التنبية في الفقه الشافعي

كتاب الحج
مدخل
...
كتاب الحج
الحج فرض وفي العمرة قولان: أصحهما أنها فرض ولا يجب في العمر الا مرة الا أن ينذر أو يدخل الى مكة لحاجة لا تتكرر من تجارة أو زيارة فيلزمه الاحرام بالحج أو العمرة في أحد القولين ولا يلزمه ذلك في الآخر ولا يجب ذلك الا على مسلم عاقل بالغ حر مستطيع فأما الكافر الأصلي فلا يجب عليه ولا يصح منه وأما المرتد فإنه يجب عليه ولا يصح منه وأما المجنون فلا يجب عليه ولا يصح منه وأما الصبي فإنه لايجب عليه ويصح فإن كان مميزا أحرم بإذن الولي وان كان غير مميزا أحرم عنه أحد أبويه وفعل عنه وليه ما لا يتأتى منه ونفقته في الحج وما يلزمه من الكفارة في ماله في أحد القولين وفي مال الولي في القول الآخر وأما العبد فلا يجب عليه الحج ويصح منه فإن بلغ الصبي وعتق العبد قبل الوقوف في الحج وقبل الطواف في العمرة أجزأها عن حجة الاسلام وعمرته والمستطيع اثنان مستطيع بنفسه ومستطيع بغيره فالمستطيع بنفسه أن يكون صحيحا واجدا للزاد والماء بثمن المثل في المواضع التي جرت العادة أن يكون فيها في ذهابه ورجوعه وأن يكون واجدا لراحلة تصلح لمثله ان كان بينه وبين مكة مسافة تقصر فيها الصلاة وأن يكون ذلك فاضلا عما يحتاج اليه من مسكن وخادم ان احتاج اليه وقضاء دين ان كان عليه وأن يجد طريقا أمنا من غير خفارة1 وأن يكون عليه من الوقت ما يتمكن
__________
1 - خفارة من الخفير أي المجير تقول خفر الرجل أي أجاره وكان له خفيرا تمنعه: أنظر مختار الصحاح 182.

(1/69)


فيه من السير لأدائه وان كانت امرأة بأن يكون معها من تأمن معه على نفسها والمستطيع بغيره أن يجد من لا يقدر على الثبوت على الراحلة لزمانة أو كبر مالا يدفع الى من يحج عنه أوله من يطيعه فيلزمه فرض الحج والمستحب لمن وجب عليه الحج أو العمرة أن لا يؤخر ذلك فإن أخره وفعل قبل أن يموت لم يأثم ومن وجب عليه ذلك وتمكن من فعله فلم يفعل حتى مات وجب عليه قضاؤه من تركته كالزكاة ولا يحج ولا يعتمر عن غيره وعليه فرضه ولا يتنفل بالحج عن نفسه وعليه فرضه ولا يؤدي نذر الحاج وعليه حجة الاسلام فإن أحرم عن غيره أو تنفل وعليه فرضه انصرف الى الفرض وكذلك لو أحرم بنذر الحج وعليه فرض الاسلام انصرف الى فرض الاسلام ولا تجوز النيابة في حج التطوع في أحد القولين وتجوز في الآخر ويجوز الاحرام بالعمرة وفعلها في جميع السنة ولا يجوز الاحرام بالحج الا في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة فان أحرم بالحج في غير أشهره انعقد احرامه بالعمرة ويجوز افراد الحج عن العمرة ويجوز القران بينهما ويجوز التمتع بالعمرة الى الحج وأفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القران والإفراد أن يحج ثم يخرج إلى أدنى الحل ويحرم بالعمرة والتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحج من عامه والقران أن يجمع بينهما في الاحرام أو يهل بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل الطواف ثم يقتصر على أفعال الحج وان أهل بالحج ثم أدخل عليه العمرة ففيه قولان: أحدهما يصح ويصير قارنا والثاني لا يصح ويجب على المتمتع والقارن دم ولا يجب ذلك على القارن الا أن يكون من غير حاضري المسجد الحرام ولا على المتمتع الا أن يعود لاحرام الحج الى الميقات وأن لا يكون من غير حاضري المسجد الحرام وحاضر المسجد الحرام أهل الحرم ومن كان منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة والأفضل أن يذبح دم التمتع والقران يوم النحر فان ذبح المتمتع بعد الفراغ من العمرة والقارن بعد الاحرام بالحج جاز على ظاهر المذهب وقيل لا يجوز دم التمتع حتى يفرغ من العمرة ويحرم بالحج فان لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة اذا رجع.
الى أهله في أصح القولين واذا فرغ من الحج في القول الآخر.

(1/70)


باب المواقيت
ميقات أهل المدينة والحليفة وميقات أهل اليمن يلملم وميقات أهل نجد قرن وميقات أهل الشام ومصر الجحفة وميقات أهل العراق ذات عرق وان أهلوا من العتيق فهو أفضل وهذه المواقيت لأهلها ولكل من مر بها من غير أهلها ومن كان أهله دون الميقات أو في الحرم فميقاته موضعه ومن سلك طريقا لا ميقات فيه أحرم اذا حاذى أقرب المواقيت اليه, ومن كان داره فوق الميقات, فالأفضل أن لا يحرم الا من الميقات في أصح القولين من دويرة أهله في القول الآخر ومن جاوز الميقات غير مريد للنسك ثم أراد أن يحرم اهل من موضعه ومن جاوز الميقات مريد النسك وأحرم دونه فعليه دم فإن عاد الى الميقات قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم.

(1/71)


باب الاحرام وما يحرم فيه
اذا أراد أن يحرم اغتسل فإن لم يجد الماء تيمم وتجرد عن المخيط في ازار ورداء أبيضين جديدين أو نظيفين ويتنظف ويتطيب ويصلي ركعتين فاذا بدأ بالسير أحرم في أصح القولين وفي القول الثاني يحرم عقيب الصلاة وينوي الاحرام بقلبه ويلبي فان لم يلب أجزأه وقيل لا يجزئه حتى يلبي والمستحب أن يعين ما أحرم به فإن أحرم مطلقا ثم صرفه الى حج أو عمرة جاز وان أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد احداهما فإن أحرم بنسك ثم نسيه ففيه قولان: أحدهما أنه يصير قارنا والثاني أنه يتحرى ويصرف احرامه الى ما يغلب على ظنه منهما ولا يستحب أن يذكر ما أحرم به في تلبيته والتلبية أن يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ويرفع صوته بالتلبية والمرأة تخفض صوتها ويستحب أن يكثر من التلبية ويستحب ذلك في المساجد واقبال الليل والنهار وعند

(1/71)


اجتماع الرفاق واذا رأى شيئا يعجبه قال لبيك ان العيش عيش الآخرة واذا لبى صلى على رسول الله صلى اله عليه وسلم وسأل الله تعالى ما أحب ولايلبي في الطواف واذا أحرم حرم عليه لبس المخيط في جميع بدنه فإن فعل ذلك لزمته الفدية فإن لم يجد ازارا جاز أن يلبس السراويل ولا فدية عليه ويحرم عليه لبس الخف فإن لبس لزمته الفدية فإن لم يجد نعلين جاز له أن يلبس خفين مقطوعين من أسفل الكعبين ولا فدية عليه ويحرم عليه ستر الرأس بالمخيط وغيره فإن ستره لزمته الفدية ويحرم عليه الطيب في ثيابه وبدنه ويحرم عليه شم الأدهان المطيبة وأكل ما فيه طيب ظاهر وشم الرياحين كالورد والياسمين والورس والزعفران ويجوز له شم النيلوفر والبنفسج وفي الريحان الفارسي قولان: فإن استعمل شيئا من ذلك لزمته الفدية ويحرم عليه أن يدهن رأسه ولحيته فإن فعل ذلك لزمته الفدية ويحرم عليه تقليم الأظفار وحلق الشعر فإن فعل ذلك لزمته الفدية ويحرم عليه أن يتزوج وأن يزوج فإن فعل ذلك فالعقد باطل وتكره له الخطبة والشهادة على النكاح ويحرم عليه الجماع في الفرج والمباشرة فيما الفرج بشهوة والاستمناء فإن فعل ذلك لزمته الكفارة ويحرم عليه الصيد المأكول وما تولد من مأكول وغير مأكول فإن مات في يده أو أتلفه أو أتلف جزء منه لزمه الجزاء ويحرم عليه لحم ما صيد له أو أعان على ذبحه أو كان له أثر في ذبحه فإن ذبح الصيد حرم عليه أكله وهل يحرم على غيره فيه قولان ولا يملك الصيد بالبيع والهبة وهل يملك بالإرث فقد قيل انه يملك وقيل لا يملك وان كان في ملكه صيد فأحرم زال ملكه عنه في أحد القولين دون الآخر وان احتاج الى اللبس لحر أو برد أو الى الطيب والحلق للمرض أو الى ذبح صيد للمجاعة جاز له ذلك وعليه الكفارة وان صال عليه الصيد جاز له قتله للدفع ولا جزاء عليه وان افترش الجراد في طريقه فقتله ففيه قولان وان نبتت في عينه شعرة فقلعها لم يلزمه شيء وان تطيب أو لبس أو ادهن ناسيا لم تلزمه الكفارة وان قتل الصيد أو حلق الشعر أو قلم الظفر ناسيا لزمته الكفارة وقيل في الحلق والتقليم قول

(1/72)


آخر انه لا تلزمه فإن جامع ناسيا ففيه قولان: أصحهما أنه لا تلزمه كفارة وان حلق رأسه مكرها أو نائما وجبت الفدية على الحلق في أحد القولين وعلى المحلوق في الآخر ويرجع على الحالق ويجوز للمرأة القميص والسراويل والخمار والخف وفي لبس القفازين قولان أصحهما أنه يجوز لها ذلك ولا يجوز ستر وجهها فإن أرادت الستر عن الناس سدلت على وجهها ما يستره ولا يقع على البشر.

(1/73)


باب كفارة الاحرام
اذا تطيب أو لبس أو باشر فيما دون الفرج بشهوة أو ادهن رأسه أو حلق ثلاث شعرات أو قلم ثلاثة أظفار لزمه دم وهو مخير بين أن يذبح شاة وبين أن يطعم ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع وبين أن يصوم ثلاثة أيام فإن قلم ظفرا أو حلق شعرة ففيه ثلاثة أقوال: أحدها يجب ثلث دم والثاني درهم والثالث مد وان لبس وتطيب لزمه لكل واحد كفارة فإن لبس ثم لبس أو تطيب ثم تطيب في مجالس قبل أن يكفر عن الأول كفاه عنهما كفارة واحدة في أحد القولين ويلزمه لكل واحد كفارة في الثاني وان جامع في الفرج في العمرة أو في الحج قبل التحلل الأول فسد نسكه وعليه أن يمضي في فاسدة ويجب عليه القضاء من حيث أحرم ويكون القضاء على الفور وقيل لا يجب على الفور ويجب عليه نفقة المرأة وفي القضاء وقيل عليها النفقة وان قضى الحج وهي معه فالمستحب أن يفترقا في الموضع الذي جامعها فيه وقيل يجب ذلك ويجب عليه بالجماع بدنة فإن لم يجد فبقرة فإن لم يجد فسبعة من الغنم فإن لم يجد قوم البدنة دراهم والدراهم طعاما وتصدق به فإن لم يجد صام عن كل مد يوما وان تكرر منه الجماع ولم يكفر عن الأول كفاه عنهما كفارة واحدة في أحد الأقوال وتلزمه بدنة في القول الثاني وشاة في القول الثالث فإن جامع بعد التحلل الأول لم يفسد حجه وعليه بدنة في أحد القولين وشاة في الآخر وان أفسد القضاء فإن قتل صيدا له مثل من النعم وجب فيه مثله من

(1/73)


الغنم فيجب في النعامة بدنة وفي حمار الوحش وبقرة الوحش بقرة وفي الضبع كبش وفي الغزال عنز وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة وفي الصغير صغير وفي الكبير كبير وفي الذكر ذكر وفي الأنثى أنثى وفي الصحيح صحيح وفي المكسور مكسور فان فدى الذكر بالأنثى فهو أفضل على المنصوص وقيل إن أراد تفريق اللحم لم يجز الأنثى عن الذكر وإن فدى الأعور من اليمين من اليسار جاز ثم هو بالخيار ان شاء أخرج المثل وان شاء اشترى بقيمته طعاما وتصدق به وان شاء صام عن كل مد يوما وان أتلف ظبيا ماخضا ضمنه بقيمة شاة ماخض وان قتل صيد الأمثل له من النعم وجبت في القيمة ثم هو بالخيار بين أن يخرج الطعام وبين أن يصوم الا الحمام وكل ما عب وهدر فإنه يجب فيه شاة وهو بالخيار: بين الشاة وبين الطعام وبين الصيام ويرجع في معرفة المثل والقيمة الى عدلين وان جرح صيدا له مثل فنقص عشر قيمته لزمه عشر ثمن المثل وقيل يجب عليه عشر المثل الا أن لا يجد عشر المثل وان جرح صيدا فأزال امتناعه ضمنه بكمال الجزاء وقيل يلزمه ارش ما نقص وان كسر بيض صيد لزمه القيمة وان اشترك جماعة في قتل صيد لزمهم جزاء واحد وان أمسكه محرم فقتله حلال وجب الجزاء على المحرم وان قتله محرم آخر وجب الجزاء بينهما نصفين وصيد الحرم حرام على الحلال والمحرم فمن قتله منهما وجب عليه ما يجب على المحرم في صيد الاحرام ويحرم على الحلال والمحرم قلع شجر الحرم وقيل لا يحرم قلع ما أنبته الأدمي والأول هو المنصوص وان قلعه ضمنه فإن كانت كبيرة ضمنها ببقرة وان كانت صغيرة ضمنها بشاة وان قطع غصنا منها ضمن ما نقص فإن عاد الغصن سقط الضمان في أحد القولين ولم يسقط في الآخر فإن أخذ أوراقها لم يضمن ويحرم قطع حشيش الحرم الا الأذخر1 والعوسج2 فإن قطع الحشيش ضمنه
__________
1 - حشيش طيب الريح, أنظر قاموس المحيط 2: 35.
2 - العوسج شوك, انظر القاموس: 1: 26 عسج.

(1/74)


بالقيمة وان استخلف سقط عنه الضمان ويجوز رعي الحشيش ويحرم صيد المدينة كما يحرم صيد الحرم الا أنه لا يضمن وفيه قول آخر أنه يسلب القاتل وما وجب على المحرم من طعام وجب تفرقته على مساكين وما وجب من هدي وجب ذبحه في الحرم وتفرقته على فقراء الحرم وان أحصر جاز أن يذبح ويفرق حيث أحصر.

(1/75)


باب صفة الحج
اذا أراد المحرم دخول مكة اغتسل ويدخل من ثنية كداء من أعلى مكة فإذا خرج خرج من ثنية كدا من أسفل مكة فإذا رأى البيت رفع يديه وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة وزد من شرفه وعظمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام ويبتدىء بطواف القدوم ويضطبع فيجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن ويطرح طرفيه على عاتقه الأيسر ويبتدىء من الحجر الأسود فيستلمه بيده ويقبله ويحاذيه فان لم يمكنه استلمه فإن لم يمكنه أشار اليه بيده ثم يجعل البيت على يساره ويطوف فإذا بلغ الركن اليماني استلمه وقبل يده ولا يقبله ويقول عند ابتداء الطواف بسم الله والله أكبر اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ويطوف سبعا ويرمل في الثلاثة الأولى منها ويمشي في الأربعة وكلما حاذى الحجر الأسود استلمه وقبله وكلما حاذى الركن اليماني استلمه وفي كل وتر أحب ويقول في رمله كلما حاذى الحجر الأسود الله أكبر اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا ويقول في الأربعة رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم انك انت الأعز الأكرم اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أو يدعو فيما بين ذلك بما أحب ولا ترمل المرأة ولا تضطبع والأفضل أن يطوف راجلا وان طاف راكبا جاز وان حمله محرم ونويا جميعا ففيه قولان أحدهما أن الطواف للحامل والثاني

(1/75)


انه للمحمول وان طاف محدثا أو نجسا أو مكشوف العورة أو طاف على جدار الحجر أو على شاذروان الكعبة لم يجزئه وان طاف من غير نية فقد قيل يصح وقيل لا يصح ثم يصلي ركعتين الطواف والأفضل أن يكون خلف المقام يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قيل يا أيها الكافرون وفي الثانية: قل هو الله أحد وهل تجب هذه الصلاة ففيه قولان: أصحهما أنها لا تجب ثم يعود الى الركن ويستلمه ثم يخرج من باب الصفا ويسعى يبدأ بالصفا والأولى أن يرقى عليها حتى يرى البيت والمرأة لا ترقى ويكبر ثلاثا ويقول: الحمد لله على ما هدانا لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت ذو الجلال والاكرام بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا اله الا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا اله الا الله لا نعبد الا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ثم يدعوا بما أحب ثم يدعو ثانيا وثالثا ثم ينزل من الصفا ويمشي حتى يكون بينه وبين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد نحو ستة أذرع فيسعى سعيا شديدا حتى يحاذى الميلين الأخضرين اللذين بفناء المسجد وحذاء دار العباس ثم يمشي حتى يصعد المروة ويفعل مثل ما فعل على الصفا ثم ينزل ويمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه حتى يأتي الصفاء ثم يفعل ذلك سبعا فإن بدأ بالمروة لم يعتد بذلك حتى يأتي الصفا فيبدأ به والمرأة تمشي ولا تسعى فإن كان يوم السابع من ذي الحجة خطب الامام بعد الظهر بمكة وأمر الناس بالغدو الى منى من الغد ثم يخرج الى منى في اليوم الثامن فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت بها ويصلي بها الصبح فإذا طلعت الشمس على ثبير1 سار الى الموقف واغتسل للوقوف وأقام بنمرة فإذا زالت الشمس خطب الامام خطبة خفيفة وجلس جلسة خفيفة ثم يقوم ويأمر بالأذان ويخطب الخطبة الثانية ويفرغ منها مع فراغ المؤذن ثم يقيم ويصلي الظهر والعصر ثم يروح الى الموقف والأفضل
__________
1 - ثبير جبل بمكه: لسان العرب 4: 100.

(1/76)


أن يقف عند الصخرات بقرب الامام وأن يستقبل القبلة وأن يكون راكبا في أحد القولين وفيه قول آخر أن الراكب وغيره سواء ويكثر من الدعاء ويكون أكثر قوله لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ووقت الوقوف من الزوال يوم عرفة الى الفجر الثاني من يوم النحر فمن حصل بعرفة في شيء من هذا الوقت وهو عاقل فقد أدرك الحج ومن فاته ذلك أو وقف وهو مغمى عليه فقد فاته الحج ومن أدرك الوقوف بالنهار وقف حتى تغرب الشمس فإن دفع قبل الغروب لزمه دم في أحد القولين ثم يدفع بعد الغروب الى المزدلفة على طريق المأزمين ويمشي وعليه السكينة والوقار فإذا وجد فرجة أسرع ويصلي بها المغرب والعشاء ويبيت بها الى أن يطلع الفجر الثاني ويأخذ منها حصى الجمار ومن حيث أخذ جاز فإن دفع قبل نصف الليل لزمه دم في أحد القولين ثم يصلي الصبح في أول الوقت ثم يقف على قزح وهو المشعر الحرام فيدعو ويذكر الله تعالى الى أن يسفر النهار ويكون من دعائه اللهم كما وفقتنا فيه وأريتنا اياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق فإذا أفضتم من عرفات الى قوله: واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ثم يدفع قبل طلوع الشمس فإذا وجد فرجة أسرع فإذا بلغ وادي محسر أسرع أو حرك دابته قدر رمية حجر فإذا وصل الى منى بدأ بجمرة العقبة فيرمي اليها سبع حصيات واحدة واحدة لا يجزئه غيره يكبر مع كل حصاة ويرفع يده حتى يرى بياض أبطه والأولى أن يكون راكبا اقتداء برسول الله صلى اللهعليه وسلم ويقطع التلبية مع أول حصاة وان رمى بعد نصف الليل أجزأه فإذا رمى ذبح هدايا ان كان معه وحلق أو قصر وأقل ما يجزي ثلاث شعرات والأفضل أن يحلق جميع رأسه فإن لم يكن له شعر استحب أن يمر الموسى على رأسه والمرأة تقصر ولا تحلق وهل الحلاق نسك أم لا فيه قولان: أحدهما أنه نسك والثاني أنه استباحة محظور ويخطب الامام بعد الظهر بمنى ويعلم الناس النحر والرمي,

(1/77)


والافاضة ثم يفيض الى مكة ويغتسل ويطوف طواف الزيارة أول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر والمستحب أن يكون في يوم النحر فإن أخره عنه جاز فإذا فرغ من الطواف فإن كان قد سعى مع طواف القدوم لم يسع وان لم يكن سعى أتى بالسعي فإن قلنا ان الحلق نسك حصل له التحلل الأول باثنين من ثلاثة وهي الرمي والحلق والطواف وحصل له التحلل الثاني بالثالث وان قلنا ان الحلق ليس بنسك حصل له التحلل الأول بواحد من الاثنين الرمي والطواف وحصل له التحلل الثاني بالثاني وفيما يحل بالتحلل الأول والثاني قولان: أصحهما أنه يحل بالأول ما سوى النساء وبالثاني تحل النساء والقول الثاني يحل بالأول لبس المخيط والحلق وقلم الأظفار وبالثاني يحل الباقي ثم يعود بعد الطواف الى منى ويرمي في أيام التشريق في كل يوم الجمرات الثلاث كل جمرة سبع حصيات كما وصفنا فيرمي الجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد الخيف ويقف قدر سورة البقرة يدعو الله تعالى ثم يرمي الجمرة الوسطى ويقف () كما ذكرنا ثم يرمي الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة ولا يقف عندها ومن عجز عن الرمي استناب من يرمي عنه ويكبر هو ولا يجوز الرمي الا بالحجر والأولى أن يكون بحصى الخذف ولا يجوز رمي الجمار الا مرتبا ولا يجوز الا بعد الزوال فإن ترك الرمي حتى مضت أيام التشريق لزمه دم وان ترك حصاة ففيه ثلاثة أقوال: أحدها يلزمه ثلث دم والثاني مد والثالث درهم ويبيت بها في أيام الرمي فإن ترك المبيت في الليالي الثلاث لزمه دم في أحد القولين وفي ليلة الأقوال الثلاثة التي في الحصاة ويجوز لأهل سقاية العباس عليه السلام رعاء الابل أن يدعوا المبيت ليالي منى ويرموا يوما ويدعوا يوما ثم يرموا ما فاتهم فإن أقام الرعاء حتى غربت الشمس لم يجز لهم أن يخرجوا حتى يبيتوا ويجوز لأهل سقاية العباس أن يدعو المبيت بمنى وان أقاموا الى الغروب ومن ترك المبيت لعبد أبق أو لأمر يخاف فوته كان كالرعاء وأهل السقاية على المنصوص ثم يخطب الامام يوم الثاني من أيام التشريق بعد صلاة الظهر ويودع الحاج ويعلمهم جواز النفر فمن نفر قبل غروب

(1/78)


الشمس سقط عنه الرمي في اليوم الثالث ومن لم ينفر حتى غربت الشمس لم يسقط عنه الرمي فإن نفر قبل الغروب ثم عاد زائرا أو مارا لم يلزمه الرمي ويستحب لمن حج أن يدخل البيت حافيا ويصلي فيه ويشرب من ماء زمزم لما أحب ويتنفس ثلاثا ويتضلع1 منه وأن يكثر الاعتمار والنظر الى البيت ويكون آخر عهده بالبيت اذا خرج أدمن النظر اليه الى أن يغيب عنه واذا أراد الخروج بعد قضاء النسك طاف للوداع ولم يقم بعده فإن أقام لم يعتد بطوافه عن الوداع ومن ترك طواف الوداع لزمه دم في أحد القولين وان نفرت الحائض بلا وداع لم يلزمها دم واذا فرغ من الوداع وقف في الملتزم بين الركن والباب ويقول اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي ومن خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا والا فمن الآن قبل أن تنأي عن بيتك داري هذا أو انصرافي ان أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم فاصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني وأجمع لي خير الدنيا والآخرة انك على كل شيء قدير ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
1 - يتضلع من تضلع الرجل امتلا شبعا وربا: مختار الصحاح 383.

(1/79)


باب صفة العمرة
اذا أراد العمرة أحرم من الميقات فإن كان من أهل مكة خرج الى أدنى الحل والأفضل أن يحرم من التنعيم فان أحرم بها ولم يخرج الى أدنى الحل ففيه قولان: أحدهما لا يجزئه والثاني يجزئه وعليه دم ثم يطوف ويسعى ويحلق وقد حل.

(1/79)


باب فروض الحج والعمرة وسننها
...
باب فروض الحج والعمرة وسننهما
وأركان الحج أربعة: الاحرام, والوقوف, والطواف, والسعي.
وواجباته الاحرام من الميقات والرمي والوقوف بعرفة الى الليل في أحد القولين والمبيت بالمزدلفة في أحد القولين والمبيت ليالي منى في أحد القولين والحلق في أحد القولين وطواف الوداع في أحد القولين.
وسننه الغسل وطواف القدوم والرمل والاضطباع في الطواف والسعي والاستلام والتقبيل والارتقاء على الصفا وقيل انه واجب والمبيت بمنى ليلة عرفة والوقوف على المشعر الحرام والخطب والأذكار والاسراع في موضع الاسراع والمشي في موضع المشي وأفعال العمرة كلها أركان الا الحلق ومن ترك ركنا لم يحل من احرامه حتى يأتي به ومن ترك واجبا لزمه دم ومن ترك سنة لم يلزمه شيء.

(1/80)


باب الفوات والاحصار
ومن فاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج ويتحلل بأفعال عمرة وهو الطواف والسعي والحلق وعليه القضاء ودم التمتع في الحال وقيل يجب الدم في القضاء وان أخطأ الناس في العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك وان وقع ذلك لنفر لم يجزئهم وعليهم القضاء كما وصفت ومن أحصره عدو وهو محرم ولم يكن له طريق غيره ذبح هديا وتحلل وان لم يكن معه هدي ففيه قولان: أحدهما لا بدل للهدي والثاني أن له بدلا وهو الصوم وفيه ثلاثة أقوال: أحدها صوم التمتع والثاني صوم الحلق والثالث صوم التعديل عن كل مد يوم وفي تحلله قبل أن يصوم في أحد القولين وقبل أن يهدي في القول الآخر قولان ومن أحصره مرض لم يتحلل الا أن يكون قد شرط ذلك في الاحرام فان أحرم العبد بغير اذن مولاه جاز له أن يحلله وان أحرمت المرأة بحج التطوع بغير اذن زوجها جاز له أن يحللها وفي حج الاسلام قولان ومن تحلل بالاحصار لم يلزمه القضاء وفيه قول آخر انه يجب القضاء، إذا لم يكن الحصر عاماً.

(1/80)


باب الأضحية
الأضحية سنة الا أن ينذر ويدخل وقتها اذا انبسطت الشمس يوم النحر ومضى قدر صلاة العيد والخطبتين ويخرج وقتها بخروج أيام التشريق فمن لم يضح حتى مضى الوقت فإن كان تطوعا لم يضح وان كان منذورا لزمه أن يضحي والمستحب لمن دخل عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي أن لا يحلق شعره ولا يقلم ظفره حتى يضحي ويجزىء في الأضحية الجذعة من الضأن وهي التي لها ستة أشهر أو الثنية من المعز والابل والبقر والثنية من المعز ما لها سنة تامة ومن البقر ما لها سنتان ومن الابل ما لها خمس سنين وتجزى البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة وان كان بعضهم يريد اللحم وبعضهم يريد القربة جاز وأفضلها البدنة ثم البقرة ثم الجذعة من الضأن ثم الثنية من المعز وأفضلها البيضاء ثم الصفراء ثم السوداء ولا يجزي فيها معيبة بعيب ينقص اللحم والأفضل أن يذبحها بنفسه فإن لم يحسن فالأفضل أن يشهد ذبحها والمستحب له أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث في أحد القولين وفيه قول آخر أنه يأكل النصف ويتصدق بالنصف فإن أكل الكل فقد قيل لا يضمن والمذهب أنه يضمن القدر الذي يجزئه وهو أدنى جزء وقيل يضمن القدر المستحب وهو النصف أو الثلث وان نذر أضحية معينة زال ملكه عنها ولم يجز بيعها وله أن يركبها فإن ولدت ذبح معها ولدها وله أن يشرب من لبنها ما فضل عن ولدها وان كان صوفها يضربها الى وقت الذبح جاز له أن يجزه وينتفع به ولا يأكل من لحمها شيئا وقيل يجوز أن يأكل فإن تلفت لم يضمنها وان أتلفها ضمنها بأكثر الأمرين من قيمتها أو أضحية مثلها فإن زادت القيمة على مثلها تصدق بالفضل وقيل يشتري به اللحم ويتصدق به وقيل يشارك به في ذبيحة وان لم يذبحها حتى فات الوقت لزمه أن يذبحها.

(1/81)


باب العقيقة1
المستحب لمن ولد له ولد أن يحلق رأسه يوم السابع فان كان غلاما ذبح عنه شاتين وان كانت جارية ذبح عنها شاة ويستحب نزع اللحم من غير أن يكسر العظم ويفرق على الفقراء.
__________
1 - العقيقة والعقة بالكسر الشعر الذي يولد عليه كل مولود من الناس والبهائم ومنه سميت الشاة التي تذبح عن المولود يوم اسبوعه عقيقة. أنظر مختار الصحاح 446.

(1/82)


باب الصيد والذبائح
ولا يحل من الحيوان المأكول شيء من غير ذكاة الا السمك والجراد ولا يحل ذكاة المجوسي والمرتد ونصارى العرب وعبدة الأوثان ويكره ذكاة المجنون والسكران ويجوز الذبح بكل ما له حد يقطع الا السن والظفر فإن ذبح بهما لم يحل ولا يذبح بسكين كال فإن ذبح به حل وما قدر على ذبحه لم يحل الا بقطع الحلقوم والمريء ويستحب أن يوجه الذبيحة الى القبلة ويسمي الله تعالى عليها ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وأن يقطع الأوداج كلها وأن ينحر الابل معقولة من قيام ويذبح البقر والغنم مضطجعة ولا يكسر عنقها ولا يسلخ جلدها حتى تبرد وان علم جارحة بحيث اذا أغراه على الصيد طلبه واذا أشلاه استشلى1, واذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه وخلى بينه وبينه ثم أرسله من هو من أهل الزكاة فقتل الصيد بظفره أو نابه أو تركه ولم تبق فيه حياة مستقرة أو بقيت فيه حياة مستقرة الا أنه لم يبق من الزمان ما يمكن ذبحه فيه حتى مات حل وان أرسله مجوسي أو شارك المسلم في الارسال أو شارك الجارحة جارحة أرسلها مجوسي في قتل الصيد لم يحل وان قتل الجارحة الصيد بثقلها ففيه قولان وان رمى سهما أو غيره فقتل الصيد بثقله لم يحل وان أكل الجارحة من الصيد ففيه قولان وان كان
__________
1 - معنى اذا اشلاه استشلى إذا اغراه بجلب الصيد جلبه انظر القاموس مادة ش. ل. و.

(1/82)


الجارحة كلبا غسل موضع الظفر والناب من الصيد وقيل يعفى عنه وان رمى طيرا فأصابه السهم فوقع في ماء أو على جبل فتردى منه فمات لم يحل وان أصاب صيدا فجرحه جرحا لم يقتله ثم غاب عنه فوجده ميتا حل في أحد القولين ولا يحل في الآخر وان أرسل سهما أو كلبا على صيد فقتل غيره حل وان أرسل على غير صيد فقتل صيدا لم يحل وقيل يحل في السهم دون الكلب وان رمى شيئا يحسبه حجرا فكان صيدا فقتله حل أكله وان أرسل عليه كلبا فقد قيل يحل وقيل لا يحل وان نضب سكينا فوقع به صيد فجرحه فمات لم يحل ومن أخذ صيدا أو أزال امتناعه ملكه ومن ملك صيدا ثم أرسله لم يزل ملكه عنه في أصح الوجهين.

(1/83)


باب الأطعمة
ويؤكل من دواب الانس: الابل والبقر والغنم والخيل ولا يؤكل الكلب والخنزير والبغل والحمار والسنور ويؤكل من دواب الوحش: البقر والحمار والظبي والضبع والثعلب والأرنب واليربوع والقنفذ والوبر1 وابن عرس والضب وسنور البر فقد قيل انه يؤكل وقيل لا يؤكل ولا يؤكل ما استخبثه العرب من الحشرات كالحية والعقرب والوزغ وسام أبرص2 والخنفساء والزنبور والذباب وبنت وردان وحمار قبان3 وما أشبهها وكذلك لا يؤكل ما يتقوى بنابه كالأسد والفهد والنمر والذئب والدب والفيل والقرد والتمساح والزرافة وابن أوى: ويؤكل من الطير النعامة والديك والدجاج والبط والأوز والحمام والعصفور وما أشبهها ولا يؤكل ما يصطاد بالمخلب كالنسر والصقر والشاهين والباز
__________
1 - الوبر هو البعير: مختار الصحاح 707.
2 - السام أبرص هو من كبار الوزغ: لسان العرب 7: 5.
3 - حمار وقبان دويبة معروفة ذكرة في اللسان 13: 33.

(1/83)


والحدأة ولا ما يأكل الجيف كالغراب الأبقع1 والغراب الأسود الكبير وأما غراب الزرع الغداف2 فقد قيل انهما يؤكلان وقيل لا يؤكلان وما تولد من مأكول وغير مأكول لا يحل أكله كالسبع وغيره وتكره الشاة الجلالة3 وان أطعم الجلالة فطاب لحمها لم يكره ويؤكل من صيد البحر السمك ولا يؤكل الضفدع وما سواهما فقد قيل انه يؤكل وقيل لا يؤكل وقيل ما أكل شبهه من البر أكل ومالا يؤكل شبهه لم يؤكل وكل طاهر لا ضرر في أكله يحل أكله الا جلد ما يؤكل اذا مات ودبغ فإنه لا يجوز أكله في أحد القولين ويجوز في الآخر وما ضر أكله كالسم وغيره لا يحل اكله ولا يحل أكل شيء نجس فان اضطر الى الميتة أكل منها ما يسد به الرمق4 في أحد القولين وقدر الشبع في الآخر وان وجد المضطر ميتة وطعام الغير أكل طعام الغير وضمن بدله وقيل يأكل الميتة فإن وجد صيدا وميتة وهو محرم ففيه قولان: أحدهما يأكل الميتة والثاني يأكل الصيد ومن اضطر الى شرب الخمر جاز له شربها وقيل يجوز للتداوي ولا يجوز للعطش ولا يحرم كسب الحجام والأولى أن يتنزه الحر من أكله.
__________
1 - الأبقع هو الذي فيه سواد وبياض: مختار الصحاح 60.
2 - غراب غداف غراب القيظ الضخم الوفر الجناحين: لسان العرب 9: 262.
3 - الجلالة التى تأكل القذرة والبعر أنظر لسان العرب 11: 119.
4 - الرمق بقية الروح كما ذكره في مختار الصحاح ص 257.

(1/84)


باب النذر
لا يصح النذر الا من مسلم بالغ عاقل وقيل يصح من الكافر ولا يصح النذر الا في قربة ويصح النذر بالقول وهو أن يقول لله علي كذا أو علي كذا وقيل يصح بالنية وحدها ومن علق النذر على أمر يطلبه كشفاء المريض وقدوم الغائب لزمه الوفاء به عند وجود الشرط ومن نذر شيئا ولم

(1/84)


يعلقه على شيء فقد قيل لا يصح والمذهب أنه يصح ومن نذر شيئا على وجه اللجاج بأن قال ان كلمت فلانا فعلى كذا فهو بالخيار عند وجود الشرط بين الوفاء بما نذر وبين كفارة يمين وقيل ان نذر حجا لزمه وليس بشيء ومن نذر الحج راكبا فحج ماشيا لزمه دم ومن نذر الحج ماشيا لزمه الحج ماشيا من دويرة أهله وقيل من الميقات ولا يجوز أن يترك المشي الى أن يرمي في الحج ويفرغ من العمرة فإن حج راكبا من غير عذر فقد أساء وعليه دم وان حج راكبا لعذر جاز وعليه دم في أصح القولين ومن نذر المضي الى مكة أو الى الكعبة لزمه قصدها بحج أو عمرة وان نذر المشي الى بيت الله تعالى ولم يقل الحرام لم يلزمه المشي على ظاهر المذهب وقيل يلزمه وان نذر المشي الى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الى المسجد الأقصى لزمه ذلك في أحد القولين دون الآخر وان نذر المشي الى ما سواهما من المساجد لم يلزمه المشي ومن نذر النحر بمكة لزمه النحر بها وتفرقة اللحم على أهل الحرم وان نذر النحر والتفرقة في بلد آخر لزمه وان نذر النحر وحده فقد قيل يلزمه النحر والتفرقة وقيل لا يلزمه ومن نذر أن يهدي شيئا معينا الى الحرم نقله اليه ان كان مما ينقل وان لم يكن نقله باعه ونقل ثمنه فإن نذر الهدي وأطلق لزمه الجذع من الضأن أو الثني من المعز والابل والبقر وان نذر أن يهدي لزمه ما ذكرنا في أحد القولين وما يقع عليه الاسم في القول الآخر وان نذر بدنة في الذمة لزمه ما نذر فإن أعوزه الابل أخرج بقرة وان أعوزه البقرة أخرج سبعا من الغنم وقيل هو مخير بين الثلاثة والمستحب لمن أهدى شيئا من البدن أن يشعرها بحديدة في صفحة سنامها الأيمن وأن يقلدها خرب القرب ونحوها من الخيوط المفتوله والجلود ويقلد البقر والغنم ولا يشعرها وان عطب منها شيء قبل المحل نحره وغمس نعله في دمه وضرب صفحته وخلى بينه وبين المساكين ومن نذر صوم سنة بعينها لم يقض أيام العيد والتشريق وشهر رمضان وان كانت امرأة فحاضت قضت أيام الحيض في أصح القولين وان نذر أنه يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان لم يصح نذره في أحد القولين ويصح في الآخر وان قدم في أثناء

(1/85)


النهار نوى صومه ويجزئه وان كان مفطرا لزمه القضاء وان وافق ذلك شهر رمضان لم يقض وان وافق يوم العيد قضاه في أصح القولين ومن نذر صلاة لزمه ركعتان في أصح القولين وركعة في الآخر ومن نذر عتق رقبة أجزأه ما يقع عليه الاسم وقيل لا يجزئه الا ما يجزي في الكفارة.

(1/86)