المجموع شرح المهذب ط عالم الكتب

ج / 5 ص -5-            بسم الله الرحمن الرحيم
بَابُ صَلاةِ العِيدَيْنِ
فرع: فِي مَذَاهِبِ العُلمَاءِ فِي صَلاةِ العِيدِ
العيد مشتق من العود وهو الرجوع والمعاودة لأنه يتكرر، وهو من ذوات الواو وكان أصله عودا بكسر العين فقلبت الواو ياء، كالميقات والميزان من الوقت والوزن، وجمعه أعياد قالوا: وإنما جمع بالياء وإن كان أصله الواو للزومها في الواحد قال الجوهري: وقيل للفرق بينه وبين أعواد الخشب.
قَال المُصَنِّفُ - رحمه الله تعالى:"صَلاةُ العِيدِ1 سُنَّةٌ، وَقَال أَبُو سَعِيدٍ الإِصْطَخْرِيُّ هِيَ فَرْضٌ عَلى الكِفَايَةِ وَالمَذْهَبُ الأَوَّل، لمَا رَوَى طَلحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه
"أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلهُ عَنْ الإِسْلامِ، فَقَال: خَمْسُ صَلوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلى عِبَادِهِ، فَقَال هَل عَليَّ غَيْرُهَا؟ قَال: لا إلا أَنْ تَطَّوَّعَ"وَلأَنَّهَا صَلاةٌ مُؤَقَّتَةٌ لا تُشْرَعُ لهَا الإِقَامَةُ، فَلمْ تَجِبْ بِالشَّرْعِ كَصَلاةِ الضُّحَى، فَإِنْ اتَّفَقَ أَهْل بَلدٍ عَلى تَرْكِهَا وَجَبَ قِتَالهُمْ عَلى قَوْل الإِصْطَخْرِيِّ، وَهَل يُقَاتَلونَ عَلى المَذْهَبِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أحدهما: لا يُقَاتَلونَ؛ لأَنَّهُ تَطَوُّعٌ، فَلا يُقَاتَلونَ عَلى تَرْكِهَا كَسَائِرِ التَّطَوُّعِ والثاني: يُقَاتَلونَ؛ لأَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلامِ، وَلأَنَّ فِي تَرْكِهَا تَهَاوُنًا بِالشَّرْعِ، بِخِلافِ سَائِرِ التَّطَوُّعِ لأَنَّهَا تُفْعَل فُرَادَى فَلا يَظْهَرُ تَرْكُهَا كَمَا يَظْهَرُ فِي صَلاةِ العِيدِ".
الشرح:
حَدِيثُ طَلحَةَ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ، وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَضَبْطُ أَلفَاظِهِ، وَمَعْنَاهُ فِي أَوَّل كِتَابِ الصَّلاةِ وَأَجْمَعَ المُسْلمُونَ عَلى أَنَّ صَلاةَ العِيدِ مَشْرُوعَةٌ وَعَلى أَنَّهَا ليْسَتْ فَرْضَ عَيْنٍ، وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الأَصْحَابِ عَلى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَقَال الإِصْطَخْرِيُّ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنْ قُلنَا: فَرْضُ كِفَايَةٍ قُوتِلوا بِتَرْكِهَا، وَإِنْ قُلنَا: سُنَّةٌ لمْ يُقَاتَلوا عَلى أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ، وَقَال أَبُو إِسْحَاقَ المَرْوَزِيُّ يُقَاتَلونَ وَقَدْ ذَكَرَ المُصَنِّفُ دَليل الجَمِيعِ، وَوَجْهُ الدَّلالةِ مِنْ الحَدِيثِ للمَذْهَبِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لا فَرْضَ سِوَى الخَمْسِ فَلوْ كَانَ العِيدُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لمَا أَطْلقَ هَذَا الإِطْلاقَ؛ لأَنَّ فَرْضَ الكِفَايَةِ وَاجِبٌ عَلى جَمِيعِهِمْ، وَلكِنْ يَسْقُطُ الحَرَجُ بِفِعْل البَعْضِ، وَلهَذَا لوْ تَرَكُوهُ كُلهُمْ عَصَوْا.
وَقَوْلهُ: لأَنَّهَا صَلاةٌ مُؤَقَّتَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الجِنَازَةِ، وَقَوْلهُ: لا تُشْرَعُ لهَا الإِقَامَةُ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلوَاتِ الخَمْسِ، وَقَوْلهُ: فَلمْ تَجِبْ بِالشَّرْعِ احْتِرَازٌ مِنْ المَنْذُورَةِ وَجَمَاهِيرُ العُلمَاءِ مِنْ السَّلفِ وَالخَلفِ أَنَّ صَلاةَ العِيدِ سُنَّةٌ لا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَأَمَّا قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي "المُخْتَصَرِ" (مَنْ وَجَبَ عَليْهِ حُضُورُ الجُمُعَةِ وَجَبَ عَليْهِ حُضُورُ العِيدَيْنِ) فَقَال أَصْحَابُنَا: هَذَا ليْسَ عَلى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ العِيدَ فَرْضُ عَيْنٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نسخة الراكبي (العيدين).

 

ج / 5 ص -6-            عَلى كُل مَنْ تَلزَمُهُ الجُمُعَةُ، وَهَذَا خِلافُ إجْمَاعِ المُسْلمِينَ، فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلهُ، قَال أَبُو إِسْحَاقَ: مَنْ لزِمَتْهُ الجُمُعَةُ حَتْمًا لزِمَهُ العِيدُ نَدْبًا وَاخْتِيَارًا، وَقَال الإِصْطَخْرِيُّ مَعْنَاهُ مَنْ لزِمَتْهُ الجُمُعَةُ فَرْضًا لزِمَهُ العِيدُ كِفَايَةً، قَال أَصْحَابُنَا: وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ العِيدَ يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّ مَنْ تَلزَمُهُ الجُمُعَةُ.
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَال مَالكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ العُلمَاءِ؛ وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالمَذْهَبَيْنِ.
 قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَوَقْتُهَا مَا بَيْنَ طُلوعِ الشَّمْسِ إلى أَنْ تَزُول، وَالأَفْضَل أَنْ يُؤَخِّرَهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلاةَ الفِطْرِ وَيُعَجِّل الأَضْحَى، لمَا رَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم "كَتَبَ لهُ أَنْ يُقَدِّمَ الأَضْحَى وَيُؤَخِّرَ الفِطْرَ"وَلأَنَّ الأَفْضَل أَنْ يُخْرِجَ صَدَقَةَ الفِطْرِ قَبْل الصَّلاةِ، فَإِذَا أَخَّرَ الصَّلاةَ اتَّسَعَ الوَقْتُ لإِخْرَاجِ صَدَقَةِ الفِطْرِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُضَحِّيَ بَعْدَ صَلاةِ الإِمَامِ، فَإِذَا عَجَّل بَادَرَ إلى الأُضْحِيَّةِ".
الشرح:
هَذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ وَالبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَرَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الحُوَيْرِثِ
"أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ عَجِّل الأَضَاحِيَّ وَأَخِّرْ الفِطْرَ"وَهَذَا مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ وَإِبْرَاهِيمُ ضَعِيفٌ، وَاتَّفَقَ الأَصْحَابُ عَلى أَنَّ آخِرَ وَقْتِ صَلاةِ العِيدِ زَوَال الشَّمْسِ، وَفِي أَوَّل وَقْتِهَا وَجْهَانِ أصحهما: وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِل وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ مِنْ أَوَّل طُلوعِ الشَّمْسِ، وَالأَفْضَل تَأْخِيرُهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ.
والثاني: أَنَّهُ يَدْخُل بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ، وَبِهِ قَطَعَ البَنْدَنِيجِيُّ وَالمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ الصَّيْدَلانِيِّ وَالبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالأَصْحَابِ عَلى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيل صَلاةِ الأَضْحَى وَتَأْخِيرُ صَلاةِ الفِطْرِ لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ، فَإِنْ فَاتَتْهُ صَلاةُ العِيدِ مَعَ الإِمَامِ صَلاهَا وَحْدَهُ، وَكَانَتْ أَدَاءً مَا لمْ تَزُل الشَّمْسُ يَوْمَ العِيدِ، وَأَمَّا مَنْ لمْ يُصَل حَتَّى زَالتْ الشَّمْسُ فَقَدْ فَاتَتْهُ وَهَل يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا؟ فِيهِ القَوْلانِ السَّابِقَانِ فِي بَابِ صَلاةِ التَّطَوُّعِ فِي قَضَاءِ النَّوَافِل أصحهما: يُسْتَحَبُّ، وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا فَاتَتْهُ مَعَ الإِمَامِ لمْ يَأْتِ بِهَا أَصْلًا.
 قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَالسُّنَّةُ أَنْ تُصَلى صَلاةُ العِيدِ فِي المُصَلى إذَا كَانَ مَسْجِدُ البَلدِ ضَيِّقًا لمَا رُوِيَ1
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "كَانَ يَخْرُجُ إلى المُصَلى"وَلأَنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ فِي صَلاةِ العِيدِ، فَإِذَا كَانَ المَسْجِدُ ضَيِّقًا تَأَذَّوْا، فَإِنْ كَانَ فِي النَّاسِ ضُعَفَاءُ اُسْتُخْلفَ فِي مَسْجِدِ البَلدِ مَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يؤخذ على المصنف قوله روى هنا لثبوت الخبر في "الصحيحين" وروى صيغة للتمريض لا ينبغي أن يساق بها حديث في مثل هذا الحديث المتفق عليه والتعبير يروى في خبر على مناسب لدرجته (راجع كتابنا تبسيط علوم الحديث وأدب الرواية) (ط).

 

ج / 5 ص -7-            يُصَلي بِهِمْ، لمَا رُوِيَ أَنَّ عَليًّا رضي الله عنه "اسْتَخْلفَ أَبَا مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه ليُصَليَ بِضَعَفَةِ النَّاسِ فِي المَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَ يَوْمَ مَطَرٍ صَلى فِي المَسْجِدِ، لمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: "أَصَابَنَا مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَصَلى بِنَا رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي المَسْجِدِ"وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما صَليَا فِي المَسْجِدِ فِي المَطَرِ وَإِنْ كَانَ المَسْجِدُ وَاسِعًا فَالمَسْجِدُ أَفْضَل مِنْ المُصَلى؛ لأَنَّ الأَئِمَّةَ لمْ يَزَالوا يُصَلونَ صَلاةَ العِيدِ بِمَكَّةَ فِي المَسْجِدِ، وَلأَنَّ المَسْجِدَ أَشْرَفُ وَأَنْظَفُ قَال الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: فَإِنْ كَانَ المَسْجِدُ وَاسِعًا فَصَلى فِي الصَّحْرَاءِ فَلا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَصَلى فِيهِ وَلمْ يَخْرُجْ إلى الصَّحْرَاءِ كُرِهَتْ؛ لأَنَّهُ إذَا تَرَكَ المَسْجِدَ وَصَلى فِي الصَّحْرَاءِ لمْ يَكُنْ عَليْهِمْ ضَرَرٌ، وَإِذَا تَرَكَ الصَّحْرَاءَ وَصَلى فِي المَسْجِدِ الضَّيِّقِ تَأَذَّوْا بِالزِّحَامِ وَرُبَّمَا فَاتَ بَعْضَهُمْ الصَّلاةُ [فَكُرِهَ]".
الشرح:
حَدِيثُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المُصَلى فِي العِيدَيْنِ صَحِيحٌ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ، وَرَوَيَاهُ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَحَدِيثُ اسْتِخْلافِ عَليٍّ أَبَا مَسْعُودٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَرَوَاهُ الحَاكِمُ وَقَال: هُوَ صَحِيحٌ، وَالضَّعَفَةُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَالعَيْنِ، بِمَعْنَى الضُّعَفَاءِ وَكِلاهُمَا جَمْعُ ضَعِيفٍ.
أما الأحكام: فَقَال أَصْحَابُنَا: تَجُوزُ صَلاةُ العِيدِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَتَجُوزُ فِي المَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَالمَسْجِدُ الحَرَامُ أَفْضَل بِلا خِلافٍ وَقَدْ ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ بِدَليلهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ نُظِرَ؛ إنْ كَانَ بَيْتَ المَقْدِسِ - قَال البَنْدَنِيجِيُّ وَالصَّيْدَلانِيّ: الصَّلاةُ فِي مَسْجِدِهِ الأَقْصَى أَفْضَل، وَلمْ يَتَعَرَّضْ الجُمْهُورُ للأَقْصَى، وَظَاهِرُ إطْلاقِهِمْ أَنَّ بَيْتَ المَقْدِسِ كَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلكَ مِنْ البِلادِ، فَإِنْ كَانَ لهُمْ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الخُرُوجِ إلى الصَّحْرَاءِ وَالمُصَلى للعِيدِ فَلا خِلافَ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالصَّلاةِ فِي المَسْجِدِ، وَمِنْ الأَعْذَارِ المَطَرُ وَالوَحْل وَالخَوْفُ وَالبَرْدُ وَنَحْوُهَا، وَإِنْ لمْ يَكُنْ عُذْرٌ وَضَاقَ المَسْجِدُ فَلا خِلافَ أَنَّ الخُرُوجَ إلى الصَّحْرَاءِ أَفْضَل، وَإِنْ اتَّسَعَ المَسْجِدُ وَلمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَوَجْهَانِ أصحهما: وَهُوَ المَنْصُوصُ فِي "الأُمِّ" وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ العِرَاقِيِّينَ وَالبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ صَلاتَهَا فِي المَسْجِدِ أَفْضَل.
والثاني: وَهُوَ الأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ صَلاتَهَا فِي الصَّحْرَاءِ أَفْضَل "لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاظَبَ عَليْهَا فِي الصَّحْرَاءِ"وَأَجَابَ الأَوَّلونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ المَسْجِدَ كَانَ يَضِيقُ عَنْهُمْ لكَثْرَةِ الخَارِجِينَ إليْهَا، فَالأَصَحُّ تَرْجِيحُهَا فِي المَسْجِدِ لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ رحمه الله فَعَلى هَذَا إنْ تَرَكَ المَسْجِدَ الوَاسِعَ وَصَلى بِهِمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَهُوَ خِلافُ الأَوْلى وَلكِنْ لا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَإِنْ صَلى فِي المَسْجِدِ الضَّيِّقِ بِلا عُذْرٍ كُرِهَ هَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلى المَسْأَلتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ بِدَليلهِمَا.
قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: وَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ إلى الصَّحْرَاءِ اسْتَخْلفَ مَنْ يُصَلي فِي المَسْجِدِ بِالضَّعَفَةِ لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ، وَإِذَا حَضَرَ النِّسَاءُ المُصَلى أَوْ المَسْجِدَ اعْتَزَلهُ الحُيَّضُ مِنْهُنَّ، وَوَقَفْنَ عِنْدَ

 

ج / 5 ص -8-            بَابِهِ؛ لحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ المَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا قَال أَبُو إِسْحَاقَ المَرْوَزِيُّ وَالأَصْحَابُ: إذَا كَانَ هُنَاكَ مَطَرٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الأَعْذَارِ وَضَاقَ المَسْجِدُ الأَعْظَمُ صَلى الإِمَامُ فِيهِ وَاسْتَخْلفَ مَنْ يُصَلي بِبَاقِي النَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَرْفَقَ بِهِمْ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُل فِي يَوْمِ الفِطْرِ قَبْل الصَّلاةِ، وَيُمْسِكَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلاةِ؛ لمَا رَوَى بُرَيْدَةُ رضي الله عنه قَال:
"كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ لا يَأْكُل حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُل مِنْ نَسِيكَتِهِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُل التَّمْرَ وَيَكُونَ وِتْرًا"وَلمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم "كَانَ لا يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُل تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلهُنَّ وِتْرًا".
الشرح:
حَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالحَاكِمُ وَأَسَانِيدُهُمْ حَسَنَةٌ، فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَال الحَاكِمُ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلهُ "حَتَّى يَطْعَمَ "بِفَتْحِ اليَاءِ وَالعَيْنِ أَيْ يَأْكُل، وَنَسِيكَتُهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ أُضْحِيَّتُهُ وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ عَلى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُل فِي عِيدِ الفِطْرِ شَيْئًا قَبْل الخُرُوجِ إلى الصَّلاةِ فَإِنْ لمْ يَأْكُل قَبْل الخُرُوجِ فَليَأْكُل قَبْل الصَّلاةِ، وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ المَأْكُول تَمْرًا وَكَوْنُهُ وِتْرًا، لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ قَال الشَّافِعِيُّ فِي "الأُمِّ": (وَنَحْنُ نَأْمُرُ مَنْ أَتَى المُصَلى أَنْ يَأْكُل وَيَشْرَبَ قَبْل أَنْ يَغْدُوَ إلى المُصَلى، فَإِنْ لمْ يَفْعَل أَمَرْنَاهُ بِذَلكَ فِي طَرِيقِهِ أَوْ المُصَلى إنْ أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لمْ يَفْعَل ذَلكَ فَلا شَيْءَ عَليْهِ وَيُكْرَهُ لهُ أَنْ لا يَفْعَل) هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ، وَالسُّنَّةُ فِي عِيدِ الأَضْحَى أَنْ يُمْسِكَ عَنْ الأَكْل حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ الصَّلاةِ، لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ قَال صَاحِبَا الحَاوِي وَالبَيَانِ: وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتَصَدَّقَ فِي عِيدِ الفِطْرِ قَبْل الصَّلاةِ، فَاسْتُحِبَّ لهُ الأَكْل ليُشَارِكَ المَسَاكِينَ فِي ذَلكَ، وَالصَّدَقَةُ فِي عِيدِ النَّحْرِ إنَّمَا هِيَ بَعْدَ الصَّلاةِ مِنْ الأُضْحِيَّةِ فَاسْتُحِبَّ مُوَافَقَتُهُمْ، قَالا: وَلأَنَّ مَا قَبْل يَوْمِ الفِطْرِ يَحْرُمُ الأَكْل فَنُدِبَ الأَكْل فِيهِ قَبْل الصَّلاةِ ليَتَمَيَّزَ عَمَّا قَبْلهُ، وَفِي الأَضْحَى لا يَحْرُمُ الأَكْل قَبْلهُ فَأُخِّرَ ليَتَمَيَّزَا.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَالسُّنَّةُ أَنْ يَغْتَسِل للعِيدَيْنِ، لمَا رُوِيَ أَنَّ عَليًّا وَابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهم "كَانَا يَغْتَسِلانِ، وَلأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الكَافَّةُ للصَّلاةِ فَسُنَّ فِيهِ الغُسْل لحُضُورِهَا كَالجُمُعَةِ، وَفِي وَقْتِ الغُسْل قولان: أحدهما: بَعْدَ الفَجْرِ كَغُسْل الجُمُعَةِ، وَرَوَى البُوَيْطِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَغْتَسِل قَبْل الفَجْرِ؛ لأَنَّ الصَّلاةَ تُقَامُ فِي أَوَّل النَّهَارِ وَيَقْصِدُهَا النَّاسُ مِنْ البُعْدِ، فَجَوَّزَ تَقْدِيمَ الغُسْل حَتَّى لا تَفُوتُهُمْ، وَيَجُوزُ عَلى هَذَا القَوْل أَنْ يَغْتَسِل بَعْدَ نِصْفِ الليْل كَمَا قُلنَا فِي أَذَانِ الصُّبْحِ وَيُسْتَحَبُّ ذَلكَ لمَنْ يَحْضُرُ الصَّلاةَ وَمَنْ لا يَحْضُرُ؛ لأَنَّ القَصْدَ إظْهَارُ الزِّينَةِ وَالجَمَال فَإِنْ لمْ يَحْضُرْ الصَّلاةَ اغْتَسَل للزِّينَةِ وَالجَمَال وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَنَظَّفَ بِحَلقِ الشَّعْرِ وَتَقْليمِ الأَظَافِرِ وَقَطْعِ الرَّائِحَةِ؛ لأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ فَسُنَّ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ كَيَوْمِ الجُمُعَةِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَطَيَّبَ لمَا رَوَى الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ رضي الله عنهما قَال:
"أَمَرَنَا رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَطَيَّبَ بِأَجْوَدَ مَا نَجِدُ فِي العِيدِ".

 

ج / 5 ص -9-            الشرح: هَذَا الأَثَرُ المَذْكُورُ فِي اغْتِسَال عَليٍّ رضي الله عنه رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ وَالبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَأَمَّا الأَثَرُ الآخَرُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ "كَانَ يَغْتَسِل يَوْمَ الفِطْرِ قَبْل أَنْ يَغْدُوَ "فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالكٌ فِي المُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالكٍ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالبَيْهَقِيُّ اغْتِسَال سَلمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ للعِيدِ، وَأَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَال: هُوَ السُّنَّةُ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: "كَانَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِل يَوْمَ الفِطْرِ وَيَوْمَ الأَضْحَى"وَمِثْلهُ عَنْ الفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه وَأَسَانِيدُ الجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ بَاطِلةٌ إلا أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ وَأَمَّا حَدِيثُ الحَسَنِ فِي الطِّيبِ فَغَرِيبٌ، وَقَوْل المُصَنِّفِ: يَجْتَمِعُ فِيهِ الكَافَّةُ مِمَّا أَنْكَرَهُ أَهْل العَرَبِيَّةِ، قَالوا: لا يَجُوزُ أَنْ يُقَال: الكَافَّةُ، وَلا كَافَّةُ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يُقَال: النَّاسُ كَافَّةً، كَمَا قَال اللهُ تَعَالى {اُدْخُلوا فِي السِّلمِ كَافَّةً}وَقَال تَعَالى {وَقَاتِلوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً}. وَقَوْلهُ: فَسُنَّ فِيهِ الغُسْل لحُضُورِهَا الأَجْوَدُ حَذْفُ لفْظَةِ حُضُورِهَا لأَنَّ الغُسْل مَسْنُونٌ لمَنْ حَضَرَ الصَّلاةَ وَغَيْرِهِ.
أما الأحكام: فَقَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: يُسْتَحَبُّ الغُسْل للعِيدَيْنِ، وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ، وَالمُعْتَمَدُ فِيهِ أَثَرُ ابْنِ عُمَرَ وَالقِيَاسُ عَلى الجُمُعَةِ، وَفِي وَقْتِ صِحَّةِ هَذَا الغُسْل قَوْلانِ مَشْهُورَانِ أحدهما: بَعْدَ طُلوعِ الفَجْرِ نَصَّ عَليْهِ فِي الأُمِّ وأصحهما: بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ يَجُوزُ بَعْدَ الفَجْرِ وَقَبْلهِ، وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ المُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ المَحَامِليُّ فِي المُقْنِعِ، وَقَدْ ذَكَرَ المُصَنِّفُ دَليلهُمَا، هَكَذَا ذَكَرَ المُصَنِّفُ وَالمَحَامِليُّ، وَصَاحِبُ الشَّامِل وَالأَكْثَرُونَ قَوْليْنِ للشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ الحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَالفُورَانِيُّ وَالمُتَوَلي وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ قَال صَاحِبُ الحَاوِي: جَوَّزَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَنَعَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَقَال القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ المُجَرَّدِ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي البُوَيْطِيِّ عَلى صِحَّةِ الغُسْل للعِيدِ قَبْل طُلوعِ الفَجْرِ قَال: وَلا يُعْرَفُ للشَّافِعِيِّ غَيْرُهُ وَقَال: وَرَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُول: فِيهِ قَوْلانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُول: وَجْهَانِ هَذَا كَلامُ القَاضِي وَسَبَبُ هَذَا الاخْتِلافِ فِي أَنَّهُمَا قَوْلانِ أَوْ وَجْهَانِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي البُوَيْطِيِّ عَلى صِحَّةِ الغُسْل قَبْل الفَجْرِ صَرِيحًا، وَقَال فِي مُخْتَصَرِ المُزَنِيِّ: وَأُحِبُّ الغُسْل بَعْدَ الفَجْرِ للعِيدِ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَ مِنْهُ اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ بَعْدَ الفَجْرِ، فَجَعَلهُ قَوْلًا آخَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لمْ يَفْهَمْ ذَلكَ، وَصَرَّحَ البَنْدَنِيجِيُّ بِأَنَّهُ نَصَّ فِي الأُمِّ بِأَنَّهُ لا يُجْزِئُهُ قَبْل الفَجْرِ، فَإِذَا قُلنَا بِالأَصَحِّ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْل الفَجْرِ، فَفِي ضَبْطِهِ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ أصحها: وَأَشْهَرُهَا: يَصِحُّ بَعْدَ نِصْفِ الليْل، وَلا يَصِحُّ قَبْلهُ، وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالقَاضِي حُسَيْنٌ وَالمُتَوَلي وَغَيْرُهُمْ، كَأَذَانِ الصُّبْحِ.
والثاني: يَصِحُّ فِي جَمِيعِ الليْل، وَبِهِ جَزَمَ الغَزَاليُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ؛ كَنِيَّةِ الصَّوْمِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَذَانِ أَنَّ النِّصْفَ الأَوَّل مُخْتَارٌ للعِشَاءِ فَرُبَّمَا ظَنَّ السَّامِعُ أَنَّ الأَذَانَ لهَا فَامْتَنَعَ لخَوْفِ اللبْسِ بِخِلافِ الغُسْل الثَّالثُ:أَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ قُبَيْل الفَجْرِ عِنْدَ السَّحَرِ، وَبِهِ جَزَمَ البَغَوِيّ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالأَصْحَابِ عَلى اسْتِحْبَابِ غُسْل العِيدِ لمَنْ يَحْضُرُ الصَّلاةَ وَلمَنْ لا يَحْضُرُهَا لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ، وَكَذَا اتَّفَقُوا عَلى اسْتِحْبَابِ التَّطَيُّبِ وَالتَّنْظِيفِ بِإِزَالةِ الشُّعُورِ وَتَقْليمِ الأَظْفَارِ وَإِزَالةِ الرَّائِحَةِ الكَرِيهَةِ مِنْ بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ، قِيَاسًا عَلى الجُمُعَةِ.

 

ج / 5 ص -10-         قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَالسُّنَّةُ أَنْ يَلبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ؛ لمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "كَانَ يَلبَسُ فِي العِيدِ بُرْدَ حِبَرَةَ"
الشرح: هَذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ - وَالحِبَرَةُ بِكَسْرِ الحَاءِ وَفَتْحِ البَاءِ المُوَحَّدَةِ - وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الثِّيَابِ مَعْرُوفٌ بِاليَمَنِ وَهُوَ عَصَبُ اليَمَنِ قَال الأَزْهَرِيُّ: هُوَ نَوْعٌ مِنْ البُرْدِ أُضِيفَتْ إلى وَشْيِهِ، وَالبُرْدُ مُفْرَدَةٌ وَالجَمْعُ بُرُودٌ، وَيُقَال بُرْدٌ مُحَبَّرٌ أَيْ مُزَيَّنٌ، وَاتَّفَقَ الأَصْحَابُ مَعَ الشَّافِعِيِّ عَلى اسْتِحْبَابِ لبْسِ أَحْسَنِ الثِّيَابِ فِي العِيدِ وَدَليلهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَال "وَجَدَ عُمَرُ رضي الله عنه جُبَّةً مِنْ إسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فَقَال: يَا رَسُول اللهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّل بِهَا للعِيدِ وَالوُفُودِ، فَقَال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّمَا هَذِهِ لبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لهُ"رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ.
قَال أَصْحَابُنَا: وَأَفْضَل أَلوَانِ الثِّيَابِ البَيَاضُ، فَعَلى هَذَا إنْ اسْتَوَى ثَوْبَانِ فِي الحُسْنِ وَالنَّفَاسَةِ فَالأَبْيَضُ أَفْضَل، فَإِنْ كَانَ الأَحْسَنُ غَيْرَ أَبْيَضَ فَهُوَ أَفْضَل مِنْ الأَبْيَضِ فِي هَذَا اليَوْمِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَمَّمَ، فَإِنْ لمْ يَجِدْ إلا ثَوْبًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَغْسِلهُ للعِيدِ وَالجُمُعَةِ قَال أَصْحَابُنَا: وَيَسْتَوِي فِي اسْتِحْبَابِ تَحْسِينِ الثِّيَابِ وَالتَّنْظِيفِ وَالتَّطَيُّبِ وَإِزَالةِ الشَّعْرِ وَالرَّائِحَةِ الكَرِيهَةِ الخَارِجُ إلى الصَّلاةِ وَالقَاعِدُ فِي بَيْتِهِ؛ لأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ فَاسْتَوَوْا فِيهِ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:" وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَحْضُرَ النِّسَاءُ غَيْرُ ذَوَاتِ الهَيْئَاتِ، لمَا رَوَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ قَالتْ:
"كَانَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخْرِجُ العَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ وَالحُيَّضَ فِي العِيدِ، فَأَمَّا الحُيَّضُ فَكُنَّ يَعْتَزِلنَ المُصَلى وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلمِينَ"وَإِذَا أَرَدْنَ الحُضُورَ تَنَظَّفْنَ بِالمَاءِ، وَلا يَتَطَيَّبْنَ، وَلا يَلبَسْنَ الشُّهْرَةَ مِنْ الثِّيَابِ؛ لقَوْلهِ صلى الله عليه وسلم "لا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ، وَليَخْرُجْنَ تَفِلاتٍ"أَيْ غَيْرُ مُتَعَطِّرَاتٍ، وَلأَنَّهَا إذَا تَطَيَّبَتْ وَلبِسَتْ الشُّهْرَةَ مِنْ الثِّيَابِ دَعَا ذَلكَ إلى الفَسَادِ".
الشرح:
حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ "لا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ"فَرَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ، ذَكَرَهُ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ صَلاةِ الجُمُعَةِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ التِي فِيهِ "وَليَخْرُجْنَ تَفِلاتٍ "فَرَوَاهَا أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلمْ يُضَعِّفْهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا لمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ، وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد "وَليَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلاتٌ "وَقَوْلهُ: تَفِلاتٌ بِفَتْحِ التَّاءِ المُثَنَّاةِ فَوْقَ وَكَسْرِ الفَاءِ، وَالعَوَاتِقُ جَمْعُ عَاتِقٍ وَهِيَ البِنْتُ التِي بَلغَتْ، وَقَال أَبُو زَيْدٍ: هِيَ البَالغَةُ مَا لمْ تَعْنِسْ، وَقِيل: هِيَ التِي لمْ تَتَزَوَّجْ قَال ثَعْلبٌ: سُمِّيَتْ عَاتِقًا لأَنَّهَا عَتَقَتْ مِنْ ضَرِّ أَبَوَيْهَا وَاسْتِخْدَامهمَا وَامْتِهَانِهَا بِالخُرُوجِ فِي الأَشْغَال وَقَال الأَصْمَعِيُّ: هِيَ فَوْقَ المُعْصِرِ وَقَال ثَابِتٌ: هِيَ البِكْرُ التِي لمْ تَخْرُجْ إلى زَوْجٍ، وَقَال الخَطَّابِيُّ: هِيَ البِنْتُ عَقِبَ بُلوغِهَا قَال صَاحِبُ المَطَالعِ: وَقِيل هِيَ التِي أَشْرَفَتْ عَلى البُلوغِ وَقَوْلهُ: ذَوَاتُ الخُدُورِ جَمْعُ خِدْرٍ وَهُوَ السِّتْرُ قَوْلهُ: الشُّهْرَةُ مِنْ الثِّيَابِ هُوَ بِضَمِّ الشِّينِ.
أما الأحكام: فَقَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ رحمهم الله: يُسْتَحَبُّ للنِّسَاءِ غَيْرِ ذَوَاتِ الهَيْئَاتِ حُضُورُ صَلاةِ العِيدِ وَأَمَّا ذَوَاتُ الهَيْئَاتِ وَهُنَّ اللوَاتِي يُشْتَهَيْنَ لجَمَالهِنَّ فَيُكْرَهُ حُضُورُهُنَّ، هَذَا هُوَ المَذْهَبُ وَالمَنْصُوصُ، وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ لهُنَّ الخُرُوجُ بِحَالٍ، وَالصَّوَابُ

 

ج / 5 ص -11-         الأَوَّل. وَإِذَا خَرَجْنَ اُسْتُحِبَّ خُرُوجُهُنَّ فِي ثِيَابٍ بِذْلةٍ1 وَلا يَلبَسْنَ مَا يُشْهِرُهُنَّ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَظَّفْنَ بِالمَاءِ، وَيُكْرَهُ لهُنَّ التَّطَيُّبُ لمَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ صَلاةِ الجَمَاعَةِ هَذَا كُلهُ حُكْمُ العَجَائِزِ اللوَاتِي لا يُشْتَهَيْنَ وَنَحْوِهِنَّ فَأَمَّا الشَّابَّةُ وَذَاتُ الجَمَال، وَمَنْ تُشْتَهَى فَيُكْرَهُ لهُنَّ الحُضُورُ، لمَا فِي ذَلكَ مِنْ خَوْفِ الفِتْنَةِ عَليْهِنَّ وَبِهِنَّ.
فإن قيل: هَذَا مُخَالفٌ حَدِيثَ أُمِّ عَطِيَّةَ المَذْكُورَ قُلنَا: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالتْ: "لوْ أَدْرَكَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيل، وَلأَنَّ الفِتَنَ وَأَسْبَابَ الشَّرِّ فِي هَذِهِ الأَعْصَارِ كَثِيرَةٌ بِخِلافِ العَصْرِ الأَوَّل وَاَللهُ أَعْلمُ.
قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: أُحِبُّ شُهُودَ النِّسَاءِ العَجَائِزِ وَغَيْرِ ذَوَاتِ الهَيْئَاتِ الصَّلاةَ وَالأَعْيَادَ، وَأَنَا لشُهُودِهِنَّ الأَعْيَادَ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا مِنِّي لشُهُودِهِنَّ غَيْرَهَا مِنْ الصَّلوَاتِ المَكْتُوبَاتِ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"قَال الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَيُزَيَّنُ الصِّبْيَانُ بِالصِّبْغِ وَالحُليِّ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا؛ لأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ وَليْسَ عَلى الصِّبْيَانِ تَعَبُّدٌ، فَلا يُمْنَعُونَ لبْسَ الذَّهَبِ".
الشرح:
اتَّفَقَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالأَصْحَابِ عَلى اسْتِحْبَابِ حُضُورِ الصِّبْيَانِ المُمَيِّزِينَ صَلاةَ العِيدِ، وَاتَّفَقُوا عَلى إبَاحَةِ تَزَيُّنِهِمْ بِالمُصَبَّغِ وَحُليّ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ يَوْمَ العِيدِ، لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ وَأَمَّا فِي غَيْرِ يَوْمِ العِيدِ فَفِي تَحْليَتِهِمْ بِالذَّهَبِ وَلبَاسِهِمْ الحَرِيرَ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لبْسُهُ: أَصَحُّهَا جَوَازُهُ، وَالثَّانِي تَحْرِيمُهُ وَالثَّالثُ جَوَازُهُ قَبْل سَبْعِ سِنِينَ وَمَنْعُهُ بَعْدَهَا
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَالسُّنَّةُ أَنْ يُبَكِّرَ إلى الصَّلاةِ ليَأْخُذَ مَوْضِعَهُ كَمَا قُلنَا فِي الجُمُعَةِ، وَالمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْشِيَ وَلا يَرْكَبَ،
"لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا رَكِبَ فِي عِيدٍ وَلا جِنَازَةٍ، وَلا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ فِي العَوْدِ؛ لأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلى قُرْبَةٍ".
الشرح: هَذَا الحَدِيثُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ مُنْقَطِعًا مُرْسَلًا فَقَال: بَلغَنَا أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَال: "مَا رَكِبَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِيدٍ وَلا فِي جِنَازَةٍ"رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ هَكَذَا، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ مِنْ ثَلاثَةِ طُرُقٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي رَافِعٍ وَسَعْدٍ القَرَظِ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم "كَانَ يَخْرُجُ إلى العِيدِ مَاشِيًا وَيَرْجِعُ مَاشِيًا"وَليْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ "وَيَرْجِعُ مَاشِيًا" وَلكِنَّ أَسَانِيدَ الجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ بَيِّنَةُ الضَّعْفِ وَعَنْ الحَارِثِ الأَعْوَرِ عَنْ عَليٍّ رضي الله عنه قَال: "مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إلى العِيدِ مَاشِيًا"رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَال: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَليْسَ هُوَ حَسَنًا، وَلا يُقْبَل قَوْل التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا، فَإِنَّ مَدَارَهُ عَلى الحَارِثِ الأَعْوَرِ2، وَاتَّفَقَ العُلمَاءُ عَلى تَضْعِيفِهِ قَال الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ الحَارِثُ كَذَّابًا. وَقَوْل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المراد أن لا يتحرين لبس الجديد للخروج والبروز للناس كما يصنع الرجل لما في ذلك من شد انتباه الرجال ولفت أنظارهم وغهاجة الفتنة بينهم (ط)
2 الحارث بن عبد الله الهمداني الأعور يكنى أبا زهير يروي عن علي وابن مسعود قال شعبة: لم يسمع أبو إسحاق منه إلا أربعة احاديث وروى مغيرة عن الشعبي قال: حدثني الحارث الأعور وكان كذابا وقال المغيرة:= = لم يكن الحارث يصدق عن علي في الحديث وقال بن المديني كذاب وقال جرير بن عبد الحميد: كان مزيفا وقال بن معين ضعيف. وفي كتب التحديث يجعلون إسناد الحارث الأعور عن علي أو هي الأسانيد كما يسوقون إسناد مالك عن نافع عن ابن عمر أصح الأسانيد (ط).

 

ج / 5 ص -12-         المُصَنِّفِ: لأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلى قُرْبَةٍ قَدْ يُعْتَرَضُ عَليْهِ فَيُقَال: قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلمٍ "أَنَّ رَجُلًا كَانَ مَنْزِلهُ بَعِيدًا عَنْ المَسْجِدِ وَكَانَ يَمْشِي إليْهِ قَال: يَا رَسُول اللهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لي مَمْشَايَ إلى المَسْجِدِ وَرُجُوعِي إذَا رَجَعَتْ إلى أَهْلي فَقَال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ جَمَعَ اللهُ لك ذَلكَ كُلهُ".
وَالجَوَابُ أَنَّ المُصَنِّفَ قَال: لأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلى قُرْبَةٍ وَلمْ يَقُل: لأَنَّهُ غَيْرُ مَاشٍ فِي قُرْبَةٍ وَلا نَفَى ثَوَابَهُ فِي الرُّجُوعِ، وَرَأَيْت مِنْ النَّاسِ مَنْ يَسْأَل عَلى هَذَا الحَدِيثِ فَيَقُول: قَال: لمْ يَرْكَبْ فِي عِيدٍ وَلا جِنَازَةٍ، وَلمْ يَذْكُرْ الجُمُعَةَ وَهَذِهِ غَفْلةٌ ظَاهِرَةٌ؛ لأَنَّ الجُمُعَةَ تُصَلى فِي المَسْجِدِ، وَبَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم بِجَنْبِ المَسْجِدِ فَلا يَتَأَتَّى الرُّكُوبُ إليْهَا.
قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَكِّرَ إلى صَلاةِ العِيدِ وَيَكُونَ التَّبْكِيرُ بَعْدَ الفَجْرِ، وَيَأْكُل قَبْل الخُرُوجِ تَمْرًا كَمَا سَبَقَ هَذَا فِي حَقِّ المَأْمُومِينَ، فَأَمَّا الإِمَامُ فَيُسْتَحَبُّ لهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ فِي الخُرُوجِ إلى الوَقْتِ الذِي يُصَلى بِهِمْ فِيهِ؛ للأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم
"كَانَ إذَا خَرَجَ يَوْمَ العِيدِ فَأَوَّل شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاةُ"وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلى هَذَا، وَنَصَّ عَليْهِ الشَّافِعِيُّ فِي المُخْتَصَرِ، وَدَليلهُ الاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلأَنَّهُ أَبْلغُ فِي مَهَابَتِهِ قَال أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْشِيَ جَمِيعَ الطَّرِيقِ وَلا يَرْكَبَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلا أَنْ يَكُونَ لهُ عُذْرٌ كَمَرَضٍ وَضَعْفٍ وَنَحْوِهِمَا، فَلا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ، وَلا يُعْذَرُ بِسَبَبِ مَنْصِبِهِ وَرِيَاسَتِهِ، فَإِنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْشِي فِي العِيدِ وَهُوَ أَكْمَل الخَلقِ وَأَرْفَعُهُمْ مَنْصِبًا قَال أَصْحَابُنَا: وَلا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ فِي الرُّجُوعِ لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ وَاتَّفَقَ الأَصْحَابُ عَلى هَذَا قَالوا: وَصُورَتُهُ إذَا لمْ يَتَضَرَّرْ النَّاسُ بِمَرْكُوبِهِ، فَإِنْ تَضَرَّرُوا بِهِ لزَحْمَةٍ وَغَيْرِهَا كُرِهَ؛ لمَا فِيهِ مِنْ الإِضْرَارِ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَإِذَا حَضَرَ جَازَ أَنْ يَتَنَفَّل إلى أَنْ يَخْرُجَ الإِمَامُ، لمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ وَأَنَسٍ وَالحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلونَ يَوْمَ العِيدِ قَبْل خُرُوجِ الإِمَامِ، وَلأَنَّهُ ليْسَ بِوَقْتٍ مَنْهِيٍّ عَنْ الصَّلاةِ فِيهِ، وَلا هُنَاكَ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ الصَّلاةِ، فَلمْ يُمْنَعْ مِنْ الصَّلاةِ كَمَا بَعْدَ العِيدِ وَالسُّنَّةُ للإِمَامِ أَنْ لا يَخْرُجَ إلا فِي الوَقْتِ الذِي يُوَافِي فِيهِ الصَّلاةَ، لمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ رضي الله عنه قَال
"كَانَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إلى المُصَلى فَأَوَّل شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاةُ"وَالسُّنَّةُ أَنْ يَمْضِيَ إليْهِمَا فِي طَرِيقٍ، وَيَرْجِعَ فِي أُخْرَى، لمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى فَيَخْرُجُ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ مِنْ آخَرَ".
الشرح: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَرَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ قَال "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَ يَوْمُ العِيدِ خَالفَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= لم يكن الحارث يصدق عن علي في الحديث وقال بن المديني كذاب وقال جرير بن عبد الحميد: كات مزيفا وقال بن معين ضعيف. وفي كتب التحديث يجعلون إسناد الحارث الأعور عن علي أوهى الأسانيد كما يسوقون إسناد مالك عن نافع عن ابن عمر أصح الأسانيد (ط).

 

ج / 5 ص -13-         الطَّرِيقَ"وَرَوَاهُ الحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَال: وَهُوَ صَحِيحٌ عَلى شَرْطِ البُخَارِيِّ وَمُسْلمٍ وَذَكَرَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْليقًا، قَال البُخَارِيُّ: حَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا عَنْ أَبِي بَرْزَةَ وَأَنَسٍ وَالحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَرَوَاهُ البَيْهَقِيُّ، وَلكِنَّهُ وَقَعَ فِي نُسَخِ المُهَذَّبِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ - بِفَتْحِ البَاءِ المُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ زَايٌ مَفْتُوحَةٌ - وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَصَوَابُهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ - بِضَمِّ البَاءِ وَبِدَالٍ بَعْدَ الرَّاءِ - هُوَ أَبُو بُرْدَةَ التَّابِعِيُّ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَاسْمُ أَبِي بُرْدَةَ: عَامِرٌ وَقِيل: الحَارِثُ وَهَذَا الذِي ذَكَرْته مِنْ تَصْحِيفِهِ لا نَشُكُّ فِيهِ فَالصَّوَابُ أَبُو بُرْدَةَ بِالدَّال هَكَذَا ذَكَرَهُ البَيْهَقِيُّ فِي كِتَابَيْهِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الأَئِمَّةِ وَتَقْدِيمُ المُصَنِّفِ لهُ عَلى أَنَسٍ يَدُل عَلى أَنَّهُ ظَنَّهُ أَبَا بَرْزَةَ الصَّحَابِيَّ وَهُوَ غَلطٌ بِلا شَكٍّ.
أما الأحكام: فَفِيهِ مَسَائِل إحداها: يَجُوزُ لغَيْرِ الإِمَامِ التَّنَفُّل يَوْمَ العِيدِ قَبْل صَلاةِ العِيدِ وَبَعْدَهَا فِي بَيْتِهِ وَطَرِيقِهِ، وَفِي المُصَلى قَبْل حُضُورِ الإِمَامِ، لا بِقَصْدِ التَّنَفُّل لصَلاةِ العِيدِ، وَلا كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلكَ، لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: وَليْسَ لصَلاةِ العِيدِ سُنَّةٌ قَبْلهَا وَلا بَعْدَهَا؛
لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لمْ يُصَل قَبْلهَا وَلا بَعْدَهَا.
المسألة الثانية: يُسْتَحَبُّ للإِمَامِ أَنْ لا يَخْرُجَ إلى مَوْضِعِ الصَّلاةِ إلا فِي الوَقْتِ الذِي يُصَلي بِهِمْ قَال أَصْحَابُنَا: وَيُكْرَهُ للإِمَامِ أَنْ يُصَليَ قَبْل صَلاةِ العِيدِ أَوْ بَعْدَهَا فِي المُصَلى؛ لأَنَّهُ لوْ صَلى أَوْهَمَ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَليْسَتْ سُنَّةً قَال أَصْحَابُنَا: وَلا يُصَلي تَحِيَّةَ المَسْجِدِ، بَل يَشْرَعُ أَوَّل وُصُولهِ فِي صَلاةِ العِيدِ، وَتَحْصُل التَّحِيَّةُ فِي ضِمْنِهَا، وَدَليلهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ.
المسألة الثالثة: يُسْتَحَبُّ لكُل مَنْ صَلى العِيدَ أَنْ يَمْضِيَ إليْهَا فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ للحَدِيثِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْضِيَ فِي الطَّرِيقِ الأَطْوَل وَاخْتَلفُوا: فِي سَبَبِ ذَهَابِهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَرِيقٍ وَرُجُوعِهِ فِي طَرِيقٍ آخَرَ فَقِيل: كَانَ يَذْهَبُ فِي أَطْوَل الطَّرِيقَيْنِ وَيَرْجِعُ فِي الآخَرِ، لأَنَّ الذَّهَابَ أَفْضَل مِنْ الرُّجُوعِ وقيل: كَانَ يَتَصَدَّقُ فِي الطَّرِيقَيْنِ وقيل: كَانَ يَتَصَدَّقُ فِي طَرِيقٍ، وَلا يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ فَيَرْجِعُ فِي آخَرَ لئَلا يَسْأَلهُ سَائِلٌ فَيَرُدَّهُ وقيل: ليُشَرِّفَ أَهْل الطَّرِيقَيْنِ وقيل: ليَشْهَدَ لهُ الطَّرِيقَانِ.
وقيل: ليُعَلمَ أَهْل الطَّرِيقَيْنِ وَيُفْتِيَهُمْ وقيل: ليَغِيظَ المُنَافِقِينَ بِإِظْهَارِ الشِّعَارِ وقيل: لئَلا يَرْصُدَهُ المُنَافِقُونَ فَيُؤْذُوهُ وقيل: للتَّفَاؤُل بِتَغْيِيرِ الحَال إلى المَغْفِرَةِ وَالرِّضَا وَنَحْوِ ذَلكَ وقيل: كَانَ يَخْرُجُ فِي الطَّرِيقِ الأَوَّل خَلقٌ كَثِيرٌ فَيَكْثُرُ الزِّحَامُ فَيَرْجِعُ فِي آخَرَ ليَخِفَّ قَال أَصْحَابُنَا: ثُمَّ إنْ لمْ نَعْلمْ المَعْنَى الذِي خَالفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبَبِهِ الطَّرِيقَ اُسْتُحِبَّ لنَا مُخَالفَةُ الطَّرِيقِ بِلا خِلافٍ وَإِنْ عَلمْنَاهُ وَوُجِدَ ذَلكَ المَعْنَى فِي إنْسَانٍ اُسْتُحِبَّ لهُ مُخَالفَةُ الطَّرِيقِ، وَإِنْ لمْ يُوجَدْ فِيهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ: بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا، وَبِهِ قَال أَبُو عَليِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَالأَكْثَرُونَ لمُطْلقِ الأَمْرِ بِالاقْتِدَاءِ.
والثاني: قَالهُ أَبُو إِسْحَاقَ: لا يُسْتَحَبُّ لفَوَاتِ سَبَبِهِ، وَأَجَابَ الأَوَّلونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ قَدْ يَزُول سَبَبُ العِبَادَةِ وَيَبْقَى أَصْلهَا، كَالرَّمَل وَالسَّعْيِ وَنَظَائِرِهِمَا وَأَصَحُّ الأَقْوَال فِي حِكْمَتِهِ هُوَ الأَوَّل، وَهُوَ

 

ج / 5 ص -14-         الذَّهَابُ فِي أَطْوَل الطَّرِيقَيْنِ وَالرُّجُوعُ فِي الأَقْصَرِ، صَحَّحَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ القَوْل الأَخِيرَ، وَأَمَّا قَوْل إمَامِ الحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ: ليْسَ بِقُرْبَةٍ (فَغَلطُوهُمْ) فِيهِ، بَل يُثَابُ فِي رُجُوعِهِ للحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذِي قَدَّمْنَاهُ فِي الفَصْل السَّابِقِ قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: وَيُسْتَحَبُّ للإِمَامِ فِي رُجُوعِهِ أَنْ يَقِفَ فِي طَرِيقِهِ فَيَسْتَقْبِل القِبْلةَ وَيَدْعُوَ وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا.

فرع: فِي مَذَاهِبِ العُلمَاءِ فِي صَلاةِ النَّفْل قَبْل صَلاةِ العِيدِ وَبَعْدَهَا
أَجْمَعُوا عَلى أَنَّهُ ليْسَ لهَا سُنَّةٌ قَبْلهَا وَلا بَعْدَهَا، وَاخْتَلفُوا فِي كَرَاهَةِ النَّفْل قَبْلهَا وَبَعْدَهَا، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لا يُكْرَهُ صَلاةُ النَّفْل قَبْل صَلاةِ العِيدِ وَلا بَعْدَهَا، لا فِي البَيْتِ وَلا فِي المُصَلى لغَيْرِ الإِمَامِ، وَبِهِ قَال أَنَسُ بْنُ مَالكٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَسَهْل بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو بُرْدَةَ وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ وَأَخُوهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي الحَسَنِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ المُنْذِرِ.
وَقَال آخَرُونَ: تُكْرَهُ الصَّلاةُ قَبْلهَا وَبَعْدَهَا، حَكَاه ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ 1[وَعَبْدِ اللهِ] بْنِ أَبِي أَوْفَى وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ وَسَالمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَأَحْمَدَ وَقَال آخَرُونَ: يُصَلي بَعْدَهَا لا قَبْلهَا، حَكَاهُ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ أَبِي مَسْعُودِ البَدْرِيِّ الصَّحَابِيِّ وَعَلقَمَةَ وَالأَسْوَدِ وَمُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي ليْلى وَالثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَحَكَاهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَال آخَرُونَ: يُكْرَهُ فِي المُصَلى قَبْلهَا وَبَعْدَهَا وَلا يُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ وَدَليلنَا مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ المُنْذِرِ وَالمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الأَصْحَابِ أَنَّ الأَصْل إبَاحَةُ الصَّلاةِ حَتَّى يَثْبُتَ النَّهْيُ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَلا يُؤَذَّنُ لهَا وَلا يُقَامُ لمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَال:
"شَهِدْت العِيدَ مَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم فَكُلهُمْ صَلى قَبْل الخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إقَامَةٍ"وَالسُّنَّةُ أَنْ يُنَادَى لهَا: الصَّلاةَ2 جَامِعَةٌ لمَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنَادَى بِهِ".
الشرح:
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلى شَرْطِ البُخَارِيِّ وَمُسْلمٍ، إلا أَنَّهُ قَال: وَعُمَرُ أَوْ عُثْمَانُ وَرَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ قَالا: لمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى، وَفِي صَحِيحِ مُسْلمٍ عَنْ جَابِرٍ "شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ العِيدِ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْل الخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إقَامَةٍ"وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ "شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم العِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلا مَرَّتَيْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين المعقوفين ساقط من ش و ق وقد حررناه لعدم استقامة المعنى بدونه ولأنه ليس في الصحابة من اسمه جابر بن عبد الله بن أبي أوفى ولا في التابعين فلم يبقى إلا إنهما اسمان تداخلا في صورة اسم واحد من أخطأه النساخ أو الطباعين (ط).
2 ومن البدع ترنيم المقرئين وتطريبهم عن صلاة العيد لهذا النداء فيقولون بأنغام وإيقاعات معينة: الصلاة- مع رفعها – جامعة والأنوار ساطعة صلاة العيد أثابكم الله, ولو اقتصر على الوارد لكان أفضل ولكن زين للناس الزيادة على كل وارد حتى كادت تنطمس معالم السنة بما غشاها من بدع لا أصل لها (ط).

 

ج / 5 ص -15-         ِبغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إقَامَةٍ"رَوَاهُ مُسْلمٌ وَأَمَّا هَذَا المَرْوِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُرْسَلًا فَقَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَال: "لمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا أَبِي بَكْرٍ وَلا عُمَرَ وَلا عُثْمَانَ فِي العِيدَيْنِ"حَتَّى أَحْدَثَ ذَلكَ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ وَأَحْدَثَهُ الحَجَّاجُ بِالمَدِينَةِ حِينَ مَرَّ عَليْهَا قَال الزُّهْرِيُّ: "وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ فِي العِيدَيْنِ المُؤَذِّنَ فَيَقُول: الصَّلاةَ جَامِعَةً"وَيُغْنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ الضَّعِيفِ القِيَاسُ عَلى صَلاةِ الكُسُوفِ فَقَدْ ثَبَتَتْ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِيهَا (مِنْهَا) حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَال: "لمَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم نُودِيَ بِالصَّلاةِ جَامِعَةً"وَفِي رِوَايَةٍ "أَنَّ الصَّلاةَ جَامِعَةً"رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ.
وَعَنْ عَائِشَةَ
"أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلى عَهْدِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ مُنَادِيًا الصَّلاةَ جَامِعَةً"رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ قَوْلهُ: عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنَادَى بِهِ، هُوَ بِفَتْحِ الدَّال وَقَوْلهُ "الصَّلاةَ جَامِعَةً "هُمَا مَنْصُوبَانِ، الصَّلاةَ: عَلى الإِغْرَاءِ، وَجَامِعَةً: عَلى الحَال.
أما الأحكام: فَقَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: لا يُؤَذَّنُ للعِيدِ وَلا يُقَامُ وَبِهَذَا قَال جُمْهُورُ العُلمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَعَليْهِ عَمَل النَّاسِ فِي الأَمْصَارِ، للأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ التِي ذَكَرْنَاهَا قَال ابْنُ المُنْذِرِ: وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَذَّنَ لهَا وَأَقَامَ.
قَال: وَقَال حُصَيْنٌ: أَوَّل مَنْ أَذَّنَ فِي العِيدِ زِيَادٌ وَقِيل: أَوَّل مَنْ أَذَّنَ لهَا مُعَاوِيَةُ وَقِيل غَيْرُهُ قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَال: الصَّلاةَ جَامِعَةً؛ لمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ القِيَاسِ عَلى الكُسُوفِ قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: وَأُحِبُّ أَنْ يَأْمُرَ الإِمَامُ المُؤَذِّنَ أَنْ يَقُول فِي الأَعْيَادِ، وَمَا جَمَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلاةِ: الصَّلاةَ جَامِعَةً أَوْ الصَّلاةَ قَال: وَإِنْ قَال: هَلمَّ إلى الصَّلاةِ لمْ نَكْرَهْهُ وَإِنْ قَال: حَيَّ عَلى الصَّلاةِ فَلا بَأْسَ وَإِنْ كُنْت أُحِبُّ أَنْ يَتَوَقَّى ذَلكَ؛ لأَنَّهُ مِنْ كَلامِ الأَذَانِ وَأُحِبُّ أَنْ يَتَوَقَّى جَمِيعَ كَلامِ الأَذَانِ قَال: وَلوْ أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ للعِيدِ كَرِهْته لهُ وَلا إعَادَةَ عَليْهِ هَذَا كَلامُ الشَّافِعِيِّ وَقَال صَاحِبُ العُدَّةِ: لوْ قَال: حَيَّ عَلى الصَّلاةِ كُرِهَ؛ لأَنَّهُ مِنْ أَلفَاظِ الأَذَانِ وَالصَّوَابُ مَا نَصَّ عَليْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لا يُكْرَهُ وَأَنَّ الأَوْلى اجْتِنَابُهُ، وَاجْتِنَابُ سَائِرِ أَلفَاظِ الأَذَانِ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَصَلاةُ العِيدِ رَكْعَتَانِ لقَوْل عُمَرَ رضي الله عنه "صَلاةُ الأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلاةُ الفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلاةُ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلى لسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى"وَالسُّنَّةُ أَنْ تُصَلى جَمَاعَةً لنَقْل الخَلفِ عَنْ السَّلفِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُكَبَّرَ فِي الأُولى سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ، وَتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ القِيَامِ وَالرُّكُوعِ؛ لمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
"أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكَبِّرُ فِي الفِطْرِ فِي الأُولى سَبْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الصَّلاةِ"وَالتَّكْبِيرَاتُ قَبْل القِرَاءَةِ، لمَا رَوَى كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "كَانَ يُكَبِّرُ فِي العِيدَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولى سَبْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْل القِرَاءَةِ"فَإِنْ حَضَرَ وَقَدْ سَبَقَهُ الإِمَامُ

 

ج / 5 ص -16-         بِالتَّكْبِيرَاتِ أَوْ بِبَعْضِهَا لمْ يَقْضِ؛ لأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَاتَ مَحَلهُ، فَلمْ يَقْضِهِ كَدُعَاءِ الاسْتِفْتَاحِ وَقَال فِي القَدِيمِ: يَقْضِي؛ لأَنَّ مَحَلهُ القِيَامُ وَقَدْ أَدْرَكَهُ وَليْسَ بِشَيْءٍ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ مَعَ كُل تَكْبِيرَةٍ، لمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه "كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُل تَكْبِيرَةٍ فِي العِيدِ "وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بَيْنَ كُل تَكْبِيرَتَيْنِ بِقَدْرِ آيَةٍ يَذْكُرُ اللهَ تَعَالى "لمَا رُوِيَ أَنَّ الوَليدَ بْنَ عُقْبَةَ خَرَجَ يَوْمًا عَلى عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَيْفَةَ وَالأَشْعَرِيِّ1 وَقَال: إنَّ هَذَا العِيدَ غَدًا، فَكَيْفَ التَّكْبِيرُ؟ فَقَال عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: تُكَبِّرُ وَتَحْمَدُ رَبَّك وَتُصَلي عَلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَدْعُو وَتُكَبِّرُ وَتَفْعَل مِثْل ذَلكَ، فَقَال الأَشْعَرِيُّ وَحُذَيْفَةُ: صَدَقَ "وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الفَاتِحَة بِ "ق ". وَ "اقْتَرَبَتْ "لمَا رَوَى أَبُو وَاقِدٍ الليْثِيُّ "كَانَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الفِطْرِ وَالأَضْحَى بِ ق وَ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ"وَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ لنَقْل الخَلفِ عَنْ السَّلفِ".
الشرح: حَدِيثُ عُمَرَ صَلاةُ الأَضْحَى رَكْعَتَانِ: إلى آخِرِهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمَا، وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ صَلاةِ الجُمُعَةِ، وَفِي صَلاةِ المُسَافِرِ وَجَوَازِ القَصْرِ وَالإِتْمَامِ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَال التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ العِلل: سَأَلت البُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَال: ليْسَ فِي هَذَا البَابِ شَيْءٌ أَصَحُّ مِنْهُ، قَال: وَبِهِ أَقُول، وَهَذَا الذِي قَالهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لأَنَّ كَثِيرَ2 بْنَ عَبْدِ اللهِ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ الجُمْهُورُ .
وَأَمَّا قَوْلهُ:(إنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُل تَكْبِيرَةٍ فِي العِيدِ) فَقَال البَيْهَقِيُّ: رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ، وَهُوَ قَوْل عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَرَوَاهُ فِي السُّنَنِ الكَبِيرِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَمُنْقَطِعٍ وَأَمَّا قَوْلهُ (إنَّ الوَليدَ بْنَ عُقْبَةَ خَرَجَ عَلى عَبْدِ اللهِ وَحُذَيْفَةَ) فَرَوَاهُ البَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَليْسَ فِي رِوَايَتِهِ (فَقَال الأَشْعَرِيُّ وَحُذَيْفَةُ صَدَقَ) وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ فَرَوَاهُ مُسْلمٌ وَأَمَّا جَدُّ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الأَنْصَارِيُّ3، الصَّحَابِيُّ تُوُفِّيَ بِالمَدِينَةِ آخِرَ خِلافَةِ مُعَاوِيَةَ.
وَأَمَّا الوَليدُ فَهُوَ أَبُو وَهْبِ الوَليدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَاسْمُ أَبِي مُعَيَّطٍ أَبَانُ بْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ القُرَشِيُّ الأُمَوِيُّ الصَّحَابِيُّ وَهُوَ أَخُو عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لأُمِّهِ، أَسْلمَ يَوْمَ الفَتْحِ.
وَأَمَّا أَبُو وَاقِدٍ فَبِالقَافِ وَاسْمُهُ الحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، وَقِيل: الحَارِثُ بْنُ مَالكٍ وَقِيل: عَوْفُ بْنُ الحَارِثِ شَهِدَ بَدْرًا وَاليَرْمُوكَ وَالجَابِيَةَ وَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، وَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ المُهَاجِرِينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة الركبي (خرج على عبد الله وحذيفة والأشعري) (ط).
2 قلت: ومنهم من نسبه إلى الكذب كأبي داود فإنه قال فيه: ركن من أركان الكذب وعزا الشوكاني هذا إلى الشافعي أيضا وضرب أحمد على حديثه. وقال ابن حبان: له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة (ط).
3 هو صحابي مزني كان قديم الإسلام يقال أنه قدم مع النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ويقال أول مشاهدة الخندق, له منزل بالمدينة وهو غير عمرو بن عوف البدري رضي الله عنهما إذ أن هذا الأخير لم يعقب (ط).

 

ج / 5 ص -17-         أَمَّا قَوْل المُصَنِّفِ (لأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَاتَ مَحَلهُ، فَلمْ يَقْضِهِ كَدُعَاءِ الاسْتِفْتَاحِ) اُحْتُرِزَ بِالمَسْنُونِ عَنْ قِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ إذَا نَسِيَهَا، أَوْ أَدْرَكَ الإِمَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا وَقَوْلهُ كَدُعَاءِ الاسْتِفْتَاحِ مَعْنَاهُ أَنَّ المُنْفَرِدَ إذَا شَرَعَ فِي الفَاتِحَةِ قَبْل الافْتِتَاحِ لا يَأْتِي بَعْدَ ذَلكَ، وَأَمَّا المَأْمُومُ إذَا أَدْرَكَ الإِمَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ وَشُرُوعِهِ فِي القِرَاءَةِ أَتَى بِهِ إنْ لمْ يَخْشَ فَوْتَ الفَاتِحَةِ قَبْل رُكُوعِ الإِمَامِ نَصَّ عَليْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ، وَاتَّفَقُوا عَليْهِ وَهَذَا القِيَاسُ الذِي ذَكَرَهُ فِيهِ إنْكَارَانِ أحدهما: أَنَّهُ ليْسَ نَظِيرَ مَسْأَلتِنَا، بَل نَظِيرُهَا إذَا أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي الفَاتِحَةِ، وَقَدْ نَصَّ فِي الأُمِّ عَلى أَنَّهُ يَأْتِي بِالافْتِتَاحِ هُنَا الثاني أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَنْ تَرَكَ قِرَاءَةَ سُورَةِ الجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولى مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ الجُمُعَةَ وَالمُنَافِقِينَ بِالاتِّفَاقِ، وَبِمَنْ تَرَكَ التَّعَوُّذَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولى وَقُلنَا يَخْتَصُّ بِهَا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِالاتِّفَاقِ وَبِالمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالسُّورَةِ فِي البَاقِيَتَيْنِ عَلى الصَّحِيحِ المَنْصُوصِ مَعَ قَوْلنَا لا تُشْرَعُ السُّورَةُ فِي الأُخْرَيَيْنِ قَال الأَصْحَابُ: إنَّمَا يَأْتِي بِالسُّورَةِ لكَوْنِهَا فَاتَتْهُ فِي الأُوليَيْنِ مَعَ الإِمَامِ وَاَللهُ أَعْلمُ.
أماالأحكام: فَصَلاةُ العِيدِ رَكْعَتَانِ بِالإِجْمَاعِ، وَصِفَتُهَا المُجْزِئَةُ كَصِفَةِ سَائِرِ الصَّلوَاتِ وَسُنَنُهَا وَهَيْئَاتُهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلوَاتِ، وَيَنْوِي بِهَا صَلاةَ العِيدِ، هَذَا أَقَلهَا وَأَمَّا الأَكْمَل1 فَأَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ دُعَاءَ الاسْتِفْتَاحِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ، وَسِوَى تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ القِيَامِ مِنْ السُّجُودِ، وَالهَوِيِّ إلى الرُّكُوعِ وَقَال المُزَنِيّ: التَّكْبِيرَاتُ فِي الأُولى سِتٌّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّ دُعَاءَ الاسْتِفْتَاحِ يَكُونُ بَعْدَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ وَالصَّوَابُ الأَوَّل، وَهُوَ المَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ.
قَال الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بَيْنَ كُل تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ الزَّوَائِدِ قَدْرَ قِرَاءَةِ آيَةٍ، لا طَوِيلةٍ وَلا قَصِيرَةٍ، يُهَلل اللهَ تَعَالى وَيُكَبِّرُهُ، وَيَحْمَدُهُ وَيُمَجِّدُهُ، هَذَا لفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي الأُمِّ وَمُخْتَصَرِ المُزَنِيِّ، لكِنْ ليْسَ فِي الأُمِّ: وَيُمَجِّدُهُ قَال جُمْهُورُ الأَصْحَابِ: يَقُول: سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ، وَلا إلهَ إلا اللهُ وَاَللهُ أَكْبَرُ وَلوْ زَادَ عَليْهِ جَازَ، وَقَال الصَّيْدَلانِيُّ عَنْ بَعْضِ الأَصْحَابِ: يَقُول لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرَّيْك لهُ، لهُ المُلكُ وَلهُ الحَمْدُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ وَقَال ابْنُ الصَّبَّاغِ: لوْ قَال مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَصَلى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلهِ وَسَلمَ كَثِيرًا كَانَ حَسَنًا وَقَال الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ المَسْعُودِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا - أَصْحَابِ القَفَّال - يَقُول: سُبْحَانَك اللهُمَّ وَبِحَمْدِك، تَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالى جَدُّك وَجَل ثَنَاؤُك وَلا إلهَ غَيْرُك وَلا يَأْتِي بِهَذَا الذِّكْرِ بَعْدَ السَّابِعَةِ وَالخَامِسَةِ، بَل يَتَعَوَّذُ عَقِبَ السَّابِعَةِ، وَكَذَا عَقِبَ الخَامِسَةِ إنْ قُلنَا يَتَعَوَّذُ فِي كُل رَكْعَةٍ وَهُوَ الأَصَحُّ، وَلا يَأْتِي بِهِ أَيْضًا بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ وَالأُولى مِنْ الزَّوَائِدِ، وَلا يَأْتِي بِهِ أَيْضًا فِي الثَّانِيَةِ قَبْل الأُولى مِنْ الخَمْسِ، هَذَا هُوَ المَذْهَبُ وَقَال إمَامُ الحَرَمَيْنِ: يَأْتِي بِهِ وَالصَّوَابُ فِي المَذْهَبِ وَالدَّليل هُوَ الأَوَّل، وَبِهِ قَطَعَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ضمير الشأن محذوف بعد الفاء وقبل إن.

 

ج / 5 ص -18-         الأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ (وَلوْ وَصَل التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ بَعْضَهُنَّ بِبَعْضٍ وَلمْ يَفْصِل بَيْنَهُنَّ بِذِكْرٍ كَرِهْتُ ذَلكَ، ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ التَّعَوُّذِ الفَاتِحَةَ ثُمَّ سُورَةَ ق، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الفَاتِحَةِ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ) وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلمٍ فِي رِوَايَةِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم "قَرَأَ فِي صَلاةِ العِيدِ أَيْضًا بِ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك وَ هَل أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ"فَكِلاهُمَا سُنَّةٌ وَاَللهُ أَعْلمُ.
وَالمُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فِي كُل وَاحِدَةٍ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ، وَيَضَعَ اليُمْنَى عَلى اليُسْرَى بَيْنَ كُل تَكْبِيرَتَيْنِ قَال الرَّافِعِيُّ: وَفِي العُدَّةِ مَا يُشْعِرُ بِخِلافٍ فِيهِ قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: فَإِنْ تَرَكَ الرَّفْعَ فِي التَّكْبِيرَاتِ أَوْ بَعْضِهَا كَرِهْتُ ذَلكَ لهُ، وَلوْ شَكَّ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ أَخَذَ بِالأَقَل قِيَاسًا عَلى عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَلوْ كَبَّرَ ثَمَانِي تَكْبِيرَاتٍ وَشَكَّ، هَل نَوَى الإِحْرَامَ بِإِحْدَاهُنَّ؟ لمَا تَنْعَقِدُ صَلاتُهُ، نَصَّ عَليْهِ فِي الأُمِّ، وَاتَّفَقُوا عَليْهِ، لأَنَّ الأَصْل عَدَمُ ذَلكَ وَلوْ شَكَّ فِي التَّكْبِيرَةِ التِي نَوَى التَّحَرُّمَ بِهَا جَعَلهَا الأَخِيرَةَ وَأَعَادَ الزَّوَائِدَ وَلوْ صَلى خَلفَ مَنْ يُكَبِّرُ ثَلاثًا أَوْ سِتًّا فَفِيهِ قولان: أحدهما: يُكَبِّرُ سَبْعًا فِي الأُولى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ، كَمَا لوْ تَرَكَ إمَامُهُ التَّعَوُّذَ وَنَحْوَهُ وأصحهما: لا يَزِيدُ عَليْهِ لئَلا يُخَالفَهُ، وَلوْ تَرَكَ الزَّوَائِدَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لمْ يَسْجُدْ للسَّهْوِ وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ، لكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُنَّ أَوْ تَرْكُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَالزِّيَادَةُ فِيهِنَّ نَصَّ عَليْهِ فِي الأُمِّ وَأَجْمَعَتْ الأُمَّةُ عَلى أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ، وَيُسِرُّ بِالذِّكْرِ بَيْنَهُنَّ.
فرع: لوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ فِي صَلاةِ العِيدِ فِي رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهُنَّ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ، مَضَى فِي صَلاتِهِ وَلا يُكَبِّرُهُنَّ وَلا يَقْضِيهِنَّ، فَإِنْ عَادَ إلى القِيَامِ ليُكَبِّرَهُنَّ بَطَلتْ صَلاتُهُ - إنْ كَانَ عَالمًا بِتَحْرِيمِهِ - وَإِلا فَلا وَلوْ تَذَكَّرَهُنَّ قَبْل الرُّكُوعِ إمَّا فِي القِرَاءَةِ وَإِمَّا بَعْدَهَا فَقَوْلانِ الصَّحِيحُ الجَدِيدُ أَنَّهُ لا يَأْتِي بِهِنَّ لفَوَاتِ مَحَلهِنَّ وَهُوَ قَبْل القِرَاءَةِ، وَالقَدِيمُ يَأْتِي بِهِنَّ سَوَاءٌ ذَكَرَهُنَّ فِي القِرَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا مَا لمْ يَرْكَعْ، وَعِنْدَهُ أَنَّ مَحَلهُنَّ القِيَامُ وَهُوَ بَاقٍ، فَعَلى القَدِيمِ لوْ تَذَكَّرَ فِي أَثْنَاءِ الفَاتِحَةِ قَطَعَهَا وَكَبَّرَهُنَّ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الفَاتِحَةَ، وَلوْ تَذَكَّرَهُنَّ بَعْدَ الفَاتِحَةِ كَبَّرَهُنَّ وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْنَافُ الفَاتِحَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الفَاتِحَةِ وَالصَّوَابُ الأَوَّل: وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ، وَنَصَّ عَليْهِ فِي الأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلى أَنَّهُ لوْ تَرَكَهُنَّ حَتَّى تَعَوُّذَ وَلمْ يَشْرَعْ فِي الفَاتِحَةِ أَتَى بِهِنَّ؛ لأَنَّ مَحَلهُنَّ قَبْل القِرَاءَةِ وَتَقْدِيمُهُنَّ عَلى التَّعَوُّذِ سُنَّةٌ لا شَرْطٌ، وَلوْ أَدْرَكَ الإِمَامُ فِي أَثْنَاءِ الفَاتِحَةِ أَوْ كَبَّرَ بَعْضَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ فَعَلى الجَدِيدِ لا يُكَبِّرُ مَا فَاتَهُ وَعَلى القَدِيمِ يُكَبِّرُهُ، وَلوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ وَلا يُكَبِّرُهُنَّ بِالاتِّفَاقِ، وَلوْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ مَعَهُ خَمْسًا عَلى الجَدِيدِ، فَإِذَا قَامَ إلى ثَانِيَتِهِ بَعْدَ سَلامِ الإِمَامِ كَبَّرَ أَيْضًا خَمْسًا.
فرع: تُسَنُّ صَلاةُ العِيدِ جَمَاعَةً، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَليْهِ؛ للأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ المَشْهُورَةِ فَلوْ صَلاهَا المُنْفَرِدُ فَالمَذْهَبُ صِحَّتُهَا، وَفِيهِ خِلافٌ ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ فِي آخِرِ البَابِ سَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى.

 

ج / 5 ص -19-         فرع: فِي مَذَاهِبِ العُلمَاءِ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ فِي الأُولى سَبْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا وَحَكَاهُ الخَطَّابِيُّ فِي مَعَالمِ السُّنَنِ عَنْ أَكْثَرِ العُلمَاءِ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الحَاوِي عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدِ الخُدْرِيِّ وَيَحْيَى الأَنْصَارِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالكٍ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، وَحَكَاهُ المَحَامِليُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعَليٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم، وَحَكَاهُ العَبْدَرِيُّ أَيْضًا عَنْ الليْثِ وَأَبِي يُوسُفَ وَدَاوُد وَقَال آخَرُونَ: يُكَبِّرُ فِي كُل رَكْعَةٍ سَبْعًا، حَكَاهُ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالكٍ وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ، وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالمُزَنِيِّ أَنَّ فِي الأُولى سِتًّا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا وَقَال ابْنُ مَسْعُودٍ: فِي الأُولى خَمْسٌ وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعٌ كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ فِي كُل رَكْعَةٍ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى وَعُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو، وَعَنْ الحَسَنِ البَصْرِيِّ فِي الأُولى خَمْسٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلاثٌ، وَحَكَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي كُل رَكْعَةٍ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ، وَعَنْ الحَسَنِ البَصْرِيِّ رِوَايَةٌ يُكَبِّرُ فِي الأُولى ثَلاثًا وَفِي الثَّانِيَةِ اثْنَتَيْنِ.
وَاحْتَجَّ لأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِمَا رُوِيَ "أَنَّ سَعِيدَ بْنَ العَاصِ سَأَل أَبَا مُوسَى وَحُذَيْفَةَ كَيْفَ كَانَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُ فِي الأَضْحَى وَالفِطْرِ؟ فَقَال أَبُو مُوسَى: كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا تَكْبِيرَهُ عَلى الجَنَائِزِ فَقَال حُذَيْفَةُ: صَدَقَ"رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ، وَأَشَارَ البَيْهَقِيُّ إلى تَضْعِيفِهِ وَشُذُوذِهِ، وَمُخَالفَةِ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ، وَأَنَّ المَشْهُورَ وَقْفُهُ عَلى ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
"أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ فِي الأُولى سَبْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا1"` رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلهُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَالجَوَابُ: عَنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ، مَعَ أَنَّ رُوَاةَ مَا ذَهَبْنَا إليْهِ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ وَأَوْثَقُ مَعَ أَنَّ مَعَهُمْ زِيَادَةً وَاَللهُ أَعْلمُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا الحديث: أخرجه أيضا أحمد في "مسنده" وابن ماجه وقال أحمد: أنا أذهب إلى هذا, وقال العراقي: إسناده صالح ونقل الترمذي في "العلل" عن البخاري إنه قال: إنه حديث صحيح (ط).

فرع: فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مَحَل التَّكْبِيرِ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ تَكُونُ بَيْنَ دُعَاءِ الاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ؛ وَبِهِ قَال العُلمَاءُ كَافَّةً إلا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَال: يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ قَبْل التَّكْبِيرَاتِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتَعَوَّذُ قَبْل التَّكْبِيرَاتِ، ليَتَّصِل التَّعَوُّذُ بِدُعَاءِ الاسْتِفْتَاحِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ التَّكْبِيرَاتِ ثُمَّ يَأْتِي بِدُعَاءِ الافْتِتَاحِ ثُمَّ التَّعَوُّذِ وَاحْتَجَّ لأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا الحديث: أخرجه أيضا أحمد في "مسنده" وابن ماجه وقال أحمد: أنا أذهب إلى هذا, وقال العراقي: إسناده صالح ونقل الترمذي في "العلل" عن البخاري إنه قال: إنه حديث صحيح (ط).

 

ج / 5 ص -20-         أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "كَبَّرَ فِي صَلاةِ العِيدِ أَرْبَعًا كَتَكْبِيرَاتِ الجِنَازَةِ وَوَالى بَيْنَ القِرَاءَتَيْنِ"وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المَذْكُورِ فِي الكِتَابِ وَنَحْوِهِ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ. وَالحَدِيثُ المُحْتَجُّ بِهِ لأَبِي حَنِيفَةَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ، وَقَوْل أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ مُسَلمٍ، فَإِنَّ التَّعَوُّذَ إنَّمَا شُرِعَ للقِرَاءَةِ وَهُوَ تَابِعٌ لهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّصِل بِهَا، وَاَللهُ أَعْلمُ.

فرع: فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي رَفْعِ اليَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ
مَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ الرَّفْعِ فِيهِنَّ وَاسْتِحْبَابُ الذِّكْرِ بَيْنَهُنَّ، وَبِهِ قَال عَطَاءٌ وَالأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَابْنُ المُنْذِرِ وَقَال مَالكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي ليْلى وَأَبُو يُوسُفَ: لا يَرْفَعُ اليَدَيْنِ إلا فِي تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ.

فرع: فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الذِّكْرِ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ، وَبِهِ قَال ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَحْمَدُ وَابْنُ المُنْذِرِ وَقَال مَالكٌ وَالأَوْزَاعِيُّ: لا يَقُولهُ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ دُعَاءَ الافْتِتَاحِ فِي صَلاةِ العِيدِ قَبْل التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَقَال الأَوْزَاعِيُّ: يَقُولهُ بَعْدَهُنَّ وَأَمَّا التَّعَوُّذُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَقُولهُ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَقَبْل الفَاتِحَةِ، وَبِهِ قَال أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ وَقَال أَبُو يُوسُفَ: يَقُولهُ عَقِبَ دُعَاءِ الاسْتِفْتَاحِ قَبْل التَّكْبِيرَاتِ.
فرع: فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ حَتَّى شَرَعَ فِي القِرَاءَةِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الجَدِيدَ الصَّحِيحَ أَنَّهَا تَفُوتُ وَلا يَعُودُ يَأْتِي بِهَا وَبِهَذَا قَال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللؤْلؤِيُّ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالقَدِيم أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا مَا لمْ يَرْكَعْ وَبِهِ قَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالكٌ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَالسُّنَّةُ إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلاةِ أَنْ يَخْطُبَ لمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما
"أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما كَانُوا يُصَلونَ العِيدَيْنِ قَبْل الخُطْبَةِ"وَالمُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْطُبَ عَلى مِنْبَرٍ لمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه قَال: "شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الأَضْحَى فَلمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَل عَنْ مِنْبَرِهِ"وَيُسَلمُ عَلى النَّاسِ إذَا أَقْبَل عَليْهِمْ كَمَا قُلنَا فِي خُطْبَةِ الجُمُعَةِ، وَهَل يَجْلسُ قَبْل الخُطْبَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أحدهما: لا يَجْلسُ؛ لأَنَّ فِي الجُمُعَةِ [إنَّمَا] يَجْلسُ لفَرَاغِ المُؤَذِّنِ مِنْ الأَذَانِ، وَليْسَ فِي العِيدَيْنِ أَذَانٌ والثاني: يَجْلسُ وَهُوَ المَنْصُوصُ فِي الأُمِّ لأَنَّهُ يَسْتَرِيحُ بِهَا، وَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِل بَيْنَهُمَا بِجَلسَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ مِنْ قُعُودٍ لمَا رَوَى أَبُو سَعِيدِ الخُدْرِيُّ "أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ يَوْمَ العِيدِ عَلى رَاحِلتِهِ"وَلأَنَّ صَلاةَ العِيدِ يَجُوزُ قَاعِدًا فَكَذَلكَ خُطْبَتُهَا بِخِلافِ الجُمُعَةِ، وَالمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ الخُطْبَةَ الأُولى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ، لمَا رُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَال: (هُوَ مِنْ السُّنَّةِ) وَيَأْتِي بِبَقِيَّةِ الخُطْبَةِ عَلى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الجُمُعَةِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالى وَذِكْرِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالوَصِيَّةِ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالى وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ، فَإِنْ كَانَ فِي عِيدِ الفِطْرِ عَلمَهُمْ صَدَقَةَ الفِطْرِ، وَإِنْ كَانَ فِي عِيدِ الأَضْحَى عَلمَهُمْ الأُضْحِيَّةَ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال فِي خُطْبَتِهِ "لا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَليَ".

 

ج / 5 ص -21-         وَيُسْتَحَبُّ للنَّاسِ اسْتِمَاعُ الخُطْبَةِ لمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ1 أَنَّهُ قَال يَوْمَ عِيدٍ "مَنْ شَهِدَ الصَّلاةَ مَعَنَا فَلا يَبْرَحْ حَتَّى يَشْهَدَ الخُطْبَةَ "فَإِنْ دَخَل رَجُلٌ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَإِنْ كَانَ فِي المُصَلى اسْتَمَعَ الخُطْبَةَ وَلا يَشْتَغِل بِصَلاةِ العِيدِ؛ لأَنَّ الخُطْبَةَ مِنْ سُنَنِ العِيدِ وَيُخْشَى فَوَاتُهَا؛ وَالصَّلاةُ لا يُخْشَى فَوَاتُهَا فَكَانَ الاشْتِغَال [بِالخُطْبَةِ] أَوْلى وَإِنْ كَانَ فِي المَسْجِدِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: قَال أَبُو عَليِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، يُصَلي تَحِيَّةَ المَسْجِدِ وَلا يُصَلي صَلاةَ العِيدِ؛ لأَنَّ الإِمَامَ لمْ يَفْرُغْ مِنْ سُنَّةِ العِيدِ فَلا يَشْتَغِل بِالقَضَاءِ وَقَال أَبُو إِسْحَاقَ المَرْوَزِيُّ: يُصَلي العِيدَ؛ لأَنَّهَا أَهَمُّ مِنْ تَحِيَّةِ المَسْجِدِ وَآكَدُ، وَإِذَا صَلاهَا سَقَطَ بِهَا التَّحِيَّةُ فَكَانَ الاشْتِغَال بِهَا أَوْلى كَمَا لوْ حَضَرَ وَعَليْهِ مَكْتُوبَةٌ".
الشرح: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ بِمَعْنَاهُ، وَلفْظُهُمَا قَال جَابِرٌ "قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الفِطْرِ فَصَلى فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ ثُمَّ خَطَبَ، فَلمَّا فَرَغَ نَزَل فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ"فَقَوْلهُ نَزَل مَعْنَاهُ عَنْ المِنْبَرِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَيْدِ اللهِ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَمَعَ ضَعْفِهِ فَلا دَلالةَ فِيهِ عَلى الصَّحِيحِ؛ لأَنَّ عُبَيْدَ اللهِ تَابِعِيٌّ، وَالتَّابِعِيُّ إذَا قَال: مِنْ السُّنَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ لأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أصحهما: وَأَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ والثاني: مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ، فَإِنْ قُلنَا مَوْقُوفٌ فَهُوَ قَوْل صَحَابِيٍّ لمْ يَثْبُتْ انْتِشَارُهُ فَلا يُحْتَجُّ بِهِ عَلى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ قُلنَا: مَرْفُوعٌ فَهُوَ مُرْسَلٌ لا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلهُ: لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال فِي خُطْبَتِهِ "لا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَليَ"فَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَجُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهم.
أما الأحكام: فَيُسَنُّ بَعْدَ صَلاةِ العِيدِ خُطْبَتَانِ عَلى مِنْبَرٍ، وَإِذَا صَعِدَ المِنْبَرَ أَقْبَل عَلى النَّاسِ وَسَلمَ عَليْهِمْ وَرَدُّوا عَليْهِ كَمَا سَبَقَ فِي الجُمُعَةِ، ثُمَّ يَخْطُبُ كَخُطْبَتَيْ الجُمُعَةِ فِي الأَرْكَانِ وَالصِّفَاتِ، إلا أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ القِيَامُ فِيهِمَا، بَل يَجُوزُ قَاعِدًا وَمُضَجِّعَا مَعَ القُدْرَةِ عَلى القِيَامِ وَالأَفْضَل قَائِمًا، وَيُسَنُّ أَنْ يَفْصِل بَيْنَهُمَا بِجِلسَةٍ كَمَا يُفْصَل فِي خُطْبَتِي الجُمُعَةِ وَهَل يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلسَ قَبْل الخُطْبَتَيْنِ أَوَّل صُعُودِهِ إلى المِنْبَرِ، كَمَا يَجْلسُ قَبْل خُطْبَتِي الجُمُعَةِ؟ فِيهِ الوَجْهَانِ المَذْكُورَانِ فِي الكِتَابِ أصحهما: بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ وَهُوَ المَنْصُوصُ فِي الأُمِّ وَذَكَرَ المُصَنِّفُ دَليل هَذَا كُلهِ، وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالأَصْحَابِ عَلى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ فِي أَوَّل الخُطْبَةِ الأُولى تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ نَسَقًا، وَفِي أَوَّل الثَّانِيَةِ سَبْعًا قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: وَلوْ أَدْخَل بَيْنَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ الحَمْدَ وَالتَّهْليل وَالثَّنَاءَ جَازَ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ صِفَةَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ كَصِفَةِ التَّكْبِيرَاتِ المُرْسَلةِ وَالمُقَيَّدَةِ التِي سَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى.
وَاعْلمْ: أَنَّ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ ليْسَتْ مِنْ نَفْسِ الخُطْبَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُقَدِّمَةٌ لهَا وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في بعض نسخ "المهذب": أبي مسعود البدري ولم يخرجه الشارح هنا ولم أجده في كتب السنة ومدوناتها التى بين يدي والمحفوظ التخيير فعند أبي داود والنسائي وابن ماجه عن عبد الله ابن السائب رضي الله عنهما قال: "شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال:
أما نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب" (ط)

 

ج / 5 ص -22-         وَكَثِيرُونَ مِنْ الأَصْحَابِ عَلى أَنَّهُنَّ لسْنَ مِنْ نَفْسِ الخُطْبَةِ، بَل مُقَدِّمَةٌ لهَا، قَال البَنْدَنِيجِيُّ: يُكَبِّرُ قَبْل الأُولى تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَقَبْل الثَّانِيَةِ سَبْعًا، قَال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَلا يُغْتَرُّ بِقَوْل المُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ: يَسْتَفْتِحُ الأُولى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ، فَإِنَّ كَلامَهُمْ مُتَأَوِّلٌ عَلى أَنَّ مَعْنَاهُ يَفْتَتِحُ الكَلامَ قَبْل الخُطْبَةِ بِهَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ، لأَنَّ افْتِتَاحَ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ بِبَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ التِي ليْسَتْ مِنْ نَفْسِهِ، فَاحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ مُهِمٌّ خَفِيٌّ، قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: فَإِنْ كَانَ فِي عِيدِ الفِطْرِ اُسْتُحِبَّ للخَطِيبِ تَعْليمُهُمْ أَحْكَامَ صَدَقَةِ الفِطْرِ، وَفِي الأَضْحَى أَحْكَامَ الأُضْحِيَّةِ، وَيُبَيِّنُهَا بَيَانًا وَاضِحًا يَفْهَمُونَهُ.
وَيُسْتَحَبُّ للنَّاسِ اسْتِمَاعُ الخُطْبَةِ، وَليْسَتْ الخُطْبَةُ وَلا اسْتِمَاعُهَا شَرْطًا لصِحَّةِ صَلاةِ العِيدِ، لكِنْ قَال الشَّافِعِيُّ: لوْ تَرَكَ اسْتِمَاعَ خُطْبَةِ العِيدِ أَوْ الكُسُوفِ أَوْ الاسْتِسْقَاءِ أَوْ خُطَبَ الحَجِّ، أَوْ تَكَلمَ فِيهَا أَوْ انْصَرَفَ وَتَرَكَهَا، كَرِهْته وَلا إعَادَةَ عَليْهِ وَلوْ دَخَل إنْسَانٌ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ للعِيدِ، فَإِنْ كَانَ فِي المُصَلى جَلسَ وَاسْتَمَعَ الخُطْبَةَ، وَلمْ يُصَل التَّحِيَّةَ، ثُمَّ إذَا فَرَغَ الإِمَامُ فَلهُ الخِيَارُ إنْ شَاءَ صَلى العِيدَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَإِنْ شَاءَ فِي بَيْتِهِ أَوْ غَيْرِهِ، هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الجُمْهُورُ، وَنَقَلوا الاتِّفَاقَ عَليْهِ، وَقَال البَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي المُخْتَصَرِ قَال: وَنَصَّ فِي البُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُصَلي العِيدَ قَبْل أَنْ يَدْنُوَ مِنْ المُصَلى، ثُمَّ يَحْضُرُ وَيَسْتَمِعُ الخُطْبَةَ، وَالمَشْهُورُ الأَوَّل، فَأَمَّا إنْ كَانَ فِي المَسْجِدِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ المُصَنِّفُ دَليلهُمَا أصحهما: عِنْدَ جُمْهُورِ الأَصْحَابِ يُصَلي العِيدَ، وَتَنْدَرِجُ التَّحِيَّةُ فِيهِ، وَبِهَذَا قَال أَبُو إِسْحَاقَ المَرْوَزِيُّ، وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَصَاحِبُ الحَاوِي وَالقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي المُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالبَنْدَنِيجِيّ وَالمَحَامِليُّ وَالبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ والثاني: قَالهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُصَلي التَّحِيَّةَ وَيُؤَخِّرُ صَلاةَ العِيدِ، وَبِهَذَا قَطَعَ سُليْمٌ الرَّازِيّ فِي الكِفَايَةِ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ البَيَانِ.
وَهَذَا الخِلافُ إنَّمَا هُوَ فِي الأَفْضَل، هَل يُصَلي التَّحِيَّةَ؟ أَمْ العِيدَ؟ وَلا خِلافَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَحَدِهِمَا؛ لأَنَّ المَسْجِدَ لا يُجْلسُ فِيهِ إلا بَعْدَ صَلاةٍ، فَإِنْ صَلى التَّحِيَّةَ - قَال أَبُو إِسْحَاقَ المَرْوَزِيُّ وَالقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِل وَسَائِرُ الأَصْحَابِ: فَالمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَليَ العِيدَ بَعْدَ فَرَاغِ الإِمَامِ فِي المَسْجِدِ، وَلا يُؤَخِّرُهَا إلى بَيْتِهِ، بِخِلافِ مَا إذَا أَدْرَكَ الإِمَامَ بِالمُصَلى فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُصَليَ العِيدَ فِي المُصَلى بَعْدَ فَرَاغِ الإِمَامِ، وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ إلى بَيْتِهِ يُصَلي، نَصَّ عَليْهِ الشَّافِعِيُّ.
قَالوا: وَالفَرْقُ أَنَّ المُصَلى لا مَزِيَّةَ لهُ عَلى بَيْتِهِ، وَأَمَّا المَسْجِدُ فَهُوَ أَشْرَفُ البِقَاعِ، فَكَانَتْ صَلاتُهُ فِيهِ أَفْضَل مِنْ بَيْتِهِ، قَال صَاحِبُ الشَّامِل وَغَيْرُهُ: وَيَخَافُ سَائِرَ النَّوَافِل حَيْثُ قُلنَا: فِعْلهَا فِي البَيْتِ أَفْضَل؛ لأَنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ تُسَنُّ لهَا الجَمَاعَةُ، فَكَانَ فِعْلهَا فِي المَسْجِدِ أَوْلى كَالفَرَائِضِ بِخِلافِ المُصَلى فَإِنَّمَا اسْتَحْبَبْنَاهَا فِيهِ للإِمَامِ لتَكْثُرَ الجَمَاعَةُ وَذَلكَ المَعْنَى مَفْقُودٌ فِي حَقِّ المُنْفَرِدِ، وَهَذَا كُلهُ تَفْرِيعٌ عَلى المَذْهَبِ وَهُوَ صِحَّةُ صَلاةِ العِيدِ للمُنْفَرِدِ وَفِيهِ خِلافٌ ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَاَللهُ أَعْلمُ.
فرع: إذَا فَرَغَ الإِمَامُ مِنْ الصَّلاةِ وَالخُطْبَةِ، ثُمَّ عَلمَ أَنَّ قَوْمًا فَاتَهُمْ سَمَاعُ الخُطْبَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيدَ لهُمْ الخُطْبَةَ، سَوَاءٌ كَانُوا رِجَالًا أَمْ نِسَاءً، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا البَنْدَنِيجِيُّ وَالمُتَوَلي، وَاحْتَجُّوا

 

ج / 5 ص -23-         لهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ يَوْمَ العِيدِ فَرَأَى أَنَّهُ لمْ يُسْمِعْ النِّسَاءَ فَأَتَاهُنَّ فَذَكَّرَهُنَّ وَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ"رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ.
فرع: لوْ خَطَبَ قَبْل صَلاةِ العِيدِ فَهُوَ مُسِيءٌ، وَفِي الاعْتِدَادِ بِالخُطْبَةِ احْتِمَالٌ لإِمَامِ الحَرَمَيْنِ الصَّحِيحُ بَل الصَّوَابُ أَنَّهُ لا يُعْتَدُّ بِهَا، لقَوْلهِ صلى الله عليه وسلم
"صَلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلي"وَقِيَاسًا عَلى السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ إذَا قَدَّمَهَا عَليْهَا، وَهَذَا الذِي صَحَحْتُهُ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الأُمِّ، فَإِنَّهُ نَصَّ فِي الأُمِّ وَنَقَلهُ أَيْضًا القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ نَصِّهِ فِي الأُمِّ قَال: قَال: فَإِنْ بَدَأَ بِالخُطْبَةِ قَبْل الصَّلاةِ رَأَيْتُ أَنْ يُعِيدَ الخُطْبَةَ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَإِنْ لمْ يَفْعَل لمْ يَكُنْ عَليْهِ إعَادَةُ صَلاةٍ وَلا كَفَّارَةٌ، كَمَا لوْ صَلى وَلمْ يَخْطُبْ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الخُطْبَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ، وَلهَذَا قَال: كَمَا لوْ صَلى وَلمْ يَخْطُبْ.
فرع: قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: أَكْرَهُ للمَسَاكِينِ إذَا حَضَرُوا العِيدَ المَسْأَلةَ فِي حَال الخُطْبَتَيْنِ، بَل يَنْكَفُّونَ عَنْ المَسْأَلةِ حَتَّى يَفْرُغَ الإِمَامُ مِنْ الخُطْبَتَيْنِ، قَال: فَإِنْ سَأَلوا فَلا شَيْءَ عَليْهِمْ فِيهَا إلا تَرْكَ الفَضْل فِي الاسْتِمَاعِ.
فرع: قَال أَصْحَابُنَا: الخُطَبُ المَشْرُوعَةُ عَشْرٌ، خُطْبَةُ الجُمُعَةِ وَالعِيدَيْنِ، وَالكُسُوفَيْنِ وَالاسْتِسْقَاءِ، وَأَرْبَعُ خُطَبٍ فِي الحَجِّ، وَكُلهَا بَعْدَ الصَّلاةِ إلا خُطْبَةَ الجُمُعَةِ وَخُطْبَةَ الحَجِّ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَكُلهَا يُشْرَعُ فِيهَا خُطْبَتَانِ إلا الثَّلاثَ البَاقِيَةَ مِنْ الحَجِّ فَإِنَّهُنَّ فُرَادَى، قَال أَصْحَابُنَا: وَالفَرْقُ بَيْنَ خُطْبَةِ الجُمُعَةِ وَالعِيدِ فِي التَّقَدُّمِ عَلى الصَّلاةِ وَالتَّأَخُّرِ مِنْ أَوْجُهٍ ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ الجُمُعَةِ.
 قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"رَوَى المُزَنِيّ رحمه الله أَنَّهُ يَجُوزُ صَلاةُ العِيدِ للمُنْفَرِدِ وَالمُسَافِرِ وَالعَبْدِ وَالمَرْأَةِ وَقَال فِي الإِمْلاءِ وَالقَدِيمِ، وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ: لا يُصَلى العِيدُ حَيْثُ لا تُصَلى الجُمُعَةُ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: فِيهَا قولان: أحدهما: لا يُصَلونَ
"{؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ بِمِنًى مُسَافِرًا يَوْمَ النَّحْرِ فَلمْ يُصَل"وَلأَنَّهَا صَلاةٌ شُرِعَ لهَا الخُطْبَةُ وَاجْتِمَاعُ الكَافَّةِ فَلمْ يَفْعَلهَا المُسَافِرُ كَالجُمُعَةِ والثاني: يُصَلونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلأَنَّهَا صَلاةُ نَفْلٍ فَجَازَ لهُمْ فِعْلهَا كَصَلاةِ الكُسُوفِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: يَجُوزُ لهُمْ فِعْلهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَتَأَوَّل مَا قَال فِي الإِمْلاءِ وَالقَدِيمِ عَلى أَنَّهُ أَرَادَ لا يُصَلي بِالاجْتِمَاعِ وَالخُطْبَةِ حَيْثُ لا تُصَلى الجُمُعَةُ؛ لأَنَّ فِي ذَلكَ افْتِيَاتًا عَلى السُّلطَانِ".
 الشرح:
حَدِيثُ تَرْكِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ العِيدِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى صَحِيحٌ مَعْرُوفٌ، وَقَوْلهُ: اجْتِمَاعِ الكَافَّةِ، هَذَا لحْنٌ عِنْدَ أَهْل العَرَبِيَّةِ فَلا يُقَال: الكَافَّةُ وَلا كَافَّةُ النَّاسِ، فَلا يُسْتَعْمَل بِالأَلفِ وَاللامِ وَلا مُضَافًا، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَل حَالًا فَيُقَال اجْتِمَاعُ النَّاسِ كَافَّةً؛ كَمَا قَال اللهُ تَعَالى{ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}[التوبة: 36] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28]وَلا تَغْتَرَّنَّ بِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالهَا لحْنًا فِي كُتُبِ الفِقْهِ وَالخُطَبِ النَّبَاتِيَّةِ1 وَالمَقَامَاتِ وَغَيْرِهَا وقوله: الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ هو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نسبة إلى الخطيب ابن يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباته الحذاقي صاحب الخطب المشهورة.=

 

ج / 5 ص -24-         كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الأُمِّ وقوله: صَلاةٌ تُشْرَعُ لهَا الخُطْبَةُ وَاجْتِمَاعُ الكَافَّةِ فَلمْ يَفْعَلهَا المُسَافِرُ) فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ المَكْتُوبَاتِ، وَلكِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِصَلاةِ الكُسُوفِ وقوله: فِي تَعْليل القَوْل الآخَرِ صَلاةُ نَفْلٍ احْتِرَازٌ مِنْ الجُمُعَةِ وَأَمَّا: التَّأْوِيل المَذْكُورُ فَمَعْنَاهُ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يُصَليَ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ البَلدِ بِخُطْبَةٍ وَاجْتِمَاعٍ، وَيَتْرُكُوا الصَّلاةَ مَعَ الإِمَامِ وَحُضُورَ خُطْبَتِهِ فِي الجَامِعِ بِخِلافِ الصَّلوَاتِ الخَمْسِ، حَيْثُ تُفْعَل فِي كُل مَسْجِدٍ؛ لأَنَّ فِي العِيدِ افْتِيَاتًا بِخِلافِ الخَمْسِ.
أما الأحكام: فَهَل تُشْرَعُ صَلاةُ العِيدِ للعَبْدِ وَالمُسَافِرِ وَالمَرْأَةِ وَالمُنْفَرِدِ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا: القَطْعُ بِأَنَّهَا تُشْرَعُ لهُمْ، وَدَليلهُ مَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ
وَأَجَابُوا عَنْ تَرْكِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى بِأَنَّهُ تَرَكَهَا لاشْتِغَالهِ بِالمَنَاسِكِ، وَتَعْليمِ النَّاسِ أَحْكَامَهَا، وَكَانَ ذَلكَ أَهَمَّ مِنْ العِيدِ والثاني: فِيهِ قولان: أحدهما: هَذَا، وَهُوَ نَصُّهُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الجَدِيدَةِ والثاني: لا تُشْرَعُ، نَصَّ عَليْهِ فِي القَدِيمِ وَالإِمْلاءِ، وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ مِنْ الجَدِيدِ، قَال أَصْحَابُنَا: فَعَلى القَدِيمِ تُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُ الجُمُعَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الجُمُعَةِ وَالعَدَدِ بِصِفَاتِ الكَمَال وَغَيْرِهِمَا إلا أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلهَا خَارِجَ البَلدِ، قَال الرَّافِعِيُّ: وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ، وَهَذَا غَلطٌ ظَاهِرٌ مُنَابِذٌ للسُّنَّةِ مَرْدُودٌ عَلى قَائِلهِ قَال: وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهَا بِدُونِ أَرْبَعِينَ عَلى هَذَا القَوْل، وَإِلا فَإِنَّ خُطْبَتَهَا بَعْدَهَا، وَأَنَّهُ لوْ تَرَكَهَا صَحَّتْ صَلاتُهُ، فَإِذَا قُلنَا بِالمَذْهَبِ فَصَلاهَا المُنْفَرِدُ لمْ يَخْطُبْ عَلى المَذْهَبِ الصَّحِيحِ المَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ، وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَخْطُبُ وَإِنْ صَلاهَا مُسَافِرُونَ خَطَبَ بِهِمْ إمَامُهُمْ نَصَّ عَليْهِ فِي الأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَليْهِ قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: وَإِنْ تَرَكَ صَلاةَ العِيدَيْنِ، مَنْ فَاتَتْهُ، أَوْ تَرَكَهَا مَنْ لا تَجِبُ عَليْهِ الجُمُعَةُ كَرِهْت ذَلكَ لهُ قَال: وَكَذَلكَ الكُسُوفُ وَاَللهُ أَعْلمُ.
 قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ يَوْمَ الثَّلاثِينَ بَعْدَ الزَّوَال بِرُؤْيَةِ الهِلال فَفِيهِ قولان: أحدهما: لا يَقْضِي والثاني: يَقْضِي وَهُوَ الأَصَحُّ1 فَإِنْ أَمْكَنَ جَمْعُ النَّاسِ صَلى بِهِمْ فِي يَوْمِهِمْ وَإِنْ لمْ يُمْكِنْ جَمْعُهُمْ، صَلى بِهِمْ فِي الغَدِ، لمَا رَوَى أَبُو عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَتِهِ رضي الله عنهم قَالوا:
"قَامَتْ بَيِّنَةٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الظُّهْرِ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلال شَوَّالٍ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُفْطِرُوا وَأَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الغَدِ إلى المُصَلى"وَإِنْ شَهِدَا ليْلةَ الحَادِي وَالثَّلاثِينَ صَلوا قَوْلًا وَاحِدًا، وَلا يَكُونُ ذَلكَ قَضَاءً؛ لأَنَّ فِطْرَهُمْ غَدًا لمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال "فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=كان إماما في علوم الأدب ورزق السعادة في خطبه التى وقع الإجماع على إنه ماعمل مثلها وهو من أهل ميافارقين وكان خطيب حلب وبها اجتمع بأبي الطيب المتنبي في خدمة سيف الدولة بن حمدان قال ابن خلكان بعد ذكر رؤيا ابن نباته للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا الخطيب لم أر أحدا من المؤرخين ذكر تاريخه في المولد والوفاة سوى ابن الأزرق الفارقي في تاريخه فإنه قال: ولد سنة 335 وتوفي سنة 374 ونباتة بضم النون وفتح الباء (ط).
1 في بعض النسخ (وهو الصحيح).

 

ج / 5 ص -25-         الشرح: حَدِيثُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، وَلفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الهِلال بِالأَمْسِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا أَصْبَحُوا يَغْدُوا إلى مُصَلاهُمْ"رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ، ثُمَّ قَال: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قَال: وَعُمُومَةُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحَابَةٌ لا تَضُرُّ جَهَالةُ أَعْيَانِهِمْ؛ لأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلهُمْ عُدُولٌ، قَال البَيْهَقِيُّ: وَظَاهِرُ قَوْلهِ (أَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الغَدِ إلى المُصَلى) أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالخُرُوجِ لصَلاةِ العِيدِ، وَذَلكَ مُبَيَّنٌ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ، قَال: وَلا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَل عَلى أَنَّهُ كَانَ لكَيْ يَجْتَمِعُوا فَيَدْعُوا، وَلتُرَى كَثْرَتُهُمْ بِلا صَلاةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَليْسَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ "وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ "وَلفْظُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: "قَال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم الفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ"قَال التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال "قَال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: الفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ وَالأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ"رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَال التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فِي أَوَّلهِ "الصَّوْمُ يَوْمَ يَصُومُونَ "وَقَوْلهُ "وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ "بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ العَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ المُشَدَّدَةِ - وَأَبُو عُمَيْرٍ المَذْكُورُ هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ الأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ، وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلادِ أَنَسٍ.
أما الأحكام: فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صَلاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ صَلاةَ العِيدِ وَغَيْرَهَا مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ إذَا فَاتَتْ هَل يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا؟ فِيهِ قَوْلانِ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَال أَصْحَابُنَا: فَإِذَا شَهِدَ عَدْلانِ يَوْمَ الثَّلاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ قَبْل الزَّوَال بِرُؤْيَةِ الهِلال فِي الليْلةِ المَاضِيَةِ وَجَبَ الفِطْرُ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الوَقْتِ قَبْل الزَّوَال مَا يُمْكِنُ جَمْعُ النَّاسِ وَالصَّلاةُ فِيهِ صَلوهَا وَكَانَتْ أَدَاءً بِلا خِلافٍ، وَإِنْ شَهِدُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ليْلةَ الحَادِي وَالثَّلاثِينَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ ليْلةَ الثَّلاثِينَ، قَال أَصْحَابُنَا: لا تُقْبَل شَهَادَتُهُمْ بِلا خِلافٍ فِيمَا يَتَعَلقُ بِالعِيدِ، إذْ لا فَائِدَةَ لهَا إلا المَنْعُ مِنْ صَلاةِ العِيدِ، فَلا تُسْمَعُ بَل يُصَلونَ العِيدَ مِنْ الغَدِ وَتَكُونُ أَدَاءً بِلا خِلافٍ قَال الرَّافِعِيُّ: اتَّفَقَ الأَصْحَابُ عَلى هَذَا قَال: وَقَوْلهُمْ لا فَائِدَةَ فِيهِ إلا تَرْكُ الصَّلاةِ فِيهِ إشْكَالٌ بَل لثُبُوتِ الهِلال فَوَائِدُ أُخَرُ، كَوُقُوعِ طَلاقٍ وَعِتْقٍ مُعَلقَيْنِ وَابْتِدَاءِ العِدَّةِ وَسَائِرِ الآجَال وَغَيْرِ ذَلكَ، فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَل لهَذِهِ الفَوَائِدِ، وَلعَل مُرَادَهُمْ أَنَّهَا لا تُقْبَل فِي صَلاةِ العِيدِ لا أَنَّهَا لا تُقْبَل مُطْلقًا هَذَا كَلامُ الرَّافِعِيِّ وَمُرَادُ الأَصْحَابِ أَنَّهَا لا تُقْبَل فِي صَلاةِ العِيدِ خَاصَّةً.
فَأَمَّا مَا سِوَى الصَّلاةِ مِنْ الآجَال وَالتَّعْليقَاتِ وَغَيْرِهِمَا فَتَثْبُتُ بِلا خِلافٍ أَمَّا إذَا شَهِدُوا قَبْل الغُرُوبِ، إمَّا بَعْدَ الزَّوَال وَإِمَّا قَبْلهُ بِيَسِيرٍ، بِحَيْثُ لا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلاةُ فَتُقْبَل شَهَادَتُهُمْ فِي الفِطْرِ بِلا خِلافٍ وَتَكُونُ الصَّلاةُ فَائِتَةً عَلى المَذْهَبِ وَقِيل: فِيهِ قولان: أحدهما: هَذَا والثاني: لا تَفُوتُ، فَتُفْعَل فِي الغَدِ أَدَاءً لعَظَمِ حُرْمَتِهَا، فَعَلى المَذْهَبِ يَكُونُ قَضَاؤُهَا مَبْنِيًّا عَلى قَضَاءِ النَّوَافِل، فَإِنْ قُلنَا لا تُقْضَى لمْ يُقْضَ العِيدُ، وَإِنْ قُلنَا تُقْضَى بُنِيَتْ صَلاةُ العِيدِ عَلى أَنَّهَا كَالجُمُعَةِ فِي الشُّرُوطِ أَمْ لا؟ فَإِنْ قُلنَا كَالجُمُعَةِ لمْ تُقْضَ وَإِلا قُضِيَتْ، وَهُوَ المَذْهَبُ وَهَل لهُمْ صَلاتُهَا فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلى أَنَّ فِعْلهَا فِي الحَادِي وَالثَّلاثِينَ أَدَاءٌ أَمْ قَضَاءٌ؟ إنْ قُلنَا أَدَاءٌ فَلا، وَإِنْ قُلنَا قَضَاءٌ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - جَازَ، ثُمَّ هَل هُوَ أَفْضَل أَمْ التَّأْخِيرُ إلى ضَحْوَةِ العِيدِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أصحهما: التَّقْدِيمُ أَفْضَل، هَذَا إذَا

 

ج / 5 ص -26-         أَمْكَنَ جَمْعُ النَّاسِ فِي يَوْمِهِمْ لصِغَرِ البَلدِ، فَإِنْ عَسُرَ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَل بِلا خِلافٍ، وَإِذَا قُلنَا صَلاتُهَا فِي الحَادِي وَالثَّلاثِينَ قَضَاءٌ فَهَل لهُمْ تَأْخِيرُهَا؟ فِيهِ قَوْلانِ وَقِيل وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا جَوَازُهُ أَبَدًا والثاني: لا يَجُوزُ وَقِيل يَجُوزُ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ، أَمَّا إذَا شَهِدَ قَبْل الغُرُوبِ وَعَدْلًا بَعْدَهُ فَقَوْلانِ، وَقِيل وَجْهَانِ:
أحدهما: الاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الشَّهَادَةِ وأصحهما: بِوَقْتِ التَّعْدِيل، فَيُصَلونَ مِنْ الغَدِ أَدَاءً بِلا خِلافٍ؛ لأَنَّهُ لمْ يَثْبُتْ العِيدُ فِي يَوْمِهِ هَذَا كُلهُ إذَا وَقَعَ الاشْتِبَاهُ وَفَوَاتُ العِيدِ لأَهْل البَلدِ جَمِيعِهِمْ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلكَ لأَفْرَادٍ لمْ يَجِئْ إلا قَوْلانِ: مَنْعُ القَضَاءِ وَجَوَازُهُ أَبَدًا وَهُوَ الأَصَحُّ، هَذَا تَلخِيصُ أَحْكَامِ الفَصْل فِي المَذْهَبِ.
وَأَمَّا قَوْل المُصَنِّفِ:شَهِدُوا ليْلةَ الحَادِي وَالثَّلاثِينَ فَمَعْنَاهُ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ ليْلةَ الثَّلاثِينَ وَقَوْلهُ: لأَنَّ فِطْرَهُمْ غَدًا فَغَدًا مَنْصُوبٌ عَلى الظَّرْفِ وَخَبَرُ أَنَّ مُقَدَّرٌ فِي الظَّرْفِ، قَال أَصْحَابُنَا: وَليْسَ يَوْمُ الفِطْرِ أَوَّل شَوَّالٍ مُطْلقًا وَإِنَّمَا هُوَ اليَوْمُ الذِي يُفْطِرُ فِيهِ النَّاسُ بِدَليل الحَدِيثِ السَّابِقِ، وَكَذَلكَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكَذَا يَوْمَ عَرَفَةَ هُوَ اليَوْمُ الذِي يَظْهَرُ للنَّاسِ أَنَّهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، سَوَاءٌ كَانَ التَّاسِعَ أَوْ العَاشِرَ قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ عَقِبَ هَذَا الحَدِيثِ: فَبِهَذَا نَأْخُذُ قَال: وَإِنَّمَا كُلفَ العِبَادُ الظَّاهِرَ، وَلمْ يَظْهَرْ الفِطْرُ إلا يَوْمَ أَفْطَرُوا.

فرع: فِي مَذَاهِبِ العُلمَاءِ إذَا فَاتَتْ صَلاةُ العِيدِ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا أَبَدًا، وَحَكَاهُ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مَالكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَحَكَى العَبْدَرِيُّ عَنْ مَالكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالمُزَنِيِّ وَدَاوُد أَنَّهَا لا تُقْضَى، وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تُقْضَى صَلاةُ الفِطْرِ فِي اليَوْمِ الثَّانِي، وَالأَضْحَى فِي الثَّانِي وَالثَّالثِ وَقَال أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: مَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِهِمَا، وَإِذَا صَلاهَا مَنْ فَاتَتْهُ مَعَ الإِمَامِ فِي وَقْتِهَا أَوْ بَعْدَهُ صَلاهَا رَكْعَتَيْنِ كَصَلاةِ الإِمَامِ، وَبِهِ قَال أَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ يُصَليهَا أَرْبَعًا بِتَسْليمَةٍ، وَإِنْ شَاءَ بِتَسْليمَتَيْنِ، وَبِهِ جَزَمَ الخِرَقِيُّ1 وَالثَّالثَةُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ، وَقَال ابْنُ مَسْعُودٍ: يُصَليهَا أَرْبَعًا وَقَال الأَوْزَاعِيُّ: رَكْعَتَيْنِ بِلا جَهْرٍ وَلا تَكْبِيرَاتٍ زَوَائِدَ وَقَال إِسْحَاقُ: إنْ صَلاهَا فِي المُصَلى فَكَصَلاةِ الإِمَامِ وَإِلا أَرْبَعًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو الإمام أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله أحمد الخرقي قال أبو يعلى: كان الخرقي علامة بارعا في مذهب أبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل – وكان ذا دين وأخا ورع. قلت: له المختصر المعروف باسمه وقد شرحه الإمام ابن قدامة المقدسي بكتابه المعروف بالمغني (ط).