الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

كتاب الفرائض
حقيق بمن علم أن الدنيا منقرضة، وأن الرزايا قبل الغايات معترضة، وأن المال متروك لوارث، أو مصاب بحادث، أن يكون زهده فيه أقوى من رغبته، وتركه له أكثر من طلبته، فإن النجاة منها فوز، والاسترسال فيها عجز، أعاننا الله على العمل بما نقول، ووفقنا لحسن القبول إن شاء الله.
وَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ صَلَاحَ عِبَادِهِ فِيمَا اقْتَنَوْهُ مَعَ مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ الضَّنِّ بِهِ وَالْأَسَفِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَصْرِفَهُ بَعْدَهُمْ مَعْرُوفًا، وَقَسْمَهُ مُقَدَّرًا مَفْرُوضًا؛ لِيَقْطَعَ بَيْنَهُمُ التَّنَازُعَ وَالِاخْتِلَافَ، وَيَدُومَ لَهُمُ التَّوَاصُلُ وَالِائْتِلَافُ، جَعْلَهُ لِمَنْ تَمَاسَّتْ أَنْسَابهُمْ وَتَوَاصَلَتْ أَسْبَابُهُمْ لِفَضْلِ الْحُنُوِّ عَلَيْهِمْ، وَشِدَّةِ الْمَيْلِ إِلَيْهِمْ، حَتَّى يَقِلَّ عَلَيْهِ الْأَسَفُ، وَيَسْتَقِلَّ بِهِ الْخَلَفُ، فَسُبْحَانَ مَنْ قدر وهدى، وَدَبَّرَ فَأَحْكَمَ، وَقَدْ كَانَتْ كُلُّ أُمَّةٍ تَجْرِي مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهَا، وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا يَتَوَارَثُونَ بِالْحِلْفِ وَالتَّنَاصُرِ كَمَا يَتَوَارَثُونَ بِالْأَنْسَابِ؛ طَلَبًا لِلتَّوَاصُلِ بِهِ، فَإِذَا تَحَالَفَ الرَّجُلَانِ مِنْهُمْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي عَقْدِ حِلْفِهِ هَدْمِي هَدْمُكَ، وَدَمِي دَمُكَ، وَسِلْمِي سِلْمُكَ، وحربي حربك، وتنصرني وأنصرك. فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وِرِثَهُ الْآخَرُ، فَأَدْرَكَ الْإِسْلَامَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ: قال الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لا حلفا في الإسلام وإنما حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلا شدة "، فجعل الحلف فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ لِلْأُمِّ فَأعطى السدس، ونزل فيه مَا حَكَاهُ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل: {وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إن الله بكل شيء عليم} [الأحزاب: 6] .

فَصْلٌ:
وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ والأطفال، ولا يعطون المال إلا لمن حما وَغَزَا فَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أم كجة وبنت كجة وَثَعْلَبَةَ وَأَوْسَ بْنَ سُوَيْدٍ وَهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجَهَا وَالْآخَرُ عَمَّ وَلَدِهَا، فَمَاتَ زوجها فقالت أم كجة: يا رسول الله توفي زوجي وتركني وبنيه فَلَمْ نُوَرَّثْ فَقَالَ عَمُّ وَلَدِهَا يَا رَسُولَ الله إن ولدها لا يركب فرسا ولا يحمل كلا ولا ينكأ عَدُوًّا يَكْسِبُ عَلَيْهَا وَلَا تَكْتَسِبُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] .

(8/68)


وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32] على قولين:
أحدهما: يعني: للرجال نصيب مِمَّا اكْتَسَبُوا مِنْ مِيرَاثِ مَوْتَاهُمْ، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ منه؛ لأن الجاهلية لم يكونوا يورثوا النِّسَاءَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالثَّانِي: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَالْعِقَابِ على معصية اللَّهِ، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِثْل ذَلِكَ فِي أَنَّ لِلْمَرْأَةِ بِالْحَسَنَةِ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، وَلَا تجْزي بِالسَّيِّئَةِ إِلَّا مِثْلَهَا كَالرَّجُلِ وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ.

فَصْلٌ:
وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ وَمَنْ حَضَرَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ كَيْفَ شَاءَ وَأَحَبَّ، مِيرَاثًا وَوَصِيَّةً، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي قَوْله تعالى: {آت ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الإسراء: 26] عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ قَرَابَةُ الْمَيِّتِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَمِنْ قِبَلِ أُمِّهِ فِيمَا يُعْطِيهِمْ مِنْ مِيرَاثِهِ، وَالْمِسْكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ فِيمَا يُعْطِيهِمْ من وصيته، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالثَّانِي: إنَّهُمْ قَرَابَةُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذَا قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ، ثُمَّ تَوَارَثَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ، فَكَانَ إِذَا تَرَكَ الْمُهَاجِرُ أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا مُهَاجِرٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ مُهَاجِرٍ كَانَ مِيرَاثُهُ لِلْمُهَاجِرِ دُونَ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ، وَلَوْ تَرَكَ عَمًّا مُهَاجِرًا وَأَخًا غَيْرَ مُهَاجِرٍ كَانَ مِيرَاثُهُ لِلْعَمِّ دُونَ الْأَخِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73] يعني: أن لا تَتَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى نسخ ذلك بقوله تعالى: {وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6] يَعْنِي: الْوَصِيَّةَ لِمَنْ لَمْ يرث {كان ذلك في الكتاب مسطورا} [الأحزاب: 6] وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: كَانَ تَوَارُثُكُمْ بِالْهِجْرَةِ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا.
وَالثَّانِي: كَانَ نَسْخُهُ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا.
فَصْلٌ:
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ المواريث وقدرها بين الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا فِي ثَلَاثِ آيٍ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ، نَسَخَ بِهِنَّ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَوَارِيثِ، فَرَوَى دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عن جابر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ امْرَأَةَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ سَعْدًا

(8/69)


هَلَكَ وَتَرَكَ بِنْتَيْنِ وَقَدْ أَخَذَ عَمُّهُمَا مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا إِلَّا أَخَذَهُ، فَمَا ترى يا رسول الله؟ فوالله لا يَنْكِحَانِ أَبَدًا إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ " فَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَةِ. فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ادعوا إلي الْمَرْأَةَ وَصَاحِبَهَا فَقَالَ لِلْعَمِّ: " أعْطِهِمَا الثُّلْثَيْنِ وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بَقِيَ فَلَكَ ". وَرَوَى ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَعُودُنِي هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مَاشِيَيْنِ وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ فَلَمْ أُكَلِّمْهُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَيَّ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي وَلِي أَخَوَاتٌ قَالَ فَنَزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] إِلَى آخر السورة وقال ابْنُ سِيرِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يَسِيرُ وَإِلَى جَنْبِهِ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ فَبَلَغَهَا رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حُذَيْفَة، وَبَلَغَهَا حُذَيْفَةُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ يَسِيرُ خَلْفَهُ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيِ الثَّلَاثِ مَا كَانَ مرسلا، وفسر فبين مَا كَانَ مُجْمَلًا، وَقَدَّرَتِ الْفُرُوضُ مَا كَانَ مُبْهَمًا، ثُمَّ بَيَّنَ بِسُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا احْتِيجَ إِلَى بَيَانِهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذلك " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهِ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ "، رَوَاهُ شُرَحْبِيل بن مسلم عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثُمَّ دَعَا إِلَى عِلْمِ الْفَرَائِضِ وَحَثَّ عَلَيْهِ؛ لأنهم كانوا على قرب عهد بغيره، ولأن لا يقطعهم عنه التَّشَاغُلُ بِعِلْمِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ عِبَادَاتِهِمُ الْمُتَرَادِفَةِ أَوْ مُعَامَلَاتِهِمُ الْمُتَّصِلَةِ فَيَؤولُ ذَلِكَ إِلَى انْقِرَاضِ الْفَرَائِضِ، فَرَوَى أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهَا مِنْ دِينِكُمْ وَإِنَهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يُنْتَزَعُ مِنْ أُمَّتِي، وَإِنَّهُ يُنْسَى ". وَرَوَى أَبُو الْأَحْوَصِ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ حَتَّى يَخْتَلِفَ الرَّجُلَانِ فِي الْفَرِيضَةِ لَا يَجِدَانِ مَنْ يُخْبِرُهُمَا بِهِ " وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ التَّنُوخِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فضل آية محكمة أو سنة ماضية وفريضة عادلة ".

(8/70)


وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ " فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: إنَّهُ قَالَ ذَلِكَ حَثًّا لِجَمَاعَتِهِمْ عَلَى مُنَاقَشَتِهِ وَالرَّغْبَةِ فِيهِ كَرَغْبَتِهِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا كان منقطعا إلى الْفَرَائِضِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ تَشْرِيفًا وَإِنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ فِيهِ كَمَا قَالَ أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ، وَأَعْرَفُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذٌ، وَأَصْدَقُكُمْ لَهْجَةً أَبُو ذَرٍّ، وَأَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَعْرَفَ النَّاسِ هُوَ أَعْرَفُهُمْ بِالْفَرَائِضِ وَبِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْقَضَاءِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كان أفرضهم زيد، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِ جَمَاعَتِهِمْ لَمَا اسْتَجَازَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مُخَالَفَتَهُ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ أَرَادَ بذلك أنه أشد منهم عِنَايَةً بِهِ، وَحِرْصًا عَلَيْهِ، وَسُؤَالًا عَنْهُ.
وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَصَحَّهُمْ حِسَابًا، وَأَسْرَعَهُمْ جَوَابًا، وَلِأَجْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذِهِ المعاني أَخَذَ الشَّافِعِيُّ فِي الْفَرَائِضِ بِقَوْلِ زَيْدٍ.

فَصْلٌ: إذا وضح مَا ذَكَرْنَا فَالْمِيرَاثُ مُسْتَحَقٌّ بِنَسَبٍ وَسَبَبٍ، فَالنَّسَبُ الأبوة والبنوة وما تفرع عليهما، ولسبب نِكَاح وَوَلَاء.
وَالْوَارِثُونَ مِنَ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ: الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأَبُ وَالْجَدُّ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ، وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ، وَالزَّوْجُ وَمَوْلَى النِّعْمَةِ، وَمَنْ لَا يَسْقُطُ مِنْهُمْ بحال ثلاثة: الابن والأب والزوج.
والوارثات مِنَ النِّسَاءِ سَبْعٌ: الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَتْ، وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ وَإِنْ عَلَتْ، وَالْأُخْتُ وَالزَّوْجَةُ وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ، وَمَنْ لَا يَسْقُطُ مِنْهُنَّ بِحَالٍ ثلاث: الْأُمُّ وَالْبِنْتُ وَالزَّوْجَةُ.
وَأَمَّا مَنْ لَا يَرِثُ بِحَالٍ فَسَبْعَةٌ: الْعَبْدُ، وَالْمُدَبَّرُ، وَالْمُكَاتَبُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَقَاتِلُ الْعَمْدِ، وَالْمُرْتَدُّ، وَأَهْلُ مِلَّتَيْنِ وَسَنَذْكُرُ فِي نظم الكتاب ما يتعلق من خلاف وحكم.
فَصْلٌ:
وَالْوَرَثَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَنْ يَأْخُذُ بِالتَّعْصِيبِ وَحْدَهُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ فَرْضٌ وَلَا يَتَقَدَّرُ لَهُمْ سَهْمٌ، وَهُمُ الْبَنُونَ وَبَنُوهُمْ، وَالْإِخْوَةُ وَبَنُوهُمْ، وَالْأَعْمَامُ وَبَنُوهُمْ، فَإِنِ انْفَرَدُوا بِالتَّرِكَةِ أخذوا جميعا، وَإِنْ شَارَكَهُمْ ذُو فَرْضٍ أَخَذُوا مَا بَقِيَ بَعْدَهُ، وَلَا تُعَوَّلُ فَرِيضَةٌ يَرِثُونَ فِيهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَنْ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ وَحْدَهُ وَهُمْ خَمْسَةٌ: الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ تَارَةً وَبِالتَّعْصِيبِ أُخْرَى وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: بَنَاتُ

(8/71)


الصُّلْبِ، وَبَنَاتُ الِابْنِ، وَالْأَخَوَاتُ، يَأْخُذْنَ بِالْفَرْضِ إِذَا انْفَرَدْنَ وَبِالتَّعْصِيبِ إِذَا شَارَكَهُمُ الْإِخْوَةُ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَنْ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ تَارَةً، وَبِالتَّعْصِيبِ تَارَةً أُخْرَى، وَبِهِمَا فِي الثَّالِثَةِ وَهُمُ الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ يَأْخُذُونَ مَعَ ذُكُورِ الْأَوْلَادِ بِالْفَرْضِ، وَبِالتَّعْصِيبِ مَعَ عَدَمِهِمْ وَبِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ مَعَ إِنَاثِهِمْ.

فَصْلٌ:
أَرْبَعَةٌ مِنَ الذُّكُورِ يَعْصِبُونَ أَخَوَاتِهِمْ وَهُمُ الِابْنُ، وَابْنُ الِابْنِ، وَالْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَالْأَخُ لِلْأَبِ، وَأَرْبَعَةٌ يُسْقِطُونَ أخواتهم: ابْنُ الْأَخِ، وَالْعَمُّ، وَابْنُ الْعَمِّ، وَابْنُ الْمَوْلَى، وأربعة ذكور يرثون نساء لا يرثنهم بفرض ولا تعصيب: ابْنُ الْأَخِ يَرِثُ عَمَّتَهُ وَلَا تَرِثُهُ، وَالْعَمُّ يَرِثُ ابْنَةَ أَخِيهِ وَلَا تَرِثُهُ، وَابْنُ الْعَمِّ يَرِثُ بِنْتَ عَمِّهِ وَلَا تَرِثُهُ، وَالْمَوْلَى يَرِثُ عتيقه ولا يرثه، وامرأتان ترثان ذكران ولا يرثانهما بفرض ولا تعصيب: أم الابن تَرِثُ ابْنَ ابْنَتِهَا وَلَا يَرِثُهَا، وَالْمَوْلَاةُ تَرِثُ عَتِيقَهَا وَلَا يَرِثُهَا، وَالرَّجُلُ يَرِثُ مِنَ النِّسَاءِ وَمِنَ الرِّجَالِ تِسْعَةً؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَرِثُهُ رَجُلٌ وَالْمَرْأَةُ تَرِثُ مِنَ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ وَمِنَ النساء ست؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَرِثُهَا امْرَأَةٌ.

(8/72)


بَابُ مَنْ لَا يَرِثُ
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الْمُزَنِيُّ رحمه الله تعالى وهو من قول الشافعي: " لَا تَرِثُ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَبِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ العم والجدة أم الأب الأم والخال وَابْنُ الْأَخِ لِلأُمّ وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأُمِّ وَالْجَدُّ أَبُو الْأُمَّ وَوَلَدُ الْبِنْتِ وَوَلَدُ الْأُخْتِ وَمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا بَدَأَ الشَّافِعِيُّ بِذَوِي الْأَرْحَامِ، لِأَنَّهُمْ عِنْدَهُ لَا يَرِثُونَ مَعَ وُجُودِ بَيْتِ الْمَالِ، فَبَدَأَ بِهِمْ لِتَقْدِيمِهِ ذِكْرَ مَنْ لَا يَرِثُ مِنَ الْكَافِرِينَ والمملوكين وذوو الأرحام هم: من ليس بعصبة ولا ذي فَرْضٍ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ عَدَدِهِمْ وَتَفْصِيلِ أَحْوَالِهِمْ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَالْفُقَهَاءُ فِي توزيعهم إِذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ مَوْجُودًا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلى أنه لَا مِيرَاثَ لَهُمْ وَأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَوْلَى مِنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الشَّامِ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ.
وَقَالَ أبو حنيفة: ذَوُو الْأَرْحَامِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ، وَطَاوُسٌ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ غَيْرَ أَنَّ أبا حنيفة قَدَّمَ الْمَوْلَى عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وخالفه تَقَدّمهُ فَقَدَّمُوا ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى الْمَوْلَى، وَاسْتَدَلُّوا على توريث ذوي الأرحام بقوله تعالى: {وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: 6] فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْفَعُوا عَنِ الْمِيرَاثِ وقد جعلهم الله تعالى أولى به، ولرواية طاوس عن عائشة رضي الله عنهما وَأَبِي أُمَامَةَ عَنْ عُمَرَ جَمِيعًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ له ". وبرواية المقداد بن

(8/73)


معد يكرب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " الخال وارث من ولا وارث له ".
وَبِرِوَايَةِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ قَالَ: تُوُفِّيَ ثَابِتُ بن الدحداح وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا وَلَا عَصَبَةً فَرُفِعَ إِلَى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَ عَنْهُ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ هَلْ تَرَكَ مِنْ أَحَدٍ؟ فَقَالَ مَا نَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَرَكَ أَحَدًا فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَالَهُ إِلَى ابْنِ أُخْتِهِ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عبد المنذر، ورواية الزُّهْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْعَمُّ وَالِدٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ أَبٌ وَالْخَالَةُ وَالِدَةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ " قَالُوا: وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَدْلَى بِوَارِثٍ كَانَ وَارِثًا كَالْعَصَبَاتِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ اخْتِصَاصَ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِالرَّحِمِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ إِرْثِهِمْ كَالْجَدَّةِ، قالوا: ولأن ذوي الأرحام قد شَارَكُوا الْمُسْلِمِينَ فِي الْإِسْلَامِ وَفَضَّلُوهُمْ بِالرَّحِمِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا أَوْلَى مِنْهُمْ بِالْمِيرَاثِ كَالْمُعْتِقِ لَمَّا سَاوَى كَافَّةَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْإِسْلَامِ وَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِالْعِتْقِ وَصَارَ أَوْلَى مِنْهُمْ بِالْمِيرَاثِ وَكَالْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَمَّا سَاوَى الْأَخَ لِلْأَبِ وَفَضَّلَهُ بِالْأُمِّ كَانَ أَوْلَى بِالْإِرْثِ.
وَدَلِيلُنَا: رِوَايَةُ شُرَحْبِيلَ بْنِ سلم عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهَ فَلَا وصية لوارث " فأشار إلى ما في القرآن من الْمَوَارِيثِ وَلَيْسَ فِيهِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ شَيْءٌ. وَرَوَى عطاء بن يسار أَتَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَتَرَكَ عَمَّة وَخَالَة فَقَالَ اللَّهُمَّ رَجُلٌ تَرَكَ عَمَّة وَخَالَة ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ لَا أَرَى نزل علي شيء لا شَيْء لهما ".
وَرَوَى زِيدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ركب إلى قباء يستخير الله تعالى فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فَنَزَلَ عَلَيْهِ أَنْ لَا ميراث لهما.
وروى عمران بن سليمان أَنَّ رَجُلًا مَاتَ فَأَتَتْ بِنْتُ أُخْتِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمِيرَاثِ فَقَالَ لَا شَيْءَ لَكِ اللَّهُمَّ مَنْ مَنَعْتَ مَمْنُوعٌ اللَّهُمَّ مَنْ مَنَعْتَ مَمْنُوعٌ.
ثُمَّ الدَّلِيلُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى هُوَ أَنَّ مشاركة الأنثى لأخيها أثبتت في الميراث في انْفِرَادِهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ بَنَاتَ الِابْنِ يَسْقُطْنَ مع البنين وإن شاركهن ذكورهن وصرن به عصبة فلما كان بنات الإخوة والأعمام يسقطون مَعَ إِخْوَتِهِنَّ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَسْقُطْنَ بِانْفِرَادِهِنَّ وتحريره

(8/74)


قِيَاسًا أَنَّ كُلَّ أُنْثَى أَسْقَطَهَا مَنْ فِي درجتها بالإدلاء سَقَطَتْ بِانْفِرَادِهَا كَابْنَةِ الْمَوْلَى؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَسْقَطَهُ الْمَوْلَى لَمْ يَرِثْ بِانْفِرَادِهِ كَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ؛ ولأن كل ولادة لم يحجب بِهَا الزَّوْجَيْنِ إِلَى أَقَلِّ الْفَرْضَيْنِ لَمْ يُوَرثْ بِهَا كَالْوِلَادَةِ مِنْ زِنَا؛ وَلِأَنَّهُ وَارِثٌ فَوَجَبَ أن يكون من مناسبه مَنْ لَا يَرِثُ كَالْمَوْلَى يَرِثُ ابْنَهُ وَلَا يرث بِنْتَهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَعْقِلُونَ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ بِهِمْ ذَوُو الْأَرْحَامِ كَالْمَوْلَى.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عن قوله تعالى: {وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] فَمِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: إنَّ الْمَقْصُودَ بِالْآيَةِ نَسْخُ التَّوَارُثِ بِالْحِلْفِ وَالْهِجْرَةِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِمَا أَعْيَانَ مَنْ يستحق الميراث من المناسبين لنزولهما قبل أي المواريث.
والثاني: أن قولهم: {بعضهم أولى ببعض} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ الْبَعْضِ لَيْسَ بِأَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ يَمْنَعُ مِنَ الِاسْتِيعَابِ.
والثالث: أنه قال: {في كتاب الله} وكان ذَلِكَ مَقْصُورًا عَلَى مَا فِيهِ وَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ ذِكْرٌ فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْمِيرَاثِ حَقٌّ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {أَوْلَى} محمول على ما سوى الميراث من الحصانة وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا دُونَ الْمِيرَاثِ إِذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ مَا هُمْ بِهِ أَوْلَى.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ " فَمِنْ وجهين:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَوْضُوعٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لِلسَّلْبِ وَالنَّفْيِ لَا لِلْإِثْبَاتِ، وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ الْخَالَ لَيْسَ بِوَارِثٍ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ الْجُوعُ طَعَامُ مَنْ لَا طَعَامَ لَهُ وَالدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ وَالصَّبْرُ حِيلَةُ مَنْ لا حيلة له يعني أن ليس طعام وَلَا دَار وَلَا حِيلَة.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ جعل الميراث للحال الذي يعقل وإنما يَعْقِلُ إِذَا كَانَ عَصَبَةً وَنَحْنُ نُوَرِّثُ الْخَالَ إِذَا كَانَ عَصَبَةً وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي خَالٍ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ فَكَانَ دَلِيلُ اللَّفْظِ يُوجِبُ سُقُوطَ ميراثه.
فأما الجواب عن دفعه ميراث أبي الدَّحْدَاحِ إِلَى ابْنِ أُخْتِهِ فَهُوَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا لَا مِيرَاثًا، لِأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَا وَارِثَ لَهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ عَلَى أنها قضية عين قد يجوز أَنْ يُخْفَى سَبَبُهَا فَلَا يَجُوزُ ادِّعَاءُ الْعُمُومِ فِيهَا وَكَانَ ذَلِكَ كَالَّذِي رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَوْسَجَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلَّا غُلَامًا له كان أعتق فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " هَلْ لَهُ أَحَدٌ " قَالُوا: لَا إِلَّا غُلَامًا له كَانَ أَعْتَقَهُ فَجَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ميراثه له ومعلوم أنه لا يستحق مِيرَاثًا لَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ

(8/75)


فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمِيرَاثِهِ فَقَالَ: " الْتَمِسُوا لَهُ وَارِثًا أَوْ ذَاتَ رَحِمٍ " فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ وَارِثًا وَلَا ذَاتَ رَحِمٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أعطوه الكبر من خزاعة " فميز - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَ الْوَارِثِ وَذِي الرَّحِمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غير وارث ثم دفع ميراثه إلى الكبر مِنْ قَوْمِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمِيرَاثٍ مُسْتَحِقٍّ وَهَكَذَا مَا دَفَعَهُ إِلَى ابْنِ الْأُخْتِ وَالْخَالِ لِأَنَّهُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي إِعْطَائِهِمْ أَظْهَرَ مِنْهَا فِي إِعْطَاءِ غَيْرِهِمْ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الخالة وَالِدَةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ " فَهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا سِوَى الْمِيرَاثِ مِنَ الْحَضَانَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَتِ الْخَالَةُ كَالْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِهَا فِي الْمِيرَاثِ إِذَا كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ فَعُلِمَ أن مراده به غير الميراث فأما قياسهم بِعِلَّةِ أَنَّهُ يُدْلِي بِوَارِثٍ فَمُنْتَقِضٌ بِبِنْتِ الْمَوْلَى ثم المعنى في العصبة تقديم عَلَى الْمَوْلَى.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْجَدَّةِ فَالْمَعْنَى فِيهَا: أَنَّهَا لَمَّا شَارَكَتِ الْعَصَبَةَ كَانَتْ وَارِثَةً وليس ذووا الأرحام مثلها.
وأما الجواب عن قولهم إنهم سَاوَوْا جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَفَضَّلُوهُمْ بِالرَّحِمِ فَهُوَ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ يَفْسُدُ بِبِنْتِ الْمَوْلَى، لِأَنَّهَا قَدْ فَضلتهُمْ مَعَ الْمُسَاوَاةِ ثُمَّ لَا تُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ عَلَى أن المسلمين فضلوهم بالتعصب لأنهم يعقلون وكانوا أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ، فَإِنْ قِيلَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ وَرَثَتَهُ لِجَوَازِ وَصِيَّتِهِ لَهُمْ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ قِيلَ هَذَا بَاطِلٌ بِمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَرَثَتُهُ بِإِجْمَاعٍ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إِنَّمَا لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ مُعَيَّنٍ وَلَيْسَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَتَعَيَّنُ فِي اسْتِحْقَاقِ مِيرَاثِهِ، لأنه معروف في مصالح جميعهم والله أعلم.

فصل:
القول في الرد
وَإِذْ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ فَالرَّدُّ مُلْحَقٌ بِهِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وكل مَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَ بِالرَّدِّ وَكُلُّ مَنْ مَنَعَ مِنْ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَنَعَ مِنَ الرَّدِّ.
وَالرَّدُّ: هُوَ أَنْ تَعْجِزَ سِهَامُ الْفَرِيضَةِ عَنِ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ التَّرِكَةِ فَلَا يَكُونُ مَعَهُمْ عَصَبَةٌ كَالْبِنْتِ الَّتِي فَرْضُهَا النِّصْفُ إِذَا لَمْ يُشَارِكْهَا غَيْرُهَا وَقَدْ بَقِيَ النِّصْفُ بَعْدَ فَرْضِهَا فَهَلْ يُرَدُّ عَلَيْهَا أَمْ يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُ فَرْضِهَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الْبَاقِيَ مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ سِهَامِ ذَوِي الْفُرُوضِ يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُرَدُّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ إِذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ مَوْجُودًا وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَدَاوُدَ.
وَقَالَ أبو حنيفة: يُرَدُّ مَا فَضَلَ مِنْ سِهَامِ ذَوِي الْفُرُوضِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ بِهِ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَبِهِ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاء على خلاف بينهم في مستحقي الرد منهم، واستدلوا جميعا بوجوب الرَّدِّ وَتَقْدِيمِهِمْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ بِمَا تَقَدَّمَ من عموم قوله تعالى: {وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] وَبِمَا رُوِيَ أن

(8/76)


سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فترك أُمَّهُ فَوَرَّثَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَالَهُ كُلَّهُ قَالُوا وَلِأَنَّ كُلَّ مُنَاسِبٍ وَرِثَ بَعْضَ الْمَالِ مَعَ غَيْرِهِ جَازَ أَنْ يَرِثَ جَمِيعَهُ إِذَا انْفَرَدَ بِنَفْسِهِ كَالْعَصَبَةِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَمَّا جاز أن ينفقوا من فروضهم بالعدل عِنْدَ زِيَادَةِ الْفُرُوضِ عَلَى التَّرِكَةِ جَازَ أَنْ يُزَادُوا بِالرَّدِّ عِنْدَ عَجْزِ الْفُرُوضِ عَنِ التَّرِكَةِ.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَسمَ فُرُوضَ ذَوِي الْفُرُوضِ سَمَّاهُ فِي ثَلَاثِ آيٍ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قَدْ أَعْطَى اللَّهُ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ سَمَّى لَهُ فَرْضًا فَهُوَ قَدْرُ حَقِّهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يُوَرَّثْ مَعَ غَيْرِهِ إِلَّا بِالْفَرْضِ لَمْ يُوَرَّثْ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ إِلَّا ذَلِكَ الْفَرْضَ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا بِوفاقٍ وَلِأَنَّ كُلَّ قَدْرٍ حُجِبَ عَنْهُ الشَّخْصُ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ حُجِبَ عَنْهُ وَإِنِ انْفَرَدَ بِهِ كَالْمَالِ الْمُسْتَحَقِّ بِالدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ ولأن كل من تجردت رحمه عن تعصيب لما يَأْخُذْ بِهَا مِنْ تَرِكَةٍ حَقَّيْنِ كَالْأُخْتِ لِلْأَبِ والأم لا تأخذ النصف لأنها أخت الأب والسدس لأنها أخت الأم فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَقَدْ مَضَى.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْطَى ميراث سالم إلى أمه فلمصلحة يراها مَنْ يَتَوَلَّى مَصَالِحَ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا دَفَعَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ميراث الخزاعي إلى الكبر مِنْ خُزَاعَةَ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْعَصَبَةِ فَالْمَعْنَى فيهم إنما يستحقونه غير مقدر وليس كذلك ذووا الْفُرُوضِ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَمَّا جاز أن ينفقوا بالعدل جاز أن يزادوا بالرد، فالجواب عنه للزيادة جهة يستحقها وَهِيَ بَيْتُ الْمَالِ فَلَمْ يَجُزْ رَدُّهَا وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّقْصِ جِهَةَ تَمَامٍ جَازَ عَوْلُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا إِذَا ضاق بِهِمْ دَخَلَ الْعَوْلُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ زَادَ عَنْهُمْ لَمْ يَجُزِ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ.

فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَحَقُّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وبالفاضل عن ذوي السهام وأنه يَصِيرُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ إِرْثًا لَا فَيْئًا وَهَكَذَا مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ صَارَ مَالُهُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ مِيرَاثًا وَقَالَ بَعْضُ الناس يكون فيئا لا ميراثا لأمور.
منهما: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِيرَاثًا لَوَجَبَ صَرْفُهُ إِلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ بَعْضِهِمْ وَلَوَجَبَ أَنْ يُفَضَّلَ فيه الذكر على الأنثى ولا يفرد بِهِ أَهْلُ عَصْرِ الْمَيِّتِ دُونَ مَنْ تَأَخَّرَ، وَفِي جَوَازِ ذَلِكَ كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَيْءٌ لَا مِيرَاثٌ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] فَكَانَتِ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمْ تَمْنَعُ مِنْ أَحْكَامِ مَنْ خَالَفَهُمْ، وَلِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ يَعْقِلُ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ انْتِقَالُ مَالِهِ إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ مِيرَاثًا كَالْعَصَبَةِ، وَلِأَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ انْتِقَالُهُ إلى بيت المال فيئا كالزكاوات.
وأما الجواب عن استدلالهم فهو أن تعيين الْوَارِث يَقْتَضِي مَا ذَكَرُوهُ وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لم يقتضيه.
فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَحَقُّ إذا كان موجودا يصرف الْإِمَامُ الْعَدْلُ أَمْوَالَهُ فِي

(8/77)


حُقُوقِهَا فَأَمَّا إِذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ مَعْدُومًا بِالْجَوْرِ مِنَ الْوُلَاةِ وَفَسَادِ الْوَقْتِ وَصَرْفِ الْأَمْوَالِ فِي غَيْرِ حُقُوقِهَا وَالْعُدُولِ بِهَا عَنْ مُسْتَحِقِّيهَا يوجب توارث ذَوِي الْأَرْحَامِ وَرَدّ الْفَاضِل عَلَى ذَوِي السِّهَامِ وَهَذَا قَوْلٌ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُحَصِّلُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَتَفَرَّدَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ وَمَنْ جَذَبَهُ الْمَيْلُ إِلَى رَأْيِهِ فَأَقَامَ عَلَى مَنْعِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْمَنْعُ مِنْ رَدِّ الْفَاضِلِ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ مَا يَنْصَرِفُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ مُسْتَحِقٌّ فِي جِهَاتٍ بَاقِيَةٍ إِذَا عُدِمَ بَيْتُ المال لم يبطل استحقاق تلك الجهات ووجب صرف ذلك المال فيها كالزكوات الَّتِي لَمْ تَسْقُطْ بِعَدَمِ بَيْتِ الْمَالِ وَوَجَبَ صَرْفُهَا فِي جِهَاتِهَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فَاسِدٌ من ثلاثة أوجه.
أحدها: مَا يَسْتَحِقُّ صَرْفُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي جِهَاتٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ فَإِذَا بَطَلَ التَّعْيِينُ سَقَطَ الِاسْتِحْقَاقُ وَإِنْ علمَ أَنَّ الْجِهَةَ لَا تُعْدَمُ كَالْعَرَبِيِّ إِذَا مَاتَ علمنا أن له عصبة ذكورا غَيْرَ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنُوا سَقَطَ حَقهم وَانْصَرَفَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ جهتهم وَكَذَلِكَ جِهَاتُ بَيْتِ الْمَالِ إِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ سَقَطَ حَقُّهَا وانصرف ذلك إلى غيرها وليس كذلك الزكوات لتعيين جِهَاتِهَا وَقَطْعِ الِاجْتِهَادِ فِيهَا فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا مَعَ التَّعْيِينِ وَإِنْ عُدِمَ مَنْ كَانَ يَقُومُ بِمَصْرِفِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَالَ الزَّكَاةِ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِصَرْفِهِ مِنْ جِهَاتِهِ إِذَا عُدِمَ الْقَيِّمُ مِنَ الْوُلَاةِ وَهُمْ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ فَلَزِمَهُمُ الْقِيَامُ بِذَلِكَ مَا كَانَ لَازِمًا لِلْوُلَاةِ وَلَيْسَ لِمَالِ الْمَيِّتِ مَنْ يَقُومُ بِصَرْفِهِ فِي هَذِهِ الْجِهَاتِ وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَحَقَّ مَالٌ بِجِهَةٍ لَا تتعين بوصف ولا باجتهاد باطن لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ عَنْ جِهَتِهِ فَاعْلَمْهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ إِنَّمَا كَانَ أَحَقَّ بِمِيرَاثِهِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ يَعْقِلُ عَنْهُ فَصَارَ مِيرَاثُهُ لَهُ فَلَمَّا كان عدم بيت المال يسقط الْعَقْلَ عَنْهُ وَجَبَ أَنْ يُسْقِطَ الْمِيرَاثَ مِنْهُ وَإِذَا كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ ثَابِتًا وَكَانَ تَوْرِيثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ عَدَمِ بَيْتِ الْمَالِ وَاجِبًا فَهَكَذَا رَدُّ الْفَاضِلِ عَنْ ذَوِي السِّهَامِ، وَسَنَذْكُرُ كَيْفِيَّةَ تَوْرِيثِهِمْ وَالرَّدِّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ فِي بَابِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ دِقَّةً وَاسْتِصْعَابًا وَلَعَلَّهَا هِيَ الصَّارِفَةُ لِمَنْ مَنَعَهُمُ الْمِيرَاثُ عِنْدَ عُدْمِ بَيْتِ الْمَالِ.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَالْكَافِرُونَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ الْكَافِرُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَحُكِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةَ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ الْكَافِرَ وَلَا يرث الكافر المسلم وبه قال محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ وَمَسْرُوقٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقول: " الإسلام يزيد ولا ينقص " قال وكما يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ الذِّمِّيَّةَ وَلَا يَجُوزَ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَنْكِحَ الْمُسْلِمَةَ،

(8/78)


وَلِأَنَّ أَمْوَالَ الْمُشْرِكِينَ يَجُوزُ أَنْ تَصِيرَ إِلَى المسلمين فَهَذَا أَوْلَى أَنْ تَصِيرَ إِلَيْهِمْ إِرْثًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَصِيرَ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ قَهْرًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَصِيرَ إِلَيْهِمْ إِرْثًا.
وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ " وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ ".
وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلَا المسلم الكافر فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَلَمَّا وَلِيَ مُعَاوِيَةُ رحمه الله تعالى وَرَّثَ الْمُسْلِمَ مِنَ الْكَافِرِ وَأَخَذَ بِذَلِكَ الْخُلَفَاءُ حَتَّى قَامَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَاجَعَ السُّنَّةَ الْأُولَى ثُمَّ أَخَذَ بِذَلِكَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَلَمَّا قَامَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخَذَ بِسُّنَّةِ الْخُلَفَاءِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مِلَّتَيْنِ امْتَنَعَ الْعَقْلُ بَيْنَهُمَا امْتَنَعَ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا كَالْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ التَّوَارُثَ مُسْتَحَقٌّ بِالْوِلَايَةِ وَقَدْ قَطَعَ اللَّهُ الْوِلَايَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فَوَجَبَ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِ التَّوَارُثَ وَلِأَنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ أَعْظَمُ مِمَّا بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ فَلَمَّا لَمْ يَتَوَارَثِ الذِّمِّيُّ وَالْحَرْبِيُّ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا كَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يَتَوَارَثَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ، فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْإِسْلَامُ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ " فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَوَابٌ.
أَحَدُهُمَا: إنَّ الْإِسْلَامَ يَزِيدُ بِمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَا يَنْقُصُ بِالْمُرْتَدِّينَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِسْلَامَ يَزِيدُ بِمَا يُفْتَحُ مِنَ الْبِلَادِ.
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِالْمِيرَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَنْكِحُ الْحَرْبِيَّةَ وَلَا يَرِثُهَا، وَقَدْ يَنْكِحُ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ وَلَا يَرِثُهَا، وَأَمَّا أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ قَهْرًا فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ تصير إِلَيْنَا إِرْثًا، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْحَرْبِيَّ وَإِنْ غَنِمَ مَالَهُ وَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ يَرِثُ الذِّمِّيَّ وَلَا يَغْنَمُ مَالَهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْتَبِرَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ.

فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْكُفْرِ هَلْ يَكُونُ كُلُّهُ مِلَّةً وَاحِدَةً أَوْ يَكُونُ مِلَلًا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ تَنَوَّعَ أَهْلُهُ وَبِهِ قَالَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مذهب أبي حنيفة وصاحبه.
وَقَالَ مَالِكٌ: الْكُفْرُ مِلَلٌ فَالْيَهُودِيَّةُ مِلَّةٌ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ مِلَّةٌ وَالْمَجُوسِيَّةُ مِلَّةٌ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَشُرَيْحٌ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: الزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ اسْتِدْلَالًا بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ التَّقَاطُعِ

(8/79)


بَيْنَهُمْ حَيْثُ يَقُولُ فِي حِكَايَتِهِ عَنْهُمْ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: 113] وَتَقَاطُعُهُمْ يَمْنَعُ مِنْ تَوَارُثِهِمْ، وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ شَرَائِعِهِمْ يُوجِبُ اخْتِلَافَ مِلَلِهِمْ، وَلِأَنَّ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ التَّبَايُنِ كَالَّذِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ مِنَ التَّبَايُنِ فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ مِلَلُهُمْ مُخْتَلِفَةً.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وقال الله تَعَالَى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120] فَجَمَعَهُمَا وَرَوَى عَمْرُو بن مرة عن أبي البختري الطائي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " الناس خير وأنا وأصحابي خير " وَلِأَنَّهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِي الْكُفْرِ وَإِنْ تَنَوَّعُوا كَمَا أن المسلمون مُشْتَرِكُونَ فِي الْحَقِّ وَإِنْ تَنَوَّعُوا وَلَيْسَ التَّبَايُنُ بَيْنَهُمْ بِمَانِعٍ مِنْ تَوَارُثِهِمْ كَمَا يَتَبَايَن أَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي مَذَاهِبِهِمْ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ اخْتِلَافَ تَوَارُثِهِمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ إِسْلَامٌ أَوْ كُفْرٌ لَا ثَالِثَ لَهُمَا.

فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كَيْفِيَّةِ تَوَارُثِهِمْ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يتوارثون منهم وَأَهْل الْعَهْدِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ عَلَى اخْتِلَافِ دِيَارِهِمْ وَأَهْلَ الْحَرْبِ يَتَوَارَثُونَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وإن اختلفت ديارهم وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا تَوَارُثَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْعَهْدِ لَا تَوَارُثَ بَيْنِهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلُ الْحَرْبِ يَتَوَارَثُونَ ما لم يختلف بِهِمُ الدَّارُ، وَاخْتِلَافُ دَارِهِمْ يَكُونُ بِاخْتِلَافِ مُلُوكِهِمْ وَمُعَادَاةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي الدِّينِ كَالتُّرْكِ وَالرُّومِ فَلَا يُوَرَّثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.
فَصْلٌ:
فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَذَاهِبِ إِذَا مَاتَ يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَتَرَكَ أُمًّا مِثْلَهُ يَهُودِيَّةً وَابْنًا مُسْلِمًا وَأَرْبَعَةَ إِخْوَةٍ أَحَدُهُمْ يَهُودِيٌّ ذِمِّيٌّ وَالْآخَرُ نَصْرَانِيٌّ ذِمِّيٌّ وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ مُعَاهَدٌ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ حَرْبِيٌّ فَعَلَى قَوْلِ مُعَاذٍ لِأُمِّهِ الْيَهُودِيَّةِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِابْنِهِ الْمُسْلِمِ وَلَا شَيْءَ لِإِخْوَتِهِ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ الْيَهُودِيَّةِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِأَخِيهِ الْيَهُودِيِّ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ فِي مِلَّتِهِ وَلَا يَحْجُبُ الْأُمَّ، لِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَلَا شَيْءَ لِمَنْ سِوَاهُ، وَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة لِأُمِّهِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَ أَخِيهِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا شَيْءَ لِأَخِيهِ الْمَجُوسِيِّ، لِأَنَّهُ مُعَاهَدٌ وَلَا شَيْءَ لِأَخِيهِ الْوَثَنِيِّ، لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ، وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأُمِّهِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَ إخوته الثلاثة اليهودي، والنصراني، والمجوسي المعاهد، لأنه أَهْلَ الْعَهْدِ يَرِثُونَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عِنْدَهُ وَلَا شَيْءَ لِأَخِيهِ الْوَثَنِيِّ، لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ.
فَصْلٌ:
وَلَوْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَثَنِيَّةً مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَأُمًّا يَهُودِيَّةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَابْنًا مُسْلِمًا وَبِنْتَ ابْنِ وَثَنِيَّةٍ تُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَأَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا مَجُوسِيٌّ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ

(8/80)


وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ مَنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَعَمًّا نَصْرَانِيًّا منْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ فَعَلَى قَوْلِ مُعَاذٍ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ الْمُسْلِمِ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْعَمِّ النَّصْرَانِيِّ، وَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة لِأُمِّهِ السُّدُسُ وَلِبِنْتِ ابْنِهِ النِّصْفُ، لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْجِزْيَةَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْبَاقِي لِأَخِيهِ الْمَجُوسِيِّ ولا شيء لزوجته ولا أخيه الوثني، لنه لَا يُوَرّثُ أَهْل الْعَهْدِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِزَوْجَتِهِ الرُّبُعُ، لِأَنَّهَا مُعَاهَدَةٌ وَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِأَخِيهِ الْمَجُوسِيِّ وَأَخِيهِ الْوَثَنِيِّ الْمُعَاهَدِ، وَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ ابْنِهِ الْوَثَنِيَّةِ الَّتِي تُؤَدِّي الْجِزْيَةَ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ عنده من عبدة الأوثان.

فَصْلٌ:
فَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَرَكَ ابْنًا مُسْلِمًا وَابْنًا نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَ فَإِنْ كَانَ إِسْلَامُ النَّصْرَانِيِّ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ وَلَوْ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا إِجْمَاعٌ وَإِنْ كَانَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ وَلَوْ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ لَمْ يَرِثْهُ وَهَكَذَا لَوْ تَرَكَ الْمُسْلِمُ الْحُرُّ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَالْآخَرُ عَبْدٌ أُعْتِقَ فَإِنْ كَانَ عِتْقُهُ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ وَرثَهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَرِثْهُ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: أبو حنيفة وَمَالِكٌ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَمَكْحُولٍ أَنَّهُمْ وَرثوا مَنْ أَسْلَمَ أَوْ أُعْتِقَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَحُكِيَ عَنْ إِيَاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ أَنَّهُمْ وَرَّثُوا مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَمْ يُوَرِّثُوا مَنْ أُعْتِقَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ " وَرَوَى أَبُو الشَّعْثَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى ما قسم له وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ فَإِنَهُ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ " وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ " وَلِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَنْتَقِلُ بالمورث إِلَى مِلْكِ الْوَارِثِ لَا بِالْقِسْمَةِ وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْقِسْمَةِ لَا يُوجِبُ تَوْرِيثَ مَنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ كَمَا أَنَّ تَقْدِيمَهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ مَنْ هُوَ وَارِثٌ، وَلِأَنَّهُ إِنْ وُلِدَ لِلْمَيِّتِ إِخْوَةٌ قبل قسمة تركته لا يرثوه فهذا كما لَوْ أَسْلَمُوا لَمْ يَرِثُوهُ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ " فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ مَالٌ فَهُوَ لَهُ لَا يَزُولُ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ.
وَالثَّانِي: مَنْ أسلم قبل موت مورثه رَغْبَةً فِي الْمِيرَاثِ فَهُوَ لَهُ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ إِذَا وَرِثُوا مَيِّتَهُمْ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ كَانَ عَلَى جاهليتهم، وَلَوْ أَسْلَمُوا قَبْلَ قِسْمَتِهِ اقْتَسَمُوهُ عَلَى قِسْمَةِ الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
وَإِذَا مَاتَ ذِمِّيٌّ وَلَا وَارِثَ لَهُ كَانَ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا لَا مِيرَاثًا وَيُصْرَفُ مَصْرَفَ

(8/81)


الْفَيْءِ فَلَوْ كَانَ لَهُ عَصَبَةٌ مُسْلِمُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيمَا صَارَ مِنْهُ إِلَى بَيْتِ المال حق وهكذا إذا كَانَ عَصَبَةُ الذِّمِّيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَيْسَ لَهُمْ عَهْدٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهُمْ مِنْهُ، وَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا وَلَوْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ اسْتَحَقُّوا مِيرَاثَهُ.

فَصْلٌ:
وَإِذَا تَحَاكَمَ أَهْلُ الْحَرْبِ إِلَيْنَا فِي مِيرَاثِ مَيِّتٍ مِنْهُمْ وَلَهُ وَرَثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَوَرَثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَوَرَثَةٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يُوَرَّثْ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْهُمْ كَمَا لَا نُوَرِّثُهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَقَسَّمْنَا مِيرَاثَهُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الْعَهْدِ مع اتفاق دارهم واختلافا وتباين أناسهم واتفاقها كالروم والترك والهند وَالزِّنْجِ. وَقَطَعَ أبو حنيفة التَّوَارُثَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ أَجْنَاسِهِمْ وَالْمُتَبَايِنِينَ فِي دِيَارِهِمْ فَلَمْ يُوَرِّثِ التركي من الرومي ولا الزوجي مِنَ الْهِنْدِيِّ، وَهَذَا قَوْلٌ يَؤُولُ إِلَى أَنْ يُجْعَلَ الْكُفْر مِلَلًا وَهُوَ لَا يَقُولُهُ.

مَسْأَلَةٌ:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَالْمَمْلُوكُونَ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ الْعَبْدُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ فَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ كَانَ مَالُهُ لِسَيِّدِهِ مِلْكًا وَلَا حَقَّ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ وَهَذَا إِجْمَاعٌ فَأَمَّا إِذَا مَاتَ لِلْعَبْدِ أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ لَمْ يَرِثْهُ الْعَبْدُ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَحُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ إِذَا مَاتَ أَبُو الْعَبْدِ وأخوه اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ تَرِكَتِهِ وَأَعْتَقَ وَجَعَلَ لَهُ ميراثه فاختلف أصحابنا هل قال ذلك استحبابا أو واجبا فقال بعضهم ذهبنا إلى استحبابه رأيا وقال آخرون: بل ذهبنا إِلَيْهِ وَاجِبًا وَقَالَاهُ مَذْهَبًا حَتْمًا، وَبِوُجُوبِ ذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَفِي هَذَا الْقَوْلِ إِجْمَاعٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُورثُ [فِي حَالِ رِقِّهِ وَهُوَ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ] لَا يَمْلِكُ إِذَا مَلَكَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْمِيرَاثِ أَقْوَى مِنْهُ بِالتَّمْلِيكِ وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا ابتياعه وعتقه، وهذا غير لازم مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ عَبْدِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ بِيعَ مِنْ سَيِّدِهِ لَكَانَ يَرِثُ مُعْتَقًا بَعْدَ الْمَوْتِ وهذا دليل عَلَى أَنَّ الْمُعْتَقَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَرِثُ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا الْمُدَبَّرُ فَكَالْعَبْدِ لَا يَرِثُ وَلَا يُورثُ وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ لَا تَرِثُ وَلَا تُورثُ فَأَمَّا الْمُكَاتِبُ فَهُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ لَا يَرْثِ وَلَا يُورثُ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الزُّهْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ إِذَا كُتِبَتْ صَحِيفَةُ الْمُكَاتِبِ عَتقَ وَصَارَ حُرًّا يرث ويورث

(8/82)


وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أدى وَيَرِثُ بِهِ ويرق منه بقدر ما بقي ولا يرث به.
وَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنْ أَدَّى قَدْرَ قِيمَتِهِ عَتَقَ وَوَرِثَ وَإِلَّا فَهُوَ عَبْدٌ لَا يَرِثُ وَقَالَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَإِنْ مَاتَ لَهُ مَيِّتٌ لَمْ يَرِثْهُ.
قَالَ: وَإِنْ مَاتَ أَدَّى مِنْ مَالِهِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ وَجَعَلَ الْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ إِلَّا أَنَّ أبا حنيفة يَجْعَلُ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَمَنْ كَانَ حُرًّا.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ دُونَ مَنْ كَانَ حُرًّا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَمِيعِهِمْ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ درهم؛ وَلِأَنَّ مَنْ مَنَعَهُ الرِّقُّ مِنْ أَنْ يَرِثَ منعه الرق أَنْ يُوَرَّثَ كَالْعَبْدِ.

فَصْلٌ:
فَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ يَرِثُ أَمْ لَا؟ فَحُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ منه ويحجب به، قَالَ الْمُزَنِيُّ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَرِثُ كُلَّ الْمَالِ كَالْأَحْرَارِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رحمة الله عليهما أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِحَالٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تُكْمَلْ حُرِّيَّتُهُ فَأَحْكَامُ الرِّقِّ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ، فَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ حُرٌّ وَتَرَكَ ابْنًا حُرًّا وَابْنًا نَصْفُهُ حُرٌّ فَعَلَى قَوْلِ الْمُزَنِيِّ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّهُ مَقْسُومٌ عَلَى حُرِّيَّةٍ وَنِصْفٍ فَيَكُونُ لِلْحُرِّ ثُلُثَاهُ وَلِلَّذِي نِصْفُهُ حُرٌّ ثُلُثُهُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي حُكْمِ الْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْمَالُ لِلْحُرِّ وَحْدَهُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَلَوْ تَرَكَ الْحُرُّ ابْنًا نِصْفُهُ حُرٌّ وَعَمًّا حُرًّا، على قَوْلِ الْمُزَنِيِّ لِلِابْنِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ، وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف الْمَالُ كُلُّهُ لِلِابْنِ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْعَمِّ، وَلَوْ تَرَكَ الْحُرُّ ابْنَيْنِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حرا وَعَمًّا حُرًّا فَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف الْمَالُ لِلِابْنَيْنِ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْمَالُ لِلْعَمِّ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ الْمُزَنِيِّ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُمَا النِّصْفَ؛ لِأَنَّ لَهُمَا نِصْفَ الحرية والنصف الآخر للعم.
والوجه الثاني: أن يَجْمَعَ حُرِّيَّتَهُمَا فَيَكُونُ حُرِّيَّةُ ابْنٍ تَامٍّ فَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا وَلَا شَيْءَ لِلْعَمِّ، فَلَوْ تَرَكَ الْحُرُّ ابْنًا وَبِنْتًا نَصِفُهَا حُرٌّ، فَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف الْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْحُرِّ من الابنين، وفيه على قَوْلِ الْمُزَنِيِّ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلِابْنِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْمَالِ، وَلِلْبِنْتِ السُّدُسُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبِنْتَ لَوْ كَانَتْ حُرَّةً لَكَانَ لِلِابْنِ الثُّلُثَانِ، وَلَهَا الثلث، ولو كانت أمة لكان لِلِابْنِ جَمِيعُ الْمَالِ، وَلَا شَيْءَ لَهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا بِنِصْفِ الْحُرِّيَّةِ النِّصْفُ مِمَّا تَسْتَحِقُّهُ بِجَمِيعِ الْحُرِّيَّةِ، وَذَلِكَ السُّدُسُ وَيَرْجِعُ السُّدُسُ الْآخَرُ عَلَى الِابْنِ.

(8/83)


وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ لِلِابْنِ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْمَالِ وَلِلْبِنْتِ الْخُمُسُ.
وَوَجْهُهُ: أَنَّ حُرِّيَّةَ الْبِنْتِ لَوْ كَمُلَتْ قَابَلَتْ نِصْفَ حُرِّيَّةِ الِابْنِ فَصَارَ نِصْفَ حُرِّيَّتِهَا يُقَابِلُ رُبُعَ حُرِّيَّةِ الِابْنِ، فَيُقَسِّمُ الْمَالَ عَلَى حُرِّيَّةٍ وَرُبُعٍ فَيَصِيرُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْبِنْتِ سَهْمٌ.

فَصْلٌ:
وَأَمَّا إِذَا مَاتَ هَذَا الْمُعْتَقُ نِصْفُهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ إِنَّهُ لَا يُوَرَّثُ، وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَرِثْ بِحُرِّيَّتِهِ لَمْ يرث بهما.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يكون مورثا عَنْهُ لِوَرَثَتِهِ دُونَ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: يَكُونُ مَا كَانَ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ مُنْتَقِلًا إِلَى بَيْتِ الْمَالِ لَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي حُرِّيَّتِهِ وَلَا يُوَرَّثُ عَنْهُ لِبَقَاءِ أَحْكَامِ رِقِّهِ فَكَانَ أَوْلَى الْجِهَاتِ بِهِ بَيْتَ الْمَالِ وَلِهَذَا الْقَوْلِ عِنْدِي وَجْهٌ أراه والله أعلم.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " والقاتلون عمدا أو خطأ ومن عمي موته كل هؤلاء ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الأمة أن قاتل العمد لا يرث عن مَقْتُولِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَالِ وَلَا مِنَ الدِّيَةِ وإن ورث غيره الْخَوَارِجُ وَبَعْضُ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ فَقَدْ حُكِيَ عَنْهُمْ توريث القاتل عمدا استصحابا لحاله قَبْلَ الْقَتْلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِمْ مَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ.
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ.
وَرَوَى عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ والده أو ولده فليس لقاتل ميراث " وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْقَاتِلُ عَمْدًا لَا يَرِثُ مِنْ أَخِيهِ وَلَا مِنْ ذِي قَرَابَتِهِ وَيَرِثُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ نسبا بعد القاتل "؛ لأن اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ تَوَاصُلًا بَيْنَ الأحياء والأموات لاجتماعهم على المولاة والقاتل قاطع للموالاة عَادِلٌ عَنِ التَّوَاصُلِ فَصَارَ أَسْوَأَ حَالًا مِنَ الْمُرْتَدِّ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَرَّثَ الْقَاتِلَ لَصَارَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى قَتْلِ كُلِّ مُوَرِّثٍ رَغِبَ وَارِثُهُ فِي اسْتِعْجَالِ مِيرَاثِهِ، وَمَا أَفْضَى إِلَى مِثْلِ هَذَا فَالشَّرْعُ مَانِعٌ مِنْهُ.

(8/84)


فَصْلٌ:
فَأَمَّا الْقَاتِلُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَامِدًا فِي الْقَتْلِ قَاصِدًا لِلْإِرْثِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ: قَاتِلُ الْخَطَأِ يَرِثُ مِنَ الْمَالِ وَلَا يَرِثُ مِنَ الدِّيَةِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: قَاتِلُ الْخَطَأِ يَرِثُ مِنَ الْمَالِ وَالدِّيَةِ جَمِيعًا.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَرِثُ قَاتِلُ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَيَرِثُ وَكَذَلِكَ الْعَادِلُ إِذَا قَتَلَ بَاغِيًا وَرِثَهُ وَلَا يَرِثُ الْبَاغِي إِذَا قَتَلَ عادلا، ومال أبو يوسف ومحمد بن الحسن [إلى] إرث الْبَاغِي الْعَادِل كَمَا يَرِثُ الْعَادِلُ الْبَاغِي إِذَا كانا متأولين.
وقال الشافعي: كل قاتل يطلق عَلَيْهِ اسْمُ الْقَتْلِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ عَاقِلٍ أَوْ مَجْنُونٍ عَامِدٍ أَوْ خَاطِئٍ مُحِقٍّ أَوْ مُبْطِلٍ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا مَالِكٌ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَاتِلَ الْخَطَأِ يَرِثُ مِنَ الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " يرث الزوج زَوْجَته مَالَهَا وَدِيَتَهَا وَتَرِثُ مِنْ زَوْجِهَا مَالَهُ وديته ".
فإن قتله أحدهما عمدا لم يرثه وإن قتل خطأ ورث ماله دون ديته وَهَذَا نَصٌّ إِنْ صَحَّ، وَلِأَنَّ مَنْعَ الْقَاتِلِ مِنَ الْمِيرَاثِ عُقُوبَةٌ وَالْخَاطِئُ لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ عُمُومُ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ " وَرَوَى أَبُو قِلَابَةَ قَالَ: " قَتَلَ رَجُلٌ أَخَاهُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخُطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يُوَرِّثْهُ مِنْهُ ".
وقال: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا قَتَلْتُهُ خَطَأً " قَالَ: " لَوْ قَتَلْتَهُ عَمْدًا لَأَقَدْنَاكَ بِهِ " وَرَوَى خِلَاسٌ " أَنَّ رَجُلًا قَذَفَ بِحَجَرٍ فَأَصَابَ أُمَّهُ فَقَتَلَهَا فَغَرَّمَهُ عَلِيُّ بِنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ الدِّيَةَ وَنَفَاهُ مِنَ الْمِيرَاثِ " وَقَالَ: " إِنَّمَا حَظُّكَ مِنْ مِيرَاثِهَا ذَاكَ الْحَجَرُ " وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ سَقَطَ إِرْثُهُ عَنْ دِيَةِ مَقْتُولِهِ سَقَطَ عَنْ سائر ماله كالعامد لأن كُلَّ مَالٍ حُرِمَ إِرْثُهُ لَوْ كَانَ عَامِدًا حُرِمَ إِرْثُهُ وَإِنْ كَانَ خَاطِئًا كَالدِّيَةِ، فَأَمَّا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " رفع عن أمتي الخطأ " فَمَعْنَاهُ مَأْثَمُ الْخَطَأِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شعيب فمرسل وراوية مُحَمَّد بْن سَعِيدٍ الْمَصْلُوب صُلِبَ فِي الزَّنْدَقَةِ عَلَى مَا قِيلَ، ثُمَّ لَوْ سَلِمَ لَحُمِلَ عَلَى إِرْثِ مَا اسْتَحَقَّهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ صَدَاقٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أنَّ الْخَاطِئَ لَا يُعَاقَبُ بِمَنْعِ الْمِيرَاثِ قُلْنَا هَلَّا أَنْكَرْتُمْ بِذَلِكَ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَيْهِ وَالْكَفَّارَةِ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ إِذَا كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَرِثَ وَهَكَذَا مَنْ قَتَلَ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يحتلم وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَنْتَبِهَ " فَاقْتَضَى عُمُومُ ذَلِكَ رَفْعَ الْأَحْكَامِ عَنْهُ.

(8/85)


قَالَ: وَلِأَنَّ كُلَّ عُقُوبَةٍ تَعَلَّقَتْ بِالْقَتْلِ سَقَطَتْ عَنِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَالْقَوَدِ وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ ".
وَلِأَنَّ مَوَانِعَ الْإِرْثِ يَسْتَوِي فِيهَا الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْعَاقِلُ كَالْكُفْرِ وَالرِّقِّ، ولأنه قتل مضمون وجب أن يمنع الإرث كالبالغ العاقل ولأن كل فِعْل لَوْ صَدَرَ عَنِ الْكَبِيرِ قَطَعَ التَّوَارُثَ فَإِذَا صَدَرَ عَنِ الصَّغِيرِ وَجَبَ أَنْ يَقْطَعَ التَّوَارُثَ.
أَصْلُهُ فَسْخُ النِّكَاحِ وَلِأَنَّ مَنْعَ الْقَاتِلِ من الإرث لا يخلو أن يكون بمكان الإرث فَهُوَ مَا يَقُولُهُ مَنْ مَنَعَ الْإِرْثَ لِكُلِّ مَنِ انْطَلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ أَوْ يَكُونُ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ فَقَدْ يَخْفَى ذَلِكَ مِنَ الْخَاطِئِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ لِاحْتِمَالِ قَصْدِهِمْ وَتظَاهِرهمْ بِمَا يَنْفِي التُّهْمَةَ عَنْهُمْ، فَلَمَّا خَفِيَ ذَلِكَ مِنْهُمْ صَارَ التَّحْرِيمُ عاما كالخمر التي حرمت ولأنها تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَحَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَابَ فِي تَحْرِيمِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وإن كان قليلا لا يصد لاشتباه الأمر بما يصد.
فأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " رفع القلم عن ثلاث " فإنما أراد به رفع المأثم، وليس رفع الْإِرْثِ مُتَعَلِّقًا بِرَفْعِ الْمَأْثَمِ كَالْخَاطِئِ وَالنَّائِمِ لَا مَأْثَمَ عَلَيْهِمَا وَلَوِ انْقَلَبَ نَائِمٌ عَلَى مُوَرِّثِهِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَرِثْهُ بِوِفَاقٍ مِنْ أبي حنيفة، وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ مَنْعَ الْإِرْثِ عُقُوبَةٌ فَأَشْبَهَ الْقَوَدَ، لِأَنَّ الْخَاطِئَ لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ يُمْنَعُ مِنْ مِيرَاثِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعُقُوبَةَ.

فَصْلٌ:
فَإِذَا تَمَهَّدَ مَا وَصَفْنَا فَلَا يَخْلُو حَالُ الْقَتْلِ إِذَا حَدَثَ عَنِ الْوَارِثِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَنْ سَبَبٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ فَإِنْ كَانَ عَنْ سَبَبٍ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يُوجِبَ الضَّمَانَ، كرجل حفرا بئرا في ملكه فسقط فيه أَخُوهُ أَوْ سَقَطَ حَائِطُ دَارِهِ عَلَى ذِي قرابته أو وضع في داره حجر فَعَثَرَ بِهِ فَإِذَا مَاتَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لَمْ يَسْقُطْ مِيرَاثُهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إِلَى الْقَتْلِ لَا اسْمًا وَلَا حُكْمًا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ كَوَضْعِهِ حَجَرًا فِي طَرِيقٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ فِي غَيْرِ مِلْكٍ أَوْ سُقُوطِ جَنَاحٍ مِنْ دَارِهِ فَإِذَا هَلَكَ بِذَلِكَ ذُو قَرَابَتِهِ لم يرثه عند الشافعي وورثه أبو حنيفة.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: مَا كَانَ فِيهِ مُتَّهَمًا لَمْ يَرِثْهُ بِهِ وَمَا كان منه غير متهم فيه ورثه هذا يَنْكَسِرُ بِالْخَاطِئِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَة فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بَغَيْرِ حَقٍّ فَيَكُونُ مَانِعًا مِنَ الْمِيرَاثِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مِنْ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ فِي صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فِي عَقْلٍ أَوْ جُنُونٍ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِحَقٍّ كَالْقِصَاصِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَتْلًا هُوَ مُخَيَّرٌ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ كالقود إذا أوجب لَهُ فَلَا يَرِثُ بِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يكون قتلا واجبا كالحاكم والإمام إِذَا قَتَلَ أَخَاهُ قَوَدًا لِغَيْرِهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا مِيرَاثَ لَهُ اعْتِبَارًا بِالِاسْمِ.

(8/86)


وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: إِنْ قَتَلَهُ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ متهومٌ فِي تَعْدِيلِهَا وإن قتله بإقراره ورثه لأنه غير متهوم.

فَصْلٌ:
فَمِنْ فُرُوعِ مَا مَهَّدْنَاهُ أَنَّ ثَلَاثَةَ إِخْوَةٍ لَوْ قَتَلَ أَحَدُهُمْ أَبَاهُمْ عَمْدًا كَانَ مِيرَاثُ الْأَبِ لِلْأَخَوَيْنِ سِوَى الْقَاتِلِ، وَلَهُمَا قَتْلُ الْقَاتِلِ فَإِنْ قَتَلَاهُ قَوَدًا لَمْ يَرِثَاهُ فَلَوْ لَمْ يَقْتُلَاهُ حَتَّى مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ مِيرَاثُهُ بين القاتل والثاني مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ مَقْتُولَهُ، وَيَرِثُ غَيْرُهُ وَلَيْسَ لِلْأَخِ الْبَاقِي أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرِثَ مِنْ أَخِيهِ نِصْفَ حق وَذَلِكَ رُبُعُ دَمِ نَفْسِهِ فَسَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ بَعْضَ نَفْسِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ لِأَخِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دَمِ أبيه نصفه لميراثه عَنْ أَبِيهِ وَرُبُعُهُ بِمِيرَاثِهِ عَنْ أَخِيهِ.
فَصْلٌ:
وَمِنْ فُرُوعِهِ أَيْضًا لَوْ أَنَّ أَخَوَيْنِ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ قَتَلَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ أُمَّهُمْ عَمْدًا وَأَبُوهُمْ وَارِثُهَا كَانَ مِيرَاثُ الْأُمِّ بَيْنَ زَوْجِهَا وابنها وبنتها عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، وَعَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ لِأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَأُخْتِهِ فَلَوْ لَمْ يَقْتَصُّوا مِنْهُ حَتَّى مَاتَتِ الْأُخْتُ كَانَ لِلْأَبِ وَالْأَخِ غَيْرِ الْقَاتِلِ أَنْ يَقْتُلَاهُ لِأَنَّ مِيرَاثَ الْأُخْتِ صَارَ إِلَى الأب فلم يرث القاتل منه شَيْئًا فَلَوْ مَاتَ الْأَبُ سَقَطَ الْقَوَدُ عَنِ الْقَاتِلِ، لِأَنَّ مِيرَاثَهُ صَارَ إِلَيْهِ وَإِلَى أَخِيهِ، وَصَارَ لِلْأَخِ عَلَى الْقَاتِلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دَمِ الأم، لأن الأب قد كان ورث منهما بالزوجية الربع وورث عن بِنْتِهِ الرُّبُعَ فَصَارَ لَهُ بِالْمِيرَاثِ النِّصْفُ، وَلِلْأَخِ النِّصْفُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنِ النِّصْفِ فَصَارَ بين القاتل والأخ نصفين والله أعلم.

مسألة:
قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ عَمِيَ مَوْتُهُ صنفان عرقى وَمَفْقُودُونَ. فَأَمَّا الْغَرْقَى وَمَنْ ضَارَعَهُمْ مِنَ الْمَوْتَى تَحْتَ هَدْمٍ أَوْ فِي حَرِيقٍ فَلَا يَخْلُو حالهم من أربعة أقسام:
أحدهما: أن يعلم ويتيقن مَوْتهُمْ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُمْ وَتَأَخَّرَ فَهَذَا يُوَرّثُ الْمُتَأَخِّر مِنَ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا يُوَرّثُ الْمُتَقَدِّمَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِ وَهَذَا إِجْمَاعٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُعْلَمَ يَقِينُ مَوْتِهِمْ أَنَّهُ كَانَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ بَعْضهم عَلَى بَعْضٍ فَهَذَا يُقْطَعُ فِيهِ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمْ بِإِجْمَاعٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يقطع أَيُّهُمْ مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ ثُمَّ يَطْرَأَ الْإِشْكَالُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَهَذَا يُوقِفُ مِنْ تَرِكَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِيرَاثَ مَنْ كَانَ مَعَهُ وَيُقَسَّمُ مَا سِوَاهُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَيَكُونُ الْمَوْقُوفُ مَوْضُوعًا حَتَّى يَزُولَ الشَّكُّ أَوْ يَقَعَ فِيهِ الصُّلْحُ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَقَعَ الشَّكُّ فِيهِمْ فَلَا يُعْلَمُ هَلْ مَاتُوا مَعًا أَوْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَا يُعْلَمُ الْمُتَقَدِّمُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَقْطَعُ التَّوَارُثَ بَيْنَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَيَدْفَعُ مِيرَاثَ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَى غَيْرِ مَنْ هَلَكَ مَعَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ.
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَالْحُسْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثابت

(8/87)


وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وأبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ وَالزُّهْرِيُّ.
وقال إياس بن عبد الرحمن أُوَرِّثُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ تِلَادِ أَمْوَالِهِمْ ولا أورث ميتا من ميت مما وَرِثَهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَيِّتِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَمِنَ التَّابِعِينَ شُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ إِشْكَالَ التَّوَارُثِ لَا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِحْقَاقِهِ كَالْخُنَاثَى.
وَالدَّلِيلُ عَلَى سُقُوطِ التوارث بينهم أن من أشكل استحقاقه لَمْ يُحْكُمْ لَهُ بِالْمِيرَاثِ كَالْجَنِينِ، وَكَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مَاتَ أَخُوهُ وَأَشْكَلَ هَلْ كَانَ عتقه قبل موته أو بعده لم يرثه بِالْإِشْكَالِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَرِثْ بَعْضَ الْمَالِ لم يرث باقيه كالأجانب فأما الخناثى فَإِنَّمَا وَقَفَ أَمْرُهُ مَعَ الْإِشْكَالِ، لِأَنَّ بَيَانَهُ مَرْجُوٌّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَرْقَى لِفَوَاتِ الْبَيَانِ.

فَصْلٌ:
وَعَلَى هَذَا لَوْ غَرِقَ أَخَوَانِ أَحَدهُمَا مَوْلَى هَاشِمٍ وَالْآخَرُ مَوْلَى تَمِيمٍ وَلَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ يُقْطَعُ التَّوَارُثُ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَيُجْعَلُ ميراث الهاشمي لمولاه وميراث التميمي أولاه، وَعَلَى قَوْلِ إِيَاسٍ، وَمَنْ وَرَّثَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَالَ: مِيرَاثُ الْهَاشِمِيِّ لِأَخِيهِ التَّمِيمِيِّ، ثُمَّ مات التميمي يورثه مولاه، وَمِيرَاثُ التَّمِيمِيِّ لِأَخِيهِ الْهَاشِمِيِّ ثُمَّ مَاتَ الْهَاشِمِيُّ فورثه مولاه ثم مات التميمي وورثه مَوْلَاهُ فَيَصِيرُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَوْلَى أَخِيهِ، فَلَوْ خَلَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَوْجَةً وَبِنْتًا: فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ لَمْ يُوَرِّثْ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ: يَجْعَلُ مِيرَاثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِزَوْجَتِهِ مِنْهُ الثُّمُنَ، وَلَبِنَتِهِ النِّصْفَ، وَالْبَاقِي لِمَوْلَاهُ، وَعَلَى قَوْلِ إِيَاسٍ وَمَنْ وَرَّثَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ جَعَلَ مِيرَاثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهِ وَأَخِيهِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ كل واحد منهما من زوجته وبنته وأخيه لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ سَهْمٌ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وللأخ ثلاثة أسهم ثم تقسم أَسْهُمُ الْأَخِ الثَّلَاثَة بَيْنَ الْأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ وَهُمْ زَوْجَةٌ، وَبِنْتٌ، وَمَوْلَى فَتَكُونُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ، وهي غير منقسمة عليهم وَلَا مُوَافِقَةٍ، فَاضْرِبْ ثَمَانِيَةً فِي ثَمَانِيَةٍ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ سَهْمًا، فَاقْسِمْ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ منهما على أربعة وستين، لزوجته ثمن ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ، وَلِبِنْتِهِ النِّصْفُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سَهْمًا، وَلِأَخِيهِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا تُقَسَّمُ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ من ورثته معهم زوجته وَبِنْتٌ وَمَوْلَى، فَيَكُونُ لِزَوْجَتِهِ مِنْهَا الثُّمُنُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلَبِنَتِهِ النِّصْفُ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا، وَلِمَوْلَاهُ مَا بَقِيَ وَهُوَ تِسْعَةُ أَسْهُمٍ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا الْمَفْقُودُ إِذَا طَالَتْ غَيْبَتُهُ فَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مَوْتٌ وَلَا حَيَاةٌ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ عَلَى حُكْمِ الْحَيَاةِ حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهِ مُدَّةٌ يُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعِيشَ بَعْدَهَا، فَيُحْكَمُ حِينَئِذٍ بِمَوْتِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّرَ ذلك بزمان محصور وهذا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أبي حنيفة وَمَالِكٍ.
وَقَالَ أبو يوسف: يوقف تمام مائة وعشرون سَنَةً مَعَ سِنِّهِ يَوْمَ فُقِدَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَبْلُغُهُ أَهْلُ هَذَا الزَّمَانِ مِنَ الْعُمُرِ.

(8/88)


وقال عبد الملك بن الماحشون يُوقِفُ تَمَامَ تِسْعِينَ سَنَةً مَعَ سِنِّهِ يَوْمَ فُقِدَ ثُمَّ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُوقِفُ تَمَامَ سَبْعِينَ سَنَةً مَعَ سِنِّهِ يَوْمَ فُقِدَ ثُمَّ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ وَكُلُّ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فِي التَّحْدِيدِ فَاسِدَةٌ لِجَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَإِمْكَانِ التَّجَاوُزِ لَهَا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ إِلَّا بِالْيَقِينِ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعِيشَ إِلَيْهَا قَسَمَ مَالَهُ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَنْ كَانَ حَيًّا مِنْ وَرَثَتِهِ، وَلَوْ مَاتَ لِلْمَفْقُودِ مَيِّتٌ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ وَجَبَ أَنْ يُوقِفَ مِنْ تَرِكَتِهِ مِيرَاثُ الْمَفْقُودِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، فَإِنْ بَانَ حَيًّا كَانَ لَهُ وَارِثًا، وَإِنْ بَانَ مَوْتُهُ مِنْ قَبْلُ رُدَّ عَلَى الْبَاقِينَ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَشْكَلَ حَالُ مَوْتِهِ.

فَصْلٌ:
مِثَالُ ذَلِكَ امْرَأَةٌ مَاتَتْ وَخَلَّفَتْ أُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَزَوْجًا مفقودا، وعصبة، فقال إِنْ كَانَ الزَّوْجُ الْمَفْقُودُ حَيًّا فَالتَّرِكَةُ مِنْ سَبْعَةِ أَسْهُمٍ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الْمَفْقُودُ مَيِّتًا فَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلْثَانِ، وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ، وَتَصِحُّ مِنْ ثلاثة، فاضرب ثلاثة في سبعة تكن إحدى وَعِشْرِينَ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حَيًّا فَلَهُ تِسْعَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْأُخْتَيْنِ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا وَلَا شَيْءَ لِلْعَصَبَةِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَيِّتًا فَلِلْأُخْتَيْنِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ وَهُوَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ فَيُعْطى الْأُخْتَانِ أَقَلَّ الْفَرْضَيْنِ وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ سهما، لأنه اليقين، ولا يدفع للعصبة شيئا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ حَيًّا فَإِنْ بَانَ الزوج حيا فالتعسة كُلُّهَا لَهُ، وَإِنْ بَانَ مَيِّتًا ردَّ عَلَى الْأُخْتَيْنِ سَهْمَانِ تَمَامُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَدَفَعَ إِلَى الْعَصَبَةِ الْبَاقِي وَهُوَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ.
فَلَوْ خلفت المرأة زوجا، وأما، وأختا لِأُمٍّ، وَأُخْتًا لِأَبٍ، وَأَخًا لِأَبٍ مَفْقُودًا فَالْعَمَلُ أن نقول: إذا كَانَ الْأَخُ الْمَفْقُودُ حَيًّا فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْأَخِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْأُخْت لِلْأَبِ النِّصْفُ وَتَعُولُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ، وَالثَّمَانِيَةُ تُوَافِقُ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ بِالْإِنْصَافِ، فَاضْرِبْ نِصْفَ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَكُن اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ يَأْخُذُهُ فِي نِصْفِ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَهُوَ تِسْعَةٌ، وَمِنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَأْخُذُهُ فِي نِصْفِ الثَّمَانِيَةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، فَلِلزَّوْجِ مِنَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ تِسْعَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَلَهُ مِنَ الثَّمَانِيَةِ ثَلَاثَةٌ فِي تِسْعَةٍ تَكُنْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ فَأَعْطِهِ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ وَلِلْأُمِّ مِنَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ وَلَهَا مِنَ الثَّمَانِيَةِ سَهْمٌ فِي تِسْعَةٍ فَأَعْطِهَا تِسْعَةَ أَسْهُمٍ، لِأَنَّهَا أَقَلُّ النصيبين وللأخ من الأم أَيْضًا تِسْعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُخْتِ مِنَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمٌ وَاحِدٌ فِي أَرْبَعَةٍ، وَلَهَا مِنَ الثَّمَانِيَةِ ثَلَاثَةٌ فِي تِسْعَةٍ تَكُنْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ فَأَعْطِهَا أربعة، لأنها أقلها وَيُوقِفُ الْبَاقِي بَعْدَ هَذِهِ السِّهَامِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا، فَإِنْ كَانَ الْأَخُ الْمَفْقُودُ حَيًّا أخذ ثلاثة أَسْهُمٍ ضِعْفَ مَا أَخَذَتْهُ

(8/89)


أُخْتُهُ وَأُعْطِيَ الزَّوْجُ تِسْعَةَ أَسْهُمٍ تَمَامَ النِّصْفِ، وَأُعْطِيَتِ الْأُمُّ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ تَمَامَ السُّدُسِ، وَأُعْطِيَ الْأَخُ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْمَفْقُودُ مَيِّتًا دَفَعْتَ مَا وَقَفْتَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا إِلَى الْأُخْتِ حَتَّى يَتِمَّ لها تسعة وعشرون سهما هو تَمَامُ نَصِيبِهَا مِنْ مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَخَ إِنْ كَانَ حَيًّا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنَ الثَّلَاثَةِ وَالْعِشْرِينَ الْمَوْقُوفَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ، فَلَوِ اصْطَلَحَ الْوَرَثَةُ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ المفقود على ما بقي مِنَ السِّهَامِ الْمَوْقُوفَةِ بَعْدَ نَصِيبِ الْمَفْقُودِ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ سَهْمًا جَازَ الصُّلْحُ، لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ لهم وإن اصطلح عَلَى الثَّمَانِيَةِ الْمَوْقُوفَةِ لِلْمَفْقُوِدِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهَا لِغَيْرِهِمْ وَلَوْ خَلَّفت زَوْجًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأُخْتًا لِأَبٍ، وَأَخًا لِأَبٍ مَفْقُودًا كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ، وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ، وَيُوقِفُ السُّبُعُ فَإِنْ ظَهَرَ الْمَفْقُودُ مَيِّتًا دُفِعَ إِلَى الْأُخْتِ لِلْأَبِ، وَإِنْ ظَهَرَ حَيًّا ردَّ عَلَى الزَّوْجِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَيَجُوزُ لَهُمْ قَبْلَ ظُهُورِ حَالِ الْمَفْقُودِ أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى السَّهْمِ الْمَوْقُوفِ، لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ للمفقود.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " لَا يَرِثُونَ وَلَا يَحْجُبُونَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ مَنْ لَمْ يَرِثْ بِرِقٍّ أَوْ كُفْرٍ أَوْ قَتْلٍ لَمْ يَحْجُبْ، فَلَا يَرِثُونَ وَلَا يَحْجُبُونَ، وَبِهِ قَالَ الْجَمَاعَةُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يَحْجُبُونَ ذَوِي الْفُرُوضِ إِلَى أَقَلِّ الْفَرْضَيْنِ، كَالزَّوْجِ مِنَ النِّصْفِ إِلَى الرُّبُعِ، وَالزَّوْجَةِ مِنَ الرُّبُعِ إِلَى الثُّمُنِ، وَالْأُمِّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، وَلَا يُسْقِطُونَ الْعَصَبَةَ كَالِابْنِ الكافر لا يسقط ابن الابن، واختلف الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي إِسْقَاطِ ذَوِي الْفُرُوضِ عَنْ كُلِّ الْفُرُوضِ، كَإِسْقَاطِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ بِالْبِنْتِ الْكَافِرَةِ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الْحَجْبَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِالْمِيرَاثِ، كَالْإِخْوَةِ مَعَ الْأَبَوَيْنِ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ إِلَى السُّدُسِ وَلَا يَرِثُونَ وَالدَّلِيلُ على إسقاط حجبهم قوله تعالى: {فإن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ شَرْطًا فِي حُكْمِ الْعَطْفِ كَمَا كَانَ شَرْطًا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ سَقَطَ إرثه يعارض سَقَطَ حَجْبُهُ بِذَلِكَ الْعَارِضِ كَالْإِسْقَاطِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ ضَعُفَ بِوَصْفِهِ عَنْ حَجْبِ الْإِسْقَاطِ ضَعُفَ بِوَصْفِهِ عَنْ حَجْبِ النُّقْصَانِ، كَ " ذَوِي الْأَرْحَامِ "، وَلِأَنَّ كُلَّ وَارِثٍ فَهُوَ لَا مَحَالَةَ يَحْجُبُ إِذَا وَرِثَ لِأَنَّ الِابْنَ إِذَا وَرِثَ مَعَ أَخِيهِ فَقَدْ حَجَبَهُ عَنِ الْكُلِّ إِلَى النِّصْفِ، فَلَمَّا ضَعُفَ الْكَافِرُ عَنْ حَجْبِ مَنْ يُساويهِ فِي النَّسَبِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَضْعُفَ عَنْ حَجْبِ مَنْ يُخَالِفُهُ فِي النَّسَبِ.
فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِحَجْبِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ مَعَ الْأَبِ فَلَمْ يَسْقُطُوا لِأَنَّهُمْ غَيْرُ وَرَثَةٍ، لَكِنَّ الْأَبَ حَجَبَهُمْ عَنْهُ، أَلَا تَرَى لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ أَبٌ لَوَرِثُوا فَبَانَ الْفَرْقُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " ولا ترث الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا وَلَا مَعَ الْوَلَدِ وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كما قال الإخوة والأخوات ثلاثة أصناف: صِنْفٌ يَكُونُونَ لِأَبٍ وَأُمٍّ

(8/90)


وَيُسَمُّونَ بَنِي الْأَعْيَانِ. سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ أَيْ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات " وَالصِّنْفُ الثَّانِي الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ يُسَمُّونَ بَنِي العلات، يسموا بِذَلِكَ، لِأَنَّ أُمَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ تعِلَّ الْأُخْرَى، أَيْ لَمْ تسْقِهِ لَبَنَ رَضَاعِهَا، وَالْعَلَلُ الشُّرْبُ الثَّانِي وَالنَّهَلُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ قَالَ الشاعر
(والناس أبناء علات فمن علموا ... أن قد أقل فمجفو ومحقور)

(وهم بنو أم من أمسى له نشب ... فذاك بالغيب محظوظ وَمَنْصُورُ)

(وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَقْرُونَانِ فِي قَرْنِ ... وَالْخَيْرُ متبع والشر محظور)

والصنف الثالث الإخوة والأخوات للأم يسمون بني الأخياف، والأخياف الأخلاط، لأنهم مِنْ أَخْلَاطِ الرِّجَالِ، وَلَيْسَ هُمْ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْخَيْفُ مِنْ منى لِاجْتِمَاعِ أخلاط الناس فيه، وقيل: اختلاط الألوان الخافية وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
(النَّاسُ أَخْيَافٌ وَشَتَّى فِي الشِّيَمِ ... وَكُلُّهُمْ يَجْمَعُهُمْ بَيْتُ الْأُدُمِ)

يَعْنِي: أَنَّهُمْ أَخْلَاطٌ مِنْهُمُ الْجَيِّدُ، وَمِنْهُمُ الرَّدِيءُ، كَبَيْتِ الْأَدَمِ الَّذِي يَجْمَعُ الْجِلْدَ كُلَّهُ، فَمِنْهُ الْكُرَاعُ وَمِنْهُ الظَّهْرُ.

فَصْلٌ:
فَأَمَّا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأُمِّ فَيَسْقُطُونَ مَعَ أَرْبَعَةٍ: مَعَ الْأَبِ، وَمَعَ الْجَدِّ، وَمَعَ الْوَلَدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَمَعَ وَلَدِ الِابْنِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ من ذلك فهم في شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وَقَدْ كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ " وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ "، وَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ تَفْسِيرًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تِلَاوَةً، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْأُمِّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ من ذلك منهم شركاء في الثلث} .
فَصْلٌ:
وَأَمَّا الْكَلَالَةُ فَقَدْ رَوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْهَا فَقَالَ تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ يَعْنِي: قَوْلَهُ فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَلَمْ يَفْهَمْهَا عُمَرُ وَقَالَ لِحَفْصَةَ رضي الله عنهما إِذَا رَأَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طيب نفسه فاسأليه، فرأت منه طيب نفس فسألته عنها فَقَالَ لَهَا: أَبُوكِ كَتَبَ لَكِ هَذَا مَا أَرَى أَبَاكِ يَعْلَمُهَا أَبَدًا، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: مَا أرَانِي أَعْلَمُهَا

(8/91)


أَبَدًا وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا قَالَ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ثلاث لأن يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيَّنَهُنَّ أَحَبّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا الْكَلَالَةُ وَالْخِلَافَةُ وَالرِّبَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَزِدْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بَيَانِ الْكَلَالَةِ، لِأَنَّ فِي الْآيَةِ مِنَ الْإِشَارَةِ مَا يَكْتَفِي بِهِ الْمُجْتَهِدُ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ قَصرَ عَنْ إِدْرَاكِهِ لِعَارِضٍ، وَقَدِ اخْتلفَ فِي الْكَلَالَةِ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إِحْدَى الرُّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّ الْكَلَالَةَ مَا دُونَ الْوَلَدِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] وَقَالَ قَوْمٌ: الْكَلَالَةُ وَلَدُ الْأُمِّ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امرأة وله أخ أو أخت} [النساء: 12] يعني في أُمٍّ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْكَلَالَةَ.
وَقَالَ الجمهور: إن الكلالة ما عَدَا الْوَلَدِ وَالْوَالِدَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وعلي ويزيد وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة وَمَالِكٌ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ولد الأم لما سقطوا مع الوالد لسقوطهم مَعَ الْوَلَدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ عدا الوالد والولد وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ فِي شَرْحِهِ عن عمرو ابن شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْأَخُ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنَ الْكَلَالَةِ " وَلِأَنَّ الْكَلَالَةَ مَصْدَرٌ مِنْ تَكَلّلَ النَّسَب تَشبيهًا بِتَكَلُّلِ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ عَلَى عَمُودِهَا فَالْوَالِدُ أصلها والولد فرعها من سِوَاهُمَا مِنَ الْمُنَاسِبِينَ كَالْأَغْصَانِ الْمُتَكَلِّلَةِ عَلَيْهَا وَقِيلَ: إِنَّ الْكَلَالَةَ منْ تَكَلَّلَ طَرَفَاهُ فَخَلَا عَنِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ، وَقِيلَ إِنَّ الْكَلَالَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْإِحَاطَةِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْإِكْلِيلُ لِإِحَاطَتِهِ بِالرَّأْسِ فَسُمِّيَ هَؤُلَاءِ كَلَالَةً لِإِحَاطَتِهِمْ بِالطَّرَفَيْنِ، وَقَدْ قَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي وُصُولِ الْخِلَافَةِ إِلَيْهِمْ عَنْ آبَائِهِمْ لَا عَنْ غَيْرِهِمْ:
(ورثتم قناة الملك غير كلالة ... عن ابن مَنَافٍ عَبْد شَمْس وَهَاشِمِ)

وَقَالَ الْآخَرُ:
(فَإِنَّ أَبَا الْمَرْءِ أَحَمَى لَهُ ... وَمَوْلَى الْكَلَالَةِ لَا يَغْضَبُ)

يَعْنِي: مَوْلَى غَيْرِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ.

فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ عَدَا الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلْوَرَثَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: الْكَلَالَةُ اسْمُ الْمَيِّتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ، وبه قال أبو بكر وعلي وزيد ابن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: 12] فَجَعَلَ ذَلِكَ صِفَةً لِلْمَوْرُوثِ وَلَوْ كَانَتْ صِفَةً لِلْوَارِثِ لَقَالَ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يَرِثُهُ كَلَالَةً وَلِأَنَّهُ يُقَالُ عَقِيمٌ لِمَنْ لَا وَلَدَ لَهُ، وَيَتِيمٌ لِمَنْ لَا وَالِدَ لَهُ، وَكَلَالَةٌ لِمَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْوَرَثَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ.

(8/92)


وَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَتَعَدَّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قل: {يستفتونك قال اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] فَكَانَتِ الْفُتْيَا عَنِ الْكَلَالَةِ مَا بَيَّنَهُ مِنَ الْحُكْمِ فِي وَلَدِ الْأَبِ.
وقال آخرون: الكلالة من الأسماء المشتركة تنطلق على الميت إذا لم يترك ولد ولا والد وَعَلَى الْوَرَثَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ، لِاحْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ.
قَالُوا: فَالْكَلَالَةُ الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: 12] اسْمٌ لِلْمَيِّتِ وَالَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} اسم للورثة والله أعلم.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ولا تَرِثُ الْإِخْوَةُ وَلَا الْأَخَوَاتُ مَنْ كَانُوا مَعَ الْأَبِ وَلَا مَعَ الِابْنِ وَلَا مَعَ ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا صَحِيحٌ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَسْقُطُونَ مَعَ ثَلَاثَةٍ مَعَ الِابْنِ دُونَ الْبِنْتِ وَمَعَ ابْنِ الِابْنِ وَمَعَ الْأَبِ وَلَا يَسْقُطُونَ مَعَ الْجِدِّ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْجَدِّ، وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ تَشِذُّ عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ إِخْوَةٌ حَجَبُوا الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ وَاسْتَحَقُّوا السُّدُسَ الَّذِي حَجَبُوا الْأُمَّ عَنْهُ، لِأَنَّ الْأَبَ لا يستحقه مع عدم الإخوة، ووجب أَنْ لَا يَسْتَحِقَّهُ بِوُجُودِ الْإِخْوَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أبواه فلأمه الثلث} [النساء: 11] فكالباقي بَعْدَهُ لِلْأَبِ ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] فَدَلَّ الظَّاهِرُ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ أَيْضًا لِلْأَبِ.
وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ وَحْدَهُ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يَرِثُوا مَعَهُ وَمَعَ الْأُمِّ، وَلِأَنَّ مَنْ أَدْلَى بِعَصَبَةٍ لَمْ يَرِثْ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الْعَصَبَةِ كَابْنِ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ وَكَالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ.
فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ يُدْلُونَ بِالْأُمِّ وَيَرِثُونَ مَعَهَا، فَهَلَّا كَانَ الْإِخْوَةُ مَعَ الْأَبِ وَإِنْ أَدْلَوْا بِهِ يَرِثُونَ مَعَهُ.
قِيلَ الفرق بينما مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ عَصَبَةٌ يُدْلُونَ بِعَصَبَةٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعُوهُ عَنْ حقه مع إدلائهم به، والإخوة للأم ذو فَرْضٍ لَا يَدْفَعُونَ الْأُمَّ عَنْ فَرْضِهَا فَجَازَ أَنْ يَرِثُوا مَعَهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لَا تَأْخُذُ الْأُمُّ فَرْضَهُمْ إِذَا عَدِمُوا فَلَمْ يدفعهم عَنْهُ إِذَا وَجَدُوا وَالْإِخْوَةَ لِلْأَبِ يَأْخُذُ الْأَبُ حقهم إذا عدموا فدفعهم عَنْهُ إِذَا وَجَدُوا.
فَأَمَّا حَجْبُهُمُ الْأُمَّ عَنِ السُّدُسِ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ حَجَبَ عَنْ فَرْضٍ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْحَجْبَ، أَلَا تَرَى أَنَّ فَرْضَ الْبِنْتِ النِّصْفُ لَوْ لَمْ تَحْجُبْ أَحَدًا وَلَوْ حَجَبَتِ الزَّوْجَ إِلَى الرُّبُعِ وَالزَّوْجَةَ إِلَى الثُّمُنِ وَالْأُمَّ إِلَى السُّدُسِ لَمْ يَعُدْ عَلَيْهَا مَا حَجَبَتْهُمْ عَنْهُ مِنَ الْفُرُوضِ وَكَذَلِكَ الْإِخْوَةُ.

فَصْلٌ:
فَأَمَّا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ فَيَسْقُطُونَ مَعَ مَنْ تَسْقُطُ مَعَهُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ

(8/93)


لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مِنَ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَالْأَبِ وَيَسْقُطُونَ أَيْضًا مِعِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " أَعْيَانُ بَنِي الْأُمَّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بني العلات ".

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ أَبَوَاهُ وَلَا مَعَ الأم جدة وهذا كله قول الشافعي ومعناه ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْجَدَّاتِ لَا يَرِثْنَ مَعَ الْأُمِّ سَوَاءٌ مَنْ كُنَّ مِنْهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لِأَنَّهُنَّ يَرِثْنَ بِالْوِلَادَةِ فَكَانَتِ الْأُمُّ أَوْلَى مِنْهُنَّ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُبَاشِرَةٌ لِلْوِلَادَةِ بِخِلَافِهِنَّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْوِلَادَةَ فِيهَا مَعْلُومَةٌ وفي غيرها مظنونة فلفوتها بهذين أحجبت جَمِيعَ الْجَدَّاتِ.
وَأَمَّا الْأَبُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَحْجُبُ أَبَاهُ وَهُوَ الْجَدُّ وَلَا يَحْجُبُ الْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَاخْتَلَفُوا فِي حَجْبِهِ لِأُمِّهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأَبِ تَسْقُطُ بِالْأَبِ كَالْجَدِّ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ سِيرِينَ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ.
وَقَالَ أبو حنيفة: الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ تَرِثُ مَعَ الْأَبِ كَمَا تَرِثُ مَعَ أُمِّ الْأُمِّ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مسعود وعمران بن الحسين وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَشُرَيْحٌ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْجَدَّةِ مَعَ ابْنِهَا إِنَّهَا أَوَّلُ جَدَّةٍ أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُدُسًا وَابْنُهَا حَيٌّ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ وَرَّثَ الْجَدَّةَ مَعَ ابْنِهَا وَروي أَنَّهُ ورث حسكة مَعَ ابْنِهَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا ضَعُفَ الْأَبُ عَنْ حَجْبِ أُمِّ الْأُمِّ وَهِيَ بِإِزَائِهَا ضَعُفَ أَيْضًا عَنْ حَجْبِهَا، وَلِأَنَّ الْجَدَّةَ وَإِنْ أَدْلَتْ بِالْأَبِ فَهِيَ غَيْرُ مُضِرَّةٍ بِهِ لِأَنَّهَا تُشَارِكُ أُمَّ الْأُمِّ فِي فَرْضِهَا فَجَرَى مَجْرَى الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ لَمَّا لَمْ يَضُرُّوا بِالْأُمِّ لَمْ يَسْقُطُوا مَعَ الْأُمِّ.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَدْلَى إِلَى الْمَيِّتِ بِأَبٍ وَارِثٍ سَقَطَ بِهِ كَالْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ وَلِأَنَّ الْإِدْلَاءَ إِلَى الْمَيِّتِ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ يَمْنَعُ مِنْ مُشَارَكَتِهِ فِي الْمِيرَاثِ كَوَلَدِ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ وَوَلَدِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَلِأَنَّهَا جَدَّةٌ تُدْلِي بِوَلَدِهَا فَلَمْ يُجِزْ أَنْ تُشَارِكَ وَلَدَهَا فِي الْمِيرَاثِ كَالْجَدَّةِ أُمِّ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ، وَأَمَّا الْمَرْوِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ وَرَّثَ الْجَدَّةَ وَابْنُهَا حَيٌّ فَضَعِيفٌ لِأَنَّ صِحَّتَهُ تَمْنَعُ مِنِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم فيه، ثم لو سلم لكان عليه ثلاثة أجوبة.
أحدهما: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ أُمِّ الْأُمِّ مَعَ ابْنِهَا الَّذِي هُوَ الْخَالُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَوْرِيثِ أُمِّ الْأَبِ مَعَ ابْنِهَا وهو العم.

(8/94)


وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْأَبِ إِذَا كَانَ كَافِرًا أَوْ قَاتِلًا وَيُسْتَفَادُ بِذَلِكَ أن لا يسقط ميراثا بِسُقُوطِ مَنْ أَدْلَتْ بِهِ.
فَأَمَّا أُمُّ الْأُمِّ فَإِنَّمَا لَمْ يَحْجُبْهَا الْأَبُ لِإِدْلَائِهَا بِغَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أُمُّهُ لِإِدْلَائِهَا بِهِ وَأَمَّا عَدَمُ إِضْرَارِهَا بالأب فقد تضر به، لأنها تأخذ فرضها من مال كان يستوعبه بالتعصب، ثُمَّ لَوْ لَمْ تَضُرَّ لِجَازَ أَنْ يُسْقِطَهَا كَمَا يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يَضُرُّوهُ والله أعلم.

(8/95)


باب المواريث
قال المزني رحمه الله: " وللزوج النصف فإن كان للميت ولد أو ولد ولد وَإِنْ سَفَلَ فَلَهُ الرُّبُعُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنَ المواريث نوعان:
أحدهما: ما جعله مُرْسَلًا وَهُوَ مَوَارِيثُ الْعَصَبَاتِ يَسْتَوْعِبُونَ الْمَالَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فَرْض وَيَأْخُذُونَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْفَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ قَبْلَ نُزُولِهَا بِالْوَصِيَّةِ وقال الله: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] .
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: جَعْلُهُ فَرْضًا مُقَدَّرًا وَالْفُرُوضُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تعالى سنة نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا فِي الْآيِ الثَّلَاثِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ وَهِيَ: النِّصْفُ وَالرُّبُعُ وَالثُّمُنُ والثلثان والثلث والسدس فكأنهما النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما.
فَأَمَّا النِّصْفُ فَفَرْضُ خَمْسَةٍ فَرْضُ الزَّوْجِ إِذَا لَمْ يُحْجَبْ، وَفَرْضُ الْبِنْتِ وَفَرْضُ بِنْتِ الِابْنِ وَفَرْضُ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَفَرْضُ الْأُخْتِ لِلْأَبِ.
وَأَمَّا الرُّبُعُ فَفَرْضُ اثْنَيْنِ فَرْضُ الزَّوْجِ مَعَ الْحَجْبِ وَفَرْضُ الزَّوْجَةِ أَوِ الزَّوْجَاتِ مَعَ عَدَمِ الحجبة.
وأما الثمن فهو فرض واحد وَهُوَ فَرْضُ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجَاتِ مَعَ الْحَجْبِ.
وَأَمَّا الثُّلُثَانِ فَفَرْضُ أَرْبَعَةٍ فَرْضُ الْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا وَفَرْضُ بنتي الابن فصاعدا وفرض الأخت مع الْأَبِ وَالْأُمِّ فَصَاعِدًا وَفَرْضُ الْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ فَصَاعِدًا فالثلثان فرض كل اثنين كَانَ فَرْضُ إِحْدَاهُمَا النِّصْفُ، وَأَمَّا الثُّلُثُ فَفَرْضُ فَرِيقَيْنِ فَرْضُ الْأُمِّ إِذَا لَمْ تُحْجَبْ وَفَرْضُ الابنين فصاعدا من ولد الأم.
وأما السدس فرض سَبْعَةٍ فَرْضُ الْأَبِ وَفَرْضُ الْجَدِّ وَفَرْضُ الْأُمِّ مَعَ الْحَجْبِ وَفَرْضُ الْجَدَّةِ أَوِ الْجَدَّاتِ وَفَرْضُ الواحد مع وَلَدِ الْأُمِّ، وَفَرْضُ بِنْتِ الِابْنِ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ، وَفَرْضُ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ مَعَ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ ثُلُثَانِ وَثُلُثَانِ وَلَا ثُلُثٌ وَثُلُثٌ وَلَا نِصْفٌ ولا نصف إِلَّا فِي زَوْجٍ وَأُخْتٍ، فَأَمَّا فِي بِنْتٍ وَأُخْتٍ فَلَيْسَ نِصْفُ الْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ فَرْضًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ رُبُعَانِ وَلَا رُبُعٌ وثمن.

(8/96)


فَصْلٌ:
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفُرُوضِ فَقَدْ بَدَأَ الشَّافِعِيُّ بِفَرْضِ الزَّوْجِ وَفَرْضُهُ النِّصْفُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتَةِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ فَإِنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ فَفَرْضُهُ الرُّبُعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بها أو دين} [النساء: 12] فصار فَرْضُ الزَّوْجِ النِّصْفَ وَقَدْ يَأْخُذُهُ تَارَةً كَامِلًا وتارة عائلا وأقل فرض الرُّبُعُ، وَقَدْ يَأْخُذُهُ تَارَةً كَامِلًا وَتَارَةً عَائِلًا وَلَا فَرْقَ فِي حَجْبِ الزَّوْجِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهَا دُونَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وهكذا ولد الابن يحجب الزوج ما يَحْجُبُهُ الْوَلَدُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَحْجُبُ بِالِاسْمِ أَوْ بِالْمَعْنَى، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْجُبُ بِالِاسْمِ، لِأَنَّهُ يُسَمَّى وَلَدًا.
وَقَالَ آخَرُونَ: يَحْجُبُ بِالْمَعْنَى لَا بِالِاسْمِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوَلَدِ يَنْطَلِقُ عَلَى وَلَدِ الصلب، فلذلك قُلْنَا إِنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فِيهِ حَقٌّ فَأَمَّا فِي الْحَجْبِ فَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَقُومُ فِيهِ مَقَامَ الْوَلَدِ إِلَّا مَا يُحْكَى عَنْ مُجَاهِدٍ حِكَايَةً شَاذَّةً أَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ لَا يُحْجَبَانِ بِوَلَدِ الْوَلَدِ، وَهَذَا قَوْلٌ مَدْفُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمَعْنَى إِنْ نَازَعَ فِي الِاسْمِ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ في ولد الابن بين ذكورهم وإناثهم للواحد وَالْجَمَاعَةُ فِيهِ سَوَاءٌ.
فَأَمَّا وَلَدُ الْبِنْتِ فَلَا يَحْجُبُ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فإن كان للميت ولد أو ولد ولد إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ وَلَدَ الِابْنِ دُونَ وَلَدِ البنت، وليس كما جهل بعض الناس فعابه خطأه فيه.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلِلْمَرْأَةِ الرُّبُعُ فَإِنْ كَانَ لَلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ ولد ولد وإن سفل فلها الثمن والمرأتان والثلاث والأربع شركاء في الربع إذا لم يكن ولد وفي الثمن إذا كان ولد ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: لِلزَّوْجَةِ فَرْضَانِ أَعْلَى وَأَدْنَى فَأَمَّا الْأَعْلَى فَهُوَ الرُّبُعُ يُفْرَضُ لَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا ولد ابن فأعلى فرضها هو أدنى فرض الزَّوْجِ، لِأَنَّ مِيرَاثَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ مِيرَاثِ الرَّجُلِ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْأَبَوَانِ معهم الِابْن.
وَالثَّانِي: الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأُمِّ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِمَا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَيَتَفَاضَلُونَ فِيمَا سِوَاهُمَا.
ثُمَّ هَذَا الرُّبُعُ قَدْ تَأْخُذُهُ تَارَةً كَامِلًا وَتَارَةً عَائِلًا فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابن وإن سفل منهما أو منه دونها فَلَهَا الثُّمُنُ ثُمَّ قَدْ تَأْخُذُ الثُّمُنَ تَارَةً كَامِلًا وَتَارَةً عَائِلًا ثُمَّ هَذَانِ الْفَرْضَانِ أُخِذَا من نص الكتاب قال الله تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] فَإِنْ كُنَّ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ اشْتَرَكْنَ وَلَوْ كُنَّ أَرْبَعًا فِي الرُّبُعِ، إِذَا لَمْ يُحْجَبْنَ.
وَفِي الثُّمُنِ إذا حجبن وصرن والجدات سواء يشتركن فِي الْفَرْضِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَثُرْنَ وَلَا يَزِيدُ بزيادتهن.

(8/97)


مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ أَوِ اثْنَانِ مِنَ الْإِخْوَةِ أَوِ الْأَخَوَاتِ فَصَاعِدًا فَلَهَا السُّدُسُ إِلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَالْأُخْرَى امْرَأَةٌ وَأَبَوَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي هَاتَيْنِ الْفَرِيضَتَيْنِ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأَبِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ لِلْأُمِّ فِي مِيرَاثِهَا ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ:
إِحْدَاهُنَّ: أَنْ يُفْرَضَ لَهَا الثُّلُثُ وَهُوَ أَكْمَلُ أَحْوَالِهَا وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ وَلَا اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فَاقْتَضَى الْكَلَامُ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ ثُلُثِ الْأُمِّ للابن وهذا الثلث قد تأخذه تارة كاملا وقد تأخذه تارة عائلا.
والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يُفْرَضَ لَهَا السُّدُسُ وَذَلِكَ أَقَلُّ أَحْوَالِهَا إِذَا حُجِبَتْ عَنِ الثُّلُثِ وَحَجْبُهَا عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ يَكُونُ بِصِنْفَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْوَلَدُ أَوْ وَلَدُ الِابْنِ يَحْجُبُ الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَمَا قُلْنَا فِي حَجْبِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَسَوَاءٌ فِي ذلك الولد أو ولد الِابْنِ بِالْإِجْمَاعِ إِلَّا مَا خَالَفَ فِيهِ مُجَاهِدٌ وَحْدَهُ حَيْثُ لَمْ يَحْجُبْ بِوَلَدِ الِابْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] .
وَالصِّنْفُ الثَّانِي: حَجْبُهَا بالإخوة والأخوات فالواحد منهم لا يحجها إِجْمَاعًا وَالثَّلَاثَةُ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ يَحْجُبُونَهَا عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ إِجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِخْوَةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أو أم وسواء كان الإخوة ذُكُورًا أَوْ إِنَاثًا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا أَحْجُبُ الْأُمَّ بِالْأَخَوَاتِ الْمُنْفَرِدَاتِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] .
وَاسْمُ الْإِخْوَةِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى الْأَخَوَاتِ بِانْفِرَادِهِنَّ وإنما يتأولهن الْعُمُومُ إِذَا دَخَلْنَ مِعِ الْإِخْوَةِ تَبَعًا، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْجِنْسَ وَإِذَا كَانَ الْجِنْسُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ غَلَبَ فِي اللَّفْظِ حُكْمُ التَّذْكِيرِ، عَلَى أَنَّ الإجماع يدفع قول الْحَسَنِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ.
فَأَمَّا حَجْبُ الْأُمِّ بِالِاثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا تَحْجُبُ بِهِمَا إِلَى السُّدُسِ وَهُوَ قَوْلُ عمرو وعلي وزيد بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وأبي حنيفة وجماعة الفقهاء وانفرد عبد الله ابن عَبَّاسٍ فَخَالَفَ الصَّحَابَةَ بِأَسْرِهِمْ فَلَمْ يَحْجُبْهَا إِلَّا بِالثَّلَاثَةِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ فَصَاعِدًا وَهِيَ إِحْدَى مسائله الأربعة الَّتِي خَالَفَ فِيهَا جَمِيعَ الصَّحَابَةِ اسْتِدْلَالًا بِظَاهِرِ قوله تعالى: {فإن كن لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] فَذَكَرَ

(8/98)


الْإِخْوَةَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَأَقَلُّ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ ثَلَاثَةٌ وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فقال ما بال الأخوات يحجبن الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] فَقَالَ عُثْمَانُ: مَا كُنْتُ لِأُغَيِّرَ شَيْئًا تَوَارَثَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَصَارَ فِي الْآفَاقِ فَدَلَّ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ عُثْمَانَ عَلَى انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَرِضِ الْعَصْرُ عَلَى أَنَّ الْأَخَوَيْنِ يَحْجُبَانِهَا، وَلَمْ يَأْخُذْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَحَدٌ مِمَّنْ تَأَخَّرَ إِلَّا دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إليه إِجْمَاعُ مَنْ حَجَبَهَا بِالِاثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ هو أن كل عدد روعي في تغيير الْفَرْضِ فَالِاثْنَانِ مِنْهُمْ يَقُومَانِ مَقَامَ الْجَمْعِ كَالْأُخْتَيْنِ في الثلثين وكالأخوين من الأم في الثلث، فَكَذَلِكَ فِي الْحَجْبِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ " وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِبَارَةِ عَنِ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: 22] فَذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهُمُ اثْنَانِ وَقَالَ تعالى: {وداود وسليمان إذا يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ الْإِخْوَةِ فِي الْحَجْبِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ حَجْبُهَا بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا سَوَاءٌ كَانَا أَخَوَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ أَخٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أو لأم.

فصل:
من فُرُوضِ الْأُمِّ أَنْ تَكُونَ الْفَرِيضَةُ زَوْجًا وَأَبَوَيْنِ فيكون للأم الثلث مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَتَفَرَّدَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِخِلَافِهِمْ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي خَالَفَهُمْ فِيهَا، فَقَالَ لِلْأُمِّ ثلث جميع المال من الزوج والأبوين وفي الزوجة والأبوين استدلالا بقوله تعالى: {وورثه أبواه فلأمه الثلث} [النساء: 11] فَلَمْ يُجِزْ أَنْ تَأْخُذَ أَقَلَّ مِنْهُ، وَحُكِيَ عن محمد بن سيرين مذهب خالف به القولين فقال أعطيها ثلث ما بقي من زوج وأبوين كقول الجماعة لأنها لا تفضل على الأب وأعطيها من زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهَا لَا تُفَضَّلُ بِذَلِكَ عَلَى الْأَبِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لَهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا ثُلُثَ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ قَوْله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فَجُعِلَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ مِنْ مِيرَاثِ الْأَبَوَيْنِ وَمِيرَاثُهُمَا هُوَ مَا سِوَى فَرْضِ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَادَ عَلَى ثُلُثِ مَا وَرِثَهُ الْأَبَوَانِ، وَلِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ إِذَا انْفَرَدَا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِلْأُمِّ ثُلُثُهُ وَلِلْأَبِ ثُلُثَاهُ فَوَجَبَ إِذَا زاحمها ذوو فَرْضٍ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْهُ بَيْنَهُمَا لِلْأُمِّ ثُلُثُهُ وَلِلْأَبِ ثُلُثَاهُ وَلِأَنَّ الْأَبَ أَقْوَى مِنَ الْأُمِّ لِأَنَّهُ يُسَاوِيهَا فِي الْفَرْضِ وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِالتَّعْصِيبِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ أَزْيَدَ سَهْمًا مِنْهُ بِمُجَرَّدِ الرَّحِمِ.
فَإِنْ قِيلَ فَالْجَدُّ يُسَاوِي الْأَبَ إِذَا كَانَ مَعَ الْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ ثُمَّ لِلْأُمِّ مَعَ الزَّوْجِ وَالْجَدِّ ثُلُثُ جميع المال، وإن صارت فيه أقل من الجد كذلك مع الأب قبل الْأَبُ أَقْوَى مِنَ الْجَدِّ لِإِدْلَاءِ الْجَدِّ بِالْأَبِ، وَلِإِسْقَاطِ الْأَبِ مَنْ لَا يَسْقُطُ بِالْجَدِّ، وَلِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْأُمِّ فِي دَرَجَتِهِ مَعَ فَضْلِ

(8/99)


التَّعْصِيبِ، وَالْجَدُّ أَبْعَدُ مِنْهَا فِي الدَّرَجَةِ وَإِنْ زاد الأب فِي التَّعْصِيبِ فَلِقُوَّةِ الْأَبِ عَلَى الْجَدِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَهُمَا فِي التَّفْضِيلِ عَلَى الأم والله أعلم.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وللبنت النصف وللابنتين فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، أَمَّا الْبِنْتُ الْوَاحِدَةُ إِذَا انْفَرَدَتْ فَفَرْضُهَا النِّصْفُ بنص الكتاب قال الله تعالى: {فإن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] فَإِنْ كُنَّ اثنتين فصاعدا ففرضها الثُّلُثَانِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ شَاذَّةٍ إِنَّ فَرْضَ الْبِنْتَيْنِ النِّصْفُ كَالْوَاحِدَةِ وَفَرْضَ الثَّلَاثِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] فجعل الثلثين فرضا لمن زاد على الاثنين وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرَّحَ فِي الْأَخَوَاتِ بِأَنَّ فَرْضَ الِاثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ وَقَالَ فِي الْبَنَاتِ: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] فاحتمل أن يكون هذا العمل محمولا على ذلك التصريح الْمُقَيَّدِ فِي الْأَخَوَاتِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بِخِلَافِهِ عَلَى مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ على ما قال ابن عباس لأمرين ترجيح واستدلال.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى فَرْضُ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ فِي النِّصْفِ اقْتَضَى أَنْ يَسْتَوِيَ فَرْضُ الْبِنْتَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَنَاتَ أَقْوَى فِي الْمِيرَاثِ مِنَ الْأَخَوَاتِ، لِأَنَّهُنَّ يَرِثْنَ مَعَ مَنْ يُسْقِطُ الْأَخَوَاتِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ فَرْضُ الْأُخْتَيْنِ مَعَ ضَعْفِهِنَّ الثُّلُثَيْنِ وَيَكُونُ فَرْضُ الْبِنْتَيْنِ مَعَ قُوَّتِهِنَّ النِّصْفُ، وَلَيْسَ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (فَوْقَ) صِلَةً زَائِدَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْطَى بِنْتَيْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ مَعَ أُمِّهِمَا وَعَمِّهِمَا الثُّلُثَيْنِ وَالَأُمَّ الثُّمُنَ وَالْبَاقِيَ لِلْعَمِّ وَهَذَا نص قد رَوَيْنَا الْخَبَرَ بِكَمَالِهِ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فَرْضُ الْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ مَعَ بِنْتِ الابن الثلثين النصف والسدس، فلا يَكُونَ الثُّلُثَانِ فَرْضَ الْبِنْتَيْنِ أَوْلَى.
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " فَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ فَلَا شَيْءَ لِبَنَاتِ الِابْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ ابْنُ ابْنٍ فَيَكُونُ مَا بَقِيَ لَهُ وَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ أَقْرَبَ إِلَى الْمَيِّتِ مِنْهُ مِنْ بَنَاتِ الابن ما بقي لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ مَتَى اسْتَكْمَلَ بَنَاتُ الصُّلْبِ الثُّلُثَيْنِ فَلَا شَيْءَ لِبَنَاتِ الِابْنِ إِذَا انْفَرَدْنَ عَنْ ذَكَرٍ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ وَسَقَطْنَ إِجْمَاعًا، فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ فِي دَرَجَتِهِنَّ كبنت ابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ أَبَوَيْنِ أَوْ كَانَ الذَّكَرُ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ بِنْتِ الِابْنِ ابْنُ ابْنٍ فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهُنَّ وَيَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ فَرْضَ الْبَنَاتِ بَيْنَ بَنَاتِ الِابْنِ

(8/100)


وَابْنِ الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهَكَذَا إِذَا كَانَ الذَّكَرُ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ وَهَذَا قَوْلُ الْجَمَاعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَتَفَرَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَجَعَلَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ لِابْنِ الِابْنِ دُونَ بَنَاتِ الِابْنِ وَهِيَ إِحْدَى مَسَائِلِهِ الَّتِي تَفَرَّدَ فِيهَا بِمُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ فَرْضَ الْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِدْنَ عَلَيْهِ فإذا استكمله بَنَاتُ الصُّلْبِ سَقَطَ بِهِنَّ بَنَاتُ الِابْنِ لِاسْتِيعَابِ الْفَرْضِ وَصَارَ الْفَاضِلُ عَنْهُ إِلَى ابْنِ الِابْنِ بِالتَّعْصِيبِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ وَلِأَنَّ الذَّكَرَ مِنَ الْوَلَدِ إِذَا كَانَ فِي دَرَجَتِهِ أُنْثَى عَصَّبَهَا وَلَمْ يُسْقِطْهَا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ، وَلِأَنَّ كُلَّ أُنْثَى تُشَارِكُ أَخَاهَا إذا لم يزاحمها ذو فرض تشاركه مَعَ مُزَاحَمَةِ ذِي الْفَرْضِ كَمُزَاحَمَةِ الزَّوْجِ.
فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ فَرْضَ الْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَنَحْنُ لَمْ نُعْطِ بِنْتَ الِابْنِ فَرْضًا وَإِنَّمَا أعطيناها بالتعصيب والله أعلم.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فإن لم يكن للميت إلا ابنة واحدة وبنت ابن أو بنات ابن فللابنة النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ السُّدُسُ تكملة الثلثين وتسقط بنات ابن الابن إذا كُنَّ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ابْنُ ابْنٍ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُنَّ فَيَكُونُ مَا بَقِيَ لَهُ وَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ أَقْرَبَ إِلَى الْمَيِّتِ مِنْهُ مِنْ بَنَاتِ الابن ممن لم يأخذ من الثلثين شيئا للذكر مثل حظ الأنثيين ويسقط من أسفل من الذكر فإن لم يكن إلا ابنة واحدة وكان مع بنت الابن أو بنات الابن ابن ابن في درجتهن فلا سدس لهن ولكن ما بقي له ولهن لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ بِنْتًا وَبِنْتَ ابْنٍ كَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ لِرِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي قَيْسٍ الْأَوْدِيِّ عَنْ هُذَيلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ الْأَوْدِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَلْمَانَ بن ربيعة يسألهما عن ابنة وابنة ابن وأخت لأب وأم فقالا لابنته النصف وللأخت من الأب وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلَمْ يُوَرِّثَا بِنْتَ الِابْنِ شَيْئًا، وأما ابْن مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ سَيُتَابِعُنَا فَأَتَاهُ الرَّجُلُ فَسَأَلَهُ وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِهِمَا، فَقَالَ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أنا من المهتدين ولكن سَأَقْضِي فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لابنته النصف، ولابنة الابن سهم تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ.
وَهَكَذَا لَوْ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ بِنْتًا وَعَشْرَ بَنَاتِ ابْنٍ كَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِعَشْرِ بَنَاتِ الِابْنِ السُّدُسُ وَإِنْ كَثُرْنَ وَهَكَذَا لَوْ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ بِنْتًا وَعَشْرَ بَنَاتِ ابْنِ ابْنٍ أَسْفَلَ مِنْ بِنْتِ الصُّلْبِ بِثَلَاثِ دُرَجٍ كَانَ لَهُنَّ السُّدُسُ، كَمَا لَوْ عَلَوْنَ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ سَقَطَ فَرْضُ السُّدُسِ لَهُنَّ، وَكَانَ الْبَاقِي بعد نصيب البنت بين بنات الابن وأختهن لِلذِّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، لِأَنَّهُ

(8/101)


عَصَّبَهُنَّ وَهَذَا قَوْلُ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وهي ثان مَسَائِلِهِ الَّتِي تَفَرَّدَ فِيهَا بِخِلَافِ الصَّحَابَةِ إِنَّ لِبَنَاتِ الِابْنِ إِذَا شَارَكَهُنَّ ذَكَرٌ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ السُّدُسِ الْبَاقِي مِنْ فَرْضِ الْبَنَاتِ بَعْدَ نِصْفِ الْبِنْتِ أَوِ الْمُقَاسَمَةِ.
فَإِنْ كَانَتْ مُقَاسَمَةُ الذكر الذي في درجتهن أنقص لسهمين من السدس قاسمهن ثم مَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُقَاسَمَةُ أَزْيَدَ مِنَ السُّدُسِ فُرِضَ لَهُنَّ السُّدُسُ، وَجُعِلَ الْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ لِلذُّكُورِ مِنْ بَنِي الِابْنِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ فَرْضَ الْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَزِدْنَ عَلَيْهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وجهين:
أحدهما: أن اشتراك البنتين وَالْبَنَاتِ فِي الْمِيرَاثِ يُوجِبُ الْمُقَاسَمَةَ دُونَ الْفَرْضِ قِيَاسًا عَلَى وَلَدِ الصُّلْبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الذَّكَرَ إِذَا دَفَعَ أُخْتَهُ عَنِ الْمُقَاسَمَةِ أَسْقَطَهَا كَوَلَدِ الإخوة وإذا لم يسقطها شاركته كالولد، وفي قول أبي مَسْعُودٍ دَفْعٌ لِهَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ وَقَوْلُهُ إِنَّ فَرْضَ الْبَنَاتِ لَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ غَيْرَ أَنَّنَا نُسْقِطُ مَعَ مُشَارَكَةِ الذكر فرضهن فيما يأخذنه بالتعصيب دُونَ الْفَرْضِ.

فَصْلٌ:
فَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَبِنْتَ ابْنٍ وَابْنَ ابْنِ ابْنٍ كَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَالْبَاقِي لِابْنِ ابن الابن لا يُعَصِّبُ عَمَّتَهُ إِذَا كَانَ لَهَا فَرْضٌ كَمَا أَنَّ ابْنَ الِابْنِ لَا يُعَصِّبُ الْبِنْتَ لِأَنَّهَا ذات فرض فلو كانت المسألة بحالها بِنْتًا وَبِنْتَ ابْنٍ وَبِنْتَ ابْنِ ابْنٍ مَعَهَا أَخُوهَا كَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِبنت الِابْنِ السُّدُسُ تكملة الثلثين والباقي بين السلفي وَأَخِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الذَّكَرُ أَسْفَلَ مِنْهَا بِدَرَجَةٍ فَكَانَ ابْنَ ابْنَ ابْنِ ابْنِ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ نِصْفِ البنت وسدس بنت الابن مع بنت ابن الابن وبين ابن أَخِيهَا الَّذِي هُوَ ابْنُ ابْنِ ابْنٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَعَصَّبَهَا مَعَ نُزُولِهِ عَنْ درجتها لأنها ليست ذات فرض والله أعلم.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وإن كَانَ مَعَ الْبِنْتِ أَوِ الْبَنَاتِ لِلصُّلْبِ ابْنٌ فلا نصف ولا ثلثين ولكن المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ويسقط جميع ولد الابن ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا كَانَ مع البنت أو البنات اللاتي للصلب ابن سقط به فرض البنات وأخذنا الْمَالَ مَعَهُ بِالتَّعْصِيبِ لِلذِّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حظ الأنثيين} [النساء: 11] إلا شيئين فسَقَطَ بِالِابْنِ جَمِيعُ أَوْلَادِ الِابْنِ سَوَاءٌ كَانُوا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا سَقَطَ بِالْإِخْوَةِ بنو الإخوة وبالأعمام بنو الأعمام لرواية بن طاوس عن أبيه عن بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " اقْسِمِ الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ الله فما تركت الفرائض فللأولى رجل ذكر ".
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَوَلَدُ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الصُّلْبِ فِي كُلٍّ إذا لم يكن ولد صلب ".

(8/102)


قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَهَذَا مِمَّا قَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ أَنَّ وَلَدَ الِابْنِ يَقُومُونَ مَقَامَ وَلَدِ الصُّلْبِ إِذَا عُدِمَ وَلَدُ الصُّلْبِ فِي فَرْضِ النِّصْفِ لِإِحْدَاهُنَّ وَالثُّلُثَيْنِ لِمَنْ زَادَ وَفِي مُقَاسَمَةِ إِخْوَتِهِنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَفِي حَجْبِ الْأُمِّ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ إِلَّا مُجَاهِدًا فَإِنَّهُ خَالَفَ فِي الْحَجْبِ بِهِمْ وَوَافَقَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِمْ وَهُوَ مَعَ دَفْعِ قَوْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ مَحْجُوجٌ بِمُوَافَقَتِهِ عَلَى مَا سِوَى الْحَجْبِ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَيْهِ فِي الْحَجْبِ ثُمَّ إِذَا كَانَتْ بِنْتُ الِابْنِ تَقُومُ مَقَامَ بنت الصلب عند عدمها كانت بنت الِابْنِ مَعَهَا فِي اسْتِحْقَاقِ السُّدُسِ قَائِمَةً مَقَامَ بِنْتِ الِابْنِ مَعَ ابْنَةِ الصُّلْبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ:
فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ ابْنُ بَعْضِهِنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ فَتَنْزِيلُهُنَّ أَنَّ الْعُلْيَا مِنْهُنَّ هِيَ بِنْتُ ابْنٍ وَالْوُسْطَى هِيَ بِنْتُ ابْنِ ابْنٍ وَالسُّفْلَى مِنْهُنَّ هِيَ بِنْتُ ابْنِ ابْنِ ابْنٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلْعُلْيَا النِّصْفُ وَلِلْوُسْطَى السُّدُسُ وَتَسْقُطُ السُّفْلَى فَإِنْ كَانَ مَعَ السُّفْلَى أَخُوهَا كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ النِّصْفِ وَالسُّدُسِ بَيْنَ السُّفْلَى وَأَخِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَ السُّفْلَى ابْنُ عَمِّهَا كَانَ فِي دَرَجَتِهَا وَعَصَّبَهَا فَأَخَذَ الْبَاقِي مَعَهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَ الْوُسْطَى ابْنُ أَخِيهَا فَهُوَ فِي دَرَجَةِ السُّفْلَى فَيُعَصِّبُهَا فِيمَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَلَوْ كَانَ مَعَ السُّفْلَى ابْنُ أَخِيهَا وَكَانَ أَسْفَلَ مِنْهَا بِدَرَجَةٍ فَيُعَصِّبُهَا أَيْضًا فِيمَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّ وَلَدَ الِابْنِ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ وَمَنْ عَلَا عَمَّاتِهِ اللَّاتِي لَيْسَ لَهُنَّ فَرْضٌ مُسَمًّى وَيُعَصِّبُ مَنْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِ وَإِنْ كَانَ لَهَا فَرْضٌ مُسَمًّى فَلَوْ تَرَكَ أَرْبَعَ بَنَاتِ ابْنٍ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ مَعَ السُّفْلَى مِنْهُنَّ أَخُوهَا أَوِ ابْنُ عَمِّهَا أَوِ ابْنُ أَخِيهَا فَلِلْعُلْيَا النِّصْفُ وَلِلثَّانِيَةِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالذَّكَرُ الَّذِي فِي دَرَجَةِ السُّفْلَى أَوْ أَسْفَلَ مِنْهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَلَوْ تَرَكَ بِنْتَيِ ابْنٍ وَبِنْتَ ابْنِ ابْنٍ وَبِنْتَ ابْنِ ابْنِ ابْنٍ مَعَهَا أَخُوهَا كَانَ لِبِنْتَيِ الِابْنِ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي بَيْنَ بِنْتِ ابْنِ الِابْنِ وَبَيْنَ بِنْتِ ابْنِ ابْنِ الِابْنِ وَأَخِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ بِنْتَيِ الِابْنِ الثُّلُثَيْنِ يسقط فرض من بعدهما ويأخذ الْبَاقِي بِمُشَارَكَةِ الذَّكَرِ الَّذِي فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ بِالتَّعْصِيبِ فَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ صُّلْبٍ وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنٍ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ كَانَ لِبِنْتِ الصُّلْبِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ الْعُلْيَا السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَسَقَطَتِ الْوُسْطَى وَالسُّفْلَى مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ فَإِنْ كَانَ مَعَ السُّفْلَى أَخُوهَا أَوِ ابْنُ عَمِّهَا أَوِ ابْنُ أَخِيهَا عَصَّبَهَا وَعَصَّبَ الْوُسْطَى الَّتِي هِيَ أَعْلَى مِنْهَا وَكَانَ الْبَاقِي بَعْدَ النِّصْفِ وَالسُّدُسِ بَيْنَ الْوُسْطَى وَالسُّفْلَى وَأَخِيهَا أَوِ ابْنِ أَخِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين فلو ترك بنات ابن بعضهن أسفل من بعض مع كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَخُوهَا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَ الْعُلْيَا وَأَخِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَسَقَطَ مَنْ بَعْدَهُمَا فَلَوْ كَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ الثَّلَاثِ ابْنُ أَخِيهَا كَانَ لِلْعُلْيَا مِنْهُنَّ النِّصْفُ لِأَنَّ ابْنَ أَخِيهَا فِي دَرَجَةِ الْوُسْطَى وَكَانَ الْبَاقِي بَعْدَ نِصْفِهَا لِلْوُسْطَى وَابْنِ أَخِي الْعُلْيَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَلَوْ كَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ الثُّلَاثِ ابْنُ عَمِّهَا كَانَ كَالْأَخِ لِأَنَّهُ فِي دَرَجَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَيَكُونُ المال كله بين العليا وبين ابن عَمِّهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَلَوْ كَانَ مع كل واحدة من بنات الابن الثلاث خَالُهَا فَخَالُ بَنَاتِ الِابْنِ أَجْنَبِيٌّ مِنَ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَلَوْ كَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَمُّ ابْنِ أَخِيهَا فَهُوَ أَخُوهَا فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَ العليا وعم

(8/103)


ابْنِ أَخِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَلَوْ كان مع العليا ثلاث بنات أعمام مفترقين ومع السفلى ثلاثة بنات أعمام متفرقين.
فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا كَانَ لِلْعُلْيَا وَبِنْتِ عَمِّهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا وَبِنْتِ عَمِّهَا لِأَبِيهَا الثُّلُثَانِ وتسقط بنت عمها لأنها بنت أم الْمَيِّتِ وَكَانَ الْبَاقِي بَيْنَ الْوُسْطَى وَالسُّفْلَى وَابْنِ عَمِّهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا وَابْنِ عَمِّهَا لِأَبِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَسْقُطُ ابْنُ عَمِّ السُّفْلَى لِأُمِّهَا وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً كَانَ الثُّلُثَانِ بَيْنَ الْعُلْيَا وَبِنْتِ عَمِّهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا وَبِنْتِ عَمِّهَا لِأُمِّهَا وَتَسْقُطُ بِنْتُ عَمِّهَا لِأَبِيهَا لِأَنَّهَا بِنْتُ زَوْجِ الْمَيِّتَةِ فَلَوْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا ثَلَاثُ عَمَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَمَعَ السُّفْلَى عَمٌّ وَعَمَّةُ ابن أخيها وخال وخالة ابن أخيها فإن كان الميت رجلا فلعمته الْعُلْيَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا وَعَمَّتِهَا لِأَبِيِهَا الثُّلُثَانِ لِأَنَّهَا بنت الميت ولا شيء لعمتها لِأُمِّهَا لِأَنَّهَا بِنْتُ امْرَأَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً فَلِعَمَّتِهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا وَعَمَّتِهَا لِأُمِّهَا الثُّلُثَانِ وَلَا شَيْءَ لِعَمَّتِهَا لِأَبِيهَا لِأَنَّهَا بِنْتُ زَوْجِ الْمَيِّتَةِ ثُمَّ يَكُونُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا بَيْنَ الْعُلْيَا وَالْوُسْطَى وَالسُّفْلَى وَعَمٍّ وَعَمَّةِ ابْنِ أَخِيهَا وَخَالٍ وَخَالَةِ ابْنِ أخيها لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ فِي دَرَجَتِهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ عَلَى قِيَاسِ هَذَا جَمِيعُ مسائل هذا الفصل.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَبَنُو الْإِخْوَةِ لَا يَحْجُبُونَ الْأُمَّ عَنِ الثُلُثِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ بَنِي الْإِخْوَةِ لَا يَحْجُبُونَ الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ بِخِلَافِ آبَائِهِمْ وَإِنْ حَجَبَهَا وَلَدُ الْوَلَدِ كَآبَائِهِمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَنِي الْإِخْوَةِ وَبَيْنَ بَنِي الِابْنِ فِي الْحَجْبِ من ثلاثة أوجه.
أحدهما: أَنَّ بَنِي الْإِخْوَةِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِمُ اسْمَ الْإِخْوَةِ وَبَنِي الِابْنِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِمُ اسْمَ الِابْنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ بَنِي الْإِخْوَةِ لَمَّا ضَعُفُوا عَنْ تَعْصِيبِ أَخَوَاتِهِمْ بِخِلَافِ آبَائِهِمْ ضَعُفُوا عَنْ حَجْبِ الْأُمِّ بِخِلَافِ آبَائِهِمْ وَبَنُو الِابْنِ لَمَّا قَوُوا عَلَى تَعْصِيبِ أَخَوَاتِهِمْ كَآبَائِهِمْ قَوُوا عَلَى حَجْبِ الْأُمِّ كَآبَائِهِمْ
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْوَلَدَ أَقْوَى فِي الحجب من الإخوة لأنهم يحجبون مع الأم الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ فَكَانَ وَلَدُ الْوَلَدِ أقوى في الحجب من أولاد الإخوة والله تعالى أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ إِجْمَاعٌ لَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ أَنَّ بَنِي الْإِخْوَةِ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ وإن ورث معه آبائهم لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجَدَّ أَقْرَبُ إِلَى أَبِ الْمَيِّتِ مِنْ بَنِي الْإِخْوَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِمِيرَاثِهِ مَنْ بَنِي الْإِخْوَةِ.

(8/104)


وَالثَّانِي: أَنَّ الْجَدَّ كَالْإِخْوَةِ فِي الْمُقَاسَمَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ مَعَهُ بَنُو الْإِخْوَةِ كَمَا يَسْقُطُونَ بالإخوة.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلِوَاحِدِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ السُّدُسُ وللاثنين فصاعدا الثلث ذكرهم وأنثاهم فيه سواء ".
قال المارودي: وَهَذَا كَمَا قَالَ: فَرْضُ الْوَاحِدِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَقْرَأُ وَكَانَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ فَإِنْ كَانُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَفَرْضُهُمُ الثُّلُثُ نَصًّا وَإِجْمَاعًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] ثم يستوي فيه ذكورهم وإناثهم وروى ابن عباس رواية شاذة أنهم يقسمون الثُّلُثَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قِيَاسًا عَلَى وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ في الشيء يوجب التَّسَاوِي إِلَّا أَنْ يَرِدَ نَصٌّ بِالتَّفَاضُلِ وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ يَرِثُونَ بِالرَّحِمِ وَالْأَبَوَانِ إِذَا وَرِثَا فَرْضًا بِالرَّحِمِ تَسَاوَيَا فِيهِ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُدُسًا مِثْلَ سُدُسِ صَاحِبِهِ كَذَلِكَ ولد الأم لميراثهم بالرحم.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثلُثَانِ فإذا استوفى الأخوات للأب والأم الثلثين فلا شيء للأخوات للأب إلا أن يكون معهن أخ فيكون له ولهن ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين فإن لم يكن إلا أخت واحدة لأب وأم وأخت أو أخوات لأب فللأخت للأب والأم النصف وللأخت أو الأخوات للأب السدس تكملة الثلثين وإن كان مع الأخت أو الأخوات للأب والأم أخ لأب فلا سدس لهن ولهن وله مَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ كان مع الأخوات للأب والأم أخ للأب والأم فلا نصف ولا ثلثين ولكن المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وتسقط الإخوة والأخوات للأب الإخوة وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ للأب والأم إلا في فريضة وهي زوج وأم وإخوة لأم وإخوة لأب وأم فيكون للزوم النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ ويشاركهم الإخوة للأب والأم في ثلثهم ذكرهم وأنثاهم سواء فإن كان معهم إخوة لأب لم يرثوا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: حُكْمُ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ حُكْمُ بَنَاتِ الصُّلْبِ وَحُكْمُ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ حُكْمُ بَنَاتِ الِابْنِ فَفَرْضُ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] وَفَرْضُ الْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ إِجْمَاعًا وَوَافَقَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَإِنْ خَالَفَ فِي الثلثين لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مما ترك} [النساء: 176] فإن كَانَ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَخٌ لِأَبٍ وأم سقط به فرضهن وكان المال بينهن لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ

(8/105)


لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخَوَاتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ قَامَ الْأَخَوَاتُ مِنَ الأب مقامهن كما يقوم بنات الابن مقام بنات الصلب عند عدمهم فيكون للأخت الواحدة للأب النصف وللاثنين فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ سَقَطَ فَرْضُهُنَّ وَعَصَّبَهُنَّ فَكَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حظ الأنثيين.

فصل:
فإن كانت أُخْت لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْت لِأَبٍ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ فَلِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ أَوِ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ كبنت الصلب وبنت ابن فَلَوْ كَانَ مَعَ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ ذَكَرٌ لَمْ يُفْرَضْ لَهُنَّ السُّدُسُ وَكَانَ مَا بَعْدَ النِّصْفِ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُعْطِي الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ مَعَ الذَّكَرِ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ السُّدُسِ أَوِ الْمُقَاسَمَةِ لأن لا يَزِيدَ فَرْضُ الْأَخَوَاتِ عَلَى الثُّلُثَيْنِ كَمَا قَالَ فِي بِنْتِ الِابْنِ إِذَا شَارَكَهَا أَخُوهَا مَعَ الْبِنْتِ وَوَافَقَهُ عَلَى هَذَا أَبُو ثَوْرٍ وَخَالَفَهُ دَاوُدُ فِي الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَإِنْ وَافَقَهُ فِي بنات الابن وفيما قد بيناه عَلَيْهِ دَلِيلٌ مُقْنِعٌ.
فَصْلٌ:
فَلَوْ تَرَكَ أُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ كَانَ لِلْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَانِ وَسَقَطَتِ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبِ إذا لم يكن معها ذكرا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يُفْرَضُ لَهَا السُّدُسُ كَمَا يُفْرَضُ لَهَا إِذَا انْفَرَدَتِ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وهذا يقول في بنت الابن مع بنت الصُّلْبِ يُفْرَضُ لَهَا السُّدُسُ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ فَرْضَ الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ لَا يُزَادُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ فَإِذَا انْفَرَدَتِ الْأُخْتُ الْوَاحِدَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِالنِّصْفِ فُرِضَ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ لِبَقَائِهِ مِنْ فَرْضِهِنَّ.
فَصْلٌ:
فَلَوْ كَانَ مَعَ الْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أُخْتٌ لِأَبٍ مَعَهَا أَخُوهَا كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ بَيْنَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأَخِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَكُونُ الْبَاقِي لِلْأَخِ لِلْأَبِ دُونَ الْأُخْتِ كما يجعل الباقي بعد بنتي الصلب لأن الابن دون أخته لأن لا يَزِيدَ فَرْضُ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ عَلَى الثُّلُثَيْنِ وَقَدْ مضى الدليل.
فَصْلٌ:
فَلَوْ تَرَكَ أُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتًا لأب وابن أخ لأب كان لِلْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي لِابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَسَقَطَتِ الْأُخْتُ لِلْأَبِ لِاسْتِكْمَالِ الثُّلُثَيْنِ بِالْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَلَا يُعَصِّبُ ابْنُ الْأَخِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا فِي بَنَاتِ الِابْنِ لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ لَمَّا ضَعُفَ عَنْ تَعْصِيبِ أُخْتِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَضْعُفَ عَنْ تَعْصِيبِ عَمَّتِهِ وليس كذلك أولاد البنين لأن الذكور مِنْهُمْ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ فَجَازَ أَنْ يُعَصِّبَ عَمَّتَهُ والله أعلم.
فَصْلٌ:
وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ يَقُومُونَ مَقَامَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِهِمْ إِلَّا فِي مسألة المشتركة وهي زَوْجٍ وَأُمٍّ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ وَأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ يُشَارِكُهُمْ فِيهِ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِدْلَاءِ بِالْأُمِّ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ الْخِلَافِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْإِخْوَةِ للأب والأم إخوة لأب لَا يُشَارِكُونَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لِعَدَمِ إِدْلَائِهِمْ بِالْأُمِّ والله أعلم.
فصل:
ثلاث أخوات متفرقات مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَخٌ لِأَبٍ فَلِلْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ وَأَخُوهَا أَجْنَبِيٌّ، وَأَمَّا الْأُخْتُ مِنَ الأب فيحتمل أن يكون أخاها لِأَبِيهَا أَخَا الْمَيِّتِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ

(8/106)


وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ فَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ فَإِنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ سُدُسِ الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَسَقَطَتِ الأخت من الأب وأخوا الأخت من الأب والأم النصف وكان الباقي بين الأخت وأخيها وأخي الأخت من الأب والأم وابنها للذكر مثل حظ الأنثيين لأن كلهم إخوة وأخوات لأب

فصل:
ثلاث أخوات متفرقات مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَخٌ لِأُمٍّ فَلِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ أَخُوهَا لِأُمِّهَا أَجْنَبِيٌّ وَالْأُخْتُ مِنَ الْأُمِّ أخوها لأمها يحتمل أن يكون أخا الميتة لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ فَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ كَانَ لِلْأُخْتِ من الأم وأخت الأخت من الأب والأم الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَأَخِي الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ لِأَنَّهُ أَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبِ وَإِنْ كَانَ أَخًا لِأُمٍّ كَانَ الثُّلُثُ لِلْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ وَأَخِيهَا من أمها وأخي الأخت للأب والأم من الأمر أَثْلَاثًا بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ إِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأُمٍّ وَكَانَ لِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ للأب السدس.
فصل:
ثلاث أخوات متفرقات مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلِلْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ وَأَخِيهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَأَخِيهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَأَخُوهَا والله أعلم.
فَصْلٌ:
أُخْتٌ لِأَبٍ مَعَهَا ثَلَاثَةُ بَنِي إِخْوَةٍ متفرقين أَمَّا ابْنُ أَخِيهَا لِأُمِّهَا فَأَجْنَبِيٌّ وَأَمَّا ابن أخيها لأبيها وأمها فابن أخ لابن وَأَمَّا ابْنُ أَخِيهَا لِأَبِيهَا فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ رجلا احتمل ثلاثة أوجه:
أحدهما: أَنْ يَكُونَ ابْنَ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ الْمَالُ كُلُّهُ لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنَ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَيَكُونُ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لَهُ وَسَقَطَ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنَ أَخٍ لِأَبٍ فَيَكُونُ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بينه وبين ابن الأخ للأب لأن كلاهما وَلَدُ أَخٍ لِأَبٍ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ابْنَ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَ نِصْفِ الْأُخْتِ لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنَ أَخٍ لِأَبٍ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ ابْنُ أَخٍ لِأَبٍ وَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنَ الْمَيِّتَةِ، لِأَنَّهُ مِنْ أُخْتِ الْمَيِّتَةِ ابْنُ أَخٍ وَلَيْسَ ابن أخت والله أعلم.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلِلْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ مَا بَقِيَ إِنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ وَيُسَمَّيْنَ بِذَلِكَ عَصَبَةَ الْبَنَاتِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ لَا يُفْرَضُ لَهُنَّ وَيَرِثْنَ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الْبَنَاتِ فَإِنْ كَانَ بِنْتٌ وَأُخْتٌ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ وَإِنْ كَانَ بِنْتَانِ وَأُخْتٌ فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الْبِنْتَيْنِ عَشْرُ أَخَوَاتٍ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الثُّلَثَيْنِ بَيْنَ الْأَخَوَاتِ بِالسَّوِيَّةِ سَوَاءٌ كان لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَبِهَذَا قَالَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَجَمِيعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ بِخِلَافِهِمْ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي تَفَرَّدَ بِخِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهَا فَأَسْقَطَ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا حَتَّى

(8/107)


أَخْبَرَهُ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ مُعَاذًا قَضَى بِالْيَمَنِ فِي بِنْتٍ وَأُخْتٍ جَعَلَ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَيٌّ فَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: إِنْ كَانَ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ غَيْرُ الْأَخَوَاتِ كَالْأَعْمَامِ وَبَنِي الْإِخْوَةِ سَقَطَ الْأَخَوَاتُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ غَيْرُ الْأَخَوَاتِ صِرْنَ إِذَا انْفَرَدْنَ مَعَهُنَّ عَصَبَةً يَأْخُذْنَ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِهِنَّ وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَدْ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْطَى الأخت مع البنت النصف فقال أأنتم أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ لَهَا النِّصْفُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رجل ذَكَرٍ " وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبَنَاتِ لَكَانَتْ عَصَبَةً تَسْتَوْجِبُ جَمِيعَ الْمَالِ فِي الِانْفِرَادِ كَالْإِخْوَةِ وَفِي إِبْطَالِ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَعْصِيبِهِنَّ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَصَبَةً لَوَرِثَ وَلَدُهَا كَمَا يَرِثُ وَلَدُ الْأَخِ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَصَبَةً لَعُقِلَتْ وَزُوِّجَتْ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجَمَاعَةُ قَوْله تَعَالَى: {للرجل نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 32] فَكَانَ عَلَى عمومه.
وروى الأعمش عن ابن قيس عن هذيل بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ فَسَأَلَهُمَا عَنْ بنت وبنت ابن وأخت لأب وأم فقالا للبنت النصف والباقي للأخت فأت ابْنَ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ سَيُوَافِقُنَا فَأَتَاهُ الرَّجُلُ فَسَأَلَهُ وَأَخْبَرَه بِقَوْلِهِمَا فَقَالَ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذَنْ وَمَا أنا من المهتدين ولكن سَأَقْضِي فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ " وَهَذَا نَصٌّ وَلِأَنَّ الْأَخَوَاتِ لَمَّا أَخَذْنَ الْفَاضِلَ عَنْ فَرْضِ الزَّوْجِ وَتَقَدَّمْنَ بِهِ عَلَى بَنِي الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ كَالْإِخْوَةِ أَخَذْنَ الْفَاضِلَ عَنْ فَرْضِ الْبَنَاتِ وَتَقَدَّمْنَ بِهِ عَلَى بَنِي الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ كَالْإِخْوَةِ وَلِأَنَّ لِلْأَخَوَاتِ مُدْخَلًا فِي التَّعْصِيبِ مَعَ الْإِخْوَةِ فَكَانَ لَهُمْ مُدْخَلٌ فِي التَّعْصِيبِ مَعَ الْبَنَاتِ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ أَقْوَى تَعْصِيبًا مِنْ بَنِي الْإِخْوَةِ فَلَمَّا لَمْ تَسْقُطِ الْأُخْتُ مَعَ الْإِخْوَةِ فِي الْفَاضِلِ بَعْدَ فَرْضِ البنات فأولى أن لا يسقط مَعَ بَنِي الْإِخْوَةِ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَهُوَ أَنَّ الْآيَةَ مَنَعَتْ مِنْ إِعْطَائِهَا فَرْضًا ونحن نعطيها تعصيبا وأما الخير فعموم خص مِنْهُ الْأَخَوَاتِ بِدَلِيلِ أَخْذِهِنَّ مَعَ عَدَمِ الْبَنَاتِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ لَوْ كَانَتْ عَصَبَةً لَأَخَذَتْ جَمِيعَ الْمَالِ إِذَا انْفَرَدَتْ وَلَكَانَ وَلَدُهَا وَارِثًا هُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ أَنْ تَكُونَ عَصَبَةً مَعَ الْإِخْوَةِ لَمْ يَمْنَعْ أَنْ تَكُونَ عَصَبَةً مَعَ الْبَنَاتِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَصَبَةً لَعُقِلَتْ وَزُوِّجَتْ وَوَرِثَتْ فَهُوَ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مَانِعًا مِنْ مِيرَاثِهَا مَعَ الْبَنَاتِ لَمَنَعَ مِنْ مِيرَاثِهَا مَعَ عَدَمِ الْبَنَاتِ ثُمَّ قَدْ نجد الْعَصَبَاتِ يَنْقَسِمُونَ ثَلَاثَةَ

(8/108)


أَقْسَامٍ قِسْمٌ يَعْقِلُونَ وَيُزَوِّجُونَ وَهُمُ الْأَعْمَامُ وَالْإِخْوَةُ وَقِسْمٌ لَا يُزَوِّجُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ وَهُمُ الْبَنُونَ وَقِسْمٌ يُزَوِّجُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ وَهُمُ الْآبَاءُ ثُمَّ جَمِيعُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْعَقْلِ وَالتَّزْوِيجِ وَارْثٌ بالتعصيب وكذلك الأخوات.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلِلْأَبِ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ السُّدُسُ فَرِيضَةً وما بقي بعد أهل الْفَرِيضَةِ فَلَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ فَإِنَّمَا هُوَ عَصَبَةٌ لَهُ الْمَالُ ".
قال الماوردي: وهذا كما قال: للأب في ميراثه ثلاثة أَحْوَالٍ:
حَالٌ يَرِثُ فِيهَا بِالتَّعْصِيبِ وَذَلِكَ مَعَ عدم الولد وولد الابن فإن لم يكن معه ذوو فَرْضٍ لَا يَسْقُطُ بِالْأَبِ كَالْأُمِّ أَخَذَتِ الْأُمُّ فَرْضَهَا كَامِلًا إِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا الْإِخْوَةُ وَهُوَ الثلث وكان الباقي للأب لقوله تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْبَاقِي لِلْأَبِ وَإِنْ حَجَبَ الْأُمَّ إِخْوَةٌ كَانَ لَهَا السُّدُسُ وَكَانَ الْبَاقِي بعد سدس الأم للأب لقوله تعالى: {وإن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْهُ يَجْعَلُ السدس للذي حَجَبَهُ الْإِخْوَةُ عَنِ الْأُمِّ لَهُمْ وَلَا يَرُدُّهُ عَلَى الْأَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ، فَلَوْ كَانَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ فَهَذِهِ حَالٌ.

فصل:
والحال الثانية: أن يرث الفرض وَحْدَهُ وَذَلِكَ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ فيأخذ السُّدُس قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ابْنٌ لَمْ يَأْخُذِ السُّدُسَ إِلَّا كَامِلًا فَيَكُونُ لِلْأَبِ السُّدُسُ والباقي للابن ولو كان معها زَوْجٌ كَانَ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ وَلِلْأَبِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْبَنَاتِ فَقَدْ يَأْخُذُ السُّدُسَ تَارَةً كَامِلًا وَتَارَةً عَائِلًا فَالْكَامِلُ يَأْخُذُهُ فِي أَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ فَيَكُونُ لِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَالْعَائِلُ جَدَّةٌ وَزَوْجٌ وَأَبٌ وَبِنْتَانِ أَوْ زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَبِنْتَانِ فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَبِ السُّدُسُ وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَتَعُولُ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ يَكُونُ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَتَعُولُ إلى سبعة وعشرين وهذه هي المسألة الْمِنْبَرِيَّةُ سُئِلَ عَنْهَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَدْأَهُ السَّائِلُ فَسَأَلَهُ عَنْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَبِنْتٍ فَقَالَ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ ثُمَّ صَعِدَ إِلَى مِنْبَرِهِ فَعَادَ السَّائِلُ فَقَالَ: كَانَ مَعَ الْبِنْتِ أُخْرَى فَقَالَ: صَارَ ثُمُنُهَا تُسْعُهَا لِأَنَّهَا لَمَّا عَالَتْ صَارَ الثُّمُنُ ثَلَاثَةً مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَذَلِكَ التُّسْعُ بَعْدَ أَنْ كَانَ الثُّمُنُ وَهَذَا مِنْ أحسن جواب صدر عن سرعة وإنجاز فسميت لأجل ذلك المنبرية فهذه حال ثَانِيَةٌ.
فَصْلٌ:
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَرِثَ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ وَذَلِكَ مَعَ الْبَنَاتِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ كأبوين وبنت فللأبوين السُّدُسَانِ وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ بِالتَّعْصِيبِ أَوْ أَبٌ وَبِنْتَانِ فَيَكُونُ لِلْأَبِ السُّدُسُ وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَمَا بَقِيَ لِلْأَبِ أَوْ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأَبٍ فَيَكُونُ لِلْأَبِ السُّدُسُ وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ وَالْجَدُّ أبو الأب

(8/109)


يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا في ميراثه بالتعصيب تارة وبالفرض أخرى وَبِهِمَا مَعًا فِي أُخْرَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ اللذين يَحْجُبُهُمُ الْأَبُ إِلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْجَدِّ وَلِذَلِكَ بَابٌ يُسْتَوْفى فيه بعد.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وللجدة والجدتين السدس ".
قال الماوردي: الأصل فِي مِيرَاثِ الْجَدَّةِ السُّنَّةُ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا في كتاب الله عز وجل فَرْضٌ مُسَمًّى رَوَى عُثْمَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ مَا لَكِ فِي كِتَابِ الله عز وجل شَيْءٌ وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَيْئًا فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ فَسَأَلَ النَّاسَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْطَاهَا السُّدُسَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قُضِيَ بِهِ إِلَّا لِغَيْرِكِ وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ في الفرائض ولكن هو ذلك السدس فإن اجتمعتما فيه فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فِهُوَ لَهَا وَحُكِيَ أَنَّ الْجَدَّةَ الَّتِي وَرَّثَهَا أَبُو بَكْرٍ أُمُّ الْأُمِّ وَالْجَدَّةَ الَّتِي جَاءَتْ إِلَى عُمَرَ فَتَوَقَّفَ عَنْهَا أُمُّ الْأَبِ فَقَالَتْ أَوْ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَّثْتُمُ الَّتِي لَوْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا وَلَا تُوَرِّثُونَ مَنْ لَوْ مَاتَتْ وَرِثَهَا فَحِينَئِذٍ وَرَّثَهَا عُمَرُ وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ لِلْجَدَّةِ السُدُسَ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أم وأجمعوا عَلَى تَوْرِيثِ الْجَدَّاتِ وَأَنَّ فَرْضَ الْوَاحِدَةِ وَالْجَمَاعَةِ منهن السدس لا ينقصن منه ولا يزيدن عَلَيْهِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ جَعَلَ لِلْجَدَّةِ الثُّلُثَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَرِثُ فِيهِ الْأُمُّ الثُّلُثَ تَعَلُّقًا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْجَدَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ إِذَا لَمْ تَكُنْ أُمٌّ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ هَذَا مَذْهَبًا لِابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَذْهَبًا وَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ إِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ فِي الْمِيرَاثِ لَا فِي قَدْرِ الْفَرْضِ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَّثَ الْجَدَّةَ السُّدُسَ وَهُوَ لَا يُخَالِفُ مَا رَوَاهُ وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي إِعْطَائِهَا السُّدُسَ مَعَ سُؤَالِ النَّاسِ عَنْ فَرْضِهَا وَرِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَبُولِ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ مِنْهُمَا مَعَ الْعَمَلِ بِهِ إِجْمَاعٌ مُنْعَقِدٌ لَا يَسُوغُ خِلَافُهُ وَرَوَى قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: جَاءَتْ جَدَّتَانِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَعْطَى الَّتِي مِنْ قبل الأم السدس فقال عبد الله بن شرحبيل أَخُو بَنِي حَارِثَةَ: يَا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ وَرَّثْتَ الَّتِي لَوْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا فجعله أبو بكر بينهما والله أعلم.

فَصْلٌ:
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ فَرْضَ الْجَدَّةِ أَوِ الْجَدَّاتِ السُّدُسُ فَالْجَدَّةُ الْمُطْلَقَةُ هِيَ أُمُّ الْأُمِّ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ فِيهَا مُتَحَقِّقَةٌ وَالِاسْمُ فِي الْعُرْفِ عَلَيْهَا مُنْطَلِقٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَدَّةِ أُمِّ الْأَبِ هَلْ هِيَ جَدَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَمْ بِالتَّقْيِيدِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ جَدَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَيْضًا كَأُمِّ الْأُمِّ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ هِيَ جَدَّةٌ بِالتَّقْيِيدِ وَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِيمَنْ سَأَلَ عَنْ مِيرَاثِ جَدَّةٍ هَلْ يَسْأَلُ عَنْ أَيِّ

(8/110)


الجدتين أراد أم لا فقال: من جعلهما جَدَّةً عَلَى الْإِطْلَاقِ إِنَّهُ لَا يُجَابُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ أَيِّ الْجَدَّتَيْنِ أَرَادَ وَقَالَ مَنْ جَعَلَهَا جَدَّةً بِالتَّقْيِيدِ إِنَّهُ يُجَابُ عَنْ أُمِّ الْأُمِّ حَتَّى يَذْكُرَ أَنَّهُ أَرَادَ أُمَّ الْأَبِ وَالْأَصَحُّ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ مِيرَاثُهَا يَخْتَلِفُ فِي الْفَرِيضَةِ بِوُجُودِ الْأَبِ الَّذِي يَحْجُبُ أُمَّهُ لَمْ يُجِبْ عَنْ سُؤَالِهِ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ أي الجدتين سأل وإن كان ميراثها لَا يَخْتَلِفُ أُجِيبَ وَلَمْ يَسْأَلْ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدٍ مَنَ يَرِثُ مِنَ الْجَدَّاتِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا أُوَرِّثُ أَكْثَرَ مِنْ جَدَّتَيْنِ أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتِهِمَا وَإِنْ عَلَوْنَ وَلَا أُوَرِّثُ أُمَّ الْجَدِّ وَإِنِ انْفَرَدَتْ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَدَاوُدُ وَرَوَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ اسْتِدْلَالًا بِقَضِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَوْرِيثِ جَدَّتَيْنِ وَكَمَا لَا يَرِثُ أَكْثَرُ مِنْ أَبَوَيْنِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا أُوَرِّثُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ جَدَّاتٍ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَطْعَمَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ قَالَ مَنْصُورٌ فَقُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ مَنْ هُنَّ فَقَالَ جَدَّتَا الْأَبِ أُمُّ أَبِيهِ وَأُمُّ أُمِّهِ وَجَدَّةُ الْأُمِّ أُمُّ أُمِّهَا.
وَذَهَبُ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة إِلَى تَوْرِيثِ الْجَدَّاتِ وَإِنْ كَثُرْنَ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ لِاشْتِرَاكِهِنَّ في الولادة ومحادتهن فِي الدَّرَجَةِ وَتَسَاوِيهِنَّ فِي الْإِدْلَاءِ بِوَارِثٍ وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثُ تُوجَدُ فِيهِنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ.
فَأَمَّا تَوْرِيثُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا الْجَدَّتَيْنِ فَإِنَّمَا وَرَّثَا مَنْ حَضَرَهُمَا مِنَ الْجَدَّاتِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُمَا مَنْعُ مَنْ زَادَ عَلَيْهِمَا وَهَكَذَا الْمَرْوِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه أطعم ثلاث جدات ولا يَمْنَعُ مِنْ إِطْعَامِ مَنْ زَادَ عَلَيْهِنَّ وَلَيْسَ بممتنع أَنْ يُوَرِّثَ أَكْثَرَ مِنْ أَعْدَادِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُنَّ يَكْثُرْنَ إِذَا عَلَوْنَ.

فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُنَّ يَرِثْنَ وَإِنْ كَثُرْنَ فَلَا مِيرَاثَ مِنْهُنَّ لِأُمِّ أَبِي الْأُمِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أَبٌ بَيْنَ أُمَّيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سيرين أم أبي الأم وراثة وإن أدلت بذكر لا يرث لِمَا فِيهَا مِنَ الْوِلَادَةِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ.
وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ.
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ بَلَغَهُ أَنَّ أربع جدات ترافعن إِلَى مَسْرُوقٍ فَوَرَّثَ ثَلَاثًا وَأَطْرَحَ وَاحِدَةً هِيَ أُمُّ أَبِي الْأُمِّ فَقَالَ أَخْطَأَ أَبُو عَائِشَةَ لها السُّدُسُ لِلْجَدَّاتِ طُعْمَةً وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة إِلَى أَنَّ أُمَّ أَبِي الْأُمِّ لَا تَرِثُ وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين لإدلائهما بِمَنْ لَا يَرِثُ وَقَدْ تَمَهَّدَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ حُكْمَ الْمُدْلَى بِهِ أَقْوَى فِي الْمِيرَاثِ مِنْ حُكْمِ الْمُدْلِي لِأَنَّ الْأَخَوَاتِ يَرِثْنَ وَلَا يَرِثُ مَنْ أَدْلَى بِهِنَّ وَلَيْسَ يُوجَدُ وَارِثٌ يُدْلِي بِغَيْرِ وَارِثٍ فَلَمَّا كَانَ أَبُو الْأُمِّ غَيْرَ وَارِثٍ كَانَتْ أُمُّهُ الَّتِي أَدْلَتْ بِهِ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ غَيْرَ وَارِثَةٍ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنْ قَرُبَ بَعْضُهُنَّ دُونَ بَعْضٍ فَكَانَتِ الْأَقْرَبَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فِهِيَ أَوْلَى وَإِنْ كَانَتِ الأبعد شاركت في السدس وأقرب اللائي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ تَحْجُبُ بُعْدَاهُنَّ وَكَذَلِكَ تَحْجُبُ أقرب اللائي من قبل الأم بعداهن ".

(8/111)


قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا تَحَاذَى الجدات في الزوج ورث جميعهن إلا التي تدلى بأبي الْأُمِّ فَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَتْ دَرَجَتُهُنَّ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَوْرِيثِهِنَّ فَحُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ وَرَّثَ الْقُرْبَى دُونَ الْبُعْدَى، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وأبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ وَدَاوُدُ بن علي، وقد حكاه الكوفيون والشعبي وَالنَّخَعِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَرَّثَ الْقُرْبَى والبعدى إلا أن يكون إِحْدَاهُمَا أُمُّ الْأُخْرَى، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَحَكَى الْحِجَازِيُّونَ عَنْ سَعِيدِ بن المسيب وعطاء وخارجة بن زيد عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّهُ إِنْ كَانَتِ الَّتِي مِنْ قبل الأب أَقْرَبَ فَالسُّدُسُ لها وَسَقَطَتِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَإِنْ كَانَتِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَقْرَبَ فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاسْتَدَلَّ مَنْ وَرَّثَ الْقُرْبَى دُونَ الْبُعْدَى بِأَنَّ اشْتِرَاكَ مَنْ تَسَاوَتْ دَرَجَتُهُمْ فِي الْمِيرَاثِ تُوجِبُ سُقُوطَ أَبْعَدِهِمْ عَنِ الْمِيرَاثِ كَالْعَصَبَاتِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ وَرَّثَ الْقُرْبَى وَالْبُعْدَى بِأَنَّ الْجَدَّاتِ يَرِثْنَ بِالْوِلَادَةِ كَالْأَجْدَادِ فَلَمَّا كَانَ الْجَدُّ الْأَبْعَدُ مُشَارِكًا للجد الْأَقْرَبِ فِي مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ كَانَتِ الْجَدَّةُ الْبُعْدَى مُشَارِكَةً لِلْجَدَّةِ الْقُرْبَى فِي الْفَرْضِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ هُوَ أَنَّ الجدات يرثن بالولادة كالأب فَلَمَّا كَانَتِ الْأُمُّ تُسْقِطُ جَمِيعَ الْجَدَّاتِ وَإِنْ كُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لِقُرْبِهَا وَبُعْدِهِنَّ وَلَا يسقط الأب ومن بَعُدَ مِنْ جَدَّاتِ الْأُمِّ مَعَ قُرْبِهِ وَبُعْدِهِنَّ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْقُرْبَى مِنْ جَدَّاتِ الْأُمِّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جَدَّاتِ الْأَبِ كَالْأُمِّ وَلَا تَكُونُ الْقُرْبَى مِنْ جَدَّاتِ الْأَبِ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جَدَّاتِ الْأُمِّ كَالْأَبِ وَهَذَا دَلِيلٌ وَانْفِصَالٌ.

فصل:
وإذا قَدْ وَضَحَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ الْجَدَّاتِ فسنصف دَرَجَتَهُنَّ لِيُعْرَفَ بِهِ الْوَارِثَاتُ مِنْهُنَّ فَأَوَّلُ دَرَجَتِهِنَّ جدتان متحاذيتان وارثتان أحدهما أم الأم والأخرى أم الأب ثم جَدَّاتٌ وَارِثَاتٌ فُضَّلْنَ مِنْ أَرْبَعِ جَدَّاتٍ بَعْدَ ثَلَاثِ دُرَجٍ.
إِحْدَاهُنَّ: مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَهِيَ أُمُّ أُمِّ الْأُمِّ وَاثْنَتَانِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ إحداهما أم أم الأب والأخرى أم أبي الْأَبِ وَتَسْقُطُ الرَّابِعَةَ وَهِيَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لأنها أم أبي الْأُمِّ ثُمَّ أَرْبَعُ جَدَّاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ يَرِثْنَ مِنْ جُمْلَةِ ثَمَانِي جَدَّاتٍ بَعْدَ أَرْبَعِ دُرَجٍ وَاحِدَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَهِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّ الْأُمِّ وَثَلَاثٌ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ إِحْدَاهُنَّ أُمُّ أم أم الأب والأخرى أم أم أبي أب والأخرى أم أبي أبي الْأَبِ ثُمَّ خَمْسُ جَدَّاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ يَرِثْنَ مِنْ جُمْلَةِ سِتَّ عَشْرَةَ جَدَّةً بَعْدَ خَمْسِ دُرَجٍ واحدة من قبل الأم وهي أم أم أُمِّ أُمِّ الْأُمِّ وَأَرْبَعٍ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ إِحْدَاهُنَّ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ الْأَبِ وَالْأُخْرَى أم أم أب أبي الأب والأخرى أم أبي أبي أبي الْأَبِ ثُمَّ تَرِثُ سِتُّ جَدَّاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ مِنْ جملة اثنين وَثَلَاثِينَ جَدَّةً وَتَرِثُ سَبْعُ جَدَّاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ مِنْ جُمْلَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ جَدَّةً وَتَرِثُ ثَمَانِي جَدَّاتٍ متحاذيات من جملة مائة وثمانية وَعِشْرِينَ جَدَّةً وَلَيْسَ فِي الْوَارِثَاتِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ إِلَّا وَاحِدَةٌ وَالْبَاقِيَاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا يَخْلُصُ مِنْ جَدَّاتِهَا مَنْ لا يدلى بأبي أُمٍّ وَلَا يَكُونُ دُونَهَا أُمٌّ إِلَّا وَاحِدَةً فلذلك لم يرث مِنْ جَدَّاتِهَا إِلَّا وَاحِدَةٌ وَتَكْثُرُ الْوَارِثَاتُ مِنْ قبل الأب لأنهن أمهات الأجداد اللائي لَيْسَ دُونَهُنَّ أَبٌ بَيْنَ أُمَّيْنِ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَزِيدَ فِي الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ وَاحِدَةً

(8/112)


صعدت إلى درجة هي أعلى ليحصل لَكَ أُمُّ جَدٍّ أَعْلَى وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلا بتضاعيف أعدادهن لتزيد لك وَارِثَةٌ مِنْهُنَّ تَسْلَمُ مِنَ الشُّرُوطِ الْمَانِعَةِ مِنْ ميراثهن فإذا كانت الْوَارِثَاتُ سِتَّةً مُتَحَاذِيَاتٍ فَوَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ إِلَى سِتِّ دُرَجٍ مِنَ الْأُمَّهَاتِ وَخَمْسٌ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَاحِدَةٍ هِيَ جَدَّةُ الْأَبِ إِلَى خَمْسِ دُرَجٍ مِنْ أُمَّهَاتِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: هِيَ جَدَّةُ الْجَدِّ إِلَى أَرْبَعِ دُرَجٍ مِنْ أُمَّهَاتِهِ.
والثالثة: هي جدة أبي الْجَدِّ إِلَى ثَلَاثِ دُرَجٍ مِنْ أُمَّهَاتِهِ.
وَالرَّابِعَةُ: هِيَ جَدَّةُ جَدِّ الْجَدِّ إِلَى دَرَجَتَيْنِ مِنْ أمهاته.
والخامسة: هي أم أبي جَدِّ الْجَدِّ بَعْدَ دَرَجَةٍ مِنْهُ فَتَصِيرُ الْخَمْسُ جَدَّاتٍ مُدْلِيَاتٍ بِخَمْسَةِ آبَاءٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّ أبي أُمٍّ فَتَصَوَّرْ ذَلِكَ تَجِدْهُ صَحِيحًا وَاعْتَبِرْهُ فِيمَا زَادَ تَجِدْهُ مُسْتَمِرًّا.

فَصْلٌ:
فَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَتْ دَرَجَتُهُنَّ فَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي تَوْرِيثِهِنَّ فعلى هذا أم أم وأم أم الأب فَعَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هُوَ لِأُمِّ الْأُمِّ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وأبي حنيفة وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هُوَ لَهُمَا ولو ترك أم أم أم وأم أم الأب وأم أب أبي الْأَبِ فَعَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَرِوَايَةِ الْكُوفِيِّينَ عَنْ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هُوَ لِأُمِّ أُمِّ الْأَبِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُهُنَّ دَرَجَةً وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هُوَ بَيْنَ ثَلَاثِهِنَّ وَعَلَى رِوَايَةِ الْحِجَازِيِّينَ عَنْ زَيْدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ هُوَ بَيْنَ أُمِّ أم الْأُمِّ وَأُمُّ أُمِّ الْأَبِ وَتَسْقُطُ أم أبي أبي الْأَبِ لِأَنَّهَا وَإِنْ سَاوَتِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فِي الدَّرَجَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَتْهَا أُمُّ أُمِّ الْأَبِ فَسَقَطَتْ بِهَا ثُمَّ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ يَرِثْنَ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا الْجَدَّةُ الْوَاحِدَةُ إِذَا أَدْلَتْ بسببين وبولادة من جهتين كامرأة تزوج ابن ابنها بنت بِنْتِهَا فَإِذَا وُلِدَ لَهُمَا مَوْلُودٌ كَانَتِ الْمَرْأَةُ جدته من وجهين فكانت أم أبي أَبِيهِ وَأُمَّ أُمِّ أُمِّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مِنَ الْجَدَّاتِ غَيْرُهَا فَالسُّدُسُ لَهَا فَإِنْ كَانَتْ مَعَهَا جَدَّةٌ أُخْرَى هِيَ أُمُّ أُمِّ أَبٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ تَرِثُ بِالْوَجْهَيْنِ وَتَأْخُذُ سَهْمَ جَدَّتَيْنِ.
فَقَالَ محمد بن الحسن وزفر بن الهذيل وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: تَرِثُ بِالْوَجْهَيْنِ وَتَأْخُذُ سَهْمَ جَدَّتَيْنِ وَحَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِيُّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَاخْتَارَهُ مَذْهَبًا لِنَفْسِهِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وأبو يوسف ترث بأحد الجهتين وَتَأْخُذُ سَهْمَ جَدَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مذهب الشافعي ومالك رضي الله عنهما لأنها يد واحدة فَلَمْ تَكُنْ إِلَّا جَدَّةً وَاحِدَةٌ وَلِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَرِثُ فَرْضَيْنِ مِنْ تَرِكَةٍ وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَرِثَ بِفَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ كَزَوْجٍ هُوَ ابْنُ عَمٍّ وَرُبَّمَا أَدْلَتِ الْجَدَّةُ الْوَاحِدَةُ بِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ وَحَصَلَتْ لَهَا الْوِلَادَةُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ أُمِّ أُمِّ الْمَيِّتِ وأم أبي أبيه وأم أم أبي أَبِيهِ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ مَعَهَا جَدَّةٌ أُخْرَى فَعَلَى قَوْلِ محمد بن الحسن تَرِثُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ السُّدُسِ كَأَنَّهَا ثَلَاثُ جَدَّاتٍ مِنْ أَرْبَعٍ وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تَرِثُ نِصْفَ السُّدُسِ لِأَنَّهَا إِحْدَى جَدَّتَيْنِ والله أعلم بالصواب.

(8/113)


باب أقرب العصبة
قال المزني رحمه الله وأقرب الْعَصَبَةِ الْبَنُونَ ثُمَّ بَنُو الْبَنِينَ ثُمَّ الْأَبُ ثم الإخوة للأب والأم إن لم يكن جد فإن كان جد شاركهم في باب الجد ثُمَّ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ والأم ثم بنو الإخوة للأب فإن لم يكن أحد من الإخوة ولا من بينهم ولا بني بنيهم وإن سفلوا فالعم للأب والأم ثم العم للأب ثم بنو العم للأب والأم ثم بنو العم للأب فإن لم يكن أحد من العمومة ولا بنيهم ولا بني بنيهم وإن سفلوا فعم الأب للأب والأم فإن لم يكن فعم الأب للأب فإن لم يكن فبنوهم وبنو بنيهم على ما وصفت من العمومة وبنيهم وبني بنيهم فإن لم يكونوا فعم الجد للأب والأم فإن لم يكن فعم الجد للأب فإن لم يكن فبنوهم وبنو بنيهم على ما وصفت عمومة الأب فإن لم يكونوا فأرفعهم بطنا وكذلك نفعل في العصبة إذا وجد أحد من ولد الميت وإن سفل لم يورث أحد من ولد ابنه وإن قرب وإن وجد أحد من ولد ابنه وإن سفل لم يورث أحد من ولد جده وإن قرب وإن وجد أحد من ولد جده وإن سفل لم يورث أحد من ولد أبي جده وإن قرب وإن كان بعض العصبة أقرب بأب فهو أولى لأب كان أو أم وإن كانوا في درجة واحدة إلا أن يكون بعضهم لأب وأم فالذي لأب وأم أولى فإذا استوت قرابتهم فهم شركاء في الميراث ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَصَبَةِ لِمَ سُمُّوا عَصَبَةً؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ سُمُّوا عَصَبَةً لِالْتِفَافِهِمْ عَلَيْهِ فِي نَسَبِهِ كَالْتِفَافِ الْعَصَائِبِ عَلَى يَدِهِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ سُمُّوا عَصَبَةً لِقُوَّةِ نفسه بهم ولقوة جِسْمِهِ بِعَصَبِهِ فَأَقْرُبُ عَصِبَاتِ الْمَيِّتِ إِلَيْهِ بَنَوْهُ لِأَنَّهُمْ بَعْضُهُ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَهُمْ فِي الذِّكْرِ وَحَجَبَ بِهِمُ الْأَبَ عَنِ التَّعْصِيبِ حَتَّى صَارَ ذَا فَرْضٍ ثُمَّ بَنُو الْبَنِينَ لِأَنَّهُمْ بعض البنين لأن الْأَبَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ كَهُوَ مَعَ الْبَنِينَ وَلِأَنَّهُمْ يَعْصِبُونَ أَخَوَاتِهِمْ كَالْبَنِينَ ثُمَّ بَنُو بَنِي الْبَنِينَ وَإِنْ سَفَلُوا فَإِنْ قِيلَ أَفَلَيْسَ الْأَبُ مُقَدَّمًا عَلَى الِابْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ وَالتَّزْوِيجِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لِأَنَّهُ أَقْوَى الْعَصَبَاتِ فَهَلَّا كَانَ مُقَدَّمًا فِي الْمِيرَاثِ قِيلَ إِنَّمَا يُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّزْوِيجِ بِمَعْنَى الْوِلَايَةِ وَالْوِلَايَةُ فِي الْآبَاءِ دُونَ الْأَبْنَاءِ وَفِي الْمِيرَاثِ يُقَدَّمُ بِقُوَّةِ التَّعْصِيبِ وَذَلِكَ فِي الْأَبْنَاءِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْآبَاءِ فَإِذَا عَدِمُوا فَلَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ فَالْأَبُ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ بَعْدَهُمْ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ بَعْضُهُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنْ وَلَدِهِ الْمَيِّتِ كَانَ الْأَقْرَبَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ وَلِأَنَّ سَائِرَ الْعَصَبَاتِ بِالْأَبِ يُدْلُونَ وَإِلَيْهِ يُنْسَبُونَ

(8/114)


فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى جَمِيعِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الْأَبِ إِخْوَةٌ فَالْجَدُّ وَإِنْ كَانَ إِخْوَةٌ فَعَلَى خِلَافٍ يُذْكَرُ فِي بِابِ الْجَدِّ ثُمَّ بَعْدَ الْجَدِّ أَبُو الْجَدِّ ثُمَّ جَدُّ الْجَدِّ ثُمَّ أَبُو جَدِّ الْجَدِّ ثُمَّ جَدُّ جَدِّ الْجَدِّ ثُمَّ هَكَذَا أَبَدًا حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ عَمُودِ الْآبَاءِ لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْوِلَادَةِ وَالتَّعْصِيبِ، ثُمَّ الْإِخْوَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ جَدٌّ لِأَنَّهُمْ وَالْمَيِّتُ بَنُو أَبٍ قَدْ شَارَكُوهُمْ فِي الصُّلْبِ وَرَاكَضُوهُمْ فِي الرَّحِمِ وَلِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ شَبَهًا مِنَ الْبَنِينِ فِي تَعْصِيبِ أَخَوَاتِهِمْ فَيُقَدَّمُ مِنْهُمُ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ لقوته بالسببين على من تفرد بإحداهما وَلِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " وأعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات " وأصل ميراثهما مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] فَيَكُونُ حُكْمُ الْإِخْوَةِ مَعَ الْأَخَوَاتِ كَحُكْمِ الْبَنِينَ مَعَ الْبَنَاتِ فِي اقْتِسَامِهِمُ الْمَالَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بَعْدَ فَرْضٍ إِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا ثُمَّ بَعْدَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ الْأَخُ لِلْأَبِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِقُرْبِ دَرَجَتِهِ، ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ وَهُمْ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْأَعْمَامِ وَإِنْ سَفَلُوا، لِأَنَّهُمْ من بني أبي الْمَيِّتِ وَالْأَعْمَامُ بَنُو جَدِّهِ فَيُقَدَّمُ مِنْ بَنِي الْإِخْوَةِ مَنْ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ مَنْ كَانَ لِأَبٍ ثُمَّ بَنُو بَنِيهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا يُقَدَّمُ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ فِي الدَّرَجَةِ وَإِنْ كَانَ لِأَبٍ عَلَى مَنْ بَعُدَ وَإِنْ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنِ اسْتَوَتْ دَرَجَتُهُمْ قُدِّمَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى مَنْ كَانَ لِأَبٍ ثُمَّ الْأَعْمَامُ لِأَنَّهُمْ بَنُو الْجَدِّ وَلِأَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَّثَ عَمَّ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ مَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ زَوْجَتِهِ وَبِنْتَيْهِ فَيُقَدَّمُ الْعَمُّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى الْعَمِّ لِلْأَبِ لِإِدْلَائِهِ بِالسَّبَبَيْنِ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبِ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثم ابني الْعَمِّ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُو بَنِيهِمْ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَإِنْ سَفَلُوا مُقَدَّمِينَ عَلَى أَعْمَامِ الْأَبِ ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى مَنْ كَانَ لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَنِي الْأَعْمَامِ ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثم أعمام ابن الْجَدِّ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ أَعْمَامُ جَدِّ الْجَدِّ ثم بنوهم ثم أعمام أبي جَدِّ الْجَدِّ ثُمَّ بَنُوهُمْ هَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يستنفذ جَمِيعُ الْعَصَبَاتِ لَا يُقَدَّمُ بَنُو أَبٍ أَبْعَدَ على بنو أب هو أقرب وإن نزلت درجتهم وَإِذَا اسْتَوَوْا قُدِّمَ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى مَنْ كَانَ لِأَبٍ وَلَيْسَ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ مِنَ الْعَصَبَةِ لِإِدْلَائِهِمْ بِالْأُمِّ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي التَّعْصِيبِ وَلَا الْأَعْمَامُ لِلْأُمِّ من الورثة لأنهم ذوو أرحام والله أعلم.

فَصْلٌ:
وَلَيْسَ يَرِثُ مَعَ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْعَصِبَاتِ أُخْتٌ لَهُ إِلَّا أَرْبَعَةٌ فَإِنَّهُمْ يُعَصِّبُونَ أخواتهم ويرثون معهم الِابْنُ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ وَتَرِثُ مَعَهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَابْنُ الِابْنِ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ وَإِنْ سَفَلَ وَيُعَصِّبُ مَنْ لَا فَرْضَ لَهُ مِنْ عَمَّاتِهِ فَيَشْتَرِكُونَ فِي الْمِيرَاثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ وَيُقَاسِمُهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْأَخُ لِلْأَبِ كَذَلِكَ أَيْضًا يُعَصِّبُهَا وَيُقَاسِمُهَا وَمَنْ سِوَى هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ مِنَ الْعَصَبَاتِ كُلِّهِمْ يُسْقِطُونَ أَخَوَاتِهِمْ وَيَخْتَصُّونَ بِالْمِيرَاثِ كَبَنِي الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ مِنْ جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا إِذَا تَرَكَ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَلِلَّذِي هُوَ أَخٌ لِلْأُمِّ السُّدُسُ فَرْضًا بِالْأُمِّ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا بِالتَّعْصِيبِ وَبِهِ قَالَ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ وَقَوْلِ أبي حنيفة وَمَالِكٍ وَالْفُقَهَاءِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ

(8/115)


أَخٌ لِأُمٍّ وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " وبنو الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ " وَلِأَنَّهُمَا قَدِ اسْتَوَيَا فِي الْإِدْلَاءِ بِالْأَبِ وَاخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالْإِدْلَاءِ بالأم فصار كالأخوين أحدهما لأب وأم وآخر لِأَبٍ فَوَجَبَ أَنْ يُقَدَّمَ مَنْ زَادَ إِدْلَاءُهُ بِالْأُمِّ عَلَى مَنْ تَفَرَّدَ بِالْأَبِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] فَأَوْجَبَ هَذَا الظَّاهِرُ أَن لا يزاد بِهَذِهِ الْأُخوَّةِ عَلَى السُّدُسِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ الْمُسْتَحِقَّ بِهِ الْفَرْضَ لَا يُوجِبُ أَنْ يُقَوَّى بِهِ التَّعْصِيبُ بَعْدَ أَخْذِ الْفَرْضِ كَابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا زَوْجٌ، وَلِأَنَّ وِلَادَةَ الْأُمِّ تُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ إما استحقاقا بالفرض أو تقديما بالجميع ولا توجب كِلَا الْأَمْرَيْنِ مِنْ فَرْضٍ وَتَقْدِيمٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِخْوَةَ الْمُتَفَرِّقِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا اخْتَصَّ الْإِخْوَةُ للأم بالفرض واختص الإخوة للأب والأم بالتقديم فِي الْبَاقِي عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَلَمْ يَجُزْ أن يشاركوا باقيهم الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لِتَنَافِي اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ فِي الْإِدْلَاءِ بالأم وكذلك ابن العم إذا كان أخا لأم لما استحق بأمه فرضا لم يستحق بها تقديمه عَلَى ابْنِ الْعَمِّ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَ الرَّحِمِ وَالتَّعْصِيبِ إِذَا كَانَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أوجَبَ التَّقْدِيمُ كَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فِي تَقْدِيمِهِمْ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِهَتَيْنِ لَمْ يُوجِبَا التَّقْدِيمَ وَالْأَخُ لِلْأُمِّ إِذَا كَانَ ابْنَ عَمٍّ فَيُعَصِّبُهُ مِنْ جِهَةِ الْإِدْلَاءِ بِالْجَدِّ وَرَحِمِهِ بِوِلَادَةِ الأم فلم يوجب التقدم، وَفِي هَذَا انْفِصَالٌ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.
فَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْإِخْوَةِ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ " أَعْيَانُ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ " فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُمَا فِي الْبَاقِي بَعْدَ السدس سواء وإنما ذلك فِي الْمَالِ فَأَمَّا وَلَاءُ الْمَوَالِي فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أن ابن الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ لِأُمٍّ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَرِثْ بِأُمِّهِ مِنَ الْوَلَاءِ فَرْضًا اسْتَحَقَّ بِهِ تَقْدِيمًا لِأَنَّ الْإِدْلَاءَ بِالْأُمِّ إِذَا انْضَمَّ إِلَى التَّعْصِيبِ أوجَبَ قُوَّةً عَلَى مُجَرَّدِ التَّعْصِيبِ إِمَّا فِي فَرْضٍ أَوْ تَقْدِيمٍ فَلَمَّا سَقَطَ الْفَرْضُ فِي الْوَلَاءِ ثَبَتَ التَّقْدِيمُ.

فَصْلٌ:
وَلَوْ تَرَكَ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُ عَمٍّ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَالُ بَيْنَ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ وبين أخ الأم الَّذِي هُوَ ابْنُ عَمٍّ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعْصِيبِ وَالْإِدْلَاءِ بِالْأُمِّ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ الَّذِي ليس بابن عم ولا ابن الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ لِأُمٍّ وَعَلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ الثُّلُثُ لِثَلَاثَةٍ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ الَّذِي هُوَ ابْنُ عَمٍّ وَلِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ وَلِلْأَخِ لِلْأُمِّ الَّذِي لَيْسَ بِابْنِ عَمٍّ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ إِخْوَةٌ لِأُمٍّ وَالْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثِ بين الثلاثة بَيْنَ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ وَالْأَخُ لِلْأُمِّ الَّذِي هُوَ ابْنُ عَمٍّ وَابْنُ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ لِأُمٍّ فَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَابْنَيْ عَمِّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَعَلَى قياس قول ابْنِ مَسْعُودٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ نِصْفِ الْبِنْتِ لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ لِأُمٍّ لِأَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْجَمَاعَةِ إِنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ البنت بينهما لأن البنت تسقط بورثته بالأم ولا تسقط ميراثه بِالتَّعْصِيبِ كَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَلَوْ تَرَكَ ابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَالُ

(8/116)


لابن العم للأب الذي هو أخ لأم وَعَلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ لِابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبِ الَّذِي هو أخ للأم السُّدُسُ بِأَنَّهُ أَخٌ لِأُمٍّ وَالْبَاقِي لِابْنِ الْعَمِّ للأب والأم والله أعلم.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةً بِرَحِمٍ يَرِثُ فَالْمَوْلَى المعتق فإن لم تكن فَأَقْرَبُ عَصَبَةٍ مَوْلَاهُ الذُّكُورُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبَيْتُ الْمَالِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. وَالْوَلَاءُ يُورَثُ بِهِ كَالتَّعْصِيبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: 33] وَرُوِيَ عَنِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ "، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ " وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " من تولى إلى غير مواليه فقد خلع رقبة الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ ". وَأَعْتَقَتْ بِنْتُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَبْدًا فَمَاتَ وَتَرَكَ بِنْتًا فَجَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نِصْفَ مَالِهِ لِبِنْتِهِ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ حَمْزَةَ مُعْتِقَتِهِ فإذا بت هَذَا فَكُلُّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَلَهُ وَلَاؤُهُ مُسْلِمًا كَانَ الْمُعْتِقُ أَوْ كَافِرًا وَقَالَ مَالِكٌ: لَا وَلَاءَ لِلْكَافِرِ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مُسْلِمًا لِقَطْعِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وهذا فاسد بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ " فَلَمَّا كَانَ النَّسَبُ ثَابِتًا بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَثَا كَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا ثَابِتًا وَلَا يَتَوَارَثَانِ بِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَرِثَ فَإِذَا ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ فَعَصَبَةُ النَّسَبِ تَتَقَدَّمُ فِي الْمِيرَاثِ عَلَى عَصَبَةِ الْوَلَاءِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَبَّهَ عَصَبَةَ الْوَلَاءِ بِعَصَبَةِ النَّسَبِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا أُلْحِقَ بِأَصْلٍ فَإِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ. أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ الِابْنِ لَمَّا كَانَ فِي الْمِيرَاثِ مُلْحَقًا بِالِابْنِ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَالْجَدُّ لَمَّا كَانَ مُلْحَقًا بِالْأَبِ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَتَى كَانَ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مُنَاسِبٌ كَانَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ الْمَوْلَى وَإِنْ لم يكن له عصبة وكان له ذو فرض تقدموا بفروضهم على الموالي لِأَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ بِهَا عَلَى الْعَصَبَةِ فَكَانَ تَقْدِيمُهُمْ بِهَا عَلَى الْمَوْلَى أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةُ نَسَبٍ وَلَا ذُو فَرْضٍ يَسْتَوْعِبُ بِفَرْضِهِ جميع التركة كانت للتركة أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهَا بَعْدَ فَرْضِ ذِي الْفَرْضِ لِلْمَوْلَى يَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ في قول من ورث ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدَّمُوا ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى الْمَوَالِي وَفِيمَا مَضَى مِنْ إسقاط ميراث ذوي الأرحام دليل كاف والله أعلم.

فَصْلٌ:
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلًى فَعَصَبَةُ الْمَوْلَى يَقُومُونَ فِي الْمِيرَاثِ مَقَامَ الْمَوْلَى لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَامُوا مَقَامَهُ فِي مَالِهِ قَامُوا مَقَامَهُ فِي وَلَائِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَبْنَاءُ أَحَقُّ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي مِنَ الْآبَاءِ فَإِذَا كَانَ أَبٌ مَوْلَى وَابْنٌ مَوْلَى فَابْنُ الْمَوْلَى أَوْلَى مِنْ أَبِ الْمَوْلَى وَكَذَلِكَ ابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ وَبِهَذَا قَالَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ.

(8/117)


وقال أبو يوسف: لأب الْمَوْلَى سُدُسُ الْوَلَاءِ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ كَالْمَالِ وَهَكَذَا الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا يَجْعَلُونَ لَهُ مَعَ الِابْنِ سُدُسَ الْوَلَاءِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وإسحاق وهذا خطأ لأن الولاء مستحق لمجرد التَّعْصِيبِ وَتَعْصِيبُ الِابْنِ أَقْوَى مِنْ تَعْصِيبِ الْأَبِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِالْوَلَاءِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَبْنَاءَ أَوْلَى بِالْوَلَاءِ مِنَ الْآبَاءِ فَهُوَ لِلذُّكُورِ مِنْهُمْ دُونَ الْإِنَاثِ فَيَكُونُ لِابْنِ الْمَوْلَى دُونَ بِنْتِ الْمَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ طَاوُسٌ: هُوَ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَالْمَالِ وَهَكَذَا قَالَ فِي الْأَخِ وَالْأُخْتِ يَرِثَانِ الْوَلَاءَ لِلذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَحُكِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ النِّسَاءَ إِذَا تَرَاخَى نَسَبُهُنَّ لَمْ يَرِثْنَ بِتَعْصِيبِ النَّسَبِ كَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَتَعْصِيبُ الْوَلَاءِ أَبْعَدُ مِنْ تَعْصِيبِ النَّسَبِ فكان بسقوط ميراث النساء أحق.

فصل:
فإذا لَمْ يَكُنِ ابْنَ مَوْلًى فَأَبُو الْمَوْلَى بَعْدَهُ أَحَقُّ بِالْوَلَاءِ مِنَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ لِإِدْلَائِهِمْ بِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ الْأَبِ فِي مُسْتَحِقِّ الْوَلَاءِ فَقَالَ أبو حنيفة: الْجَدُّ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْإِخْوَةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ: الْإِخْوَةُ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْجَدِّ.
وَقَالَ أبو يوسف ومحمد: إِنَّهُ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لِلْإِخْوَةِ دُونَ الْجَدِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ أَقْرَبُ إِلَى الْأَبِ مِنَ الْجَدِّ كَمَا أَنَّ ابْنَ الِابْنِ أَحَقُّ مِنَ الْأَبِ فَعَلَى هَذَا يُقَدَّمُ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْجَدَّ وَالْإِخْوَةَ فِيهِ سَوَاءٌ كَقَوْلِ أبي يوسف؛ لِأَنَّهُ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ فِي الْمَالِ فَقَاسَمَهُمْ فِي الْوَلَاءِ فعَلَى هَذَا لَوْ نَقَصَتْهُ مُقَاسَمَةُ الْإِخْوَةِ مِنْ ثُلُثِ الْوَلَاءِ لَمْ يُفْرَضْ لَهُ الثُّلُثُ بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْفَرْضِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالتَّعْصِيبِ الْمَحْضِ.
فَلَوْ كَانُوا خَمْسَةَ إِخْوَةٍ وَجَدًّا كَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمْ أَسْدَاسًا عَلَى عَدَدِهِمْ لِلْجَدِّ منه السدس ولا يقاسم الجد الإخوة لِلْأَبِ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِخِلَافِ الْمَالِ ثم الإخوة مع أبي الجد وجد الجد وإن علا كلهم مع الجد الأخير فَأَمَّا بَنُو الْإِخْوَةِ وَالْجَدُّ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَنِي الْإِخْوَةِ أَحَقُّ بِالْوَلَاءِ مِنَ الْجَدِّ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْجَدَّ أَوْلَى مِنْ بَنِي الإخوة، لقرب درجته، ولا يحجب اشتراك بني الإخوة مع الجد، وَيُقَدَّمُ مِنْ بَنِي الْإِخْوَةِ مَنْ كَانَ لِأَبٍ ولأم عَلَى مَنْ كَانَ لِأَبٍ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ يَتَقَدَّمُونَ عَلَى الْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ، وَيَتَقَدَّمُ الْجَدُّ بِالْوَلَاءِ عَلَى الْأَعْمَامِ لِأَنَّهُمْ بَنُوهُ فَأَمَّا أَبُو الْجَدِّ وَالْعَمِّ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: إِنَّ أَبَا الْجَدِّ أَوْلَى بِالْوَلَاءِ لِوِلَادَتِهِ.

(8/118)


وَالثَّانِي: إِنَّ الْعَمَّ أَوْلَى بِالْوَلَاءِ لِقُرْبِهِ.
وَالثَّالِثُ: إِنَّ أَبَا الْجَدِّ وَالْعَمِّ سَوَاءٌ يَشْتَرِكَانِ فِي الْوَلَاءِ يَتَرَتَّبُونَ بَعْدَ ذَلِكَ تَرْتِيبَ الْعَصَبَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى عَصَبَةٌ فَمَوْلَى الْمَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَصَبَتُهُ ثُمَّ مَوْلَاهُ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا وُجِدُوا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا وَوُجِدَ مَوْلَى عَصَبَتِهِ: فَإِنْ كَانَ مَوْلَى آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَرَّثَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَسْرِي إِلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، وإن كان مولى أبنائه أو أخواته لَمْ يَرِثْ لِأَنَّ وَلَاءَ الِابْنِ لَا يَسْرِي إِلَى أَبِيهِ وَلَا إِلَى أَخِيهِ، فَإِنْ لَمْ يكن له إِلَّا مَوْلًى مِنْ أَسْفَلَ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ لَمْ يَرِثْهُ فِي قَوْلِ الْجَمَاعَةِ.
وَقَالَ طَاوُسٌ: لَهُ الْمِيرَاثُ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ عَوْسَجَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلَّا غُلَامًا لَهُ كَانَ أعتقَه فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هَلْ لَهُ أَحَدٌ " قَالُوا: لَا إِلَّا غُلَامًا له كَانَ أَعْتَقَهُ فَجَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِيرَاثَهُ لَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أن لَا مِيرَاثَ لَهُ: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ".
وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عمر كان يورث مَوَالِيَ عُمَرَ دُونَ بَنَاتِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى الْأَعْلَى وَرِثَ لِإِنْعَامِهِ فَصَارَ مِيرَاثُهُ كَالْجَزَاءِ، وَالْمَوْلَى الْأَسْفَلُ غَيْرُ مُنْعِمٍ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ مِيرَاثًا وَلَا جَزَاءً، فأما إعطاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَلِكَ لَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ طُعْمَةً مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوْلَى بِمَالِ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَضَعَهُ حَيْثُ يَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ:
وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ فِي النَّسَبِ، وَصُورَتُهُ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ عَبْدًا ثُمَّ يَمُوتُ السَّيِّدُ وَيُخْلِفُ ابْنَيْنِ فَيَرِثَانِ مَالَهُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يَمُوتُ أَحَدُ الِابْنَيْنِ ويخلف ابنا فينتقل ميراث ابنه عَنِ الْجَدِّ إِلَيْهِ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ ابْنُ الْمَوْلَى دُونَ ابْنِ ابْنِهِ وَقَالَ شُرَيْحٌ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ انْتِقَالَ الْمِيرَاثِ فَيَصِيرُ وَلَاءُ الْمُعْتَقِ بَيْنَ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَ السَّيِّدِ الْمُعْتِقِ صَارَ إِلَيْهِمَا وَلَمْ يَجْعَلُوا الولاء للكبير اعْتِبَارًا بِمُسْتَحِقِّ الْوَلَاءِ عِنْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى ومن جعل الولاء للكبير اعْتُبِرَ مُسْتَحِقُّ الْوَلَاءِ عِنْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ وبتوريث الكبير قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ " فَلَوْ جُعِلَ كَالْمَالِ صَارَ مَوْرُوثًا؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ يَنْتَقِلُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ إِلَى عَصَبَةِ مَوْلَاهُ الْأَعْلَى وَلَيْسَ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمَوْلَى بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَنْتَقِلُ إِلَيْهِمْ كَالْمَالِ فَلِذَلِكَ صَارَ مُخَالِفًا لِلْمَالِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ المولى الأعلى فترك أَخًا لِأَبٍ وِأُمٍّ، وَأَخًا لِأَبٍ فَأَخَذَ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مِيرَاثَهُ دُونَ الْأَخِ لِلْأَبِ ثُمَّ مات الأخ للأب والأم فترك ابْنًا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ فَعَلَى مَذْهَبِ الشافعي ومن جعل الولاء للكبير فجعله لِلْأَخِ لِلْأَبِ دُونَ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ أَقْرَبُهُمَا إِلَى الْمَوْلَى الْأَعْلَى وَمَنْ جَعَلَهُ مَوْرُوثًا كَالْمَالِ جَعَلَهُ لِابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِمِيرَاثِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى، وَلِلْوَلَاءِ كِتَابٌ يَسْتَوْفِي فُرُوعَهُ فِيهِ مَعَ جَرِّ الْوَلَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ وَصُورَتُهُ: فِي رَجُلٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ نَسَبٌ وَلَا وَلَاءٌ فَيُوَالِي رجلا يعاقده وَيُحَالِفُهُ وَيُنَاصِرُهُ فَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لَا يَتَوَارَثَانِ بِهِ.

(8/119)


وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: يَتَوَارَثَانِ بِهَذِهِ الْمُوَالَاةِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُهَا، وَقَالَ أبو حنيفة يَتَوَارَثَانِ بِهَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُهَا مَا لَمْ يعقل عنه صاحبه، فإن عقل له لم يكن له نقضها فاستدل عَلَى اسْتِحْقَاقِ التَّوَارُثِ بِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] وَبِرِوَايَةِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ رَجُلًا وَالَى رَجُلًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أنت أحق الناس بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ ".
وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ مَا ذَهَبَا إِلَيْهِ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ " فَأَثْبَتَهُ لِلْمُعْتِقِ وَنَفَاهُ عَنْ غَيْرِ الْمُعْتِقِ.
وَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً " وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لِمَالِهِ جِهَةٌ يَنْصَرِفُ إِلَيْهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَهُ بِالْمُوَالَاةِ إِلَى غَيْرِهَا كَالَّذِي لَهُ نَسَبٌ أَوْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ جِهَةٍ لَا يَتَوَارَثُ بِهَا مَعَ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ لَا يَتَوَارَثُ بِهَا مَعَ عَدَمِ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَأَمَّا الْآيَةُ فَمَنْسُوخَةٌ حِينَ نُسِخَ التَّوَارُثُ بِالْحِلْفِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أنت أحق بمحياه ومماته " فمعناه أحق بنفسه دون ماله في نصرته فِي حَيَاتِهِ وَدَفْنِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ والله أعلم بالصواب.
آخر كتاب العصبة.

(8/120)


باب ميراث الجد
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَالْجَدُّ لَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يكن أب فَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَيِّتُ تَرَكَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِ أَبِيهِ الْأَدْنَيْنِ أَوْ أحدا من أمهات أبيه وَإِنْ عَالَتِ الْفَرِيضَةُ إِلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ زَوْجٍ وأبوين أو امرأة وأبوين فإنه إذا كال فِيهِمَا مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ صَارَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ كَامِلًا وَمَا بَقِيَ فَلِلْجَدِّ بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ وَأُمَّهَاتُ الْأَبِ لَا يَرِثْنَ مَعَ الْأَبِ وَيَرِثْنَ مَعَ الْجَدِّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الجد المطلق فهو أبو الأب لا غير، فأما أبي الْأُمِّ فَهُوَ جَدٌّ بِتَقْيِيدٍ، ثُمَّ الْجَدُّ يَجْمَعُ رَحِمًا وَتَعْصِيبًا كَالْأَبِ، فَيَرِثُ تَارَةً بِالرَّحِمِ فَرْضًا مُقَدَّرًا وَيَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ تَارَةً مُرْسَلًا، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فِي مَوْضِعٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يَسْقُطُ إِلَّا بِالْأَبِ وَحْدَهُ، وَلَهُ في ميراثه ثلاثة أحوال أَجْمَعُوا أَنَّهُ فِيهَا كَالْأَبِ، وَحَال أَجْمَعُوا أَنَّهُ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَبِ، وَحَالٌ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ فِيهَا كَالْأَبِ أَمْ لَا؟ .
فَأَمَّا الْحَالُ الَّتِي أجمعوا على أنه فيها كَالْأَبِ فَمَعَ الْبَنِينَ وَبَنِيهِمْ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ وَحْدَهُ وَمَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ إن بقي شيء كالأب ويسقط سَائِرُ الْعَصَبَاتِ سِوَى الْإِخْوَةِ مِنَ الْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ وَبَنِي الْإِخْوَةِ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ حَكَاهَا إسماعيل بن أبي خالد عن علي عليه السلام أنه قاسم الجد مع بني الإخوة وليست ثابتة، ويسقط الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ فَهَذِهِ حَالٌ هُوَ وَالْأَبُ فِيهَا سواء، وأما ما أجمعوا عليه على أنه فيه مخالف للأب ففي فَرِيضَتَيْنِ هُمَا زَوْجٌ وَأَبَوَانِ، أَوْ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ، فَإِنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ مَا يَبْقَى بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، فَإِنْ كَانَ مَكَانُ الْأَبِ جَدٌّ: فَلِلْأُمِّ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ فِي الْفَرِيضَتَيْنِ أَمَّا مَعَ الزَّوْجَةِ فَبِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا مَعَ الزَّوْجِ فَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ لِلْأُمِّ ثُلُثَ ما بقي والباقي للجد للأب، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ جَعَلَ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُمِّ نِصْفَيْنِ، وَهِيَ إحدى مربعاته؛ لأنه جعل المال أَرْبَاعًا، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا ذَكَرْنَا، وَالْجَدُّ يَحْجُبُ أُمَّ نَفْسِهِ دُونَ أُمَّهَاتِ الْأَبِ، فَهَذِهِ حَالٌ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ فِيهَا مُخَالِفٌ لِلْأَبِ، وَأَمَّا مَا اخْتَلَفُوا هَلِ الْجَدُّ فِيهِ كَالْأَبِ أَمْ لَا؟ فَمَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَقَدْ كَانَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ فِيهِ تَكْرَهُ الْقَوْلَ فِيهِ حَتَّى رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أجرأكم على قسم الجد أجرأكم على النار ".

(8/121)


وقال علي عليه السلام: " من سره أن يقتحم جَرَاثِيمَ جَهَنَّمَ فَلْيَقْضِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَالْجَدِّ ".
وَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " سَلُونَا عَنْ عَضَلِكُمْ وَدَعُونَا مِنَ الْجَدِّ لَا حياه الله ". فَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي سُقُوطِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ بِالْجَدِّ: فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ كَالْأَبِ، وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِثْلُهُ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْهُ بَلْ رُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ أَيَّامَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَبِهَذَا قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَقَالَ بِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ أبو حنيفة وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ سُرَيْجٍ وَدَاوُدُ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ وَلَا يُسْقِطُهُمْ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ كَيْفِيَّةِ مُقَاسَمَتِهِ لَهُمْ.
وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ شُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمَسْرُوقٌ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وأبو يوسف ومحمد وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ بِالْجَدِّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يوسف: 38] وَقَالَ تَعَالَى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] فَسَمَّاهُ أَبًا وَإِذَا كَانَ اسْمُ الْأَبِ مُنْطَلِقًا عَلَى الْجَدِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْحُكْمِ كَالْأَبِ وَلِأَنَّ لِلْمَيِّتِ طَرَفَيْنِ أَعْلَى وَأَدْنَى فَالْأَعْلَى الْأَبُ وَمَنْ عَلَا وَالْأَدْنَى الِابْنُ وَمَنْ سَفَلَ فَلَمَّا كَانَ ابْنُ الِابْنِ كَالِابْنِ في حجب الإخوة ووجب أَنْ يَكُونَ أَبُو الْأَبِ كَالْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ. وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّهُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ فَاسْتَوَى حكم أوله وآخره كالطرف الآخر قالوا وَلِأَنَّ الْجَدَّ عَصَبَةٌ لَا يَعْقِلُ فَوَجَبَ أَنْ يُسْقِطَ الْعَصَبَةَ الَّتِي تَعْقِلُ كَالِابْنِ، وَلِأَنَّ مَنْ جَمَعَ الْوِلَادَةَ وَالتَّعْصِيبَ أَسْقَطَ مَنْ عَدَم الْوِلَادَةِ وتفرد بالتعصيب كالابن؛ وَلِأَنَّ لِلْجَدِّ تَعْصِيبًا وَرَحِمًا يَرِثُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا فَكَانَ أَقْوَى مِنَ الْأَخِ الَّذِي ليس يدلي إلا بالتعصيب وحده قالوا: ولأن الجد يدلي بابن والأخ يدلي بالأب، وَالِابْنُ أَقْوَى مِنَ الْأَبِ، فَكَانَ الْإِدْلَاءُ بِالِابْنِ أَقْوَى مِنَ الْإِدْلَاءِ بِالْأَبِ، وَلِأَنَّ لِلْجَدِّ وِلَايَةً يَسْتَحِقُّهَا بِقُوَّتِهِ فِي نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَعَلَى مَالِهَا وَيَضْعُفُ الْأَخُ بِمَا قَصَّرَ فِيهَا.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الْأَخَ لَوْ قَاسَمَ الْجَدَّ كَالْأَخَوَيْنِ لَوَجَبَ أَنْ يقتسمها فِي كُلِّ فَرِيضَةٍ وَرِثَ فِيهَا جَدٌّ كَمَا يُقَاسِمُ الْأَخُ الْأَخَ فِي كُلِّ فَرِيضَةٍ وَرِثَ فِيهَا أَخٌ، فَلَمَّا لَمْ يُقَاسِمْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَمْ يُقَاسِمْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. قَالُوا: وَلِأَنَّ الْجَدَّ فِي مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ كَالْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، أَوْ كَالْأَخِ لِلْأَبِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُمَا، وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَضْعَفَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِمَا، فَلَوْ كَانَ كَالْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَمْ يَرْثِ مَعَهُ الْأَخُ لِلْأَبِ وَلَوْ كَانَ كَالْأَخِ لِلْأَبِ لَمَا وَرِثَ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَإِذَا امْتَنَعَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنْ يَكُونَ كَأَحَدِهِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَقْوَى منهما. والله أعلم.

(8/122)


فَصْلٌ:
وَاسْتَدَلَّ مَنْ وَرَّثَ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْجَدِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون} [النساء: 7] وبقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} [النساء: 6] وَالْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ يَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ الْآيَتَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَخُصَّ الْجَدَّ بِالْمَالِ دُونَ الْإِخْوَةِ؛ وَلِأَنَّ الْأَخَ عَصَبَةٌ يُقَاسِمُ أُخْتَهُ فَلَمْ يَسْقُطْ بالجد كَالِابْنِ طَرْدًا وَبَنِي الْإِخْوَةِ وَالْعَمِّ عَكْسًا.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْلِيلٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْأَخَ وَإِنْ عَصَّبَ أُخْتَهُ يَسْقُطُ بِالْأَبِ وَهُوَ لَا يُعَصِّبُ أخته فكذلك لا يمتنع أن تسقط بِالْجَدِّ الَّذِي لَا يُعَصِّبُ أُخْتَهُ.
قِيلَ: إِنَّمَا سَقَطُوا بِالْأَبِ لِمَعْنًى عُدِمَ فِي الْجَدِّ وَهُوَ إدلائهم بِالْأَبِ دُونَ الْجَدِّ، وَلِأَنَّ قُوَّةَ الْأَبْنَاءِ مُكْتَسَبَةٌ مِنْ قُوَّةِ الْآبَاءِ، فَلَمَّا كَانَ بَنُو الْإِخْوَةِ لَا يَسْقُطُونَ مَعَ بَنِي الْجَدِّ فَكَذَلِكَ الْإِخْوَةُ لَا يَسْقُطُونَ مَعَ الْجَدِّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا الجمع يقضي أَنْ يَكُونَ الْإِخْوَةُ يُسْقِطُونَ الْجَدَّ كَمَا أَنَّ بَنِي الْإِخْوَةِ يُسْقِطُونَ بَنِي الْجَدِّ وَهُمُ الْأَعْمَامُ.
قِيلَ: إِنَّمَا اسْتَدْلَلْنَا بِهَذَا عَلَى مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لَا عَلَى مَنْ سَقَطَ بِالْإِخْوَةِ وَقَدْ دَلَّ عَلَى مِيرَاثِهِمْ فَصَحَّ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَحْجُبُ الْأُمَّ إِلَى ثُلُثِ الْبَاقِي لَا يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ كَالْعَمِّ طَرْدًا وَكَالْأَبِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ كُلَّ سببين يدليان إلى الميت لشخص واحد لم يَسْقُطْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كَالْأَخَوَيْنِ وَكَابْنَيِ الِابْنِ، لِأَنَّ الْأَخَ وَالْجَدَّ كِلَاهُمَا يُدْلِيَانِ بِالْأَبِ، وَلِأَنَّ تَعْصِيبَ الإخوة كتعصيب الأولاد، لأنهم يعصبون أخواتهم ويحجب الأم عن أعلى الوجهين، وَيَفْرِضُ النِّصْفَ لِلْأُنْثَى مِنْهُمْ وَالْجَدُّ فِي هَذِهِ الأحوال كُلِّهَا بِخِلَافِهِمْ فَكَانُوا بِمُقَاسَمَةِ الْجَدِّ أَوْلَى مِنْ سُقُوطِهِمْ بِهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ شَخْصَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَ أَحَدُهُمَا يَجْمَعُ بَيْنَ التعصيب والرحم والآخر يتفرد بالتعصيب دون الرحم: كان المتفرد بِالتَّعْصِيبِ وَحْدَهُ أَقْوَى كَالِابْنِ إِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأَبِ فَلَمَّا كَانَ الْجَدُّ جَامِعًا لِلْأَمْرَيْنِ وَالْأَخُ مُخْتَصٌّ بِأَحَدِهِمَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى، لِأَنَّ الْجَدَّ وَالْأَخَ كِلَاهُمَا يُدْلِيَانِ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ يَقُولُ: أَنَا أَبُو أَبِي الْمَيِّتِ، وَالْأَخُ يَقُولُ: أَنَا ابْنُ أَبِي الْمَيِّتِ فَصَارَ الْأَخُ أَقْوَى مِنَ الْجَدِّ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ مِنْهَا: أَنَّ الْأَخَ يُدْلِي بِالْبُنُوَّةِ وَالْجَدَّ يُدْلِي بِالْأُبُوَّةِ، وَالْإِدْلَاءُ بِالْبُنُوَّةِ أَقْوَى، وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ يُدْلِيَانِ بِهِ وَهُوَ الْأَبُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ لَكَانَ لِلْجَدِّ مِنْ تَرِكَتِهِ السُّدُسُ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا لِلِابْنِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْأَخَ قَدْ شَارَكَ الْمَيِّتَ فِي الصُّلْبِ وَرَاكَضَهُ فِي الرَّحِمِ، وَإِذَا كَانَ الْأَخُ أَقْوَى مِنَ الْجَدِّ بِهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ كَانَ أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا لَهُ فِي مِيرَاثِهِ، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا جَرَى مِنْ نَظَرِ الصَّحَابَةِ فِيهِ، فَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ فَرِيضَةً فِي الْجَدِّ حَتَّى صَارَ هُوَ جَدًّا وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَهُ عَاصِمًا مَاتَ وَتَرَكَ أَوْلَادًا ثُمَّ مَاتَ أحد الأولاد فترك جَدَّهُ عُمَرَ وَإِخْوَتَهُ فَعَلِمَ أَنَّهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِيهِ، فَقَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ فِي الْجَدِّ شَيْئًا؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسئل عَنْ فَرِيضَةِ الْجَدِّ فَأَعْطَاهُ السُّدُسَ فَقَالَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ؟ فَقَالَ لَا أَدْرِي قَالَ لَا دَرَيْتَ ثُمَّ قَالَ آخَرُ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن فريضة

(8/123)


الْجَدِّ فَأَعْطَاهُ الثُّلُثَ فَقَالَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي قَالَ: لَا دَرَيْتَ؟ ثُمَّ دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ إِنَّهُ كَانَ مِنْ رَأْيِي وَرَأْيِ أَبِي بَكْرٍ قبلي أن أجعل الْجَدَّ أَوْلَى مِنَ الْأَخِ فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ يا أمير المؤمنين لا يجعل شَجَرَةٌ خَرَجَ مِنْهَا غُصْنٌ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الغصن غصنان فيم تَجْعَلُ الْجَدَّ أَوْلَى مِنَ الْأَخِ وَهُمَا خَرَجَا مِنَ الْغُصْنِ الَذِي خَرَجَ مِنْهُ الْجَدُّ؟ ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبَى طَالِبٍ وَقَالَ: لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ لِزَيْدٍ فَقَالَ عَلِيٌّ يَا أَمِيرَ المؤمنين لا تجعل واد سال فانشعبت منه شعبة ثم انشعبت مِنَ الشُّعْبَةِ شُعْبَتَانِ فَلَوْ رَجَعَ مَاءُ إِحْدَى الشعبتين دخل في الشعبتين جميعا فيم تَجْعَلُ الْجَدَّ أَوْلَى مِنَ الْأَخِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لولا رأيكما أجمع مَا رَأَيْتُ أَنْ يَكُونَ ابْنِي وَلَا أَنْ أَكُونَ أَبَاهُ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَجَعَلَ الْجَدَّ أَخًا مع الأخوين ومع الأخ والأخت فإذا كَثُرُوا تَرَكَ مُقَاسَمَتَهُمْ وَأَخَذَ الثُّلُثَ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلَ جَدٍّ وَرِثَ مَعَ الْإِخْوَةِ فِي الْإِسْلَامِ، فَهَذِهِ الْقِصَّةُ وَإِنْ طَالَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا تَجْمَعُ خَبَرًا، وَاحْتِجَاجًا، وَمَثَلًا، فَلِذَلِكَ اسْتَوْفَيْنَاهَا.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْجَدَّ أَبًا فَهُوَ أَنَّ اسْمَ الْأَبِ انْطَلَقَ عَلَيْهِ تَوَسُّعًا أَلَا تَرَى أَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِالْجَدِّ أَخَصُّ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِالْأَبِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ هَذَا جَدٌّ وَلَيْسَ بِأَبٍ لَمْ يَكُنْ مُضِلًّا، وَالْأَحْكَامُ تَتَعَلَّقُ بِحَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ دُونَ مجازها، ولا يتعلق عليه حكم الْأَبِ، وَكَمَا تُسَمَّى الْجَدَّةُ أُمًّا وَلَا يَنْطَلِقُ عليها أحكام الْأُمِّ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ طَرَفَهُ الْأَدْنَى يَسْتَوِي حُكْمُ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَكَذَلِكَ طَرَفُهُ الْأَعْلَى فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ ابْنَ الِابْنِ لَمَّا كَانَ كَالِابْنِ في الحجب الْأُمَّ كَانَ كَالِابْنِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ، وَلَمَّا كان الجد مخالفا للأب في حجب الأم إِلَى ثُلُثِ الْبَاقِي كَانَ مُخَالِفًا لِلْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ فَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فِي حجب الأم هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الِابْنِ بِعِلَّةِ أَنَّهُ عَصَبَةٌ لَا يَعْقِلُ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَقْلِ دَلَّ عَلَى قُوَّةِ التَّعْصِيبِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا عَلَى ضَعْفِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَقْرَبَ العصبات اختص بِتَحَمُّلِ الْعَقْلِ مِنَ الْأَبَاعِدِ، لِقُوَّةِ تَعْصِيبِهِمْ وَضَعْفِ الْأَبَاعِدِ، وَلَيْسَ خُرُوجُ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ عَنِ الْعَقْلِ عَنْهُ لِمَعْنًى يَعُودُ إِلَى التَّعْصِيبِ فَيُجْعَلَ دَلِيلًا عَلَى الْقُوَّةِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا عَلَى الضَّعْفِ وَذَلِكَ لِأَجْلِ التَّعْصِيبِ ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الِابْنِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَقْوَى مِنَ الْأَبِ أَسْقَطَ الْإِخْوَةَ الْمُدْلِينَ بِالْأَبِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْجَدُّ أَقْوَى مِنَ الْأَبِ لَمْ يُسْقِطِ الْإِخْوَةَ الْمُدْلِينَ بِالْأَبِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ الْجَدَّ قَدْ جَمَعَ الْوِلَادَةَ وَالتَّعْصِيبَ كَالْأَبِ فَهُوَ أَنَّ الْأَبَ إِنَّمَا أَسْقَطَهُمْ لِإِدْلَائِهِمْ بِهِ لَا لِرَحِمِهِ وَعَصَبَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنِ وَإِنِ انْفَرَدَ بِالتَّعْصِيبِ وَحْدَهُ أَقْوَى مِنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ يَجْمَعُ تَعْصِيبًا وَرَحِمًا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ إِدْلَاءَ الْجَدِّ بِابْنٍ وَإِدْلَاءَ الْأَخِ بِأَبٍ فَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ دَلِيلًا مِنْ أَنَّ إِدْلَاءَ الْأَخِ بِالْبُنُوَّةِ وَإِدْلَاءَ الْجَدِّ بِالْأُبُوَّةِ لِإِدْلَائِهِمَا جَمِيعًا بِالْأَبِ فَكَانَ إِدْلَاءُ الْأَخِ أَقْوَى.

(8/124)


وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِوِلَايَةِ الْجَدِّ فِي الْمَالِ وَالتَّزْوِيجِ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ الْقُوَّةِ فِي الْمِيرَاثِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ لَا يَلِي وَلَا يُزَوِّجُ وَهُوَ أَقْوَى مِنَ الْأَبِ وَإِنْ وَلِيَ وَزَوَّجَ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ شَارَكَهُ فِي مَوْضِعٍ لَشَارَكَهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أن كل موضع ورث الجد فيه بالتعصيب الذي شارك فيه فإنه يشاركه في ميراثه لا لميراثهما فِي نَسَبِهِ، وَإِنَّمَا لَا يُشَارِكُهُ فِي الْمَوْضِعِ الذي لا يَرِثُ الْجَدُّ فِيهِ بِالرَّحِمِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَخِ رَحِمٌ يُسَاوِيهِ فِيهَا.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ الْجَدَّ لا يخلو من أحوال ثلاثة: فالجواب عنه أن الجد والإخوة مجتمعون على الْإِدْلَاءِ بِالْأَبِ فَلَمْ يَضْعُفْ عَنْهُ الْأَخُ لِلْأَبِ بعد الْأُمِّ لِمُسَاوَاتِهِ فِيمَا أَدْلَى بِهِ، كَمَا لَمْ يَقْوَ عَلَيْهِ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِأُمِّهِ، وَلَيْسَ كذلك حال الإخوة حالهم بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِكُلِّ وَاحِدٍ من الأبوين فكان من جمعهما أقوى من انْفَرَدَ بِأَحَدِهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وكل جد وإن علا فكالجد إِذَا لَمْ يَكُنْ جَدٌّ دُونَهُ فِي كُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي حَجْبِ أُمَّهَاتِ الْجَدِّ وَإِنْ بَعُدْنَ فَالْجَدُّ يَحْجُبُ أُمَّهَاتِهِ وَإِنْ بَعُدْنَ وَلَا يحجب أمهات من هو أقرب منه اللاتي لَمْ يَلِدْنَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَدِّ الْأَدْنَى وَالْجَدِّ الْأَبْعَدِ في مقاسمة الإخوة والأخوات، فأبعدهم فيه كأقربهم، كما كان الْأَبْعَدُ فِي الْإِدْلَاءِ كَأَقْرَبِهِمْ، فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا جَعَلْتُمُ الْجَدَّ الْأَعْلَى كَالْجَدِّ الْأَدْنَى فِي مُقَاسَمَةِ الإخوة فهلا جعلتم بني الإخوة معهم كَالْإِخْوَةِ؟ قِيلَ الْمَعْنى فِي تَوْرِيثِ الْجَدِّ مَا فِيهِ مِنَ التَّعْصِيبِ وَالْوِلَادَةِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْبَعِيدِ كَوُجُودِهِ فِي الْقَرِيبِ، كَمَا أَنَّ مَعْنَى الِابْنِ فِي التَّعْصِيبِ وَالْحَجْبِ مَوْجُودٌ فِي ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالُ الْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ، لِأَنَّ مُقَاسَمَةَ الْإِخْوَةِ لِلْجَدِّ إِنَّمَا كَانَ بِقُوَّتِهِمْ عَلَى تَعْصِيبِ أَخَوَاتِهِمْ وَحَجْبِ أُمِّهِمْ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ قَدْ عَدِمُوا هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَلَا يَحْجُبُونَ الْأُمَّ وَلَا يُعَصِّبُونَ الْأَخَوَاتِ، فَلِذَلِكَ قَصَّرُوا عَنِ الإخوة في مقاسمة الجد ولم يقصروا في الْجَدِّ عَنْ مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ كَالْجَدِّ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَحُكْمُ الْجَدِّ الْأَعْلَى فِي الْمِيرَاثِ وَالْحَجْبِ وَمُقَاسِمَةِ الْإِخْوَةِ كَالْجَدِّ الْأَدْنَى إِلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْجَدَّ الْأَدْنَى يُسْقِطُ سَائِرَ أُمَّهَاتِ الْأَجْدَادِ، لِأَنَّهُنَّ وَلَدْنَهُ، وَالْجَدُّ الْأَعْلَى لَا يُسْقِطُ أُمَّهَاتِ الْجَدِّ الْأَدْنَى، لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَلِدْنَهُ، وإنما يسقط أمهات نفسه اللاتي وَلَدْنَهُ، ثُمَّ هُوَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَفِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ كَالْجَدِّ الْأَدْنَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وإذا كان مع الجد أحد من الإخوة أو الأخوات لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَيْسَ مَعَهُنَّ مَنْ لَهُ فَرْضٌ مُسَمًّى قَاسَمَ أَخًا أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَخًا وَأُخْتًا فَإِنْ زَادُوا كَانَ لِلْجَدِّ ثُلُثُ الْمَالِ وَمَا بَقِيَ لَهُمْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ

(8/125)


وَلَا يُسْقِطُهُمْ فَقَدِ اخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِهِ مَعَهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ مُقَاسَمَتِهِ لَهُمْ، فَالْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يُقَاسِمُهُمْ مَا لَمْ تَنْقُصْهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنْ نَقَصَتْهُ فُرِضَ لَهُ الثُّلُثُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُ قَاسَمَ بِالْجَدِّ إِلَى السُّدُسِ، فَإِنْ نَقَصَتْهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنَ السُّدُسِ فُرِضَ لَهُ السُّدُسُ، فَيُقَاسِمُ بِهِ إِلَى خَمْسَةِ إِخْوَةٍ، وَيَفْرِضُ لَهُ مَعَ السِّتَّةِ السُّدُسَ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ.
وَحُكِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ قَاسَمَ بِالْجَدِّ إِلَى نِصْفِ السُّدُسِ، فَإِنْ نَقَصَتْهُ مِنْهُ فَرَضَ لَهُ نِصْفَ السُّدُسِ، فَكَأَنَّهُ قَاسَمَ بِهِ إِلَى أَحَدَ عَشَرَ أَخًا، وَفَرَضَ لَهُ نِصْفَ السُّدُسِ مَعَ الثَّانِيَ عَشَرَ، وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ الْخَطَأِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ أَضْعَفَ مِنْهُ مَعَ الْبَنِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مَعَ الِابْنِ مِنَ السُّدُسِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ مع الإخوة من السدس، وأما مُقَاسَمَةُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِ إِلَى السُّدُسِ: فَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ بِأَقْوَى مِنَ الْأَبِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْأَبَ إِذَا فَرَضَ لَهُ لَمْ يَزِدْ فِي فَرْضِهِ عَلَى السُّدُسِ فكان الجد إذا فرض له أولى أن لا يُزَادَ عَلَى السُّدُسِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ يُفْرَضُ لَهُ الثُّلُثُ مَعَ الْإِخْوَةِ إِنْ نَقَصَتْهُ المقاسمة هُوَ أَنَّ فِي الْجَدِّ رَحِمًا وَتَعْصِيبًا فَمِيرَاثُهُ مَعَ الِابْنِ بِرَحِمِهِ فَيَأْخُذُ بِهِ السُّدُسَ، وَمِيرَاثُهُ مَعَ الْإِخْوَةِ بِتَعْصِيبِهِ كَمَا أَنَّهُمْ بِالتَّعْصِيبِ يَرِثُونَ، فلو فرض له السدس لا يسقط تَعْصِيبُهُ وَوَرِثَ بِرَحِمِهِ، وَلَيْسَ فِي الْإِخْوَةِ مَا يَدْفَعُونَ الْجَدَّ عَنْ تَعْصِيبِهِ فَلِذَلِكَ فَرَضَ لَهُ الثُّلُثَ لِيَكُونَ السُّدُسُ بِالرَّحِمِ.
وَالسُّدُسُ بِالتَّعْصِيبِ الَّذِي أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ كَالرَّحِمِ، وَلِأَنَّ الْجَدَّ يَحْجُبُهُ الْأَخَوَانِ إِلَى الثُّلُثِ، وَقَدِ اسْتَقَرَّ فِي أصول الحجب أن الابنين إِذَا حَجَبَا إِلَى فَرْضٍ كَانَ مَنْ زَادَ عليهما في حكمها فِي اسْتِقْرَارٍ ذَلِكَ الْفَرْضِ بَعْدَ الْحَجْبِ، وَلَا يَحْجُبُ الثَّالِثُ زِيَادَةً عَلَى حَجْبِ الثَّانِي، كَالْأَخَوَيْنِ لَمَّا حَجَبَا الْأُمَّ إِلَى السُّدُسِ لَمْ يَزِدْهَا الثلث حجبا على الثاني حتى ينقص بِهِ مِنَ السُّدُسِ، كَذَلِكَ الْجَدُّ لَا يَنْقُصُهُ الثَّالِثُ مِنَ الثُّلُثِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَنْقُصَ الجد للإخوة فقال عمر لو كنت مستنقصا أحدا لأحد لأنقصت الإخوة للجد، أليس بنو عبد الله يرثون دون أخوتي فمالي لَا أَرِثُهُمْ دُونَ إِخْوَتِهِمْ، لَإِنْ أَصْبَحْتُ لَأَقُولَنَّ فِي الْجَدِّ قَوْلًا فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْجَدِّ ذُو فَرْضٍ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ فَسَيَأْتِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ فَلَا يَخْلُو حَالُ مَنْ شَارَكَ الْجَدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونُوا إِخْوَةً مُنْفَرِدِينَ، فَإِنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ أَخَوَيْنِ وَلَا يُقَاسِمُ مَنْ زَادَ، فَإِنْ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ جَدًّا وَأَخًا: كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ جَدًّا وَأَخَوَيْنِ: كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَإِنْ كَانَتْ جَدًّا وَثَلَاثَةَ إِخْوَةٍ فُرِضَ لِلْجَدِّ الثُّلُثُ وَكَانَ الْبَاقِي بَيْنَ الْإِخْوَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ وَهَكَذَا يُفْرَضُ لَهُ الثُّلُثُ مَعَ مَنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ.

(8/126)


وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعَ الْجَدِّ أَخَوَاتٌ متفرقات فَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنهما كانا يفرضان للأخوات المتفرقات مَعَ الْجِدِّ وَيَجْعَلَانِ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِهِنَّ لِلْجَدِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنَ السُّدُسِ فَيُفْرَضُ له السدس، ونحوه عنه عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يَفْرِضُ لِلْأَخَوَاتِ الْمُنْفَرِدَاتِ مَعَ الْجَدِّ إلا في الأكدرية ونحوها، وترك الفرض لهن مع الجد أولى كَالْأَخِ، فَلَمَّا لَمْ يَفْرِضْ لَهُنَّ مَعَ الْأَخِ لم يفرض لهن مع الجد، لأن كُلَّ مَنْ قَاسَمَ الذُّكُورَ قَاسَمَ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنَ الْإِنَاثِ كَالِابْنِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ جَدًّا وَأُخْتًا فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا للذكر مثل حظ الأنثيين كالأخ والأخت، ولم كَانَتْ جَدًّا وَأُخْتَيْنِ: كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمٌ، فَلَوْ كَانَتْ جَدًّا وَثَلَاثَ أَخَوَاتٍ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ لِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمٌ، فَلَوْ كَانَتْ جَدًّا وَأَرْبَعَ أَخَوَاتٍ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ لِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ أُخْتٍ سهم وتستوي المقاسمة والثلث ولو كانت جدا وَخَمْسَ أَخَوَاتٍ فَرَضَ لِلْجَدِّ الثُّلُثَ، لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ تَنْقُصُهُ مِنَ الثُّلُثِ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَ ثُلُثِ الْجَدِّ بَيْنَهُنَّ عَلَى أَعْدَادِهِنَّ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَعَ الْجَدِّ إِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ فَيُقَاسِمُهُمْ إِلَى الثُّلُثِ ثُمَّ يَفْرِضُ لَهُ الثُّلُثَ إِنْ نَقَصَتْهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ جَدًّا وَأَخًا وَأُخْتًا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ لِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَلِلْأَخِ سَهْمَانِ وَلِلْأُخْتِ سَهْمٌ وَلَوْ كَانَتْ جَدًّا وَأَخًا وَأُخْتَيْنِ: كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ لِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلِلْأَخِ سَهْمَانِ، وللأختين سهمان، وَتَسْتَوِي الْمُقَاسَمَةُ وَالثُّلُثُ، وَلَوْ كَانَتْ جَدًّا، وَأَخَوَيْنِ، وَأُخْتًا فَرَضَ لَهُ الثُّلُثَ، لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ تَنْقُصُهُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِهَا سَهْمَانِ مِنْ سَبْعَةٍ، فَلِذَلِكَ فَرَضَ لَهُ الثُّلُثَ، وَكَانَ الْبَاقِي بين الأخوين والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين، وَهَكَذَا يَفْرِضُ لَهُ الثُّلُثَ مَعَ أَخٍ وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ، لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ تَنْقُصُهُ مِنْهُ ثُمَّ هَكَذَا من زاد.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وإن كان معهن مَنْ لَهُ فَرْضٌ مُسَمًّى زَوْجٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ أُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ أَوْ بَنَاتُ ابْنٍ وَكَانَ ذَلِكَ الْفَرْضُ الْمُسَمَّى النِّصْفَ أَوْ أَقَلَّ مِنَ النِّصْفِ بَدَأْتُ بِأَهْلِ الْفَرَائِضِ ثُمَّ قَاسَمَ الجد ما يبقى أختا أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَخًا وَأُخْتًا وإن زادوا كان للجد ثلث ما يبقى وَمَا بَقِيَ فَلِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين وإن كَثُرَ الْفَرْضُ الْمُسَمَّى بِأَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ وَلَمْ يجاوز الثلثين قاسم أختا أو أختين فإن زادوا فللجد السدس وإن زَادَتِ الْفَرَائِضُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ لَمْ يُقَاسِمِ الْجَدُّ أَخًا وَلَا أُخْتًا وَكَانَ لَهُ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي تَفَرُّدِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ بِالْمِيرَاثِ، فَأَمَّا إِذَا شَارَكَهُمْ ذُو فَرْضٍ فَلِلْجَدِّ مَعَهُمْ عِنْدَ دُخُولِ ذَوِي الْفُرُوضِ عَلَيْهِمُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إِمَّا الْمُقَاسَمَةُ، أَوْ ثُلُثُ مَا بَقِيَ، أَوْ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمُقَاسَمَةُ أَكْثَرَ قَاسَمَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى مُقَاسَمَتِهِ لَهُمْ، فإن كان الثلث الْبَاقِي أَكْثَرَ فَرْضٍ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي

(8/127)


لما ذكرناه من أنهم لا يحجبون إلى أقل من الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ السُّدُسُ أَكْثَرَ فَرَضَ لَهُ السُّدُسَ، لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ بِرَحِمِهِ عَنِ السُّدُسِ، فَلِذَلِكَ جَعَلْنَا لَهُ الْأَكْثَرَ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ، أَوْ ثُلُثَ الْبَاقِي، أَوْ سُدُسَ الْجَمِيعِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَلَا يَخْلُو حَالُ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ أَقَلَّ مِنَ النِّصْفِ: فَيُعْطِي الْجَدَّ الْأَكْثَرَ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ، أَوْ ثُلُثَ الْبَاقِي، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ سُدُسِ الْجَمِيعِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ زَوْجَةً، وَأَخًا، وَجَدًّا، كَانَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ، لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ أَوْفَرُ لَهُ، وَلَوْ تَرَكَ زَوْجَةً، وَجَدًّا، وَأَخًا، وأختا، كَانَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ، لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ أوفر له، ولو ترك زوجة، وأخا، وجدا، وأختا، كَانَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ والأخت على خمسة أسهم والْمُقَاسَمَةَ أَوْفَرُ وَلَوْ تَرَكَ أما، وَأَخًا، وأختين، وَجَدًّا، كَانَ للأم السدس، وَالْبَاقِي بَيْنِ الْجَدِّ وَالْأَخِ وَالْأُخْتين عَلَى ستةِ أَسْهُمٍ، وَالْمُقَاسَمَةُ وَثُلُثُ الْبَاقِي سَوَاءٌ، وَلَوْ تَرَكَ أُمًّا، وَأَخَوَيْنِ، وَأُخْتًا، وَجَدًّا، كَانَ للأم السدس، وللجد ثلث ما بقي، لأنه أكثر الْمُقَاسَمَةِ وَمَا بَقِيَ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَالْأُخْتِ لِلذّكرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَوْ تَرَكَ زَوْجَةً، وَأُمًّا، وَأَخًا، وَأُخْتًا، وَجَدًّا، كَانَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ وَالْأُخْتِ عَلَى خمسة أسهم وَالْمُقَاسَمَةُ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ النِّصْفَ لَا غَيْرَ: وَذَلِكَ فَرْضَانِ: فَرْضُ الزَّوْجِ وَفَرْضُ الْبِنْتِ، فَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ فَكَانَتِ الْفَرِيضَةُ زَوْجًا، وَأَخًا، وَجَدًّا، كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ، وَالْمُقَاسَمَةُ أَوْفَرُ، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجًا، وَأَخًا، وَأُخْتًا، وَجَدًّا، كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَخِ وَالْجَدِّ وَالْأُخْتِ عَلَى خَمْسَةٍ، وَالْمُقَاسَمَةُ أَوْفَرُ، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجًا، وَأَخَوَيْنِ، وَجَدًّا، كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخَوَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَالْمُقَاسَمَةُ وَثُلُثُ الْبَاقِي وَسُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ سَوَاءٌ، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجًا، وَأَخْوِيَنِ، وَأُخْتًا، وَجَدًّا، كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى، وَهُوَ سُدُسُ الْجَمِيعِ أَيْضًا وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَالْأُخْتِ لا يقاسمهم الجد، لتساويه بِالْمُقَاسِمَةِ عَنْ ثُلُثِ مَا يَبْقَى وَسُدُسِ الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ فَرْضَ الْبِنْتِ: فَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ الْجَدُّ عَلَى السُّدُسِ مَعَ الْبِنْتِ، أَوْ بِنْتِ الِابْنِ، وَعَلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ إِنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ مَعَ الْبِنْتِ كَمَا يقاسم مَعَ غَيْرِ الْبِنْتِ، لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يَضْعُفُ عَنِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ، فَلَمَّا اقْتَسَمَ الْأَخُ وَالْأُخْتُ مَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ الْبِنْتِ اقْتَسَمَهُ الْأَخُ وَالْجَدُّ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ بِنْتًا، وَأَخًا، وَجَدًّا، كَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، والباقي بين الأخت والجد على ثلاثة، ولو ترك بنتا وأخوين، وأختا، وجدا، كان للبنت النصف، وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى وَهُوَ السُّدُسُ، لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ تَنْقُصُهُ عَنْهُ وَالْبَاقِيَ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَالْأُخْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ يَزِيدُ عَلَى النِّصْفِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ فَيَكُونُ لِلْجَدِّ الْأَكْثَرُ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ، لِأَنَّ ثُلُثَ الْبَاقِي أَقَلُّ مِنْهُ، فعلى هذا لو ترك

(8/128)


زوجة، وأما، وأختا، وَجَدًّا، كَانَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ لَهُ مِنَ السُّدُسِ، وَتُفَضَّلُ الْأُمُّ بِسَهْمِهَا عَلَى الْجَدِّ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُفَضِّلَانِ أُمًّا عَلَى جَدٍّ، وَفَضَّلَهَا زَيْدٌ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ أَقْوَى وِلَادَةً وَأَقْرَبَ دَرَجَةً فَلَمْ يَمْتَنِعْ تَفْضِيلُهَا عَلَى الْجَدِّ، فَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا، وَأُمًّا، وَأُخْتًا، وَجَدًّا، كَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَالْمُقَاسَمَةُ أَوْفَرُ، وَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَبِنْتَ ابْنٍ، وَأَخًا، وَجَدًّا كَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ، وَالْمُقَاسَمَةُ وَالسُّدُسُ سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ مَعَ الأخ أخت فرض للجد سدس، لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ أَقَلُّ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الفرض أكثر من الثلثين: لِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَرُبَّمَا اسْتَوَى السُّدُسُ وَالْمُقَاسَمَةُ، فَإِذَا كَانَتِ الْفَرِيضَةُ زَوْجًا وَبِنْتًا وَأَخًا وَجَدًّا كَانَ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي للأخ سهم من اثني عشر، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةً، وَأَمًّا، وَبِنْتًا، وَأَخًا، وَجَدًّا، كَانَ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْأَخِ سَهْمٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وعشرين سهما فلو كانت زوجا، وبنتا، وأخا، وجدا، فللزوج الربع، وللبنت النصف، وسدس للجد وَالْمُقَاسَمَةُ سَوَاءٌ، فَيُقَاسِمُ بِهِ لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ مَا لَمْ تَنْقُصْهُ عَنْ فَرْضِهِ أَوْلَى فَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " فإن عالت الفريضة فالسدس للجد والعول يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِ ".
قال الماوردي: وأما الْعَوْلُ فَهُوَ زِيَادَةُ الْفُرُوضِ فِي التَّرِكَةِ حَتَّى تَعْجِزَ التَّرِكَةُ عَنْ جَمِيعِهَا فَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى الْفُرُوضِ بِالْحِصَصِ، وَلَا يُخَصُّ بِهِ بَعْضُ ذَوِي الفروض من دُون بَعْضٍ، فَهَذَا هُوَ الْعَوْلُ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ حَكَمَ بِهِ عَنْ رَأْيِ جَمِيعِهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رِضْوَانُ اللَّهِ عليه، وأشار بِهِ عَلَيْهِ عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ اتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَيْهِ إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ خَالَفَهُمْ فِي الْعَوْلِ، وَأَظْهَرَ خِلَافَهُ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الَّتِي تَفَرَّدَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهَا بِخِلَافِ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ أكمل فرض من نقله الله تَعَالَى مِنْ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ والأم، وأدخل النقص على من نقله الله مِنْ فَرْضٍ إِلَى غَيْرِ فَرْضٍ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ لِانْتِقَالِهِنَّ مَعَ إِخْوَتِهِنَّ مِنْ فَرْضٍ إِلَى غَيْرِ فرض.
وروى عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَتَرَوْنَ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عددا لم يحصي في مال قسمه نصفا ونصفا وثلثا، فبهذان النصفان قد ذهبنا بِالْمَالِ فَأَيْنَ مَوْضِعُ الثُّلُثِ قَالَ عَطَاءٌ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ يَا أَبَا عَبَّاسٍ إِنَّ هَذَا لَا يُغْنِي عَنْكَ وَلَا عَنِّي شَيْئًا لَوْ مِتُّ أَوْ مِتَّ قُسِّمَ مِيرَاثُنَا عَلَى مَا قاله اليوم من خلاف رأيك قال فقال إن شاؤا فلندع أبناءنا وأبنائهم، ونسائنا ونسائهم، وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَهُمْ، ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي مَالٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا.

(8/129)


وَروي الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ أنا وزفر بن أوس وما كنت ألقى رجلا من العرب يحيك فِي صَدْرِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ قَالَ: فَقَالَ لَهُ زُفَرُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ مَنْ أَوَّلُ مَنْ أَعَالَ الْفَرَائِضَ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ قَدَّمَ مَنْ قدم الله مَا عَالَتْ فَرِيضَةٌ، قَالَ فَقَالَ لَهُ يا أبا العباس وَأَيُّهَا الَتِي قَدَّمَهَا اللَّهُ وَأَيُّهَا الَّتِي أَخَّرَ؟ فقال كل فريضة لم تزول عن فريضة إلا إلى فريضة هي التي قدمها الله، وكل فريضتين عالت عَنْ فَرِيضَتِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إِلَّا مَا بَقِيَ فَهِيَ الَّتِي أَخَّرَ، فَأَمَّا الَّتِي قَدَّمَ اللَّهُ فَالزَّوْجُ فَلَهُ النِّصْفُ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ مَنْ يُزِيلُهُ فَلَهُ الرُّبُعُ لَا يُزِيلُهُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَالْمَرْأَةُ لَهَا الرُّبُعُ فَإِذَا زَالَتْ عَنْهُ صَارَ لَهَا الثُّمُنُ لَا يُزِيلُهَا عَنْهُ شَيْءٌ، والأم لها الثلث فإذا زالت عنه صار لها السدس لَا يُزِيلُهَا عَنْهُ شَيْءٌ، فَهَذِهِ الْفَرَائِضُ الَّتِي قَدَّمَ اللَّهُ، وَالَّتِي أَخَّرَ فَرِيضَةُ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ النصف والثلثان، فإذا أزالتهما الفرائض عن ذلك لم يكن لهم إلا ما يبقى، فَإِذَا اجْتَمَعَ مَا قَدَّمَ اللَّهُ وَمَا أَخَّرَهُ بدئ بما قدمه الله ولم تعل فريضة، فقال له البصري فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَسِيرَ بِهَذَا الرَّأْيِ عَلَى عمر قال هبته وكان امرءا وَرِعًا فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّهُ تَقَدَّمَ ابْنَ عَبَّاسٍ إِمَامٌ عَدْلٌ فَأَمْضَى أَمْرًا فَمَضَى وكان امرءا وَرِعًا لَمَا اخْتَلَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ في إسقاط العول واحتجاجه فيه فلم يُتَابِعْهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِلَّا مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ علي عليهم السلام.
ومن الفقهاء داود بن علي دليل ذَلِكَ مَعَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ الِاحْتِجَاجِ أَنَّهُ لَيْسَ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ بِأَقْوَى مِنَ الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ فَلَمَّا أَخَذَ الْبَنُونَ وَالْإِخْوَةُ ما بقي بعد ذوي الفروض وإن قيل كَانَ أَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ.
وَالدَّلِيلُ على استعمال العول وإدخال النقص على الْجَمَاعَةِ بِقَدْرِ فُرُوضِهِمْ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ألحقوا الفرائض بأهلها " وكان الْأَمْرُ لِجَمِيعِهِمْ عَلَى سَوَاءٍ فَامْتَنَعَ أَنْ يَخْتَصَّ بَعْضُهُمْ بِالنَّقْصِ دُونَ بَعْضٍ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قُصُورُ التَّرِكَةِ عَنِ الدَّيْنِ وَضِيقِ الثُّلُثِ عَنِ الوصية توجب توزيع ذلك بالحصص وإدخال النَّقْصِ عَلَى الْجَمِيعِ بِالْقِسْطِ وَلَا يُخَصُّ بِهِ الْبَعْضُ مَعَ تَسَاوِي الْكُلِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فرض التركة بمثابة في إدخال النقص على جميعها بالحصص، ولأن لَوْ جَازَ نَقْصُ بَعْضِهِمْ تَوْفِيرًا عَلَى الْبَاقِينَ لكان نقص الزوج والزوجة ولإدلائهما بِسَبَبٍ أَوْلَى مِنْ نَقْصِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ إدلائهما بنسب ولأن الزوج والزوجة والأم وإن أُعْطَوْا مَعَ كَثْرَةِ الْفُرُوضِ وَضِيقِ التَّرِكَةِ أَعْلَى الْفَرْضَيْنِ كَمَّلَا وَإِدْخَالُ النَّقْصِ عَلَى غَيْرِهِمْ ظُلْمٌ من شاركهم وجعلوا أعلى في الحالة الأدنى وَإِنْ أُعْطَوْا أَقَلَّ الْفَرْضَيْنِ فَقَدْ حُجِبُوا بِغَيْرِ مَنْ حَجَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ فاسد، وإذا فسد الأمران وجب العول.
فأما اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ ضَعْفَ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُفَضَّلُوا عَلَى الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أنَّ فِي إِعْطَائِهِنَّ الْبَاقِي تَسْوِيَةً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا فِيمَا قَدَّرَهُ لِأَحَدِهِمَا وَأَرْسَلَهُ لِلْآخَرِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَ الْمُقَدَّرِ وَالْمُرْسَلِ.

(8/130)


وأما ضيق المال عن نِصْفَيْنِ وَثُلُثٍ: فَلَعَمْرِي إِنَّهُ يَضِيقُ عَنْ ذَلِكَ مع عدم العول، ويتبع لَهُ مَعَ وُجُودِ الْعَوْلِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ يُقَدِّمُ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ فَكُلُّهُمْ مقدم لأمرين:
أحدهما: أنه لَيْسَ يَحْجُبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَفِيمَا قَالَهُ ابْنُ عباس حجب بعضهم ببعض.
وَالثَّانِي: أَنَّ فَرْضَ جَمِيعِهِمْ مُقَدَّرٌ وَفِيمَا قَالَهُ ابن عباس إبطال التقدير فَرْضَهُمْ فَثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَيْسَ يُعَالُ لِأَحَدٍ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْجَدِّ إِلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَجَدٌّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَلَلْأُخْتِ النِّصْفُ يُعَالُ بِهِ ثُمَّ يُضَمُّ الْجَدُّ سُدُسُهُ إِلَى نِصْفِ الْأُخْتِ فَيُقْسَمَانِ ذَلِكَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ بِنِصْفِهَا وَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ ثَلَاثَةَ أُصُولٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَفْرِضُ لِلْأَخَوَاتِ الْمُنْفَرِدَاتِ مَعَ الْجَدِّ وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا فَرَضَا لِلْأَخَوَاتِ الْمُنْفَرِدَاتِ مَعَ الْجَدِّ وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فِيمَا تقدم.
والثاني: أنه يُفَضِّلَ أُمًّا عَلَى جَدٍّ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُفَضِّلَانِ أُمًّا عَلَى جَدٍّ وَقَدْ دَلَّلْنَا عليه.
والثالث: أنه لا يُعِيلَ مَسَائِلَ الْجَدِّ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُعِيلُونَ مَسَائِلَ الْجَدِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَعُولُ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجَدَّ يَرِثُ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ بِالتَّعْصِيبِ وَمَسَائِلُ الْعَصِبَاتِ لَا تَعُولُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اجْتِمَاعُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ يَمْنَعُ من عول مسائل الجد فإن انفراد الأخوات مانعا من العول فهذه ثلاثة أصول لزيد عَمِلَ عَلَيْهَا فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ وَلَمْ يُخَالِفْ شَيْئًا مِنْهَا إِلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ فَإِنَّهُ فَارَقَ فِيهَا أَصْلَيْنِ مِنْهَا، وَالْأَكْدَرِيَّةُ هِيَ: زَوْجٌ، وَأُمٌّ، وَأُخْتٌ، وَجَدٌّ، اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقَاوِيلَ.
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ تَابَعَهُ، إنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثَ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسَ، وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ، وَقَدْ حَكَى هَذَا الْقَوْلَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسَ، لِأَنَّهُمَا لَا يُفَضِّلَانِ أُمًّا عَلَى جَدٍّ وَعَالَتْ بِثُلُثِهَا إلى ثمانية.
والقسم الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ للزوج النصف، وللأم

(8/131)


الثلث، وللأخت النصف، وللجد السدس، وتعول بنصفها إلى تسعة وتقسيم بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: وَهُوَ قَوْلُ زيد بن ثابت والمشهور عنه للزوج النصف، وللأم الثلث، وللأخت النصف، وللجد السدس، ويعول نصفها إِلَى تِسْعَةٍ ثُمَّ تَجْمَعُ سِهَامَ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فَتَجْعَلُهَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ فَلَا تقسم فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي تِسْعَةٍ تَكُنْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تِسْعَةٌ، وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ في ثلاثة ستة، ويبقى اثْنَا عَشَرَ لِلْأُخْتِ ثُلُثُهَا أَرْبَعَةٌ، وَلِلْجَدِّ ثُلُثَاهَا ثَمَانِيَةٌ، فَفَارَقَ زِيدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فَرَضَ لِلْأُخْتِ مَعَ الْجَدِّ وَهُوَ لَا يَرَى الْفَرْضَ لَهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَعَالَ مُقَاسَمَة الْجَدِّ وَهُوَ لَا يُعِيلُهَا وَأَقَامَ عَلَى أَصْلِهِ الثَّالِثِ فِي جَوَازِ تَفْضِيلِ الْأُمِّ عَلَى الْجَدِّ، وَإِنَّمَا فَارَقَ فِيهَا أَصْلَيْهِ فِي الْفَرْضِ وَالْعَوْلِ، لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ السُّدُسُ فَإِنْ دَفَعَهُ إِلَى الْجَدِّ أَسْقَطَ الْأُخْتَ وَهُوَ لَا يُسْقِطُهَا، لِأَنَّهُ قَدْ عَصَّبَهَا وَالذَّكَرُ إِذَا عَصَّبَ أُنْثَى فَأَسْقَطَهَا سَقَطَ مَعَهَا كَالْأَخِ إِذَا عَصَّبَ أُخْتَهُ وَأَسْقَطَهَا سَقَطَ مَعَهَا، وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الْأُخْتِ أَخٌ أَسْقَطَهُ الْجَدُّ، لِأَنَّهُ لم يتعصب بالجد كالأخت فجاز أن يسقطه الجد وَيَرِثَ دُونَهُ فَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَفْرِضْ لِلْجَدِّ وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْرِضَ لِلْأُخْتِ وَيَسْقُطُ الْجَدُّ لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يَسْقُطُ مَعَ الوالد الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنَ الْأُخْتِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ بِالْأُخْتِ فَدَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إِلَى أَنْ فَرَضَ لَهُمَا وَأَعَالَ ثُمَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقِرَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا فَرَضَ لَهُ، لِأَنَّ فِيهِ تَفْضِيلَ الْأُخْتِ عَلَى الْجَدِّ وَالْجَدُّ عِنْدَهُ كَالْأَخِ الَّذِي يُعَصِّبُ أُخْتَهُ وَكُلُّ ذَكَرٍ عَصَّبَ أُنْثَى قَاسَمَهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين فلذلك ما فَرَضَ زَيْدٌ وَأَعَالَ وَقَاسَمَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ واختلفوا في تسمية هذه المسألة بالأكدرية فَقَالَ الْأَعْمَشُ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ سَأَلَ عَنْهَا رَجُلًا يُقَالُ لَهُ الْأَكْدَرُ فَأَخْطَأَ فِيهَا فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ، وَقَالَ آخَرُونَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْجَدَّ كَدَّرَ عَلَى الْأُخْتِ فَرْضَهَا، وَقَالَ آخَرُونَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَدَّرَتْ عَلَى زَيْدٍ مَذْهَبَهُ فِي أَنْ فَارَقَ فِيهَا أَصْلَيْنِ لَهُ وَقَدْ يُلْقِي الْفَرْضِيُّونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مُعَايَاةِ الْفَرَائِضِ فَيَقُولُونَ: أَرْبَعَةٌ وَرِثُوا تَرِكَةً فَجَاءَ أَحَدُهُمْ فَأَخَذَ ثُلُثَهَا، ثُمَّ جَاءَ الثَّانِي فَأَخَذَ ثُلُثَ الْبَاقِي، ثُمَّ جَاءَ الثَّالِثُ فَأَخَذَ ثُلُثَ الْبَاقِي، ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعُ فَأَخَذَ الْبَاقِي، لِأَنَّ الزَّوْجَ يَأْخُذُ ثُلُثَهَا ثُمَّ الْأُمُّ تَأْخُذُ ثُلُثَ الْبَاقِي ثُمَّ الْأُخْتُ تَأْخُذُ ثُلُثَ بَاقِيهَا.

فَصْلٌ:
فَلَوْ كَانَ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ مَكَانَ الْأُخْتِ أَخًا سَقَطَ بِالْجَدِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ ما قدمناه من أن الأخت تعصيبها بِالْجَدِّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْقِطَهَا وَلَا يَسْقُطَ مَعَهَا، وَالْأَخُ لَمْ يَتَعَصَّبْ بِالْجَدِّ بَلْ بِنَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يُسْقِطَهُ الْجَدُّ وَيَأْخُذَ بِالرَّحِمِ، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجًا، وَأُمًّا، وَأَخًا، وَجَدًّا، وَأُخْتًا، كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي وَهُوَ السُّدُسُ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجًا، وَأُمًّا، وَبِنْتًا، وَأُخْتًا، وَجَدًّا كَانَ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وللجد السدس، تعول إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ، لِأَنَّهَا تَعَصَّبَتْ بِالْبِنْتِ فَلَمْ يُوجِبْ سُقُوطَهَا سُقُوطَ الْجَدِّ مَعَهَا، ولم يمتنع

(8/132)


عَوْلُهَا، لِأَنَّ الْجَدَّ لَمْ يَرِثْ فِيهَا بِالتَّعْصِيبِ، وَإِنَّمَا لَا تَعُولُ مَسَائِلُ الْجَدِّ الَّتِي يُقَاسِمُ فِيهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ وَهِيَ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى مَسَائِلِ الْجَدِّ، وَقَدْ تَعُولُ فِي غَيْرِهَا كَمَا تَعُولُ مَعَ الْأَبِ.

فَصْلٌ: فِي مُلَقَّبَاتِ الْجَدِّ
مِنْهَا الْخَرْقَاءُ وَهِيَ أُمٌّ، وَأُخْتٌ، وَجَدٌّ، وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهَا عَلَى سِتَّةِ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ الله عنهم والفقهاء: أن للأم الثلث، وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ لِلْأُمِّ السُّدُسَ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ، وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ، لِأَنَّهُ لَا يُفَضِّلُ أُمًّا عَلَى جَدٍّ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ، وَلِلْأُخْتِ الثُّلُثَ، وَلِلْجَدِّ الثُّلُثَ.
وَالرَّابِعُ: وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ عليه السلام: أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ، وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ، لأنه لا يُفَضِّلُ أُمًّا عَلَى جَدٍّ.
وَالْخَامِسُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأُمِّ وَالْجَدِّ نِصْفَانِ.
وَالسَّادِسُ: وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنَ الدَّلَائِلِ مَا يُوَضِّحُ هَذَا الْجَوَابَ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْخَرْقَاءَ، لِأَنَّ أقاويل الصحابة رضي الله عنهم تخرقها، وَسُمِّيَتْ مُثَلَّثَةَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَسُمِّيَتْ مُرَبَّعَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " والإخوة والأخوات للأب والأم يعادون الجد والأخوات بالإخوة للأب ولا يصير في أيدي الذين للأب شَيْءٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَيُصِيبُهَا بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ أَكْثَرُ مِنَ النِّصْفِ فيرد مَا زَادَ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ مَعَ الْجَدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ مَنْ قَاسَمَ الْجَدَّ بالإخوة والأخوات في أَنَّهُ مَتَى انْفَرَدَ مَعَهُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ قَاسَمُوهُ، وَإِذَا انْفَرَدَ مَعَهُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ قَاسَمُوهُ كَمُقَاسَمَةِ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَاخْتَلَفُوا فِي اجْتِمَاعِ الْفَرِيقَيْنِ مَعَهُ فَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ وَلَدَ الْأَبِ يَسْقُطُونَ بِوَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ أُنْثَى وَاحِدَةً وَوَلَدُ الْأَبِ إِنَاثًا وَلَا ذَكَرَ مَعَهُنَّ فَيُفْرَضُ لَهُنَّ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ سَقَطْنَ به مع ولد الأب والأم استدلالا بأنه وَلَد الْأَبِ لَمَّا سَقَطُوا بِوَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ

(8/133)


عَنِ الْمِيرَاثِ مَعَ الْجَدِّ سَقَطُوا فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ، لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ سَبَبٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ فَسَقَطَتْ بِسُقُوطِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَذَهَبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِلَى أَنَّ وَلَدَ الْأَبِ يُقَاسِمُونَ الْجَدَّ مَعَ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ يَرُدُّونَ مَا حَصَلَ لَهُمْ عَلَى وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ أُنْثَى وَاحِدَةً فَلَا تُزَادُ فِيمَا يَرُدُّ عَلَيْهَا عَلَى النِّصْفِ، فَإِنْ وَصَلَ بَعْدَ النِّصْفِ شَيْءٌ تَقَاسَمَهُ وَلَدُ الْأَبِ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مثل حظ الأنثيين، وحكي نحوه عن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ بِوَلَدِ الْأَبِ مَعَ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ: هُوَ أَنَّ مُقَاسَمَةَ الْإِخْوَةِ لِلْجَدِّ إِنَّمَا كَانَ لِإِدْلَاءِ جَمِيعِهِمْ بِالْأَبِ فَلَمَّا ضَعُفَ الْجَدُّ عَنْ دَفْعِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ بِانْفِرَادِهِمْ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَضْعُفَ عَنْ دَفْعِهِمْ إِذَا اجْتَمَعُوا مَعَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُمْ فَلِذَلِكَ ما اسْتَوَى الْفَرِيقَانِ فِي مُقَاسَمَتِهِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَقْوَى سَبَبًا مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ دَفَعُوهُمْ عَمَّا صَارَ إِلَيْهِمْ حِينَ ضَعُفَ الْجَدُّ عَنْ دَفْعِهِمْ فَلِذَلِكَ عَادَ مَا أَخَذَهُ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْجُبَ الأخوة شخصا ثم يَعُودُ مَا حَجَبُوهُ عَلَى غَيْرِهِمْ، أَلَا تَرَى أن الأخ للأب يحجب الأم مع الخ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ يَعُودُ السُّدُسُ الَّذِي حَجَبَهَا عَنْهُ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، فَهَكَذَا فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ، وَهَكَذَا الْأَخَوَانِ يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مَعَ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ يَعُودُ الْحَجْبُ عَلَى الْأَبِ دُونَ الأخوين.
فأما الجواب عن الاستدلال بأن المقاسمة إنما تحجب الاستحقاق بِهَا فَهُوَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ صَحِيحٌ وَقَدِ اسْتَحَقَّهُ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَصَارَتِ الْمُقَاسَمَةُ لِلِاسْتِحْقَاقِ لَا لِغَيْرِهِ.

فَصْلٌ:
فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأَخًا لِأَبٍ، وَجَدًّا، كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، ثُمَّ يَرُدُّ الْأَخُ لِلْأَبِ سَهْمَهُ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَيَصِيرُ لِلْأَخِ للأب والأم سهمين، وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ، وَلَوْ تَرَكَ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأُخْتًا لِأَبٍ، وَجَدًّا، كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى أربعة، ثم ترد الأخت للأب سهما عَلَى الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَيَصِيرُ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَهْمَانِ، وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلَوْ تَرَكَ أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأُخْتًا لِأَبٍ وَجَدًّا، كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ ثُمَّ تَرُدُّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ على الأخ للأب والأم سهما فيصير للأخ للأب وَالْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلَوْ تَرَكَ أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَجَدًّا، كان المال بينهم على ستة ثم ترد الأختان سهما عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَيَصِيرُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلَوْ تَرَكَ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأَخًا لِأَبٍ وَجَدًّا، كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ، ثُمَّ يَرُدُّ الْأَخُ لِلْأَبِ مِنْ سَهْمِهِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ تَمَامَ النِّصْفِ سَهْمًا وَنِصْفًا فَيَصِيرُ مَعَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَهْمَانِ وَنِصْفٌ، وَمَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ نِصْفُ سَهْمٍ، وَمَعَ الْجَدِّ سَهْمَانِ، وَتَصِحُّ مِنْ عَشَرَةٍ، فَلَوْ تَرَكَ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ، وَجَدًّا، كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ ثُمَّ تَرُدُّ الْأُخْتَانِ مِنَ الْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ والأم تمام النصف لينتقل إِلَى عَشَرَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ عِشْرِينَ، فَلَوْ تَرَكَ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَثَلَاثَ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ، وَجَدًّا، كان المال بينهم على ستة هم تَرُدُّ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ تمام النصف سهمين ويقتسمون السهم الباقي وتصح من ثمانية عشر.

(8/134)


فلو تَرَكَ أُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ، وَجَدًّا، كان المال بينهم على ستة ثم ترد الْأُخْتَانِ لِلْأَبِ سَهْمَيْهِمَا عَلَى الْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَمَامُ الثُّلُثَيْنِ فَيَصِيرُ مَعَ الْأُخْتَيْنِ أربعة ومع الجد سهمان، ويرجع إلى ثلاثة وَلَوْ تَرَكَ أُمًّا، وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأَخَوَيْنِ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَجَدًّا، كَانَ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى، لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ وَمِنْ سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سُدُسُهَا لِلْأُمِّ ثلاثة، والباقي لِلْجَدِّ خَمْسَةٌ، وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ تَمَامُ النِّصْفِ تِسْعَةٌ، وَيَبْقَى سَهْمٌ وَاحِدٌ لِوَلَدِ الْأَبِ عَلَى خَمْسَةٍ فَاضْرِبْهَا فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تَكُنْ تِسْعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُسَمِّيهَا الْفَرْضِيُّونَ تِسْعِينِيَّةَ زيد، ولو ترك أما، وأختا لأب ولأم، وَأَخًا، وَأُخْتًا لِأَبٍ وَجَدًّا، كَانَ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ، لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ وَثُلُثَ الباقي سواء فإن عملها عَلَى الْمُقَاسَمَةِ كَمَّلَتْ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفَ، وَجَعَلَتِ الْبَاقِيَ بَيْنَ وَلَدِ الْأَبِ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَيَصِحُّ عَمَلُهَا مِنْ مِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ، وَإِنْ عَمِلْتَهَا على إعطاء الجد ثلث الباقي أخذنا عَدَدًا تَصِحُّ مِنْهُ مَخْرَجَ السُّدُسِ وَثُلُثَ الْبَاقِي وأصله ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْأُمِّ مِنْهَا السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي خَمْسَةٌ، وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ تِسْعَةٌ، وَالْبَاقِي وَهُوَ سَهْمٌ بَيْنَ وَلَدِ الْأَبِ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَاضْرِبْهَا فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ فَتَصِحُّ مِنْهَا عَلَى هَذَا الْعَمَلِ الْمُخْتَصَرِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُسَمِّيهَا الْفَرْضِيُّونَ مُخْتَصَرَةَ زَيْدٍ.
وَالْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلِّهَا عَلَى قَوْلِ زَيْدٍ الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ وَقَدْ حَذَفْنَا الجواب على قول من سِوَاهُ كَرَاهَةَ الْإِطَالَةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَأَكْثَرُ مَا تَعُولُ بِهِ الْفَرِيضَةُ ثُلُثَاهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مَقْصُورٌ عَلَى فِقْهِ الْفَرَائِضِ دُونَ الْعَمَلِ، غَيْرَ أَنَّنَا لَا نُحِبُّ أَنْ نُخْلِهِ مِنْ فُصُولٍ تَشْتَمِلُ عَلَى أُصُولِ الْحِسَابِ وَطَرِيقِ الْعَمَلِ لِيَكُونَ الْكِتَابُ كَافِيًا، وَلِمَا قَصَدْنَا حَاوِيًا.
فَأَوَّلُ الْفُصُولِ أُصُولُ الْمَسَائِلِ: قد ذَكَرْنَا جَمْعًا وَتَفْصِيلًا أَنَّ الْفُرُوضَ سِتَّةٌ، النِّصْفُ، وَالرُّبُعُ، وَالثُّمُنُ، وَالثُّلُثَانِ، وَالثُّلُثُ، وَالسُّدُسُ، وَمَخْرَجُ حِسَابِهَا مِنْ سَبْعَةِ أُصُولٍ، أَرْبَعَةٌ مِنْهَا لَا تَعُولُ، وَثَلَاثَةٌ تَعُولُ، فَالْأَرْبَعَةُ الَّتِي لَا تَعُولُ مَا أَصْلُهُ مِنِ اثْنَيْنِ، وَمِنْ ثَلَاثَةٍ، وَمِنْ أَرْبَعَةٍ، وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ، فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نِصْفٌ وَمَا بَقِيَ أَوْ نِصْفَانِ فَأَصِلُهَا مِنِ اثْنَيْنِ وَلَا تَعُولُ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فيها عصبة إلا في فريضة واحدة وهي زَوْجٌ وَأُخْتٌ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُلُثٌ أو ثلثان أقرهما فَأَصْلُهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا تَعُولُ، لِأَنَّهُ لَا بد أن ترث فيها عصبة الأخ فَرِيضَة وَاحِدَة وَهِيَ أُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ وإذا كان في المسألة ربع أو نصف وربع فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَلَا تَعُولُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فِيهَا عَصَبَةٌ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُمُنٌ أَوْ كَانَ مَعَ الثُّمُنِ نِصْفٌ فَأَصْلُهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَلَا تَعُولُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فِيهَا عَصَبَةٌ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أُصُولٍ لَا تَعُولُ.
وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الَّتِي تَعُولُ فَمَا أَصْلُهُ مِنْ سِتَّةٍ وَمِنِ اثْنَيْ عَشَرَ وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ سُدُسٌ أَوْ كَانَ مَعَ السُّدُسِ ثُلُثٌ أَوْ نِصْفٌ فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ وَإِلَى ثَمَانِيَةٍ وَإِلَى تِسْعَةٍ وَإِلَى عَشَرَةٍ وَهُوَ أَكْثَرُ الْعَوْلِ وَلَهُ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ وَأَكْثَرُ مَا تَعُولُ بِهِ

(8/135)


الْفَرِيضَةُ ثُلُثَاهَا لِأَنَّهَا عَالَتْ بِأَرْبَعَةٍ هِيَ ثُلُثَا السِّتَّةِ فَانْتَهَى عَوْلُهَا إِلَى عَشَرَةٍ وَكُلُّ فَرِيضَةٍ عَالَتْ إِلَى عَشَرَةٍ لَمْ يَكُنِ الْمَيِّتُ إِلَّا امْرَأَةٌ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فِيهَا زَوْجٌ وَلَا يَرِثَ فِيهَا أَبٌ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فِيهَا أَخَوَاتٌ وَلَا يَرِثَ فِيهَا جَدٌّ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فِيهَا وَلَدُ الْأُمِّ وَهَذِهِ الْفَرِيضَةُ الَّتِي تَعُولُ إلى عشرة يسميها الفرضيون أم القروح وَمَا تَعُولُ إِلَى تِسْعَةٍ فَلَا يَكُونُ الْمَيِّتُ إِلَّا امْرَأَةً وَلَا يَرِثُ فِيهَا أَبٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَرِثَ فِيهَا جَدٌّ وَهُوَ أَكْثَرُ مَا تَعُولُ إِلَيْهِ مَسَائِلُ الْجَدِّ وَيُسَمِّيهَا الْفَرْضِيُّونَ الْغَرَّاءَ وَمَا تَعُولُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ فَلَا يَكُونُ الْمَيِّتُ إلا امْرَأَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرِثَ فِيهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَيُسَمِّيهَا الْفَرْضِيُّونَ الْمُبَاهَلَةَ فَهَذَا أَحَدُ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَعُولُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رُبُعٌ مَعَ سُدُسٍ أَوْ ثُلُثٍ وثلثين فأصلها من اثني عشرة وَلَا تَعُولُ إِلَى الْأفْرَادِ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَإِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وَلَا تَعُولُ إِلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا إِلَى الأزواج فيما ذَلِكَ وَمَا عَالَ إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ لَمْ يَكُنِ الْمَيِّتُ فِيهِ إِلَّا رَجُلًا وَلَا يَرِثُ فِيهِ أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَمَا عَالَ إِلَى خمسة وَإِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً وَجَازَ أَنْ يَرِثَ فِيهِ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فَهَذَا ثَانِي الْأُصُولِ الَّتِي تَعُولُ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُمُنٌ مع سدس أو ثلث أو ثلثين فأصلها مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَهِيَ الْمِنْبَرِيَّةُ وَلَا يَكُونُ الْمَيِّتُ فِيهَا إِلَّا رَجُلًا وَلَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فِيهَا الْأَبَوَانِ مَعَ الْبَنَاتِ وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ عَالَتْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُورَثَ فِيهَا بِالتَّعْصِيبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ.

وَوَجْهُ تَصْحِيحِهَا إِذَا اجْتَمَعَ فِي سِهَامِ الْفَرِيضَةِ عَدَدَانِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا وَاحِدًا أو أجناسا فإن كان جِنْسًا وَاحِدًا لَمْ تَخْلُ سِهَامُ فَرِيضَتِهِمُ الْمَقْسُومَةُ عَلَى أَعْدَادِ رُؤُوسِهِمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إِمَّا أن تكون منقسمة على عدد رؤوسهم عَلَيْهِمْ أَوْ مُوَافِقَةً لِعَدَدِهِمْ أَوْ غَيْرَ مُنْقَسِمَةٍ وَلَا مُوَافِقَةٍ.
فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ سِهَامُ فَرِيضَتِهِمْ مُنْقَسِمَةً عَلَى عَدَدِ رُؤُوسِهِمْ فَالْمَسْأَلَةُ تَصِحُّ مِنْ أَصْلِهَا.
مِثَالُهُ: زَوْجٌ وَثَلَاثَةُ بَنِينَ أَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ سَهْمٌ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ بَيْنَ الْبَنِينَ الثَّلَاثَةِ.
وَهَكَذَا زَوْجَةٌ وَابْنَانِ وَثَلَاثُ بَنَاتٍ أَصْلُهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ سَهْمٌ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ سَبْعَةُ أسهم بين البنين وَالْبَنَاتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَيْهِمْ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمٌ فَهَذَا قِسْمٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أن لا تنقسم سهامهم عليهم ولا يوافق عَدَدُ رُؤُوسِهِمْ لِعَدَدِ سِهَامِهِمْ إِمَّا لِزِيَادَةِ عَدَدِ الرُّؤُوسِ عَلَى عَدَدِ السِّهَامِ وَإِمَّا لِزِيَادَةِ السِّهَامِ عَلَى عَدَدِ الرؤوس فَتَضْرِبُ عَدَدَ الرؤوس فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا خَرَجَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ.

(8/136)


مِثَالُهُ: أُمٌّ وَثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ لِلْأُمِّ السُّدُسُ سَهْمٌ وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ بين الإخوة الثلاثة لا ينقسم عَلَيْهِمْ وَلَا تُوَافِقُ عَدَدَهُمْ فَاضْرِبْ عَدَدَ رؤوسهِمْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَتَصِحُّ مِنْهَا فَهَذَا قِسْمٌ ثَانٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أن لا تَنْقَسِمَ سِهَامُهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ وَلَكِنْ يُوَافِقُ عَدَدَ سِهَامِهِمْ لِعَدَدِ رؤوسهم والموافقة أن يناسب أحد الفردين الْآخَرَ بِجُزْءٍ صَحِيحٍ مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ خُمُسٍ أَوْ سُدُسٍ أَوْ سُبُعٍ أَوْ ثُمُنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأجزاء الصحيحة على ما سنذكره من الطريق إِلَى مَعْرِفَتِكَ لِمَا يُوَافِقُ بِهِ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ الْآخَرَ فَرُدَّ عَدَدَ الرؤوس إِلَى مَا يُوَافِقُ بِهِ عَدَدَ سِهَامِهَا مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ ثُمَّ تَضْرِبُ وَفْقَ عَدَدِهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إِنْ عَالَتْ فَتَصِحُّ مِنْهُ ويجعل مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَضْرُوبًا فِي وَفْقِ الْعَدَدِ الَّذِي ضَرَبْتَهُ فِي أصل المسألة.
مثاله: زوج وستة بنين أصلها من أربعة للزوج منها الربع سهم والباقي ثلاثة على ستة لا ينقسم وَلَكِنَّ السِّتَّةَ تُوَافِقُ الثَّلَاثَةَ بِالْأَثْلَاثِ لِأَنَّ لِكُلِّ واحد منهما ثُلُثٌ صَحِيحٌ فَتَرُدُّ السِّتَّةَ إِلَى وَفْقِهَا وَهُوَ اثْنَانِ ثُمَّ تَضْرِبُ الِاثْنَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ تَكُنْ ثَمَانِيَةً وَمِنْهُ تَصِحُّ فَهَذَا إِذَا كَانَتِ السِّهَامُ الْمُنْكَسِرَةُ عَلَى جِنْسٍ وَاحِدٍ فَأَمَّا إِذَا انْكَسَرَتِ السِّهَامُ عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأَكْثَرَ مَا تَنْكِسِرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَجْنَاسٍ فَإِنْ كَانَ الْمُنْكَسِرُ عَلَى جِنْسَيْنِ فَلَا يَخْلُو عَدَدُ الْجِنْسَيْنِ الَّذِينَ قَدِ انْكَسَرَ عَلَيْهِمَا سِهَامُهُمَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ.
أَحَدُهَا؛ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَاوِيًا لِلْآخَرِ.
وَالثَّانِي: أن لا يُسَاوِيَهُ وَلَكِنْ يَدْخُلُ فِيهِ.
وَالثَّالِثُ؛ أن لا يُسَاوِيَهُ وَلَا يَدْخُلَ فِيهِ وَلَكِنْ يُوَافِقُهُ.
وَالرَّابِعُ: أن لا يُسَاوِيَهُ وَلَا يَدْخُلَ فِيهِ وَلَا يُوَافِقَهُ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ العددين مساويا للآخر فتقتصر عَلَى أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ وَتَضْرِبُهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا فَتَصِحُّ مِنْهُ وَيَنُوبُ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ عَنِ الْآخَرِ.
مِثَالُهُ: أُمٌّ وَخَمْسُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخَمْسُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ لِلْأُمِّ السُّدُسُ سَهْمٌ وَلِلْخَمْسِ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عليهن ولأولاد الأم الثلث سهمان لا ينقسمان عَلَيْهِنَّ فَاضْرِبْ أَحَدَ الْجِنْسَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ تَكُنْ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ وَمِنْهُ تَصِحُّ لِلْأُمِّ سَهْمٌ مِنْ سَبْعَةٍ مَضْرُوبٌ لَهَا فِي خَمْسَةٍ وَلِلْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَرْبَعَةٌ من سبعة مضروب لهن في خمسة يكن عشرين وللأخوات من الأم سهمان مضروبان فِي خَمْسَةٍ تَكُنْ عَشَرَةً.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يكون أحد العددين لا يساوي الآخر ولكن يَدْخُلُ فِيهِ كَدُخُولِ الِاثْنَيْنِ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ وَكَدُخُولِ الثَّلَاثَةِ فِي السِّتَّةِ وَالتِّسْعَةِ وَكَدُخُولِ الْعَشَرَةِ في العشرين والثلاثين ومعرفتك بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ يَصِحُّ مِنْ أَحَدِ ثلاثة أوجه:

(8/137)


أحدها: إما أن تقسم الأكثر على الأقل فتصح القسمة.
والثاني: إما أن تضاعف الأقل فيفنى به الأكثر.
والثالث: إما أَنْ يَنْقُصَ الْأَقَلُّ مِنَ الْأَكْثَرِ فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنَ الْأَكْثَرِ فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ فِي الْآخَرِ كَانَ الْأَقَلُّ مُوَافِقًا لِلْأَكْثَرِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ كَدُخُولِ الثَّمَانِيَةِ فِي السِّتَّةَ عَشَرَ تُوَافِقُهَا بِالْأَثْمَانِ وَالْأَرْبَاعِ وَالْأَنْصَافِ وَكَدُخُولِ الِاثْنَيْ عَشَرَ فِي الستة والثلاثين توافقها بأجزاء اثني عشر وبالأسداس والأثلاث والأنصاف فيجعل ذلك ويقاس عَدَدُ الرؤوس وَعَدَدُ السِّهَامِ بِأَقَلِّ الْأَجْزَاءِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي الْجِنْسَيْنِ مِنْ رؤوس الْوَرَثَةِ لِأَنَّ دُخُولَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ يُغْنِيكَ عَنِ الْوَفْقِ بَيْنَهُمَا فَاقْتَصِرْ عَلَى ضَرْبِ الْعَدَدِ الْأَكْثَرِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إِنْ عَالَتْ.
مِثَالُهُ: زوجتان وأربعة إخوة للزوجتين الربع سهم ولا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ بَيْنَ الْإِخْوَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ وَالِاثْنَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْأَرْبَعَةِ فَاضْرِبِ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي هِيَ عَدَدُ الْإِخْوَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ وَمِنْهَا تَصِحُّ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ لَا يُسَاوِي الْآخَرَ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَكِنْ يُوَافِقُهُ بِجُزْءٍ صَحِيحٍ مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ وَمَعْرِفَتُكَ لِمَا بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ مِنَ الْمُوَافَقَةِ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مِنْ دُخُولِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ فَيَصِيرُ الْعَدَدَانِ مُتَّفِقِينَ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَقَلِّ منها غَيْرَ أَنَّكَ لَا تَسْتَعْمِلُهُ فِي وَفْقِ مَا بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنِ اسْتِغْنَائِكَ عَنْهُ بالاقتصار على ضرب الأكثر في الأقل.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أن لا يَدْخُلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَعُدَّ بِهِ الْأَكْثَرَ ثُمَّ تنظر به الْبَاقِي مِنَ الْأَكْثَرِ فَتَعُدُّ بِهِ الْأَقَلَّ فَإِنْ عَدَّهُ عَدًّا صَحِيحًا حَتَّى صَارَ دَاخِلًا فِيهِ والباقي مِنْ عَدَدِ الْأَكْثَرِ هُوَ الْوَفْقُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً كَانَ اتِّفَاقُهُمَا بِالْأَثْلَاثِ وَإِنْ كان أربعة فبالأرباع وإن كان خَمْسَةً فَبِالْأَخْمَاسِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ ثَمَانِيَةً وَالْآخَرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فَإِذَا عَدَدْتَ الثَّمَانِيَةَ وَالْعِشْرِينَ بِالثَّمَانِيَةِ بَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ فَإِذَا عَدَدْتَ الثمانية بالأربعة استوفتها ودخلت فيها فيعلم أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ بِالْأَرْبَاعِ فَإِنْ كَانَ بَقِيَّةُ الْأَكْثَرِ لا تعد الأقل عددا صحيحا يستوفيه وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ عَدَدْتَ بِهَا بَقِيَّةَ الْأَكْثَرِ فَإِنْ عدتها عدا صحيحا واستوفتها ففيه أقاويل هو وفق العددين وإن تَجِدَ عَدَدًا يُعَدُّ مَا قَبْلَهُ وَيَسْتَوْفِيهِ عَدَدًا صَحِيحًا فَيَكُونُ ذَلِكَ الْعَدَدُ هُوَ الْوَفْقُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي وَاحِدًا فَرْدًا فَيُعْلَمُ بِهِ أَنَّ الْعَدَدَيْنِ لَا يَتَّفِقَانِ بِشَيْءٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ سِتَّةً وَخَمْسِينَ وَالْآخَرُ سَبْعَةً وَسَبْعِينَ فَيَبْقَى بَعْدَ إِسْقَاطِ الأقل من الأكثر أحد وعشرين فنعد بها الأقل يبقى أربعة عشر فنعد الْأَحَدَ وَالْعِشْرِينَ بِالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَبْقَى سَبْعَةٌ فَتَعُدُّ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ بِالسَّبْعَةِ تَعُدُّ بِهَا وَتَسْتَوْفِيهَا فَيُعْلَمُ أن العددين يَتَّفِقَانِ بِالْأَسْبَاعِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ وَالْآخرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِذَا أَسْقَطْتَ الْأَحَدَ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ بَقِيَتْ أَرْبَعَةً فَتَعُدُّ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَحَدَ وَالْعِشْرِينَ يَبْقَى وَاحِدٌ فَتَعْلَمُ أَنَّ الْعَدَدَيْنِ لَا يَتَّفِقَانِ فَهَذَا أَصْلٌ

(8/138)


فَافْهَمْهُ ثُمَّ عُدْنَا إِلَى جَوَابِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مُوَافِقًا لِلْآخَرِ ضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ فَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ وفق الأقل في الأكثر وإن شئت ضرب وفق الأكثر في الأقل قل فَهُمَا سَوَاءٌ ثُمَّ ضَرَبْتَ مَا حَصَلَ بِيَدِكَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إِنْ عَالَتْ.
مِثَالُهُ: زَوْجٌ وَسِتُّ جَدَّاتٍ وَتِسْعُ أَخَوَاتٍ تَعُولُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ سَهْمٌ على ستة لا ينقسم وَلِلْأَخَوَاتِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ عَلَى تِسْعَةٍ لَا تَنْقَسِمُ عليها ولا توافقها وعدد الجدات وهو ست يوافق عدد الأخوات وهو تسع بِالْأَثْلَاثِ فَاضْرِبْ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ فَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ وَفْقَ السِّتَّةِ وَهُوَ اثْنَانِ فِي التسعة يكن ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ وَفْقَ التِّسْعَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي السِّتَّةِ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ثُمَّ اضْرِبْهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ تَكُنْ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ وَلَوْ كَانَ بَيْنَ الرؤوس وَالسِّهَامِ مُوَافَقَةٌ وَبَيْنَ عَدَدِ الْجِنْسَيْنِ مُوَافَقَةٌ رَدَدْتُ عَدَدَ كُلِّ جِنْسٍ إلى وفق سهامه بما وَافَقْتَ بَيْنَ وَفْقِ الْعَدَدَيْنِ ثُمَّ ضَرَبْتَ مَا حَصَلَ مِنْ وَفْقِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مِثَالُهُ: أُمٌّ وستة عشر أختا لأب وأم واثنتا عَشْرَةَ أُخْتًا لِأُمٍّ تَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ لِلْأُمِّ مِنْهَا السُّدُسُ سَهْمٌ وَلِلْأَخَوَاتِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ عَلَى سِتَّة عَشَرَ لَا تَنْقَسِمُ وَلَكِنْ تَوَافِقُ بِالْأَرْبَاعِ ترد الأخوات إلى الأربعة وللأخوات من الأم الثُّلُثُ سَهْمَانِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لَا تَنْقَسِمُ ولكن توافق بالأنصاف إلى ستة ثم أربعة توافق الستة بالأنصاف فاضرب نصف أحدهما في الْآخَرِ تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ اضْرِبْ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ ثُمَّ تَضْرِبُ كُلَّ مَنْ لَهُ شيء من سبعة فِي اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ لِلْأُمِّ اثْنَا عَشَرَ وَلِلْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ عَلَى ستة عشر ينقسم لكل واحدة منهن ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأَخَوَاتِ مِنَ الْأُمِّ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ يَنْقَسِمُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَهْمَانِ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ لَا يُسَاوِي الْآخَرَ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَا يُوَافِقُهُ فَتَضْرِبُ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إِنْ عَالَتْ مِثَالُهُ: زَوْجٌ وَخَمْسُ بَنَاتٍ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَصْلُهَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ عَلَى خَمْسَةٍ لَا تَنْقَسِمُ وَلَا تُوَافِقُ وللأخوات ما بقي وَهُوَ سَهْمٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَاضْرِبْ خَمْسَةً هِيَ عدد البنات في ثلاثة لأنهما لا يتفقان يكن خمسة عشرة ثُمَّ اضْرِبِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ هي أصل المسألة يكن مِائَةً وَثَمَانِينَ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَا لكل واحد من الجنس ضربت سِهَامَ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي عَدَدِ رؤوس الْجِنْسِ الآخر فما خرج فهو مال كل وَاحِدٍ.
مِثَالُهُ: إِذَا أَرَدْتَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أن تعرف ما لكل بنت ضَرَبْتَ عَدَدَ سِهَامِ الْبَنَاتِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ فِي رؤوس الْأَخَوَاتِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَيَكُونُ هُوَ الْقَدْرُ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ كُلُّ بِنْتٍ وَهُنَّ خَمْسٌ فَيَكُونُ لَهُنَّ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَا لِكُلِّ أُخْتٍ ضربت عدد سهامهم وَهُوَ وَاحِدٌ فِي عَدَدِ رؤوس الْبَنَاتِ وَهُوَ خمسة تكن خمسة فيكون هذا الْقَدْرُ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ كُلُّ أُخْتٍ وَهُنَّ ثَلَاثٌ فَيَكُونُ لَهُنَّ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهَذَا حُكْمُ الْجِنْسَيْنِ إذا كان الحيز من كل جنس لا ينقسم عليهم سهامهم فإذا كَانَ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ وَكَانَ كُلُّ جِنْسٍ لَا تنقسم

(8/139)


عَلَيْهِمْ سِهَامُهُمْ فَإِنْ كَانَ عَدَدُ كُلِّ جِنْسٍ مُسَاوِيًا لِعَدَدِ الْجِنْسِ الْآخَرِ اقْتَصَرْتَ عَلَى ضَرْبِ أَحَدِ الْأَعْدَادِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا خَرَجَ فَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ.
مِثَالُهُ: ثَلَاثُ جَدَّاتٍ وَثَلَاثُ بَنَاتٍ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَمِنْهَا تَصِحُّ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَعْدَادِ يَدْخُلُ فِي بَعْضٍ اقْتَصَرْتَ عَلَى ضَرْبِ الْأَكْثَرِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ.
مِثَالُهُ: زَوْجَتَانِ وَسِتُّ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ واثنتا عشر أختا لأب فيكون عدد الزوجتين داخلا فِي عَدَدِ الْإِخْوَةِ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ يَدْخُلَانِ فِي السِّتَّةِ وَفِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَالسِّتَّةُ تَدْخُلُ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ فَاضْرِبْ عَدَدَ الْإِخْوَةِ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ تَكُنْ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ وَمِنْهُ تَصِحُّ، فَإِنْ كان بعض الرؤوس كل يوافق بعضا وقفت أحدهما ثم رددت إليه من رؤوس كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجِنْسَيْنِ ثُمَّ ضَرَبْتَ أحد الوقفين فِي الْآخَرِ ثُمَّ ضَرَبْتَ مَا اجْتَمَعَ فِي عَدَدِ الْجِنْسِ الْمَوْقُوفِ فَمَا اجْتَمَعَ ضَرَبْتَهُ فِي أصل المسألة.
ومثاله: أحد وَعِشْرُونَ جَدَّةً وَخَمْسٌ وَثَلَاثُونَ بِنْتًا وَثَلَاثُونَ أُخْتًا لأب أصلها من ستة سهام الجميع لا ينقسم عليهن ولا يوافقهن لأن للجدات سهما على أحد وَعِشْرِينَ وَلِلْبَنَاتِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ وَلِلْأَخَوَاتِ الْبَاقِي وَهُوَ سَهْمٌ عَلَى ثَلَاثِينَ لَكِنَّ أعداد الرؤوس يوافق بعضها بعضا فإن وفقت عَدَدُ الْجَدَّاتِ وَهُوَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ كَانَ عَدَدُ البنات وهو خمس وثلاثون موافقا له بالأسباع فيردها إِلَى خَمْسَةٍ وَعَدَدُ الْأَخَوَاتِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ مُوَافِقًا له بالأثلاث فيرده إِلَى عَشَرَةٍ وَالْخَمْسَةُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ وَفْقِ الْبَنَاتِ دَاخِلَةٌ فِي الْعَشَرَةِ الَّتِي رَجَعَتْ مِنْ وَفْقِ الْأَخَوَاتِ فَاضْرِبِ الْعَشَرَةَ فِي الْوَاحِدِ وَالْعِشْرِينَ تَكُنْ مِائَتَيْنِ وَعَشَرَةً ثُمَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وهو ستة تكن ألفا ومائتين وستين فمن لَهُ شَيْءٌ مِنْ سِتَّةٍ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا لَهُ في مائتين وعشرة وإن وفقت عدد البنات وهو خمسة وَثَلَاثُونَ وَافَقَهَا عَدَدُ الْأَخَوَاتِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ بِالْأَخْمَاسِ إِلَى سِتَّةٍ وَوَافَقَهَا عَدَدُ الْجَدَّاتِ وَهُوَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ بِالْأَسْبَاعِ إِلَى ثَلَاثَةٍ وَالثَّلَاثَةُ الرَّاجِعَةُ مَنْ وَفْقِ الْجَدَّاتِ تَدْخُلُ فِي السِّتَّةِ فَاضْرِبْ سِتَّةً فِي خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ تَكُنْ مِائَتَيْنِ وَعَشَرَةٍ ثُمَّ فِي سِتَّةٍ هِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ أَلْفًا ومائتين وستين فإن وفقت عدد الأخوات وهي ثَلَاثُونَ وَافَقَهَا عَدَدُ الْجَدَّاتِ وَهُوَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ بِالْأَثْلَاثِ إِلَى سَبْعَةٍ وَوَافَقَهَا عَدَدُ الْبَنَاتِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ بِالْأَخْمَاسِ إِلَى سَبْعَةٍ وَإِحْدَى السَّبْعَتَيْنِ تنوب عن الأخرى فاضرب إحداهما فِي ثَلَاثِينَ تَكُنْ مِائَتَيْنِ وَعَشَرَةً ثُمَّ فِي سِتَّةٍ هِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ فَإِذَا أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ مَا لِكُلِّ جِنْسٍ ضَرَبْتَ عَدَدَ سِهَامِهِ فِي مِائَتَيْنِ وَعَشَرَةٍ وَإِذَا أردت أن تعرف ما لكل واحد من كُلِّ جِنْسٍ ضَرَبْتَ
سَهْمَهُ فِيمَا عَادَ مِنْ وفق الجنس الْمَضْرُوبِ فِي عَدَدِ جِنْسِهِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ سَهْمُ كُلِّ وَاحِدٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِكُلِّ جَدَّةٍ عَشَرَةٌ، لِأَنَّ سَهْمَ الْجَدَّاتِ وَاحِدٌ وَمَا رَجَعَ مِنْ وَفْقِ عَدَدِ الْجِنْسَيْنِ الْمَضْرُوبِ فِي عَدَدِهِنَّ عَشَرَةٌ فَلِكُلِّ بِنْتٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّ سِهَامَ الْبَنَاتِ أَرْبَعَةٌ وَمَا رَجَعَ مِنْ وَفْقِ عَدَدِ الْجِنْسَيْنِ الْمَضْرُوبِ فِي عَدَدِهِنَّ سِتَّةٌ وَإِذَا ضُرِبَتِ الْأَرْبَعَةُ فِي السِّتَّةِ كَانَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فلكل أُخْتٍ سَبْعَةٌ لِأَنَّ سَهْمَ الْأَخَوَاتِ وَاحِدٌ وَمَا رَجَعَ مِنْ وَفْقِ عَدَدِ الْجِنْسَيْنِ

(8/140)


الْمَضْرُوبِ فِي عَدَدِهِنَّ سَبْعَةٌ فَصَارَ سَهْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سَبْعَةً وَلَوِ اتَّفَقَتِ الرؤوس مَعَ السهام رَدَدْتَ الرؤوس إِلَى وَفْقِ سِهَامِهَا ثُمَّ وَافَقْتَ بين وفق الرؤوس بعضا لِبَعْضٍ ثُمَّ ضَرَبْتَ وَفْقَ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ فَمَا اجْتَمَعَ ضَرَبْتَهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا.
مثاله: اثنا عشر جدة واثنتان وثلاثون أختا لأب وعشرون أختا لِأُمٍّ تَعُولُ بِسُدُسِهَا إِلَى سَبْعَةٍ لِلْجَدَّاتِ سَهْمٌ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مُنْكَسِرٌ وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ أَرْبَعَةٌ على اثنتين وثلاثين يوافق بالأرباع إلى ثَمَانِيَةٍ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ سَهْمَانِ عَلَى عِشْرِينَ يُوَافِقُهُ بالأنصاف إلى عشرة فإن وفقت عدد الجدات وهو انثا عَشَرَ كَانَ وَفْقَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ مُوَافِقًا لَهَا بِالْأَرْبَاعِ إِلَى اثْنَيْنِ وَكَانَ وَفْقُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَهُوَ عَشَرَةٌ يُوَافِقُهَا بِالْأَنْصَافِ إِلَى خمسة فاضرب اثنتين فِي خَمْسَةٍ تَكُنْ عَشَرَةً ثُمَّ اضْرِبِ الْعَشَرَةَ في اثني عَشَرَ تَكُنْ مِائَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ فِي أَصْلِ المسألة وعولها وهو سبعة تكن ثماني مائة وأربعين ومنه تصح وإن وافقت وَفْقَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَافَقَهَا عَدَدُ الْجَدَّاتِ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ بِالْأَرْبَاعِ إِلَى ثَلَاثَةٍ وَوَافَقَهَا وَفْقَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ وَهُوَ عَشَرَةٌ بِالْأَنْصَافِ إِلَى خَمْسَةٍ فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ تَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ فِي ثَمَانِيَةٍ وَفْقَ الْأَخَوَاتِ تَكُنْ مِائَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ فِي سَبْعَةٍ هي أصل المسألة وعولها تكن ثمان مائة وأربعين وإن وفقت وَفْقَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَافَقَهَا عَدَدُ الْجَدَّاتِ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ بِالْأَنْصَافِ إِلَى سِتَّةٍ وَوَافَقَهَا وَفْقَ الْأَخَوَاتِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ بِالْأَنْصَافِ إلى أربعة والأربعة توافق لستة بِالْأَنْصَافِ فَاضْرِبْ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ تَكُنِ اثنا عشر ثم في عشرة وهي الموافقة من وفق الإخوة تكن مائة وعشرين فِي سَبْعَةٍ هِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلُهَا تَكُنْ ثمان مائة وَأَرْبَعِينَ وَمَتَى وَقَفْتَ أَحَدَ الْأَعْدَادِ فَصَحَّتِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ عَدَدٍ ثُمَّ وَقَفْتَ غَيْرَ ذَلِكَ الْعَدَدِ فَصَحَّتْ مِنْ عَدَدٍ آخَرَ فَالْعَمَلُ خَطَأٌ حَتَّى يَصِحَّ الْعَمَلَانِ مَنْ عَدَدٍ وَاحِدٍ فَإِذَا أَرَدْتَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَعْرِفَ مَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجَدَّاتِ فَاضْرِبْ سَهْمَ الْجَدَّاتِ وَهُوَ وَاحِدٌ فِيمَا ضَرَبْتَهُ مِنْ وَفْقِ الْجِنْسَيْنِ لِوَفْقِ لعددهن حِينَ وَقَفْتَهُ وَهُوَ عَشَرَةٌ تَكُنْ عَشَرَةٌ وَهُوَ مَا تَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَا لِكُلِّ أُخْتٍ ضَرَبْتَ وَفْقَ سِهَامِهِنَّ لِرؤوسهِنَّ وَهُوَ وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا بِالْأَرْبَاعِ فِيمَا ضربته من وفق الجنسين بوفق عددهن حين وقفته وهو خمسة عشر يكن خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ مَا تَسْتَحِقُّهُ كُلُّ أُخْتٍ وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَا لِكُلِّ أَخٍ ضَرَبْتَ وَفْقَ سِهَامِهِمْ لِرؤوسهِمْ وَهُوَ وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا بِالْأَنْصَافِ فِيمَا ضَرَبْتَهُ مِنْ وَفْقِ الْجِنْسَيْنِ لوفق عددهم وهو اثنا عشر تكن اثنا عَشَرَ وَهُوَ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ أَخٍ، فَهَذَا أَصْلٌ قَدْ أَوْضَحْتُ لَكَ فِيهِ مَا يَسْهُلُ العمل عليه إن شاء الله.

فصل: في المناسخات
وَإِنَّمَا قِيلَ مُنَاسَخَةً، لِأَنَّ الْمَيِّتَ الثَّانِي لَمَّا مَاتَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَانَ مَوْتُهُ نَاسِخًا لَمَّا صَحَّتْ مِنْهُ مَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ فَإِذَا مَاتَ فلم يقسم وَرَثَتُهُ تَرِكَتَهُ حَتَّى مَاتَ أَحَدُهُمْ وَخَلَّفَ وَرَثَةً فَلَا يَخْلُو حَالُ وَرَثَتِهِ مِنْ أَنْ يَكُونُوا شركاء فِي الْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرَ شُرَكَائِهِ فِيهِ فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ شُرَكَائِهِ فِيهِ عَمِلْتَ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَنَظَرْتَ سِهَامَ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْهَا ثُمَّ عَمِلْتَ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَقَسَمْتَهَا عَلَى سِهَامِهِ فَسَتَجِدُهَا لَا تَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.

(8/141)


إما أن تقسم عليها أو توافقها أو لا تقسم عَلَيْهَا وَلَا تُوَافِقُهَا فَإِنِ انْقَسَمَتْ عَلَيْهَا صَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ بِمَا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى.
مِثَالُهُ: زوج وثلاث أخوات متفرقات لَمْ تُقَسَّمِ التَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ حَتَّى مَاتَتِ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَخَلَّفَتِ ابْنًا وَبِنْتًا فَمَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ الْأول مِنْ ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ لِعَوْلِهَا بِثُلُثِهَا لِلْأُخْتِ للأب والأم منها ثلاثة أسهم بين ابنا وبنتها على ثلاثة فتقسم فصحت المسألتان من ثمانية فإن كَانَتْ مَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ الثَّانِي لَا تَنْقَسِمُ عَلَى سِهَامِهِ وَلَكِنْ تُوَافِقُهَا وَافَقَتْ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ضَرَبْتَ وَفْقَ مَسْأَلَتِهِ فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ فَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ضَرَبْتَهُ فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ لِسِهَامِهَا وَمِنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ضَرَبْتَهُ فِيمَا رَجَعَ مِنْ وَفْقِ سِهَامِهَا مِثَالُهُ ابْنَانِ وَبِنْتَانِ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَخَلَّفَ زَوْجَةً وَبِنْتًا وَثَلَاثَةً بَنِي ابْنٍ فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى من ستة لكل ابن سهمان ولكل ميت سَهْمٌ وَمَسْأَلَةُ الِابْنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ تُوَافِقُ سَهْمَيْهِ بِالْأَنْصَافِ إِلَى أَرْبَعَةٍ فَاضْرِبْهَا فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ الأولة وَهِيَ سِتَّةٌ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ فَمَنْ كَانَ لَهُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى شَيْءٌ ضَرَبْتَهُ لَهُ فِي أَرْبَعَةٍ هِيَ الرَّاجِعَةُ من دفعه الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ لِسِهَامِ مَيِّتِهَا وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ من المسألة الثانية ضربته فِي وَاحِدٍ هُوَ الرَّاجِعُ مِنْ وَفْقِ سَهْمِ الْمَيِّتِ الثَّانِي لِسِهَامِ مَسْأَلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ الثَّانِي لَا تَنْقَسِمُ عَلَى سِهَامِهِ وَلَا تُوَافِقُهَا ضَرَبْتَ سِهَامَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ فمن كان له شيء من المسألة الأولة ضَرَبْتَهُ لَهُ فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ضَرَبْتَهُ لَهُ فِي سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنَ الْمَسْأَلَةِ الأولة.
مِثَالُهُ: زَوْجَةٌ، وَبِنْتٌ، وَأُخْتٌ، مَاتَتِ الْأُخْتُ وَخَلَّفَتْ زَوْجًا، وَبِنْتَا، وَعَمًّا، الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ ثَمَانِيَةٍ، ماتت الأخت عن ثلاثة أسهم منها ومثلها مِنْ أَرْبَعَةٍ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهَا وَلَا تُوَافِقُهَا، فَاضْرِبْهَا فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَكُنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ضَرَبْتَهُ لَهُ فِي أربعة هي سهام المسألة الثانية، ومن كان له شيء مِنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ضَرَبْتَهُ لَهُ فِي ثَلَاثَةٍ هي سِهَامُ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهَكَذَا لَوْ مَاتَ ثَالِثٌ قَسَّمَتْ مَسْأَلَتَهُ عَلَى سِهَامِهِ، فَإِنِ انْقَسَمَتْ صَحَّتِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ، وَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ وَوَافَقَتْ ضَرَبْتَ وَفْقَهَا فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْ ضَرَبْتَ سِهَامَهَا فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ، ثُمَّ هَكَذَا لَوْ مَاتَ رَابِعٌ وَخَامِسٌ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ وَرَثَةُ الميت الثاني هم شركاءه فِي التَّرِكَةِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً لَيْسَ فِيهِمْ ذُو فَرْضٍ فَتَجْعَلُ التَّرِكَةَ مَقْسُومَةً عَلَى سِهَامِ الْبَاقِينَ وَلَا تَعْمَلُ مَسْأَلَةُ الثاني، وهكذا لو مات ثالث ورابع.
ومثاله: أَرْبَعَةُ بَنِينَ، وَأَرْبَعُ بَنَاتٍ، مَاتَ أَحَدُ الْبَنِينَ وَخَلَّفَ إِخْوَتَهُ، وَأَخَوَاتِهِ، كَانَتْ مَسْأَلَةَ الْأُولَى بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْبَنِينَ عَنْ سَهْمَيْنِ فَعَادَ سَهْمَاهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ فَصَارَ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمْ عَلَى

(8/142)


عَشَرَةِ أَسْهُمٍ، فَإِنْ مَاتَتْ بِنْتٌ عَنْ سَهْمٍ مِنْ عَشَرَةٍ وَخَلَّفَتْ إِخْوَتَهَا الْبَاقِينَ صَارَ سَهْمُهَا بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى تِسْعَةٍ فَصَارَ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمْ عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ، فَإِنْ مَاتَ ابْنٌ آخَرُ عَنْ سَهْمَيْنِ مِنْ تِسْعَةٍ صَارَ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبْعَةٍ، وَإِنْ مَاتَتْ بِنْتٌ أُخْرَى عَنْ سَهْمٍ مِنْ سَبْعَةٍ صَارَ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ، فإن مات بعد ذلك ابْنٌ آخَرُ عَنْ سَهْمَيْنِ مِنْ سِتَّةٍ صَارَ المال مقسوما بَيْنَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى إِنْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا ابْنٌ وَبِنْتٌ صَارَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ إِلَيْهِمَا مِنَ الْجَمَاعَةِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّ الَّذِينَ مَاتُوا لَمْ يَكُونُوا، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ ذُو فَرْضٍ: فَإِنْ كَانَ فرض ذي الفرض من الميت الأول لفرضه من الميت الثاني كالأم والجدة إذا ورث كل واحد مِنْهُمَا السُّدُسَ بِأَنَّهَا أُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ: فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ مِنَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ مُخَالِفًا لِلْفَرْضِ مِنَ الْمَيِّتِ الثَّانِي كَالزَّوْجَةِ تَرِثُ من الأول بأنها زوجة وترث من الثَّانِي إِذَا كَانَ ابْنًا بِأَنَّهَا أُمٌّ فَإِنَّكَ تُعْطِيهَا فَرْضَهَا مِنَ التَّرِكَتَيْنِ ثُمَّ تُقَسِّمُ الْبَاقِيَ بَيْنَ الْعَصَبَةِ إِذَا كَانُوا لِلْأَوَّلِ بَنِينَ وَبَنَاتٍ وَلِلثَّانِي إِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّ سَبِيلَ مِيرَاثِهِمْ مِنَ التَّرِكَتَيْنِ وَاحِدٌ وَرُبَّمَا كَانَتْ مَسَائِلُ الْمُنَاسِخَاتِ بَعْدَ التَّصْحِيحِ تَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلى أقل من عددها الموافق بعض السهام لبعض فسقطت وَفْقَهَا مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ فَتَرُدُّ سِهَامَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إِلَى ذَلِكَ الْوَفْقِ وَتَرُدُّ سِهَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَرَثَةِ إِلَى مِثْلِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَفْقُ نِصْفًا رَدَدْتَ الْجَمِيعَ إِلَى النِّصْفِ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثًا رَدَدْتَ الْجَمِيعَ إِلَى الثُّلُثِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

فَصْلٌ: فِي قِسْمَةِ التركات
وإذا أردت قسمة التركة لم تخل حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالْعَقَارِ وَالضَّيَاعِ، فَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ مَا قُوِّمَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ نَظَرْتَ مَبْلَغَ التَّرِكَةِ وَسِهَامَ الْفَرِيضَةِ وَلَكَ في قسمتها عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ تُقَسِّمَ عَدَدَ التركة على سهام الفريضة مما خَرَجَ لِكُلِّ سَهْمٍ ضَرَبْتَهُ فِي سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ فَيَكُونَ ذَلِكَ مَبْلَغَ حَقِّهِ مِنْهَا.
مِثَالُهُ: زَوْجٌ، وَأَبَوَانِ، وَبِنْتَانِ، وَالتَّرِكَةُ خَمْسُونَ دِينَارًا فَالْفَرِيضَةُ تصح مع عَوْلِهَا بِالرُّبُعِ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ سَهْمًا، فَتُقَسِّمُ الخمسين عليها يخرج لكل منهم سَهْمٌ مِنْ سِهَامِهَا ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ، فَتَضْرِبُ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي ثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فِي ثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ تَكُنْ عَشَرَةً، وَهُوَ حَقُّهُ مِنَ التَّرِكَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ سَهْمَانِ فِي ثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَهُوَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهَذَا وَجْهٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَضْرِبَ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي عَدَدِ التَّرِكَةِ فَمَا اجْتَمَعَ قَسَمْتَهُ عَلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ فَمَا خَرَجَ بِالْقَسْمِ فَهُوَ نَصِيبُهُ، مِثَالُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ تَأْخُذَ سِهَامَ الزَّوْجِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ فَتَضْرِبُهَا فِي عَدَدِ التَّرِكَةِ وَهُوَ خَمْسُونَ تَكُنْ مِائَةً وَخَمْسِينَ، ثُمَّ تُقَسِّمُهَا عَلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ تَكُنْ عشرة، وهي حَقُّ الزَّوْجِ، ثُمَّ تَضْرِبُ سِهَامَ كُلِّ وَاحِدٍ من

(8/143)


الْأَبَوَيْنِ وَهِيَ سَهْمَانِ فِي الْخَمْسِينَ تَكُنْ مِائَةً، ثُمَّ تُقَسِّمُهَا عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ تَضْرِبُ سِهَامَ كُلِّ بِنْتٍ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فِي الْخَمْسِينَ تَكُنْ مِائَتَيْنِ، ثُمَّ تُقَسِّمُهَا على الخمسة عشر يكن ثلاثة عشر وثلثا فهذا وجه ثاني.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ تَنْسُبَ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ عَدَدِ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ فَمَا خَرَجَ بِالنِّسْبَةِ جَعَلْتَهُ لَهُ مِنْ عَدَدِ التَّرِكَةِ.
مِثَالُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ تَنْسُبَ سِهَامَ الزَّوْجِ مِنْ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ تكن خمسها، فَأعْطِهِ بِهِ خُمُسَ التَّرِكَةِ وَهُوَ عَشَرَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ سَهْمَانِ هُمَا ثُلُثَا خُمُسِهَا فَتُعْطِيهِ ثُلْثَيْ خُمُسِ التَّرِكَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ أَرْبَعَةٌ هِيَ خُمُسٌ وَثُلُثُ خُمُسٍ فَتُعْطِيهَا خُمُسَ التَّرِكَةِ وَثُلُثَ خُمُسِهَا تَكُنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثًا، فَهَذَا وَجْهٌ ثَالِثٌ.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أن توافق بَيْنَ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ وَعَدَدِ التَّرِكَةِ ثُمَّ تَضْرِبَ سهام كل وارث في وفق التركة، ويقسم مَا اجْتَمَعَ عَلَى وَفْقِ الْفَرِيضَةِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ حَقُّهُ.
مِثَالُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ سِهَامَ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ فِيهَا وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ تُوَافِقُ عَدَدَ التَّرِكَةِ الَّتِي هِيَ خَمْسُونَ بِالْأَخْمَاسِ فَارْدُدْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى وَفْقه تَجِدُ الْخَمْسِينَ تَرْجِعُ بِالْأَخْمَاسِ إِلَى عَشَرَةٍ، وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ إِلَى ثَلَاثَةٍ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُقَسِّمَ لِلزَّوْجِ فَاضْرِبْ عَدَدَ سِهَامِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ وَهُوَ عَشَرَةٌ تَكُنْ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ اقْسِمِ الثَّلَاثِينَ عَلَى وَفْقِ الْفَرِيضَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ يَكُنِ الْخَارِجُ بِالْقَسْمِ عَشَرَةً وَهُوَ حَقُّ الزَّوْجِ، وَلِكُلِّ واحد من الأبوين سهمان تَضْرِب فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ وَهِيَ عَشَرَةٌ تَكُنْ عشرين، ثم يقسم عَلَى وَفْقِ الْفَرِيضَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَهُوَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ وَهُوَ عَشَرَةٌ تَكُنْ أَرْبَعِينَ ثُمَّ تُقَسَّمُ عَلَى وَفْقِ الْفَرِيضَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ تَكُنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثًا؛ وَهُوَ حَقُّ كُلِّ بِنْتٍ فَهَذَا وَجْهٌ رَابِعٌ، وَقَدْ لَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ فِي كُلِّ تَرِكَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا تُوَافِقُ سهام الْفَرِيضَة لِعَدَدِ التَّرِكَةِ فَيَسْقُطُ الْوَجْهُ الرَّابِعُ، وَقَدْ لا تتناسب سهام كل وارث لسهام الفريضة فيسقط الْوَجْهُ الثَّالِثُ.
وَأَمَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا فِي كُلِّ تَرِكَةٍ، فَأَمَّا إِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ عَقَارًا أَوْ ضَيَاعًا فَلَكَ فِي قِسْمَةِ ذَلِكَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ إِمَّا أَنْ تَجْعَلَهُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ فَتَسْتَغْنِي عَنْ ضَرْبٍ وقسم وَهَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا قَلَّتْ سِهَامُ الْفَرِيضَةِ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ تَجْرِيَ السِّهَامُ عَلَى أَجْزَاءِ الدراهم وذلك أولى من أجزاء الدنانير لِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَى قَرَارِيطِهِ وَحَبَّاتِهِ، فَتُقَسَّمُ سِهَامُ الْفَرِيضَةِ عَلَى دَوَانِيقِ الدِّرْهَمِ وَهِيَ سِتَّةٌ، ثُمَّ عَلَى قَرَارِيطِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، ثُمَّ عَلَى حَبَّاتِهِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ، ثُمَّ عَلَى أَجْزَاءِ حَبَّاتِهِ بِمَا تَجَزَّأَتْ وَهَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا كَثُرَتْ سِهَامُ الْفَرِيضَةِ فِيهِ عِنْدَ الْمُنَاسَخَاتِ فَإِذَا كَانَتِ الْفَرِيضَةُ أَلْفًا وَمِائَتَيْ سَهْمٍ كَانَ النِّصْفُ ست مائة سهم، والثلث أربع مائة سهم، والربع ثلثمائة سَهْمٍ وَالسُّدُسُ مِائَتَيْ سَهْمٍ، وَنِصْفُ السُّدُسِ مِائَةَ سَهْمٍ وَالْقِيرَاطُ خَمْسُونَ سَهْمًا، وَالْحَبَّةُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا؛ لِأَنَّ قِيرَاطَ الدِّرْهَمِ حَبَّتَانِ ثُمَّ تَتَجَزَّأُ الْخَمْسَةُ وَالْعِشْرُونَ عَلَى الْحَبَّةِ فَالْوَاحِدُ خُمُسُ خُمُسِهَا ثم تتضاعف إلى أن تستكملها، فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ نَظَرْتَ إِلَى سِهَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْوَرَثَةِ وَقِسْطِهَا مِنْ أَجْزَاءِ الدِّرْهَمِ فَأَوْجَبْتَهُ له وبالله التوفيق.

(8/144)


باب ميراث المرتد
(قال) وميراث المرتد لبيت مال المسلمين ولا يرث المسلم الكافر واحتج الشافعي في المرتد بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ " واحتج على من ورث ورثته المسلمين ماله ولم يورثه منهم فقال هل رأيت أحدا لا يرث ولده إلا أن يكون قاتلا ويرثه ولده وإنما أثبت الله الْمَوَارِيثَ لِلْأَبْنَاءِ مِنَ الْآبَاءِ حَيْثُ أَثْبَتَ الْمَوَارِيثَ للأباء من الأبناء ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُورَثُ أَمْ لَا عَلَى سِتَّةِ مَذَاهِبَ.
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُورَثُ وَيَكُونُ جَمِيعُ مَالِهِ فَيْئًا لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَوَاءٌ الزِّنْدِيقُ وَغَيْرُهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي ليلى وأبي ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ يَكُونُ فَيْئًا في بيت مال المسلمين إِلَّا الزِّنْدِيقَ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يقصد بردته إزواء وَرَثَتِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَيَكُونُ مَالُهُ مِيرَاثًا لَهُمْ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ الَّذِي كَسَبَهُ فِي إِسْلَامِهِ وَبَعْدَ رِدَّتِهِ يَكُونُ مَوْرُوثًا لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ.
وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا كَسَبَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا كَسَبَهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ يَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَدُّ امْرَأَةً فَيَكُونُ جَمِيعُهُ مَوْرُوثًا، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وزفر بن الهذيل.
وَالْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ مَالَهُ لِوَرَثَتِهِ الَّذِينَ ارْتَدَّ إِلَيْهِمْ دُونَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالْمَذْهَبُ السَّادِسُ: وَهُوَ مَذْهَبُ عَلْقَمَةَ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عروبة وأن مَالَهُ يَنْتَقِلُ إِلَى أَهْلِ الدِّينِ الَّذِينَ ارْتَدَّ إِلَيْهِمْ. وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ مَالَهُ مَوْرُوثًا عَلَى اختلاف مذاهبهم بقوله تعالى: {وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُتِيَ بِالْمُسْتَوْرِدِ الْعِجْلِيِّ وَقَدِ ارْتَدَّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَجَعَلَ مِيرَاثَهُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ

(8/145)


عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ رُجُوعِهِ إِلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ أَنْ أُقَسِّمَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ وَرَثَتِهِمُ الْمُسْلِمِينَ، قَالُوا وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَرِثُهُ وَارِثُهُ الْمُشْرِكُ وَرِثَهُ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ كَالْمُسْلِمِ طَرْدًا وَكَالْمُشْرِكِ عَكْسًا، قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَالٌ كَسَبَهُ مُسْلِمٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يكون فيئا كمال المسلمين، قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَالٌ كَسَبَهُ فِي حَالِ حَقْنِ دَمِهِ فَلَمْ يَصِرْ فَيْئًا بِإِبَاحَةِ دَمِهِ كَمَالِ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ وَرَثَتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ سَاوَوْا بِإِسْلَامِهِمْ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَفَضَّلُوهُمْ بِالرَّحِمِ وَالتَّعْصِيبِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا أَوْلَى مِنْهُمْ لقوة شبههم، وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ مَالَهُ لِأَهْلِ الدِّينِ الَّذِي ارتد إليه بقول تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُورَثُ وَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا رِوَايَةُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ " فإن منعوا من إطلاق اسْمِ الْكُفْرِ عَلَى الْمُرْتَدِّ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} [النساء: 137] وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لا يحل مال امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ " وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعَثَ أَبَاهُ جَدَّ مُعَاوِيَةَ إِلَى رَجُلٍ عَرَّسَ بامرأة أبيه فأمرني بضرب عنقه وخمس مَاله فَجَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - باستحلال ما نص الله تعالى عَلَى تَحْرِيمِهِ مُرْتَدًّا، وَجَعَلَ مَالَهُ بِتَخْمِيسِهِ إِيَّاهُ فَيْئًا، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " أَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فإن خمسها لله وللرسول ثُمَّ هِيَ لَكُمْ " وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَى مَنْ حَدَثَ عِصْيَانُهَا بِالْكُفْرِ بَعْدَ تَقَدُّمِ طَاعَتِهَا بِالْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَزَلْ كَافِرًا مُسْتَفَادٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَرِثْ بحال لم يورث كالكاتب؛ ولأنه كُلّ مَنْ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ مَا مَلَكَهُ فِي إِبَاحَةِ دَمِهِ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ مَا ملك فِي حَقْنِ دَمِهِ كَالذِّمِّيِّ طَرْدًا وَالْقَاتِلِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ كُلَّ مَالٍ مَلَكَهُ بِعَوْدِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ بِقَتْلِهِ عَلَى الرِّدَّةِ قِيَاسًا عَلَى مَا كَسَبَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ قَالَ {بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْمُرْتَدُّ أَوْلَى بِالْمُسْلِمِ يقطع الْمُوَالَاة بِالرِّدَّةِ لَمْ يَصِرِ الْمُسْلِمُ أَوْلَى بِالْمُرْتَدِّ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَأَمَّا دَفْعُ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عليه مال المستورد إلى ورثته إنما كان لما رأى الْمَصْلَحَة بِاجْتِهَادِهِ وَهُوَ إِمَامٌ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِرَأْيِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذلك تمليكا منه ابتداء عَطِيَّة لَا عَلَى جِهَةِ الْإِرْثِ.
وَأَمَّا تَوْرِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَدَفْعِ أَمْوَالِ الْمُرْتَدِّينَ إِلَى ورثتهم: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مِثْلِ مَا فَعَلَهُ علي عليه السلام فِي مَالِ الْمُسْتَوْرِدِ عَلَى طَرِيقِ الْمَصْلَحَةِ، أَوْ بحمل على المرتدين عن بدل الزكاة حين لم يحكم بكفرهم بالمتع لِتَأَوُّلِهِمْ وَمَقَامِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ الْمُشْرِكُ: فَمُنْتَقِضٌ بِالْمُكَاتَبِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْمُسْلِمِ بَقَاءُ الْوِلَايَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْقَاتِلِ فَهُوَ دَلِيلُنَا؛ لِأَنَّهُ لما كان ما ملك في إباحة دمه موروثا كان

(8/146)


ما ملك فِي حَقْنِ دَمِهِ مَوْرُوثًا، وَلَمَّا كَانَ الْمُرْتَدُّ عنه ما ملك فِي إِبَاحَةِ دَمِهِ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ مَا ملك فِي حَقْنِ دَمِهِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ وَرَثَتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ جَمَعُوا الْإِسْلَامَ وَالْقَرَابَةَ فَكَانُوا أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ الْمُنْفَرِدِ بِالْإِسْلَامِ فَفَاسِدٌ بِالذِّمِّيِّ لَا يَرِثُهُ الْمُسْلِمُ وَإِنْ كَانَ بَيْتُ الْمَالِ أَوْلَى بِمَالِهِ ثُمَّ لَيْسَ يَصِيرُ مَالُ الْمُرْتَدِّ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ مِيرَاثًا فَيُجْعَلَ وَرَثَتُهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ فَيْئًا كَمَا أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ مَا كَسَبَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ فَيْئًا وَلَا يَجْعَلُونَ وَرَثَتَهُ أَوْلَى بِهِ.

فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أن ماله يصير فَيْئًا غَيْرَ مَوْرُوثٍ فَهُوَ مُقِرٌّ عَلَى مِلْكِهِ مَا لَمْ يَمُتْ أَوْ يُقْتَلْ سَوَاءٌ أَقَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَالَ أبو حنيفة إِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ قَسَّمَ الْحَاكِمُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْتَقَ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ وَقَضَى بِحُلُولِ دُيُونِهِ الْمُؤَجَّلَةِ فَإِنْ رَجَعَ مُسْلِمًا رَجَعَ بِمَا وَجَدَ من أعيان ماله على ورثته ولم يرجع بما استملكوه وَلَا يَرْجِعُ فِي عِتْقِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبِّرِيهِ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: " أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ فِي أَسِيرٍ تَنَصَّرَ في أرض الرُّومِ فَكَتَبَ إِنْ جَاءَ بِذَلِكَ الثَّبْتُ فَاقْسِمْ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ "؛ وَلِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ قَدْ صَارَ غيره أملك بالتصرف فِي مَالِهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمَوْتِ؛ وَلِأَنَّ مَا أَوْجَبَ زَوَالَ الْمِلْكِ أَوْجَبَ انْتِقَالَهُ كَالْمَوْتِ.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَيَاةِ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ قِيَاسًا جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَيَاةِ فِي الْأَمْوَالِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الْمُرْتَدِّ وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا بِحَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ بِحَالِ الْمُشْرِكِ وَلَيْسَ يحكم بموت واحد منهما في حياته وكذلك الْمُرْتَدُّ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْمَيِّتَ مَوْرُوثًا وَالْحَيَّ وَارِثًا فَلَوْ جَازَ أَنْ يَصِيرَ الْحَيُّ مَوْرُوثًا لَجَازَ أَنْ يَصِيرَ الْمَيِّتُ وَارِثًا وَلِأَنَّ كل ما أَوْجَبَ إِبَاحَةَ الدَّمِ لَمْ يُحْكَمْ فِيهِ بِالْمَوْتِ مَعَ بَقَاءِ الْحَيَاةِ كَالْقَتْلِ وَلِأَنَّ حُدُوثَ الرِّدَّةِ لَا تُوجِبُ أَحْكَامَ الْمَوْتِ كَالْمُقِيمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَدُخُولُ دَارِ الْحَرْبِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ كَالْمُسَافِرِ إِلَيْهَا فَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَحْكِيُّ عَنْ عُمَرَ بن عبد العزيز فليس فيه أنه كَانَ مُسْلِمًا فَتَنَصَّرَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ لِيَتَوَلَّوْا حِفْظَهُ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ أَمْرَهُ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبٌ لَهُ وليس يلزمنا قبوله.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ انْتِقَالِ مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِ غَيْرِهِ فيه مع أن في انتقال ملكه اختلاف وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِهِ ثُمَّ لَيْسَ انْتِقَالُ الْمِلْكِ بِمُوجِبٍ لِحُكْمِ الْمَوْتِ لِأَنَّ مَالَ الْحَيِّ قد تنقل بأسباب غير الموت.
فصل:
قال المزني رحمه الله تعالى: " قد زعم الشافعي أَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ إِذَا كَانَ حُرًّا يَرِثُهُ أَبُوهُ إِذَا مَاتَ وَلَا يَرِثُ هَذَا النِّصْفَ مِنْ أَبِيهِ إِذَا مَاتَ أَبُوهُ فَلَمْ يُورِثْهُ مِنْ حَيْثُ وَرِثَ مِنْهُ وَالْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ يَرِثُ مِنْ حَيْثُ يُورَثُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا اعْتِرَاضٌ مِنَ الْمُزَنِيِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَعْلِيلِهِ إِبْطَالَ مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ الْمَوَارِيثَ لِلْأَبْنَاءِ مِنَ الْآبَاءِ حَيْثُ أَثْبَتَ الْمَوَارِيثَ لِلْآبَاءِ مِنَ الْأَبْنَاءِ فَأَبْطَلَ الْمُزَنِيُّ هَذَا التَّعْلِيلَ عَلَيْهِ بِالْعَبْدِ إِذَا كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا أنه يورث عنده بِنِصْفِهِ الْحُرِّ وَلَا يَرِثُ

(8/147)


هُوَ بِنِصْفِهِ الْحُرِّ فَجَعَلَ ذَلِكَ إِبْطَالًا لِتَعْلِيلِهِ وَاحْتِجَاجًا لِنَفْسِهِ فِي أَنَّهُ يَرِثُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَمَا يُورَثُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وجهين:
أحدهما: رد لاعتراضه.
وَالثَّانِي: فَسَادُ اسْتِدْلَالِهِ، فَأَمَّا رَدُّ اعْتِرَاضِهِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ نِصْفَهُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُورَثُ كَمَا لَا يَرِثُ فَعَلَى هَذَا يَسْلَمُ الِاسْتِدْلَالُ وَيَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ.
وَالثَّانِي: أن تعليل الشافعي كلما تَوَجَّهَ إِلَى السَّبَبِ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الْوَارِثُ وَالْمَوْرُوثُ إِذَا مَنَعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا مَنَعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا كَالْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي قَطْعِ التَّوَارُثِ بِهِ قَطْعُ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا مَعْنَى يَشْتَرِكُ فِيهِ الْوَارِثُ وَالْمَوْرُوثُ.
فَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الْمَوْرُوثُ وَحْدَهُ فَلَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ وَهُوَ يُورَثُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مَنَعَهُ من الميراث خص بِهِ وَغَيْرُ مُتَعَدٍّ إِلَى وَارِثِهِ وَهَكَذَا الَّذِي نِصْفُهُ حُرٌّ قَدِ اخْتَصَّ بِالْمَعْنَى الْمَانِعِ دُونَ وَارِثِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا.
وَأَمَّا فَسَادُ اسْتِدْلَالِهِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَرِثَ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَمَا يُورَثُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ فَهُوَ أَنَّ الْكَمَالَ يَجِبُ أن يكون مراعا فِي الْوَارِثِ دُونَ الْمَوْرُوثِ فَلِذَلِكَ جَعَلْنَاهُ مَوْرُوثًا لِأَنَّ وَارِثَهُ كَامِلٌ وَلَمْ نَجْعَلْهُ وَارِثًا لِأَنَّهُ ليس بكامل والله أعلم بالصواب.

مسألة:
(وقال) في المرأة إذا طلقها زَوْجُهَا ثَلَاثًا مَرِيضًا فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا تَرِثُهُ وَالْآخَرُ لَا تَرِثُهُ وَالَّذِي يَلْزَمُهُ أن لَا يورثها لأنه لا يرثها بإجماع لانقطاع النِّكَاحِ الَّذِي بِهِ يَتَوَارَثَانِ فَكَذَلِكَ لَا تَرِثُهُ كما لا يرثها لأن الناس عنده يَرِثُونَ مِنْ حَيْثُ يُورَثُونَ وَلَا يَرِثُونَ مِنْ حَيْثُ لَا يُورَثُونَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوْرَدَهَا الْمُزَنِيُّ فِي جُمْلَةِ اعْتِرَاضِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ وَهَذَا الْمَوْضِعُ يَقْتَضِي شَرْحَهَا وذكر ما تفرع عليها وَالِانْفِصَالَ عَنِ اعْتِرَاضِ الْمُزَنِيِّ بِهَا مَا قَدَّمْنَاهُ في اعتراض بمن نصفه حر ونصفه مملوك وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى ضَرْبَيْنِ طَلَاقٌ فِي الصِّحَّةِ وَطَلَاقٌ فِي الْمَرَضِ فَأَمَّا الطَّلَاقُ فِي الصِّحَّةِ فَضَرْبَانِ بَائِنٌ وَرَجْعِيٌّ فَأَمَّا الْبَائِنُ فَلَا تَوَارُثَ فِيهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ دُونَ الثَّلَاثِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَهَذَا إِجْمَاعٌ.
وَأَمَّا الرَّجْعِيُّ فَهُوَ دُونَ الثَّلَاثِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ واعتدت عدة الوفاة وإن ماتت ورثها فإن كَانَ الْمَوْتُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَوْ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ لَمْ يَتَوَارَثَا وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه تَرِثُهُ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَيْسَ يَخْلُو قَوْلُهُمَا ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَجْعَلَ الْغُسْلَ مِنْ بَقَايَا الْعِدَّةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَذْهَبًا لَهُمَا فِي الْعِدَّةِ دُونَ الْمِيرَاثِ وَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ اسْتِبْرَاءٌ وَلَيْسَ الْغُسْلُ مِمَّا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِمَّا أن يجعلاه انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِانْقِضَاءِ الْحَيْضِ وَيُوجِبَا الْمِيرَاثَ مَعَ بقاء الغسل

(8/148)


فَيَكُونُ ذَلِكَ مَذْهَبًا لَهُمَا فِي الْمِيرَاثِ دُونَ الْعِدَّةِ وَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يوجب انقضاء علق النكاح والميراث منهما فارتفع بارتفاعها ولو جاز اعتبار ذلك لصار الميراث موقوفا على خيارها إن شاءت تَأْخِيرَ الْغُسْلِ فَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْبَاقِي مِنْهُمَا وَوَارِثُ الميت فقال وارث الميت بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَوَارُثَ وَقَالَ الْبَاقِي مِنْهُمَا بَلْ كَانَ الْمَوْتُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلِيَ الْمِيرَاثُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَاقِي مِنَ الزَّوْجَيْنِ مَعَ يَمِينِهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الزَّوْجَ أَوِ الزَّوْجَةَ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصْلَ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ حَتَّى يُعْلَمَ سُقُوطُهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ بَقَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى يعلم تقضيها.

فَصْلٌ:
وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي الْمَرَضِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُخَوِّفٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ عَلَى مَا مَضَى.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُخَوِّفًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَعَقَّبَهُ صِحَّةٌ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ.
وَقَالَ زُفَرُ بن الهذيل: هو طلاق في المرض يرث فيه وهذا خطأ لأن ما يتعقبه الصِّحَّةُ فَلَيْسَ بِمُخَوِّفٍ وَإِنَّمَا ظُنَّ بِهِ الْخَوْفُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أن لَا يَتَعَقَّبَهُ الصِّحَّةُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ حَادِثًا عن طريق غيره كمريض غرق أو أحرق أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ حَائِطٌ أَوِ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ فهذا حكم الطلاق فيه كحكم الطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة وقال مالك: هو طلاق في المرض يرث فِيهِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِهِ يَرْفَعُ حُكْمَهُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حُدُوثُ الْمَوْتِ مِنْهُ فَهُوَ الطَّلَاقُ فِي الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا تَوَارَثَا فِي الْعِدَّةِ سَوَاءٌ مَاتَ الزَّوْجُ أَوِ الزَّوْجَةُ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَإِنْ مَاتَتِ الزَّوْجَةُ لَمْ يَرِثْهَا إِجْمَاعًا، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِيرَاثِهَا عَلَى مَذَاهِبَ شَتَّى حَكَى الشَّافِعِيُّ مِنْهَا أَرْبَعَةَ مَذَاهِبَ جَعَلَهَا أَصْحَابُنَا أَرْبَعَةَ أَقَاوِيلَ لَهُ قَوْلَانِ مِنْهَا نَصًّا، وَقَوْلَانِ مِنْهَا تَخْرِيجًا.
أَحَدُهُمَا: لَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ كَمَا لَا مِيرَاثَ لَهُ مِنْهَا وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الْمُزَنِيُّ وَدَاوُدُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّ لَهَا الْمِيرَاثَ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا فَإِنِ انْقَضَتْ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَمِنَ التَّابِعِينَ عُرْوَةُ وَشُرَيْحٌ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ أبو حنيفة وصاحباه وسفيان الثوري وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ قَالَهُ نَصًّا.

(8/149)


وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّ لَهَا الْمِيرَاثَ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَإِنِ انْقَضَتْ عَدَّتُهَا فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَجَعَلَهُ أَصْحَابُنَا قَوْلًا ثَالِثًا لِلشَّافَعِيِّ تَخْرِيجًا.
وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: أَنَّ لَهَا الْمِيرَاثَ أَبَدًا وَإِنْ تَزَوَّجَتْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَكَثِيرٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَجَعَلَهُ أَصْحَابُنَا قَوْلًا رَابِعًا لِلشَّافِعِيِّ تَخْرِيجًا، فَإِذَا قِيلَ: لَا تَرِثُ فَدَلِيلُهُ مَا رَوَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا البغداديون عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي بَعْضِ أَمَالِيهِ فِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةٌ " وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنْ كَانَ ثَابِتًا سَقَطَ بِهِ الْخِلَافُ وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ تمنع من الميراث في حال الصِّحَّةِ فَوَجَبَ أَنْ تَمْنَعَ مِنَ الْمِيرَاثِ فِي حال المرض كاللعان، ولأن كل طلاق يمنع مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجِ مَنَعَ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ كَالطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ فَرْعٌ عَلَى ثُبُوتِ الْعَقْدِ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ الْعَقْدُ بِطَلَاقِ الْمَرِيضِ كَانَ سُقُوطُ الْمِيرَاثِ أَوْلَى وَإِذَا قِيلَ: تَرِثُ، فَدَلِيلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الكلابية فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فورثها عثمان بن عفان.
وروى إبراهيم التميمي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُكْمِلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَكَانَ بِهِ الْفَالِجُ فَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ فَوَرِثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَاتَانِ القضيتان مِنْ عُثْمَانَ عَنِ ارْتِيَاءِ وَاسْتِشَارَةِ الصَّحَابَةِ لَا سيما زوجة عبد الرحمن مع إشهار أَمْرِهَا وَمُنَاظَرَةِ الصَّحَابَةِ فِيهَا، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى أَنْ تُورِثَ مَبْتُوتَةً قُلْنَا: مَا ادَّعَيْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ إِجْمَاعًا فَيَرْتَفِعُ بِخِلَافِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا قُلْنَا: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَرِيضُ مَمْنُوعًا مِنَ التَّصَرُّفِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِضْرَارِ الْوَارِثِ فكان أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْ إِسْقَاطِ الْوَارِثِ وَلِأَنَّ التُّهْمَةَ فِي الْمِيرَاثِ تُهْمَتَانِ تُهْمَةٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَتُهْمَةٌ فِي إِسْقَاطِهِ فَلَمَّا كَانَتِ التُّهْمَةُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَهِيَ تُهْمَةُ الْقَاتِلِ رَافِعَةً لِاسْتِحْقَاقِهِ الْمِيرَاثَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ التُّهْمَةُ فِي إِسْقَاطِهِ بِالطَّلَاقِ رَافِعَةً لِإِسْقَاطِ الْمِيرَاثِ.

فَصْلٌ:
فَأَمَّا إِذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي صِحَّتِهِ لَمْ تَرِثْهُ وَكَانَ إِقْرَارًا فِي الْمَرَضِ لَا طَلَاقًا، وَقَالَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ: هُوَ طَلَاقٌ فِي الْمَرَضِ وَتَرِثُ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْعَقْدِ لَا يَكُونُ عَقْدًا، وَإِنْ صَارَ بِالْإِقْرَارِ لَازِمًا فَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَإِنْ صَارَ بِالْإِقْرَارِ لَازِمًا وَلَوْ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُهَا فَأَقَرَّ بِتَقْدِيمِ طَلَاقِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ فَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِهِ فِي الْمَرَضِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا فِي الْمَرَضِ فَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ فَقَالَ فِي صِحَّتِهِ إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ بَيَّنَ الْمُطَلَّقَةَ مِنْهُمَا فِي مَرَضِهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ عَيَّنَ الطَّلَاقَ عِنْدَ لَفْظِهِ فَلَا تَرِثُ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ فِي الْمَرَضِ بِطَلَاقٍ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قد أتم الطَّلَاقَ عِنْدَ لَفْظِهِ ثُمَّ عَيَّنَهُ عِنْدَ بَيَانِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي المعينة بالطلاق عند البيان هل يقتضي وقوع الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَقْتَ

(8/150)


اللَّفْظِ أَوْ وَقْتَ الْبَيَانِ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: أنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهَا عِنْدَ وَقْتِ لَفْظِهِ وَمِنْهُ تَبْتَدِئُ بِالْعِدَّةِ فَعَلَى هَذَا لَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِ لَفْظِهِ كَانَ صَحِيحًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهَا وَقْتَ الْبَيَانِ فَعَلَى هَذَا تَرِثُ لِأَنَّهُ عِنْدَ بَيَانِهِ مَرِيضٌ.

فصل:
فإما إذا طلقها في الصحة لصفة وُجِدَتْ فِي الْمَرَضِ كَقَوْلِهِ فِي صِحَّتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَقَدِمَ زَيْدٌ وَالزَّوْجُ مَرِيضٌ، أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ شَهْرٍ فَجَاءَ الشَّهْرُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ وَقَعَ فِي الْمَرَضِ وهذا غير صحيح؛ لأنه التُّهْمَةَ عَنْهُ فِي هَذَا الطَّلَاقِ مُرْتَفِعَةٌ، وَإِنَّمَا وجب لها الميراث للتهمة في إزوائها.
فَأَمَّا إِذَا قَالَ فِي صِحَّتِهِ: إِنْ دَخَلْتُ أَنَا هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ دَخَلَهَا فِي مَرَضِهِ كَانَ كَالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ، لِأَنَّهُ دَخَلَهَا بِاخْتِيَارِهِ فِي مَرَضِهِ فصار متهوما في إزوائها عَنِ الْمِيرَاثِ وَلَكِنْ لَوْ وَكَّلَ فِي صِحَّتِهِ وَكِيلًا فِي طَلَاقِهَا فَلَمْ يُطَلِّقْهَا الْوَكِيلُ حَتَّى مَرِضَ الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الطَّلَاقِ هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ أَوْ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّ عَقْدَ الْوِكَالَةِ كَانَ فِي الصِّحَّةِ فَصَارَتِ التُّهْمَةُ عَنْهُ عِنْدَ عَقْدِهِ مُرْتَفِعَةٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى فَسْخِ وَكَالَتِهِ فِي مَرَضِهِ فَصَارَ بِتَرْكِ الْفَسْخِ متهوما.
فَصْلٌ:
وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي صِحَّتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَرَضِ مَوْتِي وَقَعَ طَلَاقُهَا فِيهِ وكان لها الميراث؛ لأنه متهوم بعقد يمينه ولو كان قَالَ لَهَا: إِنْ مِتُّ مِنْ مَرَضٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تُطَلَّقْ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ بِمَوْتِهِ فَلَمْ يَلْحَقْهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْعَقْدِ طَلَاقٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهُوَ فِي الصِّحَّةِ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ أَوْقَاتِ صِحَّتِي الْمُتَّصِلِ بِأَوَّلِ أَسْبَابِ مَوْتِي ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ وُقُوعَ طَلَاقِهِ كَانَ قَبْلَ مَرَضِهِ فَصَارَ طَلَاقًا في الصحة ألا ترى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ فِي آخِرِ أَوْقَاتِ صِحَّتِي الْمُتَّصِلِ بِأَوَّلِ أَسْبَابِ مَوْتِي كَانَ عِتْقُهُ إِنْ مَاتَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ دُونَ الثلث.
فصل:
وإذا طلقها في مرضه باختيارها مثل أن يخالعها، أو تسأله الطلاق فيطلقها، أو يعلق طلاقها بِمَشِيئَتِهَا، فَتَشَاءُ الطَّلَاقَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة وقال مالك لها الميراث إن اخْتَارَتِ الطَّلَاقُ، لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي الْمَرَضِ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ تَوْرِيثَهَا إِنَّمَا كَانَ لِاتِّهَامِهِ فِي حِرْمَانِهَا، وَقَصَدَ الْإِضْرَارَ بِهَا وَهَذَا الْمَعْنَى مُرْتَفِعٌ باختيارها وسؤالها، فلو علق طلاقها في مرضه بصفة من صفة أفعالها ففعلت ذلك وطلقت، نَظَرَتْ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَقَوْلِهِ لَهَا: إِنْ أَكَلْتِ أو شربت فأنت طالق، فلا تَجِدُ بُدًّا مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى اخْتِيَارِهَا الطَّلَاقُ فَيَكُونُ لَهَا الْمِيرَاثُ، وَهَكَذَا لَوْ

(8/151)


قال لها: أنت طالق إن صليت الفرائض أَوْ صُمْتِ شَهْرَ رَمَضَانَ فَصَلَّتْ وَصَامَتْ، كَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ بُدًّا مِنَ الصلاة والصيام، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ لَهَا: إِنْ أَكَلْتِ هَذَا الطَّعَامَ أَوْ لَبِسْتِ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ كَلَّمْتِ هَذَا الرَّجُلَ، أَوْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ تَطَوَّعْتِ بِصَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ طُلِّقَتْ وَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بُدًّا فَصَارَتْ مُخْتَارَةً لِوُقُوعِ الطلاق إلا أن لا تعلم يمينه فَتَرِثُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخْتَارَةٍ لِلطَّلَاقِ.

فَصْلٌ:
وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ زَوْجَتَهُ وَكَانَتْ ذِمِّيَّةً فَأَسْلَمَتْ أَوْ أَمَةً فَأُعْتِقَتْ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَقْتَ طَلَاقِهَا لَمْ تَرِثْ فَصَارَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ إِسْلَامِهَا وَعِتْقِهَا وَرِثَتْ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ إِلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ بِإِسْلَامِهَا وَلَا بِعِتْقِهَا حِينَ طَلَّقَهَا فَلَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ، فَلَوْ قَالَ لَهَا السَّيِّدُ: أَنْتِ حُرَّةٌ في غد وطلقها الزوج في يومه ورثت؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ حِينَ عَلِمَ بِعِتْقِهَا فَإِنْ لَمْ يعلم فلا ميراث، وَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ فَأَعْتَقَهَا السَّيِّدُ فِي يَوْمِهِ فَلَا مِيرَاثَ لها وَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ أَنْتِ طَالِقٌ؛ لأنه غير متهم حين طلقها فَلَوْ قَالَ لَهَا السَّيِّدُ أَنْتِ حُرَّةٌ فِي غَدٍ فَلَمَّا عَلِمَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَهَا الْمِيرَاثُ لِاتِّهَامِهِ فِيهِ.
وَالثَّانِي: لَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ فَلَمْ تَسْتَحِقَّ الْمِيرَاثَ بِطَلَاقٍ لَمْ يتقدم عَلَيْهِ الْحُرِّيَّةُ.
فَصْلٌ:
وَإِذَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ فَارْتَدَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ لَمْ تَرِثْهُ وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة.
وَقَالَ مَالِكٌ: تَرِثُهُ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ اخْتِيَارَهَا لِلطَّلَاقِ مَانِعٌ مِنْ مِيرَاثِهَا وَهِيَ بِالرِّدَّةِ مُخْتَارَةٌ لَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا بِالرِّدَّةِ قَدْ صَارَتْ إِلَى حَالٍ لَوْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ.
فَأَمَّا إِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجُ دُونَهَا بَعْدَ طلاقه وفي مَرَضِهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا تَرِثُهُ وَقَالَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ تَرِثُهُ، وَفَرَّقَ أبو حنيفة بَيْنَ رِدَّتِهَا وَرِدَّتِهِ، بِأَنَّ رِدَّتَهَا اخْتِيَارٌ مِنْهَا لِلْفُرْقَةِ وليس ردته اختيار فيها لِذَلِكَ، وَهَذَا الْفَرْقُ فَاسِدٌ؛ لِاسْتِوَاءِ الرِّدَّتَيْنِ فِي إفضائهما إِلَى حَال لَوْ مَاتَ فِيهَا لَمْ تَرِثْهُ فَاسْتَوَتْ رِدَّتُهَا فِي ذَلِكَ وَرِدَّتُهُ، وَلَوِ ارْتَدَتِ الزَّوْجَةُ فِي مَرَضِهَا ثُمَّ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا الزَّوْجُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: يَرِثُهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ بذلك في إزوائه عَنِ الْمِيرَاثِ كَمَا يُتَّهَمُ الزَّوْجُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُورَثُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَنْسُبُ الْعَاقِلُ أَنَّهُ قَصَدَ بِالرِّدَّةِ إزواء وَارِثٍ وَضَرَرُهُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِهِ عَلَى الْوَارِثِ ولَيْسَ كَالطَّلَاقِ الَّذِي لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فيه.

(8/152)


فَصْلٌ:
وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي صِحَّتِهِ إِنْ لَمْ أَدْفَعْ إِلَيْكَ مَهْرَكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ لَمْ يَدْفَعْهُ إِلَيْهَا حَتَّى مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِالْحِنْثِ وَلَوْ ماتت قَبْلَهَا وَرِثَتْهُ؛ لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فِي الْمَرَضِ، وَلَوْ مَاتَتْ فَاخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَوَارِثُهَا، فَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ كُنْتُ دَفَعْتُ إِلَيْهَا مَهْرَهَا فِي حَيَاتِهَا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ، وَلِيَ الْمِيرَاثُ، وَقَالَ وَارِثُهَا: مَا دفعت إِلَيْهَا وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْكَ وَلَا مِيرَاثَ لَكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي أن لا يَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ فِي بَقَاءِ الْمَهْرِ، فَإِذَا حَلَفَ الزَّوْجُ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ الْمَهْرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أن لا طَلَاقَ، وَإِذَا حَلَفَ الْوَارِثُ حُكِمَ لَهُ بِالْمَهْرِ؛ لأن الأصل بقاء المهر.
فصل:
وإذا لا عن الزَّوْجُ مِنِ امْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ لَمْ تَرِثْهُ سَوَاءٌ كَانَ لِعَانُهُ عَنْ قَذْفٍ فِي الصِّحَّةِ أَوْ عَنْ قَذْفٍ فِي الْمَرَضِ، وَقَالَ أبو يوسف: تَرِثُهُ كَالْمُطَلَّقَةِ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ قَذْفٍ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ، وَقَالَ الحسن بن زياد اللؤلؤي إِنْ كَانَ عَنْ قَذْفٍ فِي الصِّحَّةِ لَمْ تَرِثْهُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ قَذْفٍ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْهُ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي اللِّعَانِ تَبَعٌ لنفي النسب وسقوط الحد وذاك مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ حَالُ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَالْفُرْقَةُ فِي الطَّلَاقِ مَقْصُودَةٌ فَجَازَ أَنْ يَفْتَرِقَ حُكْمُهَا فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ سُقُوطَ الْمِيرَاثِ بِنَفْيِ النَّسَبِ أَغْلَظُ مِنْ سُقُوطِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فلما كان في نَفْي النَّسَبِ بِاللِّعَانِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءً فِي سُقُوطِ الْمِيرَاثِ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءً في سقوط الميراث.
فإن قيل: فلم لا كَانَ نَفْيُ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ فِي حَالِ الْمَرَضِ مانعا من الميراث كالطلاق فِي الْمَرَضِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرِ اللِّعَانِ مَا يَنْفِي عَنْهُ التُّهْمَةَ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرِ الطَّلَاقِ مَا يَنْفِي عَنْهُ التُّهْمَةَ فَافْتَرَقَا.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا إِذَا آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِيهِ لِأَجْلِ إِيلَائِهِ وَرِثَتْ كَمَا تَرِثُ بِالطَّلَاقِ فِي غير الإيلاء بِخِلَافِ اللِّعَانِ وَلَوْ كَانَ آلَى مِنْهَا فِي الصحة ثم طلقها في المرض لم يتقدم مِنْ إِيلَائِهِ فِي الصِّحَّةِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَمُطَالَبَتُهُ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ مِنْ فَيْئِهِ أَوْ طلاق فهذه لا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا مُخْتَارًا فَصَارَ مُتَّهَمًا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَبْلَ مُطَالَبَةِ الزَّوْجَةِ لَهُ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ فَهَذِهِ تَرِثُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَصَارَ مُتَّهَمًا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ بَعْدَ مطالبته بالفيئة أو الطلاق ففيها إِذَا وَرِثَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْموْلي إِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ هَلْ يُطَلَّقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ جَبْرًا أَمْ لَا؟ فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ جَبْرًا فَعَلَى هَذَا لا ميراث لها؛ لأنه طَلَاقَهَا كَانَ وَاجِبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ لأوجبه الحاكم جبرا.

(8/153)


وَالثَّانِي: لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا لَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ مُخْتَارًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.

فصل:
وإذا فسح الزوج نكاح امرأته في مرضه بإحدى العيوب التي توجب فسخ نكاح لم ترثه بخلاف الطلاق، ولأن الْفَسْخَ بِالْعُيُوبِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْفَوْرِ، وَفِي تَأْخِيرِهِ إِسْقَاطُهُ فَلَمْ يُتَّهَمْ وَلَيْسَ كَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ لَا يُسْقِطُهُ، وَلَوْ أَرْضَعَتْ أُمُّ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ الصغيرة خمس رضعات في الحولين يفسخ نِكَاحُهَا وَلَمْ تَرِثْهُ سَوَاءٌ أَرْضَعَتْهَا بِأَمْرِهِ أَوْ غَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ تَبَعٌ لِتَحْرِيمِ الرضاع وَثُبُوتِ الْمَحْرَمِ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ وَطِئَ أُمَّ زَوْجَتِهِ بِشُبْهَةٍ وَهُوَ مَرِيضٌ بَطَلَ نكاحها ولم يرث.
فَصْلٌ:
وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ لَهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ ثُمَّ مات، فإن قيل: بمذهبه الْجَدِيدِ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ فَالْمِيرَاثُ لِلْأَرْبَعِ اللَّاتِي تَزَوَّجَهُنَّ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمِيرَاثَ بَيْنَ الْأَرْبَعِ الْمُطَلَّقَاتِ وَالْأَرْبَعِ الْمَنْكُوحَاتِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ وَارِثٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمِيرَاثَ لِلْأَرْبَعِ الْمُطَلَّقَاتِ دُونَ الْمَنْكُوحَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِسْقَاطُ مِيرَاثِهِنَّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ إِدْخَالُ النَّقْصِ عَلَيْهِنَّ، وليس يمتنع بثبوت النِّكَاحِ مَعَ عَدَمِ الْإِرْثِ كَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَقَالَ فِي مَرَضِهِ إِحْدَاكُنَّ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ خَامِسَةً وَمَاتَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ لِلْمَنْكُوحَةِ رُبُعَ الْمِيرَاثِ وَيُوقِفُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ بَيْنَ الْأَرْبَعِ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ عَلَيْهِ وَهَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُنَّ أَخْمَاسًا وَهَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ مَعَ الْمَنْكُوحَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمِيرَاثَ لِلْأَرْبَعِ أَرْبَاعًا دُونَ الْمَنْكُوحَةِ الْخَامِسَةِ وَهَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ الْمُطَلَّقَاتِ يَدْفَعْنَ الْمَنْكُوحَاتِ عَنِ الْمِيرَاثِ.
فَصْلٌ:
وَإِذَا وَرِثَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ اعْتَدَّتْ بِالْأَقْرَاءِ عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أبو حنيفة تعتد بأكثر الأجلين من عدة الطلاق أو الأقراء أَوْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُغَيِّرُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ شَيْئًا إِلَّا الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُتَّهَمٌ وَمَا سِوَاهُ فَهُوَ عَلَى حُكْمِهِ فِي الصِّحَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(8/154)


باب ميراث المشتركة
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " قلنا في المشتركة زوج وأم وأخوين لأم وأخوين لِأَبٍ وَأُمٍّ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ للأم الثلث ويشركهم بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا سَقَطَ حكمه وصار كأن لم يكن وصاروا بني أم معا (قال) وقال محمد بن الحسن هل وجدت الرجل مستعملا في حال ثم تأتي حالة أخرى فلا يكون مستعملا؟ (قلت) نعم ما قلنا نحن وأنت وخالفنا فيه صاحبك من أن الزوج ينكح المرأة بعد ثلاث تطليقات ثم يطلقها فتحل للزوج قبله ويكون مبتدئا لنكاحها وتكون عنده على ثلاث ولو نكحها بعد طلقة لم تنهدم كما تنهدم الثلاث لأنه لما كان له معنى في إحلال المرأة هدم الطلاق الذي تقدمه إذا كانت لا تحل إلا به ولما لم يكن له معنى في الواحدة والثنتين وكانت تحل لزوجها بنكاح قبل زوج لم يكن له معنى فنستعمله (قال) إنا لنقول بهذا فهل تجد مثله في الفرائض؟ (قلت) نعم الأب يموت ابنه وللابن إخوة فلا يرثون مع الأب فإن كان الأب قاتلا ورثوا ولم يرث الأب من قبل أن حكم الأب قد زال ومن زال حكمه فكمن لم يكن ".
قال الماوردي: وهذه المسألة تسمى المشتركة لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي التَّشْرِيكِ فِيهَا بَيْنَ وَلَدِ الْأُمِّ وَوَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَتُسَمَّى الْحِمَارِيَّةَ لِأَنَّ رجلا قال لعلي عليه السلام حِينَ مَنَعَ مِنَ التَّشْرِيكِ أَعْطِهِمْ بِأُمِّهِمْ وَهَبْ أن أباهم كان حمارا.
وشروط المشتركة أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ زَوْجٍ وَأُمٍّ أو يكون مَكَانَ الْأُمِّ جَدَّةٌ وَوَلَدُ الْأُمِّ أَقَلُّهُمُ اثْنَانِ أَخَوَانِ أَوْ أُخْتَانِ أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ ذُو فَرْضٍ، وَمَنْ لَا فَرْضَ لَهُ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَخٌ أَوْ أَخَوَانِ أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْ شُرُوطَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ أَوِ الْجَدَّةِ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُشَارِكُهُمْ فيه الأخوان من الْأَبِ وَالْأُمِّ أَمْ لَا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنْ وَلَدَ الْأَبِ وَالْأُمِّ يُشَارِكُونَ وَلَدَ الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ وَيَقْتَسِمُونَهُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَمِنَ التَّابِعِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَشُرَيْحٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَالنَّخَعِيٌّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ أبو حنيفة: وَلَدُ الْأُمِّ يَخْتَصُّونَ بِالثُّلُثِ وَلَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَمِنَ التَّابِعِينَ الشَّعْبِيُّ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وأبو

(8/155)


يوسف ومحمد وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَرُوِيَ عَنْ زَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْقَوْلَانِ مَعًا أَمَّا زَيْدٌ فَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُشَرِّكْ وَرَوَى النَّخَعِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ شَرَّكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَقَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ: مَا أَجِدُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَّا وقد اختلف عنه في المشتركة إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُشَرِّكْ وَأتي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يُشَرِّكْ وَأتي فِي الثَّانِي فَشَرَّكَ وَقَالَ تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذِهِ عَلَى ما تقضى، فَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنَ التَّشْرِيكِ فَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رُوِيَ عَنِ النبِيِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " اقْسِمِ الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ " فمنع من مشاركة العصبة لذوي الفروض وإعطائهم مَا فَضَلَ عَنْهَا إِنْ فَضَلَ وَلَيْسَ فِي الْمُشْتَرِكَةِ بَعْدَ الْفُرُوضِ فَضْلٌ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ مشاركة ذي فرض لأنهم عَصَبَةٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَارِكُوا ذَوِي الْفُرُوضِ كَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ كَانَ عَصَبَةً سَقَطَ عِنْدَ اسْتِيعَابِ الْفُرُوضِ لِلتَّرِكَةِ قِيَاسًا عَلَى زَوْجٍ وأم وجد وأخ جاز لَمَّا اسْتَوْعَبَ الزَّوْجُ وَالْأُمُّ وَالْجَدُّ الْمَالَ فَرْضًا سَقَطَ الْأَخُ، وَلِأَنَّ كُلَّ أَخٍ حَازَ جَمِيعَ المال إذا انفرد جاز أن يكون بعصبته موجبا لحرمانه قياسا على زوج وأخت للأب وَأُمٍّ لَوْ كَانَ مَعَهَا أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ ولو كان مكانه أخت للأب كَانَ لَهَا السُّدُسُ فَكَانَ تَعْصِيبُ الْأَخِ مُوجِبًا لِحِرْمَانِهِ سُدُسَ الْأُخْتِ كَذَلِكَ تَعْصِيبُ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ يَمْنَعُهُمْ مِنْ مُشَارَكَةِ وَلَدِ الْأُمِّ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُفَضَّلَ وَلَدُ الْأُمِّ عَلَى وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ إِدْلَاءِ جَمِيعِهِمْ بِالْأُمِّ جاز أن يختصوا بِالْفَرْضِ دُونَهُمْ وَإِنْ أَدْلَى جَمِيعُهُمْ بِالْأُمِّ، أَلَا تَرَى لَوْ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ زَوْجًا وَأُمًّا وَأَخًا لأم وعشرة إخوة لأب وأم أن الأخ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسَ وَلِجَمِيعِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَهُمْ عَشَرَةُ السُّدُسَ فَلَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُفَضَّلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُخْتَصَّ بِالْإِرْثِ دُونَهُمْ.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ يُشَارِكُوا وَلَدَ الْأُمِّ فِي فَرْضِهِمْ إِذَا لَمْ يَرِثُوا بِأَنْفُسِهِمْ لِمُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْإِدْلَاءِ بِالْأُمِّ لَجَازَ إِذَا كَانَتِ الْفَرِيضَةُ بِنْتًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ أَنْ يَكُونَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَيَكُونَ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأخت لِلْأَبِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الإدلاء بالأم، ولا يفضل ذلك بِالْأُمِّ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ لَا يَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ وَفِي الْإِجْمَاعِ عَلَى إِسْقَاطِ هَذَا الْقَوْلِ دَلِيلٌ عَلَى إِسْقَاطِ التَّشْرِيكِ بَيْنَ وَلَدِ الْأُمِّ وَوَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أن يكون وَلَدَ الْأَبِ وَالْأُمِّ يُشَارِكُونَ وَلَدَ الْأُمِّ فِي فَرْضِهِمْ إِذَا لَمْ يَرِثُوا بِأَنْفُسِهِمْ لِمُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْإِدْلَاءِ بِالْأُمِّ لَجَازَ إِذَا كَانَتِ الْفَرِيضَةُ بِنْتًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ أَنْ يَكُونَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَيَكُونَ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الأخت للأب والأم والأخت للأب لاشتراكها في الإدلاء بالأب ولا يفضل تلك بِالْأُمِّ لِأَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ لَا يَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ وَفِي الْإِجْمَاعِ عَلَى إِسْقَاطِ هَذَا الْقَوْلِ دَلِيلٌ عَلَى إِسْقَاطِ التَّشْرِيكِ بَيْنَ وَلَدِ الْأُمِّ وَوَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يرث وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ بالفرض إِذَا لَمْ يَرِثُوا بِالتَّعْصِيبِ لَجَازَ أَنْ

(8/156)


يَجْمَعُ لَهُمْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فَيُشَارِكُوا وَلَدَ الأم في فرضهم ويأخذون الباقي بعد الفرض بتعصيبهم وفي إبطال هذا إبطال لفرضهم.
وَدَلِيلُنَا عَلَى التَّشْرِيكِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] فَاقْتَضَى ظَاهِرُ هَذَا الْعُمُومِ اسْتِحْقَاقَ الْجَمِيعِ إِلَّا مِنْ حصة الدَّلِيل وَلِأَنَّهُمْ سَاوَوْا وَلَدَ الْأُمِّ فِي رَحِمِهِمْ فَوَجَبَ أَنْ يُشَارِكُوهُمْ فِي مِيرَاثِهِمْ قِيَاسًا عَلَى مُشَارَكَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَلِأَنَّهُمْ بَنُو أُمٍّ وَاحِدَةٍ فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِي الثُّلُثِ قِيَاسًا عَلَيْهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدُ أَبٍ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَدْلَى بِسَبَبَيْنِ يَرِثُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ جَازَ إِذَا لَمْ يَرِثْ بِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرِثَ بِالْآخَرِ قِيَاسًا عَلَى ابْنِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ أَخًا لِأُمٍّ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ فِيهِ مَعْنَى التَّعْصِيبِ وَالْفَرْضِ جَازَ إِذَا لَمْ يَرِثْ بِالتَّعْصِيبِ أَنْ يَرِثَ بِالْفَرْضِ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ، وَلِأَنَّ أُصُولَ الْمَوَارِيثِ مَوْضُوعَةٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ، وَأَدْنَى الْأَحْوَالِ مُشَارَكَةُ الْأَقْوَى لِلْأَضْعَفِ، وَلَيْسَ فِي أُصُولِ الْمَوَارِيثِ سُقُوطٌ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ، وَوَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَقْوَى مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ لِمُشَارَكَتِهِمْ فِي الْأُمِّ وَزِيَادَتِهِمْ بِالْأَبِ، فَإِذَا لَمْ يَزِدْهُمُ الْأَبُ قُوَّةً لَمْ يَزِدْهُمْ ضَعْفًا وَأَسْوَأُ حَالِهِ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ كَمَا قَالَ السَّائِلُ: هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أبقت الفرائض فلأولى ذَكَرٍ فَهُوَ أَنَّ وَلَدَ الْأَبِ وَالْأُمِّ يَأْخُذُونَ بِالْفَرْضِ لَا بِالتَّعْصِيبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِهِمْ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بِالْفَرْضِ لِعَدَمِ إِدْلَائِهِمْ بِالْأُمِّ، وَخَالَفَهُمْ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ مَنْ كَانَ عَصَبَةً سَقَطَ عِنْدَ اسْتِيعَابِ الْفُرُوضِ لِجَمِيعِ التَّرِكَةِ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ: إِنَّ تَعْصِيبَ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ قَدْ سَقَطَ وَلَيْسَ سُقُوطُ تَعْصِيبِهِمْ يُوجِبُ سُقُوطَ رَحِمِهِمْ كَالْأَبِ إِذَا سَقَطَ أَنْ يَأْخُذَ بِالتَّعْصِيبِ لَمْ يُوجِبْ سُقُوطَ أَخْذِهِ بِالْفَرْضِ.
فَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ زَوْجًا وأما وجدا وأخا سقط الأخ؛ لأنه الْجَدّ يَأْخُذُ فَرْضَهُ بِرَحِمِ الْوِلَادَةِ فَجَازَ أَنْ يسقط مع الْأَخِ لِفَقْدِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ وَخَالَفَ وَلَدُ الأم لمشاركته له من جهة الْأُمِّ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ مَنْ حَازَ جَمِيعَ المال بالتعصيب جاز أن يكون بعصبته سَبَبًا لِحِرْمَانِهِ كَزَوْجٍ، وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأُخْتٍ لِأَبٍ لَوْ كَانَ مَكَانَهَا أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ يَرِثُ بِهِ إِلَّا بِالتَّعْصِيبِ وَحْدَهُ فَلَمْ يَجُزْ أن يدخل بمجرد التعصيب على ذوي الفرض.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ الْأَخُ لِلْأَبِ أَسْقَطَهَا؛ لِأَنَّهُ نَقَلَهَا عَنِ الْفَرْضِ إِلَى التَّعْصِيبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ لَهُمْ رَحِمًا بالأم يجوز أن يشاركونها وَلَدَ الْأُمِّ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوِ اجْتَمَعُوا مَعَهُمْ لَمْ يُسْقِطُوهُمْ فَكَذَلِكَ لَمْ يَسْقُطُوا بِهِمْ.

(8/157)


وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُفَضَّلَ وَلَدُ الْأُمِّ عَلَى وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ جَازَ أَنْ يَسْقُطُوا بِهِمْ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُفَضَّلُوا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَرِثُوا بِتَعْصِيبِهِمْ دُونَ أُمِّهِمْ وَمِيرَاثِهِمْ بِالتَّعْصِيبِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَأْخُذُونَ بِهِ الْأَكْثَرَ، فَجَازَ أَنْ يَأْخُذُوا بِهِ الْأَقَلَّ، فَإِذَا سَقَطَ تَعْصِيبُهُمْ لَمْ يَسْقُطُوا بِرَحِمِهِمْ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ حَالَتِهِمْ فَلِهَذَا الْمَعْنَى جَازَ أَنْ يَفْضُلُوهُمْ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْقِطُوهُمْ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْبِنْتَ إِنَّمَا تُسْقِطُ مِنَ الْإِخْوَةِ والأخوات من تفرد إدلائه بِالْأُمِّ فَإِذَا اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ فِي وَاحِدٍ لَمْ يُسْقِطْ، ثُمَّ رَأَيْنَا مَنْ جَمَعَ الْإِدْلَاءَ بِالْأَبَوَيْنِ أَقْوَى فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ فِيهَا جَعَلَ الْأَضْعَفَ أَقْوَى وأحق فأين وجه الجمع بين الْمُضَادَّةِ وَكَيْفَ طَرِيقُ الِاسْتِدْلَالِ مَعَ التَّبَايُنِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُمْ لَوْ وَرِثُوا بِالْفَرْضِ لَجَمَعُوا بَيْنَ التَّعْصِيبِ وَالْفَرْضِ كَالْأَبِ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْفَرْضَ منهم أضعف من التعصيب؛ لأن الميراث به اجتهاد عَنْ نَصٍّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْمَعَ لَهُمْ بَيْنَ التَّعْصِيبِ الْأَقْوَى وَالْفَرْضِ الْأَضْعَفِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَرَضُ الْأَبِ لِقُوَّتِهِ وَمُسَاوَاتِهِ التَّعْصِيبَ الَّذِي فِيهِ فجاز أن يجتمع له الميراثان.

فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ التَّشْرِيكِ بَيْنَ وَلَدِ الْأُمِّ وَبَيْنَ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ في المشتركة وَجَبَ أَنْ يُسَوَّى فِيهِ بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ لَا يُفَضَّلُ ذَكَرُهُمْ عَلَى إناثهم.
فَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ من الأم والأخوين للأب وَالْأُمِّ بِالسَّوِيَّةِ فَلَوْ كَانَ مَكَانُ الْأَخَوَيْنِ لِلْأَبِ والأم أختان لأب وأم لم تكن مشتركة لِأَنَّ لِلْأَخَوَاتِ فَرْضًا فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السدس وللأخوين مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ الثلثان وتعول إِلَى عَشَرَةٍ وَلَوْ كَانَ مَعَ الْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ والأم أخ صارت مشتركة؛ لأن مشاركة الأخ لهما أسقط فرضهما ويأخذون جَمِيعًا بِالتَّشْرِيكِ فَلَوْ كَانَ وَلَدُ الْأُمِّ وَاحِدًا سَقَطَ التَّشْرِيكُ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مِنَ الْفُرُوضِ سُدُسٌ يَأْخُذُهُ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ بِالتَّعْصِيبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.

(8/158)


باب ميراث ولد الملاعنة
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وقلنا إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدُ الزِّنَا وَرِثَتْ أُمُّهُ حَقَّهَا وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَنَظَرْنَا مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَوْلَاةَ وَلَاءِ عَتَاقَةٍ كان ما بقي ميراثا لموالي أمه وإن كانت عَرَبِيَّةً أَوْ لَا وَلَاءَ لَهَا كَانَ مَا بقي لجماعة المسلمين وقال بعض الناس فيها بقولنا إلا في خصلة إذا كانت عربية أو لا ولاء لها فعصبته عصبة أمه واحتجوا برواية لا تثبت وقالوا كيف لم تجعلوا عصبته عصبة أمه كما جعلتم مواليه موالي أمه؟ (قلنا) بالأمر الذي لم نختلف فيه نحن ولا أنتم ثم تركتم فيه قولكم أليس المولاة المعتقة تلد من مملوك؟ أليس ولدها تبعا لولائها كأنهم أعتقوهم يعقل عنهم موالي أمهم ويكونون أولياء في التزويج لهم؟ قالوا نعم قلنا فإن كانت عربية أتكون عصبتها عصبة ولدها يعقلون عنهم أو يزوجون البنات منهم؟ قالوا لا قلنا فإذا كان موالي الأم يقومون مقام العصبة في ولد مواليهم وكان الأخوال لا يقومون ذلك المقام في بني أختهم فكيف أنكرت ما قلنا والأصل الذي ذهبنا إليه واحد؟ ".
قال الماوردي: وهذا كَمَا قَالَ: وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ ينْتَفى عَنْ أَبِيهِ وَيَلْحَقُ بِأُمِّهِ لِرِوَايَةِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ألحق ابن الْمُلَاعَنَةِ بِأُمِّهِ وَاخْتَلَفُوا فِي نَفْيِهِ عَنْ أَبِيهِ بِمَاذَا يَكُونُ مِنَ اللِّعَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ.
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وحده يقع الفرق وَينْتَفى عَنْهُ الْوَلَدُ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنْ بِلِعَانِهِمَا جَمِيعًا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَينْتَفى عَنْهُ الْوَلَد.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة أَنَّ بلعانها وحكم الحاكم يقع الْفُرْقَةُ وَينْتَفى عَنْهُ الْوَلَدُ وَحِجَاجُ هَذَا الْخِلَافِ يَأْتِي فِي كتَابِ اللِّعَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

(8/159)


فَإِذَا انْتَفَى الْوَلَدُ بِاللِّعَانِ عَنِ الزَّوْجِ وَلَحِقَ بالأم انتفى تَعْصِيبُ النَّسَبِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا هَلْ تَصِيرُ الْمُلَاعَنَةُ أَوْ عَصَبَتُهَا عَصَبَةً لَهُ أَمْ لَا؟ فَمَذْهَبُ الشافعي أنها لَا تَكُونُ لَهُ عَصَبَةً وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ وَلَا عَصَبَتُهَا لَهُ عَصَبَةً، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَقَالَ أبو حنيفة: تَصِيرُ أُمُّهُ عَصَبَةً لَهُ ثُمَّ عَصَبَتُهَا مِنْ بَعْدِهَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: تَصِيرُ عَصَبَةُ الْأُمِّ عَصَبَةً لَهُ، وَلِلْأُمِّ فَرْضُهَا وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السلام.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ أُمَّهُ وَعَصَبَتَهَا عَصَبَةً لَهُ بِمَا رَوَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بعدها.
وما رواه عبد الواحد بن عبد الله البصري عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: المرأة تحوز ثلث مَوَارِيثِ عَتِيقِهَا وَلَقِيطِهَا وَوَلَدِهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ.
وروي عن دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عبيد بن عمر الأنصاري قَالَ كَتَبْتُ إِلَى صَدِيقٍ لِي مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ أَسْأَلُهُ عَنْ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ لِمَنْ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فكتب إليه إِنِّي سَأَلْتُ فَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ قَضَى بِهِ لِأُمِّهِ هِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ بَعَثَ أَهْلُ الْكُوفَةِ رَجُلًا إِلَى الْحِجَازِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه ما بعثوه إلا في ميراث الْمُلَاعَنَةِ يَسْأَلُ عَنْهُ فَجَاءَهُمُ الرَّسُولُ أَنَّهُ لِأُمِّهِ وَعَصَبَتِهَا، وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ فِي التَّعْصِيبِ وَالْعَقْلِ فَلَمَّا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ مِنْ جِهَةِ الأب جاز أن يثبت له بالتعصيب مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بالتعصيب من جهة الأب ويتحرر من قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ جِهَةٍ جَازَ أَنْ يثبت عليها الولاء فيها جَازَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ التَّعْصِيبُ مِنْهَا كَالْأَبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا حِيزَ بِهِ الْمِيرَاثُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ جَازَ أَنْ يُحَازَ بِهِ مِنْ جهة الأم كالولادة.
وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتِ الفرائض فلأولى رجل ذَكَرٍ وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْأُمِّ الثُّلُثُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عن شريك بن سحماء أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَاعَنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَكَانَتْ حَامِلًا فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَكَانَ يُدْعَى إِلَيْهَا ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا وَهَذَا نَصٌّ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ أدلى بِمَنْ لَا تَعْصِيبَ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ تعصيب كابن العم للأم؛ لأنها قرابة بعتق يُقَدَّمُ عَلَيْهَا الْمُعْتَقُ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِهَا الْإِرْثَ كَالرَّضَاعِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَحْرَزَ مَعَهُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْإِرْثَ بِالْقَرَابَةِ كالعبد الكافر، وَلِأَنَّ التَّعْصِيبَ قَدْ يُعْدَمُ بِالْمَوْتِ مَعَ مَعْرِفَةِ النسب

(8/160)


كَمَا يُعْدَمُ بِاللِّعَانِ لِلْجَهْلِ بِالنَّسَبِ فَلَمَّا كَانَ عَدَمُهُ بِالْمَوْتِ لَا يُوجِبُ انْتِقَالَهُ إِلَى الْأُمِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهُ بِاللِّعَانِ لَا يُوجِبُ انْتِقَالَهُ إِلَى الْأُمِّ وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّ عَدَمَ التعصيب من جهة لَا يُوجِبُ انْتِقَالَهُ إِلَى غَيْرِ جِهَتِهِ كَالْمَوْتِ، وَلِأَنَّ الْأُمَّ لَوْ صَارَتْ عَصَبَةً كَالْأَبِ لَوَجَبَ أَنْ تَحْجُبَ الْإِخْوَةَ كَمَا يَحْجُبُهُمُ الْأَبُ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ مَعَهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَعْصِيبِهَا، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَصَبَةِ لِلْمِيرَاثِ فِي مُقَابَلَةٍ تَحْمِلُهُمْ لِلْعَقْلِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ فَلَمَّا لَمْ تَعْقِلْ عَصَبَةُ الْأُمِّ وَلَمْ يُزَوِّجُوا لَمْ يَرِثُوا.
وتحريره قياسا أن ما تفرع من النَّسَبِ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِثُبُوتِ النَّسَبِ قِيَاسًا عَلَى الْعَقْلِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَهُوَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ لَهُ جَدَّيْنِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا تَابِعِيٌّ، وَالثَّانِي صَحَابِيٌّ، فَإِذَا لم يعين أحدهما لحق بالمرسل فَلَمْ يُلْزِمِ الِاحْتِجَاجَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ أَنَّهُ جَعَلَ مِيرَاثَهُ لِأُمِّهِ إِذَا كَانَ لَهَا عليه ولاء ثم لورثته وَلَائهَا مِنْ بَعْدِهَا وَبِمِثْلِهِ يُجَابُ عَنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا تَحُوزُ مِيرَاثَهُ وَهُوَ قَدْرُ فَرْضِهَا، وَيُسْتَفَادُ بِهِ أَنَّ لِعَانَهَا عَلَيْهِ لَا يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ ميراثها منه.
أما حَدِيثُ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ فَمُرْسَلٌ ثُمَّ لَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ وَلَدِ الملاعنة لمن قضى به قالوا: قَضَى بِهِ لِأُمِّهِ هِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ في كفالته والقيام بحضانته؛ لأنه لم يجز لِلْمِيرَاثِ فِيهِ ذِكْرٌ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْوَلَاءِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَثُبُوتِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَهُوَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَقْوَى وَخَالَفَ النَّسَبَ الَّذِي لَا يَثْبُتُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَكَذَا مَا تَفَرَّعَ عَنْهُ مِنَ التَّعْصِيبِ.

فَصْلٌ:
فَإِذَا تَقَرَّرَ ما وصفنا ومات ابن الملاعنة فترك أُمَّهُ وَخَالًا فَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة وَهُوَ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَالُ كُلُّهُ لِأُمِّهِ وَعَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْخَالِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ الْأُمِّ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِمَوَالِيهَا إِنْ كَانَ عَلَى الْأُمِّ وَلَاءٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَاخِلٌ فِي وَلَاءِ أُمِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأُمِّ وَلَاءٌ فَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَوْ تَرَكَ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ أُمًّا وَأَخًا وَأُخْتًا فَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْأُمِّ، وَعَلَى قول أحمد بن حنبل وهو قول علي عليه السلام لِأُمِّهِ السُّدُسُ وَلِأَخِيهِ وَأُخْتِهِ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخِ وَالْأُخْتِ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِبَيْتِ الْمَالِ فَلَوْ كَانَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ تَوْأَمَيْنِ ابْنَيْنِ فَمَاتَ أحدهما فترك أُمَّهُ وَأَخَاهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَخِيهِ هَلْ يَرِثُهُ مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ أَوْ مِيرَاثَ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الأكثرين من أصحابنا أنه يرث ميراث أخ لأم، لأنهما لم عَدِمَا الْأَبَ عَدِمَا الْإِدْلَاءَ بِالْأَبِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَلِأَخِيهِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى إِنْ كَانَ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ.

(8/161)


والوجه الثاني: حكي عن أبي إسحاق المروزي وأبو الحسن بْنِ الْقَطَّانِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرِثُهُ مِيرَاثَ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِأَنَّ التَّوْأَمَيْنِ مِنْ حَمْلٍ وَاحِدٍ، وَالْحَمْلُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَيَّهُمَا اعْتَرَفَ بِهِ الْمُلَاعِنُ تَبِعَهُ الْآخَرُ فِي اللُّحُوقِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْأَخِ؛ لِأَنَّهُ أَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَكَانَ أَوْلَى مِنَ المولى وَبَيْتِ الْمَالِ.

فَصْلٌ:
فَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فِي نَفْيِهِ عَنِ الزَّانِي ولحوقه بالأم وعلى مَا مَضَى مِنَ الِاخْتِلَافِ هَلْ تَصِيرُ الْأُمُّ وَعَصَبَتُهَا عَصَبَةً لَهُ أَمْ لَا؟ غَيْرَ أَنَّ تَوْأَمَ الزَّانِيَةِ لَا يَرِثُ إِلَّا مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا وَوِفَاقِ مَالِكٍ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَوْأَمِ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنِ ادَّعَى الزَّانِي الْوَلَدَ الَّذِي وَلَّدَتْهُ الزَّانِيَةُ مِنْهُ، فَلَوْ كَانَتِ الزَّانِيَةُ فِرَاشًا لِرَجُلٍ كَانَ الْوَلَدُ فِي الظَّاهِرِ لَاحِقًا بِمَنْ لَهُ الْفِرَاشُ، وَلَا يَلْحَقُ بِالزَّانِي لِادِّعَائِهِ له لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ".
فَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الزانية خلية وليست فراشا لأحد يلحقها ولدها فمذهب الشافعي أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالزَّانِي، وَإِنِ ادَّعَاهُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إِذَا ادَّعَاهُ بعد قيام البنية وبه قال ابن سيرين وإسحاق ابن رَاهَوَيْهِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إِذَا ادعاه بعد الحد ويلحقه إذا ملك الموطوة وَإِنْ لَمْ يَدِّعِهِ وَقَالَ أبو حنيفة إِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وَضْعِهَا وَلَوْ بِيَوْمٍ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، وَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا لَمْ يَلْحَقْ بِهِ، ثُمَّ اسْتَدَلُّوا جَمِيعًا مَعَ اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَلِيطُ أَوْلَادَ الْبَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِآبَائِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَعْنَى يَلِيطُ أَيْ يلحق.
قالوا: ولأن لَمَّا كَانَ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ عَنِ الْوَاطِئِ بِاللِّعَانِ لَا يَمْنَعُ مِنْ لُحُوقِهِ بِهِ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ فكذلك وَلَدُ الزِّنَا، وَهَذَا خَطَأٌ فَاسِدٌ لِمَا رَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَذْكُرَ فأتاه رجل فقال يا رسول الله إني عَاهَرْتُ بأمه فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا اعْتِهَارَ فِي الْإِسْلَامِ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَأَيُّمَا رَجُلٍ عَاهَرَ بِأَمَةٍ لَا يَمْلِكُهَا أَوِ امْرَأَةٍ لا يملكها فَادَّعَى الْوَلَدَ فَلَيْسَ بِوَلَدِهِ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، وَلِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَوْ لَحِقَ بِادِّعَاءِ الزاني إياه لَلَحِقَ بِهِ إِذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا، وَإِنْ لَمْ يدعيه كولد الموطؤة يشبه في إِجْمَاعِهِمْ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِالزِّنَا دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ مَعَ ادِّعَائِهِ لَهُ ولأنه لو لحق بِالِاعْتِرَافِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاعْتِرَافُ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الِاعْتِرَافَ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اعْتَرَفَ بِهِ لَمْ يَلْحَقْهُ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَلِيطُ أَوْلَادَ الْبَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِآبَائِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ أَنَّ ذلك منه فِي عِهَارِ الْبَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دُونَ عِهَارِ

(8/162)


الْإِسْلَامِ، وَالْعِهَارُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَخَفُّ حُكْمًا مِنَ الْعِهَارِ فِي الْإِسْلَامِ، فَصَارَتِ الشُّبْهَةُ لَاحِقَةً بِهِ وَمَعَ الشُّبْهَةِ يَجُوزُ لُحُوقُ الْوَلَدِ، وَخَالَفَ حُكْمَهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ.
وَأَمَّا ولد الملاعنة مخالف لِوَلَدِ الزِّنَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ لَمَّا كَانَ لَاحِقًا بِالْوَاطِئِ قَبْلَ اللِّعَانِ جَازَ أَنْ يَصِيرَ لَاحِقًا بِهِ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ؛ لِأَنَّ الأصل فيه اللحوق والبغاء طَارِئٌ وَوَلَدُ الزِّنَا لَمْ يَكُنْ لَاحِقًا بِهِ فِي حَالٍ فَيَرْجِعُ حُكْمُهُ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ إِلَى تلك الحال.

(8/163)


باب ميراث المجوس
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " إذا مات المجوسي وَبِنْتُهُ امْرَأَتُهُ أَوْ أُخْتُهُ أُمُّهُ نَظَرْنَا إِلَى أعظم السببين فورثناها به وألقينا الْآخَرَ وَأَعْظَمُهُمَا أَثْبَتُهُمَا بِكُلِّ حَالٍ فَإِذَا كَانَتْ أم أختا ورثناها بأنها أم وذلك لِأَنَّ الْأُمَّ تَثْبُتُ فِي كُلِّ حَالٍ وَالْأُخْتُ قد تزول وهكذا جميع فرائضهم على هذه المسألة (وقال) بعض الناس أورثها من الوجهين معا قلنا فإذا كان معها أخت وهي أم؟ (قال) أحجبها من الثلث بأن معها أختين وأورثها من وجه آخر بإنها أخت (قلنا) أوليس إنما حجبها الله تعالى بغيرها لا بنفسها؟ (قال) بلى قلنا وغيرها خلافها؟ قال: نعم قلنا فإذا نقصتها بنفسها فهذا خلاف ما نقصها الله تعالى به أورأيت ما إذا كانت أما على الكمال كيف يجوز أن تعطيها ببعضها دون الكمال؟ تعطيها أما كاملة وأختا كاملة وهما بدنان وهذا بدن واحد؟ قال: فقد عطلت أحد الحقين. قلنا لما لم يكن سبيل إلى استعمالهما معا إلا بخلاف الكتاب والمعقول، لم يجز إلا تعطيل أصغرهما لأكبرهما ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ فَأَوْلَدَهَا ابْنًا كَانَ الْوَلَدُ مِنْهَا ابْنَهَا وَابْنَ ابْنِهَا وَكَانَتْ لَهُ أُمًّا وَجَدَّةَ أُمّ أَبٍ، وَكَانَ للأب ابنا أخا لأم كان الْأَبُ لَهُ أَبًا وَأَخًا لِأُمٍّ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ المجوسي بنته فأولدها ابنا فكان الْوَلَدُ مِنْهُ ابْنًا وَابْنَ بِنْتٍ وَكَانَ الْأَبُ أبا وجدا أب أُمٍّ وَكَانَ الِابْنُ لِلْبِنْتِ ابْنًا وَأَخًا لِأَبٍ وَكَانَتْ لَهُ أُمًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُخْتَهُ فَأَوْلَدَهَا ابْنًا كَانَ الْأَبُ أَبَاهُ وَخَالَهُ، وَكَانَ الِابْنُ لَهُ ابْنًا وَابْنَ أُخْتٍ، وَكَانَ لِلْأُخْتِ ابْنًا وَابْنَ أَخٍ، وَكَانَتْ لَهُ أما وعمة، وقد تتفق هاتان المسألتان في وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي المجوسي وَقَدْ أَسْلَمُوا أَوْ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا فِي مَوَارِيثِهِمْ أَوْ كَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَعَ الشُّبْهَةِ فَإِنِ اجْتَمَعَ فِيهِ عَقْدُ نِكَاحٍ وَقَرَابَةٌ سَقَطَ التَّوْرِيثُ بِالنِّكَاحِ لِفَسَادِهِ وَتَوَارَثُوا بِالْقَرَابَةِ الْمُفْرَدَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنِ اجْتَمَعَ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ قَرَابَتَانِ بِنَسَبٍ تُوجِبُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْمِيرَاثَ فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا تُسْقِطُ الْأُخْرَى كَأُمٍّ هِيَ جَدَّةٌ أَوْ بنت هي أخت لأم، ورثت بابنتها وألغيت المحجوبة منهما إجماعا، وإن كان إِحْدَاهُمَا لَا تُسْقِطُ الْأُخْرَى كَأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ أَوْ أُخْتٌ هِيَ بِنْتٌ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ تُورَثُ بِالْقَرَابَتَيْنِ مَعًا أَمْ لَا فَقَالَ أبو حنيفة أَوَرِّثُهَا بِالْقَرَابَتَيْنِ مَعًا وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ

(8/164)


عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٌ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أُوَرِّثُهَا بِأَثْبَتِ الْقَرَابَتَيْنِ، وَأُسْقِطُ الْأُخْرَى، وَلَا أَجْمَعُ لَهَا بَيْنَ الْمِيرَاثَيْنِ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَحَمَّادٌ وَاسْتَدَلَّ مَنْ وَرَّثَ بها بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى التَّوْرِيثِ بِالْقَرَابَاتِ، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا " فَلَمْ يَجُزْ مَعَ النَّصِّ إِسْقَاطُ بَعْضِهَا.
قَالُوا: وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَ السَّبَبَيْنِ مِنْ أسباب الإرث عند انفصالها لَا يَمْنَعُ مِنِ اجْتِمَاعِ الْإِرْثِ بِهِمَا كَابْنَيِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَخًا لِأُمٍّ.
قَالُوا: لأن اجْتِمَاعَ الْقَرَابَتَيْنِ يُفِيدُ فِي الشَّرْعِ أَحَدَ أَمْرَيْنِ إما التقديم كأخ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَإِمَّا التَّفْضِيلُ كَابْنَيِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَخًا لِأُمٍّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اجْتِمَاعُهُمَا لَغْوًا لَا يُفِيدُ تَقْدِيمًا وَلَا تَفْضِيلًا لِمَا فِيهِ مِنْ هَدْمِ الْأُصُولِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِي الْمَوَارِيثِ وَلِذَلِكَ لَمَّ يَجُزِ الِاقْتِصَارُ عَلَى إِحْدَى الْقَرَابَتَيْنِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] فَلَمْ يَزِدِ اللَّهُ تَعَالَى الْبِنْتَ عَلَى النِّصْفِ وَهُمْ يَجْعَلُونَ لِلْبِنْتِ إِذَا كَانَتْ بِنْتَ ابْنٍ النِّصْفَ وَالسُّدُسَ، وَالنَّصُّ يَدْفَعُ هَذَا، وَلِأَنَّ الشَّخْصَ الواحد لا يجتمع لَهُ فَرْضَانِ مُقَدَّرَانِ مِنْ مَيِّتٍ وَاحِدٍ كَالْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَا تَأْخُذُ النِّصْفَ بِأَنَّهَا أُخْتٌ لِأَبٍ وَالسُّدُسَ بِأَنَّهَا أُخْتٌ لِأُمٍّ وَلِأَنَّ كُلَّ نسب أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ التَّوَارُثَ جَعَلَ إِلَيْهِ طَرِيقًا كَالْبُنُوَّةِ وَالْمُصَاهَرَةِ فَلَمَّا لَمْ يَجْعَلْ إِلَى اجْتِمَاعِ هَاتَيْنِ الْقَرَابَتَيْنِ وَجْهًا مُبَاحًا دَلَّ عَلَى أنه لم يرد اجتماع التوارث منهما وَقَدْ يَتَحَرَّرُ مِنْهُ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي بَدَنٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجْتَمِعِ التَّوَارُثُ بِهِمَا كَالْخُنْثَى لَا يَرِثُ بأنه ذكر وأنثى.
وَالثَّانِي: أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ إِذَا حَدَثَ عَنْ مَحْظُورٍ لَمْ يَجُزِ التَّوَارُثُ بِهِ كَالْأُخْتِ إِذَا صَارَتْ زَوْجَةً وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ مَجُوسِيًّا لَوْ ترك أختا وأما هي أخته لم يخل أن تحجب الأم إلى السدس أو لا تحجب، فإن لم تحجب فقد كمل فرض الأم مع الميراث الْأُخْتَيْنِ وَإِنْ حَجَبَتْ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ حَجَبَهَا بِغَيْرِهَا وَهُمْ قَدْ حَجَبُوهَا بِنَفْسِهَا وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِحَجْبِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِ الشَّرْعِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالظَّاهِرِ فَهُوَ حَمْلُ الْمَقْصُودِ بِهَا عَلَى انْفِرَادِ الْأَسْبَابِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ الْمُعْتَادِ دُونَ النادر الشاذ وليس يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ وَمَنَعَ الْعُرْفُ دُونَ مَا جَاءَ الشَّرْعُ بِهِ وَاسْتَقَرَّ الْعُرْفُ عَلَيْهِ وَقُرَابَاتُ الْمَجُوسِ الْحَادِثَةِ عَنْ مَنَاكِحِهِمْ لَمْ يَرِدْ بِهَا شَرْعٌ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهَا عُرْفٌ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى ابْنَيْ أَحَدِهِمَا أَخٌ لِأُمٍّ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَبَاحَهُ وَالْعُرْفَ اسْتَمَرَّ فِيهِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْقَرَابَتَيْنِ يُفِيدُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ مِنْ تَقْدِيمٍ أَوْ تَفْضِيلٍ ففاسد

(8/165)


بالأخت من الأب والأم مع الزوج يأخذ النِّصْفَ الَّذِي تَأْخُذُهُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ عَلَى أَنَّ جَمْعَهَا بَيْنَ الْقَرَابَتَيْنِ يَمْنَعُ مِنْ مُسَاوَاةِ الْأَمْرَيْنِ.

فصل:
فإذا ثبت توريث ذي القرابتين من المجوس أو من وطء الشبهة بِأَقْوَاهُمَا، نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا تُسْقِطُ الْأُخْرَى فَالْمُسْقِطَةُ هِيَ الْأَقْوَى وَالتَّوْرِيثُ بِهَا أَحَقُّ، وَإِنْ كانت إحداهما لا تسقط الأخرى فالتوارث يَكُونُ بِأَقْوَاهُمَا وَاجْتِمَاعِ الْقَرَابَتَيْنِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ التَّوَارُثُ بكل واحدة منها فِي مَنَاكَحِ الْمَجُوسِ يَكُونُ فِي سِتِّ مَسَائِلَ:
أحدهما: أَبٌ هُوَ أَخٌ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا أخا لأم فهذا يرث لكونه أَبًا، لِأَنَّ الْأَخَ يَسْقُطُ مَعَ الْأَبِ.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ابْنٌ هُوَ ابْنُ ابْنٍ فَهَذَا يَرِثُ بأنه ابن.
والثالثة: بَنْتٌ هِيَ بِنْتُ ابْنٍ فَهَذِهِ تَرِثُ بِأَنَّهَا بِنْتٌ.
وَالرَّابِعَةُ: أُمٌّ هِيَ أُخْتٌ وَهَذِهِ لَا تَكُونُ إِلَّا أُخْتًا لِأَبٍ فَتَرِثُ بِأَنَّهَا أُمٌّ، لِأَنَّ مِيرَاثَ الْأُمِّ أَقْوَى مِنْ مِيرَاثِ الْأُخْتِ لِأَنَّهَا تَرِثُ مَعَ الْأَبِ، وَالِابْنِ وَالْأُخْتُ تَسْقُطُ مَعَهُمَا.
وَالْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ فَإِنْ كان الميت رجلا فهي أخت لأب، [وإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَهِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ] فَتَرِثُ بِأَنَّهَا بِنْتٌ.
وَالْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: جَدَّةٌ هِيَ أُخْتٌ فَإِنْ كَانَتِ الْجَدَّةُ أُمَّ الْأُمِّ فَإِنَّ الْأُخْتَ لا تكون إلا الأم وَلَا يَخْلُو حَالُ مَنْ وُجِدَ مِنْ وَرَثَةِ الميت في هذه المسألة أَنْ يُورَثَ مَعَهُمْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ القرابتين أم لا، فإن كانوا ممن يرث مَعَهُمُ الْأُخْتُ وَالْجَدَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تَرِثُ هَذِهِ بِأَنَّهَا جَدَّةٌ أَمْ بِأَنَّهَا أُخْتٌ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَرِثُ بِأَنَّهَا جَدَّةٌ؛ لِأَنَّ الْجَدَّةَ تَرِثُ مَعَ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأُخْتُ تَسْقُطُ مَعَ الْأَبِ وَالِابْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أنها تَرِثُ بأنها أخت لِأَنَّ مِيرَاثَ الْجَدَّةِ طُعْمَةٌ وَمِيرَاثَ الْأُخْتِ نَصٌّ وَلِأَنَّ فَرْضَ الْجَدَّةِ لَا يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْجَدَّاتِ وَفَرْضَ الْأُخْتِ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْأَخَوَاتِ، وَلِأَنَّ الْأَخَوَاتِ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ تَارَةً، وَبِالتَّعْصِيبِ أُخْرَى، وَالْجَدَّاتِ لَا يرثن إلا بالفرض فلهذه المعاني الثلاث صَارَتِ الْأُخْتُ أَقْوَى مِنَ الْجَدَّةِ.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ مِمَّنْ يُورَثُ مَعَهُمْ بِإِحْدَى هَاتَيْنِ الْقَرَابَتَيْنِ فَهَذَا يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ التَّوَارُثُ مَعَهُمْ يَكُونُ بِالَّتِي جَعَلْنَاهَا أَقْوَى الْقَرَابَتَيْنِ مِثْلَ أَنْ يَغْلِبَ تَوْرِيثُهَا بِأَنَّهَا جَدَّةٌ وَهُمْ مِمَّنْ تَرِثُ مَعَهُمُ الْجَدَّةُ دُونَ الْأُخْتِ أَوْ يَغْلِبُ تَوْرِيثُهَا بِأَنَّهَا أُخْتٌ وَهُمْ مِمَّنْ تَرِثُ مَعَهُمُ الْأُخْتُ دُونَ الْجَدَّةِ فَهَذِهِ تَرِثُ مَعَهُمْ بِالْقَرَابَةِ الَّتِي غَلَبْنَاهَا وَجَعَلْنَاهَا أَقْوَى وَإِنْ كَانَ التَّوَارُثُ مَعَهُمْ بالقرابة

(8/166)


الَّتِي جَعَلْنَاهَا أَضْعَفَ مِثْلَ أَنْ يَغْلِبَ تَوْرِيثُهَا بِأَنَّهَا جَدَّةٌ وَهُمْ مِمَّنْ تَرِثُ مَعَهُمُ الْأُخْتُ دُونَ الْجَدَّةِ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ أَوْ يَغْلِبُ تَوْرِيثُهَا بِأَنَّهَا أُخْتٌ وَهُمْ مِمَّنْ تَرِثُ مَعَهُمُ الْجَدَّةُ دُونَ الْأُخْتِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تُورَثُ مَعَهُمْ بِالْقَرَابَةِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ مَعَهُمْ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْأُخْرَى إِنْ لَمْ تَزِدْهَا خَيْرًا لَمْ تَزِدْهَا شَرًّا، وَلَا يُرَاعَى حُكْمُ الأقوى في هذا الموضع كالمشاركة.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَسْقُطُ تَوْرِيثُهَا بِأَضْعَفِهِمَا إِذَا لَمْ تَرِثْ بِالْأَقْوَى؛ لِأَنَّ أَقْوَاهُمَا قَدْ أَسْقَطَ حُكْمَ أَضْعَفِهِمَا حَتَّى كَانَ الْإِدْلَاءُ بِالْأَضْعَفِ مَعْدُومًا والله أعلم بالصواب.

(8/167)


باب ميراث الخنثى
مسألة:
قال الشافعي: الْخُنْثَى هُوَ الَّذِي لَهُ ذَكَرٌ كَالرِّجَالِ وَفَرْجٌ كَالنِّسَاءِ أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ ذَكَرٌ وَلَا فرج ويكون له ثُقْبٌ يَبُولُ مِنْهُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُشْكَلُ الْحَالِ فَلَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ فَالْحُكْمُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بَوْلُهُ مِنْ ذَكَرِهِ فَهُوَ ذَكَرٌ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الذُّكُورِ فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ الْفَرْجُ عُضْوًا زَائِدًا وَإِنْ كَانَ بَوْلُهُ مِنْ فرجه فهو أنثى يجري عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِنَاثِ فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ الْذكر عُضْوًا زَائِدًا لِرِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَمَا لِلنِّسَاءِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُورَثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشام مات فترك أَوْلَادًا رِجَالًا وَنِسَاءً فِيهِمْ خُنْثَى فَسَأَلُوا مُعَاوِيَةَ فقال ما أدري اتئوا عَلِيًّا بِالْعِرَاقِ قَالَ: فَأَتَوْهُ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: مَنْ أَرْسَلَكُمْ، فَقَالُوا: مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: يَرْضَى بِحُكْمِنَا وَيَنْقِمُ عَلَيْنَا بَوِّلُوهُ فَمِنْ أَيِّهِمَا بَالَ فَوَرِّثُوهُ.
فَإِنْ بال منهما فقد اختلف الناس منه فَقَالَ أبو حنيفة وَصَاحِبَاهُ: أَعْتَبِرُ أَسْبَقَهُمَا وَأَجْعَلُ الحكم له قال أبو الحسن بْنُ اللَّبَّانِ الْفَرْضِيُّ: وَقَدْ حَكَاهُ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ أَرَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمُزَنِيِّ، وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ حِكَايَةً عَنْ غَيْرِهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ، وَمَذْهَبُهُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِأَسْبَقِهِمَا، وَلَوِ اعْتَبَرَ السَّبْقَ كَمَا قَالُوا لَاعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ كَمَا قَالَ أبو يوسف وَقَدْ قَالَ أبو حنيفة لأبي يوسف حِينَ قَالَ أُرَاعِي أَكْثَرَهُمَا أَفَتكيلُهُ؟ وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْخُنْثَى إِذَا أَشْكَلَ حَالُهُ اعْتُبِرَتْ أَضْلَاعُهُ فَإِنَّ أضلاع الرجال ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَأَضْلَاعَ الْمَرْأَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ وَهَذَا لا أصل له لإجماعهم على تقديم المال على غيره فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ.

فَصْلٌ:
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ خُرُوجَ الْبَوْلِ مِنْهُمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُشْكِلًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِيرَاثِهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يعطي الخنثى أقل نصيبه مِنْ مِيرَاثِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَتُعْطى الْوَرَثَةُ المشاركون له أقل ما يصيبهم من ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَيُوقِفُ الْبَاقِي حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ أبو حنيفة أُعْطِيهِ أَقَلَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ مِيرَاثِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَأُقَسِّمُ الْبَاقِيَ بَيْنَ الورثة، ولا أوقف شَيْئًا، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْخُنْثَى فَقَالَ لَا أعرفه إما ذكرا أَوْ أُنْثَى، وَرُوِيَ عَنْهُ

(8/168)


أَنَّهُ جَعَلَهُ ذَكَرًا، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ نِصْفَ مِيرَاثِ ذَكَرٍ وَنِصْفَ مِيرَاثِ أُنْثَى، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْأَخِيرُ مِنْ قَوْلِ أبي يوسف.
فَإِنْ تَرَكَ خنثيين: قال أبو يوسف إن لهما حَالَيْنِ حَالًا يَكُونَانِ ذَكَرَيْنِ وَحَالًا يَكُونَانِ أُنْثَيَيْنِ وأعطيه نِصْفَ الْأَمْرَيْنِ، وَهَكَذَا يَقُولُ فِي الثَّلَاثَةِ وَمَا زَادُوا، وَقَالَ محمد بن الحسن: أُنَزِّلُ الْخُنْثَيَيْنِ أربعة أَحْوَالٍ: ذَكَرَيْنِ وَأُنْثَيَيْنِ وَالْأَكْبَرُ ذَكَر وَالْأَصْغَرُ أُنْثَى، أو الأكبر أنثى والأصغر ذكرا، وأنزل الثلاثة ثمانية أحوال والأربعة ستة عشر حالا، والخمسة اثنين وَثَلَاثِينَ حَالًا.
وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ دَفْعِ الْأَقَلِّ إِلَيْهِ وَدَفْعِ الْأَقَلِّ إِلَى شُرَكَائِهِ، وَإِيقَافِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ أَوْلَى لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمِيرَاثَ لا يستحق إلا بالتعيين دون الشك وما قاله الشافعي يعين وَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ شَكٌّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَائِرُ أَحْكَامِهِ سِوَى الْمِيرَاثِ لَا يُعْمَلُ فِيهَا إِلَّا عَلَى الْيَقِينِ، فَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ ابْنًا وَوَلَدًا خُنْثَى فعلى قول الشافعي للابن النصف إن كان خنثى رجلا، وللخنثى الثلث كأنه أنثى ويوقفوا السُّدُسَ فَإِنْ بَانَ ذَكَرًا رُدَّ عَلَى الْخُنْثَى، وَإِنْ بَانَ أُنْثَى رُدَّ عَلَى الِابْنِ، وَعَلَى مَذْهَبِ أبي حنيفة يَكُونُ لِلْخُنْثَى الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَلَا يُوقَفُ شَيْءٌ، وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف ومحمد وَمَنْ قَالَ بِتَنْزِيلِ الْأَحْوَالِ لَوْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا كَانَ لَهُ النِّصْفُ وَلَوْ كَانَ أُنْثَى كَانَ لَهُ الثُّلُثُ فَصَارَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ خَمْسَةَ أَسْدَاسٍ، فَكَانَ لَهُ فِي إحداهما أنثى سُدُسَانِ وَنِصْفٌ وَلِلِابْنِ لَوْ كَانَ الْخُنْثَى أُنْثَى الثلثان، ولو كان ذكرا النِّصْفُ فَصَارَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ سَبْعَةَ أَسْدَاسٍ فَكَانَ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا نِصْفٌ وَنِصْفُ سُدُسٍ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ لِلِابْنِ سَبْعَةٌ وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ.
وَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَتَرَكَ وَلَدًا خُنْثَى وَعَمًّا، فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِلْبِنْتِ الثُّلُثِ وللخنثى الثلث، لأنه أقل وَالثُّلُثُ الْبَاقِي مَوْقُوفٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى الْعَمِّ فَإِنْ بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا رُدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَانَ أُنْثَى دُفِعَ إِلَى الْعَمِّ.
وَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة يُدْفَعُ الثُّلُثُ الْبَاقِي إِلَى الْعَمِّ، وَلَا يُوقَفُ.
وَعَلَى قَوْلِ مَنْ نَزَّلَ حَالَيْنِ قَالَ لِلْبِنْتِ الثُّلُثُ فِي الْحَالَيْنِ فَيُدْفَعُ إِلَيْهَا، وللخنثى السدس إِنْ كَانَ ذَكَرًا الثُّلُثَانِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى الثلث، فصار له في الحالتين الكل، وكان له في أحدهما النِّصْفُ، فَيَأْخُذُهُ وَلِلْعَمِّ إِنْ كَانَ الْخُنْثَى أُنْثَى الثُّلُثُ وَلَيْسَ لَهُ إِنْ كَانَ ذَكَرًا شَيْءٌ، فَصَارَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ الثُّلُثُ، فَكَانَ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا السُّدُسُ، وَيُقَسَّمُ مِنْ سِتَّةٍ لِلْبِنْتِ سَهْمَانِ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْعَمِّ سَهْمٌ، وَلَوْ ترك ابنا وبنتا وخنثى فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ هُوَ مِنْ عِشْرِينَ سَهْمًا؛ لأن الخنثى إن كان ذكرا فهو مِنْ خَمْسَةٍ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَمِنْ أَرْبَعَةٍ، فصار مجموع الْفَرِيضَتَيْنِ مِنْ عِشْرِينَ، وَهُوَ مَضْرُوبٌ خَمْسَةً فِي أَرْبَعَةٍ، لِلِابْنِ الْخُمُسَانِ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ،

(8/169)


وَلِلْبِنْتِ الْخَمُسُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْخُنْثَى الرُّبُعُ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَيُوقَفُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ بَانَ الْخُنْثَى رُدَّ عَلَيْهِ فَصَارَ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ كَالِابْنِ، وإن كان أُنْثَى رُدَّ مِنْهَا عَلَى الِابْنِ سَهْمَانِ، وَعَلَى الْبِنْتِ سَهْمٌ.
وَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة هِيَ من أربعة أسهم لِلِابْنِ سَهْمَانِ وَلِلْبِنْتِ سَهْمٌ وَلِلْخُنْثَى سَهْمٌ وَلَا يُوقَفُ شَيْءٌ.
وَعَلَى قَوْلِ مَنْ نَزَّلَ حَالَيْنِ يَقُولُ هِيَ مِنْ عِشْرِينَ لِلِابْنِ إِنْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا ثَمَانِيَةٌ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى عَشَرَةٌ فَصَارَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، فَكَانَ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا تِسْعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْبِنْتِ إِنْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا أَرْبَعَةٌ وَإِنْ كَانَ أنثى خمسة فصار له في الحالين تسعة فكان له فِي إِحْدَاهُمَا أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ وَلِلْخُنْثَى إِنْ كَانَ ذَكَرًا ثَمَانِيَةٌ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى خَمْسَةٌ، فَصَارَ له في الحالين ثلاثة عشر فَكَانَ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا سِتَّةٌ وَنِصْفٌ وَتَصِحُّ من أربعين لنزول الكسر فلو ترك ولدا خنثى ولد ابن خنثى وعم فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِلْوَلَدِ النِّصْفُ وَيُوقِفُ السُّدُسَ بين الابن وابن الابن والخنثيين لِأَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا وَيُوقِفُ الثُّلُثَ بَيْنَ الْعَمِّ وَالْخُنْثَيَيْنِ.
وَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة لِلْوَلَدِ النِّصْفُ وَلِوَلَدِ الِابْنِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ.
وَعَلَى قَوْلِ مَنْ نَزَّلَ حَالَيْنِ يَقُولُ إِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ فَالْمَالُ للولد، وإن كانا أنثيين فللولد النصف ولولد الِابْنِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ، فَيَأْخُذُ الْوَلَدُ نِصْفَ الْحَالَيْنِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَيَأْخُذُ وَلَدُ الِابْنِ نِصْفَ الْحَالَيْنِ وَهُوَ نِصْفُ السُّدُسِ وَيَأْخُذُ الْعَمُّ نِصْفَ الْحَالَيْنِ وَهُوَ السُّدُسُ.
وَعَلَى قَوْلِ من ينزل بجميع الأحوال ينزلها أربعة أَحْوَالٍ فَيَقُولُ إِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ فَالْمَالُ لِلْوَلَدِ وإن كانا أنثيين فللولد النصف ولولد الابن السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا وولد الابن أنثى، فالمال للولد وإن كانا الْوَلَدُ أُنْثَى وَوَلَدُ الِابْنِ ذَكَرًا فَلِلْوَلَدِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لَوَلَدِ الِابْنِ، فَصَارَ لِلْوَلَدِ فِي الْأَرْبَعَةِ الأحوال ثلاثة أموال فكان له في كل حالة رُبُعُهَا وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَالٍ، وَلِوَلَدِ الِابْنِ في الأربعة الأحوال ثلث الْمَالِ فَكَانَ لَهُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ رُبُعُ ذَلِكَ وَهُوَ نصف السُّدُس ثُمَّ عَلَى قِيَاسِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

فَصْلٌ: فِي مِيرَاثِ الْحَمْلِ
إِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ حَمْلًا يَرِثُهُ، نُظِرَ حَال وَرَثَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ يَحْجُبُهُمْ فَلَا مِيرَاثَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْجُبُهُمْ وَلَكِنْ يُشَارِكُهُمْ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَدْرِ مَا يُوقَفُ لِلْحَمْلِ فَحُكِيَ عَنْ أبي يوسف أنه يوقف للحمل نصيب غلام، ويؤخذ منه للورثة ضَمِينٌ وَحُكِيَ عَنْ محمد بن الحسن أَنَّهُ يوقف له نصيب أنثى وحكي عن أبي حنيفة أنه يوقف له نَصِيبُ أَرْبَعَةٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مَنْ وَجَدَ مِنْ حمل واحد وروى يحيى بن آدم فقال سألت شريكا فقال يوقف نصيبا أربعة فإني قد رأيت بني ابن إِسْمَاعِيلَ أَرْبَعَةً وُلِدُوا فِي بَطْنٍ مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَعُمَرُ قَالَ يَحْيَى وَأَظُنُّ الرَّابِعَ إِسْمَاعِيلَ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُوقَفُ

(8/170)


سَهْمُ مَنْ يُشَارِكُ الْحَمْلَ فِي مِيرَاثِهِ حَتَّى يُوضَعَ فَيَتَبَيَّنَ حُكْمُهُ، وَلَا يُدْفَعُ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ إذا لم يتقدر أقل من فرضهم، لِأَنَّ عَدَدَ الْحَمْلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ عَلَى الْيَقِينِ وَالْمِيرَاثُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّكِّ، وَلَا بِالْغَالِبِ الْمَعْهُودِ، وليس لما ذكروه من تقدير بِالْوَاحِدِ أَوْ بِالِاثْنَيْنِ أَوْ بِالْأَرْبَعَةِ وَجْهٌ لِجَوَازِ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ وَقَدْ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ وَرَدَ عَلَيَّ مِنَ الْيَمَنِ طَالِبًا لِلْعِلْمِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ أَنَّ امْرَأَةً بِالْيَمَنِ وضعت حملا كالكرشي وَظَنَّ أن لَا وَلَدَ فِيهِ فَأُلْقِيَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَلَمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَحَمَى بِهَا تَحَرَّكَ فَأَخَذَ وَشَقَّ فَخَرَجَ مِنْهُ سَبْعَةُ أولاد ذكورا عَاشُوا جَمِيعًا، وَكَانُوا خُلُقًا سَوِيًّا إِلَّا أَنَّهُ قال فِي أَعْضَائِهِمْ قَصْرٌ قَالَ: وَصَارَعَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ فَصَرَعَنِي فَكُنْتُ أُعَيَّرُ بِالْيَمَنِ، فَيُقَالُ لِي: صَرَعَكَ سُبُعُ رَجُلٍ وَإِذَا كَانَ هَذَا مُجَوَّزًا، وَإِنْ كَانَ نَادِرًا جَازَتِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ ابْنًا وَزَوْجَةً حَامِلًا فَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ لَا يَنْقُصُهَا الْحَمْلُ مِنْهُ، وَلَا يَدْفَعُهَا عَنْهُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِابْنِ فَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف لَهُ النِّصْفُ، وَيُوقَفُ النِّصْفُ وَعَلَى قَوْلِ محمد بن الحسن لَهُ الثُّلُثُ وَيُوقَفُ الثُّلُثَانِ وَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة لَهُ الْخَمُسُ وَتُوقَفُ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يُوقَفُ الْجَمِيعُ حَتَّى يُوضَعَ الْحَمْلُ وَلَوْ تَرَكَتِ الأم زوجا وابن عم وأما حاملا، وطلبت الورثة أنصبائهم نُظِرَ فِي حَمْلِ الْأُمِّ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غير أب أعطى الزوج النصف والأم السدس؛ لأنها ما تَلِدُ اثْنَيْنِ فَيَحْجُبَانِهَا وَيُوقَفُ الثُّلُثُ فَإِنْ وَلَدَتِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ دُفِعَ الثُّلُثُ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ وَلَدَتْ واحدا دفع إليه السدس ورد السدس الباقي على الأم لتستكمل الثلث فإن وضعت ميتا كمل للأب الثُّلُثَ وَدُفِعَ السُّدُسُ إِلَى ابْنِ الْعَمِّ وَيَنْبَغِي لِزَوْجِ الْأُمِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يمسك عن وطئها ليعلم تَقَدُّمَ حَمْلِهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَوَطِئَهَا نُظِرَ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حين الوفاة كان الولد وارثا لِتَقَدُّمِ الْعُلُوقِ بِهِ عَلَى الْوَفَاةِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لستة أشهر فأكثر لم ترث لِإِمْكَانِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ إِلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَرَثَةُ بِتَقَدُّمِهِ فَيَرِثُ هَذَا إِذَا كَانَ حَمْلُهَا مِنْ غَيْرِ الْأَبِ.
فَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْأُمُّ حَامِلًا مِنْ أَبِي الْمَيِّتَةِ دُفِعَ إِلَى الزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الْمَالِ وَإِلَى الْأُمِّ الثُّمُنُ وَوُقِفَ أربعة أثمانه؛ لأنها قد تلد بنتين فيكونا أُخْتَيْنِ مِنْ أَبٍ فَتَعُولُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ، فَإِنْ وضعت اثنين بنين أخذ الْمَوْقُوفَ وَإِنْ وَضَعَتْ بِنْتًا وَاحِدَةً دُفِعَ إِلَيْهَا من الموقوف بثلاثة أَثْمَانِ الْمَالِ وَرُدَّ الثُّمُنُ الْبَاقِي عَلَى الْأُمِّ، وَإِنْ وَضَعَتِ ابْنًا كُمِّلَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَدُفِعَ الْبَاقِي إِلَى الِابْنِ.
وَإِنْ وَضَعَتِ ابنتين كُمِّلَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَدُفِعَ الْبَاقِي إلى الابنتين.
وَلَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَزَوْجَةَ أَبٍ حَامِلًا مِنْهُ أُعْطِيَ الزَّوْجُ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ الْمَالِ وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ وَوُقِفَ السُّبُعُ الْبَاقِي فَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا لَمْ يَرِثْ وَلَمْ تَرِثْ أُخْتُهُ وَرُدَّ السُّبُعُ الْمَوْقُوفُ عَلَى الزَّوْجِ وَالْأُخْتِ نِصْفَيْنِ فَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى أَوْ إِنَاثًا دُفِعَ السُّبُعُ الْمَوْقُوفُ إِلَى الْمَوْلُودَةِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ لِأَبٍ وَاللَّهُ أعلم بالصواب.

فصل: باب فِي الِاسْتِهْلَالِ
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا رَكَضَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ

(8/171)


ركضته إلا عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام ثُمَّ قَرَأَ {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36] فَمَتَى اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صَارِخًا فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَرِثُ ويورث.
روى محمد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: إِنِ اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَرِثَ وَالِاسْتِهْلَالُ هُوَ الصُّرَاخُ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: إِهْلَالُ الحج لرفع الصوت فيه بالتلبية، وسمي الْهِلَالُ هِلَالًا لِاسْتِهْلَالِ النَّاسِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ رُؤْيَتِهِ.
فَأَمَّا مَا سِوَى الِاسْتِهْلَالِ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَحُكِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ لَا يَرِثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا وَلَا يَقُومُ غَيْرُ الِاسْتِهْلَالِ مَقَامَ الِاسْتِهْلَالِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: الْعُطَاسُ اسْتِهْلَالٌ ويورث بِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَقَالَ القاسم بن محمد البكاء وَالْعُطَاسُ اسْتِهْلَالٌ وَيَرِثُ بِالثَّلَاثَةِ لَا غَيْرَ.
وَقَالَ الشافعي وأبو حنيفة والصحابة بِأَيِّ وَجْهٍ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ مِنْ حَرَكَةٍ أَوْ صياح أو بكاء أو عطاس ورث وورث؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ عِلَّةُ الْمِيرَاثِ فَبِأَيِّ وَجْهٍ عُلِمَتْ فَقَدْ وَجُدِتْ، وَوُجُودُهَا مُوجِبٌ لِتَعَلُّقِ الْإِرْثِ بِهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا إِذَا اسْتَهَلَّ قَبْلَ انْفِصَالِهِ ثُمَّ خَرَجَ مَيِّتًا فَقَالَ أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ إِذَا اسْتَهَلَّ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ وَرِثَ وَوُرِثَ وَإِنْ خَرَجَ بَاقِيهِ مَيِّتًا، وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرِثُ إِلَّا أَنْ يَسْتَهِلَّ بَعْدَ انْفِصَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَمْلِ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي بِهِ وزكاة الفطر لا تجب عليه إِلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ، وَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَمَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ وَزَوْجَةً حَامِلًا فَوُلِدَت ابْنًا وَبِنْتًا فَاسْتَهَلَّ الِابْنُ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ اسْتَهَلَّتِ الْبِنْتُ بَعْدَهُ ثُمَّ مَاتَتْ فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ ثَمَانِيَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهَا زَوْجَةً وثلاثة بنين وبنت ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ الْمُسْتَهِلُّ عَنْ سَهْمَيْنِ مِنْهَا.
والمسألة مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وَأَخَوَيْنِ وَأُخْتًا فَعَادَتِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى بِالِاخْتِصَارِ إِلَى سِتَّةٍ؛ لِأَنَّ الباقي سِتَّةٌ ثُمَّ مَاتَتِ الْبِنْتُ الْمُسْتَهِلَّةُ عَنْ سَهْمٍ مِنْهَا وَمَسْأَلَتُهَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وَأَخَوَيْنِ فَاضْرِبْهَا فِي السِّتَّةِ الَّتِي رَجَعَتِ المسألة إليها يكن اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسَائِلُ فَمَنْ كَانَ له شيء من اثني عشر أخذه مَضْرُوبٌ لَهُ فِي وَاحِدٍ، وَمَنْ كَانَ لَهُ شيء من ستة فهو مَضْرُوبٌ لَهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ، فَلَوْ كَانَتِ الْبِنْتُ هِيَ الْمُسْتَهِلَّةُ أَوَّلًا وَمَاتَتْ ثُمَّ اسْتَهَلَّ الِابْنُ بَعْدَهَا وَمَاتَ فَقَدْ مَاتَتِ الْبِنْتُ عَنْ سهم من ثمانية ومسئلتها مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وَثَلَاثَةَ إخوة فاضرب الثمانية عشر في الثمانية يكن مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَمِنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي وَاحِدٍ هُوَ تَرِكَةُ الْبِنْتُ الْمُسْتَهِلَّةُ.
فَعَلَى هَذَا كَانَ لِلِابْنِ الْمُسْتَهِلِّ بَعْدَهَا سَهْمَانِ مِنْ ثمانية في ثمانية عشر يكن سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَلَهُ خَمْسَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فِي وَاحِدٍ فَصَارَ مَالُهُ مِنْهَا أَحَدًا وَأَرْبَعِينَ مِنْ مِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا وَمَسْأَلَتُهُ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وأخوين وهي لا توقف تَرِكَتَهُ بِشَيْءٍ فَاضْرِبِ اثْنَيْ عَشَرَ فِي مِائَةٍ وأربعة وأربعين تكن ألفا وسبع مائة وثمانية وعشرين سهما ومنها

(8/172)


يصح لَهُ شَيْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ، فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ أُمًّا وَأَخًا وَأُمَّ وَلَدٍ حَامِلًا مِنْهُ فَوَلَدَتِ ابْنًا وَبِنْتًا تَوْأَمَيْنِ فَاسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا وَوُجِدَا مَيِّتَيْنِ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا كَانَ الْمُسْتَهِلُّ فَالْعَمَلُ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ عَمَلِ الْمُنَاسَخَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ الْمُسْتَهِلَّ قَدْ صَارَ مَوْرُوثًا وَبَيْنَ عَمَلِ مَسَائِلِ المعقود لِاسْتِخْرَاجِ أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ فَنَقُولُ إِنْ كَانَ الِابْنُ هُوَ الْمُسْتَهِلُّ فَلِلِأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا وَمَسْأَلَتُهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وَعَمًّا فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْأُمِّ مِنْهَا سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُنْ ثَلَاثَةً ولأم الولد سهم من ثلاثة في خمس تكن خمسة وللعم سهمين مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي خَمْسَةٍ تَكُنْ عَشَرَةً.
وَإِنْ كَانَتِ الْبِنْتُ هِيَ الْمُسْتَهِلَّةُ فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْأَخِ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ، ثُمَّ مَاتَتِ الْبِنْتُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَمَسْأَلَتُهَا مِنْ ثلاثة لأن فيها أما وعما فينقسم سهامها عليهما الستة تَدْخُلُ فِي الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَهِيَ تُوَافِقُهَا بِالْأَسْدَاسِ، مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي سُدُسِ الْأُخْرَى فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَهُوَ لَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا مِنَ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةً مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَضْرُوبٌ فِي سُدُسِ السِّتَّةِ وَهُوَ وَاحِدٌ تَكُنْ ثَلَاثَةً وَلَهَا مِنَ السِّتَّةِ وَاحِدٌ مَضْرُوبٌ فِي سُدُسِ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ تَكُنْ ثَلَاثَةً فَاسْتَوَى سَهْمُهَا فِي المسألتين فأخذته ولأم الولد الْأُولَى خَمْسَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَضْرُوبَةٌ فِي سُدُسِ السِّتَّةِ وَهُوَ وَاحِدٌ يَكُنْ خَمْسَةً وَلَهَا من الستة سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ مَضْرُوبٌ فِي سُدُسِ الثَّمَانِيَةَ عشر وهو ثلاثة يكن ثلاثة فتعطى ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ، وَلِلْأَخِ مِنَ الْأُولَى عَشَرَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي وَاحِدٍ تَكُنْ عَشَرَةً وَلَهُ مِنَ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مَضْرُوبَةٌ فِي ثلاثة تكن اثني عشر فيعطى عشر أسهم؛ لأنه أقل النصيبين، ويوقف سهمان من الْعَمِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ لِلْأُمِّ ثُمَّ عَلَى قِيَاسِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(8/173)


باب ذوي الأرحام
قال المزني رحمه الله تعالى: " احتجاج الشافعي فيمن يؤول الآية في ذوي الأرحام قال لهم الشافعي لو كان تأويلها كما زعمتم كُنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهَا قَالُوا فَمَا مَعْنَاهَا؟ قُلْنَا تَوَارَثَ النَّاسُ بِالْحِلْفِ وَالنُّصْرَةِ ثُمَّ تَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ والهجرة ثم نسخ الله تبارك وتعالى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: 6] عَلَى مَا فَرَضَ الله لَا مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أن الزَّوْجَ يَأْخُذُ أكثر مما يأخذ ذوو الأرحام ولا رحم له؟ أو لا ترى أنكم تعطون ابن العم المال كله دون الخال وأعطيتم مواليه جميع المال دون الأخوال فتركتم الأرحام وأعطيتم من لا رحم لَهُ؟ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ مَعَ وُجُودِ بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ لَهُمُ الْمِيرَاثَ عِنْدَ عَدَمِهِ لِعُدُولِ بَيْتِ الْمَالِ عَنْ حَقِّهِ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةً وَإِنْ بَعُدَتْ وَلَا ذُو فَرْضٍ بِرَحِمٍ وَلَا مَوْلًى معتق فيصير حينئذ ذوو الْأَرْحَامِ مَعَ وُجُودِ بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ لَهُمُ الميراث مع عدمه وورثته وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَدَدْنَا قَوْلَهُ وَأَوْضَحْنَا فَسَادَهُ وَإِذَا صَحَّ تَوْرِيثُهُمْ فَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَتَفَرَّعُونَ.
وَهُمُ الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ وَأُمُّ أَبِي الْأُمِّ وَالْخَالُ وَأَوْلَادُهُ وَالْخَالَةُ وَأَوْلَادُهَا وَالْعَمَّةُ وَأَوْلَادُهَا وَوَلَدُ الْبَنَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَوَلَدُ الْأَخَوَاتِ وَوَلَدُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمُّ للأم وأولادهم فاختلف مُوَرِّثُوهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ فَذَهَبَ أبو حنيفة وَصَاحِبَاهُ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ إِلَى تَوْرِيثِهِمْ بِالْقَرَابَةِ عَلَى ترتيب العصبات فأولاهم من كان ولد مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ وَإِنْ سَفَلُوا ثُمَّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ وَلَدُ أَبَوَيِ الْأَبَوَيْنِ يَجْعَلُونَ وَلَدَ كُلِّ أَبٍ أَوْ أُمٍّ أَقْرَبَ أَوْلَى مِنْ وَلَدِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ أَبْعَدَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ فِي الْخَالَاتِ المفترقات والعمات المفترقات إذا أَحَقَّهُنَّ مَنْ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَنْ كَانَ لِأَبٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَنْ كَانَ لِأُمٍّ وَذَهَبَ جُمْهُورُ مُوَرِّثِيهِمْ إِلَى التنزيل فيقولون كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَدْلَى بِهِ مِنَ الْوَرَثَةِ مِنْ عَصَبَةٍ أَوْ ذِي فَرْضٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مسعود رضي الله عنهم وعلقمة وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَشَرِيكٍ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ واللؤلؤي وَأَبِي عُبَيْدٍ وَعَنْ أبي يوسف نَحْوُهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَيَجْعَلُونَ وَلَدَ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ بِمَنْزِلَةِ أُمَّهَاتِهِمْ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ بِمَنْزِلَةِ آبَائِهِمْ وَالْأَخْوَالَ وَالْخَالَاتِ وَآبَاءَ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَخَالَ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأُمِّ وَخَالَ الْأَبِ بِمَنْزِلَةٍ أُمِّ الْأَبِ وَالْعَمَّ للأم بمنزلة الأب.

(8/174)


فأما العمات فاختلف المنزلون فيهن فنزلهم عُمَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الأب وهي إحدى الروايتين عن علي عليه السلام وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالرِّوَايَةُ المشهورة عن علي عليه السلام أَنَّهُنَّ بِمَنْزِلَةِ الْعَمِّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَيَحْيَى بن آدم وضرار بن صرد وكأنهم ذَكَّرُوهُنَّ وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ أَنَّهُمْ نَزَّلُوا الْعَمَّةَ مَنْزِلَةَ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَوَلَدَ الْأَخَوَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ وَنُزُولُهَا مَعَ غَيْرِهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَاخْتَلَفَ الْمُنَزِّلُونَ فِي تَوْرِيثِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ فَالْمَعْمُولُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ الجمهور أن أقربهم أولى بِوَارِثٍ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ فَإِنِ اسْتَوَوْا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصِيبَ مَنْ أَدْلَى بِهِ وَذَهَبَ قوم إلى أن كل ذي رحم بنزلة سَبَبِهِ، وَإِنْ بَعُدَ فَوَرَّثُوا الْبَعِيدَ مَعَ الْقَرِيبِ إذا كانا مِنْ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، هَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بن صالح وأبي عبيد ومحمد بن مسلم، وَضِرَارِ بْنِ صُرَدٍ فَإِنْ كَانَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَرَّثُوا الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّنْزِيلِ فِي تَنْزِيلِ وَارِثِ الْأُمِّ مِثْلَ ابْنِ أَخِيهَا وعمها وابن عمها وابن أَبِيهَا وَأُمِّ جَدِّهَا هَلْ يُنَزِّلُونَ فِي أَوَّلِ دَرَجَةٍ بِمَنْزِلَتِهَا وَإِنْ بَعُدُوا مِنْهَا أَوْ يُنَزِّلُونَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى أَنَّهُمْ يُنَزِّلُونَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الأم ثم أجعلها لِوَرَثَتِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى أَنَّهُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا وَلَدَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ مِنَ الْأُمِّ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ مِنَ الأم فإنه يستوي فيه ذكورهم وإناثهم، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَبِالْجُمْهُورِ مِنْ قَوْلِ الْمُنَزِّلِينَ يفتي وعليه يعمل؛ لِأَنَّهُ أَجْرَى عَلَى الْقِيَاسِ مِنْ قَوْلِ أَهْل القرابة فلذلك ذهبنا إليه وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

فَصْلٌ: فِي وَلَدِ الْبَنَاتِ
إِذَا تَرَكَ بِنْتَ بِنْتٍ وَثَلَاثَةَ بَنَاتِ بِنْتٍ ثَانِيَةٍ وَأَرْبَعَ بَنَاتِ بِنْتٍ ثَالِثَةٍ فَالْمَالُ فِي الأصل مقسوم بينهم عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ بِعَدَدٍ مَنْ أَدْلَيْنَ بِهِ مِنَ الْأُمَّهَاتِ ثُمَّ يَجْعَلُ كُلَّ سَهْمٍ لِوَلَدِهَا وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا الثُّلُثُ مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا لِبِنْتِ الْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ وَاثْنَا عَشَرَ سَهْمًا لِثَلَاثِ بَنَاتٍ الْبِنْتُ الثَّانِيَةُ أَثْلَاثًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَاثْنَا عَشَرَ سَهْمًا لِأَرْبَعِ بَنَاتٍ الْبِنْتُ الثَّالِثَةُ أَرْبَاعًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَقَالَ أبو حنيفة: يقسم بينهن على عدد رؤسهم أثمانا لكل واحدة سهم، كما يقسم بَيْنَ الْعَصَبَاتِ عَلَى أَعْدَادِهِمْ وَلَا يُعْتَبَرُ أَعْدَادُ آبَائِهِمْ كَمَا لَوْ تَرَكَ ابْنَ ابْنٍ وَخَمْسَةَ بَنِي ابْنٍ آخَرَ قَسَّمَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ أَسْدَاسًا على أعدادهم ولم يقسم نصفين على أعداد آبَائِهِمْ وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَاتِ يَرِثُونَ بِأَنْفُسِهِمْ فَلِذَلِكَ قَسَّمَ عَلَى عَدَدِهِمْ، وَذَوُو الْأَرْحَامِ يُدْلُونَ بِغَيْرِهِمْ فَقَسَّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ، فَلَوْ تَرَكَ ابْنَ بِنْتٍ مَعَ أُخْتِهِ وَبِنْتَ بِنْتٍ أُخْرَى كَانَ لِبِنْتِ الْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِابْنِ الْبِنْتِ مَعَ أُخْتِهِ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مثل حظ الأنثيين، وتصح من ستة على قَوْلِ أَبِي عَبِيدٍ وَإِسْحَاقَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة الْمَالُ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ فَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتِ ابْنٍ كَانَ لِبِنْتِ الْبِنْتِ النِّصْفُ سَهْمُ أُمِّهَا وَلِبِنْتِ الابن السدس سهم أبيها

(8/175)


والباقي رد عليها فَيَصِيرُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ وَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة: الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ الْبِنْتِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ فَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ ابْنِ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتِ ابْنٍ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ.
أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ فَلِأَنَّهَا بَعْدَ دَرَجَةِ بِنْتِ ابْنِ وَارِثَةٍ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أبي حنيفة فَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْبُعْدِ وَهَذِهِ تُدْلِي بِوَارِثٍ وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ مَعَ اسْتِوَاءِ الدُّرَجِ يُقَدَّمُ مَنْ أَدْلَى بِوَارِثٍ، فَلَوْ تَرَكَ ابْنَ ابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ وَابْنَ ابْنِ بِنْتِ ابْنٍ كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ ابْنِ بِنْتِ الِابْنِ فِي قَوْلِ الجميع؛ لأنه مع استواء الدرج أقرب إدلاء بوارث.

فصل: في ولد الأخوات
وَإِذَا تَرَكَ بِنْتَ أُخْتٍ وَابْنَيْ أُخْتٍ أُخْرَى كَانَ النِّصْفُ لِبِنْتِ الْأُخْتِ وَالنِّصْفُ لِابْنَيِ الْأُخْتِ الْأُخْرَى، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَلَوْ تَرَكَ ابْنَ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنَ أُخْتٍ لِأَبٍ كَانَ لِابْنِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِابْنِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ والباقي رد عليهم وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَهُوَ قَوْلُ محمد بن الحسن وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أبي حنيفة.
وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أبي حنيفة.
فلو ترك بنت أخت لأب مع أخيها وابن أخت لأم مع أُخْتِهِ كَانَ لِوَلَدِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ ثَلَاثَةُ أرباع بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلِوَلَدِ الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ الرُّبُعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَتَصِحُّ مِنْ ثمانية.
فلو ترك ثلاثة بنين وثلاثة بنات أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ فِي الْأَصْلِ على خمسة أسهم سهم لابن وبنت الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَسَهْمٌ لِابْنِ وَبِنْتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حظ الأنثيين وثلاثة أسهم للابن وَبِنْتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَتَصِحُّ مِنْ ثَلَاثِينَ سَهْمًا.

فصل: في بنات الإخوة
وَإِذَا تَرَكَ بِنْتَيْ أَخٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ أَخٍ آخَرَ كَانَ النِّصْفُ بَيْنَ بِنْتَيِ الْأَخِ نِصْفَيْنِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ خَمْسِ بَنَاتِ الْأَخِ الْآخَرِ عَلَى خَمْسَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ عِشْرِينَ سَهْمًا وَعَلَى قول أبي حنيفة المال بينهم عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ عَلَى أَعْدَادِهِنَّ فَلَوْ تَرَكَ ثلاث بنات إخوة متفرقين كَانَ لِبِنْتِ الْأَخِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الأخ للأب لأن أباها مع أخويها غَيْرُ وَارِثٍ وَهُوَ قَوْلُ محمد وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أبي حنيفة وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف الْأَخِيرِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أبي حنيفة الْمَالُ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.
وَلَوْ تَرَكَ ابْنَ أَخٍ لِأُمٍّ مَعَ أُخْتِهِ وَبِنْتَ أَخٍ لِأَبٍ كان السدس بين ابن الأخ وَبِنْتِ الْأَخِ مِنَ

(8/176)


الْأُمِّ نِصْفَيْنِ وَلِبِنْتِ الْأَخِ مِنَ الْأَبِ الْبَاقِي، وعلى قول محمد بن الحسن لابن الأخ وَبِنْتِ الْأَخِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ كَأَنَّهُمَا أَخٌ وَأُخْتٌ مِنْ أُمٍّ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأخ مِنَ الْأَبِ.
وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ.
وَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ أَخٍ لأم وابن أخت لِأُمٍّ وَبِنْتَ أَخٍ لِأَبٍ كَانَ لِبِنْتِ الأخ للأم السدس ولابن الْأُخْتِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَتَصِحُّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ.
وَعَلَى قَوْلِ محمد بن الحسن لِوَلَدِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى عَدَدِهِمْ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ: في ولد الأخوات مع بنات الإخوة
وَإِذَا تَرَكَ بِنْتَيْ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنِ أخت لأب وأم كان المال بينهما عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِابْنِ الْأخت لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَهْمٌ نَصِيبُ أَبِيهِ وَلِابْنَتَيِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَهْمَانِ نَصِيبُ أَبِيهِمَا، وَعَلَى قَوْلِ محمد بن الحسن هِيَ مِنْ خَمْسَةٍ لِبِنْتِي الْأَخِ أَرْبَعَةٌ كَأَنَّهُمَا أَخَوَانِ، وَلِابْنِ الْأُخْتِ سَهْمٌ كَأَنَّهُ أُخْتٌ.
وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف لِابْنِ الْأُخْتِ سَهْمَانِ وَلِبِنْتَيِ الْأَخِ سَهْمَانِ يُقَسَّمُ عَلَى رؤوسهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
فَلَوْ تَرَكَ ابْنَيْ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبِنْتَ أَخٍ لِأَبٍ كَانَ لِابْنَيِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَعَلَى قَوْلِ محمد بن الحسن لِابْنَيِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف الْمَالُ لِابْنَيِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.
وَلَوْ تَرَكَ ابْنَ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ مَعَهُ أُخْتُهُ وَبِنْتَيْ أَخٍ لِأَبٍ وَبِنْتَ أُخْتٍ لِأَبٍ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ لِابْنِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلِبِنْتَيِ الْأَخِ لِلْأَبِ ثُلُثَا مَا بَقِيَ، وَهُوَ سَهْمَانِ، وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ ثُلُثُ الْبَاقِي وَهُوَ سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَعَلَى قَوْلِ محمد بن الحسن لِوَلَدِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَانِ، وَلِابْنَتَيِ الْأَخِ لِلْأَبِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْبَاقِي، وَالْخُمُسُ الْبَاقِي لِبِنْتِ الْأُخْتِ.
وَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ ابْنِ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبِنْتَ ابْنِ أَخٍ لِأَبٍ كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ.
وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ وَبِنْتَ ابْنِ أَخٍ لِأَبٍ كَانَ لِبِنْتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ ابْنِ الْأَخِ وَفِي قَوْلِ محمد بن الحسن الْمَالُ بَيْنَ بَنَاتِ الْأَخَوَاتِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف هُوَ لِبِنْتِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.

فَصْلٌ: فِي العمات والخالات
خَالَةٌ مِنْ أُمٍّ وَعَمَّةٌ مِنْ أَبٍ وَأُمٌّ لِلْخَالَةِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْعَمَّةِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ وكذلك إن

(8/177)


كانت الخالة من أب عَمَّة لِأُمٍّ وَبِنْتُ خَالَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ الْمَالُ لِلْعَمَّةِ لِلْأُمِّ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ خَالَةٍ لِأُمٍّ وَبِنْتُ عَمَّةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ الْمَالُ لِلْخَالَةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ.
ثَلَاثُ خَالَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ وَثَلَاثُ عَمَّاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ الثُّلُثُ بَيْنِ الْخَالَاتِ عَلَى خَمْسَةٍ وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْعَمَّاتِ عَلَى خَمْسَةٍ، لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتٌ مُفْتَرِقَاتٌ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الثُّلُثُ لِلْخَالَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالثُّلُثَانِ لِلْعَمَّةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ. عَمَّةٌ لِأَبٍ وَخَالَتَانِ لِأَبٍ وأم وخال وخالة لأب للعمة الثلث وللخالتين للأب والأم ثلث الثلث وباقي الثلث للخال، والخال مِنَ الْأَبِ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ عَمَّتَانِ مِنْ أَبٍ وَعَمٍّ وَعَمَّةٍ مِنْ أُمٍّ وَخَالَةٍ مِنْ أُمٍّ وَخَالَةٍ مِنْ أَبٍ تصح من ستة وثلاثين سهما لِلْخَالَةِ مِنَ الْأُمِّ رُبُعُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْخَالَةِ مِنَ الْأَبِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ تِسْعَةُ أَسْهُمٍ وباقي الثلث للخال وَلِلْعَمَّتَيْنِ مِنَ الْأَبِ ثُلُثَا الثُّلُثَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ أسهم وَلِلْعَمِّ وَالْعَمَّةِ مِنَ الْأُمِّ ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ.
خَالٌ وَخَالَةٌ مِنْ أَبٍ وَخَالٌ وَخَالَةٌ مِنْ أُمٍّ وَعَمَّةٍ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَعَمَّةٍ مِنْ أَبٍ تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ سَهْمًا للخال والخالة من الأم ثلث الثلث اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلِلْعَمَّةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثَيْنِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا، وَلِلْعَمَّةِ مِنَ الْأَبِ رُبُعُ الثُّلُثَيْنِ تِسْعَةُ أَسْهُمٍ.
خَالٌ وَخَالَةٌ مِنْ أُمٍّ وَبِنْتُ عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْعَمِّ وَفِي قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ مِنَ الْأُمِّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُمَا أبعد وَأَقْرَبُ وَيُورِثُونَ كُلَّ ذَكَرٍ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إلا ولد الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأُمِّ.

فَصْلٌ: فِي وَلَدِ الأخوال والخالات
ثَلَاثُ بَنَاتِ ثَلَاثِ خَالَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ وَثَلَاثُ بَنَاتِ ثَلَاثِ عَمَّاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ الثُّلُثُ بَيْنَ ثَلَاثِ بَنَاتِ الْخَالَاتِ عَلَى خَمْسَةٍ، وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ بَنَاتِ الْعَمَّاتِ الْمُفْتَرِقَاتِ عَلَى خَمْسَةٍ كَأُمَّهَاتِهِنَّ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الثُّلُثُ لِبِنْتِ الْخَالَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالثُّلُثَانِ لِبِنْتِ الْعَمَّةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.
ثَلَاثُ بَنَاتِ ثَلَاثَةِ أَخْوَالٍ مُفْتَرِقِينَ وَبِنْتُ عَمَّةٍ مِنْ أَبٍ وَبِنْتُ عمة من أم سدس الثلث لبنات الْخَالِ مِنَ الْأُمِّ وَبَاقِيهِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ لِبِنْتِ الْخَالِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَتَسْقُطُ مَعَهَا بِنْتُ الخال من الأب لسقوط أبيها مع أبويها وَيَكُونُ الثُّلُثَانِ بَيْنَ بِنْتَيِ الْعَمَّتَيْنِ عَلَى أَرْبَعَةٍ ثَلَاثَة مِنْهَا لِبِنْتِ الْعَمَّةِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَسَهْمٍ لِبِنْتِ الْعَمَّةِ مِنَ الْأُمِّ وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ.
ابْنٌ وَبِنْتُ خَالٍ مِنْ أُمٍّ وَخَمْسُ بَنَاتِ خَالَةٍ مِنْ أُمٍّ وَبِنْتُ عَمٍّ وَابْنَا عَمَّةٍ مِنْ أُمٍّ نِصْفُ الثُّلُثِ بَيْنِ الابن وابنة الْخَالِ مِنَ الْأُمِّ نِصْفَيْنِ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ بَيْنَ بَنَاتِ الْخَالَةِ مِنَ الْأُمِّ عَلَى أَعْدَادِهِنَّ أَخْمَاسًا ولبنت العم من الأم نصف الثلثين ونصف الْآخَرُ بَيْنَ ابْنَيِ الْعَمَّةِ مِنَ الْأُمِّ فَيَأْخُذُ كُلُّ فَرِيقٍ نَصِيبَ منْ يُدْلِي بِهِ وَتَصِحُّ مِنْ سِتِّينَ سَهْمًا ابْنُ خَالٍ مِنْ أُمٍّ وَبِنْتُ خَالَةٍ مِنْ أَبٍ وَبِنْتُ عَمَّةٍ لِأَبٍ وأم وابن عم لأب فَلِابْنِ الْخَالِ مِنَ الْأُمِّ رُبُعُ الثُّلُثِ وَلِبِنْتِ الْخَالَةِ مِنَ الْأَبِ

(8/178)


ثلاثة أرباع الثلث ولابن العم من الأب ربع الثلثين ولبنت العمة من الأب ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثَيْنِ وَتَصِحُّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا.

فَصْلٌ: فِي خَالَاتِ الْأُمِّ وَعَمَّاتِهَا
وَخَالَاتِ الأب وعماته
خَالَةُ أُمٍّ وَخَالَةُ أَبٍ فَخَالَةُ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأُمِّ وَخَالَةُ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأَبِ فَصَارَتَا جَدَّتَيْنِ فَكَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعَلَى قَوْل أَهْل الْقَرَابَةِ لِخَالَةِ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِخَالَةِ الأب الثلثان.
وعمة أُمٍّ وَعَمَّةُ أَبٍ فَعَمَّةُ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأَبِ وَهُوَ وَارِثٌ وَعَمَّةُ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأُمِّ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ فَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِعَمَّةِ الْأَبِ.
وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ لِعَمَّةِ الأم الثلث ولعمة الأب الثلثان.
وخالة أُمٍّ وَعَمَّةُ أَبٍ لِخَالَةِ الْأُمِّ السُّدُسُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةٍ أُمِّ الْأُمِّ وَالْبَاقِي لِعَمَّةِ الْأَبِ لِأَنَّهَا بمنزلة أب الْأَبِ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ.
خَالَةُ أُمٍّ وَعَمَّةُ أُمٍّ وَخَالَةُ أَبٍ وَعَمَّةُ أَبٍ لِخَالَةِ الْأُمِّ وَخَالَةُ الْأَبِ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ جَدَّتَيْنِ، وَالْبَاقِي لِعَمَّةِ الْأَبِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أَب الْأَبِ وَلَا شَيْءَ لِعَمَّةِ الْأُمِّ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أَبِ الْأُمِّ.
ثَلَاثُ خَالَاتٍ وَثَلَاثُ عَمَّاتِ أَبٍ كُلِّهِنَّ مُفْتَرِقَاتٍ وَثَلَاثُ عَمَّاتٍ وثلاثة أعمام وثلاث خالات أم كلهن مفترقين فَنِصْفُ السُّدُسِ بَيْنَ خَالَاتِ الْأُمِّ عَلَى خَمْسَةٍ وَنِصْفُ السُّدُسِ بَيْنَ خَالَاتِ الْأَبِ عَلَى خَمْسَةٍ؛ لِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ بِمَنْزِلَةِ جَدَّتَيْنِ وَالْبَاقِيَ بَعْدَ السُّدُسِ بين عمات الأب على ثمانية لأنهن بمنزلة أب الأب وتسقط أَعْمَامُ الْأُمِّ وَعَمَّاتُهَا لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأُمِّ.
ابن عم معه أخته وبنت خال وبنت خال أم مع أخيها وَابْنُ خَالِ أَبٍ مَعَهُ أُخْتُهُ فَالنِّصْفُ بَيْنَ بنت خال الأم وأختها أَثْلَاثًا لِأَنَّهُمَا بَعْدَ دَرَجَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأُمِّ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ ابْنِ خَالِ الْأَبِ وَأُخْتِهِ أَثْلَاثًا لِأَنَّهُمَا بَعْدَ دَرَجَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأَبِ وَلَا شَيْءَ لِابْنِ عَمِّ الْأُمِّ وَأُخْتِهِ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ دَرَجَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأُمِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.

فصل: في الأجداد والجدات الذين يرثون برحم
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " إذا ورث الجد مع الإخوة للأب والأم أو للأب قاسمهم ما كانت المقاسمة خيرا له من الثلث فإذا كان الثلث خيرا له منها أعطيه وهذا قول زيد وعنه قبلنا أكثر الفرائض وقد روي هذا القول عن عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا فيه مثل قول زيد بن ثابت وهو قول الأكثر من فقهاء البلدان فإن قال قائل: فإنا نزعم أن الجد أب لخصال، منها أن الله تبارك وتعالى قال: {ملة أبيكم إبراهيم} فأسمى الجد في النسب أبا ولم ينقصه المسلمون من السدس وهذا حكمهم للأب وحجبوا بالجد بني الأم وهكذا حكمهم في

(8/179)


الأب فكيف جاز أن تفرقوا بين أحكامه وأحكام الأب فيما سواها؟ قلنا إنهم لم يجمعوا بين أحكامهما فيها قياسا منهم للجد على الأب لأنه لو كان إنما يرث باسم الأبوة لورث ودونه أب أو كان قاتلا أو مملوكا أو كافرا فالأبوة تلزمه وهو غير وارث وإنما ورثناه بالخبر في بعض المواضع دون بعض لا باسم الأبوة ونحن لا ننقص الجدة من السدس أفترى ذلك قياسا على الأب يحجبون بها الإخوة للأم وقد حجبتم الإخوة من الأم بابنة ابن متسفله أفتحكمون لها بحكم الأب؟ وهذا يبين أن الفرائض تجتمع في بعض الأمور دون بعض؟ وقلنا أليس إنما يدلي الجد بقرابة أب الميت بأن يقول الجد أنا أبو أب الميت والأخ أنا ابن أبي الميت فكلاهما يدلي بقرابة أبي الميت؟ قلنا أفرأيتم لو كان أبوه الميت في تلك الساعة أيهما كان أولى بميراثه؟ قالوا يكون لأخيه خمسة أسداس ولجده سدس قلنا فإذا كان الأخ أولى بكثرة الميراث ممن يدليان بقرابته فكيف جاز أن يحجب الذي هو أولى بالأب الذي يدليان بقرابته بالذي هو أبعد؟ ولولا الخبر كان القياس أن يعطى الأخ خمسة أسهم والجد سهما كما ورثناهما حين مات ابن الجد وأبو الأخ ".
قال الماوردي: أَبُو أَبِي أُمٍّ، وَأَبُو أُمِّ أَبٍ، الْمَالُ لِأَبِي أُمِّ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِوَارِثٍ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ: لِأَبِي أَبِي الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِأَبِي أُمِّ الْأَبِ الثُّلُثَانِ.
أَبُو أُمِّ أُمٍّ، وَأَبُو أُمِّ أَبٍ، الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّ أُمٍّ وَأُمِّ أَبٍ.
[جَدُّ أُمِّ أُمٍّ، وَجَدُّ أُمِّ أَبٍ، الْمَالُ بَيْنَ أَبِي أُمِّ أُمِّ الْأُمِّ، وَأَبِي أُمِّ أُمِّ الْأَبِ نِصْفَيْنِ.
أَبُو أَبِي أُمٍّ، وَأَبُو أُمِّ أَبٍ، الْمَالُ لِأَبِي أُمِّ الْأَبِ.
أَبُو أَبِي أُمُّ أُمٍّ، وَأَبُو أَبِي أَبِي أُمٍّ، وَأَبُو أَبِي أُمِّ أَبٍ] نِصْفُ الْمَالِ بَيْنَ أَبَوَيْ أَبِي أُمِّ الْأُمِّ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَالنِّصْفُ بَيْنِ أَبَوَيْ أَبِي أُمِّ الْأَبِ عَلَى ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّكَ إِذَا نزلت أبوي أبي أم الأم صار في أول درجته بِمَنْزِلَةِ أَبِي أُمِّ أُمٍّ هِيَ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ أُمٍّ وَهِيَ وَارِثَةٌ، وَإِذَا نَزَّلَتْ أَبَوَيْ أَبِي أم الأب صار في أول درجته بِمَنْزِلَةِ أَبِي أُمِّ أَبٍ ثُمَّ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ أَبٍ وَهِيَ وَارِثَةٌ، فَهَاتَانِ جَدَّتَانِ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نصفان نَصِفٌ لِأُمِّ الْأُمِّ يَرِثُهُ عَنْهَا أَبُوهَا ثُمَّ يرث عن ابنها أَبَوَاهُ، وَكَذَلِكَ النِّصْفُ الَّذِي لِأُمِّ الْأَبِ يَرِثُهُ عنها أبوها ثم يرث عن أبيها أبواه، وَأَمَّا أَبُو أَبِي أَبِي الْأُمِّ فَبَعْدَ دَرَجَتَيْنِ يَصِيرُ أَبَا أُمٍّ وَلَيْسَ بِوَارِثٍ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يَرِثْهَا، فَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الْمُنَزِّلِينَ، والصحيح من مذاهبهم.
أم أَبِي أَبِي أُمٍّ، وَأَبُو أُمِّ أَبِي أُمٍّ، وَأَبُو أَبِي أُمِّ أَبٍ، وَأَبُو أَبِي أُمٍّ أم، النِّصْفُ بَيْنَ أَبَوَيْ أَبِي أُمِّ الْأُمِّ على ثلاثة، والنصف بين أبوي أبي أَبِي أُمِّ الْأَبِ عَلَى ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ أَبَوَيْ أبي أم

(8/180)


الأم في أول درجته بِمَنْزِلَةِ أَبِي أُمِّ أُمٍّ ثُمَّ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ أُمٍّ وَهِيَ وَارِثَةٌ وَأَبُو أَبِي أُمِّ الْأَبِ في أول درجة بمنزلة أم أب وهي وارثة. فصار معك بعد درجتين جدتان: أُمُّ أُمٍّ، وَأُمُّ أَبٍ وَأَمَّا أَبُو أَبِي أَبِي أُمٍّ فَبَعْدَ دَرَجَتَيْنِ أَبُو أُمٍّ وَلَيْسَ بِوَارِثٍ، وَأَمَّا أَبُو أُمِّ أَبِي أُمٍّ فَبَعْدَ دَرَجَتَيْنِ أَيْضًا أَبُو أُمٍّ وَلَيْسَ بِوَارِثٍ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ أَمَاتَ السَّبَبَ فَجَعَلَ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سِتَّةٍ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

فَصْلٌ: فِي توريث الزوج والزوجين مَعَ ذَوِي الْأَرْحَامِ
اخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِ ذوي الأرحام فيهم إذا دخل مَعَهُمْ زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ هَلْ يُعْتَبَرُ إِدْخَالُهُمَا مَعَ مَنْ يُدْلِي بِذَوِي الْفُرُوضِ مِنْهُمْ وَالْعَصَبَاتِ أَمْ لَا؟ وَيَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ كَتَرِكَةٍ تَسْتَأْنِفُ قِسْمَتَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ ما يدلون من ذي فَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ محمد بن الحسن، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وأبو عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ: أَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ يُعْطَيَانِ فَرْضَهُمَا وَيَخْرُجَانِ وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى قَدْرِ فُرُوضِهِمْ كَأَنْ لَا زَوْجَ مَعَهُمْ وَلَا زَوْجَةَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ وَضِرَارِ بْنِ صُرَدٍ وَمَنْ تَابَعَهُمَا: أَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ يَدْخُلَانِ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى قَدْرِ سِهَامِ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ مَعَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ.
مِثَالُهُ: زَوْجٌ، وَبِنْتُ بِنْتٍ، وَخَالَةٌ، وبنت أخت، فعلى قول من قاله بِالْإِخْرَاجِ، يَأْخُذُ الزَّوْجُ النِّصْفَ، وَيُقْسِمُ الْبَاقِي عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ: لِبِنْتِ الْبِنْتِ النِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْخَالَةِ السُّدُسُ سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَالْبَاقِي وَهُوَ سَهْمَانِ لِبِنْتِ الْأُخْتِ، وَتَصِحُّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْإِدْخَالِ أَنَّهم بَعْدَ التَّنْزِيلِ يَصِيرُونَ زَوْجًا، وَأُمًّا، وَبِنْتًا وَأُخْتًا فَتَكُونُ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ سَهْمَانِ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْأُخْتِ مَا بَقِيَ وَهُوَ سَهْمٌ ثُمَّ اجْمَعْ سِهَامَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَهِيَ تِسْعَةٌ وَأَعْطِ الزَّوْجَ النِّصْفَ سَهْمًا مِنِ اثْنَيْنِ ثُمَّ اقْسِمِ الْبَاقِيَ عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ لَا تَنْقَسِمُ فَاضْرِبْ تِسْعَةً فِي اثْنَيْنِ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ تِسْعَةُ أَسْهُمٍ، وَلِبِنْتِ الْبِنْتِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْخَالَةِ سَهْمَانِ، وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ سَهْمٌ وَالْفَرْقُ إِنَّمَا يَقَعُ بَيْنَ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ فِيمَا يُورَثُ فِيهِ بِفَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ بِفَرْضٍ وَحْدَهُ أَوْ تَعْصِيبٍ وَحْدَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِدْخَالِ والإخراج.
زَوْجَةٌ وَبِنْتُ بِنْتٍ، وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ، وَبِنْتُ عَمٍّ. فَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْإِخْرَاجِ: لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَالْبَاقِي عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ لِبِنْتِ الْبِنْتِ نِصْفُهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ سُدُسُهُ سَهْمٌ وَلِبِنْتِ الْعَمِّ بَاقِيهِ وَهُوَ سَهْمَانِ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْإِدْخَالِ جَعَلَهُمْ بَعْدَ التَّنْزِيلِ زَوْجَةً، وَبِنْتًا وَبِنْتَ ابْنٍ، وَعَمًّا فَتَكُونُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجَةِ الثمن ثلاثة، وللبنت النصف اثني عَشَرَ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْعَمِّ وَهُوَ خَمْسَةٌ فَاجْمَعْ

(8/181)


سِهَامَ مَنْ سِوَى الزَّوْجَةِ تَكُنْ أَحَدًا وَعِشْرِينَ سَهْمًا ثُمَّ أَعْطِ الزَّوْجَةَ الرُّبُعَ وَاقْسِمِ الْبَاقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ سهما لا تنقسم لَكِنْ تُوَافِقُ بِالْأَثْلَاثِ إِلَى سَبْعَةٍ فَاضْرِبْهَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ تَكُنْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ: لِلزَّوْجَةِ منها الربع سبعة أسهم، والباقي وهو واحد وَعِشْرُونَ سَهْمًا لِبِنْتِ الْبِنْتِ مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ وَلِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِبِنْتِ الْعَمِّ خَمْسَةٌ.
زوج وثلاث بنات ثلاثة إخوة متفرقين فَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْإِخْرَاجِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأُمِّ سُدُسُهُ سَهْمٌ، وَبَاقِيهِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَتَصِحُّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا.
وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْإِدْخَالِ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الْأَخِ مِنَ الْأُمِّ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةِ أَسْهُمٍ.
زَوْجٌ هُوَ ابْنُ خَالٍ، وَبِنْتُ بِنْتِ عَمٍّ، عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْإِخْرَاجِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلَهُ سُدُسُ الْبَاقِي، وَمَا بَقِيَ لِبِنْتِ بِنْتِ الْعَمِّ وَتَصِحُّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجِ سَبْعَةٌ وَلِبِنْتِ بِنْتِ الْعَمِّ خَمْسَةٌ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْإِدْخَالِ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلَهُ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَمَا بَقِيَ لِبِنْتِ بِنْتِ الْعَمِّ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةِ أَسْهُمٍ لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ، وَلِبِنْتِ بِنْتِ الْعَمِّ سَهْمَانِ.
زَوْجَةٌ هِيَ بِنْتُ عَمٍّ، وَبِنْتُ أُخْتٍ. عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْإِخْرَاجِ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ نِصْفُ مَا بَقِيَ، وَالْبَاقِي لِلزَّوْجَةِ لِكَوْنِهَا بِنْتَ عَمٍّ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ لِلزَّوْجَةِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْإِدْخَالِ: لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ نِصْفُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالْبَاقِي لِلزَّوْجَةِ فَيَصِيرُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نصفين.

فصل: في توريث من يدلي بقرابتين
ابْنُ بِنْتِ بِنْتٍ هُوَ ابْنُ ابْنِ بِنْتٍ أخرى، وبنت بنت بنت وَاحِدَة عَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ: لِلِابْنِ النِّصْفُ بِقَرَابَةِ أَبِيهِ، وَلَهُ الثُّلُثُ بِقَرَابَةِ أُمِّهِ، وَلِلْبِنْتِ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ أُمِّهِ السُّدُسُ، وَتَكُونُ مِنْ ستة للابن خمسة، وللبنت سهم، لأنها فِي التَّنْزِيلِ بِمَنْزِلَةِ بِنْتَيْنِ أَخَذَتَا الْمَالَ نِصْفَيْنِ ثم تركت إحداهما ابنا فصار الن صف لَهُ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَتَرَكَتْ بِنْتًا صَارَ النِّصْفُ إِلَيْهَا، ثُمَّ تَرَكَتِ الْبِنْتُ ابْنًا وَبِنْتًا فَصَارَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَصَارَ إِلَى الِابْنِ النِّصْفُ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ وَالثُّلُثُ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أُمِّهِ، وَصَارَ إِلَى جَدَّتِهِ السُّدُسُ عَنْ جَدَّتِهَا أُمِّ أُمِّهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أبي حنيفة ومحمد، وَعَلَى قَوْلِ أبي يوسف: لِلذَّكَرِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، وَلِلْأُنْثَى خُمُسٌ، لِأَنَّهُ يَجْعَلُ مَنْ يُدْلِي بِقَرَابَتَيْنِ كَشَخْصَيْنِ.
بِنْتَا أُخْتٍ لِأُمٍّ إِحْدَاهُمَا بِنْتُ أَخٍ لِأَبٍ، وَبِنْتُ أُخْتٍ لأم وأب، هِيَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، لِبِنْتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ سِتَّةٌ، وَلِبِنْتِ الْأَخِ مِنَ الْأَبِ أَرْبَعَةٌ بِقَرَابَةِ أَبِيهَا، وَسَهْمٌ بِقَرَابَةِ أُمِّهَا، فَصَارَ لَهَا خَمْسَةً، وَلِأُخْتِهَا سَهْمٌ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ.
بنتا بنت أخت لأب، وإحداهما هِيَ بِنْتُ ابْنِ أُخْتٍ لِأَبٍ، وَالْأُخْرَى هِيَ بِنْتُ ابْنِ أَخٍ لِأُمٍّ، هِيَ مِنْ عَشَرَةِ أسهم للتي هي بنت ابن أخت ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ بِأُمِّهَا وَسَهْمَانِ بِأَبِيهَا، وَلِأُخْتِهَا

(8/182)


كَذَلِكَ، فَيَصِيرُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ، وَأَخٍ لِأُمٍّ، فَكَانَ الْمَالُ عَلَى خَمْسَةٍ: ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْهَا وَهِيَ سِهَامُ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ صَارَتْ إِلَى بنتي بنتيها، وَسَهْمُ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ صَارَ إِلَى بِنْتِ أَبِيهَا، وَسَهْمُ الْأَخِ مِنَ الْأُمِّ صَارَ إِلَى بنت ابن.
خَالَتَانِ مِنْ أُمِّ إِحْدَاهُمَا هِيَ عَمَّةٌ مِنْ أَبٍ، وَعَمٌّ مِنْ أُمٍّ هُوَ خَالٌ مِنْ أَبٍ، هِيَ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، لِلْخَالَةِ الَّتِي هِيَ عَمَّةٌ مِنْ أَبٍ تِسْعَةُ أَسْهُمٍ بِأَنَّهَا عَمَّةٌ وَسَهْمٌ بِأَنَّهَا خَالَةٌ، وَلِأُخْتِهَا سَهْمٌ، وَلِلْعَمِّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ بِأَنَّهُ عَمٌّ مِنْ أُمٍّ، وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ بِأَنَّهُ خَالٌ مِنْ أَبٍ؛ لِأَنَّهُمْ ينزلون بِمَنْزِلَةِ خَالَتَيْنِ مِنْ أُمٍّ، وَخَالٌ مِنْ أَبٍ، وَعَمَّةٌ مِنْ أَبٍ وَعَمٌّ مِنْ أُمٍّ فَكَانَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْخَالَتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ وَالْخَالُ مِنَ الْأَبِ عَلَى سِتَّةٍ، وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْعَمَّةِ مِنَ الْأَبِ وَالْعَمِّ مِنَ الْأُمِّ عَلَى أَرْبَعَةٍ فَصَحَّتْ من ثمانية عشر سهما لبنت ابن الخال من الْأب التي هي بنت عم من أم سِتَّةُ أَسْهُمٍ بِأُمِّهَا وسهم لأبيها، وَلِأُخْتِهَا الَّتِي هِيَ بِنْتُ خَالَةٍ مِنْ أَبٍ سهم بأبيها وسهم بأمها؛ لأنها بِمَنْزِلَةِ خَالٍ وَخَالَةٍ مِنْ أَبٍ وَعَمٍّ مِنْ أُمٍّ، فَكَانَ الثُّلُثُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَصَحَّتْ مِنْ تِسْعَةٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

فَصْلٌ: فِي الرَّدِّ
وَهَذَا إنما يكون عند نقصان الْفُرُوضِ عَنِ اسْتِيعَابِ الْمَالِ وَالْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ.
فَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الرَّدِّ مَعَ وُجُودِ بَيْتِ الْمَالِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنَ التَّابِعِينَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَذَهَبَ أبو حنيفة وأهل الْعِرَاقِ إِلَى الرَّدِّ، وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، - رَضِيَ الله عنهم - وقد قدمناه في الدَّلِيلِ عَلَى تَقْدِيمِ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالرَّدِّ عَلَى أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ بَقِيَّةَ الْمَالِ إِذَا لَمْ تَكُنْ عَصَبَةً إِذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ مَوْجُودًا، فَأَمَّا إِذَا عُدِمَ بَيْتُ الْمَالِ فالضرورة تدعوا إِلَى الرَّدِّ كَمَا دَعَتْ إِلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الأرحام.
واختلف القائلون بالرد في كيفية الرد فكان علي بن أبي طالب عليه السلام يَرُدُّ عَلَى كُلِّ ذِي سَهْمٍ بِقَدْرِ سَهْمِهِ إلى عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَهُوَ الَّذِي يُعْمَلُ عَلَيْهِ وَيُفْتى بِهِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ لا يرد على الجد وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ.
وَكَانَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرُدُّ عَلَى كُلِّ ذِي سَهْمٍ بِقَدْرِ سَهْمِهِ إِلَّا عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَكَانَ لَا يَرُدُّ عَلَى أَرْبَعٍ مَعَ أَرْبَعٍ: عَلَى بِنْتِ الِابْنِ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ، وَعَلَى الْأُخْتِ لِلْأَبِ مَعَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَعَلَى ولد الأم مع الأم، وعلى الجد مَعَ ذِي سَهْمٍ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ.
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَرُدُّ عَلَى كُلِّ ذِي سَهْمٍ بِقَدْرِ سَهْمِهِ إِلَّا عَلَى الزَّوْجِ والزوجة والجد.

(8/183)


من مَسَائِلِ الرَّدِّ:
إِذَا تَرَكَ أُمًّا، وَبِنْتًا، فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي رَدٌّ عَلَيْهِمَا فَيَصِيرُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ.
وَلَوْ تَرَكَ أُمًّا، وَأُخْتًا، كَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي رَدٌّ عَلَيْهِنَّ فَيَصِيرُ الْمَالُ بَيْنَهُنَّ عَلَى خَمْسَةٍ.
وَلَوْ تَرَكَ أُمًّا وَبِنْتَيْنِ، كَانَ لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي رَدٌّ عَلَيْهِنَّ، فَيَصِيرُ الْمَالُ بَيْنَهُنَّ عَلَى خَمْسَةٍ.
وَلَوْ تَرَكَ زَوْجَةً، وَأُخْتًا لِأُمٍّ، وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ كَانَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَلِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَيَبْقَى نِصْفُ سُدُسٍ يُرَدُّ عَلَى الْأُخْتَيْنِ دُونَ الزَّوْجَةِ فَيَصِيرُ الْبَاقِي بَعْدَ رُبُعِ الزَّوْجَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ عَلَى أَرْبَعَةٍ وتصح من ستة عشر سهما.
ولو تركت زَوْجًا، وَأُمًّا، وَبِنْتًا كَانَ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي رَدٌّ عَلَى الْأُمِّ وَالْبِنْتِ فَيَصِيرُ الْبَاقِي بَعْدَ رُبُعِ الزَّوْجِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا.
وَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا، وَبِنْتَ ابْنٍ، كَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ، والباقي رد عليهما على قول علي عليه السلام وَيُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ.
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ يُرَدُّ عَلَى الْبِنْتِ فَيَكُونُ لِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْبِنْتِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي أُخْتٍ لأب وأم وأخت لأب أو لأم.
ولو ترك جدا، وبنتا، وبنت ابن فعلى قول علي عليه السلام: المال بينهم عَلَى خَمْسَةٍ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْبِنْتِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ.
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ عَلَى قِيَاسِ هَذَا يَكُونُ الرَّدُّ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
آخَرُ كِتَابِ الْفَرَائِضِ والحمد لله كثيرا.

(8/184)