الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

بَابُ صَدَقَةِ الذَّهَبِ وَقَدْرِ مَا لَا تَجِبُ فيه الزكاة
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ولا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا فِي أَنْ لَيْسَ فِي الذَّهَبِ صَدَقَةٌ حَتَى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالَا جَيِّدًا كَانَ أَوْ رَدِيئًا أَوْ إِنَاءً أَوْ تِبْرًا فَإِنْ نَقَصَتْ حبةٌ أَوْ أَقَلُّ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا صَدَقَةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ زَكَاةِ الْوَرِقِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ الذهب، مع أن الإجماع على وجوب زكاة الذهب، مُنْعَقِدٌ، وَنِصَابُهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا، الْوَاجِبُ فِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ، فَإِنْ نَقَصَتْ عَنِ الْعِشْرِينَ وَلَوْ حَبَّةً فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَلَوْ حَبَّةً وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة: وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَا شَيْءَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا فَيَجِبُ فِيهِ مِثْقَالٌ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الزَّكَوَاتِ اسْتِفْتَاحُ فَرْضٍ بِكَسْرٍ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ نِصَابُ الذَّهَبِ مُعْتَبَرٌ بِقِيمَتِهِ مِنَ الْوَرِقِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَقَلُّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ فَفِيهَا الزَّكَاةُ، قَالَ لِأَنَّ الْوَرِقَ أَصْلٌ وَالذَّهَبَ فَرْعٌ، فَاعْتُبِرَ نِصَابُهُ بِأَصْلِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ نَقَصَتْ عَنِ الْعِشْرِينَ حَبَّةً وَجَازَتْ جَوَازَ الْوَازِنَةِ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ كَقَوْلِهِ فِي الْوَرِقِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِنْ نَقَصَتْ رُبُعَ مِثْقَالٍ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ مِثْقَالٍ لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَصِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ رِوَايَةُ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " لَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنَ الذَّهَبِ شيءٌ، فَإِذَا بَلَغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِيهِ نِصْفُ دِينَارٍ " وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " ليس فيما دون خمس ذودٍ من الْإِبِلِ صدقةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنَ الذَّهَبِ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ درهم من الورق صدقة " لأن ذَلِكَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مُخَالِفٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي الذَّهَبِ خَبَرٌ ثَابِتٌ، لَكِنْ لَمَّا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا جَازَ الاحتجاج بها.

(3/267)


فَصْلٌ
: فَإِذَا بَلَغَ الذَّهَبُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا بِمَثَاقِيلِ الْإِسْلَامِ الَّتِي وَزْنُ كُلِّ سَبْعَةٍ مِنْهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مِنْ دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ، فَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَفِيمَا زاد عليها بِحِسَابِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الذَّهَبُ جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا أَوْ إِنَاءً أَوْ تِبْرًا أَوْ دَنَانِيرَ مَضْرُوبَةً إذا كان جميعها ذَهَبًا وَاسْمُ الْجِنْسِ عَلَيْهَا مُنْطَلِقًا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِجِنْسِهِ لَا بِوَصْفِهِ كَالْوَرِقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ: قال الشافعي رضي الله عنه: " لو كَانَتْ لَهُ مَعَهَا خَمْسُ أواقٍ فِضَةً إِلَّا قِيرَاطًا أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا زكاةٌ وَإِذَا لَمْ يُجْمَعِ التَّمْرُ إِلَى الزَّبِيبِ وَهُمَا يُخْرَصَانِ وَيُعْشَرَانِ وَهُمَا حُلْوَانِ مَعًا وَأَشَدُّ تَقَارُبًا فِي الثَّمَنِ وَالْخِلْقَةِ وَالْوَزْنِ مِنَ الذَّهَبِ إِلَى الْوَرِقِ فَكَيْفَ يَجْمَعُ جَامِعٌ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ؟ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَنَّهُ قَالَ " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أواقٍ صَدَقَةٌ " فَأَخَذَهَا فِي أَقَلَّ فَإِنْ قَالَ ضَمَمْتُ إِلَيْهَا غَيْرَهَا قِيلَ تَضُمُّ إِلَيْهَا بَقَرًا فَإِنْ قَالَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا قِيلَ وَكَذَلِكَ فَالذَّهَبُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْوَرِقِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:
إِذَا كَانَ مَعَهُ أَقَلُّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا وَلَوْ بِقِيرَاطٍ وَأَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلَوْ بِقِيرَاطٍ لَمْ يُضَمَّا وَلَا زَكَاةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ، والْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وأبو حنيفة، وَصَاحِبَاهُ يَضُمُّ الذَّهَبَ إِلَى الْوَرِقِ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ضَمِّهِ فَقَالَ مَالِكٌ: يَضُمُّ بِالْعَدَدِ فَيَجْعَلُ كُلَّ عِشَرَةٍ بِدِينَارٍ فَإِذَا كَانَ لَهُ عشر دنانير مائة دِرْهَمٍ ضَمَّهَا وَزَكَّى، سَوَاءٌ كَانَتِ الْعَشَرَةُ تُسَاوِي مِائَةً وَالْمِائَةُ تُسَاوِي عَشَرَةً أَمْ لَا.
وَقَالَ أبو حنيفة: تُضَمُّ بِالْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ تُسَاوِي مِائَةً ضَمَّهَا وَزَكَّى إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ أَحْوَطَ لِلْمَسَاكِينِ فيأخذ به.
واستدلوا على جواز الضم {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ) {التوبة: 34) الْآيَةَ فَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ثُمَّ قَالَ: {وَلاَ يُنْفِقُونَهَا} (التوبة: 34) وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَيْهَا فَلَوْ لَمْ يَكُونَا فِي الزَّكَاةِ وَاحِدًا لَكَانَتْ هَذِهِ الْكِنَايَةُ رَاجِعَةً إِلَيْهِمَا بِلَفْظَةِ التَّثْنِيَةِ فَيَقُولُ وَلَا يُنْفِقُونَهُمَا فَلَمَّا كَنَّى عَنْهُمَا بِلَفْظِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَهُمَا في الزكاة واحد، ويقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي الرِّقَّةِ رَبُعُ الْعُشْرِ " وَالرِّقَّةُ اسْمٌ يَجْمَعُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا فِي كَوْنِهِمَا أَثْمَانًا وَقِيَمًا وَإِنْ قَدَّرَ زَكَاتَهُمَا رُبُعَ الْعُشْرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا فِي وُجُوبِ ضَمِّ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ كأجناس الفضة

(3/268)


وَالذَّهَبِ، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ أَِنْ قَالُوا إِنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَالْقِيَمِ فَوَجَبَ أَنْ يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ كَأَجْنَاسِ الْفِضَّةِ وَأَجْنَاسِ الذَّهَبِ.
وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال " ليس فيما دون خمسٍ ذودٍ من الْإِبِلِ صدقةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنَ الذَّهَبِ صدقةٌ وَلَا فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ درهمٍ مِنَ الورقِ صدقةٌ " فَكَانَ نَصُّ هَذَا الْحَدِيثِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا نَقَصَ عَنِ النِّصَابِ وَدَالًّا عَلَى بُطْلَانِ الضَّمِّ، وَلِأَنَّهُمَا ما لان نِصَابُهُمَا مُخْتَلِفٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَلِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِمَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَلِأَنَّ مَا اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ مَعَ غَيْرِهِ اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ وَإِنِ انْفَرَدَتْ عَنْ غَيْرِهِ كَعُرُوضِ التِّجَارَاتِ، وَمَا لَمْ تُعْتَبَرْ قِيمَتُهُ مُنْفَرِدًا لَمْ تُعْتَبَرْ قِيمَتُهُ مَعَ غَيْرِهِ كَالْمَوَاشِي، فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا لَا غَيْرَ لَمْ تعتبر قيمتها وإن بلغت نصاباً، وهذا الاعتلال يَتَحَرَّرُ مِنِ اعْتِلَالِهِ قِيَاسَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ نَقُولَ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِانْفِرَادِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ [مَعَ غَيْرِهِ كَالْمَوَاشِي] .
وَالثَّانِي: أَنْ نَقُولَ لِأَنَّهُ مَالٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ فَلَمْ يَجِبِ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ كَالْمُنْفَرِدِ.
الْجَوَابُ: أَمَّا الْآيَةُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهَا، لِأَنَّهُ إِنْ جَعَلَهَا دَلِيلًا عَلَى تَسَاوِي حُكْمِهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمْ يَصِحَّ لِاخْتِلَافِ نَصِّهَا، وَإِنْ جعلها دليلاً على تساوي حكمها مِنْ وَجْهٍ قُلْنَا بِمُوجِبِهَا وَسَوَّيْنَا بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِمَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي " الرِّقَّةِ رُبُعُ الْعُشْرِ " فَهُوَ اسْمٌ لِلْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ عَلَى قَوْلِ ثَعْلَبٍ وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ إِبَانَةُ قَدْرِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْدَلَ بِهِ عَمَّا قُصِدَ لَهُ ولو جاز ضمهما، لأن الاسم يَجْمَعُهُمَا لَجَازَ ضَمُّ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ لِأَنَّ اسْمَ الماشية يجمعها، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى أَجْنَاسِ الْفِضَّةِ وَأَجْنَاسِ الذَّهَبِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْفِضَّةَ جِنْسٌ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ، فَلِذَلِكَ ضُمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَيْسَ الذَّهَبُ مِنْ جِنْسِهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهَا والله أعلم.

مسالة: قال الشافعي رضي الله عنه: " ولا يجب عَلَى رجلٍ زكاةٌ فِي ذهبٍ حَتَى يَكُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالَا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ، فَإِنْ نقصت شيئاً ثم تمت عشرين مثقالاً فى زكاة فيها حتى تستقبل بِهَا حَوْلًا مِنَ يَوْمِ تَمَّتْ عِشْرِينَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.

(3/269)


كُلُّ مَالٍ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَجَبَ اعْتِبَارُ نِصَابِهِ فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ، فَإِذَا كَانَ مَعَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا نَقَصَتْ قِيرَاطًا ثُمَّ تَمَّتْ، أَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ نَقَصَتْ دِرْهَمًا ثُمَّ تَمَّتْ، أَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ نَقَصَتْ شَاةً ثُمَّ تَمَّتِ اسْتَأْنَفَ لِجَمِيعِهَا الْحَوْلَ مِنْ حِينِ تَمَّتْ نِصَابًا، وَيَبْطُلُ حُكْمُ مَا مَضَى مِنْ حَوْلِهَا.
وَقَالَ أبو حنيفة: النِّصَابُ مُعْتَبَرٌ فِي طَرَفَيِ الْحَوْلِ وَلَا اعْتِبَارَ لِنُقْصَانِهِ فِي أَثْنَائِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: النِّصَابُ مُعْتَبَرٌ فِي آخِرِ الْحَوْلِ دُونَ أَوَّلِهِ وَأَثْنَائِهِ احْتِجَاجًا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْوَرِقِ " فَإِذَا بَلَغَتِ خَمْسَ أَوَاقٍ فَفِيهَا الصَّدَقَةُ " فََجَعَلَ كَمَالَ النِّصَابِ غَايَةً لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَلِأَنَّهُ مَالٌ كَمُلَ نِصَابُهُ فِي طَرَفَيِ الْحَوْلِ فَلَمْ يَكُنْ نُقْصَانُهُ فِي أَثْنَائِهِ مُسْقِطًا لِزَكَاتِهِ كَعُرُوضِ التِّجَارَاتِ إِذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ تَمَّتْ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لا زكاة في مالٍ حتى يحول عليه الْحَوْلُ " وَالْمَالُ الَّذِي كَمُلَ بِهِ النِّصَابُ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ لَمْ تَجِبْ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ حُكْمَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ وَاحِدٌ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ نَقَصَ نِصَابُهُ عَنْ حَوْلِهِ فَاقْتَضَى سُقُوطَ زَكَاتِهِ قِيَاسًا عَلَى نُقْصَانِهِ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ حَوْلِهِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ لَا تُعْتَبَرُ زَكَاةُ قِيمَتِهِ انْقَطَعَ نِصَابُهُ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، قِيَاسًا عَلَى تَلَفِ جَمِيعِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَاسْتِفَادَةِ مِثْلِهِ، وَلِأَنَّ النِّصَابَ شَرْطٌ فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي استدامته كالجزية وَالْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ مَا اعْتُبِرَ فِي طَرَفَيِ الْحَوْلِ اعْتُبِرَ فِي وَسَطِهِ كَالسَّوْمِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ فَهُوَ أَنْ يُقَالَ الْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ قَدْرِ النِّصَابِ، وَاعْتِبَارُ الْحَوْلِ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ " لا زكاة على مال حتى يحول عليه الحول " فلم يكن فيه دلالة عَلَى عُرُوضِ التِّجَارَاتِ، فَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي قِيمَتِهَا، وَفِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مَشَقَّةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ، لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي اعْتِبَارِ كَمَالِهِ فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ، وَلِأَنَّ عَرَضَ التِّجَارَةِ لَوْ بَاعَهُ بِعَرَضِ التِّجَارَةِ بَنَى عَلَى حوله فكذلك لم يعتبر كمال نِصَابِهِ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِ، وَلَوْ بَاعَ إِبِلًا ببقر لم يبن واستأنف بها الحول، فكذلك اعْتُبِرَ كَمَالُ نِصَابِهَا فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهَا وَاللَّهُ أعلم.

(3/270)


باب زكاة الحلي
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " أَخْبَرَنَا مالكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أبيه عن عائشة أنَهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتَ أَخِيهَا أَيْتَامًا فِي حجرها فلا تخرج منه زكاة وروي عن ابن عمر أنه كان يحلي بناته وجواربه ذهباً ثم لا يخرج زكاته (قال) ويروى عن عمر وعبد الله ابن عمرو بن العاص أن في الحلي الزكاة وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْحُلِيُّ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ ذَهَبًا وَفِضَّةً.
وَالثَّانِي: مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْجَوَاهِرِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ فَهَذَا لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَمَا كَانَ ذَهَبًا وَفِضَّةً ضَرْبَانِ: مَحْظُورٌ وَمُبَاحٌ وَنَذْكُرُ تَفْصِيلَهُمَا، فَالْمَحْظُورُ زَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ، وَالْمُبَاحُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِهِ أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وعبد الله بن عمرو بْنُ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وأبو حنيفة وَصَاحِبَاهُ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ الزَّكَاةَ بَعْدَ الظواهر هي الْعَامَّةُ بِرِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ يَا رسول الله أكنز هي؟ فقال ما بلغت زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بكنزٍ ".

(3/271)


وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فقالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وفي يدي فتحاتٌ مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ فَقُلْتُ: صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فقال أتودين زكاتهن؟ فقلت: لا قال: فهو حسبك من النار قال الأصمعي الفتحات الْخَوَاتِيمُ وَأَنْشَدَ:
(إِنْ لَمْ أُقَاتِلْ فَاكْسُوَانِي بُرْقُعًا ... وفتحاتٍ فِي الْيَدَيْنِ أَرْبَعَا)

وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَمَنِ أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومعها بنت لها، وفي يدها مسكتان غليظتان مِنْ ذهبٍ، فَقَالَ لَهَا أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ فَقَالَتْ لَا فَقَالَ أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نارٍ، قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا وَأَلْقَتْهُمَا وَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَرُوِيَ أَنَّ زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي حُلِيًّا وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ، وَإِنْ فِي حِجْرِي بنت أخٍ لِي، أَفَيَجْزِينِي أَنْ أَجْعَلَ زَكَاةَ حُلِيِّ فيهم قال نعم فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ فَلَكِ فِي ذَلِكَ أَجْرَانِ.
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقالت هذا حليي وَهُوَ سَبْعُونَ دِينَارًا فَخُذْ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دِينَارًا أَوْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ دِينَارٍ، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَى امْرَأَةً تطوفُ بِالْبَيْتِ وَعَلَيْهَا مَنَاجِدُ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: يَسُرُّكِ أَنْ يُحَلِّيكِ اللَّهُ مَنَاجِدَ مِنْ نَارٍ؟ قَالَتْ لَا، قَالَ فَأَدِّي زَكَاتَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَنَاجِدُ الْحُلِيُّ الْمُكَلَّلُ بِالْفُصُوصِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ فَوَجَبَ أَنْ تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ
وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ مِنْهُ وَهُوَ أَظْهَرُ الْمَذْهَبَيْنِ وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ بِرِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ " وَرَوَى

(3/272)


أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مِثْلَهُ وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ وَرَوَتْ فُرَيْعَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَامَةَ قَالَتْ حَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رِعَاثًا وَحَلَّى أُخْتِي، وَكُنَّا فِي حِجْرِهِ، فَمَا أَخَذَ مِنَّا زَكَاةَ حُلِيٍّ قَطُّ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الرِّعَاثُ جَمْعُ رِعْثَةٍ وَهُوَ الْقُرْطُ، وَقَالَ النمر بن تولب:
(وكل عليل عليه الرعاث ... والخيلات ضعيفٌ ملق)

والخيلات: كُلُّ مَا تَزَيَّنَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ جِنْسِ الْحُلِيِّ وَلِأَنَّهُ جِنْسُ مَالٍ تَجِبُ زَكَاتُهُ بِشَرْطَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَنَوَّعَ نَوْعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَجِبُ فِيهِ.
وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ فِيهِ كَالْمَوَاشِي الَّتِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي سَائِمَتِهَا وَتَسْقُطُ فِي الْمَعْلُوفَةِ مِنْهَا، ولأنه مبدل فِي مُبَاحٍ فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ زَكَاتُهُ كَالْأَثَاثِ وَالْقُمَاشِ، وَلِأَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنِ النَّمَاءِ السَّائِغِ إِلَى اسْتِعْمَالٍ سَائِغٍ، فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ زَكَاتُهُ كَالْإِبِلِ الْعَوَامِلِ، وَلِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلْقُنْيَةِ كَالْعَقَارِ، وَلِأَنَّهُ حُلِيٌّ مُبَاحٌ كَاللُّؤْلُؤِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَخْبَارِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مُتَقَدِّمِ الْأَمْرِ حِينَ كَانَ الْحُلِيُّ مَحْظُورًا، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَظَرَهُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي حَالِ الشِّدَّةِ وَالضِّيقِ، وَأَبَاحَهُ فِي حَالِ السَّعَةِ وَتَكَاثُرِ الْفُتُوحِ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا رَوَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَقَلَّدَتْ قِلَادَةً مِنْ ذَهَبٍ قُلِّدَتْ فِي عُنُقِهَا مِثْلَهُ مِنَ النَّارِ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّقَ حَبِيبَهُ حَلْقَةً مِنْ نارٍ فَلْيُحَلِّقْهُ حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَوِّقَ حَبِيبَهُ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَلْيُطَوِّقَهُ طَوْقًا مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ حَبِيبَهُ سِوَارًا مِنْ نارٍ فَلْيُسَوِّرْهُ سِوَارًا مِنْ ذَهَبٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ زَكَاتَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى إِعَارَتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ زَكَاةُ الْحُلِيِّ

(3/273)


إعارته على أنها قضايا في أعيان يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِهَا عَلَى حُلِيٍّ مَحْظُورٍ أَوْ لِلتِّجَارَةِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ على الدراهم والدنانير فالمعنى فيها إِرْصَادُهُمَا لِلنَّمَاءِ فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ زَكَاتُهُمَا، وَالْحُلِيُّ غَيْرُ مُرْصَدٍ لِلنَّمَاءِ فَلَمْ تَجِبْ زَكَاتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ عُرُوضَ التِّجَارَةِ لَمَّا أُرْصِدَتْ لِلنَّمَاءِ وَجَبَتْ زكاتها، ولو أعدت للقينة ولم ترصد للنماء وجبت زكاتها، وكذا الحلي والله أعلم.

مسالة: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَمَنْ قَالَ فِيهِ الزَكَاةُ زَكَّى خَاتَمَهُ وَحِلْيَةَ سَيْفِهِ وَمِنْطَقَتَهُ وَمُصْحَفَهُ وَمَنْ قَالَ لَا زَكَاةَ فيه قال لا زكاة في خاتمه ولا حلية سيفه ولا منطقته إذا كانت من ورقٍ فإن اتخذه من ذهب أو اتخذ لنفسه حلي امرأةٍ ففيه الزكاة وللمرأة أن تحلى ذهباً أو ورقاً ولا أجعل في حليها زكاة ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْحُلِيِّ مَحْظُورًا فَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ، وَمَا كَانَ مِنْهُ مُبَاحًا فَفِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ قَوْلَانِ، وَنَحْنُ الآن نذكر الْمُبَاحَ مِنَ الْمَحْظُورِ، وَالْمُبَاحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهُمَا: مَا أُبِيحُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ.
وَالثَّانِي: مَا أُبِيحُ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ.
وَالثَّالِثُ: مَا أُبِيحُ لَهُمَا، فَأَمَّا الْمُبَاحُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فَحِلْيَةُ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةُ بِالْفِضَّةِ دُونَ الذَّهَبِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ لِسَيْفِهِ قَبِيعَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ غَيْظًا لِلْمُشْرِكِينَ وَإِعْزَازًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا حِلْيَةُ الدِّرْعِ وَالْجَوْشَنِ بِالْفِضَّةِ دُونَ الذَّهَبِ، فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ وَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ: فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ كَانَ مَحْظُورًا وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ، فَأَمَّا حِلْيَةُ اللِّجَامِ بِالْفِضَّةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَحْظُورٌ وَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو إِسْحَاقَ، لِأَنَّهُ حِلْيَةٌ لِفَرَسِهِ لَا لِنَفْسِهِ.
وَالثَّانِي: مُبَاحٌ كَالسَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَمَلٌ فِي أَنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَقِيلَ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ الْجَمَلُ لِأَبِي جَهْلٍ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ غَيْظًا لِلْمُشْرِكِينَ، فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فَإِنِ اتَّخَذَهُ النِّسَاءُ كَانَ مَحْظُورًا وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ.

(3/274)


فَصْلٌ: وَأَمَّا الْمُبَاحُ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ فَالْخَلَاخِلُ، وَالدَّمَالِجُ، وَالْأَطْوَاقُ وَالْأَسْوِرَةُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بلبسه، وأما المباح فَإِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِهِ كَانَ مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَمْ تَجْرِ عادة النساء مِمَّا يَلْبَسُهُ عُظَمَاءُ الْفُرْسِ كَانَ مَحْظُورًا، فَأَمَّا الثِّيَابُ الْمُثْقَلَةُ بِالذَّهَبِ الْمَنْسُوجَةُ بِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُنَّ كَالْحُلِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِنَّ لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْإِسْرَافِ وَعِظَمِ الْخُيَلَاءِ فَأَمَّا تَعَاوِيذُ الذَّهَبِ فَمُبَاحٌ لَهُنَّ، فَأَمَّا نِعَالُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَمَحْظُورَةٌ، وَكُلُّ مَا أبحناهن مِنْ ذَلِكَ فَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ، فَإِنِ اتَّخَذَهُ الرِّجَالُ لِلتَّحَلِّي بِهِ كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِمْ وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ، وَلَكِنْ فِي تَحْلِيَةِ الصِّبْيَانِ بِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَحْظُورٌ فَعَلَى هَذَا فِيهِ الزَّكَاةُ.
وَالثَّانِي: مُبَاحٌ فَعَلَى هَذَا فِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ.
فَصْلٌ
: وَأَمَّا الْمُبَاحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَخَوَاتِمُ الْفِضَّةِ وَحِلْيَةُ المصحف، فَأَمَّا حِلْيَتُهُ بِالذَّهَبِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا مُبَاحٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْظَامِ الْقُرْآنِ.
وَالثَّانِي: مَحْظُورٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَأَمَّا حِلْيَةُ عَلَاقَةِ الْمُصْحَفِ بِالذَّهَبِ فَمَحْظُورٌ لَا يَخْتَلِفُ، وَيَجُوزُ لِلْأَجْدَعِ مِنَ الرِّجَالِ والنساء من أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَقَدْ رُوِيَ أنَ عَرْفَجَةَ بْنَ أسعدٍ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاتَّخَذَ أَنْفًا من فضةٍ فأنتن عليه، فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذهبٍ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يَشُدَّا أَسْنَانَهُمَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا نُظِرَ، فَإِنْ نَشِبَ فِي الْعُضْوِ وَتَرَاكَبَ عَلَيْهِ اللَّحْمُ صَارَ كَالْمُسْتَهْلَكِ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ نَزْعُهُ وَرَدُّهُ فَزَكَاتُهُ عَلَى قولين.

مسالة: قال الشافعي رضي الله عنه: " فإن اتَّخَذَ رجلٌ أَوِ امْرَأَةٌ إِنَاءً مِنْ ذهبٍ أَوْ ورقٍ زَكَّيَاهُ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّخَاذُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: اتِّخَاذُ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرَامٌ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنِ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلِمَا فيه من الترف وَالْخُيَلَاءِ، وَإِنَّهُ مِنْ زِيِّ الْأَكَاسِرَةِ وَالْأَعَاجِمِ وَقَدْ قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " وَإِذَا

(3/275)


كان محظوراً فزكاته واجبة، فأما اتخاذها لِلِادِّخَارِ لَا لِلِاسْتِعْمَالِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ مَضَيَا.
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ مِنْهُمَا: أَنَّهُ مَحْظُورٌ، لِأَنَّ ادِّخَارَهُ يَدْعُو إِلَى اسْتِعْمَالِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مُبَاحٌ، لِأَنَّ النَّهْيَ تَوَجَّهَ إِلَى الِاسْتِعْمَالِ وَمَا سِوَاهُ مُبَاحٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَعَلَى الثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ فَأَمَّا تَعْلِيقُ قَنَادِيلِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فِي الْكَعْبَةِ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَتَمْوِيهِهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مُبَاحٌ كَمَا أُبِيحُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِالدِّيبَاجِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا، وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا لِلدِّينِ وَإِعْزَازًا لِلْمُسْلِمِينَ فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ ذَلِكَ وَقْفًا لِلْكَعْبَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِرَبِّهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَحْظُورٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، لِأَنَّهُ لَمْ تَرِدْ بِهِ السُّنَّةُ وَلَا عَمِلَ بِهِ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ وَقْفًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمَالِكٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِرَبِّهِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ.

فَصْلٌ
: فَأَمَّا الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ فَمَحْظُورٌ وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ، وَأَمَّا الْمُضَبَّبُ بِالْفِضَّةِ فإن كان يسير الحاجة كحلقة أو زرة كان مباحاً، قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَصْعَةٌ فِيهَا حَلْقَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَزَكَاتُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مَحْظُورٌ تَجِبُ زَكَاتُهُ، وَكَذَا لَوِ اتَّخَذَ مَيْلًا أَوْ مُكْحُلًا أَوْ مُدْهُنًا أَوْ مُسْعُطًا مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ كَانَ مَحْظُورًا وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ، إِلَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْمَيْلَ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي لِجَلَاءِ عَيْنِهِ فَيَكُونُ مُبَاحًا، كَمَا لَوِ اسْتَعْمَلَ الذَّهَبَ لَرَبْطِ أَسْنَانِهِ فيكون في زكاته قولان:

مسالة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " فَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ أَلْفًا وَقِيمَتُهُ مَصُوغًا أَلْفَيْنِ فَإِنَّمَا زَكَاتُهُ عَلَى وَزْنِهِ لَا عَلَى قِيمَتِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْأَوَانِي الْمُحَرَّمَةُ فَزَكَاتُهَا عَلَى وَزْنِهَا لَا عَلَى قِيمَتِهَا، فَإِذَا كَانَ وَزْنُ الْإِنَاءِ أَلْفًا وَقِيمَتُهُ لِصَنْعَتِهِ أَلْفَيْنِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ ألف اعتباراً بوزنه، وسواء كسر الإناء وأخذ زَكَاتُهُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أَخْرَجَ عَنْهُ الزَّكَاةُ مَنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمَصُوغُ فَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا فَزَكَاتُهُ عَلَى وَزْنِهِ لَا عَلَى قِيمَتِهِ كَالْأَوَانِي، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا وَزْنُهُ أَلْفٌ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ نعتبر الصنعة ونوجب الزكاة شائعة في جملته ثم يتبع قَدْرَ الزَّكَاةِ فِيهِ مَشَاعًا، إِلَّا أَنْ يُعْطِيَ المالك قيمة الزكاة ذهباً أو يعطي من هَذَا الْأَلْفِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا مَصُوغَةً تُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا، فَإِنْ أَعْطَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا قَالَ: لا يجوز، وإن أَرَادَ الْمَالِكُ كَسْرَ

(3/276)


حُلِّيِّهِ وَإِخْرَاجَ زَكَاتِهِ مِنْ عَيْنِهِ مُنِعَهُ، لِأَنَّ فِيهِ إِتْلَافَ مَا اعْتَبَرَهُ مِنَ الصَّنْعَةِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ عِنْدِي غَلَطٌ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ إِذَا وَجَبَتْ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ لَا فِي قِيمَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَزْنُ الْحُلِيِّ مِائَةً وَقِيمَتُهُ لِصَنْعَتِهِ مِائَتَانِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، لِأَنَّ وَزْنَهُ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا، وَإِذَا وَجَبَتْ زَكَاةُ الْحُلِيِّ فِي عَيْنِهِ لَمْ يَجِبِ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ، وَلِأَنَّ زِيَادَةَ الْقِيمَةِ فِي مُقَابَلَةِ الصَّنْعَةِ، وَلَيْسَتِ الصَّنْعَةُ عَيْنًا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَلَمْ يَجُزِ اعْتِبَارُهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ اعْتِبَارُ الصَّنْعَةِ لَوَجَبَ الْمُطَالَبَةُ بِزَكَاةِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ حَتَّى إِذَا كَانَ وَزْنُهُ أَلْفًا وَقِيمَتُهُ أَلْفًا طُولِبَ بِزَكَاةِ أَلْفَيْنِ، فَإِنْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: لَسْتُ أَجْعَلُ الصَّنْعَةَ عَيْنًا وَإِنَّمَا أَجْعَلُهَا مِنْ صِفَاتِ الْعَيْنِ وَأَجْعَلُ الزَّكَاةَ فِي الْعَيْنِ عَلَى مَثَلِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ كَمَا أَقُولُ فِي الدَّنَانِيرِ الْمَضْرُوبَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا عَلَى مِثْلِ صِفَتِهَا وَضَرْبِهَا، فَإِنْ دَفَعَ ذَهَبًا خَالِصًا غَيْرَ مَضْرُوبٍ مِثْلَ ذَهَبِ الدَّنَانِيرِ الْمَضْرُوبَةِ لَمْ يَجُزْ، فَكَذَا فِي الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ تَجِبُ زَكَاتُهُ فِي عَيْنِهِ عَلَى مِثْلِ صِفَتِهِ فِي صَنْعَتِهِ، فَإِنْ دَفَعَ مِثْلَ جِنْسِهِ غَيْرَ مَصُوغٍ لَمْ يَجُزْ، قِيلَ لَهُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، أَنَّ ضَرْبَ الدَّنَانِيرِ وَطَبْعَهَا أُقِيمَ مَقَامَ صِفَاتِ الْجِنْسِ مِنَ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ كَثُبُوتِ ضَمَانِ الْجِنْسِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِي الزَّكَاةِ كَمَا وجب اعتبار صفات الجنس وليس صِفَةُ الْحُلِيِّ جَارِيَةً مَجْرَى صِفَاتِ الْجِنْسِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ يَجُزِ اعْتِبَارُهَا فِي الزَّكَاةِ يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْتُ، أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ دَنَانِيرَ مَضْرُوبَةً لَزِمَهُ مِثْلُهَا وَلَوْ أَتْلَفَ حُلِيًّا مَصُوغًا لَمْ يَلْزَمْهُ مِثْلُهُ مَصُوغًا، عَلَى أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ يُجِيزُ أَخْذَ الْقِيمَةِ فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ وَيَمْنَعُ مِنْهَا فِي زَكَاةِ الدَّنَانِيرِ، فَخَالَفَ الْمَذْهَبَ فِي جَوَازِ أَخْذِ الْقِيَمِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ جَمَعَ فَلَا بِالْمَذْهَبِ أَخَذَ وَلَا لِلْحِجَاجِ انْقَادَ، فَإِذَا وَضَحَ مَا ذَكَرْنَا فَلَا اعْتِبَارَ بِصِفَتِهِ وَلَا مُعَوَّلَ عَلَى قِيمَتِهِ وَيُزَكِّيهِ عَلَى وَزْنِهِ إِمَّا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.

فَصْلٌ
: وَأَمَّا إِذَا اشْتَرَى حُلِيًّا مُبَاحًا لِلتِّجَارَةِ، فَإِنْ قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُسْتَعْمَلِ فَفِي هَذَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الصَّنْعَةِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ زَكَاةَ هَذَا فِي قِيمَتِهِ لَا فِي عَيْنِهِ، وَإِنْ قُلْنَا فِي الْمُسْتَعْمَلِ زَكَاةٌ فَهَلْ يُزَكَّى هَذَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ أَوْ زَكَاةَ الْعَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: زَكَاةَ الْعَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَا اعْتِبَارَ بِالصَّنْعَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: زَكَاةَ التِّجَارَةِ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ اعْتِبَارُ الصَّنْعَةِ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ في القيمة.
وأما إِذَا أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ حُلِيًّا مَصُوغًا فَعَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ مَصُوغًا وَسَوَاءٌ كَانَ مَالِكُهُ مِمَّنْ تستبيح لُبْسَهُ أَمْ لَا. إِذَا كَانَ الْحُلِيُّ مِمَّا يُسْتَبَاحُ لُبْسُهُ بِحَالٍ، فَإِذَا كَانَ وَزْنُهُ أَلْفًا وَقِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ ضُمِّنَ أَلْفَيْنِ وَفِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهَا وجهان:
أحدهما: يضمنها دراهم فيلزمه ألفين دِرْهَمٍ أَلْفٌ مِنْهَا فِي مُقَابَلَةِ الْأَلْفِ وَالْأَلِفُ الْأُخْرَى فِي مُقَابَلَةِ الصِّيَاغَةِ.

(3/277)


وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُضَمَّنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِإِزَاءِ الْأَلْفِ ويعطى مكان الصنعة ذهباً، لأن لا يَكُونَ قَدْ أَخَذَ أَلْفَيْنِ مَكَانَ أَلْفٍ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ انْفَصَلَ عَنْ هَذَا بِأَنْ قَالَ: لَيْسَتِ الْأَلِفَانِ مَكَانَ أَلْفٍ وَإِنَّمَا أَلْفٌ مَكَانَ أَلْفٍ وَالْأَلْفُ الْأُخْرَى بِإِزَاءِ الصَّنْعَةِ، أَلَا تَرَى أنه لو كسره فأذهب صَنْعَتَهُ وَلَمْ يَنْقُصْ وَزْنُهُ ضُمِّنَ أَلْفًا، وَلَوْ كان كما قال الأول لما جاز أيضاً أن يأخذ ألفاً وذهباً مكان ألف كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ أَلْفَيْنِ مَكَانَ أَلْفٍ، وَأَمَّا إِنْ أَتْلَفَ إِنَاءً مَصُوغًا وَزْنُهُ أَلْفٌ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ ادِّخَارَهُ مَحْظُورٌ ضُمِّنَ وَزْنُهُ دُونَ صَنْعَتِهِ، لِأَنَّ الصَّنْعَةَ المحظورة لا قيمة لها فتكون أَلْفٌ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنِّ ادِّخَارَهُ مُبَاحٌ ضُمِّنَ قِيمَتُهُ مَعَ صَنْعَتِهِ كَضَمَانِ الْحُلِيِّ لِإِبَاحَةِ صَنْعَتِهِ فيلزمه ألفان.

مسالة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وإن انْكَسَرَ حُلِيُّهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْكَسْرُ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا يُمْكِنُ لُبْسُ الْحُلِيِّ مَعَهُ فَهَذَا فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ وَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْكَسْرِ، وَيَكُونُ فِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ:
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْكَسْرُ كَثِيرًا يَمْنَعُ مِنْ لُبْسِهِ فَلِلْمَالِكِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنْ يُعِدَّهُ كَنْزًا وَيَقْتَنِيَهُ مَالًا وَيَصْرِفَهُ عَنْ حُكْمِ الْحُلِيِّ فَهَذَا كَنْزٌ تَجِبُ زَكَاتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْوِيَ إِصْلَاحَهُ وَيَزِيدَ عَمَلَهُ فَهَذَا فِي حُكْمِ الْحُلِيِّ وَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ.
وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فِي إِصْلَاحِهِ وَلَا فِي اقْتِنَائِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْحُلِيِّ وَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا قَدْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْحُلِيِّ وَصَارَ مَالًا مُقْتَنًى فَتَجِبُ فِيهِ الزكاة قولاً واحداً.

مسالة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ وَرِثَ رجلٌ حُلِيًّا أَوِ اشْتَرَاهُ فَأَعْطَاهُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِهِ أَوْ خَدَمَهُ هِبَةً أَوْ عَارِيَةً أَوْ أَرْصَدَهُ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زكاة في قول من قال لا زكاة فيه إذا أرصده لما يصلح له فإن أرصده لما لا يصلح له فعليه الزكاة في القولين جَمِيعًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:

(3/278)


إِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ حُلِيًّا بِابْتِيَاعٍ أَوْ مِيرَاثٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ مَغْنَمٍ فَإِنِ اقْتَنَاهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ أَعَدَّهُ لِلتِّجَارَةِ بِهِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ حَلَّى بِهِ نِسَاءَهُ أَوْ جَوَارِيَهُ فَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ، وَلَوِ اتَّخَذَ رَجُلٌ حُلِيًّا للإعارة كان مباحاً وفي زكاته قولان.
وقال أبو عَبْدُ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَكَانَ شَيْخَ أَصْحَابِنَا فِي عصره: اتخاذ الحلي للكرى وَالْإِجَارَةِ مَحْظُورٌ وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ مَحْظُورًا لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ عُرْفِ السَّلَفِ بِالْإِجَارَةِ وعدل عما وردت به السنة والإعارة وَالْحُلِيُّ إِذَا عُدِلَ بِهِ عَمَّا وُضِعَ لَهُ كَانَ مَحْظُورًا وَزَكَاةُ الْمَحْظُورِ وَاجِبَةٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ كَانَ لِقَوْلِ الزُّبَيْرِيِّ وَجْهٌ، وَيَخْتَارُ أَنْ يُكْرَى حُلِيُّ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَحُلِيُّ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ فَإِنْ أَكْرَى حُلِيَّ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَحُلِيَّ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَصَحُّهُمَا: جَوَازُهُ لأنه أُجْرَةٌ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ خَوْفَ الرِّبَا وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يَدْخُلُهُ الرِّبَا، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ إِجَارَةِ حُلِيِّ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ خَوْفَ الرِّبَا لَمُنِعَ من إجارته بدراهم مُؤَجَّلَةً خَوْفَ الرِّبَا، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ فدل على فساد هذا الاعتبار والله أعلم.

فصل
: قال المزني رضي الله عنه: " وقد قال الشافعي في غير كتاب الزكاة لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ وَهَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ لِأَنَّ أَصْلَهُ أَنَّ فِي الْمَاشِيَةِ زَكَاةً وَلَيْسَ على المستعمل منها زَكَاةٌ فَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ وَلَيْسَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهُمَا زَكَاةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُزَنِيُّ لَعَمْرِي حُجَّةُ مَنْ أَسْقَطَ زَكَاةَ الْحُلِيِّ، إِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْمَاشِيَةِ زَكَاةٌ وَلَيْسَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهَا زَكَاةٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرَقِ زَكَاةٌ، وَلَيْسَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهَا زَكَاةٌ وَلِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ هَذَا، بِأَنَّ زَكَاةَ الْمَوَاشِي تَجِبُ بِوَصْفٍ زَائِدٍ، وَهُوَ السَّوْمُ فَإِذَا اسْتُعْمِلَ فَقَدْ عُدِمَ الْوَصْفُ الْمُوجِبُ فَسَقَطَتِ الزَّكَاةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ، لِأَنَّ زَكَاتَهُمَا تَجِبُ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ يُعْتَبَرُ فَإِذَا اسْتُعْمِلَا لم يمنع استعمالهما وجوب الزكاة فيهما أو لا تَرَى أَنَّ مَا اسْتُعْمِلَ مِنَ الْمَوَاشِي فِيمَا لَا يَحِلُّ مِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَإِخَافَةِ السَّبِيلِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَا اسْتُعْمِلَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرَقِ فِيمَا لَا يَحِلُّ مِنَ الْأَوَانِي وَالْحُلِيِّ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَوَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا اسْتُعْمِلَ مِنَ الْمَوَاشِي وَبَيْنَ مَا اسْتُعْمِلَ مِنَ الْحُلِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(3/279)