اللباب في الفقه الشافعي

ص -359-     كتاب الديات
الدية نوعان1: مُغلّظة، ومُخفّفة.
فالمغلّظة أثلاث2: ثلاثون حِقّة، وثلاثون جَذَعَة، وأربعون خلفة3 في بطونها أولادها.
والمخفّفة أخماس4: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حِقّة، وعشرون جذعة.
وتجب الدية في ثلاثة أشياء5: النفس، والطرف، والجراح.
ثم يختلف ذلك باختلاف المنافع، فمنها ما يجب فيه كل الدية، وهي عشرة أشياء6: النفس، والشّم، والمارِن7، واللسان، والكلام، والحشفة، والإفضاء8، والعقل، وكسر الصُّلب، وسلخ الجلد إذا لم ينبت جلد آخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كفاية الأخيار 2/102.
2 الإرشاد 1/543، فتح المنان 399.
3 انظر: تهذيب الأسماء واللغات 3/1/97.
4 الوجيز 2/140، الإقناع للشربيني 2/161.
5 الروضة 9/255، 263، 271، تحرير التنقيح 104.
6 الإقناع لابن المنذر 1/362، 363، الأشبه للسيوطي 486، فتح الوهاب 2/140.
7 المارِن: ما لان من لحم الأنف دون القصبة التي في أعلاه. الزاهر 368.
8 الإفضاء: رفع الحاجز بين مسلك الجماع في المرأة ودبرها على الأصح، وقيل: رفع الحاجز بين مسلك الجماع ومخرج البول. وانظر: الروضة 9/303، المصباح المنير 476.

 

ص -360-     ومنها ما يجب فيه نصف الدية، وهي خمسة عشر شيئا1 2: السمع3، والأذن، والعين، والأنف، والمِنخر، والبصر4، والشّفة، واللحيان، واليد، والرِّجل، وحلمة المرأة – وفي حلمة الرجل حكومة –5، والخصية، والألية، الشُّفْر، ونصف اللسان، ونصف الكلام.
ومنها ما يجب فيه ثلث الدية6، وهو: المأمومة7، والجائفة، وثلث اللسان، وثلث الكلام.
ومنها ما يجب فيه ربع الدية8، وهو: جفْن العين.
ومنها ما يجب فيه عشر الدية ونصف عشر الدية9، وهو: المنقِّلَة10.
ومنها ما يجب11 فيه عشر الدية، وهو12: أصبع اليد، وأصبع الرِّجل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في (أ) (أربعة عشر).
2 الوجيز 2/143-146، شرح السنة 10/196، 197، المهذب 2/203، 204، عمدة السالك 175، الإرشاد 2/300، تحفة الطلاب 2/371.
3 من أذن واحدة.
4 من عين واحدة.
5 مغني المحتاج 4/66، 77.
6 تحرير التنقيح 104، مغني المحتاج 4/58، 59.
7 المأمومة، ويقال لها: الأمَّة: وهي الشجة تكون في الرأس فتصل إلى أمِّ الدماغ.
وانظر: الزاهر 366، المغني لابن باطيش 1/584، المصباح 23.
8 الإقناع لابن المنذر 1/361، الأشباه للسيوطي 487.
9 التنبيه 224.
10 المنقِّلة: الشجة التي ينقل منها العظم.
الزاهر 366، المغني لابن باطيش 584، المصباح 623.
11 (ومنها ما يجب... الرجل): أسقط جميعه من (ب).
12 مختصر المزني 352.

 

ص -361-     ومنها ما يجب فيه نصف عشر الدية1، وهو: الموضحة، والسن، وأنملة الإبهام /2.
باب العواقل
والعواقل الذين يتحمّلون3 الدية هم: العصبات إلا أربعة4: الأب، والجد وإن علا، والابن، وابن الابن وإن سفل5.
ولا يتحمّلون الدية في عشر مسائل6: لا يتحمّلون عمدا، ولا عبدا7، ولا صلحا، واعترافا، ولا عن عبد، ولا عن مرتدّ، ولا عن من انتقل من كفر إلى كفر، ولا عن من رمى8 وهو كافر فأصاب9 بعد الإسلام10، ولا عن من أسلم واختلفت عاقلته في وقت القتل11، ولا عن من يجرح ثم يرتدّ ثم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مختصر قواعد العلائي 2/566.
2 نهاية لـ (60) من (أ).
3 في (أ) (لا يتحملون).
4 في (أ) (الأربعة).
5 عمدة السالك 175، مغني المحتاج 4/95.
6 الإشراف 2/200، الإقناع للماوردي 166، المهذب 2/213، تحرير التنقيح 105.
7 هذا قول، لكن الأظهر: أن العاقلة تحمل العبد. وانظر: الأم 6/127، الحلية 7/592، المنهاج 129.
8 في (ب) (زنى).
9 أي: أصاب المرمي إليه.
10 الروضة 9/52، 354.
11 في (ب) (وقت القتل).

 

ص -362-     يسلم1، وفيه قول آخر2.
باب تبعيض الدية
وتبعيض الدية في خمس مسائل: بعضها يتحمل3 القاتل، وبعضها يتحمل غير القاتل.
أحدها: من نصفه حر ونصفه عبد4.
والثانية: إذا جنى ثم ارتدّ ثم أسلم ثم مات في أحد القولين5.
والثالثة: إذا جنى نصراني أو يهودي موضحة ثم أسلم، ثم مات المجني عليه، فإن عاقلته يضمنون دية الموضحة، والباقي في مال الجاني6.
والرابعة: المسلم إذا قطع يدا ثم ارتد، ومات المجني عليه، ثم أسلم المرتد،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في المسألة تفصيل، وصورتها: أن يجرح مسلم إنسانا ثم يرتد الجارح، ويبقى على الردة، ثم يسلم فيموت المجروح، فإن قصر زمان الردة المتخللة فقد جزم بعضهم بوجوب الدية على العاقلة، وإن بقي على الردة زمانا يسري في مثله الجرح ثم أسلم ومات المجروح وجبت الدية، لكن اختلفوا على من تجب؟ على قولين:
الأول: أنها على العاقلة لأن الجناية حال الإسلام، وكذا خروج الروح، والقول الثاني: على العاقلة نصف الدية، والنصف الآخر في مال الجاني.
وانظر: المهذب 2/213، الحلية 7/597، الروضة 9/354.
2 المصادر السابقة.
3 كذا في النسختين في الموضعين، والأوْلى: (يتحمّله).
4 حاشية الشرقاوي 2/374، 375.
5 سبق الكلام على هذه المسألة، انظر حاشية رقم (1) السابقة.
6 الروضة 9/353.

 

ص -363-     فإن المرتد يضمن الدية وعاقلته بعضها1، وفيه قول آخر2: أن جميعها للعاقلة.
والخامسة: في مسألة الاصطدام. وتذكر فيما بعد3.
باب تغليظ الدية
وتغلّظ الدية في خمسة مواضع4 5: في العمد، وشبه العمد، وإذا قتل في البلد الحرام، وفي الشهر الحرام، وفي ذوي الأرحام.
وتفارق دية العمد دية الخطأ في ثلاث مسائل6:
أحدها: أنها مغلّظة.
والثانية: لا تتحمّلها العاقلة.
والثالثة: أنها معجَّلة.
ودية شبه العمد مثل دية العمد في أنها مغلّظة، ومثل دية الخطأ في أنها مؤجّلة على العواقل7.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الروضة 9/354.
2 المصدر السابق.
3 انظر مبحث الاصطدام الآتي في الصفحة التالية.
4 في (ب) (خمس).
5 الحاوي 12/217، إعلام الساجد 167.
6 عمدة السالك 174، كفاية الأخيار 2/98، الإقناع للشربيني 2/161.
7 المصادر السابقة.

 

ص -364-     باب الاصطدام
والاصطدام على سبعة أوجه:
أحدها: أن يصطدم الراكبان، فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه، ونصف قيمة دابته1 في مالهما2.
والثاني: أن تكون الدابتان غلبتاهما، ففيه قولان3:
أحدهما: يجب الضمان كما ذكرنا.
والثاني: لا يجب عليهما الضمان.
والثالث: السفينتان إذا اصطدمتا فحكمهما ما ذكرنا4.
والرابع: الماشيان إذا اصطدما، فإن سقطا على القفا فعلى كل واحد منهما نصف دية صاحبه، وإن سقطا على الوجه بطل دمهما، وإن سقط أحدهما على الوجه والآخر على القفا انهدر دم من سقط على الوجه دون من سقط على القفا5.
والخامس: إذا اصطدم ماش وواقف، فإن دية الماشي هَدَر، ووجبت الدية على الواقف على عاقلة الماشي، ولا يختلف الحكم في ذلك بيت أن يقع على القفا أو على الوجه6.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 (في مالهما): أسقطت من (ب).
2 مختصر المزني 354، جواهر العقود 2/279.
3 المذهب منهما الأول. الروضة 9/331، تحفة الطلاب 2/377.
4 الأم 6/91، الغاية القصوى 2/901.
5 المشهور في المذهب عدم التفصيل بين السقوط على الوجه أو القفا.
وانظر: الأم 6/91، الحاوي 12/324، التنقيح 197/ أ.
6 مختصر المزني 354، تحرير التنقيح 106.

 

ص -365-     والسادس: إذا اصطدم ماش جالسا على الطريق الجادّة كانت دية الجالس هَدَرا، وتجب دية السائر على عاقلة الجالس1.
والسابع: إذا رموا /2 بالمنجنيق فرجع الحجر على جميعهم، فإنه يُهدرُ من دية كل واحد منهم بحصة جنايته، ويُقسَم باقيها على عاقلة الباقين3.
باب دية الجنين
والجنين ثلاثة:
أحدها: جنين الحرة، وفيه غُرّة4: عبدٌ أو أمةٌ، وقدّره العلماء بخمسين دينارا، ويُقسَم قسمة الميراث5.
والثاني: جنين الأمة، وقيمته عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى لسيده6.
والثالث: أن يكون معتقا بعضه، وقد ذكرناه في باب المعتضق بعضه7.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر: الحاوي 12/330، 331، الحلية 7/531، الروضة 9/326، 327، تحفة الطلاب 2/379.
2 نهاية لـ (61) من (أ).
3 الأم 6/91، الغاية القصوى 2/901، المنهاج 128.
4 المصباح المنير 445.
5 القول الجديد: تجب قيمة خمس من الإبل ما بلغت من ذهب أو فضة. وانظر: الأم 5/110، 11، الحاوي 12/397، الحلية 7/545.
6 الإشراف 2/206، كفاية الأخيار 2/107.
7 انظر ص 422 من هذا الكتاب، والحكم أن فيه عشر قيمة أمه للسيدين. وانظر: الروضة 9/372.

 

ص -366-     وفي جميعها تجب الكفارة1.
وهذا إذا ألقته ميتا، فإن ألقته حيا ثم مات2 ففيه الدية أو القيمة3، فإن عاش مدة ثم مات فالقول قول الجاني أنه لم يمت من جنايته4.
وأقل ما يكون جنينا أن يتبيّن فيه شيء من خلق الآدمي5، وبه تنقضي العدة، ويتم الاستبراء، وتصير أم ولد له6.
باب القسامة
وتجوز القسامة7 بخمسة شرائط8:
أن يكون هناك لَوَث9، وأن تكون الدعوى على معينين، وأن تكون الدعوى في النفس، وفي الأطراف قولان10، وأن لا يكون المدَّعى عليهم مختلطين، وأن يحلف المدّعي خمسين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحاوي 12/391.
2 في (أ) (ماتت).
3 التنبيه 223.
4 الإقناع لابن المنذر 1/369، الغاية القصوى 2/911.
5 المهذب 2/197.
6 الحاوي 12/386، الروضة 8/376، حاشية الشرقاوي 2/380.
7 في (ب) (ولا تجوز القسامة إلا بخمس شرائط).
8 الوجيز 2/158، 159، المنهاج 130، الغاية القصوى 2/913، جواهر العقود 2/279، فتح المنان 405.
9 الّلوث: قرينة تقوي جانب المدعي، وتُغلِّب على الظن صِدقَهُ، مأخوذ من اللوَث: وهو القوة. وانظر: تحرير ألفاظ التنبيه 339، المصباح 560، معجم لغة الفقهاء 394.
10 أصحهما: لا قسامة في الأطراف. مغني المحتاج 4/114.

 

ص -367-     يمينا، فإن كانوا عددا حلف كل واحد بقدر حصته من الميراث1، وتجبر اليمين2.
فإن لم يحلفوا رد اليمين على المدعى عليهم3، وفيه ثلاثة أقاويل4:
أحدها: يحلف كل واحد منهم يمينا واحدة.
والثاني: يحلف كل واحد منهم خمسين /5 يمينا.
والثالث: يحلف كلهم خمسين يمينا6.
ومتى حلف المدعي استحق الدية7.
وهل يسقط8 الدم بالقسامة؟ على قولين9.
ولا تزيد اليمين في القسامة على خمسين يمينا إلا في مسألتين10:
إحداهما: ما ذكرنا من جبر اليمين.
والثانية: أن يحلف فيموت قبل تمام الأيمان، فقام وارثه مقامه، وابتدأ الأيمان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأم 6/101.
2 نهاية المحتاج 7/395.
3 الإقناع للماوردي 167، فتح المنان 406.
4 أصحهما الثاني: وانظر: الحاوي 13/24، 25، التنقيح 197/ ب، الإقناع للشربيني 2/174.
5 نهاية لـ (25) من (ب).
6 في (ب): كرّر القول الثالث بتمامه.
7 السراج الوهاج 513.
8 في (أ) (بشاط) كذا.
9 الجديد الأظهر: يسقط الدم، ولا قصاص. وانظر: الروضة 10/23.
10 الحاوي 13/42، تحرير التنقيح 107، 108.

 

ص -368-     باب أحكام الساحر
إذا قتل الساحر بسحره، سألناه عنه، فإن قال: "سحري" لابد أن يقتل، أو قال: "قد يقتل، وقد لا يقتل، والغالب أنه يقتل، وعمدتُ": فإنا نقتص منه1، فإن قال: "أخطأت؛ لا يقتل" أو قال: "قد يقتل، وقد لايقتل، والغالب أنه لا يقتل" لا يقتص منه2. وتكون الدية في ماله3؛ لأن من عمل بالسحر معتقدا له كان كافرا4.
باب أحكام المرتد
وفي المرتد، وتارك الصلاة قولان5:
أحدهما: يقتلان في الوقت.
والثاني: يُتأنّى بهما ثلاثة أيام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحاوي 13/98، المهذب 2/177، القلائد 2/311.
2 المصادر السابقة.
3 الروضة 9/347، شرح صحيح مسلم 14/176.
4 الأم 1/293، المهذب 2/224، الحلية 7/635.
5 الصحيح -  من المذهب – وجوب استتابة المرتد، وفي قدرها قولان: أظهرهما: إن تاب وإلا قُتِل في الحال، وأما تارك الصلاة: فإنه يؤمر بفعلها، ويُتوعَّد بالقتل إن تركها، فإن صلى وإلا قتل في الحال.
وانظر تفصيل المسألتين في: شرح السنة 2/180، الروضة 10/76ن كفاية الأخيار 2/123، 126، جواهر العقود 2/313، مغني المحتاج 1/327، 4/139.

 

ص -369-     ويفارق حكم الردة حكم كفر الأصل في اثنتي عشرة مسألة1: لا يقرّ على دينه، ويؤاخذ بأحكام المسلمين، ولا يصح نكاحه ابتداءً، وتبطل أنكحته إلا أن يسلم قبل انقضاء العدة، ولا تحل ذبيحته، ويُهدر دمه، ولا يستقر له ملك2، ولا يُسبى، ولا يُفادى، ولا يُمن عليه، ولا يرث، ولا يورث.
وهل يضمن أهل الردة ما أتلفوا للمسلمين في القتال؟ على قولين3.
باب أحكام /4 السكران
وحدّ السكران ترك الحِشمة5 عن ما كان يحتشم منه قبل ذلك6.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مختصر قواعد العلائي 2/570، 571، الأشباه والنظائر للسيوطي 526.
2 هذا قول: أنه لا يستقر له ملك بل يزول بنفس الردة، والأظهر: أنه موقوف، فإن مات عليها تبيّن زواله من حين الردة. مغني المحتاج 4/142.
3 أصحهما: لا يجب الضمان، ورجّح بعضهم وجوب الضمان.
وانظر: الحاوي 13/182، المهذب 2/224، الحلية 7/629، 630، مغني المحتاج 4/143.
4 نهاية لـ (62) من (أ).
5 الحِشمة: الحياء.
6 الروضة 8/62.
لكن نقل عن الشافعي في حدّ السكران، أنه الذي اختل كلامه المنظوم، وانكشف سرّه المكتوم.
ونقل ابن المنذر، أنه قال: "أن يُغلَب على عقله في بعض ما لم يكن يُغلَب عليه قبل الشرب".
وقال النووي عنه: "الذي تختلط أحواله، فلا تنتظم أقواله وأفعاله"، وقيل غير ذلك.
وانظر: الأحكام السلطانية 229، الإشراف 2/90، الروضة 8/62، فتح الوهاب 2/72، مغني المحتاج 3/279.

 

ص -370-     وكل ما يفعله من قتل، وقطع طريق، وجراح، وبيع، وطلاق، وعتاق، وهبة، ووصية، وإسلام، ورِدَّة، وعقد فإنها كلها نافذة فيما له وعليه1.
وفيه قول آخر2: أنه لا ينفذ شيء من ذلك.
ولا يصلي في حال السكر حتى يفيق، فإذا أفاق قضاها3.
ومتى حكمنا برِدَّته لم يُستتب حتى يفيق4، وكذلك لا يقام عليه حدّ في حال السُّكر حتى يفيق5.
باب الإكراه.
قال الله تعالى:
{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ}6.
من أُكره على بيع، أو رهن، أو نكاح، أو خلع، أو عقد من العقود، أو طلاق، أو عتاق، أو يمين، أو إفطار، أو رِدّة وكان قلبه مطمئن بالإيمان لم ينفذ شيء7.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا الصحيح من المذهب.
وانظر: الروضة 8/62، المنثور 2/205، الأشباه للسيوطي 216، 217، مغني المحتاج 3/279، 4/137.
2 المصادر السابقة.
3 المجموع 3/6.
4 ينتدب تأخير استتابته إلى زمن الإفاقة، وأصح الوجهين صحة استتابته حال سكره. مغني المحتاج 4/137.
5 المنهاج 190، فتح الوهاب 2/166.
6 من الآية (106) من سورة النحل.
7 أحكام القرآن للشافعي 1/224، 298، أحكام القرآن للهراسي 4/177، الروضة 8/56، معالم التنزيل للبغوي 5/46، الأشباه  لابن الوكيل 2/356، المجموع 9/159، 160، المنثور 1/188، الأشباه للسيوطي 203-207.

 

ص -371-     ولا إكراه في الزنا؛ لأنه يحصل إلا بنشاط في الباطن1.
فإن قتل غيرَه مكرها قتِل على أحد القولين2، كما لو قتله ليأكله في مجاعة3.
باب الجهاد
والقتال ضربان: قتال المسلمين، وقتال المشركين.
فأما قتال المشركين فعلى ضربين:
أحدهما: قتال أهل الحرب.
والثاني: قتال أهل الرِّدّة4.
ويُبدأ بقتالهم قبل قتال أهل الحرب فيُقاتلون مقبلين ومُدبرين، ولا يُرضى منهم إلا بالإسلام أو السيف. وكذلك أهل الحرب، إلا أن يكونوا أهل كتاب فيبذلون الجزية5.
وكل من أُسِر منهم فالإمام فيه بالخيار بين المنِّ، والفداء، والقتل، والاسترقاق6

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قد ذكر بعض فقهاء الشافعية أن الصحيح تصور الإكراه على الزنا؛ لأن الانتشار تقتضيه الطبيعة عند الملامسة، وأصح الوجهين عدم وجوب الحد على المكره على الزنا.
وانظر: النهذب 2/267، حلية العلماء 8/13-14، مغني المحتاج 4/145،.
2 وهو أظهرهما، وقد سبقت المسألة ص 354 في باب من يلزمه القصاص.
3 مغني المحتاج 4/9.
4 (والثاني... الردة): أسقط من (ب).
5 الإقناع للماوردي 175، الحاوي 13/442، 443، 444.
6 أحكام القرآن للهراسي 4/399، المهذب 2/235، 236، شرح السنة 11/77، عمدة السالك 178، مغني المحتاج 4/228.

 

ص -372-     إلا النساء والصبيان والمجانين فإنهم لا يقتلون1، وفي الشيخ الفاني والرهبان – إذا لم يكن لهم رأي ولا تدبير – قولان2.
والجهاد فرض على الكفاية، ويصير فرضا على الكافّة إذا أحاط بهم العدو3.
ولا جهاد على من ذكرهم الله – تعالى – في كتابه4، وهم:
{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى...} الآية5.
وأما6 قتال المسلمين فعلى ثلاثة أضرب7:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إلا أن يقاتِلوا.
الإقناع لابن المنذر 2/463، 464، التنبيه 232، شرح السنة 11/47، شرح صحيح مسلم 12/48.
2 أظهرهما: جواز القتل. وانظر: الحلية 7/650، المنهاج 137.
3 سبق الكلام على هذه المسألة ص 93 من هذا الكتاب.
4 أحكام القرآن للشافعي 2/23، 24، 25، النكت والعيون للماوردي 2/391، 392، معالم التنزيل للبغوي 4/84.
5 قوله تعالى:
{ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} الآيتان (91، 92) من سورة التوبة.
وقوله تعالى:
{ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ...} من الآية 17 من سورة الفتح.
6 في (أ) (كتاب أهل البغي).
7 تحرير التنقيح 110.

 

ص -373-     أحدها: قتال أهل البغي.
والثاني: قتال الخوارج.
والثالث: قتال قطاع الطريق.
فأما قتال أهل البغي والخوارج فيُقاتلون مقبلين غير مدبرين، ولا يُتبع مُدبرهم ولا يُذفّف1 على جريحهم2.
وأما قطاع الطريق فيتبعوا حتى يتفرقوا، أو يُنفَوا من الأرض، ولا يُذفّف على جريحهم3، فإذا وضعت الحرب أوزارها رددنا عليهم ما في أيدينا من أموالهم، وأخذنا منهم ما في أيديهم من أموالنا4.
وهل يتبع الخوارج وأهل البغي ما أتلفوا من نفس ومال؟ على قولين5:
وإنما نحكم لهم بحكم أهل البغي إذا وجدت ثلاث شرائط6: لأن يكون لهم تأويل، وأن ينصبوا إماما، وأن تظهر لهم شوكة، فإن عدم بعض هذه الشرائط كان حكمهم حكم قاطع الطريق7.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التذفيف على الجريح: الإجهاز عليه وتعجيل قتله. تحرير ألفاظ التنبيه 322.
2 الأم 4/229، الإقناع للماوردي 174.
3 الأحكام السلطانية 62، 63، تحفة الطلاب 2/402.
4 الأحكام السلطانية 61، المهذب 2/216، 220، الروضة 10/56.
5 أصحهما: لا ضمان عليهم. الحلية 7/619، فتح المنان 408.
6 الأم 4/230، الوجيز 2/164، فتح الوهاب 2/153.
7 المصادر السابقة، ومغني المحتاج 4/124.