اللباب في الفقه الشافعي

ص -401-     كتاب الأيمان والنذور
والأيمان نوعان: يمين تقع في خصومة، ويمين لا تقع في خصومة.
فاليمين التي تقع في الخصومة نوعان1: يمين دفع، وهي يمين المنكر، ويمين استحقاق، وهي خمسة2: اللعان3، والقسامة، واليمين /4 في الأموال الخاصة، والنكول وردّ اليمين في جميع الدعاوى، وهل طريقه طرق الإقرار أم البيِّنة؟ على قولين5.
والخامس: اليمين مع الشاهدين في سبع مسائل6: في الرّد بالعيب، ودعوى البكر الناشز العِنَّة، وفي الجراح على كل عضو باطن، ودعوى الإعسار، وعلى الغائب، وعلى الميّت ، وأن يقول لامرأته: "أنت طالق أمس"، ثم قال: "أردت أنها كانت مطلّقة من غيري" فإنه يقيم الشهود في هذه المسائل ويحلف معها.
وأما اليمين في غير الخصومة فثلاث7:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مختصر قواعد الزركشي 832.
2 مختصر المزني 418، الحاوي 17/123، المنثور 3/381، تحرير التنقيح 123، حاشية الشرقاوي 2/475.
3 من قوله: (خمسة...إلى...على قولين) كُرِّر في (أ).
4 نهاية لـ (28) من (ب).
5 أظهرهما: الأول. وانظر: فتح العزيز 10/447، أدب القضاء لابن أبي الدم 229، المنثور 3/283.
6 التنقيح 202/ أ، تحفة الطلاب 2/475، 476، مغني المحتاج 4/467.
7 الأم 7/66، التنبيه 193، الحلية 7/243.

 

ص -402-     أحدها: يمين لغو، وهو قول الرجل: "لا والله، وبلى والله"، لا يقصد به اليمين.
والثانية: يمين المُكرَه.
وهما لا ينعقدان.
والثالثة: اليمين المعقودة، وهي نوعان: على مستقبل، أو على ماض، فإن حلف على ماض فاجرا؛ فذلك اليمين الغموس1.
والأيمان خمس2:
أحدها: أن يحلف بالله – تعالى – أو بصفة من صفاته أو باسم من أسمائه.
والثانية: الطلاق.
والثالثة: العتاق.
والرابعة: نذر العبادات3، وفيه قول آخر4: أنه ليس بيمين.
والخامسة: نذر إخراج الأموال5.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الإإقناع لابن المنذر 1/276، شرح السنة 10/12.
2 الأم 2/278، 279، الإقناع للماوردي 188، 189، المهذب 2/129، تحرير التنقيح 123.
3 وهو المعروف بنذر اللَّجاج والغضب، أو: يمين الألأَّجاج والغضب، كأن يقول: "إن كلّمت فلانا فالله عليَّ صوم ثلاثة أيام، أو حج" أو نحو ذلك، فإن كلّمه فإنه يلزمه الوفاء بما التزم به على أشهر الأقوال، والقول الثاني: يلزمه كفارة يمين، والثالث: يتخيّر بينهما.
وانظر: الحلية 3/336، الروضة 3/294، مغني المحتاج 4/356.
4 انظر الحاشية السابقة ومراجعها.
5 انظر: المصادر السابقة، وكفاية الأخيار 2/153.

 

ص -403-     وحروف القسم أربعة: الألف1، والباء، والتاء، والواو، فيقول: آالله، وبالله، وتالله، ووالله2.
وألفاظ اليمين ثلاثة3، أن يقول: أقسم بالله، وأشهد بالله، وأعزم بالله، فإن لم يذكر (الله) فليس بيمين.
وينقطع حكم اليمين بخمسة أشياء4: البر، والحِنث، والاستثناء المتصل، واستحالة البر مثل أن يقول: "والله لأشرب ماء هذا الكوز" فانصب الماء، وانحلال اليمين.
ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ثم ليُكفّر5، فإن قدّم الكفارة جاز إلا الصوم6.
وإن حلف لا يتزوج على امرأته فتزوّج وهي في عدّة منه رجعية حنِث، وإن قال: "أتزوج عليها" فتزوج وهي في عدة منه رجعية7 كان بارًّا8.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الصحيح أن (الألف) ليست من حروف القسم، وإنما هي كناية، فلو قال: "آالله" مع مدّ الألف أو عدمه فهو كناية إن نوى به الله فهو يمين وإلا فلا,
وانظر: الروضة 11/7، مغني المحتاج 4/322، فتح المنان 448.
2 المصادر السابقة.
3 المهذب 2/131، شرح السنة 10/5.
4 التنقيح 202/ أ، تحفة الطلاب 2/480.
5 الأم 7/66، التنبيه 199، عمدة السالك 186.
6 هذا الصحيح المشهور، وفيه وجه وقول قديم: أنه يجوز، وانظر المصادر السابقة، والروضة 11/17.
7 من قوله: (حنث... إلى... رجعيّة): أسقط من (ب).
8 جواهر العقود 2/321.

 

ص -404-     ولو حلف أن لا يسكن ، أو لا يركب، أو لا يلبس فإن خرج، أو ترك، أو نَزَعَ1 مكانه، وإلا حنث2.
ولو قال /3: "لا آكل هذه التمرة، ولا أخرجها، ولا أمسكها" أكل بعضها4.
وإن قال: "لا آكل هذه التمرة" فاختلطت بتمر كثير فأكله إلا تمرة لم يحنث حتى يتيقّن أنه أكلها، والورع أنه يحنث نفسه5.
ولو حلف لا يأكل حنطة فأكل دقيقا أو سويقا، أو لا يأكل لحما فأكل ألْيَة6، أو شحما، أو لحما غير لحم النّعم من الصيود والطيور، ولا يأكل رطبا فأكل تمرا، أو لا يأكل لبنا فأكل زبدا أو جبنا، أو لا يشرب سويقا فأكله، أو لا يأكل خبزا فشربه، أو لا يشرب شيئا فذاقه، أو لا يكلّم فلانا وسلَّم على قوم المحلوف عليه فيهم ولم يَنْوِه، أو كتب إليه كتابا، أو أرسل إليه رسولا، أو لا يأكل رأسا فأكل غير رأس النّعم7 لم يحنث في هذا كلّه8.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: نزع الثوب.
2 المهذب 2/132.
3 نهاية لـ (70) من (أ).
4 جواهر العقود 2/321.
5 فتح الوهاب 2/201، مغني المحتاج 4/343.
6 الأَلْية: عجيزة الشاة؛ جمعها: أليات. اللسان 14/42.
7 في (أ) (فأكل رأس الغنم).
8 مختصر المزني 401، 402، الإقناع للماوردي 190، 191، التنبيه 196، الغاية القصوى 2/997، جواهر العقود 2/326، 329.

 

ص -405-     باب النذور
النّذر1: ما يُقصَد به التقرّب إلى الله تعالى.
وهو على ثلاثة أنواع: محظور، ومباح، ومستحب.
فإن نذر محظورا لم يلزم2، مثل أن يقول: "أصلي وأنا مُحدِث"، أو "أصوم وأنا حائض"، أو "أنحر ابني"، أو "أحرق مالي" وما شابه ذلك.
وأما المباح فهو في معنى المحظور3، وهو أن يقول: "ألبس ثوبا حسنا"، أو "آكل طعاما طيّبا" وما شابه ذلك.
وأما المستحب فلازم4، مثل أن يقول: "أحج، أو أعتمر، أو أصوم، أو أصلي".
فإن نذر الحجّ في سنة بعينها فحصره العدو فلا قضاء عليه5، فإن كان ذلك من مرض أو إضلال طريق6، أو نسيان، أو توانٍ7؛ قضاه8.
ولو نذر صوم سنة بعينها صامها إلا رمضان، والأيام المنهي عن صيامها، ولا قضاء عليه9.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كفاية الأخيار 2/155.
2 الأم 2/279، الإقناع لابن المنذر 1/278.
3 الحاوي 15/465، القلائد 2/410.
4 الإقناع للماوردي 192، المجموع 9/453، فتح المنان 453.
5 في الأظهر.
6 في (أ) (أو ضلّ الطريق).
7 أي: عدم اهتمام.
8 على الصحيح من المذهب. وانظر: الروضة 3/321، 322، أسنى المطالب 1/585، 586، مغني المحتاج 4/364، 365.
9 التنبيه 85، عمدة السالك 111.

 

ص -406-     وإن قال: "أصوم يوم يقدم فلان"، ففيه قولان1:
أحدهما: لا يصح نذره؛ لأنه لا يمكنه الوفاء به.
والثاني: يصح نذره، فإن قدم ليلا؛ انحل نذره2، وإن قدم نهارا؛ قضاه.
فإن قال: "أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا3"، فقدم يوم الإثنين، صام كل يوم اثنين يستقبله4 إلا ما ذكرنا، وفي قضائه قولان5.
باب أدب القاضي
والمستحب للقاضي أن لا يقعد في المسجد، وأن لا يكون له حجابا، ويقعد ساكن الجأش6 من كل شيء، ولا يمتنع من شهود الجنائز، وعيادة المرضى، ويأتي مَقْدَمَ7 الغائب، ويحضر الولائم كلها أو يتأخر عن جميعها، ولا بأس أن يقول للخصمين: تكلّما، أو يسكت حتى يبتدئ أحدهما، ولا يُقدِّم رجلا جاء قبل رجل، ولا يستمع في مجلس إلا في حكم واحد، وإن بان8 له من أحد الخصمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أصحهما: الثاني. وانظر الفروق للجرجاني 112، الحلية 3/344.
2 ولا صوم عليه.
3 (أبدا): أسقطت من (ب).
4 تحرير التنقيح 125.
5 أصحهما: لا يقضيه. وانظر: الحلية 3/343، الروضة 3/316، الغاية القصوى 2/1003.
6 الجأش: النفس، وقيل: القلب. وانظر: اللسان 6/269 (جأش).
7 وقت قدومه ومجيئه.
8 في (أ) (كان).

 

ص -407-     لَدَدًا1 نهاه، فإن عاد زَبَرَه2 وعزَّرَه3، ويشاور العلماء الأمناء4 ولا يقلِّد غيره5.
وهل يحكم بعلمه؟ على قولين6:
فإن بان له خطأ نقض حكمه، وإن أدى اجتهاده إلى شيء، ثم أدى اجتهاده إلى شيء آخر حكم بالاجتهاد الثاني ولا ينقض الأول7.
ولا يقبل الجرح، والتعديل، والترجمة، والتزكية إلا من عدلين، وإن ارتاب بالشهود سألهم متفرقين، ولا يقبل التعديل حتى يقول: "عدل عليَّ ولي" وأن تكون المعرفة باطنة متقادمة8.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اللّدد: الخصم الشحيح الذي لا يزيغ إلى الحق, وانظر: القاموس 1/348، المصباح 551.
2 زَبَرَه: نهَرَه وزجره.
3 (وعزّره) زيادة من (ب)، والتعزير إنما يكون بعد عدم امتناعه بالزّبر والزّجر والكلام، فإن للقاضي بعد ذلك أن يتجاوز زواجر الكلام إلى الضرب والحبس تعزيرا وأدبا يجتهد رأيه  فيه حسب خصومته وعلى قدر منزلته.
وانظر: الحاوي 16/47.
4 (الأمناء) زيادة من (ب).
5 الأم 6/214، 215، 220، مختصر المزني 407، 410، أدب القاضي لابن القاص 1/152، 159، أدب القضاء لابن أبي الدم 106، 107، 110، 111، 133، التنبيه 252، 253، 254، الروضة 11/162.
6 أظهرهما: يقضي بعلمه إلا في حدود الله تعالى.
وانظر: أدب القاضي لابن القاص 1/148، الحاوي 16/321-322، مغني المحتاج 4/398.
7 الأم 6/220، أدب القضاء لابن أبي الدم 164-165، الروضة 11/150.
8 الأم 6/221، 222، مختصر المزني 408، كفاية الأخيار 2/162، 163.

 

ص -408-     وينبغي أن يكون كاتب القاضي، وصاحب مشورته عالما /1 فقيها، ويختم كيس الرِّقاع2 ولا يفتحها حتى ينظر إلى ختمها3.
ولا يقبل كتاب قاض إليه إلا بشهادة عدلين4.
باب القسمة5
وتُعطى أجرة القسَّام من بيت المال6، فإن لم يعطوه فمن مال تقع له القسمة7، وإن أبى القسم سائر الشركاء إلا واحدا وكان بعضهم ينتفع به بعد القسمة يقسم وإن لم ينتفع الباقون8، ويقسمه بالقرعة على أقل السهام، ولا يجوز أن يجعل السفل لواحد والعلو لواحد، وإن ادعى بعضهم غلطا قبل قوله مع البينة، فإن استحق بعض المقسوم، أو لحق الميت ديْنٌ نقض القسمة، ولا يقسم صنف المال مع غيره9.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نهاية لـ (71) من (أ).
2 الرِّقاع: جمع رقعة، وهي الورقة أو الجلد الذي يكتب عليه الدعوى والأحكام ويقابله الآن السجلات المعروفة.
3 أدب القاضي لابن القاص 1/117، الحاوي 16/199، 290، 291، أدب القضاء لابن أبي الدم 109، نهاية المحتاج 8/252.
4 أدب القاضي لابن القاص 2/349، والمهذب 2/304.
5 في (أ) (كتاب القسمة). والمراد بها: تمييز الحصص بعضها من بعض.
6 التنبيه 258.
7 الصحيح من المذهب أن أجرته على جميع الشركاء. الروضة 11/202، مغني المحتاج 4/419.
8 مختصر المزني 409.
9 الأم 6/230، 231، الحاوي 16/259، 260، 262، 263، كفاية الأخيار 2/165-166، جواهر العقود 2/412، 413.

 

ص -409-     وهل تكون أجرة القسَّام على الرؤوس أو السهام؟ فيه قولان1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أصحهما: الثاني.
الروضة 11/202، مختصر قواعد العلائي 2/618، نهاية المحتاج 8/284، 285.