المجموع شرح المهذب ط عالم الكتب

بَابُ التَّكْبِيرِ
 قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"التَّكْبِيرُ سُنَّةٌ فِي العِيدَيْنِ لمَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ
"أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ فِي العِيدَيْنِ مَعَ الفَضْل بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَليٍّ وَجَعْفَرٍ

 

ج / 5 ص -27-         وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأَيْمَنَ ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّهْليل وَالتَّكْبِيرِ، وَيَأْخُذُ طَرِيقَ الحَدَّادِينَ حَتَّى يَأْتِيَ المُصَلى، وَأَوَّل وَقْتِ تَكْبِيرِ الفِطْرِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ ليْلةِ الفِطْرِ؛ لقَوْلهِ عَزَّ وَجَل {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}[ البقرة: 185]وَإِكْمَال العِدَّةِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ ليْلةِ الفِطْرِ وَأَمَّا آخِرُهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: فِيهِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ:
أحدها: مَا رَوَى المُزَنِيّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ إلى أَنْ يَخْرُجَ الإِمَامُ مِنْ الصَّلاةِ؛ لأَنَّهُ إذَا حَضَرَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَشْتَغِل بِالصَّلاةِ فَلا مَعْنَى للتَّكْبِيرِ والثاني: مَا رَوَاهُ البُوَيْطِيُّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ حَتَّى تُفْتَتَحَ الصَّلاةُ؛ لأَنَّ الكَلامَ مُبَاحٌ قَبْل أَنْ تُفْتَتَحَ الصَّلاةُ فَكَانَ التَّكْبِيرُ مُسْتَحَبًّا والثالث: قَالهُ فِي القَدِيمِ: حَتَّى يَنْصَرِفَ الإِمَامُ؛ لأَنَّ الإِمَامَ وَالمَأْمُومِينَ مَشْغُولونَ بِالذِّكْرِ إلى أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الصَّلاةِ فَسُنَّ لمَنْ لمْ يَكُنْ فِي الصَّلاةِ أَنْ يُكَبِّرَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: هُوَ عَلى قَوْلٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ إلى أَنْ تُفْتَتَحَ الصَّلاةُ وَتُؤَوَّل رِوَايَةُ المُزَنِيِّ عَلى ذَلكَ؛ لأَنَّهُ إذَا خَرَجَ إلى المُصَلى افْتَتَحَ الصَّلاةَ وَقَوْلهُ فِي القَدِيمِ حَتَّى يَنْصَرِفَ الإِمَامُ؛ لأَنَّهُ مَا لمْ يَنْصَرِفْ مَشْغُولٌ بِالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلاةِ وَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ المُطْلقُ فِي عِيدِ الفِطْرِ وَهَل يُسَنُّ التَّكْبِيرُ المُقَيَّدُ فِي أَدْبَارِ الصَّلوَاتِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أحدهما: لا يُسَنُّ لأَنَّهُ لمْ يُنْقَل ذَلكَ عَنْ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم والثاني: أَنَّهُ يُسَنُّ لأَنَّهُ عِيدٌ يُسَنُّ لهُ التَّكْبِيرُ المُطْلقُ، فَيُسَنُّ لهُ التَّكْبِيرُ المُقَيَّدُ كَالأَضْحَى وَالسُّنَّةُ فِي التَّكْبِيرِ أَنْ يَقُول: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ثَلاثًا، لمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَال "اللهُ أَكْبَرُ ثَلاثًا".
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ1 بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَال: رَأَيْت الأَئِمَّةَ رضي الله عنهم يُكَبِّرُونَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الصَّلاةِ ثَلاثًا، وَعَنْ الحَسَنِ مِثْلهُ، قَال فِي الأُمِّ: وَإِنْ زَادَ زِيَادَةً فَليَقُل بَعْدَ الثَّلاثِ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، لا إلهَ إلا اللهُ وَلا نَعْبُدُ إلا إيَّاهُ مُخْلصِينَ لهُ الدِّينَ وَلوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ، لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعَدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لا إلهَ إلا اللهُ، وَاَللهُ أَكْبَرُ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال ذَلكَ عَلى الصَّفَا وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ لمَا رُوِيَ
"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ فِي العِيدَيْنِ رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّهْليل وَالتَّكْبِيرِ؛ لأَنَّهُ إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ سَمِعَ مَنْ لمْ يُكَبِّرْ فَيُكَبِّرُ".
فَصْلٌ: وَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الأَضْحَى فَفِي وَقْتِهِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ أحدها: يَبْتَدِئُ بَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلى أَنْ يُصَليَ الصُّبْحَ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالدَّليل عَلى أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بَعْدَ الظُّهْرِ قَوْلهُ عَزَّ وَجَل
{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ}[البقرة: 200]وَالمَنَاسِكُ تُقْضَى يَوْمَ النَّحْرِ ضَحْوَةً، وَأَوَّل صَلاةٍ تَلقَاهُمْ الظُّهْرُ، وَالدَّليل عَلى أَنَّهُ يَقْطَعُهُ بَعْدَ الصُّبْحِ أَنَّ النَّاسَ تَبَعٌ للحَاجِّ، وَآخِرُ صَلاةٍ يُصَليهَا الحَاجُّ بِمِنًى صَلاةُ الصُّبْحِ ثُمَّ يَخْرُجُ والثاني: يَبْتَدِئُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ ليْلةِ العِيدِ قِيَاسًا عَلى عِيدِ الفِطْرِ، وَيَقْطَعُهُ إذَا صَلى الصُّبْحَ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لمَا ذَكَرْنَاهُ والثالث: أَنْ يَبْتَدِئَ بَعْدَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هكذا هنا بتقديم محمد على أبي بكر وكذلك هي في النسخة المطبوعة من "المهذب" قال الشارح في "تهذيب الأسماء" و"اللغات": وهذا خطأ وسبق قلم أو غلط وقع من الناساخ ولا شك في بطلانه, وقد ذكره المصنف على الصواب في جميع مواضعه من "المهذب" منها الفصل الأول من باب صلاة العيدين وأول النكاح وأول الجنايات ومواضع كثيرة من كتاب الديات (ط).

 

ج / 5 ص -28-         صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَقْطَعُهُ بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لمَا رَوَى عُمَرُ وَعَليٌّ رضي الله عنهما "أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكَبِّرُ فِي دُبُرِ كُل صَلاةٍ، بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى مَا بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ".
فَصْلٌ: السُّنَّةُ أَنْ يُكَبِّرَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ خَلفَ الفَرَائِضِ لنَقْل الخَلفِ عَنْ السَّلفِ، وَهَل يُكَبِّرُ خَلفَ النَّوَافِل؟ فِيهِ طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: يُكَبِّرُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لأَنَّهَا صَلاةٌ رَاتِبَةٌ فَأَشْبَهَتْ الفَرَائِضَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَال فِيهِ قولان: أحدهما: يُكَبِّرُ لمَا قُلنَاهُ والثاني: لا يُكَبِّرُ؛ لأَنَّ النَّفَل تَابِعٌ للفَرْضِ، وَالتَّابِعُ لا يَكُونُ لهُ تَبَعٌ وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلاةٌ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ فَأَرَادَ قَضَاءَهَا فِي غَيْرِهَا لمْ يُكَبِّرْ خَلفَهَا لأَنَّ التَّكْبِيرَ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الأَيَّامِ فَلا يُفْعَل فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ قَضَاهَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أحدهما: يُكَبِّرُ لأَنَّ وَقْتَ التَّكْبِيرِ بَاقٍ.
والثاني: لا يُكَبِّرُ لأَنَّ التَّكْبِيرَ خَلفَ هَذِهِ الصَّلوَاتِ يَخْتَصُّ بِوَقْتِهَا، وَقَدْ فَاتَ الوَقْتُ فَلمْ يَقْضِ".
 الشرح:
قَال أَصْحَابُنَا: تَكْبِيرُ العِيدِ قِسْمَانِ أحدهما: التَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ فِي الصَّلاةِ وَالخُطْبَةِ، وَقَدْ سَبَقَ والثاني: غَيْرُ ذَلكَ، وَالأَصْل فِيهِ حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ "كُنَّا نُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِ الحُيَّضِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ"رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلمٍ "يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ "وَهَذَا القِسْمُ نَوْعَانِ، مُرْسَلٌ وَمُقَيَّدٌ فَالمُرْسَل: وَيُقَال لهُ: المُطْلقُ هُوَ الذِي لا يَتَقَيَّدُ بِحَالٍ، بَل يُؤْتَى بِهِ فِي المَنَازِل وَالمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ ليْلًا وَنَهَارًا وَفِي غَيْرِ ذَلكَ وَالمُقَيَّدُ: هُوَ الذِي يُقْصَدُ بِهِ الإِتْيَانُ فِي أَدْبَارِ الصَّلوَاتِ فَالمُرْسَل مَشْرُوعٌ فِي العِيدَيْنِ جَمِيعًا، وَأَوَّل وَقْتِهِ فِي العِيدَيْنِ غُرُوبُ الشَّمْسِ ليْلةَ العِيدِ، وَفِي آخِرِ وَقْتِهِ فِي عِيدِ الفِطْرِ طَرِيقَانِ أصحهما: وَأَشْهَرُهُمَا فِيهِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ أصحها: يُكَبِّرُونَ إلى أَنْ يُحْرِمَ الإِمَامُ بِصَلاةِ العِيدِ، وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاعَاتٌ، لأَنَّ الكَلامَ مُبَاحٌ قَبْل افْتِتَاحِ الصَّلاةِ، فَالاشْتِغَال بِالتَّكْبِيرِ أَوْلى، وَهَذَا نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ البُوَيْطِيِّ والثاني: إلى أَنْ يَخْرُجَ الإِمَامُ إلى الصَّلاةِ، لأَنَّهُ إذَا خَرَجَ فَالسُّنَّةُ الاشْتِغَال بِالصَّلاةِ، وَهَذَا نَصُّهُ فِي الأُمِّ، وَرِوَايَةُ المُزَنِيِّ والثالث: يُكَبِّرُ إلى فَرَاغِ الإِمَامِ مِنْ الصَّلاةِ، وَقِيل: إلى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الخُطْبَتَيْنِ، وَهَذَا نَصُّهُ فِي القَدِيمِ.
والطريق الثاني: وَبِهِ قَال ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ المَرْوَزِيُّ: القَطْعُ بِالقَوْل الأَوَّل، وَتَأَوَّل هَؤُلاءِ النَّصَّيْنِ الآخَرَيْنِ عَلى هَذَا، قَال البَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ: وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الخِلافِ فِي حَقِّ مَنْ ليْسَ بِحَاضِرٍ مَعَ الإِمَامِ، فَإِذَا قُلنَا: يَمْتَدُّ إلى فَرَاغِ الخُطْبَتَيْنِ فَلهُ أَنْ يُكَبِّرَ حَتَّى يَعْلمَ فَرَاغَ الإِمَامِ مِنْهُمَا وَأَمَّا الحَاضِرُونَ فَلا يُكَبِّرُونَ فِي حَال الخُطْبَةِ، بَل يَسْتَمِعُونَهَا، قَال أَصْحَابُنَا: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ النَّاسُ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ المُرْسَل فِي ليْلتِي العِيدَيْنِ وَيَوْمَيْهِمَا إلى الغَايَةِ المَذْكُورَةِ فِي المَنَازِل وَالمَسَاجِدِ وَالأَسْوَاقِ وَالطُّرُقِ وَغَيْرِهَا، فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَفِي طَرِيقِ المُصَلى وَبِالمُصَلى وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الحُجَّاجُ فَلا يُكَبِّرُونَ ليْلةَ الأَضْحَى بَل ذِكْرُهُمْ التَّلبِيَةَ
وَاعْلمْ: أَنَّ تَكْبِيرَ ليْلةَ الفِطْرِ آكَدُ مِنْ تَكْبِيرِ ليْلةَ الأَضْحَى عَلى الأَظْهَرِ وَهُوَ القَوْل الجَدِيدُ وَقَال فِي القَدِيمِ عَكْسَهُ، وَدَليل الجَدِيدِ قَوْل اللهِ تَعَالى
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ}[البقرة: 185]وَأَمَّا التَّكْبِيرُ المُقَيَّدُ فَيُشْرَعُ فِي عِيدِ الأَضْحَى بِلا خِلافٍ لإِجْمَاعِ الأُمَّةِ، وَهَل يُشْرَعُ فِي عِيدِ الفِطْرِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ، وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجَمَاعَةٌ قَوْليْنِ أصحهما:

 

ج / 5 ص -29-         عِنْدَ الجُمْهُورِ لا يُشْرَعُ، وَنَقَلوهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الجَدِيدِ، وَقَطَعَ بِهِ المَاوَرْدِيُّ وَالجُرْجَانِيُّ وَالبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ صَاحِبَا الشَّامِل وَالمُعْتَمَدِ، وَاسْتَدَل لهُ المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لمْ يُنْقَل عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلوْ كَانَ مَشْرُوعًا لفَعَلهُ وَلنُقِل والثاني: يُسْتَحَبُّ وَرَجَّحَهُ المَحَامِليُّ وَالبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَاحْتَجَّ لهُ المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ بِأَنَّهُ عِيدٌ يُسَنُّ فِيهِ التَّكْبِيرُ المُرْسَل، فَسُنَّ المُقَيَّدُ كَالأَضْحَى، فَعَلى هَذَا قَالوا يُكَبِّرُ خَلفَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، وَنَقَلهُ المُتَوَلي عَنْ نَصِّهِ فِي القَدِيمِ وَحُكْمُ النَّوَافِل وَالفَوَائِتِ فِي هَذِهِ المُدَّةِ عَلى هَذَا الوَجْهِ يُقَاسَ بِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى فِي الأَضْحَى.
وَأَمَّا الأَضْحَى فَالنَّاسُ فِيهِ ضَرْبَانِ: حُجَّاجٌ وَغَيْرُهُمْ، فَأَمَّا الحُجَّاجُ فَيَبْدَءُونَ التَّكْبِيرَ عَقِبَ صَلاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلى الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِلا خِلافٍ هَكَذَا نَقَلهُ صَاحِبُ جَامِعِ الجَوَامِعِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَصَرَّحَ بِهِ الأَصْحَابُ مِنْهُمْ المَحَامِليُّ وَالبَنْدَنِيجِيّ وَالجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَآخَرُونَ، وَأَشَارَ إليْهِ القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي المُجَرَّدِ وَآخَرُونَ، وَنَقَلهُ إمَامُ الحَرَمَيْنِ عَنْ العِرَاقِيِّينَ، وَقَطَعَ هُوَ بِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلى الابْتِدَاءِ وَتَرَدَّدَ فِي الانْتِهَاءِ وَسَبَبُ تَرَدُّدِهِ أَنَّهُ لمْ يَبْلغْهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ الذِي ذَكَرْنَاهُ، وَقَطَعَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ المُتَأَخِّرِينَ، وَقَالوا: وَوَجْهُهُ أَنَّ الحُجَّاجَ وَظِيفَتُهُمْ وَشِعَارُهُمْ التَّلبِيَةُ وَلا يَقْطَعُونَهَا إلا إذَا شَرَعُوا فِي رَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ، وَإِنَّمَا شُرِعَ بَعْدَ طُلوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَوَّل فَرِيضَةٍ تَلقَاهُمْ بَعْدَ ذَلكَ الظُّهْرُ، وَآخِرُ صَلاةٍ يُصَلونَهَا بِمِنًى صَلاةُ الصُّبْحِ فِي اليَوْمِ الأَخِيرِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لأَنَّ السُّنَّةَ لهُمْ أَنْ يَرْمُوا فِي اليَوْمِ الثَّالثِ بَعْدَ الزَّوَال وَهُمْ رُكْبَانٌ وَلا يُصَلونَ الظُّهْرَ بِمِنًى وَإِنَّمَا يُصَلونَهَا بَعْدَ نَفَرِهِمْ مِنْهَا.
وَأَمَّا غَيْرُ الحُجَّاجِ فَللشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي تَكْبِيرِهِمْ ثَلاثَةُ نُصُوصٍ أحدها: مِنْ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلى صُبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهَذَا هُوَ المَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي مُخْتَصَرِ المُزَنِيِّ وَالبُوَيْطِيِّ وَالأُمِّ وَالقَدِيمِ قَال صَاحِبُ الحَاوِي: وَهُوَ نَصُّهُ فِي القَدِيمِ وَالجَدِيدِ وَقَال صَاحِبُ الشَّامِل: هُوَ نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ والثاني: قَالهُ فِي الأُمِّ، قَال: لوْ بَدَأَ بِالتَّكْبِيرِ خَلفَ صَلاةِ المَغْرِبِ ليْلةَ النَّحْرِ قِيَاسًا عَلى ليْلةِ الفِطْرِ لمْ أَكْرَهْ ذَلكَ قَال: وَسَمِعْت مَنْ يَسْتَحِبُّ هَذَا وَقَال بِهِ والنص الثالث: أَنَّهُ رُوِيَ فِي الأُمِّ عَنْ بَعْضِ السَّلفِ أَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ مِنْ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ، قَال: وَأَسْأَل اللهَ التَّوْفِيقَ هَذَا كَلامُهُ فِي الأُمِّ، وَكَذَا نَقَلهُ صَاحِبُ "الشَّامِل"1 وَالأَكْثَرُونَ.
 وَقَال صَاحِبُ الحَاوِي: نَصَّ فِي القَدِيمِ وَالجَدِيدِ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَخْتِمُ بِصُبْحِ آخِرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قلت نص الشافعي في "الأم" هكذا: ويكبر الإمام ومن خلفه خلف الصلوات ثلاث تكبيرات واكثر وإن ترك ذلك الإمام كبر من خلفه ويكبر أهل الآفاق كما يكبر أهل منى ولا يخالفونهم في ذلك إلا في أن يتقدموهم بالتكبير فلو ابتدأوا بالتكبير خلف صلاة المغرب من ليلة النحر قياسيا على أمر الله في الفطر من شهر رمضان بالتكبير مع إكمال العدة وإنهم ليسوا محرمين يلبون فيكتفون بالتلبية من التكبير لم أكره ذلك وقد سمعت من يستحب هذا وإن لم يكبروا وأخروا ذلك حتى يكبروا بتكبير أهل منى فلا بأس إنشاء الله وقد روى عن بعض السلف إنه كان يبتدئ التكبير خلف صلاة الصبح من يوم عرفة وأسأل الله التوفيق ا ه وعن "الأم" نقلته (ط).

 

ج / 5 ص -30-         التَّشْرِيقِ، فَيَكُونُ مُكَبِّرًا خَلفَ خَمْسَ عَشْرَةَ صَلاةً، قَال: وَقَال فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَبْدَأُ مِنْ المَغْرِبِ ليْلةَ النَّحْرِ إلى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ فَتَكُونُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ صَلاةً، وَقَال فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: فِي صُبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ فَتَكُونُ ثَلاثًا وَعِشْرِينَ صَلاةً قَال وَهَذَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلفِ وَقَال أَسْتَخِيرُ اللهَ تَعَالى فِيهِ، هَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَللأَصْحَابِ فِي المَسْأَلةِ ثَلاثَةُ طُرُقٍ أصحها: وَأَشْهَرُهَا وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَالأَكْثَرُونَ فِي المَسْأَلةِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ أصحها: عِنْدَهُمْ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ والثاني: مِنْ مَغْرِبِ ليْلةَ النَّحْرِ إلى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ والثالث: مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ.
والطريق الثاني أَنَّهُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الطَّرِيقُ نَقَلهُ صَاحِبُ الحَاوِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ المَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَليِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْ العِرَاقِيِّينَ، وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الخُرَاسَانِيِّينَ قَالوا: وَالنَّصَّانِ الآخَرَانِ ليْسَا مَذْهَبًا للشَّافِعِيِّ، وَإِنَّمَا حَكَاهُمَا مَذْهَبًا لغَيْرِهِ.
قَال فِي الحَاوِي: وَتَأَوَّلوا أَيْضًا نَصَّهُ مِنْ المَغْرِبِ ليْلةَ النَّحْرِ، عَلى أَنَّ المُرَادَ التَّكْبِيرُ المُرْسَل لا المُقَيَّدُ؛ وَلا خِلافَ فِي اسْتِحْبَابِ المُرْسَل مِنْ المَغْرِبِ فِي ليْلتَيْ العِيدَيْنِ إلى أَنْ يُحْرِمَ الإِمَامُ بِصَلاةِ العِيدِ كَمَا سَبَقَ.
وَالطَّرِيقُ الثَّالثُ: حَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي المُجَرَّدِ عَنْ الدَّارَكِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ المَرْوَزِيِّ أَنَّهُ قَال: ليْسَ فِي المَسْأَلةِ خِلافٌ، وَليْسَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ لاخْتِلافِ قَوْلٍ، بَل لا خِلافَ فِي المَذْهَبِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ صُبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى العَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، قَال وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي ثُبُوتِهِ ثَلاثَةَ أَسْبَابٍ، فَذَكَرَ فِي ثُبُوتِ التَّكْبِيرِ مِنْ صُبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ قَوْل بَعْضِ السَّلفِ، وَذَكَرَ فِي ليْلةِ النَّحْرِ القِيَاسَ عَلى ليْلةِ الفِطْرِ، وَذَكَرَ فِي ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ القِيَاسَ عَلى الحَجِيجِ قَال القَاضِي: وَالأَوَّل أَصَحُّ وَعَليْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا هَذَا آخِرُ كَلامِ القَاضِي.
وَنَقَل الدَّارِمِيُّ فِي الاسْتِذْكَارِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَ حِكَايَةِ القَاضِي عَنْهُ، فَالحَاصِل أَنَّ الأَرْجَحَ عِنْدَ جُمْهُورِ الأَصْحَابِ الابْتِدَاءُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ، وَاخْتَارَتْ طَائِفَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي الأَصْحَابِ المُتَقَدِّمِينَ وَالمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَخْتِمُ بِعَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ، مِمَّنْ اخْتَارَهُ أَبُو العَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ، حَكَاهُ عَنْهُ القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي المُجَرَّدِ وَآخَرُونَ قَال البَنْدَنِيجِيُّ: هُوَ اخْتِيَارُ المُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ، قَال الصَّيْدَلانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ: وَعَليْهِ عَمَل النَّاسِ فِي الأَمْصَارِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ المُنْذِرِ وَالبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ الجَامِعِينَ بَيْنَ الفِقْهِ وَالحَدِيثِ، وَهُوَ الذِي اخْتَارَهُ.
وَاحْتَجَّ لهُ البَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ مَالكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ "أَنَّهُ سَأَل أَنَسَ بْنَ مَالكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلى عَرَفَاتٍ، كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا اليَوْمِ مَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال:
"كَانَ يُهَلل

 

ج / 5 ص -31-         المُهَلل مِنَّا فَلا يُنْكِرُ عَليْهِ، وَيُكَبِّرُ المُكَبِّرُ فَلا يُنْكِرُ عَليْهِ"رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَال: "كُنَّا مَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَدَاةِ عَرَفَةَ، فَمِنَّا المُكَبِّرُ وَمِنَّا المُهَلل فَأَمَّا نَحْنُ فَنُكَبِّرُ"رَوَاهُ مُسْلمٌ.
 قَال البَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ فِي ذَلكَ عَنْ عُمَرَ وَعَليٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم ثُمَّ ذَكَرَ ذَلكَ بِأَسَانِيدِهِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُكَبِّرُونَ مِنْ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى العَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَال البَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ لا يُحْتَجُّ بِمِثْلهِ، ثُمَّ ذُكِرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ - يَعْنِي: الجُعْفِيَّ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَال
"كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ صَلاةِ الغَدَاةِ إلى صَلاةِ العَصْرِ، آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ"قَال البَيْهَقِيُّ: عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ وَجَابِرٌ الجُعْفِيُّ لا يُحْتَجُّ بِهِمَا، وَفِي رِوَايَةِ الثِّقَاتِ كِفَايَةٌ، هَذَا كَلامُ البَيْهَقِيّ.
وَرَوَى الحَاكِمُ فِي "المُسْتَدْرَكِ" عَنْ عَليٍّ وَعَمَّارٍ رضي الله عنهما
"أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَجْهَرُ فِي المَكْتُوبَاتِ بِبَسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَكَانَ يَقْنُتُ فِي صَلاةِ الفَجْرِ وَكَانَ يُكَبِّرُ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَيَقْطَعُهَا صَلاةَ العَصْرِ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ"قَال الحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ لا أَعْلمُ مِنْ رُوَاتِهِ مَنْسُوبًا إلى الجَرْحِ، قَال: وَقَدْ رُوِيَ فِي البَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَغَيْرِهِ فَأَمَّا مِنْ فِعْل عُمَرَ وَعَليٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ1 وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم فَصَحِيحٌ عَنْهُمْ التَّكْبِيرُ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ.
وَرَوَى البَيْهَقِيُّ هَذَا الحَدِيثَ الذِي رَوَاهُ الحَاكِمُ بِإِسْنَادِ الحَاكِمِ، ثُمَّ قَال: وَهَذَا الحَدِيثُ مَشْهُورٌ بِعَمْرِو بْنِ شَمَرٍ عَنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْل وَكِلا الإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفٌ، هَذَا كَلامُ البَيْهَقِيّ وَهُوَ أَتْقَنُ مِنْ شَيْخِهِ الحَاكِمِ وَأَشَدُّ تَحَرِّيًا قَال أَصْحَابُنَا: وَيُكَبِّرُ خَلفَ الصُّبْحِ أَوْ العَصْرِ التِي هِيَ الغَايَةُ بِلا خِلافٍ، قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ وَيُكَبِّرُ فِي هَذِهِ المُدَّةِ خَلفَ الفَرَائِضِ المُؤَدَّيَاتِ بِلا خِلافٍ، وَلوْ فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ مِنْهَا فَقَضَاهَا فِي غَيْرِهِ لمْ يُكَبِّرْ بِلا خِلافٍ، لأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ هَذِهِ الأَيَّامِ فَلا يُفْعَل فِي غَيْرِهَا وَلوْ فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ فِيهَا فَقَضَاهَا فِيهَا أَيْضًا فَهَل يُكَبِّرُ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ:
أحدهما: وَبِهِ قَطَعَ البَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الحَاوِي يُكَبِّرُ بِلا خِلافٍ، لأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارٌ لهَذِهِ المُدَّةِ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: فِيهِ خِلافٌ حَكَاهُ الخُرَاسَانِيُّونَ قَوْليْنِ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ البَيَانِ عَنْ حِكَايَةِ العِرَاقِيِّينَ وَجْهَيْنِ
أصحهما: يُكَبِّرُ، لمَا ذَكَرْنَاهُ والثاني: لا؛ لأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارٌ لوَقْتِ الفَرَائِضِ وَلوْ فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ فِي غَيْرِ هَذِهِ الأَيَّامِ فَقَضَاهَا فِيهَا فثَلاثَ طُرُقٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سرد الحاكم رواياته عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود, قال الحافظ الذهبي في "التلخيص" بعد قول الحاكم صحيح: قلت: بل خبر واه كأنه موضوع لأن عبد الرحمن صاحب مناكير وسعيد إن كان الكزبري فهو ضعيف وإلا فهو  مجهول ثم صحح الذهبي روايات الحاكم عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود (ط).

 

ج / 5 ص -32-         أحدها: وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الحَاوِي وَالبَنْدَنِيجِيّ: يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ بِلا خِلافٍ لأَنَّهُ شِعَارُ هَذِهِ المُدَّةِ والثاني: لا يُسْتَحَبُّ، حَكَاهُ صَاحِبُ البَيَانِ عَنْ طَرِيقَةِ العِرَاقِيِّينَ وَذَكَرَهُ المُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ والثالث: فِيهِ قَوْلانِ، أصحهما: يُسْتَحَبُّ والثاني: لا يُسْتَحَبُّ حَكَاهُ الخُرَاسَانِيُّونَ، وَالأَصَحُّ عَلى الجُمْلةِ اسْتِحْبَابُهُ، وَهُوَ الذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ المُتَأَخِّرِينَ.
 فرع: أَمَّا التَّكْبِيرُ خَلفَ النَّوَافِل فَقَال المُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَال الشَّافِعِيُّ: وَيُكَبِّرُ خَلفَ الفَرَائِضِ وَالنَّوَافِل، قَال المُزَنِيّ: وَاَلذِي قَبْل1 هَذَا أَوْلى أَنَّهُ لا يُكَبِّرُ إلا خَلفَ الفَرَائِضِ وَللأَصْحَابِ فِي المَسْأَلةِ أَرْبَعُ طُرُقٍ أصحها: وَأَشْهَرُهَا: فِيهِ قَوْلانِ أصحهما: يُسْتَحَبُّ لأَنَّهَا صَلاةٌ مَفْعُولةٌ فِي وَقْتِ التَّكْبِيرِ، فَأَشْبَهَتْ الفَرِيضَةَ والثاني: لا يُسْتَحَبُّ لأَنَّ التَّكْبِيرَ تَابِعٌ للصَّلاةِ، وَالنَّافِلةَ تَابِعَةٌ للفَرِيضَةِ وَالتَّابِعُ لا يَكُونُ لهُ تَابِعٌ.
والطريق الثاني: يُكَبِّرُ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ، قَال القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي المُجَرَّدِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلى هَذَا فَقَال: فَإِذَا سَلمَ كَبَّرَ خَلفَ الفَرَائِضِ وَالنَّوَافِل، وَعَلى كُل حَالٍ قَال: وَذَكَرَ فِي هَذَا البَابِ فِي الأُمِّ أَنَّهُ تُكَبِّرُ الحَائِضُ [وَيُكَبِّرُ] الجُنُبُ وَغَيْرُ المُتَوَضِّئِ فِي جَمِيعِ السَّاعَاتِ مِنْ الليْل وَالنَّهَارِ، قَال وَهَذَا دَليلٌ عَلى أَنَّ التَّكْبِيرَ مُسْتَحَبٌّ خَلفَ الفَرَائِضِ وَالنَّوَافِل وَعَلى كُل حَالٍ، وَإِنَّ مَنْ لا يُصَلي كَالجُنُبِ وَالحَائِضِ يُسْتَحَبُّ لهُمْ التَّكْبِيرُ قَال القَاضِي: وَغَلطُوا المُزَنِيَّ فِي قَوْلهِ: (الذِي قَبْل هَذَا أَوْلى) فَإِنَّهُ أَوْهَمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ قَبْل هَذَا أَنَّهُ لا يُكَبِّرُ إلا خَلفَ الفَرَائِضِ، وَليْسَ كَذَلكَ، بَل كَلامُ الشَّافِعِيِّ الذِي قَبْل هَذَا مُؤَوَّلٌ، قَال القَاضِي: هَذَا الطَّرِيقُ أَصَحُّ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا البَنْدَنِيجِيُّ.
وَالطَّرِيقُ الثَّالثُ: لا يُكَبِّرُ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ صَاحِبُ الحَاوِي، قَال وَبِهِ جَرَى العَمَل تَوَاتُرًا فِي الأَمْصَارِ بَيْنَ الأَئِمَّةِ، قَال: وَأَجَابَ أَصْحَابُ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ نَقْل المُزَنِيِّ التَّكْبِيرَ خَلفَ الفَرَائِضِ وَالنَّوَافِل بِجَوَابَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ غَلطٌ فِي النَّقل مِنْ التَّلبِيَةِ إلى التَّكْبِيرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ غَلطٌ فِي المَعْنَى دُونَ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِالتَّكْبِيرِ خَلفَ الفَرَائِضِ وَالنَّوَافِل مَا تَعَلقَ بِالزَّمَانِ فِي ليْلتَيْ العِيدِ دُونَ مَا تَعَلقَ بِالصَّلوَاتِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ حَكَاهُ صَاحِبُ الحَاوِي أَيْضًا إنْ كَانَ النَّفَل يُسَنُّ مُنْفَرِدًا لمْ يُكَبِّرْ خَلفَهُ، وَإِنْ سُنَّ جَمَاعَةً كَالكُسُوفَيْنِ وَالاسْتِسْقَاءِ كَبَّرَ، وَحَمَلوا القَوْليْنِ عَلى هَذَيْنِ، فَهَذَا تَلخِيصُ مَا ذَكَرَهُ الأَصْحَابُ، وَالمَذْهَبُ عَلى الجُمْلةِ اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ خَلفَ كُل النَّوَافِل فِي هَذِهِ الأَيَّامِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نص قول المزني هكذا: (ويكبر خلف الفرائض والنوافل قال المزني: والذي قبل هذا عندي أولى به, لايكبرإلا خلف الفرائض) (ط).

 

ج / 5 ص -33-         فرع: هَل يُكَبِّرُ خَلفَ صَلاةِ الجِنَازَةِ؟ فِيهِ ثَلاثَةُ طُرُقٍ أحدها: لا يُكَبِّرُ وَجْهًا وَاحِدًا، لأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلى التَّخْفِيفِ، وَلهَذَا حُذِفَ أَكْثَرُ أَرْكَانِ الصَّلوَاتِ مِنْهَا، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ فِي الاسْتِذْكَارِ وَالقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ والطريق الثاني فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الحَاوِي وَغَيْرُهُ والثالث: قَالهُ الشَّاشِيُّ فِي المُسْتَظْهِرِيِّ إنْ قُلنَا يُكَبِّرُ خَلفَ النَّوَافِل فَهُنَا أَوْلى، وَإِلا فَكَالفَرَائِضِ المَقْضِيَّةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالمَذْهَبُ عَلى الجُمْلةِ اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ خَلفَهَا لأَنَّهَا آكَدُ مِنْ النَّافِلةِ، وَقَوْلهُمْ: إنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلى التَّخْفِيفِ ضَعِيفٌ، لأَنَّ التَّكْبِيرَ ليْسَ فِي نَفْسِهَا فَتَطُول بِهِ.
فرع: إذَا عَرَفْت مَا سَبَقَ وَأُرْدِفَ اخْتِصَارُ الخِلافِ فِيمَا يُكَبِّرُ خَلفَهُ جَاءَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أصحها: يُكَبِّرُ خَلفَ كُل صَلاةٍ مَفْعُولةٍ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ والثاني: يَخْتَصُّ بِالفَرَائِضِ المَفْعُولةِ فِيهَا، مُؤَدَّاةً كَانَتْ أَوْ مَقْضِيَّةً، فَرِيضَةً أَوْ نَافِلةً، رَاتِبَةً أَوْ غَيْرَهَا والثالث: يَخْتَصُّ بِفَرَائِضِهَا مَقْضِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُؤَدَّاةً (وَالرَّابِعُ) لا يُكَبِّرُ إلا عَقِبَ فَرَائِضِهَا المُؤَدَّاةِ وَسُنَنِهَا الرَّاتِبَةِ المُؤَدَّاةِ.
 فرع: لوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ خَلفَ الصَّلاةِ فَتَذَكَّرَ وَالفَصْل قَرِيبٌ - اُسْتُحِبَّ التَّكْبِيرُ بِلا خِلافٍ، سَوَاءٌ فَارَقَ مُصَلاهُ أَمْ لا، فَلوْ طَال الفَصْل فَطَرِيقَانِ أحدهما: ذَكَرَهُ البَغَوِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلى مَا إذَا تَرَكَ سُجُودَ السَّهْوِ، فَتَذَكَّرَهُ بَعْدَ طُول الفَصْل قَال الرَّافِعِيُّ: الأَصَحُّ هُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ والطريق الثاني يُسْتَحَبُّ تَدَارُكُ التَّكْبِيرِ وَإِنْ طَال الفَصْل، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَطَعَ المُتَوَلي وَغَيْرُهُ، وَنَقَلهُ صَاحِبُ البَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا العِرَاقِيِّينَ، وَفَرَّقَ المُتَوَلي بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُجُودِ السَّهْوِ لإِتْمَامِ الصَّلاةِ وَإِكْمَال صِفَتِهَا، فَلا تُفْعَل بَعْدَ طُول الفَصْل، كَمَا لا يُبْنَى عَليْهَا بَعْدَ طُول الفَصْل، وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَهُوَ شِعَارُ هَذِهِ الأَيَّامِ لا وَصْفٌ للصَّلاةِ، وَلا جُزْءٌ مِنْهَا، وَنَقَل المُتَوَلي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ تَكَلمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ المَسْجِدِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ التَّكْبِيرَ لا يُكَبِّرُ، وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُهُ مُطْلقًا لمَا ذَكَرْنَاهُ.
 فرع: المَسْبُوقُ بِبَعْضِ الصَّلاةِ لا يُكَبِّرُ إلا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلاةِ نَفْسِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَنَقَلهُ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَمَالكٍ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَعَنْ الحَسَنِ البَصْرِيِّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقْضِي عَنْ مُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقْضِي ثُمَّ يُكَبِّرُ قَال ابْنُ المُنْذِرِ وَبِالأَوَّل أَقُول وَاحْتَجَّ الحَسَنُ بِأَنَّ المَسْبُوقَ يُتَابِعُ الإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَكَذَا التَّكْبِيرُ.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالجُمْهُورُ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ إنَّمَا يُشْرَعُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلاةِ، وَلمْ يَفْرُغْ بِخِلافِ سُجُودِ السَّهْوِ، فَإِنَّهُ يَفْعَل فِي نَفْسِ الصَّلاةِ، وَالمَسْبُوقُ إنَّمَا يُفَارِقُ الإِمَامَ بَعْدَ سَلامِهِ.
 فرع: لوْ كَبَّرَ الإِمَامُ عَلى خِلافِ اعْتِقَادِ المَأْمُومِ، فَكَبَّرَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَالمَأْمُومُ لا يَرَاهُ، أَوْ تَرَكَهُ وَالمَأْمُومُ يَرَاهُ أَوْ كَبَّرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالمَأْمُومُ لا يَرَاهُ، أَوْ تَرَكَهُ المَأْمُومُ لا يَرَاهُ فَوَجْهَانِ أصحهما: يَتْبَعُ اعْتِقَادَ نَفْسِهِ فِي التَّكْبِيرِ وَتَرْكِهِ، وَلا يُوَافِقُ الإِمَامَ لأَنَّ القُدْوَةَ انْقَضَتْ بِالسَّلامِ والثاني: يُوَافِقُهُ لأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلاةِ.

 

ج / 5 ص -34-         فرع: قَال إمَامُ الحَرَمَيْنِ: جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ فِي التَّكْبِيرِ الذِي يَرْفَعُ بِهِ صَوْتَهُ وَلجَعْلهِ شِعَارًا، أَمَّا إذَا اسْتَغْرَقَ عُمْرَهُ بِالتَّكْبِيرِ فِي نَفْسِهِ فَلا مَنْعَ مِنْهُ
 فرع: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَسْتَوِي فِي التَّكْبِيرِ المُطْلقِ وَالمُقَيَّدِ المُنْفَرِدُ وَالمُصَلي جَمَاعَةً وَالرَّجُل وَالمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ المُمَيِّزُ وَالحَاضِرُ وَالمُسَافِرُ.

فرع: يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ بِلا خِلافٍ
 فرع: صِفَةُ التَّكْبِيرِ المُسْتَحَبَّةُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ هَذَا هُوَ المَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ فِي الأُمِّ وَالمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ قَطَعَ الأَصْحَابُ، وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ قَوْلًا قَدِيمًا للشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مَرَّتَيْنِ وَيَقُول: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَالصَّوَابُ الأَوَّل ثَلاثًا نَسَقًا.
قَال الشَّافِعِيُّ فِي المُخْتَصَرِ: وَمَا زَادَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ فَحَسَنٌ وَقَال فِي الأُمِّ أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ زِيَادَتُهُ اللهُ [أَكْبَرُ] كَبِيرًا وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، لا إلهَ إلا اللهُ وَلا نَعْبُدُ إلا إيَّاهُ، مُخْلصِينَ لهُ الدِّينَ وَلوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ، لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لا إلهَ إلا اللهُ وَاَللهُ أَكْبَرُ.
وَاحْتَجُّوا لهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
"قَالهُ عَلى الصَّفَا "وَهَذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَخَصْرُ مِنْ هَذَا اللفْظِ، وَنَقَل المُتَوَلي وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّهِ القَدِيمِ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلى التَّكْبِيرَاتِ الثَّلاثِ قَال: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، اللهُ أَكْبَرُ عَلى مَا هَدَانَا، وَالحَمْدُ للهِ عَلى مَا أَوْلانَا وَأَبْلانَا قَال صَاحِبُ الشَّامِل: وَاَلذِي يَقُولهُ النَّاسُ لا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا، وَهُوَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إلهَ إلا اللهُ، وَاَللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ وَهَذَا الذِي قَالهُ صَاحِبُ الشَّامِل نَقَلهُ البَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ البَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي البُوَيْطِيِّ قَال البَنْدَنِيجِيُّ: هَذَا هُوَ الذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَل بِهِ، قَال: وَعَليْهِ النَّاسُ، وَقَال صَاحِبُ البَحْرِ: العَمَل عَليْهِ، وَرَأَيْته أَنَا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ البُوَيْطِيِّ، لكِنَّهُ جَعَل التَّكْبِيرَ أَوَّلًا مَرَّتَيْنِ.
فرع: فِي مَذَاهِبِ العُلمَاءِ فِي التَّكْبِيرِ خَلفَ النَّوَافِل فِي هَذِهِ الأَيَّامِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ، وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد لا يُكَبِّرُ، لأَنَّهُ تَابِعٌ فَلمْ يُشْرَعْ كَالأَذَانِ، وَدَليلنَا أَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ الصَّلاةِ، وَالفَرْضُ وَالنَّفَل فِي الشِّعَارِ سَوَاءٌ.

فرع: فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ تَكْبِيرِ الأَضْحَى
 قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ المَشْهُورَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلى الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَأَنَّ المُخْتَارَ كَوْنُهُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَحَكَى ابْنُ المُنْذِرِ التَّكْبِيرَ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلى العَصْرِ مِنْ آخِرِ التَّشْرِيقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وَعَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلى

 

ج / 5 ص -35-         عَصْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلى ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَعَنْ يَحْيَى الأَنْصَارِيِّ قَال: يُكَبِّرُ مِنْ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلى الظُّهْرِ مِنْ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَمَالكٍ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيِّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ، وَعَنْ الحَسَنِ مِنْ الظُّهْرِ إلى ظُهْرِ اليَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

فرع: فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَكْبِيرِ مَنْ صَلى مُنْفَرِدًا
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسَنُّ التَّكْبِيرُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالكٍ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَجُمْهُورِ العُلمَاءِ وَحَكَاهُ العَبْدَرِيُّ عَنْ العُلمَاءِ كَافَّةً إلا أَبَا حَنِيفَةَ وَحَكَى ابْنُ المُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ أَنَّ المُنْفَرِدَ لا يُكَبِّرُ.

فرع: فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَكْبِيرِ النِّسَاءِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ خَلفَ الصَّلوَاتِ
مَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُهُ لهُنَّ وَحَكَاهُ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مَالكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لا يُكَبِّرْنَ، وَاسْتَحْسَنَهُ أَحْمَدُ.

فرع: فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي صِفَةِ التَّكْبِيرِ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ ثَلاثًا نَسَقًا: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَبِهِ قَال مَالكٌ وَحَكَى ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إلهَ إلا اللهُ، وَاَللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ قَال: وَبِهِ قَال الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللهُ أَكْبَرُ وَأَجَل، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، لهُ المُلكُ وَلهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَقَال الحَكَمُ وَحَمَّادٌ: ليْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ.

 

ج / 5 ص -36-         وَبِهِ قَال عَليُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَآخَرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليْلى وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَمَالكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَحَكَاهُ الأَوْزَاعِيُّ عَنْ النَّاسِ

فرع: فِي بَيَانِ أَحَادِيثِ الكِتَابِ وَأَلفَاظِهِ
 أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ المَذْكُورُ فِي أَوَّل البَابِ فَرَوَاهُ البَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِينَ ضَعِيفَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلى ابْنِ عُمَرَ كَذَا قَالهُ البَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مَوْقُوفًا وَقَوْلهُ "يَأْخُذُ طَرِيقَ الحَدَّادِينَ "قِيل بِالحَاءِ وَقِيل بِالجِيمِ أَيْ الذِينَ يَجِدُونَ الثِّمَارَ وَقَوْلهُ (وَأَوَّل وَقْتِ تَكْبِيرِ الفِطْرِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ ليْلةِ الفِطْرِ) لقوله تعالى "وَلتُكْمِلوا العِدَّةَ وَلتُكَبِّرُوا اللهَ"وَإِكْمَال العِدَّةِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ هَذَا الاسْتِدْلال لا يَصِحُّ إلا عَلى مَذْهَبِ مَنْ يَقُول الوَاوُ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ، وَعَلى هَذَا المَذْهَبِ البَاطِل لا يَلزَمُ مِنْ تَرْتِيبِهَا الفَوْرُ، فَالحَاصِل أَنَّهُ لا دَلالةَ فِيهَا للمُصَنِّفِ وَاَللهُ أَعْلمُ.
وَقَوْلهُ (قَال فِي القَدِيمِ: يُكَبِّرُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الإِمَامُ) يَعْنِي حَتَّى يُسَلمَ مِنْ الصَّلاةِ وَالانْصِرَافُ مِنْ الصَّلاةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِمَعْنَى السَّلامِ، وَقِيل: المُرَادُ بِالانْصِرَافِ فَرَاغُ الخُطْبَةِ وَالصَّحِيحُ الأَوَّل، وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ وَقَوْلهُ: (لأَنَّهُ عِيدٌ يُسَنُّ لهُ التَّكْبِيرُ المُطْلقُ فَسُنَّ لهُ التَّكْبِيرُ المُقَيَّدُ كَالأَضْحَى) هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ المُطْلقَ وَالمُقَيَّدَ كِلاهُمَا مَشْرُوعٌ فِي الأَضْحَى وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ بَل كُل الأَصْحَابِ مُصَرِّحُونَ بِاسْتِحْبَابِهِمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذَا؛ لأَنَّ كَلامَ المُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ يُوهِمُ خِلافَ هَذَا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ التَّكْبِيرِ المُطْلقِ، وَهُوَ وَالمُرْسَل بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ المُرْسَل فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ لا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ قَوْلهُ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: التَّكْبِيرُ ثَلاثٌ) رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ المُنْذِرِ وَالبَيْهَقِيُّ قَوْلهُ (وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَال: رَأَيْت الأَئِمَّةَ يُكَبِّرُونَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الصَّلاةِ ثَلاثًا) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ المُهَذَّبِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِهَا (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) بِتَقْدِيمِ مُحَمَّدٍ عَلى أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا خَطَأٌ صَرِيحٌ وَسَبْقُ قَلمٍ، أَوْ غَلطٌ وَقَعَ مِنْ النُّسَّاخِ وَلا شَكَّ فِي بُطْلانِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ عَلى الصَّوَابِ فِي جَمِيعِ مَوَاضِعِهِ مِنْ المُهَذَّبِ، مِنْهَا (الفَصْل الأَوَّل) مِنْ بَابِ صَلاةِ العِيدِ، وَأَوَّل النِّكَاحِ، وَأَوَّل الجِنَايَاتِ، وَمَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَأَمَّا: حَدِيثُ عُمَرَ وَعَليٍّ رضي الله عنهما فِي التَّكْبِيرِ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ فَسَبَقَ بَيَانُهُ، لكِنَّ المُصَنِّفَ جَعَلهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ وَعَليٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَّارٌ وَعَليٌّ كَمَا سَبَقَ قوله لأَنَّ التَّكْبِيرَ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الأَيَّامِ فَلا يُفْعَل فِي غَيْرِهَا، هَذَا تَعْليلٌ للمَسْأَلةِ بِنَفْسِ الحُكْمِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُول؛ لأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ هَذِهِ الأَيَّامِ.

فرع: فِي مَسَائِل تَتَعَلقُ بِالعِيدَيْنِ
إحداها قَال أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ إحْيَاءُ ليْلتَيْ العِيدَيْنِ بِصَلاةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ وَاحْتَجَّ: لهُ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
"مَنْ أَحْيَا ليْلتَيْ العِيدِ لمْ يَمُتْ قَلبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ القُلوبُ"وَفِي

 

ج / 5 ص -37-         رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ: "مَنْ قَامَ ليْلتَيْ العِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا للهِ تَعَالى لمْ يَمُتْ قَلبُهُ حِينَ تَمُوتُ القُلوبُ"رَوَاهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَوْقُوفًا، وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ مَوْقُوفًا عَليْهِ وَمَرْفُوعًا كَمَا سَبَقَ، وَأَسَانِيدُ الجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ، قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: وَبَلغَنَا أَنَّهُ كَانَ يُقَال: إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسِ ليَالٍ: فِي ليْلةِ الجُمُعَةِ، وَليْلةِ الأَضْحَى، وَليْلةِ الفِطْرِ، وَأَوَّل ليْلةٍ فِي رَجَبٍ، وَليْلةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ قَال الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَال: رَأَيْت مَشْيَخَةً مِنْ خِيَارِ أَهْل المَدِينَةِ يَظْهَرُونَ عَلى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ليْلةَ العِيدَيْنِ فَيَدْعُونَ وَيَذْكُرُونَ اللهَ تَعَالى، حَتَّى تَذْهَبَ سَاعَةٌ مِنْ الليْل، قَال الشَّافِعِيُّ: وَبَلغَنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحْيِي ليْلةَ النَّحْرِ، قَال الشَّافِعِيُّ: وَأَنَا أَسْتَحِبُّ كُل مَا حَكَيْت فِي هَذِهِ الليَالي مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا هَذَا آخِرُ كَلامِ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ الإِحْيَاءَ المَذْكُورَ، مَعَ أَنَّ الحَدِيثَ ضَعِيفٌ، لمَا سَبَقَ فِي أَوَّل الكِتَابِ أَنَّ أَحَادِيثَ الفَضَائِل يُتَسَامَحُ فِيهَا، وَيُعْمَل عَلى وَفْقِ ضَعِيفِهَا.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ فَضِيلةَ هَذَا الإِحْيَاءِ لا تَحْصُل إلا بِمُعْظَمِ الليْل، وَقِيل تَحْصُل بِسَاعَةٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ فِي نَقْل الشَّافِعِيِّ عَنْ مَشْيَخَةِ المَدِينَةِ، وَنَقَل القَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إحْيَاءَ ليْلةِ العِيدِ أَنْ يُصَليَ العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، وَيَعْزِمَ أَنْ يُصَليَ الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ وَالمُخْتَارُ مَا قَدَّمْته وَاَللهُ أَعْلمُ.