المجموع شرح المهذب ط عالم الكتب

بَابُ صَلاة الكُسُوف
يُقَال: كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَكَسَفَ القَمَرُ - بِفَتْحِ الكَافِ وَالسِّينِ وَكُسِفَا - بِضَمِّ الكَافِ وَكَسْرِ السِّينِ، وَانْكَسَفَا وَخَسَفَا وَخُسِفَا وَانْخَسَفَا كَذَلكَ فَهَذِهِ سِتُّ لغَاتٍ فِي الشَّمْسِ وَالقَمَرِ، وَيُقَال: كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَخَسَفَ القَمَرُ، وَقِيل: الكُسُوفُ أَوَّلهُ وَالخُسُوفُ آخِرُهُ فِيهِمَا، فَهَذِهِ ثَمَانُ لغَاتٍ، وَقَدْ جَاءَتْ اللغَاتُ السِّتُّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالأَصَحُّ: المَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللغَةِ أَنَّهُمَا مُسْتَعْمَلانِ فِيهِمَا، وَالأَشْهَرُ فِي أَلسِنَةِ الفُقَهَاءِ تَخْصِيصُ الكُسُوفِ بِالشَّمْسِ وَالخُسُوفِ بِالقَمَرِ وَادَّعَى الجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ أَفْصَحُ.
 قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"صَلاةُ الكُسُوفِ سُنَّةٌ لقَوْلهِ صلى الله عليه وسلم
"إنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لا يَكْسِفَانِ لمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لحَيَاتِهِ، وَلكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ تَعَالى، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا وَصَلوا".
 الشرح: هَذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو مُوسَى وَجَابِرٌ وَأَبُو مَسْعُودٍ البَدْرِيُّ وَأَبُو بَكْرَةَ وَالمُغِيرَةُ وَعَائِشَةُ رضي الله عنهم وَصَلاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالإِجْمَاعِ لكِنْ قَال مَالكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُصَلى لخُسُوفِ القَمَرِ فُرَادَى وَيُصَلي رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ النَّوَافِل دَليلنَا الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الكُسُوفَيْنِ.
 قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَالسُّنَّةُ أَنْ يُغْتَسَل لهَا لأَنَّهَا صَلاةٌ شُرِعَ لهَا الاجْتِمَاعُ وَالخُطْبَةُ، فَسُنَّ لهَا الغُسْل كَصَلاةِ الجُمُعَةِ وَالسُّنَّةُ أَنْ تُصَلى حَيْثُ تُصَلى الجُمُعَةُ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم".

 

ج / 5 ص -38-         صَلى فِي المَسْجِدِ "وَلأَنَّهُ يَتَّفِقُ فِي وَقْتٍ لا يُمْكِنُ قَصْدُ المُصَلى فِيهِ، وَرُبَّمَا يَنْجَلي قَبْل أَنْ يَبْلغَ إلى المُصَلى فَتَفُوتُ، فَكَانَ الجَامِعُ أَوْلى، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُدْعَى لهَا "الصَّلاةَ جَامِعَةً "لمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالتْ "كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلى عَهْدِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُنَادِيَ: الصَّلاةَ جَامِعَةً".
 الشرح: حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ، وَحَدِيثُ الصَّلاةِ فِي المَسْجِدِ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمَا، وَقَوْلهُ: (شُرِعَ لهَا الاجْتِمَاعُ وَالخُطْبَةُ) اُحْتُرِزَ عَنْ الصَّلوَاتِ الخَمْسِ وَ الغُسْل لهَا سُنَّةٌ بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ وَيَدْخُل وَقْتُهُ بِأَوَّل الكُسُوفِ وَيُسَنُّ فِي الجَامِعِ وَيُسَنُّ أَنْ يُنَادَى لهَا: "الصَّلاةَ جَامِعَةً "لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلى فِي جَمَاعَةٍ، وَيَجُوزُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ البَلدِ وَتُسَنُّ للمَرْأَةِ وَالعَبْدِ وَالمُسَافِرِ وَالمُنْفَرِدِ هَذَا هُوَ المَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ وَقَدْ ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ صَلاةِ العِيدِ فِي قِيَاسِ صَلاةِ العِيدِ للمُنْفَرِدِ، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ - وَجْهًا - أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لصِحَّتِهَا الجَمَاعَةُ وَوَجْهًا أَنَّهَا لا تُقَامُ إلا فِي جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَالجُمُعَةِ، وَهُمَا شَاذَّانِ مَرْدُودَانِ.
قَال أَصْحَابُنَا: وَلا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلى صَلاةِ الإِمَامِ، وَلا إذْنِهِ، قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: فَإِنْ خَرَجَ الإِمَامُ فَصَلى بِهِمْ جَمَاعَةً خَرَجَ النَّاسُ مَعَهُ، فَإِنْ لمْ يَخْرُجْ طَلبُوا إمَامًا يُصَلي بِهِمْ، فَإِنْ لمْ يَجِدُوا صَلوا فُرَادَى، فَإِنْ خَافُوا الإِمَامَ لوْ صَلوا عَلانِيَةً صَلوهَا سِرًّا، وَبِهَذَا قَال مَالكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَال الثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدٌ: إذَا لمْ يُصَل الإِمَامُ صَلوا فُرَادَى.
 قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَهِيَ رَكْعَتَانِ فِي كُل رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي القِيَامِ الأَوَّل بَعْدَ الفَاتِحَةِ سُورَةَ البَقَرَةِ أَوْ قَدْرَهَا، ثُمَّ يَرْكَعَ وَيُسَبِّحَ بِقَدْرِ مِائَةِ آيَةٍ، ثُمَّ يَرْفَعَ وَيَقْرَأَ فَاتِحَةَ الكِتَابِ، وَ[يَقْرَأَ] بِقَدْرِ مِائَتِي آيَةٍ، ثُمَّ يَرْكَعَ وَيُسَبِّحَ بِقَدْرِ سَبْعِينَ آيَةً1 ثُمَّ يَسْجُدَ كَمَا يَسْجُدُ فِي غَيْرِهَا وَقَال أَبُو العَبَّاسِ: يُطِيل السُّجُودَ كَمَا يُطِيل الرُّكُوعَ، وَليْسَ بِشَيْءٍ؛ لأَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله لمْ يَذْكُرْ ذَلكَ، وَلا نَقَل ذَلكَ فِي خَبَرٍ، وَلوْ كَانَ قَدْ أَطَال لنَقَل كَمَا نَقَل فِي القِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ، ثُمَّ يُصَلي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَيَقْرَأُ بَعْدَ الفَاتِحَةِ قَدْرَ مِائَةِ آيَةٍ وَخَمْسِينَ آيَةً ثُمَّ يَرْكَعُ بِقَدْرِ سَبْعِينَ آيَةً ثُمَّ يَرْفَعُ وَيَقْرَأُ بَعْدَ الفَاتِحَةِ بِقَدْرِ مِائَةِ آيَةٍ، ثُمَّ يَرْكَعُ بِقَدْرِ خَمْسِينَ آيَةً ثُمَّ يَسْجُدُ وَالدَّليل عَليْهِ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَال: "
كَسَفَتْ الشَّمْسُ فَصَلى النَّبِيُّ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ؛ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّل ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّل ثُمَّ سَجَدَ وَانْصَرَفَ، وَقَدْ تَجَلتْ الشَّمْسُ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُسِرَّ بِالقِرَاءَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ لمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَال: "كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلى عَهْدِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ فَصَلى فَقُمْت إلى جَانِبِهِ فَلمْ أَسْمَعْ لهُ قِرَاءَةً"وَلأَنَّهَا صَلاةُ نَهَارٍ لهَا نَظِيرٌ بِالليْل، فَلمْ يَجْهَرْ فِيهَا بِالقِرَاءَةِ كَالظُّهْرِ، وَيَجْهَرُ فِي كُسُوفِ القَمَرِ لأَنَّهَا صَلاةُ ليْلٍ ليْسَ لهَا نَظِيرٌ بِالنَّهَارِ فَسُنَّ الجَهْرُ كَالعِشَاءِ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة الركبي (تسعين) بدل سبعين (ط).

 

ج / 5 ص -39-         الشرح: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الأَوَّل رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ، وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِمَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فِيهِ ابْنُ لهِيعَةَ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي الإِسْرَارِ بِقِرَاءَةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الأَوَّل لقَوْلهِ "قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ "قَالوا: وَهَذَا دَليلٌ عَلى أَنَّهُ لمْ يَسْمَعْهُ، لأَنَّهُ لوْ سَمِعَهُ لمْ يُقَدِّرْهُ بِغَيْرِهِ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ سَمُرَةَ قَال "صَلى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي كُسُوفٍ لا نَسْمَعُ لهُ صَوْتًا"قَال التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
"جَهَرَ فِي صَلاةِ الخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ"رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ فِي صَحِيحِهِمَا، فَهَذَانِ الحَدِيثَانِ الصَّحِيحَانِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الإِسْرَارَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَالجَهْرَ فِي كُسُوفِ القَمَرِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا
وقوله: لأَنَّهَا صَلاةُ نَهَارٍ لهَا نَظِيرٌ بِالليْل احْتِرَازٌ مِنْ صَلاةِ الجُمُعَةِ وَالعِيدِ وقوله: صَلاةُ ليْلٍ لهَا نَظِيرٌ بِالنَّهَارِ، قَال القَلعِيُّ: هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الوِتْرِ، وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَال، وَلا يُقَال: قَدْ قَال المُصَنِّفُ فِي الوِتْرِ وَلأَنَّهُ يَجْهَرُ فِي الثَّالثَةِ، فَهَذَا يَدُل عَلى أَنَّهُ يَجْهَرُ فِي الوِتْرِ لأَنَّ مُرَادَهُ إذَا صَلاهَا جَمَاعَةً بَعْدَ التَّرَاوِيحِ وقوله: وَرُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهَا أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ لكَوْنِهِ قَال: سُجُودَانِ وَمَعْلومٌ أَنَّ السُّجُودَ فِي كُل سَجْدَةٍ سَجْدَتَانِ فَالسُّجُودَانِ أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ وَكَانَ الأَحْسَنُ أَنْ يَقُول: وَسَجْدَتَانِ وَهَذَا مُرَادُهُ.
 أما الأحكام: فَقَال أَصْحَابُنَا: أَقَل صَلاةِ الكُسُوفِ أَنْ يُحْرِمَ بِنِيَّةِ صَلاةِ الكُسُوف ثُمَّ يَقْرَأَ الفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ ثُمَّ يَرْفَعَ فَيَقْرَأَ الفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ ثَانِيًا، ثُمَّ يَرْفَعَ وَيَطْمَئِنَّ ثُمَّ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ فَهَذِهِ رَكْعَةٌ، ثُمَّ يُصَليَ رَكْعَةً ثَانِيَةً كَذَلكَ فَهِيَ رَكْعَتَانِ فِي كُل رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ كَغَيْرِهَا فَلوْ تَمَادَى الكُسُوفُ فَهَل يَزِيدُ رُكُوعًا ثَالثًا فَأَكْثَرَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
 أحدهما: يَزِيدُ ثَالثًا وَرَابِعًا وَخَامِسًا وَأَكْثَرَ حَتَّى يَنْجَليَ الكُسُوفُ قَالهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الجَامِعِينَ بَيْنَ الفِقْهِ وَالحَدِيثِ مِنْهُمْ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ المُنْذِرِ وَالخَطَّابِيُّ وَأَبُو بَكْرِ الصِّبْغِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا - وَهُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ وَإِسْكَانِ البَاءِ المُوَحَّدَةِ وَبِالغَيْنِ المُعْجَمَةِ وَغَيْرُهُ، للأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ
"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلى رَكْعَتَيْنِ فِي كُل رَكْعَةٍ ثَلاثَةُ رُكُوعَاتٍ"وَفِي رِوَايَةٍ "فِي كُل رَكْعَةٍ أَرْبَعَةُ رُكُوعَاتٍ"رَوَاهُمَا مُسْلمٌ، وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلمٍ زِيَادَةٌ عَلى هَذَا وَلا مَحْمَل للجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ إلا الحَمْل عَلى الزِّيَادَةِ لتَمادى الكُسُوفِ.
والوجه الثاني وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا "لا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلى رُكُوعَيْنِ "وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ قَالوا: وَرِوَايَاتُ الرُّكُوعَيْنِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا، وَقِيَاسُ الصَّلوَاتِ أَنْ لا تُقْبَل الزِّيَادَةُ وَاَللهُ أَعْلمُ.
وَلوْ كَانَ فِي القِيَامِ الأَوَّل فَانْجَلى الكُسُوفُ لمْ تَبْطُل صَلاتُهُ وَلهُ أَنْ يُتِمَّهَا عَلى هَيْئَتِهَا المَشْرُوعَةِ بِلا خِلافٍ، وَهَل لهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلى رُكُوعٍ وَاحِدٍ؟ وَقِيَامٍ وَاحِدٍ فِي كُل رَكْعَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلى

 

ج / 5 ص -40-         الوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ للتَّمَادِي، إنْ جَوَّزْنَاهَا جَازَ النُّقْصَانُ بِحَسَبِ مُدَّةِ الكُسُوفِ وَإِلا فَلا، وَلوْ سَلمَ مِنْ صَلاةِ الكُسُوفِ - وَالكُسُوفُ بَاقٍ - فَهَل لهُ اسْتِفْتَاحُ صَلاةَ الكُسُوفِ مَرَّةً أُخْرَى؟ فِيهِ وَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا الأَصْحَابُ عَلى جَوَازِ زِيَادَةِ الرُّكُوعِ وَالصَّحِيحُ: المَنْعُ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَمِنْ اسْتِفْتَاحِ الصَّلاةِ ثَانِيًا، وَاَللهُ أَعْلمُ.
وَأَمَّا أَكْمَل صَلاةِ الكُسُوفِ فَأَنْ يُحْرِمَ بِهَا ثُمَّ يَأْتِيَ بِدُعَاءِ الاسْتِفْتَاحِ ثُمَّ التَّعَوُّذِ ثُمَّ الفَاتِحَةِ ثُمَّ يَقْرَأَ البَقَرَةَ أَوْ نَحْوَهَا إنْ لمْ يُحْسِنْهَا وَأَمَّا القِيَامُ الثَّانِي وَالثَّالثُ وَالرَّابِعُ فَللشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصَّانِ أحدهما: نَصَّهُ فِي الأُمِّ وَمُخْتَصَرِ المُزَنِيِّ أَنَّهُ يَقْرَأُ بَعْدَ الفَاتِحَةِ قَدْرَ مِائَتَيْ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ، وَفِي الثَّالثِ قَدْرَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْهَا، وَفِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ مِائَةٍ مِنْهَا والثاني: نَصَّهُ فِي البُوَيْطِيِّ فِي البَابِ السَّابِقِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي القِيَامِ الثَّانِي بَعْدَ الفَاتِحَةِ نَحْوَ سُورَةِ آل عِمْرَانَ وَفِي الثَّالثِ نَحْوَ سُورَةِ النِّسَاءِ وَفِي الرَّابِعِ نَحْوَ المَائِدَةِ، وَنَصَّ فِي البُوَيْطِيِّ فِي بَابٍ آخَرَ بَعْدَ هَذَا بِنَحْوِ كُرَابَتَيْنِ1 كَنَصِّهِ فِي الأُمِّ وَالمُخْتَصَرِ فَأَخَذَ المُصَنِّفُ وَسَائِرُ العِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِنَصِّهِ فِي الأُمِّ، وَأَخَذَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الخُرَاسَانِيِّينَ بِنَصِّ البُوَيْطِيِّ، وَقَال المُحَقِّقُونَ ليْسَ هَذَا اخْتِلافًا مُحَقَّقًا، بَل هُوَ للتَّقْرِيبِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، وَفِي اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ فِي ابْتِدَاءِ القِرَاءَةِ فِي القِيَامِ الثَّانِي وَالثَّالثِ وَالرَّابِعِ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا صَاحِبُ الحَاوِي وَغَيْرُهُ، وَهُمَا الوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي التَّعَوُّذِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا أصحهما: الاسْتِحْبَابُ وَأَمَّا قَدْرُ مُكْثِهِ فِي الرُّكُوعِ فَللشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصَّانِ.
 أحدهما: نَصَّهُ فِي الأُمِّ وَمُخْتَصَرِ المُزَنِيِّ (وَالمَوْضِعُ الثَّانِي) مِنْ البُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ الأَوَّل نَحْوَ مِائَةِ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ، وَفِي الثَّانِي قَدْرَ ثُلثَيْ رُكُوعِهِ الأَوَّل، وَفِي الثَّالثِ قَدْرَ سَبْعِينَ آيَةً مِنْهَا، وَفِي الرَّابِعِ قَدْرَ خَمْسِينَ، وَنَصَّ فِي المَوْضِعِ الأَوَّل مِنْ البُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُسَبِّحُ فِي كُل رُكُوعٍ نَحْوَ قِرَاءَتِهِ.
وَأَمَّا: كَلامُ الأَصْحَابِ فَفِيهِ اخْتِلافٌ فِي ضَبْطِهِ، فَوَقَعَ فِي المُهَذَّبِ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الرَّكْعَةِ الأُولى قَدْرَ سَبْعِينَ آيَةً بِالسِّينِ فِي أَوَّلهِ.
وَفِي التَّنْبِيهِ تِسْعِينَ آيَةً بِالتَّاءِ فِي أَوَّلهِ قَال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الإسْفَرايِينِيّ وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالغَزَاليُّ وَالبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ: قَدْرَ ثَمَانِينَ آيَةً، وَقَال سُليْمٌ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ الكِفَايَةِ: خَمْسٌ وَثَمَانُونَ آيَةً، وَقَال أَبُو حَفْصٍ الأَبْهَرِيُّ: قَدْرَ الرُّكُوعِ الأَوَّل، وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ مَا نَصَّ عَليْهِ الشَّافِعِيُّ - رحمه الله.
وَأَمَّا:السُّجُودُ فَقَدْ أَطْلقَ الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ وَالمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَسْجُدُ، وَلمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا أَنَّهُ يُطَوِّلهُ أَوْ يُقَصِّرُهُ، وَادَّعَى المُصَنِّفُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لمْ يَذْكُرْ تَطْوِيلهُ، وَليْسَ كَمَا قَال، بَل نَصَّ عَلى تَطْوِيلهِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى عَنْ مُخْتَصَرِ البُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا بالأصل فحرر ولعله بنحو كتابين أو كراستين (ط).

 

ج / 5 ص -41-         وَفِي المَسْأَلةِ قَوْلانِ أَشْهَرُهُمَا: فِي المُهَذَّبِ لا يُطَوِّل، بَل يَسْجُدُ كَقَدْرِ السُّجُودِ فِي سَائِرِ الصَّلوَاتِ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ المُصَنِّفِ وَجَمَاهِيرِ الأَصْحَابِ والثاني: يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلهُ، وَمِمَّنْ نَقَل القَوْليْنِ إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَالغَزَاليُّ وَالبَغَوِيُّ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلى تَطْوِيلهِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ البُوَيْطِيِّ، فَقَال: يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ طَوِيلتَيْنِ، يُقِيمُ فِي كُل سَجْدَةٍ نَحْوًا مِمَّا أَقَامَ فِي رُكُوعِهِ، هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ.
وَقَال الشَّافِعِيُّ فِي جَمْعِ الجَوَامِعِ: يُقِيمُ فِي كُل سَجْدَةٍ نَحْوًا مِمَّا أَقَامَ فِي رُكُوعِهِ، وَنَقَل التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ تَطْوِيل السُّجُودِ، وَنَقَل إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَالغَزَاليُّ أَنَّهُ عَلى قَدْرِ الرُّكُوعِ الذِي قَبْلهُ.
وَقَال الخَطَّابِيُّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ تَطْوِيل السُّجُودِ كَالرُّكُوعِ وَقَال البَغَوِيّ: أَحَدُ القَوْليْنِ يُطِيل السُّجُودَ، فَالسُّجُودُ الأَوَّل كَالرُّكُوعِ الأَوَّل، وَالسُّجُودُ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي وَقَطَعَ بِتَطْوِيل السُّجُودِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالبَنْدَنِيجِيّ قَال أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلاحِ: هَذَا الذِي ذَكَرَهُ البَغَوِيّ أَحْسَنُ مِنْ الإِطْلاقِ الذِي فِي البُوَيْطِيِّ، قَال: فَحَصَل أَنَّ الصَّحِيحَ خِلافُ مَا صَحَّحَهُ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ، قَال: بَل يُتَّجَهُ أَنْ يُقَال: لا قَوْل للشَّافِعِيِّ غَيْرُ القَوْل بِتَطْوِيل السُّجُودِ لمَا عُلمَ مِنْ وَصِيَّتِهِ: إنْ صَحَّ الحَدِيثُ خِلافَ قَوْلهِ فَليُتْرَكْ قَوْلهُ وَليُعْمَل بِالحَدِيثِ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُ الحَدِيثُ هَذَا مَا يَتَعَلقُ بِنَقْل المَذْهَبِ.
 وَأَمَّا الأَحَادِيثُ الوَارِدَةُ بِتَطْوِيل السُّجُودِ فَمِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فِي صِفَةِ صَلاةِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال
"فَأَتَى المَسْجِدَ فَصَلى بِأَطْوَل قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْته يَفْعَلهُ فِي صَلاتِهِ"رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ.
وَعَنْ عَائِشَةَ فِي صِفَةِ صَلاتِهِ صلى الله عليه وسلم الكُسُوفَ قَالتْ
"ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَال الرُّكُوعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَال السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَل فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْل مَا فَعَل فِي الأُولى"رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا فِي البُخَارِيِّ "ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا "وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا فِي البُخَارِيِّ "فَسَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، إلى أَنْ قَالتْ: ثُمَّ سَجَدَ وَهُوَ دُونَ السُّجُودِ الأَوَّل"وَعَنْ أَبِي سَلمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَال "فَرَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "وَذَكَرَ الحَدِيثَ قَال: وَقَالتْ عَائِشَةُ "مَا سَجَدْت سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَل مِنْهَا "رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "وَرُكُوعُهُ نَحْوٌ مِنْ سُجُودِهِ "وَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ "ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَال السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَال السُّجُودَ "وَذَكَرَتْ مِثْل ذَلكَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
"أَنَّهُ قَامَ فِي الكُسُوفِ فَلمْ يَكَدْ يَرْكَعُ، ثُمَّ رَكَعَ فَلمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ، فَلمْ يَكَدْ يَسْجُدُ، ثُمَّ سَجَدَ فَلمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفْع فَلمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ فَلمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ فَعَل فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْل ذَلكَ"رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي إسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ

 

ج / 5 ص -42-         وَهُوَ مُخْتَلفٌ فِيهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَرَوَاهُ الحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ صَحِيحٍ
وَقَال: هُوَ صَحِيحٌ.
وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:
"ثُمَّ رَكَعَ كَأَطْوَل مَا رَكَعَ بِنَا قَطُّ، ثُمَّ سَجَدَ بِنَا كَأَطْوَل مَا سَجَدَ بِنَا فِي صَلاةٍ"رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَإِذَا عَرَفْت هَذِهِ الأَحَادِيثَ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي البُوَيْطِيِّ تَعَيَّنَ القَوْل بِاسْتِحْبَابِ تَطْوِيل السُّجُودِ، وَبِهِ قَال أَبُو العَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَابْنُ المُنْذِرِ، وَبِهِ جَزَمَ البَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَتَابَعَهُمْ عَلى تَرْجِيحِهِ جَمَاعَةٌ، وَيُنْكَرُ عَلى المُصَنِّفِ قَوْلهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لمْ يَذْكُرْهُ، وَقَوْلهُ لمْ يُنْقَل ذَلكَ فِي خَبَرٍ وَاَللهُ أَعْلمُ.
وَأَمَّا الاعْتِدَال بَعْدَ الرُّكُوعِ الثَّانِي فَلا يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلهُ بِلا خِلافٍ، وَهَكَذَا التَّشَهُّدُ وَجُلوسُهُ لا يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلهُمَا بِلا خِلافٍ وَأَمَّا الجُلوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَنَقَل الغَزَاليُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا الاتِّفَاقَ عَلى أَنَّهُ لا يُطَوِّلهُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ إطَالتِهِ كَمَا سَبَقَ، وَإِذَا قُلنَا بِالصَّحِيحِ المُخْتَارِ أَنَّ تَطْوِيل السُّجُودِ مُسْتَحَبٌّ فَالمُخْتَارُ فِي قَدْرِهِ مَا ذَكَرَهُ البَغَوِيّ أَنَّ السُّجُودَ الأَوَّل كَالرُّكُوعِ الأَوَّل، وَالسُّجُودَ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي وَنَصَّ فِي البُوَيْطِيِّ أَنَّهُ نَحْوُ الرُّكُوعِ الذِي قَبْلهُ.
فرع: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُول فِي رَفْعِهِ مِنْ كُل رُكُوعٍ: سَمِعَ اللهُ لمَنْ حَمِدَهُ، رَبّنَا لك الحَمْدُ إلى آخِرِهِ ثَبَتَ ذَلكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ فِعْل رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَصَّ عَليْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ وَمُخْتَصَرِ البُوَيْطِيِّ وَالمُزَنِيُّ وَالأَصْحَابُ.
 فرع: السُّنَّةُ الجَهْرُ بِالقِرَاءَةِ فِي كُسُوفِ القَمَرِ، وَالإِسْرَارُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ وَمَا ضَمَمْنَاهُ إليْهِ هَذَا هُوَ المَعْرُوفُ فِي المَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ، وَنَصَّ عَليْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ وَالمُخْتَصَرِ.
وَقَال الخَطَّابِيُّ: الذِي يَجِيءُ عَلى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجْهَرُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ كَذَا نَقَلهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الخَطَّابِيِّ، وَلمْ أَرَهُ فِي كِتَابِ الخَطَّابِيِّ.
وَقَال ابْنُ المُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ الجَهْرُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، قَال وَرَوَيْنَا ذَلكَ عَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ الخِطْمِيِّ الصَّحَابِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَبِهِ قَال أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ فِي رِوَايَةٍ وَدَاوُد وَقَال مَالكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ "يُسِرُّ "وَاحْتَجَّ للجَهْرِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الذِي قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّل شَرْحِ هَذِهِ المَسَائِل وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا سَبَقَ.
 قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى
:"وَالسُّنَّةُ أَنْ يُخْطَبَ لهَا بَعْدَ الصَّلاةِ لمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ فَقَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَليْهِ وَقَال: الشَّمْسُ وَالقَمَرُ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَل لا يَخْسِفَانِ لمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلكَ فَصَلوا وَتَصَدَّقُوا".

 

ج / 5 ص -43-         الشرح: حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ، وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالأَصْحَابِ عَلى اسْتِحْبَابِ خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ صَلاةِ الكُسُوفِ، وَهُمَا سُنَّةٌ ليْسَا شَرْطًا لصِحَّةِ الصَّلاةِ قَال أَصْحَابُنَا: وَصِفَتُهُمَا كَخُطْبَتَيْ الجُمُعَةِ فِي الأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَغَيْرِهِمَا، سَوَاءٌ صَلاهَا جَمَاعَةٌ فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ، أَوْ صَلاهَا المُسَافِرُونَ فِي الصَّحْرَاءِ وَأَهْل البَادِيَةِ، وَلا يَخْطُبُ مَنْ صَلاهَا مُنْفَرِدًا، وَيَحُثُّهُمْ فِي هَذِهِ الخُطْبَةِ عَلى التَّوْبَةِ مِنْ المَعَاصِي، وَعَلى فِعْل الخَيْرِ، وَالصَّدَقَةِ وَالعَتَاقَةِ، وَيُحَذِّرُهُمْ الغَفْلةَ وَالاغْتِرَارَ، وَيَأْمُرُهُمْ بِإِكْثَارِ الدُّعَاءِ وَالاسْتِغْفَارِ وَالذِّكْرِ، فَفِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال ذَلكَ فِي خُطْبَتِهِ.
قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: وَيَجْلسُ قَبْل الخُطْبَةِ الأُولى كَمَا فِي الجُمُعَةِ، هَذَا نَصُّهُ، وَيَجِيءُ فِيهِ الوَجْهُ السَّابِقُ فِي خُطْبَةِ العِيدِ.
فرع: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ صَلاةِ الكُسُوفِ، وَبِهِ قَال جُمْهُورُ السَّلفِ وَنَقَلهُ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ الجُمْهُورِ وَقَال مَالكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: لا تُشْرَعُ لهَا الخُطْبَةُ دَليلنَا الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ.
 قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"فَإِنْ لمْ يُصَل حَتَّى تَجَلتْ لمْ يُصَل، لمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:
"فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلكَ فَصَلوا حَتَّى تَنْجَليَ"فَإِنْ تَجَلتْ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ أَتَمَّهَا لأَنَّهَا صَلاةُ أَصْلٍ فَلا يَخْرُجُ مِنْهَا بِخُرُوجِ وَقْتِهَا كَسَائِرِ الصَّلوَاتِ، وَإِنْ جَللتْهَا غَمَامَةٌ وَهِيَ كَاسِفَةٌ صَلى لأَنَّ الأَصْل بَقَاءُ الكُسُوفِ، وَإِنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ كَاسِفَةً لمْ يُصَل لأَنَّهُ لا سُلطَانَ لهَا بِالليْل، وَإِنْ غَابَ القَمَرُ وَهُوَ كَاسِفٌ - فَإِنْ كَانَ قَبْل طُلوعِ الفَجْرِ - صَلى لأَنَّ سُلطَانَهُ بَاقٍ، وَإِنْ غَابَ بَعْدَ طُلوعِ الفَجْرِ فَفِيهِ قَوْلانِ قَال فِي القَدِيمِ: لا يُصَلي لأَنَّ سُلطَانَهُ بِالليْل وَقَدْ ذَهَبَ الليْل وَقَال فِي الجَدِيدِ: يُصَلي لأَنَّ سُلطَانَهُ بَاقٍ مَا لمْ تَطْلعْ الشَّمْسُ لأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِضَوْئِهِ، وَإِنْ صَلى وَلمْ يَنْجَل لمْ يُصَل مَرَّةً أُخْرَى لأَنَّهُ لمْ يُنْقَل ذَلكَ عَنْ أَحَدٍ".
 الشرح: حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ مِنْ رِوَايَةِ المُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ وَقَوْلهُ "لأَنَّهَا صَلاةُ أَصْلٍ فَلا يَخْرُجُ مِنْهَا بِخُرُوجِ وَقْتِهَا "قَال صَاحِبُ البَيَانِ: هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ صَلاةِ الجُمُعَةِ وَقَال القَلعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الجُمُعَةِ عَلى القَوْل القَدِيمِ أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ الظُّهْرِ، وَمِنْ المُسَافِرِ إذَا خَرَجَ الوَقْتُ وَهُوَ فِي صَلاةٍ نَوَى قَصْرَهَا وَقُلنَا إنَّ مَا يَفْعَلهُ بَعْدَ الوَقْتِ قَضَاءٌ، إذْ مَنْ فَاتَهُ صَلاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَتَمَّ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ صَلاةِ القَصْرِ إلى صَلاةِ الإِتْمَامِ.
أما الأحكام: فَقَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ رحمهم الله: تَفُوتُ صَلاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ بِأَمْرَيْنِ:
أحدهما: الانْجِلاءُ، فَإِذَا انْجَلتْ جَمِيعُهَا لمْ يُصَل للحَدِيثِ وَإِنْ انْجَلى بَعْضُهَا شَرَعَ فِي الصَّلاةِ للبَاقِي كَمَا لوْ لمْ يَنْكَشِفْ إلا ذَلكَ القَدْرُ فَإِنَّهُ يُصَلي بِلا خِلافٍ، وَإِنْ انْجَلى جَمِيعُ الكُسُوفِ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ أَتَمَّهَا بِلا خِلافٍ، وَلوْ حَال دُونَهَا سَحَابٌ - وَشَكَّ فِي الانْجِلاءِ - صَلى لأَنَّ الأَصْل بَقَاءُ

 

ج / 5 ص -44-         الكُسُوفِ، وَلوْ كَانَتْ الشَّمْسُ تَحْتَ غَمَامٍ وَشَكَّ هَل كَسَفَتْ؟ لمْ يُصَل بِلا خِلافٍ، لأَنَّ الأَصْل عَدَمُ الكُسُوفِ قَال الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلا يُعْمَل فِي الكُسُوفِ بِقَوْل المُنَجِّمِينَ.
الثاني: أَنْ تَغِيبَ كَاسِفَةً فَلا يُصَلي بَعْدَ الغُرُوبِ بِلا خِلافٍ لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ فَإِنْ غَابَتْ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ أَتَمَّهَا.
وَأَمَّا:صَلاةُ خُسُوفِ القَمَرِ فَتَفُوتُ أَيْضًا بِأَمْرَيْنِ أحدهما الانْجِلاءُ كَمَا سَبَقَ والثاني: طُلوعُ الشَّمْسِ، فَإِذَا طَلعَتْ وَهُوَ خَاسِفٌ لمْ يَبْتَدِئْ الصَّلاةَ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَتَمَّهَا، وَلوْ بَدَأَ خُسُوفُهُ بَعْدَ طُلوعِ الشَّمْسِ لمْ يُصَل بِلا خِلافٍ، وَلوْ غَابَ فِي الليْل خَاسِفًا صَلى بِالاتِّفَاقِ لبَقَاءِ سُلطَانِهِ، كَمَا لوْ اسْتَتَرَ بِغَمَامٍ صَلى، وَلوْ طَلعَ الفَجْرُ، وَهُوَ خَاسِفٌ، أَوْ خَسَفَ بَعْدَ الفَجْرِ قَبْل طُلوعِ الشَّمْسِ، فَقَوْلانِ الصَّحِيحُ: الجَدِيدُ: يُصَلي، وَالقَدِيمُ: لا يُصَلي، وَدَليلهُمَا فِي الكِتَابِ، فَعَلى الجَدِيدِ: لوْ شَرَعَ فِي الصَّلاةِ بَعْدَ الفَجْرِ فَطَلعَتْ الشَّمْسُ - وَهُوَ فِيهَا - لمْ تَبْطُل كَمَا لوْ انْجَلى الكُسُوفُ فِي أَثْنَائِهَا.
قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: وَيُخَفِّفُونَ صَلاةَ الكُسُوفِ فِي هَذَا الحَال، ليَخْرُجُوا مِنْهَا قَبْل طُلوعِ الشَّمْسِ، فَإِنْ طَلعَتْ وَهُوَ فِيهَا أَتَمَّهَا ثُمَّ فِي مَوْضِعِ القَوْليْنِ طَرِيقَانِ:
أحدهما: قَالهُ القَاضِي أَبُو القَاسِمِ بْنُ كَجٍّ أَنَّهُمَا فِيمَا إذَا غَابَ خَاسِفًا بَيْنَ طُلوعِ الفَجْرِ وَالشَّمْسِ، فَأَمَّا إذَا لمْ يَغِبْ وَبَقِيَ خَاسِفًا فَيَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلاةِ قَطْعًا.
والطريق الثاني: أَنَّ القَوْليْنِ فِي الحَاليْنِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالبَنْدَنِيجِيّ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلاقِ المُصَنِّفِ وَالجُمْهُورِ، وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى تَعْليلهِمْ وَاَللهُ أَعْلمُ
وَأَمَّا: إذَا صَليْنَا صَلاةَ الكُسُوفِ وَسَلمْنَا مِنْهَا وَالكُسُوفُ بَاقٍ فَلا تُسْتَأْنَفُ الصَّلاةُ عَلى المَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الأَكْثَرُونَ، وَنَصَّ عَليْهِ فِي الأُمِّ، وَفِي خِلافٍ سَبَقَ فِي أَوَائِل البَابِ وَاَللهُ أَعْلمُ.
 قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَلا تُسَنُّ صَلاةُ الجَمَاعَةِ لآيَةٍ غَيْرِ الكُسُوفِ، كَالزَّلازِل وَغَيْرِهَا، لأَنَّ هَذِهِ الآيَاتِ قَدْ كَانَتْ وَلمْ يُنْقَل أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلى لهَا جَمَاعَةً غَيْرَ الكُسُوفِ".
 الشرح: قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: مَا سِوَى الكُسُوفَيْنِ مِنْ الآيَاتِ كَالزَّلازِل وَالصَّوَاعِقِ وَالظُّلمَةِ وَالرِّيَاحِ الشَّدِيدَةِ وَنَحْوِهَا لا تُصَلى جَمَاعَةً لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ وَالمُخْتَصَرِ: وَلا آمُرُ بِصَلاةِ جَمَاعَةٍ فِي زَلزَلةٍ وَلا ظُلمَةٍ، وَلا لصَوَاعِقَ وَلا رِيحٍ، وَلا غَيْرِ ذَلكَ مِنْ الآيَاتِ، وَآمُرُ بِالصَّلاةِ مُنْفَرِدِينَ كَمَا يُصَلونَ مُنْفَرِدِينَ سَائِرَ الصَّلوَاتِ، هَذَا نَصُّهُ، وَاتَّفَقَ الأَصْحَابُ عَلى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَليَ مُنْفَرِدًا وَيَدْعُوَ وَيَتَضَرَّعَ لئَلا يَكُونَ غَافِلًا.
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ عَليًّا رضي الله عنه صَلى فِي زَلزَلةٍ جَمَاعَةً، قَال الشَّافِعِيُّ: إنْ صَحَّ هَذَا الحَدِيثُ قُلت بِهِ، فَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ قَال: هَذَا قَوْلٌ آخَرُ لهُ فِي الزَّلزَلةِ وَحْدَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ فِي

 

ج / 5 ص -45-         جَمِيعِ الآيَاتِ، وَهَذَا الأَثَرُ عَنْ عَليٍّ ليْسَ بِثَابِتٍ وَلوْ ثَبَتَ قَال أَصْحَابُنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلى الصَّلاةِ مُنْفَرِدًا، وَكَذَا مَا جَاءَ عَنْ غَيْرِ عَليٍّ رضي الله عنه مِنْ نَحْوِ هَذَا وَاَللهُ أَعْلمُ.
 قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَإِذَا اجْتَمَعَتْ صَلاةُ الكُسُوفِ مَعَ غَيْرِهَا قُدِّمَ أَخْوَفُهُمَا فَوْتًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الفَوْتِ قُدِّمَ أَوْكَدُهُمَا، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ مَعَ صَلاةِ الجِنَازَةِ قُدِّمَتْ لأَنَّهُ يُخْشَى عَليْهِ التَّغْيِيرُ وَالانْفِجَارُ، وَإِنْ اجْتَمَعَتْ مَعَ المَكْتُوبَةِ فِي أَوَّل الوَقْتِ بَدَأَ بِصَلاةِ الكُسُوفِ لأَنَّهُ يُخَافُ فَوْتُهَا بِالتَّجَلي، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا بَدَأَ بِالمَكْتُوبَةِ قَبْل الخُطْبَةِ للكُسُوفِ لأَنَّ المَكْتُوبَةَ يُخَافُ فَوْتُهَا وَالخُطْبَةَ لا يُخَافُ فَوْتُهَا وَإِنْ اجْتَمَعَتْ مَعَهَا فِي آخِرِ الوَقْتِ بَدَأَ بِالمَكْتُوبَةِ لأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي خَوْفِ الفَوَاتِ وَالمَكْتُوبَةُ آكَدُ فَكَانَ تَقْدِيمُهَا أَوْلى، وَإِنْ اجْتَمَعَتْ مَعَ الوِتْرِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا قُدِّمَتْ صَلاةُ الكُسُوفِ لأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الفَوْتِ، وَصَلاةُ الكُسُوفِ أَوْكَدُ، فَكَانَتْ بِالتَّقْدِيمِ أَحَقَّ".
 الشرح: قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ رحمهم الله: إذَا اجْتَمَعَ صَلاتَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قُدِّمَ مَا يَخَافُ فَوْتُهُ، ثُمَّ الأَوْكَدُ، فَإِذَا اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ، أَوْ جُمُعَةٌ وَكُسُوفٌ وَخِيفَ فَوْتُ العِيدِ أَوْ الجُمُعَةِ لضِيقِ الوَقْتِ قُدِّمَ العِيدُ وَالجُمُعَةُ، لأَنَّهُمَا أَوْكَدُ مِنْ الكُسُوفِ وَإِنْ لمْ يَخَفْ فَوْتَهُمَا فَطَرِيقَانِ أصحهما: وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَالأَكْثَرُونَ يُقَدَّمُ الكُسُوفُ لأَنَّهُ يُخَافُ فَوْتُهُ والثاني: حَكَاهُ الخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلانِ أصحهما: هَذَا والثاني: يُقَدِّمُ الجُمُعَةَ وَالعِيدَ لتَأَكُّدِهِمَا.
قَال الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا: وَبَاقِي الفَرَائِضِ كَالجُمُعَةِ، وَلوْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَوِتْرٌ أَوْ تَرَاوِيحُ قَدَّمَ الكُسُوفَ مُطْلقًا لأَنَّهَا أَوْكَدُ وَأَفْضَل، وَلوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ وَكُسُوفٌ أَوْ عِيدٌ قَدَّمَ الجِنَازَةَ؛ لأَنَّهُ يَخَافُ تَغَيُّرَهَا قَال أَصْحَابُنَا: وَيَشْتَغِل الإِمَامُ بَعْدَهَا بِالصَّلاةِ الأُخْرَى وَلا يُشَيِّعُهَا، بَل يُشَيِّعُهَا غَيْرُهُ، فَإِنْ لمْ تُحْضَرْ الجِنَازَةُ أَوْ أُحْضِرَتْ وَلمْ يَحْضُرْ الوَليُّ أَفْرَدَ الإِمَامُ جَمَاعَةً يَنْتَظِرُونَهَا، وَاشْتَغَل هُوَ وَالنَّاسُ بِالصَّلاةِ الأُخْرَى.
وَلوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَلمْ يَضِقْ الوَقْتُ قُدِّمَتْ الجِنَازَةُ بِلا خِلافٍ، نَصَّ عَليْهِ، وَاتَّفَقُوا عَليْهِ، لمَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ ضَاقَ وَقْتُ الجُمُعَةِ قُدِّمَتْ عَلى المَذْهَبِ الصَّحِيحِ المَنْصُوصِ فِي الأُمِّ، وَبِهِ قَطَعَ الجَمَاهِيرُ، وَنَقَل إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ الجُوَيْنِيِّ تَقْدِيمَ الجِنَازَةِ؛ لأَنَّ الجُمُعَةَ لهَا بَدَلٌ، وَهَذَا غَلطٌ لأَنَّهُ - وَإِنْ كَانَ لهَا بَدَلٌ - لا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا عَمْدًا.
قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: وَإِذَا اجْتَمَعَ العِيدُ وَالكُسُوفُ، وَالوَقْتُ مُتَّسِعٌ أَوْ ضَيِّقٌ، صَلاهُمَا ثُمَّ خَطَبَ لهُمَا بَعْدَ الصَّلاتَيْنِ خُطْبَتَيْنِ، يَذْكُرُ فِيهِمَا العِيدَ وَالكُسُوفَ وَلوْ اجْتَمَعَ جُمُعَةٌ وَكُسُوفٌ وَاقْتَضَى الحَال تَقْدِيمَ الجُمُعَةِ خَطَبَ لهَا ثُمَّ صَلى الجُمُعَةَ، ثُمَّ الكُسُوفَ، ثُمَّ خَطَبَ للكُسُوفِ، وَإِنْ اقْتَضَى الحَال تَقْدِيمَ الكُسُوفِ بَدَأَ بِهَا، ثُمَّ خَطَبَ للجُمُعَةِ خُطْبَتَهَا، وَذَكَرَ فِيهِمَا شَأْنَ الكُسُوفِ وَمَا يُنْدَبُ فِي خُطْبَتَيْهِ وَلا يَحْتَاجُ إلى أَرْبَعِ خُطَبٍ، وَقَال أَصْحَابُنَا وَيَقْصِدُ بِالخُطْبَتَيْنِ الجُمُعَةَ خَاصَّةً وَكَذَا نَصَّ عَليْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ.
قَال أَصْحَابُنَا: وَلا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ الجُمُعَةَ وَالكُسُوفَ مَعًا، لأَنَّهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ بِخِلافِ

 

ج / 5 ص -46-         العِيدِ وَالكُسُوفِ، فَإِنَّهُ يَقْصِدُهُمَا بِالخُطْبَتَيْنِ لأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ هَكَذَا قَالوهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لأَنَّ السُّنَّتَيْنِ إذَا لمْ تَتَدَاخَلا لا يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَهُمَا بِصَلاةٍ وَاحِدَةٍ وَلهَذَا لوْ نَوَى بِرَكْعَتَيْنِ صَلاةَ الضُّحَى وَقَضَاءَ سُنَّةِ الصُّبْحِ لا تَنْعَقِدُ صَلاتُهُ، وَلوْ ضَمَّ إلى فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ نِيَّةَ تَحِيَّةِ المَسْجِدِ لمْ يَضُرَّ، لأَنَّهَا تَحْصُل ضِمْنًا فَلا يَضُرُّ ذِكْرُهَا قَال الشَّافِعِيُّ فِي البُوَيْطِيِّ: لوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ، وَاسْتِسْقَاءٌ، وَجِنَازَةٌ، يَعْنِي وَالوَقْتُ مُتَّسِعٌ بَدَأَ بِالجِنَازَةِ ثُمَّ الكُسُوفِ، ثُمَّ العِيدِ، ثُمَّ الاسْتِسْقَاءِ، فَإِنْ خَطَبَ للجَمِيعِ خُطْبَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ.
قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: وَإِذَا بَدَأَ بِالكُسُوفِ قَبْل الجُمُعَةِ خَفَّفَهَا فَقَرَأَ فِي كُل رَكْعَةٍ بِالفَاتِحَةِ، وَقُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ، وَمَا أَشْبَهَهَا.
قَال فِي الأُمِّ: وَإِنْ كَانَ الكُسُوفُ بِمَكَّةَ عِنْدَ رَوَاحِ الإِمَامِ وَالنَّاسُ فِي اليَوْمِ الثَّامِنِ إلى مِنًى صَلوا الكُسُوفَ، فَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ صَلاةُ الظُّهْرِ بِمِنًى صَلاهَا بِمَكَّةَ، قَال: وَإِنْ كَانَ الكُسُوفُ بِعَرَفَةَ عِنْدَ الزَّوَال قَدَّمَ الكُسُوفَ ثُمَّ صَلى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَهُمَا بَدَأَ بِهِمَا، ثُمَّ صَلى الكُسُوفَ، وَلمْ يَتْرُكْهُ للوُقُوفِ، وَخَفَّفَ صَلاةَ الكُسُوفِ وَالخُطْبَةَ قَال: وَإِنْ كَسَفَتْ وَهُوَ فِي المَوْقِفِ بَعْدَ العَصْرِ صَلى الكُسُوفَ ثُمَّ خَطَبَ عَلى بَعِيرِهِ وَدَعَا، قَال: وَإِنْ خَسَفَ القَمَرُ قَبْل الفَجْرِ بِالمُزْدَلفَةِ أَوْ بَعْدَهُ صَلى الكُسُوفَ وَخَطَبَ، وَلوْ حَبَسَهُ ذَلكَ إلى طُلوعِ الشَّمْسِ، وَيُخَفِّفُ لكَيْ لا يَحْبِسَهُ إلى طُلوعِ الشَّمْسِ إنْ قَدِرَ، قَال: وَإِنْ خَسَفَ القَمَرُ وَقْتَ صَلاةِ القِيَامِ يَعْنِي التَّرَاوِيحَ بَدَأَ بِصَلاةِ الخُسُوفِ.
فَصْلٌ: اعْتَرَضَتْ طَائِفَةٌ عَلى قَوْل الشَّافِعِيِّ: اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ، وَقَالتْ هَذَا مُحَالٌ لأَنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ لا يَقَعُ إلا فِي الثَّامِنِ وَالعِشْرِينَ أَوْ التَّاسِعِ وَالعِشْرِينَ وَكُسُوفَ القَمَرِ لا يَكُونُ فِي وَقْتِ صَلاةِ العِيدِ، وَلا يَكُونُ إلا ليْلةَ الرَّابِعِ عَشَرَ أَوْ الخَامِسِ عَشَرَ، وَأَجَابَ الأَصْحَابُ عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ.
 أحدها: أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى يَزْعُمُهَا المُنَجِّمُونَ، وَلا نُسَلمُ انْحِصَارَهُ فِيمَا يَقُولونَ بَل نَقُول: الكُسُوفُ مُمْكِنٌ فِي غَيْرِ اليَوْمَيْنِ المَذْكُورَيْنِ، وَاَللهُ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ وَقَدْ جَاءَ مِثْل مَا قُلنَاهُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ
الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ تُوُفِّيَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ الزُّبَيْرِ بْنِ بِكَارٍ، وَسُنَنِ البَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ تُوُفِّيَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ عَاشِرَ شَهْرِ رَبِيعِ الأَوَّل سَنَةَ عَشْرٍ مِنْ الهِجْرَةِ وَإِسْنَادُهُ - وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا - فَيَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي مِثْل هَذَا، لأَنَّهُ لا يُرَتَّبُ عَليْهِ حُكْمٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ أَهْل العِلمِ مُتَّفِقُونَ عَلى العَمَل بِالضَّعِيفِ فِي غَيْرِ الأَحْكَامِ وَأُصُول العَقَائِدِ؛ وَأَيْضًا فَقَدْ نُقِل مُتَوَاتِرًا أَنَّ الحُسَيْنَ بْنَ عَليٍّ رضي الله عنهما قُتِل يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَذَكَرَ البَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ - بِفَتْحِ القَافِ وَكَسْرِ البَاءِ المُوَحَّدَةِ - وَغَيْرُهُ: أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ قُتِل الحُسَيْنُ رضي الله عنه
الثاني: يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ العِيدِ فِي الثَّامِنِ وَالعِشْرِينَ بِأَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ بِنُقْصَانِ رَجَبٍ وَآخَرَانِ بِنُقْصَانِ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَتْ فِي الحَقِيقَةِ كَامِلةً فَيَقَعُ العِيدُ فِي الثَّامِنِ وَالعِشْرِينَ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ الذِي كُلفْنَاهُ
الثَّالثِ: لوْ لمْ يَكُنْ ذَلكَ مُمْكِنًا كَانَ تَصْوِيرُ الفُقَهَاءِ لهُ حَسَنًا للتَّدَرُّبِ بِاسْتِخْرَاجِ الفُرُوعِ الدَّقِيقَةِ وَتَنْقِيحِ الأَفْهَامِ كَمَا يُقَال فِي مَسَائِل الفَرَائِضِ "تَرْكُ مِائَةِ جَدَّةٍ "مَعَ أَنَّ هَذَا العَدَدَ لا يَقَعُ فِي العَادَةِ وَاَللهُ أَعْلمُ.

 

ج / 5 ص -47-         فرع: فِي مَسَائِل تَتَعَلقُ بِالكُسُوفِ1
إحداها: قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الكُسُوفِ: لا أَكْرَهُ لمَنْ لا هَيْئَةَ لهَا مِنْ النِّسَاءِ لا للعَجُوزِ وَلا للصَّبِيَّةِ شُهُودَ صَلاةِ الكُسُوفِ مَعَ الإِمَامِ بَل أُحِبُّهَا وَأَحَبُّ إليَّ لذَوَاتِ الهَيْئَةِ أَنْ يُصَلينَهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال الإمام البخاري في (باب قول النبي صلى الله علبه وسلم:
يخوف الله عباده بالكسوف, قال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم – حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن زيد عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لاينخسفان لموت أحد ولكن يخوف الله بهما عباده – وقال أبو عبد الله: لم يذكر عبد الوارث وشعبة وخالد بن عبد الله وحماد بن سلمة عن يونس يخوف الله بهما عباده,وتابعه أشعث عن الحسن,وتابعه موسى عن مبارك عن الحسن قال: أخبرنى أبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: يخوف بهما عباده) فقوله: (يخوف) فيه رد على أهل الهيئة الذين يزعمون منهم أن الكسوف أمر عادي لا يتأخر ولا يتقدم إذ لو كان كما يقولون لم يكن فيه تخويف ويصير بمنزلة المد والجزر في البحر, وقد رد عليهم ذلك بن العربي وغير واحد من العلماء بما في حديث أبي موسى وفيه(فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة) فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع, ولو كان بالحساب لم يكن الأمر بالصلاة والصدقة والعتق والذكر معنى, فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف, وإن كل ما ذكر من أنواع الطاعة يرجى أن يرفع به ما يخشى من أثر ذلك الكسوف ومما نقض ابن العربي وغيره كما أفاد هذا الحافظ بن حجر في الفتح ومنه نقلته أنهم يزعمون أن الشمس لا تنكسف على الحقيقة, وإنما يحول القمر بينها وبين أهل الأرض عند اجتماعهما في العقدتين فقال: هم يزعمون أن الشمس أضاف القمر في الجرم فكيف يحجب الصغير الكبير إذا قابله؟ أم كيف يظلم الكثير بالقليل لاسيما وهو من جنسه, وكيف تحجب الأرض نور الشمس وهي في زاوية منها, لأنهم يزعمون أن الشمس أكبر من الأرض وقد وقع في حديث النعمان بن بشير وغيره للكسوف سبب آخر غير ما زعمه أهل الهيئة وهو ما أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة والحاكم بلفظ (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته, ولكنهما آيتان من آيات الله وإنه إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له) وقد استشكل الغزالي هذه الزيادة وقال: إنها لم تثبت, فيجب تكذيب ناقلها, قال: ولو صحت لكان تأويلها أهون من مكابرة أمور قطعية, لا تصادم أصلا من أصول الشريعة. ورد بن بزيزة عليه بكلام ينكر فيه كروية الأرض, وزعم معارضة ذلك للشرع قال الحافظ نقلا منه: والثابت من قواعد الشرع إن الكسوف أثر الإرادة الإلهية القديمة وفعل الفاعل المختار فيخلق في هذين الجرمين النور متى شاء من غير توقف على سبب أو ربط باقتراب, والحديث الذي رده الغزالي قد أثبته غير واحد من أهل العلم, وهو ثابت من حيث المعنى أيضا لأن النورية والإضاءة من عالم الجمال الحسي فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته, ويؤيده قوله تعالى {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} ا ه ويؤيد هذ الحديث مارويناه عن طاووس إنه نظر إلى الشمس وقد انكسفت فبكى حتى كاد أن يموت وقال: هي أخوف لله منا. وقال بن دقيق العيد: ربما يعتقد بعضهم إن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله تعالى: {يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} وليس بشيء, لأن لله أفعالا على حسب العادة, وأفعالا خارجة عن ذلك, وقدرته حاكمة على كل سبب فلعله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض, وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة, وإنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف بقوة الاعتقاد. وذلك لايمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خوفها, وحاصله أن الذى يذكره علماء الهيئة والحساب إن كان حقا في نفسه فإنه لاينافي كون ذلك مخوفا لعباد الله تعالى هكذا أفاده الحافظ في "الفتح".

 

ج / 5 ص -48-         فِي بُيُوتِهِنَّ.قَال: وَإِنْ كَسَفَتْ وَهُنَاكَ رَجُلٌ مَعَ نِسَاءٍ فِيهِنَّ ذَوَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ صَلى بِهِنَّ، وَإِنْ لمْ يَكُنْ فِيهِنَّ ذَوَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَرِهْت ذَلكَ لهُ وَإِنْ صَلى بِهِنَّ فَلا بَأْسَ قَال: فَإِنْ صَلى النِّسَاءُ فَليْسَ مِنْ شَأْنِهِنَّ الخُطْبَةُ؛ لكِنْ لوْ ذَكَّرَتْهُنَّ إحْدَاهُنَّ كَانَ حَسَنًا هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَتَابَعَهُ عَليْهِ الأَصْحَابُ.
الثانية قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ وَمُخْتَصَرِ المُزَنِيِّ "وَلا يَجُوزُ تَرْكُ صَلاةِ الكُسُوفِ عِنْدِي لمُسَافِرٍ وَلا مُقِيمٍ وَلا لأَحَدٍ جَازَ لهُ أَنْ يُصَليَ بِحَالٍ، فَيُصَليهَا كُل مَنْ وَصَفْت بِإِمَامٍ تَقَدَّمَهُ وَمُنْفَرِدًا إنْ لمْ يَجِدْ إمَامًا وَيُصَليهَا كَمَا وَصَفْت فِي صَلاةِ الإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُل رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ "وَكَذَلكَ خُسُوفُ القَمَرِ "قَال: "وَإِنْ خَطَبَ الرَّجُل الذِي وَصَفْت فَذَكَّرَهُمْ لمْ أَكْرَهْهُ "هَذَا نَصُّهُ فِي الأُمِّ بِحُرُوفِهِ وَاقْتَصَرَ فِي مُخْتَصَرِ المُزَنِيِّ عَلى قَوْلهِ "وَلا يَجُوزُ تَرْكُهَا لمُسَافِرٍ وَلا مُقِيمٍ بِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ "هَذَا نَصُّهُ وَقَدْ يُسْتَشْكَل قَوْلهُ "لا يَجُوزُ تَرْكُ صَلاةِ الكُسُوفِ "وَمَعْلومٌ أَنَّهَا سُنَّةٌ بِلا خِلافٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَكْرَهُ تَرْكَهَا لتَأَكُّدِهَا لكَثْرَةِ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الأَمْرِ بِهَا كَقَوْلهِ
"صلى الله عليه وسلم إنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ لا يَخْسِفَانِ لمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلكَ فَادْعُوا اللهَ وَكَبِّرُوا وَصَلوا وَتَصَدَّقُوا".
وَفِي رِوَايَةٍ
"فَافْزَعُوا إلى الصَّلاةِ "وَفِي رِوَايَةٍ "فَصَلوا حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ "وَفِي رِوَايَةٍ "فَصَلوا حَتَّى تَنْجَليَ "وَكُل هَذِهِ الأَلفَاظِ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
فَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَكْرَهُ تَرْكَهَا، فَإِنَّ المَكْرُوهَ قَدْ يُوصَفُ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الجَائِزَ يُطْلقُ عَلى مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ، وَالمَكْرُوهَ ليْسَ كَذَلكَ، وَحَمَلنَا عَلى هَذَا التَّأْوِيل الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ لا وَاجِبَ مِنْ الصَّلاةِ غَيْرُ المَكْتُوبَاتِ الخَمْسِ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ عَلى ذَلكَ، وَفِي كَلامِهِ هُنَا مَا يَدُل عَليْهِ، فَإِنَّ قَوْلهُ: وَلا لأَحَدٍ جَازَ لهُ أَنْ يُصَليَ بِحَالٍ وَهَذِهِ العِبَارَةُ يَدْخُل فِيهَا العَبْدُ وَالمُسَافِرُ وَالمَرْأَةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لا تَلزَمُهُمْ الجُمُعَةُ، فَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُوجِبُ عَليْهِمْ صَلاةَ الكُسُوفِ، وَقَدْ أَوْضَحَ الشَّافِعِيُّ هَذَا فِي البُوَيْطِيِّ فَقَال فِي البَابِ الأَوَّل مِنْ بَابَيْ الكُسُوفِ: يُصَلي صَلاةَ الكُسُوفِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ العَصْرِ وَفِي كُل حِينٍ لأَنَّهُمَا ليْسَا نَافِلتَيْنِ وَلكِنَّهُمَا وَاجِبَانِ وُجُوبَ سُنَّةٍ هَذَا نَصُّهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَوْنِهِمَا سُنَّةً وَفِي أَنَّهُ أَرَادَ تَأْكِيدَ الأَمْرِ بِهِمَا.
وَقَوْلهُ:"وَاجِبَانِ وُجُوبَ سُنَّةٍ "وَنَحْوُهُ الحَدِيثُ الصَّحِيحُ "غُسْل الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلى كُل مُحْتَلمٍ"وَاَللهُ أَعْلمُ
الثالثة: قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: إذَا صَلى الرَّجُل وَحْدَهُ صَلاةَ الكُسُوفِ ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الإِمَامِ صَلاهَا كَمَا يَصْنَعُ فِي المَكْتُوبَةِ قَال وَكَذَلكَ المَرْأَةُ.
الرابعة: المَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ الأَوَّل مِنْ الرَّكْعَةِ الأُولى فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ كُلهَا وَيُسَلمُ مَعَ الإِمَامِ كَسَائِرِ الصَّلوَاتِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الأَوَّل مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، فَإِذَا سَلمَ الإِمَامُ قَامَ فَصَلى رَكْعَةً أُخْرَى بِرُكُوعَيْنِ وَقِيَامَيْنِ كَمَا يَأْتِي بِهَا الإِمَامُ، وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ، وَلوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَالمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الذِي نَصَّ عَليْهِ الشَّافِعِيُّ فِي

 

ج / 5 ص -49-         البُوَيْطِيِّ وَاتَّفَقَ الأَصْحَابُ عَلى تَصْحِيحِهِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ لا يَكُونُ مُدْرِكًا لشَيْءٍ مِنْ الرَّكْعَةِ، كَمَا لوْ أَدْرَكَ الاعْتِدَال فِي سَائِرِ الصَّلوَاتِ.
وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الخُرَاسَانِيِّينَ عَنْهُ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا للقَوْمَةِ التِي قَبْلهُ، فَعَلى هَذَا إذَا أَدْرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِي مِنْ الأُولى قَامَ بَعْدَ سَلامِ الإِمَامِ وَرَكَعَ وَاعْتَدَل وَجَلسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلمَ وَلا يَسْجُدُ، لأَنَّ إدْرَاكَ الرُّكُوعِ إذَا حَصَل بِهِ القِيَامُ الذِي قَبْلهُ كَانَ حُصُول السُّجُودِ الذِي بَعْدَهُ أَوْلى، وَعَلى المَذْهَبِ لوْ أَدْرَكَهُ فِي القِيَامِ الثَّانِي لا يَكُونُ مُدْرِكًا لشَيْءٍ مِنْ الرَّكْعَةِ أَيْضًا.
قَال الشَّافِعِيُّ فِي البُوَيْطِيِّ: وَإِذَا أَدْرَكَ المَسْبُوقُ بَعْضَ صَلاةِ الإِمَامِ وَسَلمَ الإِمَامُ قَامَ وَصَلى بَقِيَّتَهَا، سَوَاءٌ تَجَلى الكُسُوفُ أَمْ دَامَ، قَال: فَإِنْ لمْ يَكُنْ انْجَلتْ طَوَّلهَا كَمَا طَوَّلهَا الإِمَامُ، وَإِنْ كَانَتْ انْجَلتْ خَفَّفَهَا عَنْ صَلاةِ الإِمَامِ.
الخامسة قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: وَلوْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ حَدَثَ خَوْفٌ صَلى الإِمَامُ صَلاةَ الخُسُوفِ صَلاةَ خَوْفٍ، كَمَا يُصَلي المَكْتُوبَةَ صَلاةَ خَوْفٍ، لا يَخْتَلفُ ذَلكَ قَال: وَكَذَلكَ يُصَلي صَلاةَ الكُسُوفِ صَلاةَ شِدَّةِ الخَوْفِ بِالإِيمَاءِ حَيْثُ تَوَجَّهَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَإِنْ أَمْكَنَهُ الخُطْبَةُ وَالصَّلاةُ خَطَبَ وَإِلا فَلا يَضُرُّهُ قَال: وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَضَرٍ فَغَشِيَ أَهْل البَلدِ عَدُوٌّ مَضَوْا إلى العَدُوِّ، فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ فِي صَلاةِ الكُسُوفِ مَا يُمْكِنُهُمْ فِي المَكْتُوبَةِ صَلوهَا صَلاةَ الخَوْفِ، وَإِنْ لمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلكَ صَلوهَا صَلاةَ شِدَّةِ الخَوْفِ طَالبِينَ وَمَطْلوبِينَ هَذَا نَصُّهُ.

فرع: فِي مَذَاهِبِ العُلمَاءِ فِي عَدَدِ رُكُوعِ الكُسُوفِ
 قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُل رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَرُكُوعَانِ وَسَجْدَتَانِ وَبِهِ قَال مَالكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَال النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ رَكْعَتَانِ كَالجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ وَحَكَى ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُل رَكْعَةٍ ثَلاثَةُ رُكُوعَاتٍ وَعَنْ عَليٍّ رضي الله عنه خَمْسَةُ رُكُوعَاتٍ فِي كُلّ رَكْعَةٍ وَعَنْ إِسْحَاقَ أَنَّهَا تَجُوزُ رُكُوعَانِ فِي كُل رَكْعَةٍ وَثَلاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ، لأَنَّهُ ثَبَتَ هَذَا وَلمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ مِنْهُ وَقَال العَلاءُ بْنُ زِيَادٍ: لا يَزَال يَرْكَعُ وَيَقُومُ وَيُرَاقِبُ الشَّمْسَ حَتَّى تَنْجَليَ، فَإِذَا انْجَلتْ سَجَدَ ثُمَّ صَلى رَكْعَةً أُخْرَى.
وَاحْتَجَّ لأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ قَبِيصَةَ الهِلاليِّ الصَّحَابِيِّ قَال
"كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ فَزِعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِالمَدِينَةِ فَصَلى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَال فِيهِمَا القِيَامَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَانْجَلتْ فَقَال إنَّمَا هَذِهِ الآيَاتُ يُخَوِّفُ اللهُ بِهَا، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلوا كَأَحْدَثِ صَلاةٍ صَليْتُمُوهَا مِنْ المَكْتُوبَةِ"رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالحَاكِمُ وَقَال حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَال "كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلى عَهْدِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَل يُصَلي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَسْأَل عَنْهَا، حَتَّى انْجَلتْ"رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ.

 

ج / 5 ص -50-         وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ المَشْهُورَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِمِثْل مَذْهَبِنَا، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ بِجَوَابَيْنِ أحدهما: أَنَّ أَحَادِيثَنَا أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَأَكْثَرُ رُوَاةً والثاني: أَنَّا نَحْمِل أَحَادِيثَنَا عَلى الاسْتِحْبَابِ وَالحَدِيثَيْنِ عَلى بَيَانِ الجَوَازِ، هَكَذَا ذَكَرَ هَذَيْنِ الجَوَابَيْنِ أَبُو إِسْحَاقَ المَرْوَزِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ الأَصْحَابِ، فَفِيهِ تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لوْ صَلاهَا رَكْعَتَيْنِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهَا صَحَّتْ صَلاتُهُ للكُسُوفِ وَكَانَ تَارِكًا للأَفْضَل.