التنبية في الفقه الشافعي

كتاب الصيام
مدخل
...
كتاب الصيام
يجب صوم شهر رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم فأما الكافر فإن كان أصليا لم يجب عليه وان كان مرتدا وجب عليه وأما الصبي فلا صوم عليه غير أنه يؤمر به لسبع ويضرب على تركه لعشر ومن زال عقله بجنون لم يجب عليه الصوم فإن بلغ الصبي أو أفاق المجنون في أثناء النهار لم يلزمهما صوم ذلك اليوم على ظاهر المذهب فأما من لا يقدر على الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فلا يجب عليه الصوم الا أنه تلزمه الفدية عن كل يوم مد من طعام في أصح القولين ولا يلزمه في الآخر ومن ترك الصوم جاحدا لوجوبه كفر وقتل بكفره ومن تركه غير جاحد من غير عذر حبس وومنع الطعام والشراب ولا يجب صوم شهر رمضان الا برؤية الهلال فإن غم عليهم وجب عليهم استكمال شعبان ثم يصومون فإن رأوا الهلال بالنهار فهو الليلة المستقبلة ويقبل في هلال شهر رمضان عدل في أصح القولين ولا يقبل في الآخر الا عدلان ولا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان فإن قامت البينة بالرؤية في يوم الشك وجب عليهم قضاؤه وفي امساك بقية النهار قولان: أحدهما يجب والثاني لا يجب وان صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوما ولم يروا الهلال أفطروا وقيل لا يفطرون وان اشتبهت الشهور على أسير تحري وصام فإن وافق الشهر أو ما بعد أجزأه فإن وافق ما قبله لم يجزئه في أصح القولين فان رأى هلال شوال وحده أفطر سرا ولا يصح صوم شهر رمضان ولا غيره من الصيام الواجب الا بنية

(1/65)


من الليل لكل يوم وقيل يصح بنية مع الفجر ويصح النفل بنية قبل الزوال وفيه قول آخر أنه يصح بنية بعد الزوال أيضا ولا يصح صوم شهر رمضان ولا غيره من الصيام الواجب الا بتعيين النية ويصح النفل بنية مطلقة ومن مرض وخاف الضرر جاز له أن يفطر وعليه القضاء ومن سافر قبل الفجر سفرا يقصر فيه الصلاة جاز له أن يفطر والأفضل أن يصوم وان أفطر فعليه القضاء وان خافت الحامل والمرضع على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء وان خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء وفي الفدية ثلاثة أقوال: أحدها أنها تجب عليهما في كل يوم مد من طعام والثاني أنها مستحبة والثالث أنها تجب على المرضع دون الحامل واذا حاضت الصائمة أو نفست بطل صومها وعليها القضاء وان جن بطل صومه ولا قضاء عليه وان أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه وعليه القضاء وان أغمي عليه في بعض النهار ففيه ثلاثة أقوال: أحدها يبطل صومه والثاني لا يبطل والثالث ان كان مفيقا من أول النهار لم يبطل وقيل ان كان في طرفيه مفيقا لم يبطل وان طهرت الحائض أو أسلم الكافر أو أفاق المجنون أو قدم المسافر وهو مفطر استحب لهم امساك بقية النهار وان بلغ الصبي وقدم المسافر وهما صائمان فقد قيل يلزمهما اتمام الصوم وعندي أنه يلزم المسافر دون الصبي ومن نوى الخروج من الصوم بطل صومه وقيل لا يبطل فإن أكل أو شرب أو استعط أو احتقن أو صب الماء في أذنيه فوصل الى دماغه أو طعن جوفه أو طعن بإذنه أو داوى جرحه فوصل الدواء الى جوفه أو استقاء أو جامع أو باشر فيما دون الفرج فأنزل أو استمنى فأنزل ذاكرا للصوم عالما بالتحريم بطل صومه وعليه القضاء وامساك بقية النهار وان فعل ذلك ناسيا أو جاهلا أو فعل به شيء من ذلك مكرها لم يبطل صومه وان أكره حتى فعل بنفسه ففيه قولان: أصحهما أنه لا يبطل وان تمضمض أو استنشق فوصل الماء الى جوفه بطل صومه في أحد القولين دون الآخر وان بالغ بطل وقيل على قولين وان أكل معتقدا أنه ليل ثم بان أنه نهار لزمه القضاء وان أكل شاكا في طلوع الفجر لم يلزمه القضاء وان أكل

(1/66)


شاكا في غروب الشمس لزمه القضاء وان طلع عليه الفجر وفي فيه طعام فلفظه أو كان مجامعا فنزع يصح صومه وان استدام بطل واذا جامع من غير عذر لزمهما القضاء وفي الكفارة ثلاثة أقوال: أحدها تجب على كل واحد منهما كفارة, والثاني تجب عليه دونها, والثالث تجب عليه كفارة عنه وعنها والكفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا فإن لم يجد ثبت في ذمته في أحد القولين الى أن يجد ويسقط في الثاني ومن حركت القبلة شهوته كره له أن يقبل ويكره للصائم العلك ويكره له الاحتجام ويكره له السواك بعد الزوال ويكره له الوصال ويكره له ولغيره صمت يوم الى الليل وينبغي للصائم أن ينزه صومه من الشتم والغيبة فإن شوتم فليقل اني صائم ويستحب له أن يتسحر وأن يؤخر السحور ما لم يخش طلوع الفجر ويعجل الفطر اذا تحقق غروب الشمس ويستحب أن يفطر على تمر فان لم يجد فعلى الماء ويستحب أن يدعو على الافطار بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت" ويطلب ليلة القدر في جميع شهر رمضان وفي العشر الأخير أكثر وفي ليالي الوتر أكثر وأرجاها ليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين ويستحب أن يكون دعاؤه فيها اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني ومن لزمه قضاء شيء من شهر رمضان فالمستحب أن يقضيه متتابعا ولا يجوز أن يؤخر القضاء الى رمضان آخر من غير عذر فإن أخره لزمه مع القضاء عن كل يوم مد من طعام ومن مات وعليه صوم تمكن من فعله أطعم عنه عن كل يوم مد من طعام وفيه قول آخر أنه يصام عنه.

(1/67)


باب صوم التطوع
يستحب لمن صام شهر رمضان أن يتبعه بست من شوال ويستحب أن يصوم يوم عرفة الا أن يكون حاجا بعرفة فيكره له ويستحب صوم يوم تاسوعاء وعاشوراء من المحرم والأيام البيض من كل شهر وصوم الاثنين والخميس ومن دخل في صوم تطوع أو صلاة تطوع استحب له اتمامها فإن

(1/67)


خرج منهما لم يلزمه القضاء وان دخل في حج تطوع أو عمرة تطوع لزمه اتمامها فإن أفسدهما لزمه القضاء ولا يجوز صوم يوم الشك الا أن يوافق عادة له أو يصله بما قبله وقيل لا يجوز اذا انتصف شعبان أن يصوم الا أن يوافق عادة له أو يصله بما قبله ويكره أن يصوم يوم الجمعة وحده ولا يحل في يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق فإن صام في هذه الأيام لم يصح الصوم وقال في القديم يصح للمتمتع صوم أيام التشريق.

(1/68)


باب الاعتكاف
الاعتكاف سنة ولا يجب الا بالنذر ولا يصح الا بالنية ولا يصح الا في المسجد والأفضل أن يكون بصوم وأن يكون في الجامع وان نذر الاعتكاف في الليل لم يلزمه بالنهار وان نذر في النهار لم يلزمه في الليل وان نذر اعتكاف يومين متتابعين لزمه اعتكاف يومين متتابعين وفي الليلة التي بينهما وجهان: أصحهما أنه لا يلزمه وان نذر اعتكاف مدة متتابعة فخرج لما لا بد منه كالأكل والشرب وقضاء حاجة الانسان والحيض والمرض وقضاء العدة وأداء شهادة تعينت عليه لم يبطل اعتكافه فإن خرج لما له منه بد من زيارة وعيادة وصلاة جمعة بطل اعتكافه الا أن يكون قد شرط ذلك في نذره فلا يضره فإن خرج لما لا بد منه فسأل عن المريض في طريقه ولم يعرج جاز وان خرج من المعتكف عامدا أو جامع في الفرج عامدا بطل اعتكافه وان باشر فيما دون الفرج بشهوة ففيه قولان وان خرج الى المنارة الخارجة من المسجد لم يضره ولا يعتكف العبد بغير اذن مولاه ولا المرأة بغير إذن الزوج ويجوز للمكاتب أن يعتكف بغير اذن مولاه.

(1/68)