ لأنها إن أرضعت الابن.. صار خال زوجته، وإن أرضعت الابنة.. صارت خالة زوجها.

[فرع إرضاع أم ولد عبد سيدها الصغير]
قال ابن الحداد: روى المزني: أن الشافعي قال في " المنثور ": (إذا زوج أم ولد من عبده الصغير، فأرضعته بلبن مولاه خمس رضعات.. انفسخ نكاحهما، وحرمت عليه على التأبيد، ولا تحرم أم الولد على المولى؛ لأنها لم تصر أما للصغير إلا بعد زوال النكاح بينهما، وكانت حليلة الصغير، ولم تكن أمًا له، ولما صار ابنًا له.. لم تكن حليلة له) .
وتقرير هذا: أن اسم حليلة الابن لم يوجد؛ لأنه حين يسمى: ابنًا، لا تسمى هي: حليلة، وإنما كانت حليلة له، فإذا لم يثبت الاسم للنسب.. لم يثبت التحريم.
وأنكر المزني، وابن الحداد، وسائر أصحابنا ذلك، وقالوا: تحرم على السيد. ولا يصح هذا على مذهب الشافعي؛ لأن زوال النكاح لا يمنع وقوع اسم حليلة ابنه، وقد نص الشافعي على: (أنه إذا تزوج صغيرة وكبيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة.. أن نكاحهما ينفسخ؛ لأن الكبيرة أم زوجته، وليست بزوجة له حين صارت أمًا لها) . هكذا ذكرها القاضي أبو الطيب.
وذكر الشيخ أبو حامد في " التعليق ": أن المزني ذكر في " المنثور ": إذا كان له أم ولد، له منها لبن، فزوجها من طفل، فأرضعته بلبن مولاها.. انفسخ النكاح بينهما.
قال المزني، وابن الحداد: وتحرم على سيدها على التأبيد؛ لأن الصغير صار ابنًا لسيدها من الرضاع، فتصير حليلة ابنه.

(11/172)


قال الشيخ أبو حامد: وأخطأ، بل لا تحرم على سيدها؛ لأنه لم يصح النكاح بينها وبين الصغير، لأن نكاح الأمة لا يصح إلا بشرطين: خوف العنت، وعدم صداق حرة. والصغير لا يوصف بخوف العنت، فإذا لم يوجد الشرط.. لم يصح النكاح، وإذا لم يصح النكاح.. لم تكن حليلة ابنه.
والذي حكاه القاضي صحيح إذا كان الطفل عبدًا؛ لأنه لا يعتبر خوف العنت وعدم صداق الحرة في نكاح الأمة.
والذي ذكره الشيخ أبو حامد صحيح أيضًا إذا كان الطفل حرًا؛ لأن هذين الشرطين معتبران في حقه في جواز إنكاحه للأمة، وهما غير موجودين فيه.

[فرع إرضاع أجنبية زوجتين صغيرتين لرجل]
إذا كان لرجل زوجتان صغيرتان، فجاءت امرأة أجنبية، فأرضعت إحداهما خمس رضعات، ثم أرضعت الأخرى خمس رضعات.. فإن نكاح الأخرى ينفسخ بتمام رضعتها الخامسة، وهل ينفسخ به نكاح الأولى؟ فيه قولان، قد مضى توجيههما.
وهكذا: لو جاءت أم إحدى الزوجتين الصغيرتين، فأرضعت ضرة ابنتها خمس رضعات.. انفسخ نكاح المرضعة، وهل ينفسخ نكاح ابنة المرضعة؟ على القولين.
وإن كان لرجل أربع زوجات صغار، وله ثلاث خالات لأب وأم، أو لأم، فأرضعت كل واحدة من خالاته واحدة من زوجاته، وبقيت الرابعة.. لم ينفسخ نكاحه من إحداهن؛ لأن الثلاث المرضعات صرن بنات خالاته، وابنة خالته يجوز نكاحها، فإن أرضعت أمُّ أمِّ الزوج الرابعةَ.. انفسخ نكاحه منها، وحرمت عليه على التأبيد؛ لأنها صارت خالة له، وصارت أيضًا هذه الرابعة خالة لزوجاته الثلاث، وهل ينفسخ نكاحهن؟ على القولين في التي قبلها.
وإن كان له ثلاث خالات متفرقات، فأرضعت كل واحدة من خالاته واحدة من

(11/173)


زوجاته.. فإن نكاحهن لا ينفسخ، فإن أرضعت أمُّ أم الزوج زوجته الرابعة.. انفسخ نكاحها، وأما زوجاته الثلاث: فإن في انفساخ نكاح زوجته التي أرضعتها خالته لأبيه وأمه وفي نكاح التي أرضعتها خالته لأمه القولين.
وأما نكاح زوجته التي أرضعتها خالته لأبيه: فإنه لا ينفسخ، قولًا واحدًا؛ لأن خؤولة الرابعة حصلت من جهة أمّ أم الزوج، وخالة الزوج للأب من قوم آخرين، وهي من جهة أبي أم الزوج، فلم تجتمع مرضعتها مع خالتها في النكاح. هكذا ذكر المسعودي [في " الإبانة "] ، والطبري في " العدة ".
وعندي: أن أمَّ أمِّ الزوج إذا أرضعت الرابعة بلبن أبي أم الزوج.. كان في نكاح مرضعة الخالة للأب أيضًا قولان، وإنما تفترق إذا أرضعت بغير لبن أبي أم الزوج. وعلى هذا يقاس: إذا كان للزوج ثلاث عمات، فأرضعت كل واحدة منهن واحدة من زوجاته، ثم أرضعت أم أبي الزوج الرابعة، على ما مضى.

[مسألة تزوج بصغيرة فأرضعتها أمه أو أخته]
مسألة: [تزوج صغيرة فأرضعتها أمه أو أخته] :
إذا تزوج الرجل صغيرة، فأرضعتها أمه أو أخته أو امرأته.. ينفسخ النكاح برضاعها خمس رضعات متفرقات، فإن كان قد سمى لها صداقًا فاسدًا.. وجب لها نصف مهر المثل، وإن سمى لها صداقًا صحيحًا.. وجب لها نصف المسمى، ويرجع الزوج على المرضعة بضمان ما أتلفته عليه من البضع، سواء تعمدت فسخ النكاح أو لم تتعمد.
وقال مالك: (لا يرجع عليها بشيء) .
وقال أبو حنيفة: (إن تعمدت فسخ النكاح.. رجع عليها، وإن لم تتعمد فسخ النكاح.. لم يرجع عليها) .
دليلنا - على مالك -: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [الممتحنة: 11] [الممتحنة: 11] .

(11/174)


وذلك: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صالح قريشًا عام الحديبية على: أن المرأة المسلمة إذا هاجرت.. ردها إليهم، فنهاه الله عن ذلك، وأمره برد مهورهن إلى أزواجهن) ؛ لأنه حال بينهن وبين أزواجهن، فدل على: أن كل من حال بين الرجل وبين زوجته.. كان عليه ضمان البضع، وهذه المرضعة قد حالت بينه وبينها.. فكان عليها الضمان.
وعلى أبي حنيفة: أن كل ما ضمن بالعمد.. ضمن بالخطأ، كالأموال.
إذا ثبت هذا: فكم القدر الذي يرجع به على المرضعة؟
نص الشافعي هاهنا: (أنه يرجع عليها بنصف مهر المثل) .
ونص في الشاهدين: (إذا شهدا على رجل: أنه طلق امرأته قبل الدخول، وحكم بشهادتهما، ثم رجعا عن الشهادة.. فإنها لا ترد إليه) ، وبماذا يرجع الزوج عليهما؟ فيه قولان:

(11/175)


أحدهما: يرجع عليهما بنصف مهر المثل.
والثاني: يرجع عليهما بجميع مهر المثل.
فنقل أبو سعيد الإصطخري هذا القول إلى جوابه في المرضعة، وخرج فيها قولين:
أحدهما: يرجع عليها بجميع مهر المثل؛ لأنها أتلفت عليه البضع، فرجع عليها بالقيمة.
والثاني: يرجع عليها بنصف مهر المثل؛ لأنه لم يغرم إلا نصف بدل البضع، فلم يجب له أكثر من نصف بدله.
وحملهما أبو إسحاق، وأكثر أصحابنا على ظاهرهما، فجعلوا في الشاهدين قولين، وفي المرضعة للزوج يرجع عليها بنصف مهر المثل، قولًا واحدًا؛ لأن الفرقة في الرضاع وقعت ظاهرًا وباطنًا، والذي غرم الزوج نصف المهر، فلم يرجع عليها بأكثر من بدله، وفي الشاهدين لم تقع الفرقة ظاهرًا وباطنًا، وإنما وقعت في الظاهر، وهما يقران: أنها زوجته الآن، وإنما حالا بينه وبينها، فرجع عليهما بقيمة جميع البضع.
وقال أبو حنيفة: (يرجع على المرضعة بنصف المسمى) .
دليلنا: أن هذا تعلق بالإتلاف، فلم يضمن بالمسمى، وإنما يضمن بقيمته، كضمان الأموال.
فإذا قلنا: يرجع عليها بنصف مهر المثل، وهو الأصح، وعليه التفريع، فجاء خمس أنفس، وأرضعوا الصغيرة من أم الزوج كل واحد منهم رضعة.. فإن الزوج يرجع على كل واحد منهم بخمس نصف مهر المثل؛ لتساويهم في الإتلاف.
وإن كانوا ثلاثة، فأرضعها اثنان كل واحد منهما رضعة من لبن أم الزوج، وأرضعها الثالث منها ثلاث رضعات.. ففيه وجهان:

(11/176)


أحدهما: يجب على كل واحد منهم ثلث نصف مهر المثل؛ لأن كل واحد منهم وجد منه سبب الإتلاف، فتساووا في الضمان، كما لو كان عبد بين ثلاثة، لأحدهم النصف، وللآخر السدس، وللثالث الثلث، فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس نصيبهما في وقت واحد.
والثاني: يقسط النصف على عدد الرضعات، فيجب على من أرضع رضعة خمس نصف مهر المثل، وعلى من أرضع ثلاث رضعات ثلاثة أخماس نصف مهر المثل؛ لأن الفسخ حصل بعدد الرضعات، فقسط الضمان عليهم.

[فرع إرضاع بنات زوجته نساءه الثلاث الصغار]
وإن كان لرجل ثلاث زوجات صغار وزوجة كبيرة، وللكبيرة ثلاث بنات من النسب أو الرضاع لهن لبن، فأرضعت كل واحدة من بنات الزوجة الكبيرة واحدة من الثلاث الزوجات الصغار.. نظرت:
فإن وقع رضاعهن دفعة واحدة، بأن اتفقن في الخامسة.. انفسخ نكاح الكبيرة والصغار؛ لأنه لا يجوز الجمع بينهن وبين جدتهن، وإن كان الزوج لم يدخل بالكبيرة.. فإنهن يرجعن عليه بنصف المسمى، ويرجع الزوج على كل واحدة من بنات الكبيرة بنصف مهر مثل الصغيرة التي أرضعت، ويرجع على الثلاث المرضعات بنصف مثل مهر المرأة الكبيرة بينهن أثلاثًا.
ومن أصحابنا من قال: يرجع بنصف مهر كل واحدة من الصغار على الثلاث المرضعات بينهن بالسوية، وبنصف مهر الكبيرة؛ لأنهن اشتركن في إفساد نكاح كل واحدة منهن. والأول أصح. وتحرم عليه الكبيرة على التأبيد، وأما الصغار: فلا يحرمن عليه، بل يجوز له ابتداء عقد النكاح على كل واحدة منهن، ويجوز له الجمع بينهن؛ لأنهن بنات خالات.
وإن كان قد دخل بالكبيرة.. حرمن جميعًا على التأبيد، والكلام في مهور الصغار

(11/177)


على ما مضى، وأما مهر الكبيرة: فإنه يرجع بجميعه على الثلاث المرضعات بينهن أثلاثًا.
وقال ابن الحداد: لا يرجع عليهن بمهر المثل؛ لأنه قد وطئها، فلو ثبت له الرجوع.. لكانت في معنى المرهونة. وهذا ليس بصحيح؛ لأن المهر يرجع به على غيرها، فلا تكون في معنى المرهونة.
وإن تقدم إرضاع بعضهن على بعض.. فإن الأولى من بنات الكبيرة لما أرضعت واحدة من الصغار.. انفسخ نكاح الصغيرة والكبيرة، ورجع الزوج على المرضعة بنصف مهر مثل الصغيرة، وبنصف مهر مثل الكبيرة إن لم يدخل بها، وبجميع مهرها إن دخل بها - على الأصح - وحرمت الكبيرة على التأبيد، وأما الصغيرة: فإن لم يدخل بالكبيرة.. لم تحرم على التأبيد، وإن دخل بها.. حرمت على التأبيد. فلما أرضعت الثانية الصغيرة الثانية، وأرضعت الثالثة الصغيرة الثالثة، فإن كان الزوج قد دخل بالكبيرة.. انفسخ نكاحهما؛ لأنهما بنتا ابنة امرأته المدخول بها، والكلام في مهرهما على ما مضى، وإن كان لم يدخل بالكبيرة.. لم ينفسخ نكاحهما؛ لأنهما بنتا ابنة امرأته التي لم يدخل بها.

[فرع إرضاع زوجتين كبيرتين لضرة صغيرة]
إذا كان له ثلاث زوجات: كبيرتان وصغيرة، فأرضعتها كل واحدة من الكبيرتين أربع رضعات، ثم حلبت كل واحدة منهما لبنًا منها، وخلطتاه، وسقتاه الصغيرة معًا.. انفسخ نكاح الكبيرتين والصغيرة، وعلى الزوج للصغيرة نصف المسمى، وللزوج على الكبيرتين نصف مهر مثل الصغيرة بينهما نصفين.
وأما مهر الكبيرتين: فإن كان قد دخل بهما.. فلهما عليه المهر المسمى، ويرجع الزوج على كل واحدة منهما بنصف مهر مثل صاحبتها؛ لأن كل واحدة منهما أتلفت عليه نصف بضع صاحبتها، ونكاح كل واحدة منهما انفسخ بفعل نفسها وفعل

(11/178)


صاحبتها، فلا تضمن كل واحدة منهما من مهر صاحبتها إلا ما قابل فعلها.
وإن كان لم يدخل بهما.. فلكل واحدة منهما ربع مهرها المسمى على الزوج؛ لأنه لو لم يكن من جهتها سبب في فسخ النكاح.. لاستحقت نصف مهرها المسمى، ولو انفسخ نكاحها بفعلها.. سقط جميع مهرها، فإذا انفسخ نكاحها قبل الدخول بفعلها وفعل صاحبتها.. فما قابل فعل نفسها، لا ترجع به؛ لأن الفسخ إذا كان من قبلها قبل الدخول.. لا مهر لها، وما قابل فعل صاحبتها.. لا يسقط، ويرجع الزوج على كل واحدة منهما بربع مهر مثل صاحبتها؛ لأنه قيمة ما أتلفته من بضع صاحبتها.
قال الشيخ أبو حامد: إذا كانت بحالها إلا أن إحداهما انفردت بإيجارها اللبن المخلوط منهما.. انفسخ نكاح الجميع، وللصغيرة على الزوج نصف المسمى، ويرجع الزوج على الموجرة بنصف مهر مثل الصغيرة؛ لأنها هي انفردت بالإتلاف.
وأما مهر الكبيرتين: فإن كان الزوج لم يدخل بالتي لم توجر.. كان لها على الزوج نصف المسمى، ويرجع الزوج على الموجرة بنصف مهر مثل التي لم توجر. وإن كان قد دخل بالتي لم توجر.. فلها على الزوج جميع ما سمى لها، ويرجع الزوج على الموجرة بجميع مهر مثل التي لم توجر، وأما مهر الموجرة: فإن كان ذلك قبل الدخول بها.. فلا شيء لها، وإن كان بعد الدخول عليها.. فلها عليه جميع المسمى، ولا يسقط عنه شيء منه، وتحرم الكبيرتان عليه على التأبيد بكل حال.
وأما الصغيرة: فإن دخل بالكبيرتين أو بإحداهما.. حرمت عليه على التأبيد، وإن لم يدخل بواحدة منهما.. جاز له ابتداء العقد على الصغيرة.

[فرع إرضاع كبيرة صغيرة أربعًا ثم تزوجهما رجل فأرضعتها الخامسة]
وإن أرضعت امرأة كبيرة صغيرة أربع رضعات، ثم تزوج رجل الكبيرة والصغيرة، ثم أرضعتها الكبيرة الخامسة.. انفسخ نكاحهما، وتحرم الكبيرة على التأبيد، وإن كان قد دخل بالكبيرة.. حرمت الصغيرة أيضًا على التأبيد، وإن لم يدخل بها.. لم تحرم الصغيرة على التأبيد.

(11/179)


وأما المهر: فإن لم يدخل بالكبيرة.. فلا شيء لها على الزوج، وإن كان قد دخل بها.. فلها جميع مهرها عليه، وأما الصغيرة: فلها على الزوج نصف المسمى.
قال الشيخ أبو حامد: ويرجع الزوج على الكبيرة بنصف مهر مثل الصغيرة، ولا يقسط على عدد الرضعات؛ لأن الرضاع إنما تكامل عند الخامسة، والتحريم إنما وقع بها وهي في ملك الزوج.

[فرع ارتضاع زوجة صغيرة من أم زوجها]
وإن تزوج صغيرة، فارتضعت من أم الزوج خمس رضعات متفرقات والأم نائمة.. انفسخ نكاحها، ويسقط مهرها؛ لأن الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول.
فإن ارتضعت من الأم رضعتين وهي نائمة، ثم أرضعتها الأم ثلاث رضعات متفرقات.. انفسخ نكاحها.
قال الشيخ أبو إسحاق: وفي قدر ما يسقط عنه من نصف المسمى وجهان:
أحدهما: يسقط نصفه وهو الربع، ويجب عليه الربع.
والثاني: يقسط على عدد الرضعات، فيسقط من نصف المسمى الخمسان، ويجب ثلاثة أخماسه.
فإذا قلنا بالأول.. وجب على الأم للزوج ربع مهر المثل.
وإذا قلنا بالثاني.. وجب على الأم ثلاثة أخماس نصف مهر المثل.
وإن تقاطر من لبن أمه في حلق زوجته الصغيرة، فوصل إلى جوفها خمس رضعات.. انفسخ النكاح، ووجب عليه للصغيرة نصف المسمى، ولا يرجع الزوج على الأم بشيء؛ لأنه ليس من جهة إحداهما فعل.

(11/180)


[فرع ارتضاع زوجته الصغيرة من زوجته الكبيرة]
] : وإن ارتضعت زوجته الصغيرة من زوجته الكبيرة خمس رضعات متفرقات والكبيرة نائمة.. انفسخ نكاحهما، وسقط مهر الصغيرة، فإن كان لم يدخل بالكبيرة.. رجعت على الزوج بنصف مهرها المسمى، ورجع الزوج على الصغيرة بنصف مهر مثل الكبيرة، وإن دخل بالكبيرة.. رجعت عليه بجميع مهرها المسمى، ورجع الزوج في مال الصغيرة بجميع مهر مثل الكبيرة، على قول أكثر أصحابنا، ولا يرجع عليها بشيء، على قول ابن الحداد.

[فرع أرضعت زوجته الأمة الكبيرة ضرتها الصغيرة]
إذا كان لرجل زوجة أمة كبيرة، وله زوجة صغيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة خمس رضعات متفرقات.. انفسخ نكاحهما، وتعلق نصف مهر مثل الصغيرة برقبة الأمة؛ لأنه جناية، وجناية الأمة في رقبتها.
ولو كان لرجل أم ولد؛ وله زوجة صغيرة، فأرضعتها أم ولده.. انفسخ نكاح الصغيرة، وحرمت عليه الأمة على التأبيد، فإن كان قد وطئ الأمة.. حرمت عليه الصغيرة على التأبيد، وإن لم يكن وطئ الأمة إلا أنها استدخلت ماءه، وحملت منه.. فلا تحرم الصغيرة على التأبيد، ويجب للصغيرة على الزوج نصف مهرها المسمى، ولا يرجع الزوج على أم الولد بشيء؛ لأن جنايتها على غيره عليه.
ولو أرضعتها مكاتبته بلبنه، فإن كانت أم ولده.. رجع عليها بنصف مهر مثل الصغيرة؛ لأن السيد يثبت له الحق على مكاتبته.
وإن أرضعتها أم ولد أبيه أو ابنه بلبنه.. انفسخ النكاح، ورجع على أبيه أو ابنه بنصف مهر مثل الصغيرة؛ لأن جناية أم الولد على سيدها.

(11/181)


وإن كانت له أمة لها لبن من غيره، وأرضعت به زوجته الصغيرة خمس رضعات متفرقات.. حرمت عليه الأمة على التأبيد؛ لأنها صارت من أمهات النساء، وهل ينفسخ نكاح الصغيرة؟ ينظر فيه:
فإن كان قد وطئ الأمة.. انفسخ نكاحها؛ لأنها بنت امرأة وطئها.
وإن لم يطأها.. لم ينفسخ النكاح، ولا يرجع السيد على الأمة بشيء من مهر الصغيرة؛ لأن السيد لا يثبت له المال على عبده.

[فرع إرضاع زوجة الابن ضرة حماتها الصغيرة]
وإن كان له زوجة صغيرة وزوجة كبيرة، وللكبيرة ابن - من غير هذا الزوج - له زوجة لها لبن من ابن الكبيرة، فأرضعت به الصغيرة.. انفسخ نكاح الصغيرة والكبيرة؛ لأن الكبيرة صارت جدة الصغيرة، ولا يجوز الجمع بين المرأة وجدتها، وتحرم الكبيرة على التأبيد، وأما الصغيرة: فإن كان قد دخل بالكبيرة.. حرمت عليه على التأبيد، وإن لم يدخل بالكبيرة.. لم تحرم عليه على التأبيد، ويجب على الزوج للصغيرة نصف المسمى، ويرجع الزوج على زوجته الكبيرة بنصف مهر مثل الصغيرة، وأما الكبيرة: فإن لم يدخل بها.. وجب عليه لها نصف مهرها المسمى، ويرجع على زوجة الابن بنصف مهر مثل الكبيرة، وإن دخل بالكبيرة.. رجعت الكبيرة بجميع مهرها المسمى، ويرجع الزوج على زوجة ابنها بجميع مهر مثل الكبيرة، على قول أكثر أصحابنا، ولا يرجع عليها بشيء هاهنا، على قول ابن الحداد.
وبالله التوفيق

(11/182)