اللباب في الفقه الشافعي

ص -374-     كتاب السيَر1
وكل ما أحرزه الكفار من أموال المسلمين كان مالكها2 أحق بها قبل القسمة وبعدها3، وكل ما أحرزه4 المسلمون من أموالهم بالقهر والغلبة فهو غنيمة يخمّس5 إلا السلب فإنه للقاتل6 في أحد القولين7.
وأما ما أكلوه من طعامهم في ديارهم8 فإذا خرجوا ردّ باقيه إلى المغنم9، ولا ينحرف مسلم عن كافر إلا متحرّفا لقتال، أو متحيِّزا إلى فئة10، ويُقتل كل كافر إلا خمسة كما ذكرنا11.
وللإمام له أن ينصب عليهم المنجنيق، ويستعمل فيهم الحَرَق، والغَرَق، ويعقر دوابهم في حال القتال12، فإن كان فيهم مسلمون أو مستأمنون يكره له أن يستعمل فيهم التحريق، والتغريق، ونصب المنجنيق إلا أن يجد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في (ب) (باب السير).
2 من المسلمين.
3 الحاوي 14/217، الحلية 7/672.
4 في (أ) (ما أخذه).
5 مغني المحتاج 4/230.
6 في (أ) (فإنه يخمس للقاتل).
7 هذا أصح القولين في أن السلب للقاتل ولا يخمس، والثاني: يخمس. وقد سبقت المسألة ص 183 وانظر: المهذب 2/238، الروضة 6/375.
8 في (أ) (دارهم).
9 على الصحيح. نهاية المحتاج  8/74، 75، حاشية الشرقاوي 2/405.
10 أحكام القرآن للشافعي 2/41، 42، معالم التنزيل للبغوي 3/337، الغاية القصوى 2/949.
11 انظر ص 372.
12 الأم 4/306، الإقناع للماوردي 176، المهذب 2/234، 235.

 

ص -375-     منه بُدّا، ولم1 يتترَّسوا بأطفالهم2، فإن تترَّسوا3 ففيه قولان4:
أحدهما: يكف عنهم.
والثاني: يقصدونهم دون أطفالهم5.
ولو مات مستأمن في دار الإسلام رددنا ماله إلى ورثته، فإن لم يكن له وارث فهو فيء يوضع في بيت مال المسلمين، ويصرف إلى أهل الفيء6.
باب الجزية7
أقل الجزية دينار8، وهل على الفقير جزية؟ فيه قولان9.
وليس على غير الرجال البالغين العاقلين جزية10، ولا تؤخذ إلا ممن كان له كتاب أو شبه كتاب، عربيّا كان أو عجميا11

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأم 4/306، الإقناع للماوردي 176، المهذب 2/234، 235.
2 (ولم يتترّسوا بأطفالهم): أسقطت من (ب).
3 في (ب) (ولو تترّسوا بأطفالهم).
4 أظهرهما: الثاني. وانظر: المصادر السابقة، والحاوي 14/186، 187، مغني المحتاج 4/224.
5 في (ب) (يُقصدون دون الأطفال).
6 تحفة الطلاب 2/408.
7 في (أ) (كتاب الجزية).
8 كلّ سنة. الوجيز 2/200، الغاية القصوى 2/957.
9 أصحهما وجوب الجزية عليه. مختصر المزني 384، الحلية 7/698، المنهاج 139.
10 الأم 4/185، الأحكام السلطانية 144، كفاية الأخيار 2/133.
11 الأم 4/184، عمدة السالك 179.

 

ص -376-     ويشترط الإمام عليهم أن من ذَكَر كتاب الله عز وجل، أو محمدا صلى الله عليه وسلم، أو أحدا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو دين الله – عز وجل – بما لا ينبغي، أو زنا بمسلمة أو أصابها باسم نكاح، أو فتن مسلما عن دينه، أو قطع عليه الطريق، أو أعان أهل الحرب بدلالة على المسلمين، أو آوى عينا1 لهم فقد نقض عهدَه، وأحلّ دمَه، وبرئت2 منه ذمة الله عز وجل، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم3.
ويشترط عليهم أن لا يُسمعوا المسلمين كفرهم، وقولهم في عزير والمسيح، وأن لا يسمعوهم صوت ناقوس، فإن فعلوا عُزِّروا، ولا يحدثوا في أمصار المسلمين كنيسة، ولا مجمعا لصلواتهم، ولا يُظهروا فيه حمل خمر، ولا إدخال خنزير، ولا يُحدثوا بناء يتطاولون به بناء المسلمين، وأن يفرّقوا بين هيئاتهم – في الملبس والمركب – وبين هيئات المسلمين، وأن يعقدوا الزنانير4 على أوساطهم، ولا يدخلوا مسجدا، ولا يسقوا مسلما خمرا، ولا يبيعوا الخمر على المسلم، ولا يطعموه لحم الخنزير5.
ولا يجوز لكافر أن يسكن أرض الحجاز، ويجوز أن يمرّ فيها، ويقيم فيها مقام المسافر ثلاثة أيام6، ولا يدفن كافر في حرم7 فإن دُفن نُبِش ما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المراد به الجاسوس.
2 في (ب) (وبرئ من ذمة الله تعالى، وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم).
3 مختصر المزني 385، الأحكام السلطانية 145، التنبيه 238.
4 الزُّنَّار: حزام يشدُّه النصراني على وسطه.
المصباح المنير 256، معجم لغة الفقهاء 234.
5 المصادر في الحاشية ما قبل السابقة، والأم 4/209، الإقناع للماوردي 180، المهذب 2/254، 255، عمدة السالك 179، كفاية الأخيار 2/136.
6 الحاوي 14/ 336، 338، الوجيز 2/199، الغاية القصوى 2/956، 957، إعلام الساجد 74.
7 في (ب) (في أرض الحجاز).

 

ص -377-     لم يتفتت1.
باب الهدنة
قال الله تعالى:
{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ..}2.
فالمستحب للإمام أن لا يهادنهم أكثر من أربعة أشهر، أو يهادنهم3 على أنه متى بدا له نقَضَ العهد، فإن نزلت بالمسلمين نازلة – وأرجوا أن لا تكون أبدا4 – هادنهم المدة الطويلة، ولا يجاوز مدة أهل الحديبية وهي عشر سنين، ولا يجوز أن يهادنهم على خراج من المسلمين5.
ولا يجوز أن يدفع /6 مسلم مالا إلى مشرك لحقن دمه إلا في ثلاث مسائل7:
أحدها: أن يحيط به العدو.
والثاني: أن يؤسَر.
والثالث: إذا توجه عليه القصاص فيبذل الدية.
ومن هادنهم الإمام على ما لا يجوز كان ذلك الشرط الفاسد منقوضا8.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأحكام السلطانية 167، إعلام الساجد 175، مغني المحتاج 4/148.
2 الآيتان رقم (1، 2) من سورة التوبة.
3 في (أ) (ويهادنهم).
4 في (أ) (ورجوا أن لا يكون أبدا).
5 الأم 4/199، 200، مختصر المزني 386، الإقناع لابن المنذر 2/498، نهاية المحتاج 8/107، 108.
6 نهاية لـ (64) من (أ).
7 الأشباه للسيوطي 491، تحرير التنقيح 113.
8 مغني المحتاج 4/261.

 

ص -378-     فإن جاءتنا امرأة منهم، أو عبد مسلم ففيه قولان1:
أحدهما: يُعطى قيمة العبد، وما أنفق على المرأة.
والثاني: لا يُعطى شيئا.
ومتى قلنا، يُعطى، فإن كان العبد صغيرا ففيه قولان2:
أحدهما: لا يُعطى حتى يبلغ فيُظهر الإسلام، أو يرد عليه.
والثاني: يعطى أقل الأمرين من قيمته أو ثمنه.
ويجوز أمان كل مسلم3، ولا تجوز الهدنة إلا من الإمام أو من رجل بأمره4، ومتى نقضوا العهد بلغ بهم مأمنهم، ثم كانوا حربا للمسلمين5 /6.
باب الحكم بين المعاهدين
قال الله تعالى:
{... فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ...}7.
وذلك لا يخلو من أحد أمرين:
أحدهما: أن تكون الخصومة بين مسلم وكافر فيلزم الإمام الحكم بينهما8.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أظهرهما الثاني. مختصر المزني 387، المهذب 2/261، الحلية 7/721.
2 الحاوي 14/366، الروضة 10/345.
3 المنهاج 138، فتح الوهاب 2/176.
4 الغاية القصوى 2/961، السراج الوهاج 554.
5 الروضة 10/337، مغني المحتاج 4/262.
6 نهاية لـ (26) من (ب).
7 من الآية (42) من سورة التوبة.
8 الحاوي 14/386.

 

ص -379-     والثاني: أن تقع بين كافرين، وفيه قولان1:
أحدهما: يحكم بينهما.
والثاني: هو بالخيار؛ إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم.
باب خراج الأراضي
الأراضي ضربان2:
أحدهما: ما فتحت عَنوَة.
والثاني: ما فتحت صلحا.
فأما ما فتحت عَنوة فهي غنيمة بين الغانمين، فإن استطاب الإمام أنفسهم عنها، فوضع عليها خراجا وأوقفها فإن ذلك الخراج لازم أبدا في الحالين3 الكفر والإسلام4.
وهل طريق ما يؤخذ من خراجه طريق الأجرة أو الثمن5؟ على قولين6.
وأما ما فتحت صلحا فهي على ضربين7:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أصحهما الأول. وانظر: أحكام القرآن للشافعي 2/73، الأم 4/222، أحكام القرآن للهراسي 3/157، معالم التنزيل 3/59.
2 تحرير التنقيح 113، 114.
3 في (ب) (في حالتي).
4 الأم 4/298، الحاوي 14/260، الغاية القصوى 2/952.
5 في (أ) (والثمن).
6 أصحهما الأول. التنبيه 241، الحلية 7/726، 727، مغني المحتاج 4/235.
7 الأحكام السلطانية 147، الحاوي 14/266، 267، الوجيز 2/201.

 

ص -380-     أحدهما: أن يقع الصلح على أن تكون الأراضي للمسلمين، فحكمها1 حكم الأراضي التي فتحت عنوة.
والثاني: أن يصالحوا على أن تكون الأراضي لهم على أن يؤدوا عنها خراجا في كل سنة، فإن حكمه حكم الجزية، ويسقط بالإسلام.
ولهذا قال الشافعي2 – رضي الله عنه -: "إن بيع دور مكة جائز، لأنها فتحت صلحا3".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في (ب) كرّر نفس ما ذكر فيما تحت عنوة.
2 في (أ) (ولهذا قلنا) بدل (قال الشافعي).
3 الحلية 7/725، إعلام الساجد 151، شرح صحيح مسلم 9/10، مغني المحتاج 4/236.