التنبية في الفقه الشافعي

كتاب الجنائز
باب ما يفعل بالميت
يستحب لكل أحد أن يكثر ذكر الموت وأن يعود المريض فإن رجاه دعا له وانصرف وان خاف أن يموت رغبة في التوبة والوصية وان رآه منزولا به وجهه الى القبلة ولقنه قول لا اله الا الله فإذا مات استحب لأرفقهم به أن يغمض عينيه ويشد لحييه ويلين مفاصله ويخلع ثيابه ويسجيه بثوب ويجعل على بطنه حديدا أو طينا رطبا ويسارع الى قضاء دينه والتوصل الى ابرائه منه وتفرقة وصيته ويبادر الى تجهيزه الا أن يكون قد مات فجأه فيترك ليتيقن موته.

(1/49)


باب غسل الميت
وغسل الميت فرض على الكفاية, والأولى أن يتولاه أبوه وجده وابنه وعصابته ثم للرجال الأجانب ثم الزوجة ثم النساء الأقارب, وان كانت امرأة غسلها النساء الأقارب ثم النساء الأجانب ثم الزوج ثم الرجال الأقارب وذوو المحارم أحق من غيرهم فإن مات رجل وليس هناك الا امرأة أجنبية أو ماتت امرأة, وليس هناك الا رجل أجنبي يمما فان مات كافر فأقاربه الكفار أحق من أقاربه المسلمين ويستر الميت في الغسل عن العيون ولا ينظر الغاسل الا الى ما لا بد منه والأولى أن يغسل في قميص وغير المسخن من الماء

(1/49)


أولى الا أن يحتاج الى المسخن وينوي غسله وينجيه ولا يجوز أن يمس عورته, ويستحب أن لا يمس سائر بدنه الا بخرقة ويوضئه وضوءا كما يوضئه للصلاة ثم يغسل رأسه بماء وسدر ويسرح شعره ويغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ثم يفيض الماء على جميع بدنه ويفعل ذلك ثلاثا يتعاهد في كل مرة امرار اليد على البطن وان احتاج الى الزيادة على ذلك غسل ويكون وترا ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورا ويقلم أظافره ويجشف شاربه ويحلق عانته والفرض من ذلك النية والغسل ثم ينشفه في ثوب فان خرج منه بعد الغسل شيء أعيد غسله وقيل يوضأ وقيل يكفيه غسل المحل ومن تعذر غسله يمم.

(1/50)


باب الكفن
وتكفين الميت فرض على الكفاية ويجب ذلك في ماله مقدما على الدين والوصية فان كانت امرأة لها زوج فعلى زوجها, وقيل في مالها وان لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته فان لم يكن ففي بيت المال ويستحب أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ازار ولفافتين بيض والمرأة في خمسة أثواب ازار وخمار ودرع ولفافتين بيض ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه والواجب ثوب واحد ويستحب أن يذر الحنوط والكافور في الأكفان ويجعل الحنوط1 والكافور في قطن ويترك على منافذ الوجه وعلى الأذن, وعلى مواضع السجود ولو طيب جميع بدنه بالكافور فهو حسن فإن كان محرما لم يقرب الطيب ولا يلبس المخيط ولا يحمر رأسه.
__________
1 - قال ابن الأثير: الحنوط والحناط هو مايغلط من طيب الأكفان الموتى واجسامهم خاصة: 7: 279: لسان.

(1/50)


باب الصلاة على الميت
وهي فرض على الكفاية والسنة أن تفعل في جماعة وأولى الناس بذلك

(1/50)


أبوه ثم جده ثم ابنه, ثم ابن ابنه, على ترتيب العصبات فان استوى اثنان في درجة قدم أسنهما فإن استويا في ذلك أقرع بينهما فإن اجتمع المناسب والوالي قدم المناسب في أصح القولين فإن اجتمع جنائز قدم الى الامام أفضلهم ويقف الامام عند رأس الرجل, وعند عجيزة المرأة وينوي ويكبر أربع تكبيرات يرفع معها اليد يقرأ في الأولى الفاتحة وفي الثانية يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الثالثة يدعو للميت اللهم هذا عبدك وابن عبديك خرج من روح الدنيا, وسعتها ومحبوبها وأحبائه فيها الى ظلمة القبر, وما هو لاقيه كان يشهد أن لا اله الا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به أللهم نزل بك وأنت خير منزول, وأصبح فقيرا الى رحمتك وأنت غني عن عذابه وقد جئناك راغبين اليك شفعاء له أللهم ان كان محسنا فزد في احسانه وان كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحمتك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه وأفسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه الى جنتك يا أرحم الراحمين1 ويقول في الرابعة: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله برحمتك يا أرحم الراحمين ثم يسلم تسليمتين والواجب من ذلك النية والتكبيرات وقراءة الفاتحة والصلاة على النبي وأدنى الدعاء للميت والتسليمة الأولى ومن سبقه الامام ببعض التكبيرات دخل في الصلاة, وأتى بما أدرك فاذا سلم الامام كبر ما بقي متواليا ثم يسلم ومن فاته جميع الصلاة صلى على القبر أبدا وقيل يصلي عليه من كان من أهل الصلاة عليه عند الموت وقيل الى شهر وقيل ما لم يبل جسده وان كان الميت غائبا عن البلد صلى عليه بالنية, كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي وان وجد بعض الميت غسل وكفن وصلى عليه ومن مات من المسلمين في حرب الكفار بسبب من أسباب قتالهم قبل انقضاء الحرب لم يغسل ولم يصلى عليه بل ينزع عنه ثياب الحرب ويدفن بما بقي من ثيابه ومن مات في
__________
1 - روح الدنيا وسعتها: أي نسيم زعها واتساعها: أنه نزل بك وأنت خير منزول به أي هو ضمك وأنت أكرم الأكرمين وضعيف الكرام لا يضام: ولقه: أي أعطه برحمتك رضاك انظر شرح المنهاج في باب صلاة الميت.

(1/51)


حرب أهل البغي ومن أهل العدل غسل, وصلى عليه في أصح القولين ويغسل السقط الذي نفخ فيه الروح, ولم يستهل ويكفن, ولا يصلي عليه وان لم ينفخ فيه الروح كفن ودفن وان اختلط من يصلي عليه بمن لا يصلي عليه صلى على كل واحد منهم ينوي أنه هو الذي يصلي عليه.

(1/52)


باب حمل الجنازة والدفن
والأفضل أن يجمع في حمل الجنازة بين التربيع, والحمل بين العمودين فان أراد أحدهما فالحمل بين العمودين أفضل ويستحب أن يسرع بالجنازة وأن يكون الناس أمامها بقربها ثم يدفن وهو فرض على الكفاية والأولى أن يتولى ذلك من يتولى غسله وأن يكون عددهم وترا وأن يكون بالنهار, ويعمق القبر قدر قامة وبسطة ويدفن في اللحد الا أن تكون الأرض رخوة فيشق ويدفن في شقها ويغسل الميت من قبل رأسه الى القبر ويسجى بثوب عند ادخاله الى القبر, ويقول الذي يدخله باسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضجع على جنبه الأيمن ويوضع تحت رأسه لبنة ويفضى بخده إلى الأرض, ويحثى عليه التراب باليد ثلاث حثيات ثم يهال عليه التراب بالمساحي ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر وتسطيحه أفضل ويرش عليه الماء ولا يجصص ولا يبنى عليه ولا يدفن اثنان في قبر الا لضرورة, ويقدم الأسن الأقرأ الى القبلة والدفن في المقبرة أفضل فإن دفن من غير غسل أو الى غير القبلة نبش, وغسل ووجه إلى القبلة وان وقع في القبر شيء له قيمة نبش وأخذ وان بلع الميت مالا لغيره شق جوفه, وأخرج وان ماتت امرأة وفي جوفها ولد يرجى حياته شق جوفها وأخرج وان لم يرج ترك عليه شيء حتى يموت ويستحب للرجال زيارة القبور ويقول اذا زار سلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا ان شاء الله عن قريب بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم ولا يجلس على قبر ولا يدوسه الا لحاجة ويكره المبيت في المقبرة.

(1/52)


باب التعزية والبكاء على الميت
ويستحب التعزية قبل الدفن وبعده الى ثلاثة أيام ويكره الجلوس لها ويقول في تعزية المسلم بالمسلم أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك وفي تعزية المسلم بالكافر أعظم الله وأحسن عزاءك وفي تعزية الكافر بالمسلم أحسن الله عزاءك وغفر لميتك وفي تعزية الكافر بالكافر أخلف الله عليك ولا نقص عددك ويجوز البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة ويستحب لأقرباء الميت وجيرانه أن يصلحوا طعاما لأهل الميت.

(1/53)