المجموع شرح المهذب ط عالم الكتب

بَابٌ: فِي السَّلَامِ
وَأَحْكَامِهِ وَآدَابِهِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَتَقْبِيلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْوَجْهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا كُلِّهِ وَأَشْبَاهِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ هَذَا الْبَابَ هُنَا. وَذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ، فَرَأَيْت تَقْدِيمَهُ أَحْوَطَ، وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذَا كُلَّهُ مَبْسُوطًا بِأَدِلَّتِهِ وَفُرُوعِهِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَأَذْكُرُ هُنَا مَقَاصِدَ مُخْتَصَرَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى وَفِيهِ فُصُولٌ.
الْأَوَّلُ: فِي فَضْلِ السَّلَامِ وَإِفْشَائِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}(النور: من الآية61) وَقال تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (النساء: من الآية86)" وَقال تعالى:{إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ}(الذريات: من الآية25)" وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما "أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ بِهِ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله

 

ج / 4 ص -321-       عنهما قَالَ "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعِيفِ، وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
"لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَ لَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ" رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: قَالَ عَمَّارٌ "ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالِمِ، وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ1" وَرَوَيْنَا هَذَا فِي غَيْرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال محمد بن نجيب المطيعي : هذا الأثر أخرجه أحمد بن حنبل من طريق سفيان الثوري ورواه يعقوب بنشيبة في مسنده من طريق شعبة وزهير بن معاوية وغيرهما كلهم عن أبي إسحاق السبيعي عن صلة بن زفر عن عمار ولفظ شعبة عن عمار ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان وهو بالمعنى وهكذا رويناه في جامع معمر عن أبي إسحاق وكذا حدث به عبد الرزاق في مصنفه عن معمر وحدث به عبد الرزاق بأخرة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذا أخرجه البزار في مسنده وابن أبي حاتم في العلل وكلاهما عن الحسن بن عبد الله الكوفي وكذا رواه البغوى في شرح السنة من طريق أحمد ين كعب الواسطي وكذا أخرجه الأعرابي في معجمه عن محمد بن الصباح الصنعاني ثلاثتهم عن عبد الرزاق مرفوعا واستغربه البزار وقال أبو زرعة هو خطأ قال الحافط بن حجر بعد أن ساقه هنا (قلت)وهو معلول من حيث صناعة الإسناد لأن عبد الرزاق تغير بأخرة وسماع هؤلاء منه في حال تغيره إلا أن مثله لا يقال بالرأي فهو في حكم المرفوع وقد رويناه مرفوعا من وجه أخر عن عمار أخرجه الطبراني في الكبير وفي إسناده ضعف وله شواهد أخرى بينتها في تعليق التعليق إلى أن قال قال أبو زناد بن سراج وغيره إنماكان من جمع الثلاثة مستكملا للإيمان لأن مداره عليها لأن العبد إذا اتصف بالإنصاف لم يترك لمولاه حقا واجبا عليه إلا أداه ولم يترك شيئا مما نهاه إلا اجتنبه وهذا يجمع أركان الإيمان وبذل السلام يتضمن مكارم الأخلاق والتواضع وعدم الإحتقا ويحصل به التألف والتحابب والإنفاق من الاقتار يتضمن غاية الكرم لأنه إذا أنفق من الاحتناج كان مع التوسيع أكثر إنفاقا والنفقة أعم من أن تكون على العيال واجبة ومندوبة أو على الضيف والزائر وكونه من الاقتار يستلزم الوثوق بالله والزهد في الدنيا وقصر الأمل وغير ذلك من مهماب الأخرة وهذا التقرير يقوي أن يكون الحديث مرفوعا لأنه يشبه أن يكون كلام من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم والله أعلم .

الْفصل:الثَّانِي فِي صِفَةِ السَّلَامِ وَأَحْكَامِهِ
وَفِيهِ مَسَائِلُ: إحداها: إبْدَاءُ السَّلَامِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. قَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِذَا مَرَّتْ جَمَاعَةٌ بِوَاحِدٍ أَوْ بِجَمَاعَةٍ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمْ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ، وَأَمَّا جَوَابُ السَّلَامِ فَهُوَ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ كَانَ السَّلَامُ عَلَى وَاحِدٍ فَالْجَوَابُ: فَرْضُ عَيْنٍ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى جَمْعٍ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِذَا أَجَابَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَسَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ جَمِيعِهِمْ، وَإِنْ أَجَابُوا كُلُّهُمْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُؤَدِّينَ

 

ج / 4 ص -322-       لِلْفَرْضِ، سَوَاءٌ رَدُّوا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبِينَ، فَلَوْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ؛ وَلَوْ رَدَّ غَيْرُ الَّذِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ وَالْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ.
الثانية: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُشْتَرَطُ فِي ابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَجَوَابِهِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الِاسْتِمَاعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ رَفْعًا يَسْمَعُهُ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ وَالْمَرْدُودُ عَلَيْهِمْ سَمَاعًا مُحَقَّقًا، وَلَا يَزِيدُ فِي رَفْعِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ شَكَّ فِي سَمَاعِهِمْ زَادَ وَاسْتَظْهَرَ، وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى أَيْقَاظٍ عِنْدَهُمْ نِيَامٌ خَفَضَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ الْأَيْقَاظُ وَلَا يَسْتَيْقِظُ النِّيَامُ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ رِوَايَةِ الْمِقْدَادِ رضي الله عنه.
الثالثة: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْجَوَابِ مُتَّصِلًا بِالسَّلَامِ الِاتِّصَالَ الْمُشْتَرَطَ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْعُقُودِ.
الرابعة: يُسَنُّ بَعْثُ السَّلَامِ إلَى مَنْ غَابَ عَنْهُ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ، وَيَلْزَمُ الرَّسُولُ تَبْلِيغَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تعالى:
إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}(النساء: من الآية58)وَإِذَا نَادَاهُ مِنْ وَرَاءِ حَائِطٍ أَوْ نَحْوِهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا فُلَانُ أَوْ كَتَبَ كِتَابًا وَسَلَّمَ فِيهِ عَلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا وَقَالَ: سَلِّمْ عَلَى فُلَانٍ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ وَالرَّسُولُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ عَلَى الْفَوْرِ، صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ - الْمُفَسِّرُ - فِي كِتَابِهِ الْبَسِيطِ، وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الرَّسُولِ مَعَهُ فَيَقُولُ: وَعَلَيْكَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَفِيهِ حَدِيثٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ؛ لَكِنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُعْمَلُ فِيهَا بِالضَّعِيفِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ.
الخامسة: إذَا سَلَّمَ عَلَى أَصَمَّ أَتَى بِاللَّفْظِ لِقُدْرَتِهِ وَيُشِيرُ بِالْيَدِ لِيَحْصُلَ الْإِفْهَامُ، فَإِنْ لَمْ يَضُمَّ الْإِشَارَةَ إلَى اللَّفْظِ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا، وَكَذَا فِي جَوَابِ سَلَامِ الْأَصَمِّ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ. ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ.
السادسة: سَلَامُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ مُعْتَدٌّ بِهِ وَكَذَا جَوَابُهُ، وَلَا تُجْزِئُ الْإِشَارَةُ فِي حَقِّ النَّاطِقِ لَا سَلَامًا وَلَا جَوَابًا، وَأَمَّا إذَا جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ فَحَسَنٌ وَسُنَّةٌ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها قَالَتْ:
"مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا وَعُصْبَةٌ مِنْ النِّسَاءِ قُعُودٌ فَأَلْوَى بِيَدِهِ لِلتَّسْلِيمِ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي رِوَايَتِهِ "فَسَلَّمَ عَلَيْنَا" وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ جَمَعَ اللَّفْظَ وَالْإِشَارَةَ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِشَارَةِ إلَى السَّلَامِ بِالْأُصْبُعِ أَوْ الْكَفِّ (فَضَعِيفٌ) ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْإِشَارَةِ.
السَّابِعَةُ: فِي كَيْفِيَّةِ السَّلَامِ وَجَوَابِهِ، قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا: أَكْمَلُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَادِئُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَيَقُولُ الْمُجِيبُ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَقُولُ الْبَادِئُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَقَطْ، لِيَتَمَكَّنَ الْمُجِيبُ أَنْ يُجِيبَ بِأَحْسَنَ مِنْهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تعالى:
{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} وَلَا يُمْكِنُهُ أَحْسَنُ مِنْهَا إلَّا إذَا حَذَفَ الْبَادِئُ وَبَرَكَاتُهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

 

ج / 4 ص -323-       فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: عَشْرٌ، ثُمَّ جَاءَ آخَر فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ: عِشْرُونَ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ وَجَلَسَ فَقَالَ: ثَلَاثُونَ" رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: " ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ، فَقَالَ: أَرْبَعُونَ وَقَالَ: هَكَذَا تَكُونُ الْفَضَائِلُ".
وَأَمَّا أَقَلُّ السَّلَامِ ابْتِدَاءً1 كَأَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكَ إنْ كَانَ وَحْدَهُ، أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكَ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَوَجْهَانِ أحدهما: أَنَّهُ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي والثاني: ، وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ تَسْلِيمٌ يَجِبُ فِيهِ الْجَوَابُ، وَبِهِ قَطَعَ الْوَاحِدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا، وَلَكِنْ يُكْرَهُ الِابْتِدَاءُ بِهِ، صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ، وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي جُرَيٍّ بِضَمِّ الْجِيمِ تَصْغِيرُ جَرْوٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:
"لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ إذَا سَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ خِطَابًا لَهُ وَلِمَلَائِكَتِهِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكَ كَفَى؛ وَصِفَةُ الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ إنْ كَانَ وَاحِدًا، فَلَوْ تَرَكَ وَاوَ الْعَطْفِ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَوَجْهَانِ الصحيح الْمَنْصُوصُ في"الأم" وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْجُمْهُورُ: تُجْزِئُهُ لقوله تعالى:{سَلاماً قَالَ سَلامٌ}الذريات: من الآية25) وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ فِي الْفصل:الْأَوَّلِ فَإِنَّ اللَّهَ تعالى قَالَ: "هِيَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ".
وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الْجَوَابِ: عَلَيْكُمَا فَقَطْ لَمْ يَكُنْ جَوَابًا، وَلَوْ قَالَ: وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ فَوَجْهَانِ: أحدهما: ، وَهُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: لَيْسَ بِجَوَابٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ السَّلَامِ والثاني: أَنَّهُ جَوَابُ الْعَطْفِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ إسْلَامِهِ قَالَ
"كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ السَّلَامِ. وَلَوْ قَالَ الْمُجِيبُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَانَ جَوَابًا بِلَا خِلَافٍ، وَالْأَلْفُ وَاللَّامُ أَفْضَلُ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَنْتَ فِي تَعْرِيفِ السَّلَامِ وَتَنْكِيرِهِ مُخَيَّرٌ.
فرع: لَوْ تَلَاقَى رَجُلَانِ فَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مُبْتَدِئًا بِالسَّلَامِ لَا مُجِيبًا  فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَوَابَ صَاحِبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَلَوْ وَقَعَ كَلَامُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ، قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي: هُوَ كَوُقُوعِهِمَا مَعًا فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَوَابُ الْآخَرِ، وَأَنْكَرَ الشَّاشِيُّ هَذَا وَقَالَ: هَذَا اللَّفْظُ يَصِحُّ جَوَابًا، فَإِذَا وَقَعَ مُتَأَخِّرًا كَانَ جَوَابًا، وَلَا يَجِبُ الْجَوَابُ بَعْدَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّاشِيُّ هُوَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في العبارة ركاكة وكأن فيها خللا بعدم ورود جواب أما لو قال: قكأن يقول الخ بزيادة الفاء لانجبر الخلل واستقام المعنى والله أعلم (ط)

 

ج / 4 ص -324-       الصَّحِيحُ، قَالَ اللَّهُ تعالى:{ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ}(الذريات: من الآية25)
فرع: إذَا تَلَاقَيَا فَقَالَ الْبَادِئُ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ. قَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يَكُونُ ذَلِكَ سَلَامًا فَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ.
الثامنة: لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مُتَفَرِّقِينَ فَقَالَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَقَصَدَ الرَّدَّ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْجَمِيعِ، كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى جَنَائِزَ صَلَاةً وَاحِدَةً، ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ.
التَّاسِعَةُ: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ أَنْ يَخُصَّ طَائِفَةً مِنْ الْجَمْعِ بِالسَّلَامِ إذَا أَمْكَنَ السَّلَامُ عَلَى جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّلَامِ الْمُؤَانَسَةُ، وَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ إيحَاشٌ، وَرُبَّمَا أَوْرَثَ عَدَاوَةً.
العاشرة: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي: إذَا مَشَى فِي السُّوقِ وَالشَّوَارِعِ الْمَطْرُوقَةِ كَثِيرًا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ فِيهِ الْمُتَلَاقُونَ، فَإِنَّ السَّلَامَ هُنَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَهُ اشْتَغَلَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ وَخَرَجَ عَنْ الْعُرْفِ، قَالَ: وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَذَا السَّلَامِ جَلْبُ مَوَدَّةٍ أَوْ دَفْعُ مَكْرُوهٍ.
الحادية عشرة: إذَا دَخَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ يَعُمُّهُمْ سَلَامٌ وَاحِدٌ اقْتَصَرَ عَلَى سَلَامٍ وَاحِدٍ عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَمَا زَادَ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ فَهُوَ أَدَبٌ، وَيَكْفِي أَنْ يَرُدَّ مِنْهُمْ وَاحِدٌ، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ أَدَبٌ قَالَ: فَإِنْ كَانُوا جَمْعًا لَا يَنْتَشِرُ فِيهِمْ السَّلَامُ الْوَاحِدُ كَالْجَامِعِ وَالْمَجَالِسِ الْوَاسِعَةِ الْحَفِلَةِ فَسُنَّةُ السَّلَامِ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ الدَّاخِلُ أَوَّلَ دُخُولِهِ إذَا وَصَلَ الْقَوْمَ، وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا سُنَّةَ السَّلَامِ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ، وَيَدْخُلُ فِي فَرْضِ كِفَايَةِ الرَّدِّ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِيهِمْ سَقَطَ عَنْهُ سُنَّةُ السَّلَامِ عَلَى الْبَاقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَجَاوَزَهُمْ وَيَجْلِسَ فِيمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا سَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ فَوَجْهَانِ أحدهما: أَنَّ سُنَّةَ السَّلَامِ حَصَلَتْ بِسَلَامِهِ عَلَى أَوَّلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ جَمْعٌ وَاحِدٌ، فَعَلَى هَذَا إنْ أَعَادَ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ كَانَ أَدَبًا. قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ مَتَى رَدَّ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ جَمِيعِ مَنْ فِيهِ والثاني: أَنَّهَا بَاقِيَةٌ لَمْ تَحْصُلْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ، فَعَلَى هَذَا لَا يَسْقُطُ فَرْضُ الرَّدِّ عَنْ الْأَوَّلِينَ بُرْدِ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ، وَلَعَلَّ هَذَا الثَّانِيَ أَصَحُّ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه
"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمَا ثَلَاثًا" وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْجَمْعُ كَثِيرًا، وَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّلَامِ مَعَ الِاسْتِئْذَانِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ الله تعالى.
الثانية عشرة: إذَا سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ ثُمَّ فَارَقَهُ ثُمَّ لَقِيَهُ عَلَى قُرْبٍ أَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ ثُمَّ اجْتَمَعَا، فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا لَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَالِثًا وَرَابِعًا وَأَكْثَرَ سَلَّمَ عِنْدَ كُلِّ لِقَاءٍ وَإِنْ قَرُبَ الزَّمَانُ. اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ
"أَنَّهُ صَلَّى فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ عليه السلام، ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فصل:فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلِّي ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "إذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ"

 

ج / 4 ص -325-       رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ "كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَمَاشُونَ فَإِذَا اسْتَقْبَلَتْهُمْ شَجَرَةٌ أَوْ أَكِمَةٌ فَتَفَرَّقُوا يَمِينًا وَشِمَالًا ثُمَّ الْتَقَوْا مِنْ وَرَائِهَا سَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ" رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ.
الثالثة عَشْرَةَ: السُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ قَبْلَ كُلِّ كَلَامٍ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَعَمَلُ الْأُمَّةِ عَلَى وَفْقِ هَذَا مِنْ الْمَشْهُورَاتِ، فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ وأما: حَدِيثُ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
"السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ" فَضَعِيفٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
الرابعة عشرة: يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَلَاقِيَيْنِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم
"وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ" وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاَللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ السَّلَامَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ "قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلَانِ يَلْتَقِيَانِ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ؟ قَالَ: أَوْلَاهُمَا بِاَللَّهِ تعالى" قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
الخامسة عشرة: السُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ، فَلَوْ ابْتَدَأَ الْمَاشِي بِالسَّلَامِ عَلَى الرَّاكِبِ أَوْ الْقَاعِدُ عَلَى الْمَاشِي، أَوْ الْكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ، أَوْ الْكَثِيرُ عَلَى الْقَلِيلِ لَمْ يُكْرَهْ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى صَرَّحَ بِعَدَمِ كَرَاهَتِهِ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ، وَهَذَا الِاسْتِحْبَابُ فِيمَا إذَا تَلَاقَيَا أَوْ تَلَاقَوْا فِي طَرِيقٍ، فَأَمَّا إذَا وَرَدَ عَلَى قَاعِدٍ أَوْ قَوْمٍ، فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
"قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: "يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ".
السادسة عشرة: حَكَى الرَّافِعِيُّ فِي السَّلَامِ بِالْعَجَمِيَّةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أحدها: لَا يُجْزِئُ والثاني: يُجْزِئُ والثالث: إنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِلَّا فَيُجْزِئُهُ، وَالصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ صِحَّةُ سَلَامِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَوُجُوبُ الرَّدِّ عَلَيْهِ إذَا فَهِمَهُ الْمُخَاطَبُ سَوَاءٌ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى تَحِيَّةً وَسَلَامًا، وَأَمَّا مَنْ لَا يَسْتَقِيمُ نُطْقُهُ بِالسَّلَامِ فَيُسَلِّمُ كَيْفَ أَمْكَنَهُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ.
السابعة عشرة: السُّنَّةُ إذَا قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ وَأَرَادَ فِرَاقَ الْجَالِسِينَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
"إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الْأُخْرَى" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمُتَوَلِّي: جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ بِالسَّلَامِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ الْقَوْمِ، وَذَلِكَ دُعَاءٌ مُسْتَحَبٌّ، جَوَابُهُ: وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ اللِّقَاءِ لَا عِنْدَ الِانْصِرَافِ فَظَاهِرُهُ: مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ قَالَ الشَّاشِيُّ: هَذَا الَّذِي قَالَاهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ عِنْدَ الِانْصِرَافِ كَمَا هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ.
الثامنة عشرة: يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالصِّبْيَانِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه
"أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ السُّنِّيّ

 

ج / 4 ص -326-       وَغَيْرِهِ قَالَ "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا صِبْيَانُ" وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى صَبِيٍّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَأَصْحَابُنَا: لَا يَلْزَمُهُ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْجَوَابُ، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ صَبِيٌّ فَرَدَّ الصَّبِيُّ وَلَمْ يَرُدَّ أَحَدٌ مِنْ الْبَالِغِينَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ: لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُمْ بِجَوَابِهِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ فَرْضٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ، وَقَالَ الشَّاشِيُّ: يَسْقُطُ بِهِ كَمَا يَصِحُّ أَذَانُهُ لِلرَّجُلِ، وَيَحْصُلُ بِهِ أَدَاءُ الشَّعَائِرِ، وَهَذَا الْخِلَافُ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِي سُقُوطِ الْفَرْضِ بِصَلَاتِهِ عَلَى الْمَيِّتِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمَنْصُوصَ سُقُوطُهُ فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ، وَالْأَصَحُّ هُنَا خِلَافُهُ، وَلَوْ سَلَّمَ صَبِيٌّ عَلَى بَالِغٍ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ فِي وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إسْلَامِهِ وَالصَّحِيحُ: وُجُوبُ الرَّدِّ لِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}(النساء: من الآية86)قَالَ الشَّاشِيُّ: هَذَا الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ فَاسِدٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
التاسعة عشرة: سَلَامُ النِّسَاءِ عَلَى النِّسَاءِ كَسَلَامِ الرِّجَالِ عَلَى الرِّجَالِ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ؛ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَوْ سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ - فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ أَوْ كَانَتْ أَمَتَهُ - كَانَ سُنَّةً، وَوَجَبَ الرَّدُّ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَجُوزًا خَارِجَةً عَنْ مَظِنَّةِ الْفِتْنَةِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى شَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا الرَّدُّ. وَلَوْ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ كُرِهَ لَهُ الرَّدُّ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ جَمْعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ الرَّجُلُ أَوْ كَانَ الرِّجَالُ جَمْعًا كَثِيرًا فَسَلَّمُوا عَلَى الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فَهُوَ سُنَّةٌ - إذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِنَّ وَلَا عَلَيْهَا فِتْنَةٌ لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها قَالَتْ
"مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ" - وَفِي رِوَايَةٍ - "كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي الْقِدْرِ، وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إلَيْنَا" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَتُكَرْكِرُ: تَطْحَنُ. وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها قَالَتْ "أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرهُ فَسَلَّمْتُ وَذَكَرَتْ تَمَامَ الْحَدِيثِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الْعِشْرُونَ: فِي السَّلَامِ عَلَى الْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ الْمُجَاهِرِ بِفِسْقِهِ، وَمَنْ ارْتَكَبَ ذَنْبًا عَظِيمًا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ، وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ أحدهما: مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وأصحهما: لَا يُسْتَحَبُّ، بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَالْبُخَارِيِّ صَاحِبِ الصَّحِيحِ. وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ لِلْمَسْأَلَةِ فِي صَحِيحِهِ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ هُوَ وَرَفِيقَانِ لَهُ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ
"وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلَامِنَا قَالَ وَكُنْتُ آتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَأَقُولُ: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا؟" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ "لَا تُسَلِّمُوا عَلَى شَرَبَةِ الْخَمْرِ" فَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا يُرَدُّ السَّلَامُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ كَعْبٍ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى السَّلَامِ عَلَى الظَّلَمَةِ بِأَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَخَافَ تَرَتُّبَ مَفْسَدَةٍ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ: يَنْوِي حِينَئِذٍ أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تعالى، وَمَعْنَاهُ اللَّهُ رَقِيبٌ عَلَيْكُمْ.
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: إذَا سَلَّمَ مَجْنُونٌ أَوْ سَكْرَانُ هَلْ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ أصحهما: أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمَجْنُونِ سَاقِطَةٌ وَكَذَا عِبَارَةُ السَّكْرَانِ فِي الْعِبَادَاتِ.

 

ج / 4 ص -327-       الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: لَا يَجُوزُ السَّلَامُ عَلَى الْكُفَّارِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْنِ أحدهما: هَذَا والثاني: يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ لَكِنْ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، وَلَا يَقُولُ: عَلَيْكُمْ، وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ، وَإِذَا سَلَّمَ الذِّمِّيُّ عَلَى مُسْلِمٍ، قَالَ فِي الرَّدِّ: وَعَلَيْكُمْ وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَقُولُ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَلَكِنْ لَا يَقُولُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ، وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٍ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ: السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْ: وَعَلَيْكَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
فرع: لَوْ سَلَّمَ مُسْلِمٌ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ مُسْلِمًا فَبَانَ كَافِرًا، قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَرِدَّ سَلَامَهُ، فَيَقُولُ لَهُ: رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي، أَوْ اسْتَرْجَعْتُ سَلَامِي، وَالْمَقْصُودُ: إيحَاشُهُ وَأَنَّهُ لَا مُؤَالَفَةَ بَيْنَهُمَا، قَالَ: وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَاسْتُحِبَّ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّهُ؛ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ.
فرع: لَوْ مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ كُفَّارٌ وَمُسْلِمُونَ، أَوْ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَيَقْصِدَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْمُسْلِمَ لِحَدِيثِ أُسَامَةَ رضي الله عنه
"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
فرع: إذَا كَتَبَ إلَى كَافِرٍ كِتَابًا فِيهِ سَلَامٌ أَوْ نَحْوُهُ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَكْتُبَ نَحْوَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيث أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ
"مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى".
فرع: إذَا أَرَادَ تَحِيَّةَ ذِمِّيٍّ بِغَيْرِ السَّلَامِ - قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ: لَهُ ذَلِكَ، بِأَنْ يَقُولَ: هَدَاكَ اللَّهُ أَوْ أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَكَ، وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، إنْ احْتَاجَ إلَى تَحِيَّتِهِ لِدَفْعِ شَرِّهِ أَوْ نَحْوِهِ. فَيَقُولُ: صَبَّحَكَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ بِالْعَافِيَةِ أَوْ بِالْمَسَرَّةِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ فَالِاخْتِيَارُ أَلَّا يَقُولَ شَيْئًا، فَإِنَّ ذَلِكَ بَسْطٌ وَإِينَاسٌ وَإِظْهَارُ مَوَدَّةٍ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ، وَنُهِينَا عَنْ وُدِّهِمْ.
الثالثة وَالْعِشْرُونَ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ سَلَّمَ فِي حَالَةٍ لَا يُشْرَعُ فِيهَا السَّلَامُ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا قَالُوا: فَمِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى مُشْتَغِلٍ بِبَوْلٍ أَوْ جِمَاعٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا، وَيُكْرَهُ جَوَابُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ كَانَ نَائِمًا أَوْ نَاعِسًا أَوْ فِي حَمَّامٍ، وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مُشْتَغِلٌ بِمَا لَا يُؤَثِّرُ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي حَالِهِ، وَأَمَّا الْمُشْتَغِلُ بِالْأَكْلِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْمُتَوَلِّي: لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ اللُّقْمَةُ فِي فِيهِ، وَكَانَ يَمْضِي زَمَانٌ فِي الْمَضْغِ وَالِابْتِلَاعِ وَيَعْسُرُ الْجَوَابُ فِي الْحَالِ قَالَ: فَأَمَّا إنْ سَلَّمَ بَعْدَ الِابْتِلَاعِ وَقَبْلَ

 

ج / 4 ص -328-       وَضْعِ لُقْمَةٍ أُخْرَى فَلَا يَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ، أَمَّا الْمُصَلِّي قَالَ الْغَزَالِيُّ: لَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورُ: لَا مَنْعَ مِنْ السَّلَامِ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لَا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالْإِشَارَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِشَارَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي الْجَدِيدِ. وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ فِي الْحَالِ، وَوَجْهًا: أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ بِاللَّفْظِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ مُطْلَقًا فَإِنْ رَدَّ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ - بَطَلَتْ إنْ عَلِمَ تَحْرِيمَهُ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قَالَ: وَعَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مَبْسُوطَةً. وَأَمَّا الْمُلَبِّي بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ، فَإِنْ سَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهِ لَفْظًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ، وَالسَّلَامُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ وَمُقِيمِ الصَّلَاةِ فِي مَعْنَى السَّلَامِ عَلَى الْمُلَبِّي، وَالسَّلَامُ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ سَبَقَ بَيَانُهُ، وَأَمَّا الْمُشْتَغِلُ بِقِرَاءَةٍ فَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْأَوْلَى تَرْكُ السَّلَامِ عَلَيْهِ، قَالَ: فَإِنْ سَلَّمَ كَفَاهُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ، وَإِنْ رَدَّ بِاللَّفْظِ اسْتَأْنَفَ الِاسْتِعَاذَةَ، ثُمَّ قَرَأَ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ، وَالْمُخْتَارُ: أَنَّهُ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ الرَّدُّ بِاللَّفْظِ. وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي حَالِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْأَكْلِ لَمْ يُكْرَهْ، وَفِي الْجِمَاعِ وَالْبَوْلِ كُرِهَ.
الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ أَوْ بَيْتًا غَيْرَهُ أَوْ مَسْجِدًا وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ أَنْ يُسَلِّمَ فَيَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، قَالَ اللَّهُ تعالى:
{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}(النور: من الآية61)وَالْمَسْأَلَةُ ذَكَرْتهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ.
الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: إذَا مَرَّ بِإِنْسَانٍ أَوْ جَمْعٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ السَّلَامُ، وَلَا يَتْرُكُ هَذَا الظَّنَّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالسَّلَامِ لَا بِالرَّدِّ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ الظَّنُّ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ. (فَإِنْ قِيلَ) : هَذَا سَبَبٌ لِإِدْخَالِ الْإِثْمِ عَلَى الْمَمْرُورِ بِهِ قُلْنَا: هَذَا خَيَالٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْوَظَائِفَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تُتْرَكُ بِهَذَا الْخَيَالِ، وَالتَّقْصِيرُ هُنَا هُوَ مِنْ الْمَمْرُورِ عَلَيْهِمْ. وَيُخْتَارُ لِمَنْ سَلَّمَ، وَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ أَنْ يُبَرِّئَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ مِنْ الْجَوَابِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ لَهُ إنْ أَمْكَنَ لَك رُدَّ السَّلَامَ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْكَ.
السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: التَّحِيَّةُ بِالطَّلْبَقَةِ، وَهِيَ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ بَاطِلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا، وَقَدْ نَصَّ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ عَلَى كَرَاهَةِ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ تَحِيَّةُ الزَّنَادِقَةِ.
السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: وَأَمَّا التَّحِيَّةُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَمَّامِ بِقَوْلِهِ: طَابَ حَمَّامُكَ وَنَحْوُهُ فَلَا أَصْلَ لَهَا، وَهُوَ كَمَا قَالُوا، فَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ، لَكِنْ لَوْ قَالَ لِصَاحِبِهِ حِفْظًا لِوُدِّهِ: أَدَامَ اللَّهُ لَك النَّعِيمَ1 وَنَحْوَهُ مِنْ الدُّعَاءِ. فَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يستعملون في ديارنا المصرية لمن يكون بين يدي المزين أو الحلاق نعيما وكذلك عند الخروج من الحمام ويقولون لقاضي الحاجة شفيتم وللمتجشيء : بالصحة وكلها مما يعدونه من العادات ولا يفعلونه قربة ولا يعزونه إلى السنة لا سيما وأنه يشترك في هذه العادات غير المسلمين (ط)

 

ج / 4 ص -329-       لِرَجُلٍ خَرَجَ مِنْ الْحَمَّامِ "طَهُرْتَ فَلَا نَجَسْت".
الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ: إذَا ابْتَدَأَ الْمَارُّ فَقَالَ: صَبَّحَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، أَوْ بِالسَّعَادَةِ، أَوْ قَوَّاكَ اللَّهُ، أَوْ حَيَّاكَ اللَّهُ؛ أَوْ لَا أَوْحَشَ اللَّهُ مِنْكَ، وَنَحْوَهَا مِنْ أَلْفَاظِ أَهْلِ الْعُرْفِ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا، لَكِنْ لَوْ دَعَا لَهُ قُبَالَةَ دُعَائِهِ كَانَ حَسَنًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَأْدِيبَهُ أَوْ تَأْدِيبَ غَيْرِهِ لِتَخَلُّفِهِ وَإِهْمَالِهِ السَّلَامَ فَيَسْكُتَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كان كلدة بن حنبل أخا صفوان بن أمية لأمه ومهما صفية بنت معمر أو ابن أخيه في الرضاع على رواية أخرى وحنبل هذا هو الذي قال يوم الحنين يصل سحر ابن أبي كبشة فقال له صفوان فض الله فاك لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن وكان كلدة هذا أسود من سودان مكة (ط)

الْفصل الثَّالِثُ: فِي الِاسْتِئْذَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ.
قَالَ اللَّهُ تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}(النور: من الآية59)وَقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}(النور: من الآية27) وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا فَارْجِعْ".
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ" رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٍ. وَرَوَيَا الِاسْتِئْذَانَ ثَلَاثًا مِنْ طُرُقٍ، وَالسُّنَّةُ لِمَنْ أَرَادَ الِاسْتِئْذَانَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ يَسْتَأْذِنَ، فَيَقُومَ عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُ إلَى مَنْ فِي دَاخِلِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ قَالَ ذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا، فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ انْصَرَفَ لِحَدِيثِ رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ قَالَ "حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنَى عَامِرٍ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: أَأَلِجُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ: اُخْرُجْ إلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ، فَقَالَ لَهُ قُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَعَنْ كَلَدٍ - بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ - ابْنِ الْحَنْبَلِ1 الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه قَالَ
"أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أُسَلِّمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ارْجِعْ فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ السَّلَامِ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ. أحدها: هَذَا والثاني: تَقْدِيمُ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى السَّلَامِ والثالث: ، وَهُوَ اخْتِيَارُهُ إنْ وَقَعَتْ عَيْنُ الْمُسْتَأْذِنِ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ قَبْلَ دُخُولِهِ قَدَّمَ السَّلَامَ، وَإِنْ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ عَيْنُهُ قَدَّمَ الِاسْتِئْذَانَ، وَإِذَا اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا، وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ فَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ كَلَامًا.
وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ أحدها: يُعِيدُ الِاسْتِئْذَانَ والثاني: لَا يُعِيدُهُ والثالث: إنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِئْذَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يُعِدْهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ أَعَادَهُ. قَالَ: وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُعِيدُهُ بِحَالٍ، وَهَذَا

 

ج / 4 ص -330-       ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، لَكِنْ إذَا تَأَكَّدَ ظَنُّهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ لِبُعْدِ الْمَكَانِ أَوْ لِغَيْرِهِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ، وَيَكُونُ الْحَدِيثُ فِيمَنْ لَمْ يَظُنَّ عَدَمَ سَمَاعِهِمْ، وَالسُّنَّةُ لِمَنْ اسْتَأْذَنَ بِدَقِّ الْبَابِ وَنَحْوِهِ فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ، أَنْ يَقُولَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ، أَوْ فُلَانٌ الْمَعْرُوفُ بِكَذَا، أَوْ فُلَانٌ فَقَطْ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ التَّامُّ بِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَنَا أَوْ الْخَادِمُ وَنَحْوُ هَذَا لِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ الْمَشْهُورُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "ثُمَّ صَعَدَ بِي جِبْرِيلُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، ثُمَّ صَعَدَ إلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، وَالثالثة:، وَسَائِرِهِنَّ، وَيُقَالُ فِي بَابِ كُلِّ سَمَاءٍ مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: جِبْرِيلُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا فَقَالَ: أَنَا، ، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِمَا يُعْرَفُ بِهِ، إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُخَاطَبُ بِغَيْرِهِ وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ صُورَةَ تَبْجِيلٍ لَهُ بِأَنْ يُكَنِّيَ نَفْسَهُ أَوْ يَقُولَ: أَنَا الْقَاضِي فُلَانٌ، أَوْ الْمُفْتِي أَوْ الشَّيْخُ أَوْ الْأَمِيرُ وَنَحْوُهُ لِلْحَاجَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي هَذَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ. منها عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ فِي حَدِيثِ الْمِيضَأَةِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مُعْجِزَاتٍ وَعُلُومٍ قَالَ
"فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَنَا أَبُو قَتَادَةَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - وَاسْمُهُ جُنْدُبٌ بْنُ جُنَادَةَ - قَالَ "خَرَجْتُ لَيْلَةً فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي وَحْدَهُ فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ، فَالْتَفَتَ فَرَآنِي قَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَبُو ذَرٍّ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ، وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ: فَاطِمَةُ وَقِيلَ: هِنْدٌ قَالَتْ "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يبدو أن التثاؤب وهو رسول الهمود والكسل مما يبغضه الله لأن الله يبغض الكسول ولا يحب الكسالى فمن لي يؤذن في المسلمين حي على النساط والحركة والفلاح من لي بم ينعي عليهم خمولهم وقعودهم عن اللحاق بأمم الأرض في أسباب القوة المادية والعموم التي تعلي كلمة الحق وترفع راية الإسلام حتى لقد احتاجت ديارهم فلول ملعونة في جميع الكتب وعلى السنة جميع الرسل من أبناء القردة والخنازير أولئك أخزاهم الله وخذلهم وانهض أمة محمد لتثأر منهم لتطأ منهم الهام وتركلهم بالأقدام آمين (ط)

الْفصل:الرَّابِعُ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ
يُقَالُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ تعالى كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ؛ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ1 فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ أَنَّ سَبَبَ الْعُطَاسِ مَحْمُودٌ، وَهُوَ خِفَّةُ الْبَدَنِ الَّتِي تَكُونُ لِقِلَّةِ الْأَخْلَاطِ، وَتَخْفِيفِ الْغِذَاءِ؛ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الشَّهْوَةَ وَيُسَهِّلُ الطَّاعَةَ، وَالتَّثَاؤُبُ ضِدُّهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
"إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ

 

ج / 4 ص -331-       اللَّهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: "عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا؛ وَلَمْ يُشَمِّتْ الْآخَرَ؛ فَقَالَ الَّذِي لَمْ يُشَمِّتْهُ: عَطَسَ فُلَانٌ فَشَمَّتَّهُ؛ وَعَطَسْتُ فَلَمْ تُشَمِّتْنِي؛ فَقَالَ: هَذَا حَمِدَ اللَّهَ تعالى وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدْ اللَّهَ تعالى" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ"رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "حَقُّ الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ؛ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ؛ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ؛ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؛ وَيَقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ عُطَاسِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَإِنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَهُوَ أَحْسَنُ؛ فَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَانَ أَفْضَلَ؛ وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؛ أَوْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَوْ رَحِمَكَ رَبُّكَ؛ أَوْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَأَفْضَلُهُ رَحِمَكَ اللَّهُ؛ وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَقُولَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ؛ وَكُلُّ هَذَا سُنَّةٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ وَاجِبٌ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالتَّشْمِيتُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، إذَا قَالَهَا بَعْضُ الْحَاضِرِينَ أَجْزَأَ عَنْ الْبَاقِينَ؛ وَإِنْ تَرَكُوهَا كُلُّهُمْ كَانُوا سَوَاءً فِي تَرْكِ السُّنَّةِ، وَإِنْ قَالُوهَا كُلُّهُمْ كَانُوا سَوَاءً فِي الْقِيَامِ بِهَا؛ وَنَيْلِ فَضْلِهَا، كَمَا سَبَقَ فِي ابْتِدَاءِ الْجَمَاعَةِ بِالسَّلَامِ وَرَدِّهِمْ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ سُنَّةً هُوَ مَذْهَبُنَا، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ؛ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ هُوَ وَاجِبٌ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِنَّمَا يُسَنُّ التَّشْمِيتُ إذَا قَالَ الْعَاطِسُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ كُرِهَ تَشْمِيتُهُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ؛ وَإِذَا شُمِّتَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْعَاطِسُ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ أَوْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَالْأَفْضَلُ الْأَوَّلُ؛ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ.
وَأَقَلُّ الْحَمْدِ وَالتَّشْمِيتِ وَجَوَابِهِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يُسْمِعُ صَاحِبَهُ، وَلَوْ قَالَ الْعَاطِسُ لَفْظًا غَيْرَ الْحَمْدِ لِلَّهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّشْمِيتَ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلَوْ عَطَسَ فِي صَلَاتِهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَيُسْمِعُ نَفْسَهُ؛ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أحدها: هَذَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ والثاني: يَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ والثالث: لَا يَحْمَدُ، قَالَهُ سَحْنُونَ وَدَلِيلُ مَذْهَبِنَا الْأَحَادِيثُ الْعَامَّةُ.
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَضَعَ الْعَاطِسُ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ أَوْ نَحْوَهُ عَلَى فَمِهِ وَأَنْ يَخْفِضَ صَوْتَهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ
"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَإِذَا تَكَرَّرَ الْعُطَاسُ مِنْ إنْسَانٍ مُتَتَابِعًا فَالسُّنَّةُ أَنْ يُشَمِّتَهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ زَادَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَزْكُومٌ دَعَا لَهُ بِالشِّفَاءِ، وَلَوْ عَطَسَ يَهُودِيُّ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: "كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

 

ج / 4 ص -332-       الْفصل الْخَامِسُ: فِي الْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَالتَّقْبِيلِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ مَسَائِلُ:
إحداها: الْمُصَافَحَةُ سُنَّةٌ عِنْدَ التَّلَاقِي لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ
"قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَكَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قَامَ إلَيْهِ فَصَافَحَهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَتَلَاقَيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا" وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ نَعَمْ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَتُسَنُّ الْمُصَافَحَةُ عِنْدَ كُلِّ لِقَاءٍ، وَأَمَّا مَا أَعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنَّ أَصْلَ الْمُصَافَحَةِ سُنَّةٌ، وَكَوْنُهُمْ خَصُّوهَا بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ وَفَرَّطُوا فِي أَكْثَرِهَا لَا يُخْرِجُ ذَلِكَ الْبَعْضَ عَنْ كَوْنِهِ مَشْرُوعَةً فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَيُسْتَحَبُّ مَعَ الْمُصَافَحَةِ بَشَاشَةُ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم "لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاك بِوَجْهٍ طَلِيقٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْذَرَ مِنْ مُصَافَحَةِ الْأَمْرَدِ وَالْحَسَنِ، فَإِنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: كُلُّ مِنْ حُرِّمَ النَّظَرُ إلَيْهِ حُرِّمَ مَسُّهُ وَقَدْ يَحِلُّ النَّظَرُ مَعَ تَحْرِيمِ الْمَسِّ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ وَنَحْوِهَا وَلَا يَجُوزُ مَسُّهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. الثانية: يُكْرَهُ حَنْيُ الظَّهْرِ فِي كُلِّ حَالٍ لِكُلِّ أَحَدٍ لِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَوْلُهُ: "أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: لَا" وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ وَنَحْوِهِمَا.
الثالثة: الْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُ إكْرَامِ الدَّاخِلِ بِالْقِيَامِ لَهُ إنْ كَانَ فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ شَرَفٍ أَوْ وِلَايَةٍ مَعَ صِيَانَةٍ أَوْ لَهُ حُرْمَةٌ بِوِلَايَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَيَكُونُ هَذَا الْقِيَامُ لِلْإِكْرَامِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْظَامِ وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّ عَمَلُ السَّلَفِ لِلْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا وَقَدْ جَمَعْتُ فِي هَذَا جُزْءًا مُسْتَقِلًّا جَمَعْتُ فِيهِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ وَأَقْوَالَ السَّلَفِ وَأَفْعَالَهُمْ الدَّالَّةَ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ وَذَكَرْتُ فِيهِ مَا خَالَفَهَا، وَأَوْضَحْتُ الْجَوَابَ عَنْهَا.
الرابعة: يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ يَدِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَالزَّاهِدِ وَالْعَالِمِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ يَدِهِ لِغِنَاهُ وَدُنْيَاهُ وَشَوْكَتِهِ وَوَجَاهَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالدُّنْيَا وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَكْرُوهٌ شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: لَا يَجُوزُ فَأَشَارَ إلَى تَحْرِيمِهِ وَتَقْبِيلُ رَأْسِهِ وَرِجْلِهِ كَيَدِهِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ خَدِّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَوَلَدِ قَرِيبِهِ وَصَدِيقِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ صِغَارِ الْأَطْفَالِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ فَسُنَّةٌ، وَأَمَّا التَّقْبِيلُ بِالشَّهْوَةِ فَحَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، بَلْ النَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ حَرَامٌ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيمِ الْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ إلَّا زَوْجَتُهُ وَجَارِيَتُهُ

 

ج / 4 ص -333-       وَأَمَّا تَقْبِيلُ الرَّجُلِ الْمَيِّتِ وَالْقَادِمِ مِنْ سَفَرِهِ وَنَحْوِهِ فَسُنَّةٌ، وَكَذَا مُعَانَقَةُ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْمُعَانَقَةُ وَتَقْبِيلُ وَجْهِ غَيْرِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ غَيْرِ الطِّفْلِ فَمَكْرُوهَانِ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي التَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ وَمَكْرُوهٌ فِي غَيْرِهِ هُوَ فِي غَيْرِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ فَأَمَّا الْأَمْرَدُ الْحَسَنُ فَيَحْرُمُ بِكُلِّ حَالٍ تَقْبِيلُهُ سَوَاءٌ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُعَانَقَتَهُ قَرِيبَةٌ مِنْ تَقْبِيلِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُقَبِّلُ وَالْمُقَبَّلُ صَالِحَيْنِ أَوْ غَيْرَهُمَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا تَقْبِيلُ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ، وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.
الْأَوَّلُ: عَنْ زَارِعٍ رضي الله عنه وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقِيسِ قَالَ
"فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرِجْلَهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الثاني: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي قِصَّةٍ قَالَ:
"فَدَنَوْنَا يَعْنِي مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلْنَا يَدَهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الثالث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
"قَبَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: إنْ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
الرابع: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ
"قَدِمَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ قَالُوا: وَاَللَّهِ مَا نُقَبِّلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَمْلِكُ إنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ.
الخامس: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنها قَالَ،
"أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ" السادس: عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي الصِّدِّيقَ رضي الله عنه أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا عَائِشَةُ ابْنَتُهُ رضي الله عنها مُضْطَجِعَةٌ قَدْ أَصَابَتْهَا حُمَّى فَأَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ؟ وَقَبَّلَ خَدَّهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
السابع: عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمَّارٍ رضي الله عنه قَالَ
"قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إلَى هَذَا النَّبِيِّ فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، إلَى قَوْلِهِ: فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ، وَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ.
الثامن: عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ
"دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنها فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
التاسع: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ
"قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجُرُّ ثَوْبَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
العاشر: حَدِيثُ أَنَسٍ السَّابِقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الرَّجُلُ يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ:

 

ج / 4 ص -334-       لَا إلَخْ وَعَنْ إيَاسِ بْنِ دَغْفَلٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا مُدِرَّةَ قَبَّلَ خَدَّ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ ابْنَهُ سَالِمًا وَيَقُولُ: اعْجَبُوا مِنْ شَيْخٍ يُقَبِّلُ شَيْخًا) وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُنَزَّلَةٌ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ.
الخامسة: تُسَنُّ زِيَارَةُ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَصْدِقَاءِ وَالْجِيرَانِ وَبِرُّهُمْ وَإِكْرَامُهُمْ وَصِلَتُهُمْ، وَضَبْطُ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ زِيَارَتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَرْتَضُونَهُ وَفِي وَقْتٍ لَا يَكْرَهُونَهُ، وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ، وَمِنْ أَحْسَنِهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةً رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
"أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ تعالى عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَك عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّهُ فِي اللَّهِ تعالى قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ تعالى قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمَدْرَجَةُ الطَّرِيقُ وَتَرُبُّهَا تَحْفَظُهَا وَتُرَاعِيهَا، وَعَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ تعالى نَادَاهُ مُنَادِيَانِ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ صَاحِبِهِ الصَّالِحِ أَنْ يَزُورَهُ، وَأَنْ يَزُورَهُ أَكْثَرَ مِنْ زِيَارَتِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِجِبْرِيلَ عليه السلام: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ فَنَزَلَتْ:{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا}(مريم: من الآية64)رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
السادسة: إذَا تَثَاءَبَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ فِي فصل:الْعُطَاسِ؛ وَالسُّنَّةُ: أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
"إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلِيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَسَوَاءٌ كَانَ التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ
السابعة: يُسْتَحَبُّ إجَابَةُ مَنْ نَادَاكَ بِلَبَّيْكَ؛ وَأَنْ يَقُولَ لِلْوَارِدِ عَلَيْهِ: مَرْحَبًا أَوْ نَحْوَهُ وَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ أَوْ فَعَلَ خَيْرًا: حَفِظَكَ اللَّهُ أَوْ زَادَكَ اللَّهُ خَيْرًا وَنَحْوَهُ؛ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِرَجُلٍ جَلِيلٍ فِي عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ وَنَحْوِهِ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، وَدَلَائِلُ هَذَا كُلِّهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ