التنبية في الفقه الشافعي

كتاب البيوع
باب ما يتم به البيع
ولا يصح البيع الا من مطلق التصرف غير محجور عليه ولا ينعقد الا بإيجاب وقبول وهو أن يقول: بعتك أو ملكتك وما أشبهه ويقول المشتري قبلت أو ابتعت وما أشبهه فإن قال المشتري بعني فقال: بعتك انعقد البيع واذا انعقد البيع ثبت لهما الخيار ما لم يتفرقا أو يتخايرا وهو أن يقولا: اخترنا امضاء البيع أو فسخه فإن تبايعا على أن لا خيار لهما لم يصح البيع وقيل يصح ولا خيار لهما وقيل يصح ويثبت لهما الخيار وان تبايعا بشرط الخيار الى ثلاثة أيام دونهما جاز الا في الصرف وبيع الطعام بالطعام ويعتبر ابتداء المدة من حين العقد وقيل من حين التفرق وينتقل المبيع الى المشتري بنفس العقد في أحد الأقوال وبانقضاء الخيار في الثاني وموقوف في القول الثالث فإن تم البيع بينهما حكمنا بأنه انتقل بنفس العقد وان لم يتم حكمنا بأنه لم ينتقل ولا يملك المشتري التصرف في المبيع حتى ينقطع خيار البائع ويقبض المبيع ولا ينفذ تصرف البائع في الثمن ان كان معينا حتى ينقطع خيار المشتري ويقبض الثمن وان كان في الذمة لم ينفذ تصرفه فيه قبل انقطاع الخيار وهل يجوز قبل قبضه فيه قولان: أصحهما أنه يجوز ولا يدخل المبيع في ضمان المشتري الا بالقبض ولا يستقر ملكه عليه الا بالقبض فان هلك قبل القبض انفسخ البيع وان أتلفه المشتري استقر عليه الثمن وان أتلفه أجنبي ففيه قولان: أحدهما ينفسخ البيع والثاني لا ينفسخ بل يثبت للمشتري الخيار بين

(1/87)


الفسخ وبين الامضاء والرجوع على الأجنبي بالقيمة وان أتلفه البائع انفسخ البيع وقيل هو كالأجنبي والقبض فيما ينقل النقل وفيما يتناول باليد التناول وفيما سواه التخلية.

(1/88)


باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز
لا يصح البيع الا في عين طاهر فأما الكلب والخنزير والخمر والسرجين1 والزيت النجس فلا يجوز بيعها ويجوز بيع الثوب النجس ولا يصح الا فيما فيه منفعة وأما الحشرات والسباع التي لا تصلح للاصطياد فلا يجوز بيعها ولا يجوز فيما يبطل به حق آدمي كالوقف وأم الولد والمكاتب في أصح القولين والمرهون وفي العبد الجاني قولان وقيل ان كانت الجناية خطأ لم يجز قولا واحدا وانما القولان في جناية العمد وقيل ان كانت الجناية عمدا جاز قولا واحدا وانما القولان فيما اذا كانت الجناية خطأ ولا يجوز بيع ما لا يملكه الا بولاية أو نيابة ولا بيع ما لم يتم ملكه عليه كالمملوك بالبيع والنكاح وغيرهما من المعاوضات قبل القبض فأما ملكه بالارث أو الوصية أو عاد اليه بفسخ عقد جاز له بيعه قبل القبض ولا يجوز بيع ما لا يقدر على تسليمه كالطير الطائر والعبد الآبق وما أشبهه ولا ما في تسليمه ضرر كالصوف على ظهر الغنم وذراع من ثوب ينقص قيمته بقطعة ولا يجوز بيع المعدوم ولا بيع العربون ولا يجوز بيع ما يجهل قدره كبيع الصبرة الا قفيزا منها ولا يجوز بيع ما يجهل صفته كالحمل في البطن واللبن في الضرع والمسك في الفأرة وبيع ذراع من دار وهما لا يعلمان ذرعان الدار وفي بيع الأعيان التي لم يرها المشتري قولان: أصحهما أنه لا يجوز والثاني أنه يجوز اذا وصفها ويثبت للمشتري الخيار اذا رآها وان رآها قبل العقد وهي مما لا يتغير غالبا جاز بيعها فإن رآها
__________
1 - باب السرجين بكسر السين وفتحها: ما تدمل به الأرض. لسان العرب 13: 208.

(1/88)


وقد نقصت ثبت له الخيار وان اختلفا في النقصان فالقول قول المشتري ولا يجوز البيع بثمن مجهول القدر كبيع السلعة برقمها وكبيع السلعة بألف مثقال ذهب وفضة فإن باعه قطيعا كل شاة بدرهم أو صبرة كل قفيز بدرهم جاز وان لم يعلم مبلغ الثمن في حال العقد فإن كان لرجلين عبدان لكل واحد منهما عبد فباعاهما بثمن واحد ولم يعلم كل واحد منهما ماله بطل البيع في أحد القولين وصح في الآخر ويقسط الثمن عليهما على قدر قيمتهما ولا يجوز البيع بثمن مجهول الصفة كالبيع بثمن مطلق في موضع ليس فيه نقد متعارف فإن باعه بثمن معين لم يره فعلى قولين ولا يجوز البيع بثمن الى أجل مجهول كالبيع الى العطاء وبيع حبل الحبلة وهو في قول الشافعي رضي الله عنه وهو أن يبيع بثمن الى أن تحبل هذه الناقة وتلد وتحبل ولدها ولا يجوز تعليق البيع على شرط كبيع المنابذة وهو أن يقول اذا نبذت اليك الثوب فقد وجب البيع وكبيع الملامسة وهو أن يقول اذا لمسته فقد وجب البيع وكبيع حبل الحبلة في قول أبي عبيدة وهو أن يقول اذا ولدت هذه الناقة وولدت ولدها فقد بعتك الولد وان جمع في البيع بين حر وعبد أو بين عبده وعبد غيره ففيه قولان: أحدهما يبطل العقد فيهما والثاني يصح في الذي يملك وللمشتري الخيار ان شاء فسخ العقد وان شاء أمضاه فيما يصح بقسطه من الثمن في أحد القولين وبجميع الثمن في القول الآخر فإن جمع بينهما فيما لا عوض فيه كالرهن والهبة فقد قيل يصح فيما يحل قولا واحدا وقيل على قولين وان جمع بين حلالين ثم تلف أحدهما قبل القبض لم يبطل في الآخر وقيل على قولين فإن جمع بين عقدين مختلفي الحكم كالبيع والإجارة والبيع والصرف والبيع والنكاح والبيع والكتابة ففيه قولان: أحدهما يبطل العقد فيهما والثاني يصح ويقسط الثمن عليهما على قدر قيمتهما وان جمع بيعتين في بيعة في أحد التأويلين بأن: قال بعتك هذا العبد بعشرة على أن تبيعني دارك بمائة بطل البيع أو قال في التأويل الآخر بعتك بعشرة نقدا أو بعشرين نسيئة بطل البيع وان فرق بين الجارية وولدها قبل سبع سنين بطل البيع وفيما بعد ذلك الى البلوغ قولان وان باع.

(1/89)


شاة الا يدها أو جارية الا حملها أو جارية حاملا بحر بطل البيع وان باع جارية حاملا وشرط حملها ففيه قولان وان باع عبدا مسلما من كافر بطل البيع في أصح القولين ويصح في الآخر ويؤمر بإزالة الملك فيه وان باع العصير ممن يتخذ الخمر أو السلاح ممن يعص الله به أو باع ماله ممن أكثر ماله حرام كره وان شرط في البيع شرطا يقتضيه العقد كالتسليم وسقى الثمرة أو تبقيتها الى الجداد وما أشبه ذلك لم يفسد العقد وان شرط ما فيه مصلحة للعاقد كخيار الثلاث والأجل والرهن أو الضمين لم يفسد العقد وان شرط العتق في العبد لم يفسد العقد فإن امتنع من العتق أجبر عليه وقيل لا يجبر بل يخير البائع بين الفسخ والامضاء وان شرط ما سوى ذلك مما ينافي موجب العقد وليس فيه مصلحة كبيع الدابة بشرط أن يركبها أو بيع الدار بشرط أن يسكنها شهرا لم يصح العقد ولم يملك فيه المبيع فإن قبضه المبتاع وجب رده فان هلك عنده ضمنه بقيمته أكثر ما كانت من حين القبض الى حين التلف وان حدثت فيه زيادة كالسمن وغيره ضمنها وقيل لا يضمن القيمة الا من حين القبض ولا يضمن الزيادة والمذهب الأول وان كان لمثله أجر لزمه أجر المثل وان كانت جارية فوطئها لزمه المهر وأرش1 البكارة ان كانت بكرا وان أولدها فالولد حر ويلزمه قيمته يوم الولادة وان وضعته ميتا لم تلزمه قيمته وان ماتت الأمة من الولادة لزمه قيمتها.
__________
1 - الأرش دية الحراحات: مختار الصحاح 13.

(1/90)


باب الربا
ولا يحرم الربا الا في الذهب والفضة والمأكول والمشروب فأما الذهب والفضة فإنه يحرم فيهما الربا بعلة واحدة وهي أنهما قيم الأشياء والمأكول والمشروب ويحرم فيهما الربا بعلة واحدة وهو أنه مطعوم فمتى باع شيئا من ذلك بجنسه حرم فيه التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض واذا

(1/90)


باع بغير جنسه فإن كان مما يحرم فيهما الربا بعلة واحدة كالذهب والفضة والحنطة والشعير جاز فيه التفاضل وحرم فيه النساء والتفرق قبل التقابض وان لم يحرم فيهما الربا بعلة واحدة كالذهب والحنطة والفضة والشعير جاز فيهما التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض وكل شيئين جمعهما اسم خاص كالتمر المعقلي1 والبرني2 فهما جنس واحد وما لا يجمعهما اسم خاص كالحنطة والشعير واللحم والشحم والألية والكبد فهما جنسان وفي اللحمان والألبان قولان: أصحهما أنها أجناس فيباع لحم البقر بلحم الغنم متفاضلا والثاني أنها جنس واحد فلا يباع لحم البقر بلحم الغنم متفاضلا وان اصطرف رجلان وتقابضا ووجد أحدهما بما أخذ عيبا فان وقع العقد على العين ورده انفسخ البيع ولم يجز أخذ البدل وان كان على عوض في الذمة جاز أن يرد ويطالب بالبدل قبل التفرق وبعد التفرق قولان: أحدهما يرد ويأخذ بدله والثاني أنه بالخيار ان شاء رضي به وان شاء رده فإذا رد انفسخ البيع وما حرم فيه التفاضل فان كان مما يكال لم يجز بيع بعضه ببعض حتى يتساويا في الكيل فإن كان في أحدهما قليل تراب جاز وان كان مما يوزن لم يجز بيع بعضه ببعض حتى يتساويا في الوزن فإن كان في أحدهما قليل تراب لم يجز وان كان مما لا يكال ولا يوزن ففيه قولان أحدهما لا يجوز بيع بعضه ببعض والثاني يجوز اذا تساويا في الوزن وما حرم فيه التفاضل لا يجوز بيع حبه بدقيقه ولا بيع دقيقه بدقيقه ولا بيع مطبوخه بمطبوخه ولا بيع مطبوخه بنيئه ولا اصله بعصيره ولا خالصه بمشويه ولا مشويه بموشيه ولا رطبه برطبه ولا رطبه بيابسه الا في العرايا وهو بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر على وجه الأرض والعنب في الكرم بالزبيب على وجه الأرض فيما دون خمسة أوسق خرصا3 وفي خمسة أوسق قولان وفيما سوى الرطب والعنب
__________
1 - التمر المعقلي ضرب من التمر أنظر لسان العرب 11: 465.
2 - البرني ضرب من التمر مختار الصحاح ص50.
3 - من الخرص حزر ما على النحل من الرطب عمرا مختار الصحاح ص172.

(1/91)


من الثمار قولان وما حرم فيه الربا لا يباع الجنس الواحد بعضه ببعض ومع أحد العوضين جنس آخر يخالفه في القيمة كمد عجوة ودرهم بمدي عجوة ولا يباع نوعان مختلفي القيمة من جنس واحد بنوع واحد منه متفق القيمة كدينار قاساني ودينار سابوري بقاسانيين أو سابوريين وكدينار صحيح ودينار قراضة بدينارين صحيحين أو دينارين قراضة ولا يجوز بيع اللبن بشاة في ضرعها لبن ولا يجوز بيع اللحم بحيوان مأكول وفي بيعه بحيوان غير مأكول قولان.

(1/92)


باب بيع الأصول والثمار
اذا باع أرضا وفيها بناء أو غراس دخل البناء والغراس في البيع فإن كان له حمل فإن كان ثمرة يتشقق كالنخل أو نورا يتفتح كالورد والياسمين فإن كان قد ظهر ذلك أو بعضه فالجميع للبائع وان لم يظهر شيء منه فهو للمشتري وقيل ان ثمرة الفحال1 للبائع بكل حال وهو خلاف النص فان كان ثمرة بارزة كالتين والعنب أو في كمام لا يزال عنه الا عند الأكل كالرمان والرانج2 فهو للبائع وان كان ثمرة في قشرين كالجوز واللوز فهو كالتين والرمان على المنصوص وقيل هو كثمرة النخل قبل التأبير3 وان كان ثمرة تخرج في نور ثم يتناثر منه النور كالمشمش والتفاح فهو كثمرة النخل وان ظهر ذلك أو بعضه فهو للبائع وان لم يظهر منه شيء فهو للمشتري وقيل انها للبائع في الحالين وان كان ثمره ورقا كالتوت فقد قيل انه ان لم يتفتح فهو للمشتري وان تفتح فهو للبائع وقيل هو للمشتري بكل حال وان باع أرضا وفيها زرع لا يحصد الا مرة لم يدخل الزرع في البيع وان كان يجز مرة بعد
__________
1 - الفحال: ذكر النحل. وهو ما كان من ذكورة فحلا لاناثه: 517 لسان العرب.
2 - الرانج: هو جوز الهند حكاه أبو حنيفة, لسان العرب 2: 284.
3 - التائر: التلقيح: مختار الصحاح ص2.

(1/92)


أخرى كالرطبة كانت الأصول للمشتري والجزة الأولى للبائع وان باع الأصل وعليه ثمرة للبائع لم يكلف نقله الى أوان الجداد فإن احتاج الى سقي لم يكن للمشتري منعه من سقيه وان كانت الشجرة تحمل حملين فلم يأخذ البائع ثمرته حتى حدثت ثمرة المشتري واختلطت ولم يتميز ففيه قولان: أحدهما أن البيع ينفسخ والثاني لا ينفسخ البيع بل يقال للبائع ان سلمت الجميع أجبر المشتري على قبوله وان امتنع قيل للمشتري ان سلمت الجميع أجبر البائع على قبوله وان تشاحا فسخ العقد وقيل لا ينفسخ قولا واحدا ولا يجوز بيع الثمار حتى يبدو صلاحها الا بشرط القطع فان بدا صلاحها جاز بيعها مطلقا وبشرط القطع وبشرط التبقية وبدو الصلاح أن يطيب أكله واذا وجد ذلك في بعض الجنس في البستان جاز بيع جميع ما في البستان من ذلك الجنس ولا يجوز بيع الزرع الأخضر الا بشرط القطع فإن باع الثمرة قبل بدو الصلاح من صاحب الأصل والزرع الأخضر من صاحب الأرض جاز من غير شرط القطع ولا يجوز بيع الباقلي الأخضر في قشريه ولا الجوز واللوز في قشريه ويجوز بيع الشعير في سنبله وفي بيع الحنطة في سنبلها قولان: أصحهما أنه لا يجوز واذا باع الثمرة أو الزرع لم يكلف المشتري نقله الا في أوان الجداد والحصاد وان احتاج الى سقي لزم البائع السقي فإن كان عليه ضرر في السقي وتشاحا1 فسخ العقد وان اشترى ثمرة فلم يأخذ حتى حدثت ثمرة أخرى أو اشترى جزة من الرطبة ولم يأخذ حتى طالت أو طعاما فلم يأخذ حتى اختلط به غيره ففيه قولان: أحدهما ينفسخ البيع والثاني لا ينفسخ بل يقال للبائع ان تركت حقك أقر العقد وان لم تترك فسخ العقد وان تلفت الثمرة بعد التخلية ففيه قولان: أحدهما أنها تتلف من ضمان البائع والثاني وهو الأصح انها تتلف من ضمان المشتري.
__________
1 - تشاحا: من تشاح الرجلان على الأمر لا يريد ان يفوتهما. مختار الصحاح ص 231.

(1/93)


باب بيع المصراة والرد بالعيب
اذا اشترى ناقة أو بقرة أو شاة مصراة1 وتبين فيه التصرية فهو بالخيار بين أن يمسك وبين أن يرد ويرد معها صاعا من تمر بدل اللبن وان اشترى أتانا مصراة ردها ولا يرد بدل اللبن وان اشترى جارية مصراة فقد قيل لا يرد وقيل يرد الا أنه لا يرد بدل اللبن وان اشترى جارية قد جعد شعرها أو سود ثم بان أنها سبطة2 الشعر أو بيضاء الشعر ثبت له الخيار ومن علم بالسلعة عيبا لم يجز أن يبيعها حتى يبين عيبها فإن باع ولم يبين عيبها فالبيع صحح واذا علم المشتري بالمبيع عيبا كان موجودا عند العقد أو حدث قبل القبض فهو بالخيار بين أن يمسكه وبين أن يرده فإن أخر الرد من غير عذر سقط حقه من الرد وان لم يعلم بالعيب حتى حصلت له منها فوائد حدثت في ملكه أمسكها ورد الأصل وان قال البائع أنا أعطيت الإرش عن العيب لم يلزمه قبوله وان طالب المشتري بالأرش لم يلزمه البائع فإن تراضيا على أخذ الإرش فقد قيل يجوز وقيل لا يجوز فإن اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا رده وأمسك الآخر في أحد القولين وان اشترى اثنان عينا فوجدا بها عيبا جاز لأحدهما أن يرد نصيبه دون الآخر وان وجد العيب وقد نقص المبيع عند المشتري بأن كانت جارية بكرا فوطئها أو ثوبا فقطعه سقط حقه من الرد وله أن يطالب بالإرش فإن قال البائع أنا آخذه منك معيبا سقط حقه من الإرش وان كان لا يوقف على عيبه الا بكسره كالبطيخ والرانج فكسر منه قدر ما يعرف به العيب ففيه قولان: أحدهما يرد ويرد معه ارش ما نقص بالكسر في أحد القولين دون الآخر والثاني لا يرد بل يرجع بالإرش ان كان لما بقي قيمة وان لم يكن له قيمة رجع بالثمن كله وان وقف المبيع أو كان عبدا فأعتقه أو مات رجع بالإرش وان باعه لم يرجع بالإرش وقيل يرجع وليس بشيء,
__________
1 - مصراة من النصرية إذا لم يحلبها أياما حتى تجتمع اللبن في ضرعها مختار الصحاح ص 362.
2 - شعر سبط أي مسترسل غير جعد مختار الصحاح ص 283.

(1/94)


فإن رده عليه الثاني بالعيب أو وهبه له أو ورثه رده والعيب الذي يرد به ما يعده الناس عيبا من المرض والعمى والجنون والبرص والبخر1 والجذام والزنا والسرقة وما أشبه ذلك فأما اذا اشترى جارية فوجدها ثيبا أو مسنة أو كافرة لم يجز ردها الا أن يكون قد شرط أنها بكر أو صغيرة أو مسلمة وان شرط أنها ثيب فخرجت بكرا لم يرده وقيل يرد وان شرط أنه كافر فخرج مسلما ثبت الرد وان باع وشرط البراءة من العيوب ففيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه يبرأ والثاني أنه لا يبرأ أو يبطل البيع على هذا وقيل لا يبطل والثالث أنه يبرأ من عيب باطن في الحيوان لم يعلم به البائع ولا يبرأ مما سواه فإن اختلفا في عيب يمكن حدوثه فقال البائع: حدث عندك وقال المشتري: بل كان عندك فالقول قول البائع مع يمينه وان باعه عصير وسلمه فوجد في يد المشتري خمرا فقال البائع عندك صار خمرا وقال المشتري بل كان عندك خمرا ففيه قولان: أحدهما القول قول البائع والثاني ان القول قول المشتري.
__________
1 - البخر نتن الفم مختار الصحاح ص42.

(1/95)


باب بيع المرابحة والنجش والبيع على بيع أخيه وبيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان
يجوز أن يبيع ما اشتراه برأس المال وبأقل منه ويجوز أن يبيعه مرابحة اذا بين رأس المال ومقدار الربح وما يزاد في الثمن ويحط منه في مدة الخيار يلحق برأس المال وكذلك ما يرجع به من إرش العيب يحط من رأس المال وان اشترى ثوبا بعشرة وقصره بدرهم ورفاه بدرهم خبر به في المرابحة فيقول: قام علي باثني عشر ولا يقول ابتعت باثني عشر وان عمل فيه يساوي درهمين أخبر به فيقول اشتريته بعشرة وعملت فيه بدرهمين ولا يقول قام علي باثني

(1/95)


عشر وان أخذ من لبنه او صوفه الموجود حال العقد شيئا أخبر به وان اشترى عبدين بثمن واحد جاز ان يبيع أحدهما مرابحة اذا قسط الثمن عليهما بالقيمة وان قال اشتريت بمائة ثم قال بل اشتريت بتسعين ففيه قولان: أحدهما يحط الزيادة وربحها ويأخذ المبيع بالباقي والثاني أنه بالخيار بين أن يفسخ البيع وبين أن يحط الزيادة وربحها ويأخذ بالباقي وان قال اشتريت بمائة ثم قال بمائة وعشرة لم يقبل وان أقام عليه بينة الا أن يصدقه المشتري وان واطا غلامه وباع منه ما اشتراه بعشرة ثم اشتراه منه بعشرين وخبر به العشرين كره ذلك ويحرم النجش وهو أن يزيد في الثمن ليغر غيره فيشتريه ويحرم أن يبيع على بيع أخيه وهو أن يقول لمن اشترى شيئا بشرط الخيار افسخ البيع فإني أبيعك مثله بأقل من هذا الثمن فإن فسخ وباعه صح البيع ويحرم أن يدخل على سوم أخيه وهو أن يجيء الى رحل أنعم لغيره في سلعة بثمن فيزيد ليبيع منه فان فعل ذلك صح البيع وان كان قد عرض له بالاجابة كره الدخول في سومه ويحرم أن يبيع حاضر لباد وهو أن يقدم رجل ومعه سلعة يريد بيعها ويحتاج اليها في البلد فيجيء اليه رجل فيقول لا تبع حتى أبيع لك قليلا قليلا وأزيد في ثمنها فإن فعل صح البيع ويحرم تلقي الركبان وهو أن تلقى القافلة فيخبرهم بكساد ما معهم ليغبنهم فإن قدموا وبان لهم الغبن كان لهم الخيار وان لم يغبنهم فقد قيل يثبت لهم الخيار وقيل لا يثبت ويحرم التسعير ويحرم الاحتكار في الأقوات وهو أن يبتاع في وقت الغلاء فلا يبيعه ويمسكه ليزداد في ثمنه وقيل لا يكره.

(1/96)


باب اختلاف المتبايعين
اذا اختلف المتبايعان في ثمن السلعة أو في شرط الخيار أو الأجل أو قدرهما ولم يكن لهما بينة تحالفا فيبدأ بالبائع فيحلف أنه ما باع بكذا ولقد باع بكذا ويحلف المشتري أنه ما اشترى بكذا ولقد اشترى بكذا فإذا حلفا لم

(1/96)


ينفسخ البيع حتى يفسخ على المنصوص فإن رضيا بأحد الثمنين أقر العقد وان لم يرضيا فسخا وقيل لا يفسخ الا بالحاكم فإن اختلفا في عين المبيع فقال البائع: بعتك هذه الجارية, وقال المشتري: بل بعتني هذا العبد لم يتحالفا بل يحلف البائع أنه ما باعه العبد ويحلف المشتري أنه ما ابتاع الجارية وان قال بعتك هذه الجارية وقال: بل زوجتنيها حلف كل واحد منهما على نفي ما يدعى عليه وان اختلفا في شرط يفسد البيع فالقول قول من يدعي الشرط في أحد القولين والقول قول من ينكر ذلك في القول الآخر فإن اختلفا في التسليم فقال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن وقال المشتري لا أسلم الثمن حتى أقبض المبيع أجبر البائع على ظاهر المذهب فإن كان الثمن حاضرا أجبر المشتري على تسليمه وان لم يكن حاضرا ولكنه معه في البلد حجر على المشتري في السلعة وجميع ماله حتى يحضر الثمن وان كان غائبا في بلد آخر بيعت السلعة في الثمن.

(1/97)


باب السلم
السلم صنف من البيع وينعقد بجميع ألفاظ البيع وينعقد بلفظ السلم ويثبت فيه خيار المجلس ولا يثبت فيه خيار الشرط ومن شرطه أن يسلم رأس المال في المجلس فان كان في الذمة بين صفته وقدره وان كان معينا لم يفتقر الى ذكر صفته وقدره في أصح القولين ولا يصح السلم الا في مال يضبط بالصفة كالأثمان والحبوب والأدقة والمائعات والحيوان والرقيق واللحوم والبقول والأصواف والأشعار والقطن والابريسم والثياب والرصاص والنحاس والحديد والأحجار والأخشاب والعطر والأدوية وغير ذلك مما يضبط بالصفة ولا يجوز حتى يضبط بالصفات التي تختلف بها الأغراض عند أهل الخبرة فإن شرط فيها الأجود لم يصح وان شرط الأردأ فعلى قولين وما لا يضبط بالصفة فلا يجوز فيه السلم كالجواهر والحيوان الحامل وما دخلته

(1/97)


النار كالخبز والشواء وما يجمع أجناسا مختلفة كالقسي1 والنبل المريش والغالية2 والند والخفاف3 والثوب المصبوغ فإن أسلم في ثوب صبغ غزله ثم نسج أو في ثوب قطن ساده ابريسم جاز وان أسلم في الرؤوس ففيه قولان وان أسلم في المخيض وفيه الماء لم يجز وان أسلم في الجبن وفيه الا نفحة4 أو في خل التمر وفيه الماء جاز وان أسلم في الجلود, والرق, لم يجز وان أسلم في الورق جاز وان أسلم في آنية مختلفة الأعلى والأوسط والأسفل كالأباريق والأسطال الضيقة الرؤوس والمنارات لم يصح, فإن كان فيما لا يختلف كالهاون والسطل المربع جاز, ولا يجوز السلم الا في قدر معلوم ويجوز فيما يكال بالكيل والوزن وفيما يوزن بالوزن وفيما يذرع بالذرع وفيما يعد بالعد فإن كان ذلك مما يختلف كالبيض والجوز واللوز والقثاء5 والبطيخ لم يجز السلم فيه الا وزنا وقيل يجوز في الجوز واللوز كيلا, وان أسلم في مؤجل لم يجز الا الى أجل معلوم وان أسلم في جنس الى أجلين أو في جنسين الى أجل جاز في أصح القولين فإن أسلم حالا لم يفتقر الى بيان الموضع ويستحق التسليم في موضع العقد وان أسلم مؤخرا في موضع لا يصلح للتسليم وجب بيانه وموضع التسليم وان كان في موضع: يصلح فيه التسليم فقد قيل لا يجب بيانه ويجب التسليم في موضع العقد وقيل فيه قولان: أحدهما يجب بيانه والثاني لا يجب ولا يصح الا فيما يعم وجوده ويضمن انقطاعه فإن أسلم فيما لا يعم كالصيد في موضع لا يكثر فيه أو في جارية وأختها وان أسلم فيما لا يؤمن
__________
1 - القسي هو ثوب يخالطه الحرير منسوب إلى بلاد يقال لها القس مختار الصحاح 534.
2 - الغالية: هي ما ركب من عنبر ومسك ومعمها دهن وعود وكافور ومثلها الند بفتح النون مسك وعنبر وعود خلط من غير دهن.
3 - خف ونعل وركبا من ظهاره وبطانه وحشو انظر نهاية المحتاج شرح المنهاج: في كتاب السلم.
4 - الانفخه بكسر الهمزة وفتح الفاء مخففة. لا تكون الا لذي كرش وهي شيء يستخرج من بطن ذيه, اصفر يعصر في صوفة مبتله في اللبن فيغلط كالجبن: لسان العرب 2: 624.
5 - القثاء: الخيار: مختار الصحاح ص 521.

(1/98)


انقطاعه كثمرة قرية بعينها, أو على مكيال بعينه, أو على وزنه صخرة محله ففيه قولان: أصحهما أن المشتري بالخيار بين أن يفسخ وبين أن يصبر الى أن يوجد والثاني أنه يفسخ العقد ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل القبض ولا التولية ولا الشركة واذا أحضر المسلم فيه على الصفة التي يتناولها العقد أو أجود منه وجب عليه قبوله وقيل ان كان الأجود من نوع آخر كالمعقلي عن البرني لم يجز قبوله وان أحضره قبل المحل ولم يكن عليه ضرر في قبضه لزمه قبوله وان قبض ثم ادعى انه غلط عليه في الكيل والوزن لم يقبل في أصح القولين وان دفع اليه جزافا فادعى أنه أنقص من حقه فالقول قوله وان وجد بما قبض عيبا رده ويطالب ببدله وان حدث عنده عيب آخر طالب بالإرش وان أنكر المسلم اليه وقال الذي سلمت اليك غيره فالقول قول المسلم اليه مع يمينه.

(1/99)


باب القرض
القرض مندوب اليه ويجوز قرض كل ما يثبت في الذمة بعقد السلم ومالا يثبت في الذمة بعقد السلم كالجواهر والخبز والحنطة المختلطة بالشعير لا يجوز قرضه ولا يجوز أن يقرض الجارية لمن يملك وطأها ويجوز لمن لا يملك وطأها ويملك المال فيه بالقبض وقيل لا يملك الا بالتصرف ويجوز أن يشترط فيه الرهن والضمين ولا يجوز شرط الأجل فيه ولا شرط جر منفعة مثل أن يقول أقرضتك ألفا على أن تبيعني دارك بكذا أو ترد علي أجود من مالي أو تكتب لي به سفتجة1 فإن بدأ المستقرض بذلك من غير شرط جاز ويجب رد المثل فيما له مثل وفيما لا مثل له يرد القيمة وقيل يرد المثل وان أخذ عن القرض عوضا جاز وان أقرضه طعاما ما ببلد ثم لقيه ببلد آخر وطالبه به لم يلزمه دفعه وان طالب بالعوض عنه لزمه دفعه فإن أقرضه دراهم في بلد فلقيه في بلد آخر فطالبه بها لزمه دفعها اليه.
__________
1 - سفتجة: بضم فسكون ففتحتين, وهو أن يعطي مالا لآخر وللآخر مال في بلد المعطى, بصيغة اسم فاعل, فيوفه اياه ثم هناك فيستفيد أمن الطريق انظر القاموس 1: 201.

(1/99)


باب الرهن
لا يصح الرهن الا من مطلق التصرف ولا يصح على دين لم يجب ولم يوجد سبب وجوبه مثل أن يرهنه على أن يقرضه غدا ولا يصح الا بدين لازم كثمن المبيع ودين السلم وإرش الجناية أو يؤول الى اللزوم كثمن المبيع بشرط الخيار فأما ما لا يلزم بحال كمال الكتابة فلا يجوز الرهن به ولا يصح الا بالإيجاب والقبول ولا يلزم الا بالقبض فإن اتفقا على أن يكون في يد المرتهن جاز وان اتفقا على أن يكون عند عدل جاز فإن تشاحا سلمه الحاكم الى عدل وكل عين جاز بيعها جاز رهنها وقيل ان المدبر لا يجوز رهنه وقيل يجوز وقيل على قولين والمعتق بصفة تتقدم على حلول الحق لا يجوز رهنه وقيل فيه قول آخر أنه يجوز وما يسرع اليه الفساد لا يصح رهنه بدين مؤجل في أصح القولين ويصح في الآخر وما لا يجوز بيعه ولا يجوز رهنه وما لا يجوز في البيع من الغرر لا يجوز في الرهن وان رهن المبيع قبل القبض جاز وان رهنه بثمنه لم يجز وان رهن الثمرة قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع جاز في أصح القولين وان رهن نخلا وعليه ثمرة غير مؤبرة لم تدخل الثمرة في الرهن في أصح القولين وتدخل في الآخر وان شرط الرهن شرطا ينافي مقتضى الرهن فإن كان ينفع الراهن بطل الرهن وان كان ينفع المرتهن ففيه قولان: أصحهما أنه يبطل وان شرط الرهن في بيع فامتنع من الاقباض أو قبضه ثم وجد به عيبا ثبت له الخيار في فسخ البيع فإن شرط في البيع رهنا فاسدا بطل البيع في أحد القولين دون الآخر ولا ينفك من الرهن شيء حتى يقضي جميع الدين ولا يتصرف الراهن في الرهن بما يبطل به حق المرتهن كالبيع والهبه ولا بما ينقص قيمة الرهن كلبس الثوب وتزويج الأمة ووطئها ان كانت ممن تحبل وان كانت ممن لا تحبل جاز له وطؤها وقيل لا يجوز ويجوز أن ينتفع بها فيما لا ضرر فيه على المرتهن كالركوب والاستخدام وله أن يعير ويؤجر ان كانت مدة الاجارة دون محل الدين وان رهنه بدين آخر عند المرتهن ففيه قولان: أصحهما أنه لا يجوز فإن أعتقه ففيه ثلاثة أقوال: أحدها يعتق والثاني لا يعتق والثالث ان

(1/100)


كان معسرا لم يعتق وان كان موسر أعتق وأخذت منه القيمة وجعلت رهنا مكانه فان أحبلها فعلى الأقوال الا أنها اذا بيعت بعدما أحبلها ثم ملكها ثبت حكم الاستيلاء وان بيعت بعدما أعتقها ثم ملكها لم يثبت حكم العتق وان جنى المرهون عمدا اقتص منه وان جنى خطأ بيع في الجناية فإن أقر عليه سيده بجناية الخطأ قبل في أحد القولين دون الآخر وان جنى عليه تعلق حق المرتهن بالأرش وان حدث من عين الرهن فائدة لم تكن حال العقد كالولد واللبن والثمرة فهو خارج من الرهن وما يلزم على الرهن من مؤنة فهو على الراهن والرهن أمانة في يد المرتهن فإن هلك لم يسقط من الدين شيء فإن اختلفا في رده فالقول قول الراهن مع يمينه وان اختلفا في قدره فالقول قول المرتهن مع يمينه.

(1/101)


باب التفليس
اذا حصلت على رجل ديون فإن كانت مؤجلة لم يطالب بها وان أراد السفر لم يمنع منه وقيل يمنع من سفر الجهاد وان كانت حالة وله مال يفي بها طولب بقضائها فان امتنع باع الحاكم ماله وقضى دينه وان لم يكن هناك مال وادعى الاعسار نظرت فإن كان قد عرف له قبل ذلك مال حبس الى أن يقيم البينة على أعساره ولا يقبل في ذلك الا بشهادة شاهدين من أهل الخبرة بحاله فإن قال الغريم احلفوه انه لا مال له في الباطن حلف في أحد القولين وان لم يعرف له مال يحلف أنه لا مال له وخلي سبيله فإن كان له مال لا يفي ديونه وسأل الغرماء الحاكم الحجر عليه حجر عليه والمستحب أن يشهد على الحجر واذا حجر عليه لم ينفذ تصرفه في المال فإن لم يكن له كسب أنفق عليه وعلى عياله الى أن ينفك عنه الحجر واذا أراد الحاكم بيع ماله أحضره أو وكيله وأحضر الغرماء وباع كل شيء في سوقه فإن لم يجد من يتطوع بالنداء استأجر من خمس الخمس من ينادي فإن لم يكن استأجر من مال المفلس ويبدأ بما يسرع اليه الفساد ثم بالحيوان ثم بالعقار وقسم بين الغرماء على قدر ديونهم وان كان

(1/101)


فيهم من له دين مؤجل لم يقض دينه في أصح القولين وله قول آخر انه بالإفلاس تحل ديونه فإن كان فيهم من له رهن خص بثمنه وان كان له عبد في رقبته إرش جناية قدم حق المجني عليه وان كان فيه من له عين مال باعها منه فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء وبين أن يفسخ البيع ويرجع فيها الا أن يكون قد استحق بشفعة أو رهن أو جناية أو خلطة بما هو أجود منه فإن نقصت العين بفعل مضمون رجع فيها وضرب مع الغرماء بقدر إرش النقص من الثمن فإن زادت زيادة تتميز كالولد والثمرة رجع فيها دون الزيادة وان كانت الزيادة طلعا غير مؤبر1 ففيه قولان: أحدهما يرجع فيها مع الطلع والثاني يرجع فيها دون الطلع وان كانت الزيادة حملا لم ينفصل ففيه قولان أصحهما أنه يرجع فيها مع الحمل والثاني يرجع فيها دون الحمل وان زادت قيمة العين بقصارة أو طحن رجع في العين وكانت الزيادة للمشتري وان اشترى ثوبا وصبغا فصبغ به الثوب فإن لم يزد قيمتها رجع كل واحد منهما في ماله وان زادت قيمتها رجع كل واحد منهما في ماله وما زاد للمشتري وان نقصت قيمتهما حسب النقصان من قيمة الصبغ فيرجع صاحب الثوب بماله وصاحب الصبغ بالخيار ان شاء رجع فيه ناقصا وان شاء ضرب مع الغرماء وان كان للمفلس دين وله به شاهد ولم يحلف فهل يحلف الغرماء أم لا فيه قولان.
__________
1 - مؤبر: من أبر النحل والزرع يأبره ويأبره أبرا وإبارا وابره: اصلحه لسان العرب 4: 3.

(1/102)


باب الحجر
لا يجوز تصرف الصبي والمجنون في مالهما ويتصرف في مالهما الولي وهو الأب ثم الجد ثم الوصي ثم الحاكم وأمينه وقيل تتصرف الأم بعد الجد ولا يجوز لمن يلي مالهما أن يبيع لهما شيئا من نفسه الا الأب والجد ولا أن يهب مالهما ولا أن يكاتب لهما عبدا ولا أن يبيع لهما شيئا بدون ثمن المثل ولا أن

(1/102)


يغرر بمالهما في المسافرة به أو بيعه نساء الا لضرورة أو لغبطة وهو أن يبيع بأكثر من ثمن المثل ويأخذ عليه رهنا ولا يقرض من مالهما شيئا الا أن يريد سفرا يخاف عليه فيه فيكون اقراضه أولى من ايداعه وان وجب لهما شفعة في الأخذ لهما غبطة لم يجز له تركها ويتخذ لهما العقار ويبنيه لهما بالآجر والطين ولا يبيع العقار عليهما الا لضرورة أو لغبطة بأن يبيع بأكثر من ثمن المثل بزيادة كثيرة فإن بلغ الصبي وادعى أنه باع العقار من غير غبطة ولا ضرورة فإن كان الولي أبا أو جدا فالقول قولهما وان كان غيرهما لم يقبل الا ببينة وان ادعى الولي أنه أنفق عليه ماله أو تلف فالقول قوله وان ادعى أنه دفعه اليه لم يقبل الا بينة وان احتاج الوصي أن يأكل من مال اليتيم أكله ورد عليه البدل وقيل لا يرد البدل واذا بلغ الصبي وعقل المجنون وأونس منهما الرشد انفك عنهما الحجر والبلوغ في الغلام بالإحتلام أو باستكمال خمس عشرة سنة أو انبات الشعر الخشن في أظهر القولين وبلوغ الجارية بما ذكرناه وبالحيض والحبل وايناس الرشد أن يبلغ مصلحا لدينه وماله ولا يسلم اليه المال حتى يختبر اختبار مثله أما قبول البلوغ أو بعده فإن كان سفيها في دينه أو ماله أستديم الحجر عليه ولا يجوز بيعه ولا نكاحه فإن أذن له في النكاح صح وان أذن له في البيع فقد قيل يصح وقيل لا يصح وان طلق أو خالع صح الا أنه لا يسلم اليه المال فإن كان مصلحا لدينه وماله انفك الحجر عنه وقيل ينفك الا بالحاكم فإن فك الحجر عنه ثم بذر حجر عليه الحاكم ولا ينظر في ماله غيره والمستحب أن يشهد على الحجر ليجتنب معاملته وان فك الحجر عنه ثم سفه في الدين دون المال فقد قيل يعاد عليه الحجر وقيل لا يعاد.

(1/103)


باب الصلح
الصلح بيع يصح ممن يصح منه البيع ويثبت فيه ما يثبت في البيع من خيار المجلس وخيار الشرط والرد بالعيب ولا يجوز الصلح على ما لا يجوز عليه البيع

(1/103)


من المجهول وغيره, وان صالح من دين على عين, أو على دين لم يجز أن يتفرقا من غير قبض وان صالح من ألف على خمسمائة لم يصح وقيل يصح وان قال أعطيني خمسمائة, وأبرأنك من خمسمائة جاز وان ادعى عليه مالا فأنكر ثم صالح منه على شيء لم يصح الصلح فإن صالحه عنه أجنبي فإن كان المدعي دينا جاز الصلح وان كان المدعي عينا لم يجز حتى يقول هو لك وقد وكلني في مصالحتك وان قال هو لك وصالحني عنه على أن يكون لي جاز فإن سلم له انبرم وان لم يسلم له رجع فيما دفع ويجوز أن يشرع الرجل جناحا الى طريق نافذا اذا كان عاليا لا يستضر به المارة ولا يجوز أن يشرع الى درب غير نافذ الا بإذن أهل الدرب وقيل يجوز ولا يجوز أن يشرع الى ملك غيره, وان صالحه مالكه عن ذلك بعوض لم يجز وان أراد أن يضع جذوعا على حائط جاره أو على حائط مشترك بينهما لم يجز في أصح القولين فإن صالحه عن ذلك بشيء جاز اذا كان ذلك معلوما وان صالح رجلا على أن يجري في أرضه, أو على سطحه ماء وكان ذلك معلوما جاز ولا يجوز أن يفتح كوة في حائط جاره, ولا في حائط مشترك الا بإذنه وان حصلت أغصان شجرة في هواة غيره فطولب بإزالتها لزمه ذلك وان امتنع كان لصاحب الدار قطعها, فإن صالحه عنها على عوض لم يجز وان كان له دار في درب غير نافذ وباب في آخر الدرب فإن أراد أن يقدمه الى وسطه أو الى أوله جاز وان كان بابها في أول الدرب فأراد أن يؤخره الى وسطه أو الى آخره لم يجز وان كان ظهر داره الى درب غير نافذ فأراد أن يفتح بابا الى الدرب للاستطراق لم يجز وان فتح لغير الاستطراق فقد قيل يجوز وقيل لا يجوز فإن صالحه أهل الدرب بعوض جاز وان كان بينهما حائط واقع أو لأحدهما العلو وللآخر السفل فوقع السقف فدعى أحدهما صاحبه الى البناء وامتنع الآخر ففيه قولان: أصحهما أنه لا يجبر عليه فإن أراد أحدهما أن يبني لم يمنع منه فان بناه بآلة له فهو ملك له ينفرد به وان بناه بما وقع من الآلة فهو مشترك بينهما فان استهدم فنقضه أحدهما أجبر على اعادته وقيل هو أيضا على قولين.

(1/104)


باب الحوالة
لا تصح الحوالة الا برضاء المحيل, والمحتال ولا يفتقر الى رضاء المحال عليه على المنصوص, ولا يصح الا بدين مستقر وعلى دين مستقر فأما ما ليس بمستقر كمال الكتابة ودين السلم, فلا تصح الحوالة به ولا عليه ولا تصح الا على من عليه دين وقيل يصح على من لا دين عليه برضاه ولا يجوز الا بمال معلوم وقيل يصح في ابل الدية وان كانت مجهولة, ولا يجوز الا أن يكون المال الذي في ذمة المحيل والمحال عليه متفقين في الصفة والحلول والتأجيل ولا يثبت فيه خيار الشرط ولا خيار المجلس وقيل يثبت فيه خيار المجلس واذا صحت الحوالة برئت ذمة المحيل, وصار الحق في ذمة المحال عليه فإن تعذر من جهته لم يرجع على المحيل وان أحال البائع على المشتري رجلا بالمال, ثم خرج المبيع مستحقا بطلت الحوالة وان وجد المشتري بالمبيع عيبا فرده لم تبطل الحوالة بل يطالب المحتال المشتري بالمال بحكم الحوالة, ويرجع المشتري على البائع به وان أحال المشتري البائع بالثمن على رجل ثم وجد المشتري بالمبيع عيبا فرده فإن كان بعد قبض الحق لم تنفسخ الحوالة بل يطالب المشتري البائع بما قبض, وان كان قبل قبض الحق فقد قيل تنفسخ وقيل لا تنفسخ وان اختلف المحيل والمحتال فقال المحيل وكلتك في القبض وقال المحتال بل أحلتني فالصحيح أن القول قول المحيل وقيل القول قول المحتال وان قال المحيل أحلتك وقال المحتال بل وكلتني وحقي باق عليك فالأظهر أن القول قول المحتال وقيل القول قول المحيل.

(1/105)


باب الضمان
من صح تصرفه في ماله بنفسه صح ضمانه ومن لا يصح تصرفه في المال كالصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه فلا يصح ضمانه والمحجور عليه لافلاس يصح ضمانه ويطالب به اذا انفك من الحجر والعبد لا يصح ضمانه,

(1/105)


بغير اذن السيد وقيل يصح ويتبع به اذا عتق ويصح بإذنه ويتبع به اذا عتق وقيل يؤديه من كسبه أو من مال التجارة ان كان مأذونا له فيها وان قال للمأذون له اضمن في مال التجارة لزمه القضاء منه الا أن يكون عليه دين آخر وأما المكاتب قبل الاذن فهو كالعبد القن وان أذن له ففيه قولان: ولا يصح الضمان حتى يعرف الضامن المضمون له ويصح ضمان كل دين لازم كثمن المبيع ودين السلم وإرش الجناية أو يؤول الى اللزوم كثمن المبيع في مدة الخيار ومال الجعالة وقيل ان مال الجعالة لا يصح ضمانه وأما ما ليس بلازم ولا يؤول الى اللزوم كدين المكاتب فلا يصح ضمانه ولا يصح ضمان مال مجهول وقيل يصح ضمان ابل الدية وان كانت مجهولة ولا يجوز ضمان ما لم يجب ويصح ضمان الدرك على المنصوص وان قال ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه فألقاه لزمه ضمانه ولا يثبت في الضمان خيار المجلس ولا خيار الشرط ولا يجوز تعليقه على شرط مستقبل فإن شرط ضمانا فاسدا في بيع بطل البيع في أحد القولين دون الآخر وللمضمون له مطالبة الضامن والمضمون عنه فإن ضمن عن الضامن ضامن آخر طالب الكل فإن أبرأ الأصيل بريء الكفيل وان أبرأ الكفيل لم يبرأ الأصيل وان قضى الكفيل الدين فإن كان ضمن عنه بإذنه رجع عليه وقيل لا يرجع حتى يضمن بإذنه ويدفع بإذنه وان ضمن بغير اذنه لم يرجع وقيل ان دفع بإذنه رجع وان ضمن دينا مؤجلا فقضاه قبل الاجل لم يرجع قبل الأجل وان مات أحدهما حل عليه ولم يحل على الآخر وان تطوع بزيادة لم يرجع بالزيادة وان دفع اليه عن الدين ثوبا رجع بأقل الأمرين من قيمته أو قدر الدين وان أحاله الضامن على من له عليه دين رجع على المضمون عنه وان أحاله على من لا دين له عليه لم يرجع حتى يدفع اليه المحال عليه ويرجع على الضامن فيغرمه ثم يرجع الضامن على المضمون عنه فإن دفع اليه الحق ثم وهبه منه رجع وقيل لا يرجع ولا تصح الكفالة بالأعيان كالمغصوب والعواري وقيل تصح وفي كفالة البدن قولان أصحهما أنها تصح وقيل تصح قولا واحدا وان تكفل ببدن من عليه حد لله عز

(1/106)


وجل لم يصح وان تكفل ببدن من عليه قصاص, أو حد قذف صح, وقيل لا يصح وان تكفل بجزء شائع من الرجل أو بما لا يمكن فصله عنه كالكبد, والقلب, صح وان تكفل به بغير أذنه لم يصح وقيل يصح وان أطلق الكفالة طولب به في الحال, وان شرط فيه أجلا طولب عند المحل وان أحضره قبل المحل وليس عليه ضرر في قبوله وجب قبوله وان سلم المكفول به نفسه برىء الكفيل وان غاب لم يطالب به حتى يمضي زمان يمكن المضي اليه فيه وان انقطع خبره لم يطالب به حتى يعرف مكانه وان مات سقطت الكفالة وقيل يطالب الكفيل بما عليه من الحق.

(1/107)


باب الشركة
يصح عقد الشركة من كل جائز التصرف ولا يصح الا على الأثمان على ظاهر النص وقيل يصح على كل ماله مثل وهو الأظهر ولا يصح من الشرك الا شركة العنان وهو أن يعقد على ما يجوز الشركة عليه وأن يكون مال أحدهما من جنس مال الآخر على صفته فإن كان من أحدهما دراهم ومن الآخر دنانير أو من أحدهما صحاح ومن الآخر قراضة لم تصح الشركة وأن يخلط المالان وقيل: وأن يكون مال أحدهما مثل مال الآخر في القدر, وليس بشيء وان كان مالهما عرضا وأراد الشركة باع كل واحد منهما بعض عرضه ببعض عرض صاحبه فيصير مشتركا بينهما ثم يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف فما حصل من الربح يكون بينهما على قدر المالين وما حصل من الخسران يكون عليهما على قدر المالين, فإن تساويا في المال وشرطا التفاضل في الربح أو تفاضلا في المال وشرط التساوي في الربح بطل العقد, وقسم الربح بينهما على قدر المالين, ورجع كل واحد منهما على الآخر بأجرة عمله في ماله وأما شركة البدن وهي الشركة على ما يكتسبان بأبدانهما فهي باطلة, ويأخذ كل واحد منهما أجرة عمله وأما شركة المفاوضة وهي أن يشتركا فيما يكتسبان بأموالهما وأبدانهما وأن يضمن

(1/107)


كل واحد منهما ما يلزم الآخر بغصب أو بيع فاسد أو ضمان مال فهي باطلة ويأخذ كل واحد منهما ربح ماله وأجرة عمله ويضمن ما يختص به من الغصب والبيع الفاسد وضمان المال وأما شركة الوجوه فهو أن يشتركا في ربح ما يشتريان بوجوههما في باطلة وان أذن كل واحد منهما للآخر في شراء شيء معلوم بينهما فاشتريا ونويا عند الشراء أن يكون ذلك بينهما كان بينهما وربحه لهما والشريك أمين فيما يشتريه وفيما يدعيه من الهلاك وفيما يدعي عليه من الخيانة فإن عزل أحدهما صاحبه عن التصرف انعزل وبقي الآخر على التصرف الى أن يعزل وان مات أحدهما أو جن انفسخت الشركة.

(1/108)


باب الوكالة
من جاز تصرفه فيما يوكل فيه جاز توكيله, وجاز وكالته ومن لا يجوز تصرفه لا يجوز توكيله ولا يجوز وكالته الا الصبي المميز فإنه تصح وكالته في الاذن في دخول الدار, وحمل الهدية ويجوز التوكيل في حقوق الآدميين من العقود والفسوخ والطلاق والعتاق واثبات الحقوق واستيفائها والابراء منها, وفي الاقرار وجهان وفي تملك المباحات كالصيد والحشيش والماء قولان ولا يجوز التوكيل في الظهار والايمان وفي الرجعة وجهان, وأما حقوق الله عز وجل فما كان منها عبادة لا يجوز التوكيل فيها الا في الزكاة والحج وما كان منها حدا يجوز التوكيل في استيفائه دون اثباته, وما جاز التوكيل فيه جاز مع حضور الموكل ومع غيبته وقيل لا يجوز في استيفاء القصاص, وحد القذف مع غيبة الموكل وقيل يجوز وقيل فيه قولان ولا تصح الوكالة الا بالايجاب والقبول ويجوز القبول فيه بالقول والفعل, ويجوز القبول على الفور وعلى التراخي ولا يجوز عقد الوكالة على شرط مستقبل فإن عقد على شرط ووجد الشرط فتصرف الوكيل نفذ تصرفه وان وكله في الحال وعلق التصرف على شرط جاز وان وكل في خصومة أو استيفاء حق لم يعتبر رضا الموكل عليه وان وكل في حق لم يجز للوكيل أن يجعل ذلك الى غيره الا أن يأذن له فيه أو كان ذلك

(1/108)


مما لا يتولى مثله بنفسه أو لا يتمكن منه لكثرته وان وكل نفسين لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف الا أن يجعل الموكل ذلك اليه, وان وكله في البيع لم يجز له أن يبيع من نفسه وقيل ان نص له على ذلك جاز وليس بشيء ويجوز أن يبيع من ابنه ومكاتبه, وقيل لا يجوز وان وكل عبدا لغيره في شراء نفسه له من مولاه فقد قيل يجوز وقيل لا يجوز ولا يجوز للوكيل أن يبيع بدون ثمن المثل, ولا بثمن مؤجل ولا بغير نقد البلد الا أن ينص له على ذلك كله وان قال بع بألف درهم فباع بألف دينار لم يصح, وان قال بع بألف فباع بألفين صح الا أن ينهاه وان قال بع بألف فباع بألف وثوب فقد قيل يجوز, وقيل لا يجوز وان قال بع بألف مؤجل فباع بألف حال جاز الا أن ينهاه أو كان الثمن مما يستضر بحفظه في الحال وان قال اشتر بألف حال فاشترى بألف مؤجل جاز وقيل لا يجوز, وان قال اشتر عبدا بمائة فاشترى عبدا يساوي مائة بما دون المائة جاز وإن قال اشتر عبدا بمائة فاشترى عبدا بمائتين, وهو يساوي لم يجز وان دفع اليه ألفا وقال ابتع بعينها عبدا فابتاع في ذمته لم يصح وان قال ابتع في ذمتك وأنقد الألف فيه فابتاع بعينها فقد قيل يصح وقيل لا يصح وان قال بع بيعا فاسدا فباع بيعا فاسدا أو صحيحا لم يجز وان قال اشتر بهذا الدينار شاة فاشترى شاتين تساوي كل واحدة منهما دينارا كان الجميع له وقيل للوكيل شاة بنصف دينار وان أمره ببيع عبد أو شراء عبد لم يجز أن يعقد على نصفه وان أمره أن يشتري شيئا موصوفا لم يجز أن يشتري معيبا فإن لم يعلم ثم علم رده وان وكل في شراء شيء بعينه فاشتراه ثم وجد به عيبا فالمنصوص أنه يرد وان وكله في البيع من زيد فباع من عمرو لم يجز وان وكل في البيع في سوق فباع في غيرها جاز وان وكله في البيع سلم المبيع ولم يقبض الثمن وقيل يقبض وان وكله في تثبيت دين فثبته لم يجز له قبضه وان وكله في قبضه فجحد من عليه الحق فقد قيل يثبته وقيل لا يثبته وان وكله في كل قليل وكثيرا لم يجز وان وكله في شراء عبد ولم يذكر نوعه لم يصح التوكيل وان ذكر نوعه ولم يقدر الثمن لم يصح وان ذكر النوع وقدر

(1/109)


الثمن ولم يصف العبد فالأشبه أنه لا يصح وقيل يصح وما يتلف في يد الوكيل من غير تفريط لا يلزمه ضمانه والقول في الهلاك, وما يدعي عليه من الخيانة قوله وان كان متطوعا فالقول في الرد قوله وان كان بجعل فقد قيل القول قوله وقيل القول قول الموكل وان اختلفا فقال أذنت لح في بيع حال فقال بل في بيع مؤجل أو قال في الشراء بعشرة, وقال بل بعشرين فالقول قول الموكل فإن اختلفا في البيع وقبض الثمن فادعاه الوكيل وأنكر الموكل أو قال الوكيل اشتريته بعشرين وقال الموكل بل بعشرة ففيه قولان وان وكله في قضاء دين فقضاه في غيبة الموكل ولم يشهد فأنكر الغريم ضمن وقيل لا يضمن وليس بشيء وان أشهد شاهدين ظاهرهما العدالة أو شاهدا واحدا فقد قيل يضمن, وقيل لا يضمن وان قضاه بمحضر الموكل ولم يشهد فقد قيل يضمن, وقيل لا يضمن وان وكله في الايداع فأودع ولم يشهد لم يضمن وقيل يضمن وان كان عليه حق لرجل فجاءرجل وادعى أنه وكيله فصدقه جاز له الدفع ولا يجب وان قال أنا وارثه فصدقه وجب الدفع وان قال أحالني عليك فصدقه فقد قيل يجب الدفع وقيل لا يجب, وان جاء صاحب الحق فأنكر وجب على الدافع الضمان وللوكيل أن يعزل نفسه متى شاء وللموكل أن يعزله اذا شاء فإن عزله ولم يعلم الوكيل انعزل في أحد القولين دون الآخر وان خرج الوكيل أو الموكل على أن يكون من أهل التصرف بالموت أو الجنون أو الاغماء انفسخت الوكالة وان وكل عبدا في شيء ثم أعتقه احتمل أن يعزل ويحتمل أن لا ينعزل وان تعدى الوكيل انفسخت الوكالة وقيل لا تنفسخ.

(1/110)


باب الوديعة
لا يصح الايداع الا من جائز التصرف عند جائز التصرف فإن أودع صبي

(1/110)


مالا ضمنه المودع ولا يبرأ الا بالتسليم الى الناظر في أمره وان أودع صبيا مالا فتلف عنده بتفريط أو غير تفريط لم يضمنه وان أتلفه ضمنه وقيل لا يضمن ومن قبل الوديعة لزمه حفظها في حرز مثلها فإن قال لا تقفل عليها قفلين أو لا ترقد عليها فخالف في ذلك لم يضمن وقيل يضمن وان قال احفظ في هذا الحرز فنقله الى ما دونه ضمن وان نهاه عن النقل عنه فنقله الى مثله ضمن وقيل لا يضمن وان خاف عليه الهلاك في الحرز فنقله لم يضمن فإن لم ينقل حتى تلف ضمن وقيل اذا نهاه عن النقل لم يضمن وان قال لا تنقل وان خفت عليه الهلاك فخاف فنقل لم يضمن, وان قال اربطها في كمك فامسكها في يده ففيه قولان: أحدهما يضمن والثاني لا يضمن وقيل يضمن قولا واحدا وان قال احفظها في جيبك فجعلها في كمه ضمن ولو قال احفظها في كمك فجعلها في جيبه لم يضمن وان أراد السفر ولم يجد صاحبها سلمها الى الحاكم فإن لم يكن فإلى أمين فإن سلم الى أمين مع وجود الحاكم ضمن وقيل لا يضمن وان دفن في دار وأعلم به أمينا يسكن الدار لم يضمن على ظاهر المذهب, وقيل يضمن وان أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى ماتت ضمن وان قال لا تعلفها فلم يعلفها حتى ماتت لم يضمن وقيل يضمن وان أودع عند غيره من غير سفر ولا ضرورة ضمن وله أن يضمن الأول والثاني فإن ضمن الثاني, رجع على الأول وان خلط الوديعة بمال له لا يتميز ضمن, وان استعملها أو أخرجها من الحرز لينتفع بها ضمن وان نوى امساكها لنفسه لم يضمن وقيل يضمن, وان طالبه بها فمنعه من غير عذر ضمن ومتى تعدى فيها ثم ترك التعدي لم يبرأ من الضمان فإن أحدث له استئمانا برىء على ظاهر المذهب وقيل لا يبرأ حتى يرد الى صاحبها وللمودع والمودع فسخ الوديعة متى شاء وان مات أحدهما أو جن أو أغمي عليه انفسخت الوديعة, وان قال المودع رددت عليك الوديعة فالقول قوله مع يمينه فإن قال أمرتني بالدفع الى زيد فقال زيد لم يدفع الى فالقول قول زيد وان قال هلكت الوديعة فالقول قوله وان قال أخرجتها من الحرز أو سافرت بها

(1/111)


لضرورة فإن كان ذلك بسبب ظاهر كالحريق والنهب وما أشبههما لم يقبل الا ببينة ثم يحلف أنها هلكت فإن كان بسبب خفي قيل قوله فإن قال ما أودعتني فالقول قوله فإن أقام المدعي بينة بالايداع فقال قد كان أودعتني ولكن هلكت فأقام المودع بينة أنها هلكت قبل الجحود سمعت وقيل لا تسمع وان قال مالك عندي شيء فأقام البينة بالايداع فقال أودعتني ولكن تلفت قبل قوله.

(1/112)


باب العارية
من جاز تصرفه في ماله جازت اعارته, ويجوز اعارة كل ما ينتفع به مع بقاء عينه ويكره اعارة الجارية الشابة من غير ذي رحم ويحرم اعارة العبد المسلم من الكافر والصيد من المحرم, ويكره أن يستعير أحد أبويه للخدمة ومن استعار أرضا للغراس والبناء جاز أن يزرع وان استعار للغراس لم يبن وان استعار للبناء لم يغرس وقيل يغرس فيما استعار للبناء ويبني فيما استعار للغراس وليس بشيء وان قال أزرع الحنطة زرع الحنطة وما ضرره ضرر الحنطة, وان قال ازرع ولم يسم شيئا ثم رجع والزرع قائم فان كان مما يحصد قصير حصد وان لم يحصد ترك الى الحصاد وعليه الأجرة من حينئذ, وان قال أزرع الحنطة لم يقلع الى الحصاد واذا استعار أرضا للغراس أو البناء مدة جاز أن يغرس ويبني الى أن تنقضي المدة أو يرجع فيها فإن استعار مطلقا جاز له الغراس والبناء ما لم يرجع فإن رجع فيها فإن كان قد شرط عليه القلع أجبر عليه ولا يكلف تسوية الأرض وان لم يشترط واختار المستعير القلع وقلع لم يكلف تسوية الأرض, وقيل يكلف ذلك وان لم يختر فالمعير بالخيار بين أن يبقى ذلك وبين أن يقلع ويضمن له إرش ما نقص بالقلع وان نشاحا لم يمنع المعير من دخول أرضه, ويمنع المستعير من دخولها للتفرج ولا يمنع من دخولها للسقي والاصلاح وقيل يمنع من ذلك فإن أراد صاحب الأرض بيع الأرض جاز وان أراد صاحب الغراس بيع الغراس جاز وقيل لا

(1/112)


يجوز من غير صاحب الأرض وان حمل الماء بذر الرجل الى أرض آخر فنبت فقد قيل يجبر على قلعه وقيل لا يجبر وان استعار شيئا ليرهنه بدين فرهنه ففيه قولان: أحدهما ان حكمه حكم العارية فإن تلفت في يدا المرتهن أو بيعت ضمنها المستعير بقيمتها والثاني أن المعير كالضامن للدين فلا يجوز حتى يبين جنس الدين وقدره وصفته واذا تلف في يد المرتهن لم يرجع المعير بشيء وان بيع في الدين رجع بما بيع به وان أعاره حائطا لوضع الجذوع لم يرجع فيها ما دامت عليه الجذوع فإن انهدم أو هدمه أو سقطت الجذوع فقد قيل يعيد مثلها وقيل لا يعيد وهو الأصح وان أعاره أرضا للدفن لم يرجع فيها ما لم يبل الميت وفيما سواه يرجع من شاء ومؤنة الرد على المستعير فإن تلفت العارية وجبت عليه قيمتها يوم التلف وقيل تجب قيمتها أكثر ما كانت من حين القبض الى حين التلف وان تلف ولدها ضمن وقيل لا يضمن ومن استعار شيئا لم يجز أن يعيره وقيل يجوز وليس بشيء فإن أعاره فهلك عند الثاني فضمن لم يرجع به على الأول وان دفع اليه دابة فركبها ثم اختلفا فقال صاحب الدابة آجرتكها فعليك الأجرة وقال الراكب بل أعرتني فالقول قول الراكب في أصح القولين وان قال صاحب الدابة أعرتكها وقال الراكب بل أجرتني فالقول قول صاحب الدابة وان قال صاحب الدابة غصبتني وقال الراكب أعرتني فالقول قول الراكب وان اختلف المعير والمستعير في رد العارية فالقول قول المعير.

(1/113)


باب الغصب
اذا غصب شيئا له قيمة ضمنه بالغصب ويلزمه رده فإن كان خيطا فخاط به جرح حيوان لا يؤكل وهو مما له حرمة وخيف من نزعه الضرر ولم يلزمه رده وان خاط به جرح حيوان يؤكل ففيه قولان وان كان لوحا فأدخله في سفينة وهي في اللجة وفي السفينة مال لغير الغاصب أو حيوان لم

(1/113)


ينزع وان كان فيها مال للغاصب فقد قيل ينزع وقيل لا ينزع وان أدخل ساجا1 في بناء فعفن فيه لم ينزع وان تلف المغصوب عنده أو أتلفه فإن كان مما له مثل ضمنه بمثله وان أعوزه المثل أو وجده بأكثر من ثمن المثل ضمنه بقيمة المثل وقت المحاكمة والتأدية وقيل يضمنه بقيمة المثل أكثر ما يكون من حين القبض الى وقت المحاكمة بالقيمة وقيل عليه قيمة أكثر مما كانت من حين القبض الى حين تعذر المثل وان لم يكن له مثل ضمنه بقيمته أكثر مما كانت حين الغصب الى التلف وتجب قيمته من نقد البلد في البلد الذي غصب فيه وقيل ان كان حليا من ذهب ضمن العين بمثل وزنها من جنسها وضمن الصنعة بقيمتها وليس بشيء وان ذهب المغصوب من اليد ولم يتلف بأن كان عبدا فأبق ضمن البدل فإذا عاد رد واسترجع البدل وان نقص من عينه شيء بأن تلف بعضه أو أحدث فيه ما نقص به قيمته بأن كان مائعا فأغلاه أو فحلا فأنزاه2 على بهيمة فنقصت قيمته ضمن إرش ما نقص وان تلف بعضه ونقص قيمة الباقي كمثل أن يغصب زوجي خف قيمتها عشرة فضاع أحدهما وصار قمية الباقي درهمين لزمه قيمة التالف وإرش ما نقص وهو ثمانية وقيل يلزمه درهمان وان كان عبدا فقطع يده لزمه أكثر الأمر من إرش ما نقص أو نصف قيمته أكثر ما كانت من حين الغصب الى حين قطع اليد وان أحدث فيه فعلا نقص به وخيف عليه الفساد في الثاني بأن كان حنطة قبلها أو زيتا فخلطة بالماء وخيف عليه الفساد استحق عليه مثل طعامه وزيته وقيل فيه قولان أحدهما هذا والثاني أنه يأخذه وإرش ما نقص وان كان له منفعة ضمن أجرته للمدة التي أقام في يده وان كانت جارية فوطئها مكرهة ضمن مهرها وان طاوعته لم يلزمه في ظاهر المذهب وقيل يلزمه فإن زاد في يده بأن سمن أو تعلم صنعة أو ولدت الجارية ولدا ضمن ذلك كله فإن سمن ثم
__________
1 - أي طينا من سج سطحه يسجه سجا إذا طينه: لسان العرب 2: 295.
2 - نزاه: وثب وبابه عدا وزنزوانا أيضا بفتحتين: مختار الصحاح: 656.

(1/114)


هزل ثم سمن ثم هزل يضمن إرش السمنين وقيل يضمن أكثرهما قيمة وان خلط المغصوب مما لا يتميز كالحنطة اذا خلطها بالحنطة والزيت بالزيت فإن كان مثله لزمه مثل مكيلته منه وان خلطه بأجود منه فهو بالخيار بين أن يدفع اليه مكيلة منه, وبين أن يدفع اليه مثل ماله وقيل يجبر على الدفع اليه منه وان خلطه بأردأ منه فالمغصوب منه بالخيار بين أن يأخذ حقه منه, وبين أن يأخذ مثل ماله وان خلط الزيت بالشيرج تراضيا على الدفع منه جاز وان امتنع أحدهما لم يجبر, وان أحدث فيه عينا بأن كان ثوبا فصبغه فإن لم تزد قيمتهما ولم تنقص صار الغاصب شريكا له بقدر الصبغ, فإن أراد الغاصب قلع الصبغ لم يمنع وان أراد صاحب الثوب قلع الصبغ وامتنع الغاصب أجبر, وقيل لا يجبر وهو الاصح وان وهب الصبغ من صاحب الثوب فقد قيل يجبر عليه وقيل لا يجبر وهو الأصح, وان زادت قيمة الثوب والصبغ كان الزيادة بينهما فإن أراد صاحب الصبغ قلعه لم يجز حتى يضمن لصاحب الثوب ما ينقص, وان نقص قيمة الثوب حسب النقصان على الصبغ وان عمل فيه عملا زادت به قيمته بأن قصر الثوب أو عمل من الخشب أبوابا فهو متبرع بعمله ولا حق له فيما زاد فإن غصب دراهم فاشترى سلعة في ذمته, ونقد الدراهم في ثمنها وربح رد مثل الدراهم وفيه قول آخر أنه يلزمه ردها مع الربح والأول أصح وان غصب شيئا وباعه كان للمالك ان يضمن من شاء منهما, فإن علم المشتري بالغصب فضمنه لم يرجع على الغاصب وان لم يعلم فما التزم ضمانة بالبيع لم يرجع به كقيمة العين والاجزاء وما لم يلتزم ضمانة ولم يحصل له به منفعة كقيمة الولد ونقصان الولادة يرجع به على الغاصب, وما حصل له به منفعة كالمهر والأجرة وإرش البكارة فقال في القديم يرجع وقال في الجديد لا يرجع وان ضمن الغاصب فكل ما يرجع به المشتري على الغاصب لم يرجع به الغاصب وكل ما لم يرجع به يرجع, وان كان المغصوب طعاما فأطعمه انسانا فإن قال هو مغصوب فضمن الغاصب رجع به وان ضمن الآكل لم يرجع وان قال هو لي فضمن الغاصب لم يرجع به على الآكل

(1/115)


وان ضمن الآكل رجع في أحد القولين ولا يرجع في الآخر وهو الأصح وان قدمه اليه ولم يقل هو لي أو مغصوب فضمن الآكل رجع في أحد القولين دون الآخر وان ضمن الغاصب فإن قلنا لا يرجع الآكل على الغاصب رجع الغاصب وان قلنا يرجع الآكل لم يرجع وان أطعم المغصوب منه وهو يعلم بريء الغاصب وان لم يعلم ففيه قولان أحدهما يبرأ والثاني لا يبرأ وان رهن المغصوب منه من الغاصب لم يبرأ من الضمان وان أودعه اياه فقد قيل يبرأ وقيل لا يبرأ وان فتح قفصا عن طائر فوقف ثم طار لم يضمن وان طار عقيب الفتح ففيه قولان: أصحهما أنه لا يضمن وان فتح زقا فيه مائع فاندفق ما فيه ضمن وان بقي ساعة ثم وقع بالريح فسال ما فيه لم يضمن وان كان ما فيه جامدا فذاب بالشمس وخرج ضمن وقيل لا يضمن وليس بشيء وان سقى أرضه فأسرف حتى هلك أرض غيره أو أجج نارا على سطحه فأسرف حتى تعدى الى سطح غيره ضمن فإن غصب حرا على نفسه لزمه تحليته فإن استوفي منفعته ضمن الأجرة وان حبسه مدة ضمن وقيل لا يضمن وان غصب كلبا فيه منفعة لزمه رده وان غصب خمرا من ذمي وجب ردها عليه وان أتلفها لم يضمن وان غصبها من مسلم أراق فإن صارت خلا رده وان غصب جلد ميتة رده فإن دبغه فقد قيل يرد وقيل لا يرد وان غصب عصيرا فصار خمرا ثم صار خلا رده وما نقص من قيمة العصير وقيل يرد الخل ويضمن مثله من العصير وإرش ما نقص وليس بشيء وان غصب صليبا أو مزمارا فكسره لم يضمن الإرش وان اختلفا في رد المغصوب فالقول قول المغصوب منه وان اختلفا في قيمته فالقول قول الغاصب.

(1/116)


باب الشفعة
لا تجب الشفقة الا في جزء مشاع من العقار محتمل للقسمة فأما الملك المقسوم فلا شفعة فيه وغير العقار من المنقولات لا شفعة فيه وأما البناء والغراس فإنه ان بيع مع الأرض ففيه الشفعة وان بيع منفردا فلا شفعة

(1/116)


فيه وان كان على النخل طلع غير مؤبر, فقد قيل يؤخذ مع النخل بالشفعة, وقيل لا يؤخذ, وما لا يقسم كالرحى, والحمام الصغير, والطريق الضيق, فلا شفعة فيه وقيل فيه قولان ولا شفعة الا فيما ملك بمعاوضة كالبيع, والاجارة, والنكاح, والخلع وما ملك بوصية أو هبه لا يستحق فيها ثواب فلا شفعة فيه وما ملك بشركة الوقف لا يستحق فيه ويأخذ الشفيع بعوض الشقص1 الذي استقر عليه العقد فإن كان له مثل أخذه بمثله وان لم يكن له مثل أخذ بقيمته وقت لزوم العقد فإن كان الثمن مؤجلا ففيه أقوال: أحدها أنه يخير بين أن يعجل ويأخذ وبين أن يصبر حتى يحل فيأخذ والثاني أنه يأخذ بثمن مؤجل والثالث أنه يأخذ بسلعة تساوي الثمن والأول أصح والشفعة على الفور في قول والى ثلاثة أيام في قول وعلى التأبيد في قول والى أن يصرح بالاسقاط أو يعرض بأن يقول: بعني أو بكم اشتريت في قول والصحيح أنه على الفور فإن طلب وأعوزه الثمن بطلت شفعته وان أخر الطلب بطلب شفعته وان قال بعني أو كم الثمن بطلت شفعته وان قال صالحني عن الشفعة على مال أو أخذ الشقص بعوض مستحق فقد قيل تبطل شفعته وقيل لا تبطل وان بلغه الخبر وهو مريض أو محبوس ولم يقدر على التوكيل فهو على شفعته وان بلغه الخبر وهو غائب فسار في طلبه وأشهد فهو على الشفعه وان لم يشهد ففيه قولان: ان لم يقدر أن يسير ولا أن يوكل فهو على شفعته وان أخر وقال: أخرت لأني لم أصدق فإن كان الخبر صبيا أو امرأة أو عبدا لم تبطل شفعته وان كان حرا عدلا فقد قيل: هو على الشفعه وقيل: بطلت شفعته وان دل في البيع أو ضمن الثمن أو قال اشتر فلا أطالبك لم تسقط شفعته وان توكل في شرائه لم تسقط شفعته وان توكل في بيعه سقطت شفعته وقيل لا تسقط وان باع حصته قبل أن يعلم بالشفعة ثم علم فقد قيل تسقط وقيل لا تسقط وان أظهر له شراء جزء يسير أو جزء كثير بثمن كثير
__________
1 - الشقص بالكسر القطعة من الأرض والطائفة من الشيء مختار الصحاح ص 343.

(1/117)


فترك الطلب ثم بان خلافه فهو على شفعته ولا يؤخذ الشقص الا من يد المشتري وعهدته عليه وان امتنع من قبضه أجبر عليه ثم يأخذ منه ولا يؤخذ بعض الشقص فان اشترى شقصين من أرضين في عقد واحد جاز أن يأخذ أحدهما وقيل لا يجوز وان هلك بعض الشقص بغرق أخذ الباقي بحصته من الثمن فإن كان في الشقص نخل فأثمر في ملك المشتري ولم يؤبر أخذ الثمر مع الأصل في أحد القولين دون الآخر وان كان للشقص شفيعان أخذا على قدر النصيبين في أحد القولين وعلى عدد الرؤوس في الآخر فإن عفا أحدهما أو غاب أخذ الآخر جميع المبيع أو يترك فإن قدم الغائب انتزع منه ما يخصه وان كان البائع أو المشتري اثنين فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما دون الآخر وان كان المشتري شريكا فالشفعة بينه وبين الشريك الآخر على ظاهر المذهب وان ورث رجلان دارا عن أبيهما ثم مات أحدهما أو خلف ابنين ثم باع أحد هذين الابنين نصيبه كانت الشفعة بين العم والأخ في أصح القولين وللأخ دون العم في القول الآخر وان تصرف المشتري في الشقص بالغراس والبناء فالشفيع مخير بين أن يأخذ ذلك بقيمته وبين أن يقلع ويضمن إرش ما نقص وان وهب أو وقف فله أن يفسخ ويأخذ وان باع فله أن يفسخ ويأخذ بما اشترى وله أن يأخذ من المشتري الثاني بما اشتراه وان قابل البائع فله أن يفسخ ويأخذ وان رد عليه بالعيب فقد قيل له أن يفسخ ويأخذ وقيل ليس له وان على الثمن فله أن يأخذ بما حلف عليه البائع وان أنكر المشتري الشراء وادعاء البائع أخذ من البائع ودفع اليه الثمن وعهدته عليه وقيل لا يؤخذ وان قال البائع أخذت الثمن لم يأخذ الشفيع على ظاهر المذهب وان ادعى المشتري الشراء والشقص في يده والبائع غائب فقد قيل يأخذ وقيل لا يأخذ واذا أخذ الشقص لم يكن له أن يرد الا بعيب وقيل له أن يرد بخيار المجلس وان مات الشفيع انتقل حقه الى الورثة فإن عفا بعضهم عن حقه كان للآخر أن يأخذ الجميع أو يدع وان اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن فالقول قول المشتري وان ادعى المشتري الجهل بالثمن فالقول قوله وقيل يقال له بين والا جعلناك ناكلا.

(1/118)


باب القراض
من جاز تصرفه في المال صح منه عقد القراض ولا يصح القراض الا على الدراهم والدنانير ولا يجوز على المغشوش منها ولا يصح الا على مال معلوم الوزن ولا يصح الا على جزء معلوم من الربح فإن قال: على أن الربح بيننا جاز وكان بينهما نصفين وقيل لا يجوز وإن قال على ان النصف صح وقيل لا يصح والأول أظهر وان قال على أن لي النصف لم يصح وقيل يصح والأول أظهر وان شرط لأحدهما ربح شيء يختص به لم يصح وان قال قارضتك على أن يكون الربح كله لك فسد العقد الا أنه اذا تصرف نفذ التصرف ويكون الربح كله لرب المال وللعامل أجرة المثل فإن دفع اليه المال فقال تصرف والربح كله لي فهو ابضاع لا حق للعامل فيه وان قال تصرف والربح كله لك فهو قرض ولا يجوز الا على التجارة في أنس يعم وجوده فإن علقه على ما لا يعم أو على أن لا يشتري الا من رجل بعينه لم يصح ولا يصح الا أن يعقد في الحال فإن علقه على شرط لم يصح وان عقده الى شهر على أن لايبيع بعده لم يصح وان عقده الى شهر على أن لا يشتري بعده صح وان شرط على أن يعمل معه رب المال لم يصح وان شرط على أن يعمل غلام لرب المال صح على ظاهر المذهب وقيل لا يصح وعلى العامل أن يتولى بنفسه ما جرت العادة أن يتولاه وان يتصرف على الاحتياط ولا يبيع بدون ثمن المثل ولا بثمن مؤجل الا أن يأذن في ذلك كله فإن اشترى معيبا يرى شراءه جاز وإن اشترى شيئا على أنه سليم فخرج معيبا ثبت له الخيار وان اختلف هو ورب المال في الرد بالعيب عمل ما فيه المصلحة وان اشترى من يعتق على رب المال أو زوج رب المال بغير اذنه لم يصح ولا يسافر بالمال من غير اذن فإن سافر بالاذن فقد قيل ان نفقته في ماله وقيل على قولين أحدهما أنها في ماله والثاني أنها في مال المضاربة وأي قدر

(1/119)


يكون في مال المضاربة قيل الزائد على نفقة الحضر وقيل الجميع وان ظهر في المال ربح ففيه قولان: أحدهما ان العامل لا يملك حصته الا بالقسمة ويكون الجميع لرب المال وزكاته عليه وله أن يخرجها من المال والثاني ان العامل يملك حصته بالظهور ويجري في حوله الا أنه لا يخرج الزكاة منه قبل المقاسمة وان اشترى العامل أباه ولم يكن في المال ربح صح الشراء وان كان في المال ربح فقد قيل لا يصح وقيل يصح ويعتق وقيل يصح ولا يعتق فإن اشترى سلعة بثمن في الذمة وهلك المال قبل أن ينقد الثمن لزم رب المال الثمن وقيل يلزم العامل وان دفع اليه ألفين فتلف أحدهما قبل التصرف تلف من رأس المال وانفسخت فيه المضاربه وان تلف بعد التصرف والربح تلف من الربح ولم تنفسخ المضاربة فيه وان اشترى بها عبدين فتلف أحدهما فقد قيل يتلف من رأس المال وقيل يتلف من الربح وهو الأصح والقول قول العامل فيما يدعي أنه اشتراه للمضاربة أو لنفسه فيما يدعي من هلاك ويدعي عليه من خيانة واذا اختلفا في رد المال فقد قيل ان القول قوله وقيل القول قول رب المال وان اختلفا في قدر الربح المشروط تحالفا وان اختلفا في قدر رأس المال فالقول قول العامل ولكل واحد منهما أن يفسخ العقد متى شاء فإن مات أحدهما أو جن أو أغمى عليه انفسخ العقد واذا انفسخ وهناك عرض وتقاسماه جاز وان طلب أحدهما البيع لزمه بيعه وان كان هنا دين لزم العامل أن يتقاضاه لينض وان قارض في المرض اعتبر الربح من رأس المال وان زاد على أجرة المثل وان مات وعليه دين قدم العامل على سائر الغرماء.

(1/120)


باب العبد المأذون
اذا كان العبد بالغا رشيدا جاز للمولي أن يأذن له في التجارة وما يكسبه يكون لمولاه وما يلزم من دين التجارة يجب قضاؤه من مال التجارة فإن بقي شيء اتبع به اذا عتق ولا يجوز أن يتجر الا فيما أذن فيه وان أذن له في

(1/120)


التجارة لم يملك الاجارة وقيل يملك ذلك في مال التجارة ولا يملك ذلك في نفسه ولا يتصرف الا على النظر والاحتياط ولا يهب ولا يتخذ دعوة ولا يبيع بنسيئة ولا بدون ثمن المثل ولا يسافر بالمال الا بإذن المولى وان اشترى من يعتق على مولاه بغير اذنه لم يصح الشراء في أصح القولين: وان اشترى بإذنه صح الشراء وعتق عليه ان لم يكن عليه دين فإن كان عليه دين ففي العتق قولان وان ملكه السيد مالا لم يملك في أصح القولين ويملك في الآخر ملكا ضعيفا ويملك المولى انتزاعه منه ولا تجب فيه الزكاة.

(1/121)


باب المساقاة
من جاز تصرفه في المال صح منه عقد المساقاة وينعقد بلفظ المساقاة وبما يؤدي معناه ويجوز على الكرم والنخل وفيما سواهما من الأشجار قولان: وان ساقاه على ثمرة موجودة ففيه قولان: وان ساقاه على الوادي الى مدة لا تحمل فيها لم يصح وهل يستحق أجرة العمل فيه وجهان وان كان الى مدة قد تحمل وقد لا تحمل فقد قيل يصح وقيل لا يصح وللعامل أجرة المثل وان ساقاه على وادي يغرسه ويعمل عليه لم يصح ولا تجوز المساقاة الا إلى مدة معلومة ويجوز ذلك الى مدة يبقى ما يعمل عليه في أصح القولين ولا يجوز في الآخر أكثر من سنة ولا يجوز الا على جزء معلوم من الثمرة كالثلث والربع وان شرط أن له ثمرة نخلات بعينها أو أصوعا معلومة من الثمر لم يصح فإذا انعقد لزم كالاجارة وعلى العامل أن يعمل ما فيه مستزاد في الثمرة من التلقيح وصرف الجريد واصلاح الأجاجين1 وتنقية السواقي وعلى رب المال ما يحفظ به الأصل كسد الحيطان وحفر الأنهار وشراء الدولاب فإن شرط أن يعمل معه غلمان رب المال ويكونوا تحت أمره جاز على المنصوص وتكون نفقتهم على
__________
1 - الأجاجين: جمع إجانه بالتشديد ويقال الإنجانه الإجانة وهي المركن انظر مادة أجن في لسان العرب وقال مادة ركن التي تغسل فيها الثياب ونحوها.

(1/121)


رب المال وان شرط أن يكونوا على العامل جاز وان شرط أن يعمل رب المال لم يجز والعامل أمين فيما يدعي من هلاك ويدعي عليه من خيانة فإن ثبت خيانته ضم اليه من يشرف عليه فان لم ينحفظ بالمشرف استؤجر عليه من يعمل عنه وان هرب العامل استؤجر من ماله من يعمل عنه فإن لم يكن له مال اقترض عليه فإن أنفق عليه رب المال بغير اذن الحاكم لم يرجع وان لم يقدر على اذنه فأنفق ولم يشهد لم يرجع وان أشهد فقد قيل يرجع وقيل لا يرجع وان لم يمكن ذلك فله أن يفسخ فإن لم تكن ظهرت الثمرة فالثمرة للمالك وللعامل أجرة ما عمل وان ظهرت فهي لهما فان اختار رب المال بيع الكل جاز وان لم يختر بيع منهما نصيب العامل وان لم يختر ترك الى أن يصطلحا وان مات العامل فتطوع ورثته بالعمل استحقوا الثمرة وان لم يعملوا استؤجر من ماله من يعمل فإن لم يكن له مال فلرب المال أن يفسخ ويملك العامل حصته من الثمرة بالظهور وزكاته عليه وقيل فيه قولان: أحدهما هذا والثاني أنه لا يملك الا بالتسليم وان ساقاه في المرض وبذل له أكثر من أجرة المثل اعتبرت الزيادة من الثلث وقيل يعتبر من رأس المال وان اختلفا في القدر المشروط للعامل تحالفا.

(1/122)


باب المزارعة
المزارعة أن يسلم الأرض الى رجل ليزرع ببعض ما يخرج منها ولا يجوز ذلك الا على الأرض التي بين النخيل ويساقيه على النخيل ويزارع على الأرض ويكون البذر من صاحب الأرض فيجوز ذلك تبعا للمساقاة وقيل ان كان النخيل قليلا والبياض كثيرا لم يجز ولايجوز ذلك الا على جزء معلوم من الزرع كالمساقاة.

(1/122)


باب الاجارة
الاجارة بيع تصح ممن يصح منه البيع وتصح بلفظ الاجارة والبيع

(1/122)


وتصح على كل منفعة مباحة في استئجار الكلب للصيد والفحل للضراب والدراهم والدنانير وجهان: أظهرهما أنه لا يجوز في جميع ذلك ولا يصح على منفعة محرمة كالغناء والزمر وحمل الخمر وتصح الاجارة على منفعة عين معينة كاستئجار الدار للسكنى والمرأة للرضاع والرجل للحج والبيع والشراء والدابة للركوب وتصح على منفعة في الذمة كاالإستئجار لتحصيل الحج وتحصيل حمولة في مكان فإن كان على منفعة عين لم يجز الا على عين يمكن اسيفاء المنفعة منها فإن استأجر أرضا للزراعة لم يجز حتى يكون لها ماء يؤمن انقطاعه كماء النهر والمد بالبصرة والثلج والمطر في الجبل فإن كان بمصر لم يجز حتى تروى الأرض بالزيادة ولا يجوز الا على عين مرفوعه فإن لم يعرف الا بالرؤية كالعقار لم يجز حتى يرى ولا يجوز الا على منفعة معلومة القدر فإن كانت مما لا يتقدر الا بالعمل كالحج والركوب الى مكان قدر به وان كان مما لا يتقدر لا بالزمان كالسكنى والرضاع والتطيين قدر به وان كان مما يتقدر بهما كالخياطة والبناء قدر بأحدهما ويجوز أن يعقد على مدة تبقى فيها العين في أصح القولين ولا يجوز أكثر من سنة في الآخر وقيل فيه قول ثالث الى ثلاثين سنة فإن قال أجرتك كل شهر بدرهم بطل وقيل يصح في الشهر الأول ولا يجوز الا على منفعة معلومة الصفة وان كان معلوما بالعرف كالسكنى واللبس حمل العقد عليه وان لم يكن معلوما بالعرف وصفه كحمل الحديد والقطن والبناء بالجص والآجر والطين واللبن وان لم يعرف بالوصف لكثرة التفاوت كالمحمل والراكب والصبي في الرضاع لم يجز حتى يرى وما عقد على مدة لا يجوز فيه شرط الخيار وفي خيار المجلس وجهان وما عقد على عمل معين يثبت فيه الخياران وقيل لا يثبتان وقيل يثبت فيه خيار المجلس دون خيار الشرط ولا يجوز الا معجلا ويتصل الشروع في الاستيفاء بالعقد فإن أطلق وقال أجرتك شهرا لم يصح ولا تجوز الاجارة الا على أجرة معلومة الجنس والقدر والصفة فإن استأجر بالطعمة والكسوة لم

(1/123)


يصح وان عقد على مال جزاف1 جاز وقيل فيه قولان كرأس مال السلم وان أجر منفعة بمنفعة جاز وتجب الأجرة بنفس العقد الا أن يشترط فيها الأجل فيجب في محله وان كان العقد على مدة فسلم العين ومضت المدة أو على عمل معين فسلم العين ومضى زمان يمكن فيه الاستيفاء استقرت الأجرة ووجب رد العين وان كانت الاجارة فاسدة استقرت أجرة المثل وما يحتاج اليه للتمكين من الانتفاع كمفتاح الدار وذمام الجمل والحزام والقتب2 فهو على المكري وما يحتاج اليه لكمال الانتفاع كالدلو والحبل والمحمل والغطاء فهو على المستأجر وفي كسح3 البئر وتنقية البالوعة وجهان وعلى المكري الاشالة والحط واركاب الشيخ وابراك الجمل للمرأة وللمكتري أن يستوفي بالمنفعة بالمعروف وان اكترى أرضا ليزرع الحنطة زرع مثلها وان استأجر دابة ليركبها أركبها مثله وان أكل بعض الزاد وقيمته تختلف في المنازل جاز أن يبدله فإن لم تختلف ففيه قولان فإن اكترى دابة الى مكان فجاوزه لزمه المسمى في المكان وأجرة المثل لما زاد وان حمل عليها أكثر مما شرط فتلفت وهي في يده ضمن قيمتها وان كان صاحبها معها ضمن نصف القيمة في أحد القولين والقسط في الآخر وللمكتري أن يكري ما أكتراه بعد قبض العين ولا يجوز أن يكري قبل القبض من غير المكري في أصح القولين ويجوز من المكري في أصح الوجهين وان تلفت العين المستأجرة انفسخت الاجارة فيما بقي دون ما مضى وقيل فيما مضى قولان فإن وجد به عيبا أو حدث به عيب ثبت له خيار الفسخ فإن فسخ لزمه أجرة ما مضى فإن كانت دارا فانهدمت أو أرضا فانقطع ماؤها ففيه قولان: أحدهما ينفسخ والثاني يثبت له خيار الفسخ وان غصب العين حتى انقضت المدة فهو كالمبيع اذا أتلف قبل القبض وقد بيناه في
__________
1 - الجزاف والجزف: املجهول القدر مكيلا كان أو موزونا: لسان العرب 9: 27
2 - القتب إكاف البعير: لسان العرب 10: 66.
3 - الكسح: الكنس كسح البئر يكسحه كسحا كنسه: لسان العرب 2: 571.

(1/124)


البيع وان مات الصبي الذي وقعت الاجارة على ارضاعه انفسخ العقد على المنصوص وقيل فيه قول آخر: انه لا ينفسخ ان تراضيا على ارضاع غيره جاز وان تشاحا فسخ وان مات الأجير في الحج عنه أو أحصر قبل الاحرام لم يستحق شيئا من الأجرة, وان كان بعد الفراغ من الأركان استحق الأجرة, وعليه دم لما بقي وان مات وقد بقي عليه بعض الأركان استحق بقدر ما عمل ويستأجر المستأجر من يستأنف الحج عنه وان هرب المكري والعقد على منفعة ثبت للمستأجر الخيار بين الفسخ والابقاء وان كان العقد على مدة انفسخ بمضي الوقت حالا فحالا, وان كان على عمل لم ينفسخ فإذا قدر عليه طالبه به, وان هرب الجمال وترك الجمال وفيها فضل بيع ما فضل وأنفق عليها فإن لم يكن فيها فضل اقترض عليه, فإن أمر الحاكم المستأجر أن ينفق عليها قرضا جاز فيه أصح القولين, ويقبل قوله في النفقة بالمعروف وان لم يكن حاكم فأنفق وأشهد رجع وقيل لا يرجع وان مات أحد المتكاريين, والعين المستأجرة باقية لم يبطل العقد وان هلكت العين المستأجرة في يد المستأجر من غير عدوان لم يضمن, وإن انقضت الإجازة لزم المستأجر رد العين وعليه مؤنة الرد وقيل يجب ذلك على المؤجر فان اختلفا في الرد فالقول قول المؤجر وان هلك العين التي استأجر على العمل فيها في يد الأجير, فإن كان العمل في ملك المستأجر أو في غير ملكه والمستأجر مشاهد له لم يضمنه وان كان في غير ملك المستأجر ففيه قولان: أصحهما أنه لا يضمن ويستحق الأجرة لما عمل في ملك المستأجر الى أن هلكت ولا يستحق لما عمل في غير ملكه وان اختلف المستأجر والأجير المشترك في رد العين فقد قيل القول قول الأجير وقيل القول قول المستأجر وان باع المكري العين من المكتري جاز ولم تنفسخ الاجارة بل يستوفي ما بقي بحكم العقد وان باع من غيره لم يصح في أحد القولين ويصح في الآخر ويستوفي المستأجر ما بقي فإن لم يعلم المشتري بالاجارة ثبت له الخيار وان كان عبدا فاعتقه عتق ويلزم المولى للعبد أقل الأمرين من أجرته أو نفقته وان آجر العين من غير مستأجر لم يجز وان آجرها من المستأجر جاز في

(1/125)


أظهر القولين وان انقضت مدة الاجارة وفي الأرض زرع فإن كان بتفريط من المستأجر جاز اجباره على قلعه وتسوية الأرض وجاز تركه بأجرة وان لم يكن بتفريط منه فقد قيل يجوز اجباره وقيل لا يجوز وان كانت الاجارة على عمل في الذمة جاز بلفظ السلم فإن عقد بلفظ السلم اعتبر فيه قبض الأجرة في المجلس وان عقد بلفظ الاجارة فقد قيل يعتبر وقيل لا يعتبر ولا تستقر الأجرة في هذه الاجارة الا بالعمل ويجوز أن يعقد على عمل معجل ومؤجل وان هلكت العين أو غصبت لم تنفسخ الاجارة بل يطالب بالبذل وان هرب المكري اكتري عليه فإن تعذر ذلك ثبت للمكتري الخيار بين أن يفسخ وبين أن يصبر الى أن يجده واذا دفع اليه ثوبا فقطعه قميصا فقال صاحب الثوب أمرتك أن تقطعه قباء فعليك الإرش وقال الخياط بل أمرتني بقميص فعليك الأجرة تحالفا على ظاهر المذهب ولا يستحق الخياط الأجرة وهل يلزم إرش النقص فيه قولان:

(1/126)


باب الجعالة
وهو أن يجعل لمن عمل له عملا عوضا فيقول من بنى لي حائط, أو رد لي آبقا فله كذا فإذا عمل ذلك استحق الجعل ويجوز على عمل مجهول ولا يجوز الا بعوض معلوم, ويجوز لهما الفسخ قبل العمل فإما بعد الشروع في العمل فيجوز للعامل الرجوع فيه, ولا يجوز لصاحب العمل الا بعد أن يضمن للعامل أجرة ما عمل وان اشترك جماعة في العمل اشتركوا في الجعل, وان عمل لغيره شيئا من ذلك من غير شرط لم يستحق عليه الجعل فإن قال العامل شرطت لي عوضا فالقول المعمول له, وان اختلفا في قدره تحالفا وان أمر غسالا بغسل ثوب ولم يسم له شيئا فغسل لم يستحق الأجرة وقيل يستحق.

(1/126)


باب المسابقة
المسابقة على عوض كالاجارة في أحد القولين, وتصح ممن تصح منه الاجارة ولا يجوز فسخها بعد لزومها ولا الزيادة فيها, ولا الامتناع من اتمامها وحكمها في خيار الشرط وخيار المجلس, حكم الاجارة ويجوز أخذ الرهن والضمين فيها وكالجعالة في القول الآخر فيجوز فسخها والزيادة فيها والامتناع من اتمامها ويفسخها متى شاء ولا يأخذ فيها الرهن والضمين ويجوز ذلك على الرمي بالنشاب والرماح والزانات1 وما أشبهها من آلة الحرب ويجوز على الخيل والابل وفي الحمار والبغل قولان وفي الفيل وجهان ويجوز على الاقدام والزبازب2 والطير, في ظاهر المذاهب, وقيل يجوز ذلك وفي الصراع وجهان ولا تجوز المسابقة بين الجنسين كالخيل والإبل وتجوز على نوعين كالعربي والبرذون, ولا تجوز الا على فرسين معروفين ولا تجوز الا على مسافة معلومة الابتداء والانتهاء ولا تجوز الا على عوض معلوم ويجوز أن يكون العوض منهما ومن غيرهما فان أخرج أحدهما السبق على أن من سبق أحرزه جاز وان أخرجا السبق على أن من سبق منهما أخذ الجميع لم يجز الا أن يكون معهما محلل وهو ثالث على فرس كفيء لفرسيهما لا يخرج شيئا فإن سبقهما أحرز سبقهما وإن سبقاه أحرز كل واحد منهما سبقه, وإن سبق أحدهما مع المحلل أحرز السبق المتأخر وان سبق أحدهما أخذ السبقين وان أخرج الامام من بيت المال أو أحد الرعية من ماله سبقا بين اثنين فشرط أن من سبق منهما فهو له جاز فإن سبق أحدهما استحق, وان جاءا معا لم يستحقا وان شرط للسابق وللآخر لم يجز وان كانوا ثلاثة فشرط لإثنين دون الثالث أو أربعة فشرط لثلاثة دون الرابع جاز وان شرط للجميع وسوى بينهم لم يجز وان فاضل فجعل للسابق عشرة وللمجلي تسعة وللمصلي
__________
1 - الزانات من رمح يزني ووأزنى ويزاني وأزاني وأيزني على القلب لسان العرب 13: 193.
2 - الزبازب: جنس نت الفأر لا شعر عليه لسان العرب 1: 446.

(1/127)


ثمانية فقد قيل يجوز, وقيل لا يجوز وان شرط أنه اذا سبق أحدهما أطعم السبق أصحابه لم تصح المسابقة على ظاهر المذهب وقيل تصح الا أنه يسقط المسمى, ويجب عوض المثل وقيل تصح ولا يستحق شيئا والسبق في الخيل ان استوت أعناقها أن يسبق أحدهما بجزء من الرأس من الأذن وغيره, فإن اختلفا في طول العنق أو كان ذلك في الابل أعتبر السبق بالكاهل فان مات أحد المركوبين قبل الغاية بطل العقد, وان مات أحد الراكبين قام مقامه فان لم يكن له وارث استأجر الحاكم من يقوم مقامه, وان كانت المسابقة على الرمي لم يجز اخراج السبق منهما أو من غيرهما الا على ما ذكرناه في الخيل, ولا يجوز حتى يتعين الرماه فإن كانوا حزبين لم يجز حتى يعرف كل واحد من رأس الحزبين أصحابه قبل العقد, ولا يجوز الا ممن يحسن الرمي فإن خرج في أحد الحزبين من لا يحسن الرمي بطل العقد فيه وسقط من الحزب الآخر بإزائه واحد ثم الرماة بالخيار: بين فسخ العقد وبين الامضاء ولا يجوز الا على الرشق معلوم وأن يكون عدد الإصابة معلوما فإن شرطا اصابة تسعة من تسعة أتسعة من عشرة أو عشرة من عشرة لم يجز في أصح القولين وأن يكون مدى الغرض معلوما فإن شرط دون مائتي ذراع جاز وفيما زاد قيل يجوز الا مائتين وخمسين ذراعا وقيل يجوز الى ثلثمائة وخمسين ذراعا فإن شرط الرمي الى غير غرض وأن يكون السبق لابعادهما رميا لم يصح وأن يكون الغرض في نفسه معلوم الصفة معلوم الطول والعرض والارتفاع والانخفاض في الأرض وأن يعلم أن الرمي محاطة أو مبادرة أو مناضلة فالمحاطة أن يحط أكثرهما اصابة من عدد الآخر فيفضل له عدد معلوم فيتفقان عليه فينضله والمبادرة أن يشترطا اصابة عشرة من عشرين فيبدر أحدهما الى اصابة العشرة فينضل صاحبه والمناضلة أن يشترطا اصابة عشرة من عشرين على أن يستوفيا جميعا فيرميان معا جميع ذلك فان أصاب كل واحد منهما العشرة أو أكثر أو أقل أحرز أسبقهما وان أصاب أحدهما دون العشرة وأصاب الآخر العشرة أو فوقها فقد نضله وأن يكون الباديء منهما معلوما وقيل ان شرط ذلك وجب الوفاء وان لم يشرط جاز وان تشاحا أقرع بينهما ويرميان سهما سهما فإن

(1/128)


شرط أحدهما أن يرمي بجميع سهامه حملا على الشرط, وأن تكون صفة الرمي معلومة من القرع والخذق والخسق والمرق والخرم فالقرع: هو اثابة الشن والخزق: أن يخدش الشن ولا يثبت فيه, والخسق: أن يثبت فيه والمرق: أن ينفذ فيه والخرم: أن يقطع طرف الشن ويكون بعض النصل في الشن وبعضه خارجا منه فيحملان على ما شرطا فإن شرطا اصابة حوالي الشن فأصاب الشن أو بعيدا منه لم يحتسب له وان شرطا الخسق وفي الغرض حصاة منعت من الخسق فخزق السهم, وسقط حسب له خاسقا وان انقطع الوتر أو انكسر القوس أو استغرق في المد فسقط أو عرضت في يده ريح أو هبت ريح شديدة فرمى فأخطأ لم يحسب عليه, وان هبت ريح شديدة فأصاب لم يحسب له وان انتقل الغرض بالريح فأصاب موضعه والشرط هو القرع حسب له, وان كان الشرط هو الخسق فثبت السهم والموضع في صلابة الغرض حسب له وان أصاب السهم الأرض فازدلف وأصاب الغرض حسب له في أحد القولين, ولم يحسب له ولا عليه في القول الآخر وان شرطا الرمي بالقسي العربية أو الفارسية أو أحدهما يرمي بالعربية والآخر بالفارسية حملا عليه فإن أطلق العقد حملا على نوع واحد وان تلف القوس أبدل وان مات الرامي بطل العقد وان عرض عذر من مطر أو ريح أو ليل جاز قطع الرمي.

(1/129)


باب احياء الموات وتملك المباحات
من جاز أن يملك الأموال جاز أن يملك الموات بالاحياء, ولا يجوز للكافر أن يملك بالاحياء في دار الاسلام ويملك في دار الشرك وكل موات لم يجر عليه أثر ملك ولم يتعلق بمصلحة عامة جاز تملكه بالاحياء وما جرى عليه أثر ملك ولا يعرف له مالك فإن كان في دار الاسلام لم يملك بالاحياء وان كان في دار الشرك فقد قيل يملك وقيل لا يملك والاحياء أن يهيء الأرض لما يريد فإن

(1/129)


كان دارا فبأن يبني ويسقف وان كان حظيرة فبأن يحوط عليها وينصب عليها الباب وان كان مزرعة فبأن يصلح ترابها ويسوق اليها الماء ويزرع في ظاهر المذهب وقيل يملك وان لم يزرع وان كان بئرا أو عينا فبأن يحفرها حتى يصل الى الماء فيملك المحيا وما فيه من المعادن والشجر والكلأ وما ينبت فيه وينبع ويملك معه ما يحتاج اليه من حريمه ومرافقة وقيل لا يملك الماء والمذهب الأول ولا يجب عليه بذل شيء من ذلك الا الماء فإنه يجب عليه بذل فضله للبهائم دون الزرع وأن تحجر شيئا من الموات بأن شرع في احيائه ولم يتمم فهو أحق به فان نقله الى غيره صار الثاني أحق به وان مات قام وارثه مقامه فيه وان باع لم يصح بيعه وقيل يصح وان لم يحيي وطالت المدة قيل له اما أن تحيي واما أن تخليه لغيرك فإن استمهل أمهل مدة قريبة فإن لم يحيي جاز لغيره أن يحييه وان أقطع الامام مواتا صار المقطع كالمتحجر وما بين العامر من الشوارع والرحاب ومقاعد الأسواق لا يجوز تملكها بالاحياء ولا يجوز فيها البناء ولا البيع ولا الشراء ومن سبق الى شيء منها جاز له أن يرتفق بالقعود فيه ما لم يضر بالمارة فإن قام ونقل عنه قماشه كان لغيره أن يقعد فيه وان طال مقامه وهناك غيره أقرع بينهما وقيل يقدم الامام أحدهما فإن أقطع الامام شيئا من ذلك صار المقطع أحق بالارتفاق به وان نقل عنه قماشه لم يكن لغيره أن يقعد فيه ومن حفر معدنا باطنا لا يتوصل الى نيله الا بالعمل كمعدن الذهب والفضة والحديد وغيرها فوصل الى نيله ملك نيله وفي المعدن قولان: أحدهما يملكه الى القرار والثاني أنه لا يملكه فإذا انصرف كان غيره أحق به وان طال مقامه وهناك غيره أو سبق اثنان اليه أقرع بينهما وقيل يقدم الامام أحدهما وان أقطع شيئا من ذلك فإن قلنا أنه يملك المعدن بالعمل صح الاقطاع وصار المقطع أحق به من غيره وان قلنا لا يملك ففي الاقطاع قولان أحدهما لا يصح والثاني يصح فيما يقدر على العمل فيه ومن سبق الى معدن ظاهر يتوصل الى ما فيه بغير عمل كالقار1,
__________
1 - القار: هو الزفت انظر نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج باب أحياء الموت.

(1/130)


والنفظ والمومياء1 والياقوت والبلور والبرام2 والملح والكحل والجص والمدر3 أو الى شيء من المباحات كالصيد والسمك وما يؤخذ من البحر من اللؤلؤ والصدف وما ينبت في الموات من الكلأ؟ , والحطب وما ينبع من المياه في الموات وما يسقط من الثلوج وما يرميه الناس رغبة عنه, أو انتثر من الزروع والثمار وتركوه رغبة عنه فأخذ شيئا منه ملكه وان سبق اثنان الى ذلك, وضاق عنهما فإن كانا يأخذان للتجارة قسم بينهما وان كانا يأخذان القليل للاستعمال فقد قيل يقرع بينهما وقيل يقسم الامام بينهما وقيل يقدم أحدهما وان أقطع الامام شيئا من ذلك لم يصح اقطاعه فإذا كان من ذلك ما يلزم عليه مؤنة بأن يكون بقرب الساحل موضع اذا حصل فيه الماء حصل منه ملح جاز أن يملك بالأحياء وجاز للامام اقطاعه وان حمى الامام أرضا لترعى فيها إبل الصداقة ونعم الجزية وخيل المقاتلة وأموال الحشرية ومال من يضعف عن الابعاد في طلب النجعة4 ولم يضر ذلك بالناس جاز في أصح القولين ولم يجز في الآخر فان زالت الحاجة جاز أن يعاد الى ما كان وقيل ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز تغيريه بحال.
__________
1 - المومياء بضم أوله وبالمد وحكى القصر شيء يلقيه الماء في بعض السواحل فيجمد فيصير كالقار.
2 - والبرام بكسر أوله وجمع برمة بضمها حجر يعمل منه قدور الطبخ: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج باب إحياء الموت انظر نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج باب إحياء الموت.
3 - المدر: هو قطع الطين اليابس: لسان العرب 5: 162.
4 - النجعة بوزن الرقعة طلب الطلاء في موضعه: مختار الصحاح 647.

(1/131)


باب اللقطة
اذا وجد الحر الرشيد لقطه في غير الحرم في موضع يأمن عليها فالأولى أن يأخذها وان كانت في موضع لا يأمن عليها لزمه أن يأخذها وقيل فيه قولان في الحالين: أحدهما يجب الأخذ والثاني يستحب ثم يتعرف وعاءها وعفاصها,

(1/131)


ووكاءها وجنسها وصفتها وقدرها, ويستحب أن يشهد عليها وقيل يجب فإن أراد حفظها أراد على صاحبها لم يلزمه التعريف وان أراد أن يملكها عرفها سنة على أبواب المساجد والأسواق وفي الموضع الذي وجدها فيه ويقول من ضاع منه شيء أو من ضاع منه دنانير وقيل ان كان قليلا كفاه أن يعرفه في الحال ثم يملكه وقدر القليل بالدينار وقدر بالدرهم وقدر بما لا يقطع فيه السارق وظاهر المذهب أنه لا فرق بين القليل والكثير ويجوز التعريف في سنة متفرقة, وقيل لا يجوز والأول أظهر فإذا عرف واختار التملك ملك وقيل يدخل في ملكه بالتعريف وان هلك قبل أن يملك لم يضمن, وان هلك بعد ما ملك ضمن وان جاء صاحبها قبل التملك أخذها مع زيادتها وان جاء بعد التملك أخذها مع الزيادة المتصلة دون الزيادة المنفصلة وان جاء من يدعيها ووصفها وغلب على ظنه صدقه جاز أن يدفع اليه ولا يلزمه الا ببينة وان وجد اللقطة في الحرم لم يجز أن يلتقطها الا للحفظ على ظاهر المذهب, وقيل يجوز أن يلتقط للتملك وان كان الواجد عبدا ففيه قولان: أحدهما يجوز التقاطه ويملكه السيد بعد الحول اما بتعريفه أو تعريف العبد والثاني لا يجوز فإن تلفت في يده ضمنها في رقبته وان دفها الى السيد زال عنه الضمان وان كان نصفه حرا ونصفه عبد فهو كالحر على المنصوص فيكون بينه وبين مولاه يعرفان ويملكان ان لم يكن بينهما مهايأة فإن كان بينهما مهايأة فهل تدخل اللقطة فيها قولان: أحدهما أنها تدخل فإن وجدها في يومه كانت له وان وجدها في يوم السيد فهي له والثاني لا تدخل فتكون بينهما وخرج فيه قول آخر أنه كالعبد وان كان مكاتبا ففيه قولان: أحدهما أنه كالحر يعرف ويملك والثاني أنه لا يلتقط فإذا أخذ انتزع الحاكم من يده وعرفه ثم يتملك المكاتب وان كان فاسقا كره له أن يلتقط فإن التقط أقر في يده في أحد القولين وينتزع في الآخر ويسلم الى ثقة وهل ينفرد بالتعريف فيه قولان أحدهما ينفرد به والثاني أنه يضم اليه من يشرف عليه فإذا عرف تملكه وان كان كافرا فقد قيل يلتقط ويملك وهو الأصح وقيل

(1/132)


لا يلتقط في دار الاسلام, ولا يملك وان وجد جارية تحل له لم يجز أن يلتقطها للتملك بل يأخذها للحفظ وان وجد ضالة تمتنع من صغار السباع بقوته كالإبل والبقر أو لسرعته كالظبي أو بطيرانه كالحمام فإن كان في مهلكة لم يلتقطها للتملك فإن التقط لذلك ضمن وان سلمه الى الحاكم بريء من الضمان وان التقط للحفظ فإن كان حاكما جاز, وان كان غيره فقد قيل يجوز وقيل لا يجوز وان كان مما لا يمتنع كالغنم وصغار الابل والبقر جاز التقاطه فإذا التقطه فهو بالخيار بين أن يحفظها على صاحبها ويتبرع بالانفاق عليها وبين أن يعرفها سنة ثم يتملكها وبين أن يأكلها ويغرم قيمتها اذا جاء صاحبها أو يبيعها في الحال ويحفط ثمنها على صاحبها ويعرفه سنة ثم يتملكه فإن وجد في البلد فهو لقطة يعرفها سنة الا أنه اذا وجدها في البلد لا يأكل, وفي الصحراء يأكل وقيل هو كما لو وجده في الصحراء لا يأخذ الممتنع ويأخذ غير الممتنع الا أنه ليس له الأكل في البلد وله الأكل في الصحراء وان كان ما وجده مما لا يمكن حفظه كالهريسة, وغيرها فهو مخير: بين أن يأكل وبين أيبيع فإن أكل عزل قيمته مدة التعريف وعرف سنة ثم يتصرف فيها, وقيل يعرف ولا يعزل القيمة, واذا أراد البيع دفع إلى الحاكم وان لم يكن الحاكم باع بنفسه وحبس ثمنه وان كان ما وجده يمكن اصلاحه كالرطب فإن كان الحظ في بيعه باعه وان كان في تجفيفه جففه.

(1/133)


باب اللقيط
والتقاط المنبوذ فرض على الكفاية, فإذا وجد لقيط حكم بحريته فإن كان معه مال متصل به أو تحت رأسه وان كان مدفونا تحته لم يكن له وان كان بقربه فقد قيل هو له وقيل ليس له, وان وجد في بلد المسلمين وفيه مسلمون أو في بلد كان لهم ثم أخذه الكفار فهو مسلم وان وجد في بلد فتحه المسلمون ولا مسلم فيه أو في بلد الكفار ولا مسلم فيه فهو كافر,

(1/133)


وإن وجد في بلد الكفار وفيه مسلمون فقد قيل هو مسلم وقيل هو كافر فإن التقطه حر مسلم أمين مقيم أقر في يده ويستحب أن يشهد عليه على ما معه وقيل يجب ذلك فإن كان له مال كان نفقته في ماله ولا ينفق عليه الملتقط من ماله بغير إذن الحاكم فإن أنفق بغير إذنه ضمن فإن أذن له الحاكم جاز وقيل على قولين: أصحهما أنه يجوز وإن لم يكن حاكم وأنفق عليه من غير إشهاد ضمن وإن أشهد ففيه قولان: وقيل وجهان: أحدهما يضمن والثاني لا يضمن وإن لم يكن له مال وجبت نفقته في بيت المال فإن لم يكن ففيه قولان: أحدهما يستقرض له في ذمته, والثاني يقسط على المسلمين من غير عوض وإن أخذه عبد أو فاسق لم يقر في يده وإن أخذه كافر فإن كان اللقيط محكوما باسلامه لم يقر في يده, وإن كان محكوما بكفره أقر في يده وإن أخذه ظاعن فإن لم يختبر أمانته لم يقر في يده وإن اختبر نظر فإن كان ظاعنا إلى البادية واللقيط في حضر لم يقر في يده وإن كان ظاعنا إلى بلد آخر ففيه وجهان وإن كان اللقيط في البادية فأخذه حضرى يريد حمله إلى الحضر جاز وإن كان بدويا فإن كان له موضع راتب أقر في يده وإن كان ينتقل من موضع إلى موضع فقد قيل يقر وقيل لا يقر وإن التقطه رجلان من أهل الحضانة وأحدهما وسر والآخر معسر فالموسر أولى وإن كان أحدهما مقيما والآخر ظاعنا فالمقيم أولى وإن تساويأ وتشاحأ اقرع بينهما فإن ترك احدهما حقه أقر في يد الآخر وقيل يرفع إيها الحاكم حتى يقر في يد الأخر وليس بشيء وإن ادعى كل واحد منهما أنه الملتقط فإن كان في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه وإن كان في يدهما أقرع بينهما وإن لم يكن في يد واحد منهما سلمه الحاكم إلى من يرى منهما أو من غيرهما وإن أقام أحدهما بينه حكم له وإن أقاما بينتين مختلفتي التاريخ قدم أقدمهما تاريخا وإن كانتا متعارضتين سقطتا في أحد القولين وصار كما لو لم تكن لهما بينة وإن ادعى نسبه مسلم لحق به وتبعه في الإسلام فإن كان هو الملتقط استحب أن يقال له من اين هو ابنك فإن إدعاه كافر لحق به فإن أقام البينة على ذلك تبعه الولد في الكفر وسلم إليه إن لم يقم البينة لم يتبعه في

(1/134)


الكفر ولم يسلم إليه وقيل إن أقام البينة جعل كافرا قولا واحدا وإن لم يقم البينة ففيه قولان وإن ادعت امرأة نسبه لم يقبل في ظاهر النص إلا ببينة وقيل يقبل وقيل إن كان لها زوج لم يقبل وإن لم يكن لها قبل, وإن ادعاه إثنان ولأحدهما بينة قضى له وإن لم يكن لواحد منهما بينة أو لكل واحد منهما بينة عرض على القافة1 فإن كان لأحدهما يد لم تقدم بينته باليد فإن ألحقته القافة بأحدهما لحق به وإن ألحقته بهما أو نفته عنهما أو أشكل عليها أو لم تكن قافة ترك حتى يبلغ فينتسب إلى من تميل نفسه إليه وإن ادعى رجل رقه لم يقبل إلا ببينة تشهد بأن أمته ولدته وفيه قول آخر أنه لا يقبل حتى يشهد بأن أمته ولدته في ملكه وإن قتل اللقيط عمدا فللإمام أن يقتص من القاتل إن رأى ذلك وله أن يأخذ الدية إن رأى ذلك وإن قطع طرفه عمدا وهو موسر انتظر حتى يبلغ وإن كان فقيرا فإن كان معتوها كان للإمام أن يعفو على مال يأخذه وينفقه عليه وإن كان عاقلا انتظر حتى يبلغ وإن بلغ فقذفه رجل وادعى أنه عبد وقال اللقيط بل أنا حر ففيه قولان: أصحهما ان القول قول القاذف وإن جنى عليه حر فقال أنت عبد وقال بل أنا حر فالقول قول اللقيط فيحلف ويقتص منه وقيل فيه قولان كالقذف وإن بلغ اللقيط ووصف الكفر فإن كان حكم بإسلامه تبعا لأبيه فالمنصوص أنه لا يقر عليه وخرج فيه قول آخر أنه يقر عليه وإن حكم بإسلامه بالدار ثم بلغ ووصف الكفر فالمنصوص أن يقال له لا نقبل منك إلا الإسلام ويفزعه فإن أقام على الكفر قبل منه وخرج فيه قول آخر أنه كالمحكوم بإسلامه بأبيه وان بلغ وسكت فقتله مسلم فقد قيل لاقود عليه وقيل يجب وقيل إن حكم بإسلامه بأبيه فعليه القود وإن حكم بإسلامه بالدار فلا قود2 عليه وإن بلغ وباع واشترى ونكح وطلق وجنى وجنى عليه ثم أقر بالرق فقد قيل فيه قولان: أحدهما اقراره والثاني لا يقبل وقيل يقبل اقراره قولا واحدا وفي حكمه قولان: أحدهما يقبل في جميع الأحكام والثاني يفصل فيقبل فيما عليه ولا يقبل فيما له.
__________
1 - القافة جمع قائف وهو الزي يتتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه, الرجل بأخيه وابيه, انظر لسان العرب 9: 293.
2 - القود بفتحتين القصاص: مختار الصحاح ص555.

(1/135)


باب الوقف
والوقف قربة مندوب اليه ولا يصح إلا ممن يجوز تصرفه في ماله ولايصح إلا في عين معينة فإن وقف شيئا في الذمة بأن قال وقفت فرسا أو عبدا لم يصح ولا يصح إلا في عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها على الدوام كالعقار والحيوان والأثاث فإن وقف مالا ينتفع به مع بقائه كالأثمان والطعام أو مالا ينتفع به على الدوام كالمشموم لم يجز ولا يجوز إلا على معروف وبر كالوقف على الأقارب والفقراء والقناطر وسبل الخير فإن وقف على قاطع الطريق أو على حربي أو مرتد لم يجز وإن وقف على ذمي جاز ولا يجوز أن يقف على نفسه ولا على مجهول كرجل غير معين ولا على من لا يملك الغلة كالعبد والحمل فإن وقف على من يجوز ثم على من لا يجوز بطل في أحد القولين وصح في الآخر ويرجع إلى اقرب الناس الى الواقف وهل يختص به فقراءهم أو يشترك فيه الفقراء والاغنياء فيه قولان: وقيل يختص به الفقراء قولا واحدا فإن وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز فقد قيل يبطل قولا واحدا وقيل فيه قولان: أحدهما يبطل والثاني يصح فإن كان ممن لا يجوز الوقف عليه ممن لا يمكن اعتبار انقراضه كالمجهول صرف الغلة إلى من يصح وإن كان ممن يمكن اعتبار انقراضه كالعبد فقد قيل يصرف في الحال إلى من يجوز الوقف عليه وقيل لا يصرف إليه إلى أن ينقرض وقيل يكون لأقرباء الواقف الى ان ينقرض ثم يصرف الى من يجوز الوقف عليه وإن وقف على رجل بعينه ثم على الفقراء فرد الرجل بطل في حقه وفي حق الفقراء قولان فإن وقف وسكت عن السبل1 بطل في احد القولين ويصح في الآخر فيصرف الى أقرب
__________
1 - السبل: من سبلت الشيء إذا ابحته وفي حديث عمر: احبس أصلها وسبل ثمراتها: أي اجعلها وقفا وأبح ثمرتها لمن وقفتها عليه لسن العرب 311.

(1/136)


الناس الى الواقف ولا يصح الوقف إلا بالقول, وألفاظه: وقفت وحبست وسبلت وفي قوله حرمت وأبدت وجهان وإن قال تصدقت لم يصح الوقف حتى ينويه أو يقرن به ما يدل عليه كقوله صدقة محرمة أو مؤبدة أو صدمة لا تباع وما أشبهها وإذا صح الوقف لزم فإن شرط فيه الخيار أو شرط أن يبيعه متى شاء بطل ولا يجوزأن يعلق ابتداءه على شرط فإن علقه على شرط بطل وإن علق انتهاءه بأن قال: وقفت هذا الى سنة بطل في أحد القولين ويصح في الآخر ويصرف بعد السنة إلى اقرب الناس إلى الواقف وينتقل الملك في الرقبة بالوقف عن الواقف في ظاهر المذهب فقد قيل ينتقل الى الله تعالى, وقيل إلى الموقوف عليه وقيل فيه قولان ويملك الموقوف عليه غلة الوقف ومنفعته وصوفه ولبنه فإن كان جارية لم يملك وطئها وفي التزويج أوجه: أحدها لا يجوز بحال والثاني يجوز للموقوف عليه والثالث يجوز للحاكم فإن وطئت أخذ الموقوف عليه المهر وإن أتت بولد فقد قيل يملكه الموقوف عليه ملكا يملك التصرف فيه بالبيع وغيره, وقيل هو وقف كالام وإن اتلف اشترى بقيمته ما يقوم مقامه وقيل إن قلنا انه للموقوف عليه فهي له وإن قلنا انه لله تعالى اشترى بها ما يقوبم مقامه وإن جنى خطأ وقلنا هو له فالإرش عليه وإن قلنا لله تعالى فقد قيل في ملك الواقف وقيل في بيت المال وقيل في كسبه وينظر في الوقف من شرطه الواقف فإن شرط النظر لنفسه جاز وإن لم يشرط نظر فيه الموقوف عليه في أحد القولين والحاكم في القول الآخر, ولا يتصرف الناظر فيه الا على وجه النظر والاحتياط فإن احتاج إلى نفقة انفق عليه من حيث شرط الواقف فإن لم يشرط انفق عليه من الغلة ويصرف الباقي الى الموقوف عليه والمستحب أن لايؤجر الوقف أكثر من ثلاث سنين فإن مات الموقوف عليه في اثناء المدة انفسخت الإجارة وقيل لا تنفسخ ويصرف أجرة ما مضى الى البطن الأول وما بقي الى البطن الثاني ويصرف الغلة على شرط الواقف والتقديم والتأخير والجمع والترتيب وإخراج من شاء بصفة واحدة وإدخاله بصفة فإن وقف على الفقراء جاز أن يصرف إلى ثلاثة منهم وإن وقف

(1/137)


على قبيلة كثيرة بطل الوقف في احد القولين وصح في الآخر ويجوز أن يصرف الى ثلاثة منهم وان وقف على مواليه له موال من أعلى وموال من اسفل فقد قيل يبطل وقيل يصح ويصرف الى الموالي من أعلى وقيل يقسم بينهما وهوالاصح وان وقف على زيد وعمرو وبكر ثم على الفقراء فمات زيد صرف الغلة إلى من بقي من اهل الوقف فإذا أنقرضوا صرفت الى الفقراء.

(1/138)


باب الهبة
الهبة مندب إليها وللاقارب أفضل, ويستحب لمن وهب لأولاده أن يسوي بينهم, ولا تصح إلا من جائز التصرف في ماله غير محجورعليه ولا يجوز هبة المجهول, ولا هبة مالا يقدر على تسليمه ومالا يتم ملكه عليه كالمبيع قبل القبض ولا يجوز تعليقه على شرط مستقبل, ولا بشرط ينافي مقتضاه فإن قال أعمرتك هذه الدار وجعلتها لك حياتك ولعقبك من بعدك صح, وإن لم يذكر العقب صح أيضا وتكون له في حياته ولعقبه من بعد موته وقيل فيه قول آخر انه باطل وفيه قول آخر أنه يصح ويكون للمعمر في حياته فاذا مات رجع الى المعمر أو إلى ورثته إن كان قد مات, وإن قال جعلتها لك حياتك فإذا مت رجعت إلي بطل في احد الوجهين ويصح في الآخر ويرجع اليه بعد موته, وإن قال أرقبتك هذه الدار فإن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك إستقرت لك صح ويكون حكمه حكم العمري, ولايصح شيء من الهبات إلأ بالإيجاب والقبول ولا يملك المال فيه إلا بالقبض ولا يصح القبض إلا بإذن الواهب فإن وهب منه شيئا في يده أو رهنه عنده لم يصح القبض حتى يأذن فيه, ويمضي زمان يتأتى فيه القبض وقيل في الرهن لا يصح إلا بالاذن وفي الهبة يصح من غير إذن وقيل فيهما قولان وإن مات الواهب قبل القبض قام الوارث مقامة إن شاء أقبض وإن شاء لم يقبض وقيل ينفسخ العقد وليس بشيء وان وهب الأب أو الأم أو أبوهما أوجدهما شيئا للولد وأقبضه إياه جاز له ان يرجع فيه وإن تصدق عليه فالمنصوص أن له أن يرجع وقيل لا يرجع فإن زاد

(1/138)


الموهوب زيادة مميزة كالولد والثمرة رجع فيه دون الزيادة وإن أفلس الموهوب له وحجر قيل يرجع وقيل لا يرجع وإن كاتب الموهوب أو رهنه لم يرجع فيه حتى تنفسخ الكتابة وينفك الرهن وإن باعه أو وهبه لم يرجع في الحال, وقيل ان وهب ممن يملك الواهب الرجوع في هبته جاز له أن يرجع عليه فإن عاد المبيع أو الموهوب فقد قيل لا يرجع, وقيل يرجع وإن وطأ الواهب الجارية الموهوبة كان ذلك رجوعا وقيل لا يكون رجوعا ومن وهب شيئا ممن هوأعلى منه ففيه قولان: أحدهما لا يلزمه الثواب والثاني يلزمه, وفي قدر الثواب اقوال: احدها يثيبه الى ان يرضى والثاني يلزمه قدر الموهوب والثالث يلزمه ما يكون ثوابا لمثله في العادة فإن لم يثبه ثبت للواهب الرجوع وإن قلنا لا يلزمه الثواب فشرط ثوابا مجهولا بطل, وإن شرط ثوابا معلوما ففيه قولان: وإن قلنا يلزمه الثواب فشرط ثوابا مجهولا جاز وإن شرط ثوابا معلوما ففيه قولان أحدهما أنه يبطل ويكون حكمه حكم البيع الباطل والثاني انه يصح ويكون حكمه حكم البيع الصحيح.

(1/139)


باب الوصية
من جاز تصرفه في ماله جازت وصيته ومن لا يجوز تصرفه كالمعتوه والمبرسم1 لا يصح وصيته وفي الصبي المميز والمبذر قولان ولا تصح الوصية إلا إلى حر مسلم بالغ عاقل عدل فإن وصى إليه وهو على غير هذه الصفات فصار عند الموت على هذه الصفات جاز وقيل لا يجوز وان وصى الى اعمى فقد قيل تصح وقيل لا تصح ويجوز أن يوصي إلى نفسين فإن أشرك بينهما في النظر لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف وإن وصى إليه في شيء لم يصر وصيا في غيره وللوصي أن يوكل فيما لايتولى مثله بنفسه وليس له أن يوصي فإن جعل اليه ان يوصي ففيه قولان وإن وصى الى رجل ثم بعده إلى آخر جاز ولا تتم الوصية إليه إلا بالقبول وله ان يقبل في الحال وله أن يقبل
__________
1 - المبرسم من البرسام علة معروفة: لسان العرب 12: 46.

(1/139)


في الثاني وللموصي أن يعزله متى شاء وللوصي أن يعزل نفسه متى شاء ولا يجوز الوصية الا في معروف من قضاء دين وأداء حج والنظر في أمر الصغار وتفرقة الثلث وما أشبه ذلك فإن وصى بمعية كبناء كنيسة أو كتب التوراة أو بما لا قربة فيه كالبيع من غير محاباة لم تصح, وإن وصى لوارث عند الموت لم تصح الوصية في أحد القولين, وتصح في الأخر ويقف على الإجازة وهو الاصح وإن وصى للقاتل بطلت الوصية في أحد القولين وصحت في الأخر, وهو الأصح وإن وصى لحربي فقد قيل تصح وقيل لا تصح وإن وصى لقبيلة كثيرة أو لمواليه وله موال من أعلى وموال من أسفل فعلى ما ذكرناه في الوقف, وان وصى لما تحمل هذه المرأة فقد قيل تصح وقيل لا تصح ويستحق الوصية بالموت ان كانت لغير معين وإن كانت لمعين ففيه أقوال: أحدها يملكه بالموت والثاني بالموت والقبرل والثالث, وهو الأصح أنه موقوف فإن قبل حكم له بالملك من حين الموت وإن رد حكم بانها ملك الوارث وإن لم يقبل ولم يرد وطالب الورثة خيره الحاكم: بين القبول والرد فإن لم يفعل حكم عليه بالإبطال وإن قبل الوصية وقبض ثم رد لم يصح الرد وإن رد بعد القبول وقبل القبض فقد قيل يبطل وقيل لا يبطل والأول أصح وإن مات الموصي له قبل الموصي بطلت الوصية وإن مات بعد موته قام وارثه مقامه في القبول والرد وتجوز الوصية بثلث المال وإن كان ورثته أغنياء استحب ان يستوفي الثلث وإن كانوا فقراء إستحب أن لا يستوفي في الثلث فإن أوصى بأكثر من الثلث ولا وارث له بطلت الوصية فيما زاد على الثلث وإن كان له وارث ففيه قولان: أحدهما تبطل الوصية والثانى تصح وتقف على إجازة الوارث فإن أجاز صح وإن رد بطل ولا يصح الرد والإجازة الا بعد الموت فإن أجاز ثم قال أجزت لأني ظننت أن المال قليل وقد بان خلافه فالقول قوله مع يمينه أنه لم يعلم وان قال ظننت ان المال قليلوقد بان خلافه فالقول قوله مع يمينه انه لم يعلم وإن قال ظننت أن المال كثير وقد بان خلافه ففيه قولان أحدهما: يقبل والثانى لايقبل وماوصى به من التبرعات يعتبر من الثلث سواء وصي به في الصحة أو المرض وما وصي به من الواجبات إن قيد بالثلث اعتبر من

(1/140)


الثلث وإن أطلق فالأظهر أنه لا يعتبر من الثلث, وقيل يعتبر وقيل إن كان قد قرن بما يعتبر من الثلث وإن لم يقرن بذلك لم يعتبر وما تبرع به في حياته كالهبة, والعتق والوقف والمحاباة والكتابة وصدقات التطوع إن كان قد فعله في الصحة لم يعتبر من الثلث وإن كان فعله في مرض مخوف كالبرسام والرعاف1 الدائم والزخير2 المتواتر وطلق الحامل وما أشبه ذلك واتصل بالموت أعتبر من الثلث, وإن فعله في حال التحام الحرب أو تموج البحر, أو التقديم للقتل ففيه قولان أحدهما: يعتبر من الثلث والثاني لا يعتبر وإن وصى بخدمة عبد اعتبرت قيمته من الثلث على المنصوص وقيل يعتبر المنفعة من الثلث فإذا عجز الثلث عن التبرعات المنجزة في حال المرض بديء بالأول فالأول فإن وقعت دفعة واحدة أو وصى وصايا متفرقة أو دفعة واحدة فإن لم يكن عتقا ولا معها عتق قسم الثلث بين الجميع وإن كان فيها عتق وغير عتق ففيه قولان أحدهما يقدم العتق والثانى: يسوي بين الكل فإن كان الجميع عتقا ولم تجز الورثة جزؤا ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فيكتب ثلاث رقاع في كل رقعة اسم ويترك في ثلاث بنادق طين متساوية وتوضع في جحر رجل لم يحضر ذلك ويؤمر بإخراج واحد منها على الحرية فيعتق من خرج اسمه ويرق الباقون وإن كان له مال حاضر ومال غائب أو عين ودين دفع إلى الموصى له ثلث الحاضر وثلث العين وإلى الورثة من ذلك ثلثاه وكلما نض من الدين شيء أو حضر من العائب بشيء قسم بين الورثة وبين الموصى له وإن وصى بثلث عبد فاستحق ثلثاه فإن احتمل ثلث المال الباقي نفذت الوصية وإن لم يحتمل نفذت في القدر الذي يحتمل وقيل لا تصح الوصية إلا في ثلثه وليس بشيء وتجوز الوصية بالمعدوم كالوصية بما تحمله الشجرة او الجارية وبالمجهول كالوصية بالأعيان الغائبة وبما لا يقدر على تسليمه كالطير
__________
1 - الرعاف: دم يخرج من الأنف: مختار الصحاح 247.
2 - الزخير: هو التنفس الشديد: مختار الصحاح 269.

(1/141)


الطائر والعبد الآبق وما لا يملكه كالوصية بألف درهم لا يملكه, وقيل ان لم يملك شيئا أصلا لم تصح وليس بشيء ويجوز تعليقها على شرط في الحياة وعلى شرط بعد الموت ويجوز بالمنافع والأعيان وما يجوز الإنتفاع به من النجاسات كالسماد والسرجين والكلب والزيت النجس, ولا يجوز بما لا يجوز الانتفاع به كالخمر والخنزير, وإن أوصى لأقارب فلان دفع إلى من يعرف بقرابته ويسوى بين الاقرب والأبعد منهم وإن وصى لأقرب الناس إليه لم يدفع الى الأبعد مع وجود الأقرب فإن اجتمع الأب والأبن قدم الابن في أحد القولين وسوى بينهما في الأخر, وإن اجتمع الجد والأخ قدم الأخ في أحد القولين وسوى بينهما في الآخر وإن وصى لجيرانه صرف إلى اربعين دارا من كل جانب, وان أوصى لفقراء بلد استحب ان يعمهم فإن اقتصر على ثلاثة منهم جاز وإن أوصى بالثلث لزيد وللفقراء فهو كأحدهم, وقيل يدفع إليه نصف الثلث وإن أوصى لحمل هذه المرأة دفع الى من يعلم انه كان موسر عند الوصية وان وصى للرقاب إلى المكاتبين او إن أوصى لسبيل الله صرف الى الغزاة من اهل الصدقات وإن وصى لعبد وقبل دفع إلى سيده وإن وصي بعتق عبد أعتق عنه ما يقع عليه الإسم وقيل لا يجزيه إلا ما يجزيء في الكفارة, وإن قال اعطوه رأسا من رقيقي ولا رقيق له عند الموت بطلب الوصية وإن قال اعطوه عبدا من مالي اشتري ودفع اليه وإن قال اعطوه رأسا من رقيق فماتوا كلهم أو قتلوا الا واحدا تعينت فيه الوصية, وإن قتلوا كلهم دفعت إليه قيمة أحدهم وان وصى له برقبة عبد دون منفعته اعطى الرقبة فإن أراد عقتها جاز وان أراد بيعها لم يجز وقيل يجوز وقيل إن اراد بيعها من مالك المنفعة جاز وان اراد بيعها من غيره لم يجز وفي نفقته وجهان أحدهما: على الموصى له بالرقبة والثاني: أنه على مالك المنفعة فإن قتل العبد اشترى بقيمته عبد يقوم مقامه, وقيل قيمته للموصى له بالرقبة وإن قال اعطوه ثورا لم يعط بقرة وإن قال اعطوه جملا لم يعط ناقة على المنصوص, وقيل يعطى وإن قال اعطوه دابة دفع إليه فرس أو بغل أو حمار على المنصوص وقيل إن قال هذا في غير مصر لم

(1/142)


يدفع إليه الا فرس وان قال أعطوه كلبا من كلابي وله ثلاثة أكلب دفع اليه واحد, وإن كان له كلب دفع إليه ثلثه وان قال اعطوه كلبا ولا كلب له بطلت الوصية, وان قال اعطوه طبلا أو عودا او مزمارا فإن كان ما يصلح منه للهو ويصلح لمنفعة مباحة دفع إليه, وإن قال اعطوه قوسا دفع إليه قوس ندف أو قوس رمي الاما يقرن به ما يدل على أحدهما فيحمل عليه, وان وصى بأن يحج عنه فإن كان ذلك من رأس المال حج عنه من الميقإت وان كان من الثلث فقد قيل يحج عنه من الميقات, وقيل إن كان قد صرح بأنه من الثلث حج من بلده وإن لم يصرح حج من الميقات وإن قال اعطوه جزأ من مالي أوسهما من مالي اعطي اقل جزء وإن قال اعطوه مثل نصيب أحد وراثي اعطي مثل نصيب اقلهم, وان قال اعطوه مثل نصيب ابني ولا وارث له غيره كانت الوصية بالنصف وان قال اعطوه ضعف نصيب ابني كانت الوصية بالثلثين, وإن قال ضعفي نصيب ابني كانت الوصية بثلاثة أرباعه, وإن قال اعطوه نصيب ابني فالوصية باطلة وقيل هو كما لو قال مثل نصيب ابني وإن وصى لرجل بالنصف وللآخر بالثلث, وأجاز الورثة اخذ كل منهما وصيته وإن لم يجيزوا كما كان للموصى له بالنصف ثلاثة أسهم من خمسة وللآخر سهمان من الثلث, وإن وصي بشيء رجع في وصيته صح الرجوع وإن وصي لزيد بجميع ماله أو بثلثه, أو بعبد ثم وصى بذلك لعمرو سوى بينهما وإن قال وصيت لعمرو بما وصيت به لزيد جعل ذلك رجوعا عن وصية زيد وان وصى لرجل بشيء ثم أزال الملك فيه ببيع أوهبه أو عرضه لزوال الملك بأن دبره, أو كاتبه أو عرضه على البيع أو وصي ببيعه كان ذلك رجوعا وإن وصى به ثم رهنه فقد قيل هو رجوع, وقيل ليس برجوع وإن آجره أو كانت جارية فزوجها لم يكن رجوعا, وإن وصى بشيء ثم أزال اسمه بان كان قمحا فطحنه أو دقيقا فعجنه أو عجينا فخبزه كان ذلك رجوعا, وان كان غزلا فنسجه أو نقرة فضربها دراهم أو ساجا فجعله بابا فقد قيل هو رجوع وقيل ليس برجوع وإن وصى بدار فانهدمت وبقيت عرصتها فقد قيل تبطل الوصية وقيل لا

(1/143)


تبطل وإن كان طعاما بعينه فخلطه بغيره كان رجوعا وإن كان قفيزا من صبرة فخلطه بأجود منه كان رجوعا وإن خلطه بمثله أو بما هو دونه لم يكن رجوعا.

(1/144)


باب العتق
العتق: قربة مندوب إليه ولا يصح الا من مطلق التصرف في ماله ويصح بالصريح والكناية وصريحه العتق والحرية والكناية قوله لا ملك لي عليك ولا سلطان لي عليك, ولا سبيل لي عليك وأنت لله وأنت طالق وأنت حرام وحبلك على غاربك وما أشبه ذلك وفي قوله فككت رقبتك وجهان أحدهما: أنه صريح والثاني أنه كناية ويقع العتق بالصريح من غير نية, ولا يقع بالكناية إلا بالنية ويجوز أن يعلق العتق عل الأخطار والصفات كمجيء الأمطار وهبوب الرياح وغير ذلك من الصفات وإذا علق العتق على صفة لم يملك الرجوع فيها بالقول ويملك بالتصرف بالبيع وغيره فإن باعه ثم اشراه لم تعد الصفة وإن علق العتق على صفة مطلقة فمات السيد بطلت الصفة وإن أتت الجارية التي علق عتقها على صفة بولد تبعها الولد في أحد القولين ولا يتبعها في الآخر وهو الأصح ويجوز العتق في العبد وفي بعضه فإن أعتق بعض عبده عتق جميعه وإن أعتق شركا له في عبد فإن كان معسرا عتق نصيبه ورق الباقي وإن كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه يوم العتق ومتى يعتق حصة الشريك فيه ثلاثة أقوال أحدها: يعتق في الحال فإن اختلفا في القيمة فالقول قول المعتق والثاني يعتق بدفع القيمة فإن اختلفا في القيمة فالقول قول الشريك والثالث أنه موقوف فإن دفع القيمة حكمنا بأنه عتق في الحال وإن لم يدفع حكمنا بأنه لم يعتق وإن كان المعتق موسرا ببعض القيمة,

(1/144)


عتق منه بقدره, وإن قال لغيره أعتق عبدك عني فاعتقه عنه دخل في ملك السائل, وعتق عليه وإن أعتق أحد عبديه أو إحدى أمتيه عين العتق فيمن شاء فإن مات قام وارثه مقامه, وقيل لا يقوم وليس بشيء فإن وطىء احدى الأمتين كان ذلك تعيينا للعتق في الأخرى, وقيل لا يكون تعيينا وان أعتق أحدهما بعينه ثم أشكل ترك حتى يتذكر فإن مات قام الوارث مقامه فإن قال الوارث لا أعرف اقرع بينهما في أحد القولين فمن خرجت عليه القرعة عتق ووقف الأمر في القول الآخر ومن ملك أحدا من الوالدين وإن علوا أو من المولودين وإن سفلوا عتق عليه فإن ملك بعضه فإن كان برضاه وهو موسر قوم عليه الباقي وعتق وإن كان بغير رضاه لم يقوم عليه ومن وجد من يعتق عليه مملوكا استحب له أن يتملكه ليعتق عليه وإن أوصى لمولى عليه بمن يعتق عليه وإن كان معسرا لزم الناظر في أمره أن يقبله وإن كان موسرا فإن كان ممن لا تلزمه نفقته وجب قبوله وإن كان ممن تلزمه نفقته لم يجب قبوله وإن وصى له ببعضه وهو معسر لزمه قبوله فإن كان موسرا وهو ممن تلزمه نفقته لم يجز القبول وإن لم تلزمه نفقته ففيه قولان أحدهما لا يجوز القبول والثاني يلزمه ولكن لا يقوم عليه.

(1/145)


باب التدبير
التدبير: قربة يعتبر من الثلث يصح من كل من يجوز تصرفه وفي الصبى المميز والمبذر قولان أحدهما: يصح تدبيره والثاني: لا يصح والتدبير أن يقول أنت حر بعد موتي أو إن مت من مرضي هذا, أو في هذا البلد فأنت حر فإن قال دبرتك أو أنت مدبر ففيه قولان, ويجوز أن يعلق التدبير على صفة بان يقول إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي ويجوز في بعض العبد, فإن دبر البعض لم يسر إلى الباقى وإن دبر شركا له في عبد لم يقوم عليه على ظاهر المذهب وقيل يقوم عليه وإن كان عبد بين اثنين فدبراه ثم أعتق أحدهما

(1/145)


نصيبه لم يقوم عليه نصيب شريكه في أصح القولين, ويقوم في الاخر ويجوز الرجوع في التدبير بالتصرف بالبيع وغيره وهل يجوز بالقول فيه قولان: أصحهما أنه لا يجوز فإن وهبه ولم يقبضه بطل التدبير وقيل لا يبطل وإن دبر جارية ثم أحبلها بطل التدبير, وإن كاتب عبدا ثم دبره صح التدبير فإن أدى المال عتق وبطل التدبير وإن لم يؤد حتى مات السيد عتق وبطلت الكتابة فإن لم يحتمل الثلث جميعه عتق الثلث وبقي ما زاد على الكتابة وإن دبر عبدا ثم كاتبه بطل التدبير في أحد القولين ولم يبطل في الآخر ويكون مدبرا مكاتبا فإن أتت المدبرة بولد من نكاح أو زنا لم يتبعها في أصح القولين ويتبعها في الآخر وإن دبر الكافر عبده الكافر فأسلم العبد فإن رجع في التدبير بيع عليه وإن لم يرجع لم يقر في يده فإن خارجه جاز وإن لم يخارجه سلم إلى عدل وينفق عليه إلى أن يرجع عن التدبير فيباع أو يموت فيعتق.

(1/146)


باب الكتابة
الكتابة: قربة تعتبر في الصحة من رأس المال, ومن الثلث في المرض ولا يجوز إلا من جائز التصرف في ماله ولا يجوز أن يكاتب إلا عبدا بالغا عاقلا ولا يستحب الا لمن عرف كسبه وأمانته ولا يجوز إلا على عوض في الذمة معلوم الصفة ولا يجوز على أقل من نجمين1 يعلم ما يؤدي في كل نجم فإن كاتبه على عمل ومال قدم العمل على المال وجعل المال في نجم بعده وان كاتبه على عملين ولم يذكر ما لا لم يجز ولا يصح حتى يقول كاتبتك على كذا فإن أديت فانت حر ولا تصح إلا بالقبول ولا يجوز عقدها على صفة مستقبلة ولا على شرط
__________
1 - نجمين: من نجمت المال إذا أديته نجوما وفي حديث سعد: والله لا أزيدك على أربعة الآف منجمة التنجيم الدين هو أن يقدر عطاؤه في أوقات معلومة متتابعة مشاهرة أو مساناة ومنه تنجيم المكاتب ونجوم الكتابة: لسان العرب 12: 570.

(1/146)


خيار ولا يجوز على بعض عبد الا أن يكون باقيه حرأ, وإن كان عبد بين اثنين فكاتبه أحدهما في نصيبه بغير إذن شريكه لم يجز وإن كان بإذنه ففيه قولان, وإن كاتباه لم يجز إلا على مال بينهما على قدر الملكين وعلى نجوم واحدة وللمكاتب أن يفسخ العقد متى شاء, وليس للسيد أن يفسخ إلا أن يعجز العبد المكاتب عن الأداء وإن مات العبد انفسخت الكتابة, وإن مات السيد لم تنفسخ وعلى السيد أن يحط عن المكاتب بعض ما عليه فإن لم يفعل حتى قبض المال رد عليه بعضه, ولا يعتق المكاتب ولا شيء منه ما بقي عليه درهم فإن كان عبد بين اثنين فكاتباه وأبرأه أحدهما عن حقه, أو مات فابرأه أحد الوارثين عن حقه عتق نصيبه وقوم عليه نصيب شريكه في أحد القولين, ولا يقوم في الآخر, ويملك المكاتب بالعقد منافعه وأكسابه وله أن يبيع ويشتري ويستأجر ويكري وهو مع السيد كالأجنبي مع الأجنبى في البيع, والشراء والأخذ بالشفعة وبذل المنافع وله أن يسافر في أحد القولين دون الآخر, ولا يتزوج إلا بإذن المولى ولا يحابى ولا يهب ولا يعتق ولا يكاتب ولا يضارب ولا يرهن, ولا يكفر بالطعام والكسوة ولا ينفق على أقاربه غير ولده من أمته ولا يشتري من يعتق عليه فإن أذن له السيد في شيء من ذلك ففيه قولان, وإن وصي له بمن يعتق عليه وله كسب يفي بنفقته جاز أن يقبل ويقف عتقه على عتقه وان أحبل جاريته فالولد مملوك يعتق بعتقه وفي الجارية قولان أحدهما: أنها تصير أم ولد له الثاني: لا تصير, وإن أتت المكاتبة بولد من نكاح أو زنا ففيه قولان أحدهما: أنه ملك للمولى يتصرف فيه والثاني: أنه موقوف على عتق الأم ولا يجوز للمولى بيع المكاتب في أصح القولين ولا بيع ما في ذمته في أصح القولين, ويجوز أن يوصي بما في ذمته فإن عجز عن أداء المال الى الموصى له كان للورثة فسخ الكتابة وإن كاتب أمة لم يملك تزويجها الا بإذنها ولا يجوز له وطؤها فإن وطئها لزمه المهر, وإن أحبلها صارت أم ولد له فإن أدت المال عتقت وصحبها كسبها وإن مات السيد قبل أن تؤدي عتقت بالإستيلاء, وعاد الكسب الى السيد وإن حبس المكاتب مدة لزمه أجرة المثل في

(1/147)


أحد القولين وتخليته مثل تلك المدة في القول الآخر وإن جنى عليه لزمه إرش الجناية وإن جنى المكاتب عليه جناية خطا فدى نفسه باقل الأمرين من قيمته أو إرش الجناية في أحد القولين وبإرش الجناية بالغا ما بلغ في الآخر فإن لم يفد نفسه كان للمولى أن يعجزه وان جنى على أجنبي فدى نفسه بأقل الأمرين من قيمته أو إرش الجناية فإن لم يفد بيع في الجناية وانفسخت الكتابة وإن كاتبه على عوض محرم أو شرط فاسد فسدت الكتابة وبقيت الصفة وللسيد فسخها فإن دفع المال قبل الفسخ الى الوكيل أو الوارث لم يعتق وإن دفعه الى المالك عتق ورجع المولى عليه بالقيمة ورجع هو على المولى بما دفع فإن كانا من جنس واحد سقط أحدهما بالاخر في أحد الأقوال ولا يسقط في الثانى ولا يسقط في الثالث إلا برضا أحدهما ولا يسقط في الرابع إلا برضاهما وإن وصى بالمكاتب وهولا يعلم بفساد الكتابة ففيه قولان: أحدهما يصح والثاني لا يصح وإن أسلم عبد لكافر أمر بازالة الملك فيه فإن كاتبه ففيه قولان: أحدهما يجوز والثاني لا يجوز.

(1/148)


باب عتق أم الولد
إذا وطىء جاريته أو جارية يملك بعضها فأولدها فالولد حر والجارية أم ولد له, وان أولد جارية ابنه فالولد حر وفي الجارية قولان أصحهما: أنها أم ولد له وإن أولد جارية أجنبي بنكاح أو زنا فالولد مملوك لصاحب الجارية ولا تصير الجارية أم ولد له وإن أولد جارية أجنبي بشبهة فالولد حر والجارية ليست بأم ولد له في الحال فإن ملكها ففيه قولان: أحدهما أنها تصير أم ولد له والثاني لا تصير وإن وطيء جاريته فوضعت ما لم يتصور فيه خلق آدمي فيشهد أربع من القوابل أنه لو ترك لكان آدميا ففيه قولان أحدهما أنها تصير أم ولد والثانى أنها لا تصير ولا يجوز بيع أم ولد ولا هبتها ولا الوصية بها ويجوز استخدامها وإجارتها ويجوز وطئها وفي تزويجها ثلاثة أقوال: أصحها

(1/148)


أنه لا يجوز له والثاني لا يجوز, والثالث يجوز له برضاها وتعتق أم الولد بموت السيد من رأس المال فإن جنت أم الولد فداها المولى بأقل الأمرين من قيمتها أو إرش الجناية فإن فداها بقيمتها ثم جنت جناية أخرى ففيه قولان: أحدههما يفديها في الثانية أيضا بأقل الأمرين والثاني أنه يشارك المجني عليه ثانيا المجنى عليه أولا فيما أخذ ويشتركان فيه على قدر الجنايتين وإن أسلمت أم ولد نصراني حيل بينه وبينها وأنفق عليها إلى أن يموت فتعتق.

(1/149)


باب الولاء
ومن عتق عليه مملوك بملك أو بإعتاقه أو بإعتاق غيره عنه بإذنه, أو بتدبيره أو بكتابته, أو بإستيلاده فولاؤه له, وإن أعتق على المكاتب عبد ففى ولائه قولان: أحدهما أنه لمولاه, والثاني أنه موقوف على عتقه فإن عتق فهو له وإن عجز نفسه فالولاء لولاه, وإن تزوج عبد لرجل بمعتقة لرجل فأتت منه بولد كان ولاء الولد لمعتق الأمة فإن أعتق أب الولد انجر الولاء من مولى الأم الى مولى الأب, وإن أعتق جده والأب مملوك فقد قيل لا ينجر من مولى الأم إلى مولى الجد, وقيل ينجر فإن أعتق الأب بعد ذلك انجر من مولى الجد إلى مولى الأب ومن ثبت له الولاء فمات انتقل ذلك إلى عصباته دون سائر الورثة يقدم الأقرب فالأقرب فإن كان له ابن وأب فالولاء للإبن وإن كان له أخ وأب فالولاء للأب وإن كان له أخ من الأب والأم وأخ من الأب فالولاء للأخ من الأب والأم وإن كان له أخ وجد فيه قولان: أحدهما الولاء للأخ والثاني بينهما وإن كان له إبن أخ وعم فالولاء لإبن الأخ وإن كان له عم وا بن عم فالولاء للعم وإن لم تكن له عصبة إنتقل إلى مواليه ثم إلى عصبتهم على ما ذكرت وإن أعتق عبدا ثم مات وترك ابنين ثم مات أحدهما وترك ابنا ثم مات العبد المعتق فما له للكبير من العصبة وهو ابن المولى دون ابن ابن المولى وإن مات ابنا بعده وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة ثم مات

(1/149)


العبد المعتق كان ماله بينهم على عددهم لكل ابن عشر ولا ترث النساء بالولاء إلا من أعتقن أوأعتق من أعتقن أو جرالولاء إليهن من أعتقن فإذا ماتت المرأة المعتقة انتقل حقها من الولاء إلى أقرب الناس إليها من عصاباتها على ما ذكرت.

(1/150)