التنبية في الفقه الشافعي

كتاب النفقات
باب نفقة الزوجات
ويجب على الرجل نفقة زوجته فإن كان موسرا لزمه مدان, من الحب المقتات في البلد وان كان معسرا لزمه مد وإن كان متوسطا لزمه مد ونصف فإن رضيت باخذ العوض جاز على ظاهر المذهب وقيل لا يجوز ويجب الأدم بقدر ما تحتاج اليه من أدم البلد ومن اللحم على حسب عادة البلد ويجب لها ما تحتاج إليه من الدهن للرأس والسدر والمشط ولا يجب عليه ثمن الطيب ولا أجرة الطبيب ولا شراء الادوية ويجب من الكسوة ما جرت العادة به فيجب لإمرأة الموسر من مرتفع ما تلبس نساء البلد ولإمرأة المعسر دون ذلك وأقل ما يجب قميص وسراويل ومقنعة, ومداس للرجل, فإن كان في الشتاء ضم اليه جبة, ويجب لإمرأة الموسر ملحفة وكساء تتغطى به ووسادة ومضربة محشوة بقطن الليل وزلية1 أو لبد تجلس عليه بالنهار ولإمرأة المعسر كساء أو قطيفة فإن اعطاها كسوة مدة وبليت قبلها لم يلزمه أبدالها وإن بقيت بعد المدة لزمه التجديد وقيل لا يلزمه والأول أصح ويجب تسليم النفقة إليها في أول النهار, فإن سلفها نفقة مدة فماتت قبل انقضائها رجع فيما بقي ويجب تسليم الكسوة في أول الفصل فإن اعطاها الكسوة ثم ماتت قبل انقضاء الفصل لم يرجع, وقيل يرجع والأول اصح, وإن تصرفت فيما اخذت من الكسوة ببيع أو غيره جاز وقيل لا يجوز ويجب لها سكنى مثلها فإن كانت المرأة ممن تخدم وجب لها خادم واحد فإن قال الزوج أنا اخدمها بنفسي لم
__________
1 - الزلية: بالكسر البساط جمع زلالي انظر قاموس المحيط: 3: 401.

(1/207)


يلزمها الرضى به وإن قالت: أنا اخدم نفسى وآخذ أجرة الخادم لم يلزمه الرضى به وتجب عليه نفقة الخادم وفطرته فإن كان موسرا لزمه للخادم مد وثلث من قوت البلد وأن كان معسرا أو متوسطا لزمه للخادم مد ويجب عليه أدمه من دون جنس أدم المرأة على المنصوص وقيل يلزمه من جنس أدمها ولا يجب للخادم الدهن والسدر والمشط ويجب لخادم امرأة الموسر من الكسوة قميص ومقنعة, وخف ولا يجب له سراويل ويجب له كساء غليظ أو قطيفة ووسادة, ولخادم امرأة المعسر عباءة أو فروة وتجب النفقة إذا سلمت نفسها إلى الزوج أو عرضت نفسها عليه وإن كانت صغيرة ففيه قولان: أصحهما أنه لا تجب لها وإن كان الزوج صغيرا وهي كبيرة ففيه قولان: اصحهما انها تجب وان كانت مريضة أو رتقاء أو كان الرجل عنينا وجبت النفقة, ولا تجب النفقة إلا بالتمكين التام فإن كانت أمة فسلمها السيد ليلا ونهارا وجبت نفقتها فإن سلمها ليلا ولم يسلم نهارا لم تلزمه نفقتها, وقيل يلزمه نصف النفقة وان كان الزوج غائبا وعرضت نفسها عليه ومضى زمان لو اراد المسير لكان قد وصل وجبت النفقة من حينئذ ولا تجب النفقة إلا يوما بيوم وقال في القديم تجب بالعقد إلا أنه لا يجب التسليم إلا بالتمكين يوما بيوم فلو ضمن عنه نفقة مدة معلومة جاز, وإن نشزت أو سافرت بغير إذنه أو أحرمت أو صامت تطوعا أو عن نذر في الذمة أو نذر يتعلق بزمان بعينه نذرته بعد النكاح بغير إذنه سقطت نفقتها, وإن سافرت بإذنه ففيه قولان وإن أسلم الزوج وهي في العدة لم تجب لها النفقة وإن أسلمت ففيه قولان: أصحهما أنه لا تستحق لما مضى وإن ارتدت سقطت نفقتها فإن أسلمت قبل انقضاء العدة فقد قيل لا تستحق وقيل على قولين وإن طلقها طلقة رجعية وجب لها النفقة والسكنى وإن طلقها طلاقا بائنا وجب لها السكنى, وأما النفقة فإن كانت حائلا لم تجب وان كانت حاملا وجبت ولمن تجب فيه قولان أحدهما لها والثاني للحمل ولا يجب إلا على من تجب عليه نفقة الولد وهل تدفع اليها يوما بيوم أولا يجب شيء منها حتى

(1/208)


تضع فيه قولان: وإن لاعنها ونفى حملها وجب لها السكنى دون النفقة وإن وطىء امرأة بشبهة لم يجب لها السكنى وفي النفقة قولان: وإن توفي عنها لم تجب لها النفقة في العدة وفي السكنى قولان: وإن اختلف الزوجان في قبض النفقة فالقول قولها وإن اختلفا في تسليمهها نفسها فالقول قوله وإن ترك الإنفاق عليها مدة صار دينا في ذمته وان تزوجت بمعسر أو بموسر فأعسر بالنققة فلها الخيار إن شاءت أقامت على النكاح وتجعل النفقة دينا عليه, وإن شاءت فسخت النكاح وإن اختارت المقام ثم عن لها أن تفسخ جاز وان اختارت الفسخ ففيه قولان: أحدهما الفسخ في الحال والثاني تفسخ بعد ثلاثة أيام وهو الاصح, وإن اعسر بنفقة الموسر أو المتوسط لم تفسخ ولم يصر ما زاد دينا في ذمته وإن اعسر بنفقة الخادم لم تفسخ ويصير ذلك دينا في ذمته, وان اعسر بالكسوة ثبت لها الفسخ وان اعسر بالأدم لم تفسخ وإن اعسر بالسكنى احتمل ان تفسخ واحتمل ان لا تفسخ وان كان الزوج عبدا وجبت النفقة في كسبه إن كان مكتسبا أو فيما في يده إن كان ماذونا له في التجارة وأن لم يكن مكتسبا ولا مأذونا له في التجارة ففيه قولان: أحدهما في ذمة السيد والثاني في ذمة العبد يتبع به إذا اعتق ولها ان تفسخ إذا شاءت.

(1/209)


باب نفقة الاقارب والرقيق والبهائم
يجب على الأولاد نفقة الوالدين وإن علوا ذكورا كانوا أو أناثا وعلى الوالدين نفقة الأولاد وإن سفلوا ذكورا, كانوا أو أناثا, وأما الوالدون فلا تجب نفقتهم إلا أن يكونوا فقراء زمني أو فقراء مجانين فإن كانوا فقراء أصحاء ففيه قولان: أصحهما انها لا تجب وأما الأولاد فلا تجب نفقتهم إلا أن يكونوا فقراء زمنى أو فقراء مجانين أو فقراء أطفالا فإن كانوا أصحاء بالغين لم تجب نفقتهم وقيل فيه قولان: ومن وجبت نفقته وجبت نفقة زوجته ولا تجب نفقة الاقارب على العبد ولا تجب على المكاتب إلا ان يكون له ولد من أمته فيجب عليه نفقته ولا تجب إلا على من فضل عن نفقته ونفقة

(1/209)


زوجته فإن كان له ما ينفق على واحد وله أب وأم فقد قيل الأم احق وقيل الأب احق وقيل يجعل بينهما وإن كان له أب وابن فقد قيل الابن أحق وقيل الأب أحق وإن كان له ابن وابن ابن فالإبن أحق وقيل يجعل بينهما وإن احتاج وله أب وجد موسران فالنفقة على الأب, وإن كان له أم وأم أم فالنفقة على الأم وإن كان له أب وأم أو جد وأم فالنفقة على الأب والجد, وإن كان له أم أب وأم أم فقد قيل هما سواء وقيل النفقة على أم الأب وإن مضت مدة ولم ينفق فيها على من تلزمه نفقته من الأقارب لم يصر دينا عليه وإن احتاج الوالد إلى النكاح وجب على الولد اعفافه على المنصوص وقيل فيه قول مخرج أنه لا يجب وإن احتاج الطفل إلى الرضاع وجب إرضاعه فإن كان أبواه على الزوجية فأرادت أمه ان ترضعه لم يمنعها الزوج وإن امتنعت من إرضاعه لم تجبر عليه وإن طلبت الأجرة فقد قيل يجوز استئجارها وقيل لا يجوز وإن كانت بائنا جاز استئجارها فإن طلبت أجرة المثل قدمت على الأجنبية وقيل ان كان للأب من ترضعه من غير أجرة ففيه قولان: أصحهما ان الأم أحق به ولا تجب اجرة الرضاع لما زاد على حولين ومن ملك عبدا أو أمة لزمه نفقتهما وكسوتهما فإن كانت الأمة للتسري فضلت على أمة الخدمة في الكسوة وقيل لا تفضل ويستحب ان يجلس الغلام الذي يلي طعامه معه, فإن لم يفعل اطعمه منه ولا يكلفه من الخدمة ما يضر به ويريحه في وقت القيلولة وفي وقت الاستمتاع إن كان له امرأة, وإن سافر به أركبه عقبة ولا يسترضع الجارية إلا بما يفضل عن ولدها إن مرضا انفق عليهما ومن ملك بهيمة وجب عليه القيام بعلفها ولا يحمل عليها ما يضر بها ولا يحلب من لبنها إلا ما يفضل عن ولدها, وان امتنع من عليه الانفاق على رقيقه أو بهيمة أجبر على ذلك فإن لم يكن له مال أكري1 عليه إن أمكن إكراؤه فإن لم يمكن بيع عليه, وإن كانت له أم ولد ولم يمكن إكراؤها ولا تزويجها فيحتمل أن تعتق عليه ويحتمل ان لا تعتق عليه.
__________
1 - يقال اكرى الدار فهي مكراة والبيت مكرى أي اجرها انظر مختار الصحاح: 565.

(1/210)


باب الحضانة
إذا تنازع النساء في حضانة الطفل قدمت الأم ثم أمهاتها الأقرب فالأقرب ثم أم الأب ثم أمهاتها ثم أم الجد ثم أمهاتها ولا حق لأم اب الأم ثم الأخت للأب والأم ثم الأخت للأب ثم الأخت للأم وقيل يقدم الأخت للأم على الأخت للأب والأول هو المنصوص ثم الخالة ثم العمة وقال في القديم الأم ثم أمهاتها ثم الأخوات ثم الخالة ثم أمهات الأب ثم أمهات الجد ثم العمة والأول أصح, وان اجتمع مع النساء رجال قدم الأم ثم امهاتها ثم الأب ثم أمهاته ثم الجد ثم أمهاته ثم الأخوات ثم الخالة ثم العمة على ظاهر النص وقيل يقدم الأخت للأب والأم والأخت للأم والخالة على الأب وهو الأظهر, وأما الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم فإنهم كالأب والجد في الحضانة يقدم الأقرب فالأقرب منهم على ترتيب الميراث على ظاهر النص وقيل لاحق لهم في الحضانة وإذا بلغ الصبي سبع سنين وهو يعقل خير بين الابوين, وإن اختار أحدهما سلم إليه وإن كان ابنا فاختار الام كان عندها بالليل وعند أبيه بالنهار وإن اختار الأب كان عنده بالليل والنهار ولا يمنع من زيارة امه ولا تمنع الأم من تمريضه إذا احتاج, وان كانت بنتا فاختارت الأب أو الأم كانت عنده بالليل والنهار ولا يمنع الآخر من زيارتها وعيادتها, وإن اختارت أحدهما ثم اختار الآخر حول إليه فإن عاد واختار الأول أعيد إليه وإن لم يكن له أب ولا جد وله عصبة غيرهما خير بين الأم وبينهم على ظاهر المذهب فإن كان العصبة ابن عم لم يسلم إليه البنت, وقيل لاحق لغير الآباء والأجداد في الحضانة وان وجبت للأم الحضانة فامتنعت لم تجبر وتنتقل إلى أمها وقيل تنتقل إلى الأب ولاحق في الحضانة لأب الأم ولا لأمهاته ولا لرقيق ولا فاسق ولا كافر على مسلم وقيل للكافر

(1/211)


حق ولا حق للمرأة إذا نكحت حتى تطلق إلا أن يكون زوجها جد الطفل, وإن أراد الأب أو الجد الخروج إلى بلد تقصر اليه الصلاة بنية المقام والطريق آمن وأرادت الأم الإقامة كان الأب أو الجد أحق به والعصبة من بعده واذا بلغ الغلام ولي أمر نفسه وان بلغت الجارية كانت عند احدهما حتى تزوج ومن بلغ منهما معتوها كان عند الأم.

(1/212)