المجموع شرح المهذب ط عالم الكتب

بَابُ صَدَقَةِ المَوَاشِي
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"تَجِبُ زَكَاةُ السَّوْمِ فِي الإِبِل وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ، لأَنَّ الأَخْبَارَ وَرَدَتْ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا فِي مَسَائِلهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى، وَلأَنَّ الإِبِل وَالبَقَرَ وَالغَنَمَ تَكْثُرُ مَنَافِعُهَا، وَيُطْلبُ نَمَاؤُهَا بِالدَّرِّ وَالنَّسْل، فَاحْتُمِل المُوَاسَاةُ فِي الزَّكَاةِ، وَلا تَجِبُ فِيمَا سِوَى ذَلكَ مِنْ المَوَاشِي كَالخَيْل وَالبِغَال وَالحَمِيرِ، لمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "ليْسَ عَلى المُسْلمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ"وَلأَنَّ هَذِهِ تُقْتَنَى للزِّينَةِ وَالاسْتِعْمَال لا للنَّمَاءِ، فَلمْ تَحْتَمِل الزَّكَاةَ كَالعَقَارِ وَالأَثَاثِ، وَلا تَجِبُ فِيمَا تَوَلدَ بَيْنَ الغَنَمِ وَالظِّبَاءِ وَلا فِيمَا تَوَلدَ بَيْنَ بَقَرِ الأَهْل وَبَقَرِ الوَحْشِ لأَنَّهُ لا يَدْخُل فِي إطْلاقِ اسْمِ البَقَرِ وَالغَنَمِ فَلا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ الغَنَمِ وَالبَقَرِ".
الشرح:
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ، وَالفَرَسُ تَقَعُ عَلى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى - وَالأَثَاثُ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وَثَاءٍ مُثَلثَةٍ مُكَرَّرَةٍ - وَهُوَ مَتَاعُ البَيْتِ وَاحِدَتُهُ أَثَاثَةٌ، قَال ابْنُ فَارِسٍ: وَيُقَال لا وَاحِدَ لهُ مِنْ لفْظِهِ، وَأَجْمَعَ المُسْلمُونَ عَلى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الإِبِل وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ.
وَأَمَّا الخَيْل وَالبِغَال وَالحَمِيرُ وَالمُتَوَلدُ بَيْنَ الغَنَمِ وَالظِّبَاءِ، فَلا زَكَاةَ فِيهَا كُلهَا عِنْدَنَا بِلا خِلافٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الخَيْل إنَاثًا أَوْ ذُكُورًا أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَسَوَاءٌ فِي المُتَوَلدِينَ كَانَتْ الإِنَاثُ ظِبَاءً أَوْ غَنَمًا فَلا زَكَاةَ فِي الجَمِيعِ مُطْلقًا، وَهَذَا إذَا لمْ تَكُنْ للتِّجَارَةِ، فَإِنْ كَانَتْ لهَا وَجَبَتْ زَكَاتُهَا.

 

ج / 5 ص -222-       فَرْعٌ: فِي مَذَاهِبِ العُلمَاءِ فِي زَكَاةِ الخَيْل
 مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لا زَكَاةَ فِيهَا مُطْلقًا، وَحَكَاهُ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَالحَاكِمِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي خَيْثَمَةَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وَالأَوْزَاعِيِّ وَمَالكٍ وَالليْثِ وَدَاوُد، وَقَال حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُليْمَانَ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُفَرَّقُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا إنْ كَانَتْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، فَإِنْ كَانَتْ إنَاثًا مُتَمَحِّضَةً وَجَبَتْ أَيْضًا عَلى المَشْهُورِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ بِالوُجُوبِ وَيُعْتَبَرُ فِيهَا الحَوْل دُونَ النِّصَابِ قَال: وَمَالكُهَا بِالخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى مِنْ كُل فَرَسٍ دِينَارًا، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِ قِيمَتِهَا، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ غَوْرَكِ الحَضْرَمِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
"أَنَّهُ قَال: فِي الخَيْل السَّائِمَةِ فِي كُل فَرَسٍ دِينَارٌ"وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ المَذْكُورِ هُنَا وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ، وَفِي المَسْأَلةِ أَحَادِيثُ أُخَرُ وَالجَوَابُ: عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ المُحَدِّثِينَ قَال الدَّارَقُطْنِيّ تَفَرَّدَ بِهِ غَوْرُكٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَاتَّفَقُوا عَلى تَضْعِيفِ غَوْرَكٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ.

فرع: فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي المُتَوَلدِ بَيْنَ الغَنَمِ وَالظِّبَاءِ
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا لا زَكَاةَ فِيهِ مُطْلقًا، وَبِهِ قَال دَاوُد، وَقَال أَحْمَدُ: تَجِبُ سَوَاءٌ كَانَتْ الإِنَاثُ ظِبَاءً أَوْ غَنَمًا، وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالكٌ: إنْ كَانَتْ الإِنَاثُ غَنَمًا وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَتْ ظِبَاءً فَلا. دَليلنَا أَنَّهَا لمْ تَتَمَحَّضْ غَنَمًا، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهَا الشَّرْعُ فِي الإِبِل وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَلا يُجْزِئُ هَذَا الحَيَوَانُ فِي الأُضْحِيَّةِ فَكَذَا هُنَا. وَإِنَّمَا يَجِبُ الجَزَاءُ عَلى المُحْرِمِ بِقَتْلهِ لتَعَدِّيهِ وَتَغْليبًا للتَّحْرِيمِ، وَالإِحْرَامُ مَبْنِيٌّ عَلى التَّغْليظِ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَعَلى التَّخْفِيفِ، وَلهَذَا لوْ بِيعَتْ فِي بَعْضِ الحَوْل سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَغَيْرُ ذَلكَ مِنْ التَّخْفِيفَاتِ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَلا تَجِبُ فِيمَا لا يَمْلكُهُ مِلكًا تَامًّا1 كَالمَال الذِي فِي يَدِ مُكَاتَبِهِ لأَنَّهُ لا يَمْلكُ الصَّرْفَ فِيهِ فَهُوَ كَمَال الأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا المَاشِيَةُ المَوْقُوفَةُ عَليْهِ فَإِنَّهُ يَنْبَنِي عَلى أَنَّ المِلكَ فِي المَوْقُوفِ إلى مَنْ يَنْتَقِل بِالوُقُوفِ، وَفِيهِ قَوْلانِ: أحدهما: يَنْتَقِل إلى اللهِ تَعَالى فَلا تَجِبُ زَكَاتُهُ، والثاني: يَنْتَقِل إلى المَوْقُوفِ عَليْهِ، وَفِي زَكَاتِهِ وَجْهَانِ أحدهما: تَجِبُ لأَنَّهُ يَمْلكُهُ مِلكًا [تَامًّا]2 مُسْتَقِرًّا فَأَشْبَهَ غَيْرَ المَوْقُوفِ، والثاني: لا تَجِبُ لأَنَّهُ مِلكٌ ضَعِيفٌ، بِدَليل أَنَّهُ لا يَمْلكُ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ، فَلمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيهِ كَالمُكَاتَبِ وَمَا فِي يَدِهِ".
الشرح:
قَال أَصْحَابُنَا: إذَا كَانَتْ المَاشِيَةُ مَوْقُوفَةً عَلى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالفُقَرَاءِ أَوْ المَسَاجِدِ أَوْ الغُزَاةِ أَوْ اليَتَامَى وَشَبَهِ ذَلكَ فَلا زَكَاةَ فِيهَا بِلا خِلافٍ، لأَنَّهُ ليْسَ لهَا مَالكٌ مُعَيَّنٌ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلى مُعَيَّنٍ سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً، فَإِنْ قُلنَا بِالأَصَحِّ: إنَّ المِلكَ فِي رَقَبَةِ المَوْقُوفِ للهِ تَعَالى فَلا زَكَاةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في ش و ق (كالماشية التي في يد مكاتبه) وما أثبتنغه عن النسخة المطبوعة من المهذب اعم واصح (ط).
2 مابين المعقوفين ليس في ش و ق (ط)

 

ج / 5 ص -223-       بِلا خِلافٍ، كَالوَقْفِ عَلى جِهَةٍ عَامَّةٍ. وَإِنْ قُلنَا بِالضَّعِيفِ: إنَّ المِلكَ فِي الرَّقَبَةِ للمَوْقُوفِ عَليْهِ فَفِي وُجُوبِهَا عَليْهِ الوَجْهَانِ المَذْكُورَانِ فِي الكِتَابِ بِدَليليْهِمَا أصحهما: لا تَجِبُ، فَإِنْ قُلنَا: تَجِبُ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ أَجْزَأَهُ، فَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهَا مِنْ نَفْسِ المَوْقُوفَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ البَيَانِ وَغَيْرُهُ أصحهما: لا يَجُوزُ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ العُدَّةِ لأَنَّهُ لا يَمْلكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِإِزَالةِ المِلكِ والثاني: يَجُوزُ، لأَنَّا جَعَلنَاهُ كَالمُطْلقِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلى هَذَا الوَجْهِ. قَال صَاحِبُ البَيَانِ: وَمُقْتَضَى المَذْهَبِ أَنَّا إنْ قُلنَا: تَتَعَلقُ الزَّكَاةُ بِالعَيْنِ جَازَ الإِخْرَاجُ مِنْهُ وَإِلا فَلا وَاَللهُ أَعْلمُ.
فرع: الأَشْجَارُ المَوْقُوفَةُ مِنْ نَخْلٍ وَعِنَبٍ، قَال أَصْحَابُنَا: إنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالمَدَارِسِ وَالقَنَاطِرِ وَالفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَنَحْوِ ذَلكَ فَلا عُشْرَ فِي ثِمَارِهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَلى مُعَيَّنِينَ وَجَبَ العُشْرُ فِي ثِمَارِهَا إذَا بَلغَتْ نِصَابًا بِلا خِلافٍ، وَيُخْرِجُهَا مِنْ نَفْسِ الثَّمَرَةِ إنْ شَاءَ لأَنَّهُ يَمْلكُ الثَّمَرَةَ مِلكًا مُطْلقًا. هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا المَسْأَلةَ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ وَحَكَى ابْنُ المُنْذِرِ فِي الأَشْرَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالكٍ رضي الله عنهما إيجَابُ العُشْرِ فِي الثِّمَارِ المَوْقُوفَةِ فِي سَبِيلٍ أَوْ عَلى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ. وَعَنْ طَاوُسٍ وَمَكْحُولٍ لا زَكَاةَ. وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَحْمَدَ: إنْ كَانَتْ عَلى جِهَةٍ لمْ تَجِبْ، وَإِنْ كَانَتْ عَلى مُعَيَّنٍ وَجَبَتْ. قَال ابْنُ المُنْذِرِ: وَبِهِ أَقُول. قَال صَاحِبُ البَيَانِ فِي بَابِ زَكَاةِ الزَّرْعِ. قَال الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ: هَذَا الذِي نَقَلهُ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ليْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَاَللهُ أَعْلمُ.
قَال أَصْحَابُنَا: وَهَكَذَا حُكْمُ الغَلةِ الحَاصِلةِ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ؛ إنْ كَانَتْ عَلى مُعَيَّنِينَ وَجَبَتْ زَكَاتُهَا بِلا خِلافٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَلى جِهَةٍ عَامَّةٍ لمْ تَجِبْ عَلى المَذْهَبِ وَعَلى رِوَايَةِ ابْنِ المُنْذِرِ تَجِبُ، وَفِي المَسْأَلةِ زِيَادَةٌ سَنُعِيدُهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى فِي المَسَائِل الزَّائِدَةِ بَعْدَ بَابِ زَكَاةِ الزَّرْعِ، وَاَللهُ أَعْلمُ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَأَمَّا المَال المَغْصُوبُ وَالضَّال فَلا تَلزَمُهُ زَكَاتُهُ قَبْل أَنْ يَرْجِعَ إليْهِ، فَإِنْ رَجَعَ إليْهِ مِنْ غَيْرِ نَمَاءٍ فَفِيهِ قَوْلانِ قَال فِي القَدِيمِ لا تَجِبُ، لأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ فَلمْ تَجِبْ عَليْهِ زَكَاتُهُ كَالمَال الذِي فِي يَدِ مُكَاتَبِهِ. وَقَال فِي الجَدِيدِ تَجِبُ لأَنَّهُ مَالٌ يَمْلكُ المُطَالبَةَ بِهِ وَيُجْبَرُ عَلى التَّسْليمِ إليْهِ فَوَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالمَال الذِي فِي يَدِ وَكِيلهِ، فَإِنْ رَجَعَ إليْهِ مَعَ النَّمَاءِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ. قَال أَبُو العَبَّاسِ: تَلزَمُهُ زَكَاتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا لأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا سَقَطَتْ فِي أَحَدِ القَوْليْنِ لعَدَمِ النَّمَاءِ وَقَدْ حَصَل لهُ النَّمَاءُ فَوَجَبَ أَنْ تَجِبَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلى القَوْليْنِ لأَنَّ الزَّكَاةَ لمْ تَسْقُطْ لعَدَمِ النَّمَاءِ لأَنَّ الذُّكُورَ مِنْ المَاشِيَةِ لا نَمَاءَ لهَا وَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ لنُقْصَانِ المِلكِ بِالخُرُوجِ عَنْ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ، وَبِالرُّجُوعِ لمْ يَعُدْ مَا فَاتَ مِنْ اليَدِ وَالتَّصَرُّفِ، وَإِنْ أُسِرَ رَبُّ المَال وَحِيل بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَال فَفِيهِ طَرِيقَانِ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: هُوَ كَالمَغْصُوبِ لأَنَّ الحَيْلولةَ مَوْجُودَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَال، فَفِيهِ قَوْلانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: تَجِبُ الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا لأَنَّهُ يَمْلكُ بَيْعَهُ مِمَّنْ شَاءَ فَكَانَ كَالمُودِعِ، وَإِنْ وَقَعَ الضَّال بِيَدِ مُلتَقِطٍ وَعَرَّفَهُ حَوْلًا كَامِلًا وَلمْ يَخْتَرْ التَّمَلكَ - وَقُلنَا: لا يَمْلكُ حَتَّى يَخْتَارَ التَّمَلكَ عَلى الصَّحِيحِ مِنْ المَذْهَبِ - فَفِيهِ طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: هُوَ كَمَا لوْ لمْ يَقَعْ بِيَدِ المُلتَقِطِ فَيَكُونُ عَلى قَوْليْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: لا تَجِبُ 

 

ج / 5 ص -224-       الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا لأَنَّ مِلكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، لأَنَّ المُلتَقِطَ يَمْلكُ [أَنْ يُزِيلهُ]1 بِاخْتِيَارِ التَّمَلكِ فَصَارَ كَالمَال الذِي بِيَدِ المُكَاتَبِ".
الشَّرْحُ:
فِي الفَصْل مَسَائِل:
 إحداها: إذَا ضَل مَالهُ أَوْ غُصِبَ أَوْ سُرِقَ وَتَعَذَّرَ انْتِزَاعُهُ؛ أَوْ أَوْدَعَهُ فَجُحِدَ أَوْ وَقَعَ فِي بَحْرٍ فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَرْبَعَةُ طُرُقٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا فِيهِ قَوْلانِ أصحهما: وَهُوَ الجَدِيدُ وُجُوبُهَا، وَالقَدِيمُ لا تَجِبُ، والطريق الثاني القَطْعُ بِالوُجُوبِ وَهُوَ مَشْهُورٌ، والثالث: إنْ كَانَ عَادَ بِنَمَائِهِ وَجَبَتْ وَإِلا فَلا، وَالرَّابِعُ: إنْ عَادَ بِنَمَائِهِ وَجَبَتْ وَإِلا فَفِيهِ القَوْلانِ، وَدَليل الجَمِيعِ مَفْهُومٌ مِنْ كَلامِ المُصَنِّفِ، وَلوْ عَادَ بَعْضُ النَّمَاءِ فَهُوَ كَمَا لوْ لمْ يَعُدْ شَيْءٌ مِنْهُ وَمَعْنَى العَوْدِ بِلا نَمَاءٍ أَنْ يُتْلفَهُ الغَاصِبُ وَيَتَعَذَّرَ تَغْرِيمُهُ، فَأَمَّا إنْ غَرِمَ أَوْ تَلفَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ كَأَنْ تَلفَ فِي يَدِ المَالكِ أَيْضًا فَهُوَ كَعَوْدِ النَّمَاءِ بِعَيْنِهِ بِالاتِّفَاقِ، صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ، وَمَنْ قَطَعَ بِالوُجُوبِ أَوْ عَدَمِهِ تَأَوَّل النَّصَّ الآخَرَ قَال أَصْحَابُنَا: وَالخِلافُ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ بَعْدَ عَوْدِ المَال إلى يَدِ المَالكِ هَل يُخْرِجُ عَنْ المُدَّةِ المَاضِيَةِ أَمْ لا؟ وَلا خِلافَ أَنَّهُ لا يَجِبُ الإِخْرَاجُ قَبْل عَوْدِ المَال إلى يَدِهِ، وَقَدْ اتَّفَقَ الأَصْحَابُ عَلى التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ لا خِلافَ فِيهِ. قَال أَصْحَابُنَا: فَلوْ تَلفَ المَال بَعْدَ أَحْوَالٍ قَبْل عَوْدِهِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَلى قَوْل الوُجُوبِ لأَنَّهُ لمْ يَتَمَكَّنْ وَالتَّلفُ قَبْل التَّمَكُّنِ يُسْقِطُهَا.
وَاعْلمْ أَنَّ الخِلافَ فِي المَاشِيَةِ المَغْصُوبَةِ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ سَائِمَةً فِي يَدِ المَالكِ وَالغَاصِبِ جَمِيعًا، فَإِنْ عُلفَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ خِلافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى قَرِيبًا فِي أَوَّل أُسَامَةِ الغَاصِبِ وَعَلفِهِ هَل يُؤَثِّرَانِ؟ قَال أَصْحَابُنَا: فَإِنْ قُلنَا بِالقَدِيمِ انْقَطَعَ الحَوْل بِالغَصْبِ وَالضَّلال وَنَحْوِهِ، فَإِذَا عَادَ المَال اسْتَأْنَفَ الحَوْل، وَإِنْ قُلنَا بِالجَدِيدِ لمْ يَنْقَطِعْ. قَال أَصْحَابُنَا: فَلوْ كَانَ لهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَغُصِبَتْ وَاحِدَةٌ أَوْ ضَلتْ ثُمَّ عَادَتْ إلى يَدِهِ، فَإِنْ قُلنَا لا زَكَاةَ فِي المَغْصُوبِ اسْتَأْنَفَ الحَوْل مِنْ حِينِ عَادَتْ سَوَاءٌ عَادَتْ قَبْل تَمَامِ الحَوْل أَمْ بَعْدَهُ. وَإِنْ قُلنَا تَجِبُ فِي المَغْصُوبِ بَنَى إنْ وَجَدَهَا قَبْل انْقِضَاءِ الحَوْل، وَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَهُ زَكَّى الأَرْبَعِينَ. قَال أَصْحَابُنَا: وَإِذَا أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الأَحْوَال المَاضِيَةِ فَشَرْطُهُ أَنْ لا يَنْقُصَ المَال عَنْ النِّصَابِ بِمَا يَجِبُ للزَّكَاةِ بِأَنْ يَكُونَ فِي المَاشِيَةِ وَقَصٌ2 أَوْ كَانَ لهُ مَالٌ آخَرُ يَفِي بِقَدْرِ الزَّكَاةِ أَمَّا إذَا كَانَ المَال نِصَابًا فَقَطْ وَمَضَتْ أَحْوَالٌ فَقَال الجُمْهُورُ: لا تَجِبُ زَكَاةُ مَا زَادَ عَلى الحَوْل الأَوَّل؛ لأَنَّ قَوْل الوُجُوبِ هُوَ الجَدِيدُ. وَالجَدِيدُ يَقُول بِتَعَلقِ الزَّكَاةِ بِالعَيْنِ فَيَنْقُصُ النِّصَابُ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، فَلا يَجِبُ شَيْءٌ إلا أَنْ تَتَوَالدَ بِحَيْثُ لا يَنْقُصُ النِّصَابُ. هَذَا قَوْل الجُمْهُورِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَشَارَ إلى خِلافٍ، وَهُوَ يَتَخَرَّجُ مِنْ الطَّرِيقَةِ الجَازِمَةِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي المَغْصُوبِ وَاَللهُ أَعْلمُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مابين المعقوفين ليس في ش و ق (ط).
2 شرح الإمام النووي في الفصول الآتية الوقص لغة وشرعا وأتى فيه من فيض علمهما يشد به المرء يديه فجزاه الله خير الجزاء وقدس سره ونور ضريحه وجعلنا من حزبه آمين (ط).

 

ج / 5 ص -225-       قَال أَصْحَابُنَا رحمهم الله: وَلوْ دَفَنَ مَالهُ فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ نَسِيَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلٍ فَهُوَ كَمَا لوْ ضَل، فَيَكُونُ عَلى الخِلافِ السَّابِقِ. هَذَا هُوَ المَشْهُورُ وَفِيهِ طَرِيقٌ آخَرُ جَازِمَةٌ بِالوُجُوبِ وَلا يَكُونُ النِّسْيَانُ عُذْرًا لأَنَّهُ مُفَرِّطٌ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ، وَلا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ دَفْنِهِ فِي دَارِهِ وَحِرْزِهِ وَغَيْرِ ذَلكَ، وَاَللهُ أَعْلمُ.
المسألة الثانية: إذَا أُسِرَ رَبُّ المَال وَحِيل بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَاشِيَتِهِ فَطَرِيقَانِ، ذَكَرَ المُصَنِّفُ دَليلهُمَا، وَهُمَا مَشْهُورَانِ أصحهما: عِنْدَ الأَصْحَابِ القَطْعُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ.
والثاني: أَنَّهُ عَلى الخِلافِ فِي المَغْصُوبِ، قَال المَاوَرْدِيُّ وَالمَحَامِليُّ وَغَيْرُهُمَا: هَذَا الطَّرِيقُ غَلطٌ، قَال أَصْحَابُنَا: وَسَوَاءٌ كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ كُفَّارٍ أَوْ مُسْلمِينَ.
الثالثة: اللقَطَةُ فِي السَّنَةِ الأُولى بَاقِيَةٌ عَلى مِلكِ مَالكِهَا فَلا زَكَاةَ فِيهَا عَلى المُلتَقِطِ، وَفِي وُجُوبِهَا عَلى المَالكِ الخِلافُ السَّابِقُ فِي المَغْصُوبِ وَالضَّال، ثُمَّ إنْ لمْ يُعَرِّفْهَا حَوْلًا فَهَكَذَا الحُكْمُ فِي جَمِيعِ السِّنِينَ، وَإِنْ عَرَّفَهَا سَنَةً بُنِيَ حُكْمُ الزَّكَاةِ عَلى أَنَّ المُلتَقِطَ هَل يَمْلكُ اللقَطَةَ بِمُضِيِّ سَنَةِ التَّعْرِيفِ؟ أَمْ بِاخْتِيَارِ التَّمَلكِ؟ أَمْ بِالتَّصَرُّفِ؟ وَفِيهِ خِلافٌ مَعْرُوفٌ فِي بَابِهِ فَإِنْ قُلنَا: يَمْلكُ بِانْقِضَائِهَا فَلا زَكَاةَ عَلى المَالكِ، وَفِي وُجُوبِهَا عَلى المُلتَقِطِ وَجْهَانِ، وَإِنْ قُلنَا يَمْلكُ بِاخْتِيَارِ التَّمَلكِ وَهُوَ المَذْهَبُ نُظِرَ - إنْ لمْ يَتَمَلكْهَا - فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلى مِلكِ المَالكِ، وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَليْهِ طَرِيقَانِ أصحهما: عِنْدَ الأَصْحَابِ أَنَّهُ عَلى القَوْليْنِ كَالسَّنَةِ الأُولى، والثاني: لا زَكَاةَ قَطْعًا لتَسَلطِ المُلتَقِطِ عَلى تَمَلكِهَا.
 وَأَمَّا: إذَا تَمَلكَهَا المُلتَقِطُ فَلا تَجِبُ زَكَاتُهَا عَلى المَالكِ لخُرُوجِهَا عَنْ مِلكِهِ وَلكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ قِيمَتَهَا فِي ذِمَّةِ المُلتَقِطِ، فَفِي وُجُوبِ زَكَاةِ القِيمَةِ عَليْهِ خِلافٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
 أحدهما: كَوْنُهَا دَيْنًا، والثاني: كَوْنُهَا مَالًا ضَائِعًا، ثُمَّ المُلتَقِطُ مَدْيُونٌ بِالقِيمَةِ، فَإِنْ لمْ يَمْلكْ غَيْرَهَا فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَليْهِ الخِلافُ الذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ أَمْ لا؟ وَإِنْ مَلكَ غَيْرَهَا شَيْئًا يَفِي بِالزَّكَاةِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ: بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ إذَا مَضَى عَليْهِ حَوْلٌ مِنْ حِينِ مِلكِ اللقَطَةِ، لأَنَّهُ مِلكٌ مَضَى عَليْهِ حَوْلٌ فِي يَدِ مَالكِهِ، والثاني: لا تَجِبُ لضَعْفِهِ لتَوَقُّعِ مَجِيءِ المَالكِ. قَال أَصْحَابُنَا: هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلى أَنَّ المَالكَ إذَا ظَفِرَ بِاللقَطَةِ بَعْدَ أَنْ تَمَلكَهَا المُلتَقِطُ هَل لهُ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهَا1؟ أَمْ ليْسَ لهُ إلا القِيمَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ، فَإِنْ قُلنَا: يَرْجِعُ فِي عَيْنِهَا فَمِلكُ المُلتَقِطِ ضَعِيفٌ لعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ فَلا زَكَاةَ وَإِلا وَجَبَتْ، أَمَّا إذَا قُلنَا: لا يَمْلكُ المُلتَقِطُ إلا بِالتَّصَرُّفِ فَلمْ يَتَصَرَّفْ، فَهُوَ كَمَا إذَا لمْ يَتَمَلكْ وَقُلنَا لا يَمْلكُ إلا بِهِ، وَاَللهُ أَعْلمُ.
فرع: لوْ اشْتَرَى مَالًا زَكَوِيًّا فَلمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ فِي يَدِ البَائِعِ، فَالمَذْهَبُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يعني الرجوع على الملتقط بعين اللقطة أن الرجوع عليه بالقيمة! لأنها بعينها في ذمة الملتقط مدة عام وبعد العام تكون دينا في ذمته بقيمتها (ط).

 

ج / 5 ص -226-       عَلى المُشْتَرِي، وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ لتَمَامِ المِلكِ، وَقِيل: لا تَجِبُ قَطْعًا لضَعْفِهِ وَتَعَرُّضِهِ للانْفِسَاخِ وَمَنْعِ تَصَرُّفِهِ، وَقِيل: فِيهِ الخِلافُ فِي المَغْصُوبِ.
فرع: لوْ رَهَنَ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ أَمْوَال الزَّكَاةِ وَحَال الحَوْل فَطَرِيقَانِ المَذْهَبُ - وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ - وُجُوبُ الزَّكَاةِ لتَمَامِ المِلكِ، وَقِيل: فِيهِ الخِلافُ فِي المَغْصُوبِ. لامْتِنَاعِ التَّصَرُّفِ، وَاَلذِي قَالهُ الجُمْهُورُ تَفْرِيعٌ عَلى المَذْهَبِ، وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ لا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، وَفِيهِ الخِلافُ المَذْكُورُ فِي الفَصْل بَعْدَهُ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي المَرْهُونِ فَمِنْ أَيْنَ يُخْرِجُهَا؟ فِيهِ كَلامٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"فَإِنْ كَانَ لهُ مَاشِيَةٌ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ أَمْوَال الزَّكَاةِ، وَعَليْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ أَوْ يَنْقُصُ المَال عَنْ النِّصَابِ، فَفِيهِ قَوْلانِ قَال فِي القَدِيمِ لا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ، لأَنَّ مِلكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لأَنَّهُ رُبَّمَا أَخَذَهُ الحَاكِمُ لحَقِّ الغُرَمَاءِ وَقَال فِي الجَدِيدِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ لأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلقُ بِالعَيْنِ، وَالدَّيْنُ يَتَعَلقُ بِالذِّمَّةِ، فَلا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ كَالدَّيْنِ وَأَرْشِ الجِنَايَةِ، وَإِنْ حُجِرَ عَليْهِ فِي المَال فَفِيهِ ثَلاثُ طُرُقٍ: أحدها: إنْ كَانَ المَال مَاشِيَةً وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، لأَنَّهُ قَدْ حَصَل لهُ نَمَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا فَقِيل قَوْليْنِ كَالمَغْصُوبِ. والثاني: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا لأَنَّ الحَجْرَ لا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، كَالحَجْرِ عَلى السَّفِيهِ وَالمَجْنُونِ. والثالث: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلى قَوْليْنِ كَالمَغْصُوبِ، لأَنَّهُ حِيل بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ؛ فَهُوَ كَالمَغْصُوبِ، وَأَمَّا القَوْل الأَوَّل: أَنَّهُ حَصَل لهُ النَّمَاءُ مِنْ المَاشِيَةِ فَلا يَصِحُّ لأَنَّهُ وَإِنْ حَصَل النَّمَاءُ إلا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَمُحَوَّلٌ دُونَهُ، وَ (القَوْل الثَّانِي): لا يَصِحُّ لأَنَّ حَجْرَ السَّفِيهِ وَالمَجْنُونِ لا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، لأَنَّ وَليَّهُمَا يَنُوبُ عَنْهُمَا فِي التَّصَرُّفِ وَحَجْرَ المُفْلسِ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فَافْتَرَقَا".
الشرح:
الدَّيْنُ هَل يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ؟ فِيهِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ أصحها: عِنْدَ الأَصْحَابِ، وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الجَدِيدَةِ: تَجِبُ، والثاني: لا تَجِبُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي القَدِيمِ وَفِي اخْتِلافِ العِرَاقِيِّينَ مِنْ كُتُبِهِ الجَدِيدَةِ، وَذَكَرَ المُصَنِّفُ دَليل القَوْليْنِ، والثالث: حَكَاهُ الخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الأَمْوَال البَاطِنِيَّةِ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ، وَلا يَمْنَعُهَا فِي الظَّاهِرَةِ وَهِيَ الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ وَالمَوَاشِي وَالمَعَادِنُ، وَالفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَةَ نَامِيَةٌ بِنَفْسِهَا وَبِهَذَا القَوْل قَال مَالكٌ قَال أَصْحَابُنَا: وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًا أَوْ مُؤَجَّلًا كَانَ مِنْ جِنْسِ المَال أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، هَذَا هُوَ المَذْهَبُ، وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ. وَقَال جَمَاعَةٌ مِنْ الخُرَاسَانِيِّينَ: القَوْلانِ إذَا كَانَ مَالهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، فَإِنْ خَالفَهُ وَجَبَتْ قَطْعًا وَليْسَ بِشَيْءٍ، فَالحَاصِل أَنَّ المَذْهَبَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ المَال بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا أَمْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ أَمْ غَيْرِهِ، قَال أَصْحَابُنَا: سَوَاءٌ دَيْنُ الآدَمِيِّ وَدَيْنُ اللهِ عَزَّ وَجَل، كَالزَّكَاةِ السَّابِقَةِ، وَالكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِهَا.
وَأَمَّا مَسْأَلةُ الحَجْرِ الذِي ذَكَرَهَا المُصَنِّفُ، قَال أَصْحَابُنَا: إذَا قُلنَا: الدَّيْنُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَأَحَاطَتْ بِرَجُلٍ دُيُونٌ، وَحَجَرَ عَليْهِ القَاضِي فَلهُ ثَلاثَةُ أَحْوَالٍ: أحدها: يُحْجَرُ وَيُفَرَّقُ مَالهُ بَيْنَ الفِرَقِ الغُرَمَاءِ، فَيَزُول مِلكُهُ وَلا زَكَاةَ والثاني: أَنْ يُعَيِّنَ لكُل غَرِيمٍ شَيْئًا مِنْ مِلكِهِ وَيُمَكِّنَهُمْ مِنْ أَخْذِهِ فَحَال

 

ج / 5 ص -227-       الحَوْل قَبْل أَخْذِهِ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لا زَكَاةَ أَيْضًا، وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ لضَعْفِ مِلكِهِ. وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ يَخْرُجُ عَلى الخِلافِ فِي المَغْصُوبِ، لأَنَّهُ حِيل بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَقَال القَفَّال: يَخْرُجُ عَلى الخِلافِ فِي اللقَطَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، لأَنَّهُمْ تَسَلطُوا عَلى إزَالةِ مِلكِهِ تَسَلطَ المُلتَقِطِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بِخِلافِ المَغْصُوبِ، وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ عَنْ الجُمْهُورِ وَالفَرْقُ أَنَّ تَسَلطَ الغُرَمَاءِ أَقْوَى مِنْ تَسَلطِ المُلتَقِطِ؛ لأَنَّهُمْ أَصْحَابُ حَقٍّ عَلى المَالكِ؛ وَلأَنَّهُمْ مُسَلطُونَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، فَكَانَ تَسْليطُهُمْ مُسْنَدَهُ ثُبُوتُ المَال فِي ذِمَّةِ المَالكِ، وَهُوَ أَقْوَى؛ بِدَليل أَنَّهُمْ إذَا قَبَضُوهُ لمْ يَرْجِعْ فِيهِ المُفْلسُ بِوَجْهٍ مَا، بِخِلافِ المُلتَقِطِ فَإِنَّ للمَالكِ إذَا رَجَعَ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِ اللقَطَةِ عَلى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ.
الحال الثاني: أَنْ لا يُفَرِّقَ مَالهُ وَلا يُعَيِّنُ لأَحَدٍ شَيْئًا، وَيَحُول الحَوْل فِي دَوَامِ الحَجْرِ، وَهَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ التِي أَرَادَهَا المُصَنِّفُ، وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ هُنَا ثَلاثَةُ طُرُقٍ ذَكَرَهَا المُصَنِّفُ بِدَلائِلهَا أصحها: أَنَّهُ عَلى الخِلافِ فِي المَغْصُوبِ، والثاني: القَطْعُ بِالوُجُوبِ، والثالث: القَطْعُ بِالوُجُوبِ فِي المَاشِيَةِ، وَفِي البَاقِي الخِلافُ كَالمَغْصُوبِ، وَاَللهُ أَعْلمُ.
إذَا ثَبَتَ هُنَا: فَقَدْ قَال الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي المُخْتَصَرِ: وَلوْ قَضَى عَليْهِ بِالدَّيْنِ وَجَعَل لهُمْ مَالهُ حَيْثُ وَجَدُوهُ قَبْل الحَوْل، ثُمَّ جَاءَ الحَوْل قَبْل أَنْ يَقْبِضَهُ الغُرَمَاءُ، لمْ يَكُنْ عَليْهِ زَكَاةٌ؛ لأَنَّهُ صَارَ لهُمْ دُونَهُ قَبْل الحَوْل، فَمِنْ الأَصْحَابِ مَنْ حَمَلهُ عَلى الحَالةِ الأُولى، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلهُ عَلى الثَّانِيَةِ. وَقَال الشَّافِعِيُّ فِي الحَالةِ الثَّانِيَةِ: وَللغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا الأَعْيَانَ التِي عَيَّنَهَا لهُمْ الحَاكِمُ حَيْثُ وَجَدُوهَا، فَاعْتَرَضَ الكَرْخِيُّ عَليْهِ وَقَال: أَبَاحَ الشَّافِعِيُّ لهُمْ نَهْبَ مَالهِ، فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ فَقَالوا: هَذَا الذِي تَوَهَّمَهُ الكَرْخِيُّ خَطَأٌ مِنْهُ، لأَنَّ الحَاكِمَ إذَا عَيَّنَ لكُل وَاحِدٍ عَيْنًا جَازَ لهُ أَخْذُهَا حَيْثُ وَجَدَهَا، لأَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِحَقٍّ وَاَللهُ أَعْلمُ.
فرع: قَال صَاحِبُ الحَاوِي وَآخَرُونَ مِنْ الأَصْحَابِ: إذَا أَقَرَّ قَبْل الحَجْرِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَليْهِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الغُرَمَاءُ ثَبَتَتْ، وَإِنْ كَذَّبُوهُ فَالقَوْل قَوْلهُ مَعَ يَمِينِهِ لأَنَّهُ أَمِينٌ، وَحِينَئِذٍ هَل تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ أَمْ الدَّيْنُ أَمْ يَسْتَوِيَانِ؟ فِيهِ الأَقْوَال الثَّلاثَةُ المَشْهُورَةُ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللهِ تَعَالى وَدَيْنِ الآدَمِيِّ، وَإِنْ أَقَرَّ الزَّكَاةَ بَعْدَ الحَجْرِ فَفِيهِ القَوْلانِ المَشْهُورَانِ فِي المَحْجُورِ عَليْهِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ بَعْدَ الحَجْرِ، هَل يَقْبَل فِي الحَال وَيُزَاحِمُ بِهِ الغُرَمَاءَ؟ أَمْ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ وَلا تَثْبُتُ مُزَاحَمَتُهُ؟.
فرع: إذَا قُلنَا: الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَسْتَوِي دَيْنُ اللهِ تَعَالى وَدَيْنُ الآدَمِيِّ، قَال أَصْحَابُنَا: فَلوْ مَلكَ نِصَابًا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ المَاشِيَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَنَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَذَا المَال أَوْ بِكَذَا مِنْ هَذَا المَال فَمَضَى الحَوْل قَبْل التَّصَدُّقِ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا القَطْعُ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ، لتَعَلقِ النَّذْرِ بِعَيْنِ المَال. والثاني: أَنَّهُ عَلى الخِلافِ فِي الدَّيْنِ، وَلوْ قَال: جَعَلت هَذَا المَال صَدَقَةً أَوْ هَذِهِ الأَغْنَامَ ضَحَايَا أَوْ للهِ عَلى أَنْ أُضَحِّي بِهَذِهِ الشَّاةِ، وَقُلنَا: يَتَعَيَّنُ التَّضْحِيَةُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لا زَكَاةَ قَطْعًا. وَطَرَدَ إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَبَعْضُهُمْ فِيهِ الخِلافَ. قَال الإِمَامُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لا زَكَاةَ لأَنَّ مَا جُعِل صَدَقَةً لا تَبْقَى فِيهِ حَقِيقَةُ مِلكٍ بِخِلافِ الصُّورَةِ السَّابِقَةِ، فَإِنَّهُ لمْ يَتَصَدَّقْ، وَإِنَّمَا التَزَمَ التَّصَدُّقَ، وَلوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِأَرْبَعِينَ

 

ج / 5 ص -228-       شَاةً أَوْ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلمْ يُضِفْ إلى دَرَاهِمِهِ وَشِيَاهِهِ فَهَذَا دَيْنُ نَذْرٍ فَإِنْ قُلنَا: دَيْنُ الآدَمِيِّ لا يَمْنَعُ فَهَذَا أَوْلى، وَإِلا فَوَجْهَانِ أصحهما: عِنْدَ إمَامِ الحَرَمَيْنِ لا يَمْنَعُ، لأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ لا مُطَالبَةَ بِهِ فِي الحَال فَهُوَ أَضْعَفُ، وَلأَنَّ النَّذْرَ يُشْبِهُ التَّبَرُّعَاتِ، فَإِنَّ النَّاذِرَ مُخَيَّرٌ فِي ابْتِدَاءِ نَذْرِهِ فَالوُجُوبُ بِهِ أَضْعَفُ، وَلوْ وَجَبَ عَليْهِ الحَجُّ، وَتَمَّ الحَوْل عَلى نِصَابٍ فِي مِلكِهِ قَال إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَالغَزَاليُّ: فِيهِ الخِلافُ المَذْكُورُ [فِي] مَسْأَلةِ النَّذْرِ قَبْلهُ، وَاَللهُ أَعْلمُ.
فرع: إذَا قُلنَا: الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فَفِي عِلتِهِ وَجْهَانِ أصحهما: وَأَشْهُرُهُمَا - وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أَوْ الأَكْثَرُونَ - ضَعْفُ المِلكِ لتَسَلطِ المُسْتَحِقِّ، والثاني: أَنَّ مُسْتَحِقَّ الدَّيْنِ تَلزَمُهُ الزَّكَاةُ، فَلوْ أَوْجَبْنَا عَلى المَدْيُونِ أَيْضًا لزِمَ مِنْهُ تَثْنِيَةُ الزَّكَاةِ فِي المَال الوَاحِدِ، وَفَرَّعَ أَصْحَابُنَا الخُرَاسَانِيُّونَ عَلى العِلتَيْنِ مَسَائِل:
 إحداها: لوْ كَانَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ مِمَّنْ لا زَكَاةَ عَليْهِ كَالذِّمِّيِّ وَالمُكَاتَبِ، فَعَلى الوَجْهِ الأَوَّل لا تَجِبُ وَعَلى الثَّانِي تَجِبُ لزَوَال العِلةِ الثَّانِيَةِ.
الثانية1 وَلوْ أَنْبَتَتْ أَرْضُهُ نِصَابًا مِنْ الحِنْطَةِ، وَعَليْهِ مِثْلهُ سَلمًا، أَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا بِأَنْ مَلكَ أَرْبَعِينَ شَاةً سَائِمَةً وَعَليْهِ أَرْبَعُونَ سَلمًا، فَعَلى الأَوَّل لا تَجِبُ، وَعَلى الثَّانِي تَجِبُ. الثالثة لوْ مَلكَ نِصَابًا. وَالدَّيْنُ الذِي عَليْهِ دُونَ نِصَابٍ، فَعَلى الأَوَّل لا تَجِبُ وَعَلى الثَّانِي تَجِبُ. قَال الرَّافِعِيُّ: كَذَا أَطْلقُوهُ، وَمُرَادُهُمْ إذَا لمْ يَمْلكْ صَاحِبُ الدَّيْنِ غَيْرَهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ فَلوْ مَلكَ مَا يُتِمُّ بِهِ النِّصَابَ لزِمَهُ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ هَذَا المَال. هَكَذَا رَتَّبَ هَذِهِ الصُّوَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الأَصْحَابِ، وَقَطَعَ الأَصْحَابُ، وَقَطَعَ الأَكْثَرُونَ فِيهَا بِمَا يَقْتَضِيهِ الأَوَّل، وَلوْ مَلكَ مَالًا لا زَكَاةَ فِيهِ كَعَقَارٍ وَغَيْرِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي النِّصَابِ الزَّكَوِيِّ عَلى هَذَا القَوْل أَيْضًا وَعَلى المَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّهَا لا تَجِبُ بِنَاءً عَلى عِلةِ التَّثْنِيَةِ حَكَاهُ إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ. وَلوْ زَادَ المَال الزَّكَوِيُّ عَلى الدَّيْنِ نُظِرَ إنْ كَانَ الفَاضِل نِصَابًا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَفِي البَاقِي القَوْلانِ. وَإِنْ كَانَ دُونَ نِصَابٍ لمْ تَجِبْ عَلى هَذَا القَوْل لا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَلا فِي الفَاضِل.
فرع: إذَا مَلكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فَاسْتَأْجَرَ مَنْ يَرْعَاهَا فَحَال حَوْلهَا فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ بِشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الأَرْبَعِينَ مُخْتَلطَة بِبَاقِيهَا وَجَبَتْ شَاةٌ، عَلى الرَّاعِي مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا وَالبَاقِي عَلى المُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً فَلا زَكَاةَ عَلى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ اسْتَأْجَرَهُ بِشَاةٍ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانَ للمُسْتَأْجِرِ مَالٌ آخَرُ غَيْرُهَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الأَرْبَعِينَ وَإِلا فَعَلى القَوْليْنِ فِي أَنَّ الدَّيْنَ هَل يَمْنَعُ وُجُوبَهَا؟.
فرع: مَلكَ نِصَابَيْنِ زكويين كَنِصَابِ بَقَرٍ وَنِصَابِ غَنَمٍ وَعَليْهِ دَيْنٌ فَإِنْ لمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ مَا يَمْلكُهُ قَال البَغَوِيّ: يُوَزِّعُ عَليْهِمَا فَإِنْ خَصَّ كُل وَاحِدٍ مَا يَنْقُصُ بِهِ عَنْ النِّصَابِ فَلا زَكَاةَ فِي وَاحِدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في ش و ق وط ذكر أحدها وبعدها الثالثة: وسقطت الثانية ونظر لأنه انتقل من استحقاق الدين ممن لا زكاة عليه إلى قوله: ولو أنبتت أرضه لذا رأينا أنها مسألة أخرى وسقط منها كلمة الثانيه) فأثبتناها (ط).

 

ج / 5 ص -229-       مِنْهُمَا عَلى قَوْلنَا: الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ وَقَال: أَبُو القَاسِمِ الكَرْخِيُّ بِالخَاءِ المُعْجَمَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ: يُرَاعَى الأَغْبَطُ للمَسَاكِينِ كَمَا أَنَّهُ لوْ مَلكَ مَالًا آخَرَ غَيْرَ زَكَوِيٍّ صَرَفْنَا الدَّيْنَ إليْهِ رِعَايَةً للفُقَرَاءِ، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ مِثْلهُ وَهُوَ الأَصَحُّ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ أَحَدِ المَاليْنِ فَإِنْ قُلنَا الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِيمَا هُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَالحُكْمُ كَمَا لوْ لمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ قُلنَا لا يُؤَثِّرُ فِي غَيْرِ الجِنْسِ اخْتَصَّ بِالجِنْسِ.
فرع: المَال الغَائِبُ، إنْ لمْ يَقْدِرْ عَليْهِ لانْقِطَاعِ الطَّرِيقِ أَوْ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ، فَكَالمَغْصُوبِ - وَقِيل: تَجِبُ الزَّكَاةُ قَطْعًا - وَلا يَجِبُ الإِخْرَاجُ بِالاتِّفَاقِ حَتَّى يَصِل إليْهِ، وَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَليْهِ وَجَبَ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ فِي الحَال وَيُخْرِجُهَا فِي بَلدِ المَال، وَإِنْ أَخْرَجَهَا فِي غَيْرِهِ فَفِيهِ خِلافٌ نَقَل الزَّكَاةَ المَذْكُورَةَ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ. هَذَا إذَا كَانَ المَال مُسْتَقِرًّا فِي بَلدٍ فَإِنْ كَانَ سَائِرًا لا يُخْرِجُ زَكَاتَهُ حَتَّى يَصِلهُ فَإِذَا وَصَلهُ زَكَّى مَا مَضَى بِالاتِّفَاقِ. وَقَدْ ذَكَرَ المُصَنِّفُ المَسْأَلةَ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَسَنُعِيدُهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى.
فرع: إذَا بَاعَ مَالًا زَكَوِيًّا قَبْل تَمَامِ الحَوْل بِشَرْطِ الخِيَارِ فَتَمَّ فِي مُدَّةِ الخِيَارِ، أَوْ اصْطَحَبَا فِي مُدَّةِ خِيَارِ المَجْلسِ فَتَمَّ فِيهَا الحَوْل، بُنِيَ عَلى أَنَّ مِلكَ المَبِيعِ فِي مُدَّةِ الخِيَارِ لمَنْ؟ فَإِنْ: قُلنَا للبَائِعِ فَعَليْهِ زَكَاتُهُ وَإِنْ قُلنَا للمُشْتَرِي فَلا زَكَاةَ عَلى البَائِعِ، وَيَبْتَدِئُ المُشْتَرِي حَوْلًا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ. وَإِنْ قُلنَا: مَوْقُوفٌ فَإِنْ تَمَّ البَيْعُ كَانَ للمُشْتَرِي وَإِلا فَللبَائِعِ وَحُكْمُ الحَاليْنِ مَا سَبَقَ. هَكَذَا ذَكَرَهُ الأَصْحَابُ وَلمْ يَتَعَرَّضُوا للبِنَاءِ المَذْكُورِ.
قَال: إمَامُ الحَرَمَيْنِ: إلا صَاحِبَ التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُ قَال: وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلى المُشْتَرِي يَخْرُجُ عَلى القَوْليْنِ فِي المَغْصُوبِ بَل أَوْلى لعَدَمِ اسْتِقْرَارِ المِلكِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الخِيَارُ لهُمَا أَمَّا إذَا كَانَ للمُشْتَرِي وَحْدَهُ، وَقُلنَا: المِلكُ لهُ فَمِلكُهُ مِلكُ زَكَاةٍ، بِلا خِلافٍ لكَمَال مِلكِهِ وَعَلى قِيَاسِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَجْرِي الخِلافُ فِي جَانِبِ البَائِعِ أَيْضًا إذَا قُلنَا المِلكُ لهُ وَكَانَ الخِيَارُ للمُشْتَرِي وَقَدْ حَكَى البَنْدَنِيجِيُّ طَرِيقَةَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ عَنْ بَعْضِ الأَصْحَابِ، قَال أَصْحَابُنَا: فَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلى البَائِعِ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ اسْتَقَرَّ البَيْعُ وَلا خِيَارَ للمُشْتَرِي وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ عَيْنِ المَبِيعِ بَطَل البَيْعُ فِي قَدْرِهَا، وَفِي البَاقِي خِلافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَإِنْ لمْ نُبْطِلهُ فَللمُشْتَرِي الخِيَارُ فِي فَسْخِ البَيْعِ وَاَللهُ أَعْلمُ.
فرع: إذَا أَحْرَزَ الغَانِمُونَ الغَنِيمَةَ فَيَنْبَغِي للإِمَامِ تَعْجِيل قِسْمَتِهَا وَيُكْرَهُ لهُ تَأْخِيرُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَقَدْ ذَكَرَ المُصَنِّف هَذَا فِي قَسْمِ الغَنِيمَةِ قَال: أَصْحَابُنَا: فَإِذَا قَسَمَ فَكُل مَنْ أَصَابَهُ مَالٌ زَكَوِيٌّ وَهُوَ نِصَابٌ أَوْ بَلغَ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ مِلكِهِ نِصَابًا ابْتَدَأَ حَوْلهُ مِنْ حِينَئِذٍ وَلوْ تَأَخَّرَتْ القِسْمَةُ بِعُذْرٍ أَوْ بِلا عُذْرٍ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ فَهَل تَجِبُ الزَّكَاةُ؟ يُنْظَرُ إنْ لمْ يَخْتَارُوا التَّمْليكَ فَلا زَكَاةَ لأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلوكَةٍ فَمِلكُهَا فِي نِهَايَةٍ مِنْ الضَّعْفِ يَسْقُطُ بِالإِعْرَاضِ وَللإِمَامِ فِي قِسْمَتِهَا أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ الأَنْوَاعِ، أَوْ بَعْضِ الأَعْيَانِ إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ وَلا يَجُوزُ هَذَا فِي سَائِرِ القَسْمِ إلا بِالتَّرَاضِي، وَإِنْ اخْتَارُوا التَّمَلكَ وَمَضَى حَوْلٌ مِنْ حِينِ وَقْتِ الاخْتِيَارِ نُظِرَ - إنْ كَانَتْ الغَنِيمَةُ أَصْنَافًا - فَلا زَكَاةَ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِهَا أَوْ

 

ج / 5 ص -230-       بَعْضِهَا؛ لأَنَّ كُل وَاحِدٍ لا يَدْرِي مَا يُصِيبُهُ وَكَمْ نَصِيبُهُ؟ وَإِنْ لمْ تَكُنْ إلا صِنْفٌ زَكَوِيٌّ وَبَلغَ نَصِيبُ كُل وَاحِدٍ نِصَابًا فَعَليْهِمْ الزَّكَاةُ وَإِنْ بَلغَ مَجْمُوعُ أَنْصِبَائِهِمْ نِصَابًا وَنَقَصَ نَصِيبُ كُل وَاحِدٍ عَنْ نِصَابٍ وَكَانَتْ مَاشِيَةً وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَهُمْ خُلطَاءُ وَكَذَا لوْ كَانَتْ غَيْرَ مَاشِيَةٍ وَأَثْبَتْنَا الخُلطَةَ فِيهِ. فَإِنْ كَانَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ نَاقِصَةً عَنْ النِّصَابِ وَلا تَبْلغُ نِصَابًا إلا بِالخُمْسِ فَلا زَكَاةَ عَليْهِمْ؛ لأَنَّ الخِلطَةَ مَعَ أَهْل الخُمْسِ لا تَثْبُتُ؛ لأَنَّهُ لا زَكَاةَ فِيهِ بِحَالٍ لكَوْنِهِ لغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَأَشْبَهَ مَال بَيْتِ المَال وَالمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ. هَذَا حُكْمُ الغَنِيمَةِ عَلى مَا ذَكَرَهُ الجُمْهُورُ مِنْ العِرَاقِيِّينَ وَالخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ المَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ قَطَعَ بِهِ البَغَوِيّ أَنَّهُ لا زَكَاةَ قَبْل إفْرَازِ الخُمْسِ بِحَالٍ، وَوَجْهُ أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حَال عَدَمِ اخْتِيَارِ التَّمَلكِ وَهُمَا شَاذَّانِ مَرْدُودَانِ.
قَال إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَالغَزَاليُّ: إنْ قُلنَا الغَنِيمَةُ لا تُمْلكُ قَبْل القِسْمَةِ فَلا زَكَاةَ، وَإِنْ قُلنَا: تُمْلكُ فَثَلاثَةُ أَوْجُهٍ: "أَحَدُهَا "لا زَكَاةَ لضَعْفِ المِلكِ، "وَالثَّانِي "تَجِبُ لوُجُودِ المِلكِ، "وَالثَّالثُ "إنْ كَانَ فِيهَا مَا ليْسَ زَكَوِيًّا فَلا زَكَاةَ وَإِلا وَجَبَتْ، وَالمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَا عَنْ الجُمْهُورِ وَاَللهُ أَعْلمُ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَلا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلا فِي السَّائِمَةِ مِنْ الإِبِل وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ، لمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ، وَفِيهِ : "فِي صَدَقَةِ الغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فِيهَا صَدَقَةٌ ", وَرَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال
{ : فِي الإِبِل السَّائِمَةِ فِي كُل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لبُونٍ} وَلأَنَّ العَوَامِل وَالمَعْلوفَةَ لا تُقْتَنَى للنَّمَاءِ فَلمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ، كَثِيَابِ البَدَنِ وَأَثَاثِ الدَّارِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ سَائِمَةٌ فَعَلفَهَا نَظَرْت - فَإِنْ كَانَ قَدْرًا يَبْقَى الحَيَوَانُ دُونَهُ - لمْ يُؤَثِّرْ، لأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْرًا لا يَبْقَى الحَيَوَانُ دُونَهُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ لأَنَّهُ لمْ يُوجَدْ تَكَامُل النَّمَاءِ بِالسَّوْمِ . وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ السَّائِمَةِ فَغَصَبَهُ غَاصِبٌ وَعَلفَهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ :
 أحدهما أَنَّهُ كَالمَغْصُوبِ الذِي لمْ يَعْلفْهُ الغَاصِبُ، فَيَكُونُ عَلى قَوْليْنِ، لأَنَّ فِعْل الغَاصِبِ لا حُكْمَ لهُ بِدَليل أَنَّهُ لوْ كَانَ لهُ ذَهَبٌ فَصَاغَهُ الغَاصِبُ حُليًّا لمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ عَنْهُ والثاني أَنَّهُ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ الصَّحِيحُ، لأَنَّهُ لمْ يُوجَدْ شَرْطُ الزَّكَاةِ وَهُوَ السَّوْمُ فِي جَمِيعِ الحَوْل، فَصَارَ كَمَا لوْ ذَبَحَ الغَاصِبُ شَيْئًا مِنْ النِّصَابِ، وَيُخَالفُ الصِّيَاغَةَ، فَإِنَّ صِيَاغَةَ الغَاصِبِ مُحَرَّمَةٌ فَلمْ يَكُنْ لهَا حُكْمٌ، وَعَلفُهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ فَثَبَتَ حُكْمُهُ كَعَلفِ المَالكِ . وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ المَعْلوفَةِ فَأَسَامَهَا الغَاصِبُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ : أحدهما أَنَّهَا كَالسَّائِمَةِ المَغْصُوبَةِ، وَفِيهَا قَوْلانِ لأَنَّ السَّوْمَ قَدْ وُجِدَ فِي حَوْلٍ كَامِلٍ وَلمْ يُفْقَدْ إلا قَصْدُ المَالكِ، وَقَصْدُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِدَليل أَنَّهُ لوْ كَانَ لهُ طَعَامٌ فَزَرَعَهُ الغَاصِبُ وَجَبَ فِيهِ العُشْرُ، وَإِنْ لمْ يَقْصِدْ المَالكُ إلى زِرَاعَتِهِ، والثاني لا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا لأَنَّهُ لمْ يَقْصِدْ إلى إسَامَتِهِ فَلمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، كَمَا لوْ رَتَعَتْ المَاشِيَةُ لنَفْسِهَا، وَيُخَالفُ الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لا يُعْتَبَرُ فِي زِرَاعَتِهِ القَصْدُ، وَلهَذَا لوْ تَبَدَّدَ لهُ طَعَامٌ فَنَبَتَ وَجَبَ فِيهِ العُشْرُ وَالسَّوْمُ يُعْتَبَرُ فِيهِ القَصْدُ، وَلهَذَا لوْ رَتَعَتْ المَاشِيَةُ لنَفْسِهَا لمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ" .
الشرح:
حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ يَشْتَمِل عَلى مُعْظَمِ أَحْكَامِ زَكَاةِ المَوَاشِي، وَلفْظُ رِوَايَةِ البُخَارِيِّ: "وَصَدَقَةُ الغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلى

 

ج / 5 ص -231-       عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ"وَفِي رِوَايَةٍ لأَبِي دَاوُد "وَفِي سَائِمَةِ الغَنَمِ إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ"وَقَدْ فَرَّقَ المُصَنِّفُ هَذَا الحَدِيثَ فِي الكِتَابِ فَذَكَرَ فِي كُل مَوْطِنٍ قِطْعَةً مِنْهُ، وَكَذَا فَرَّقَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ مِثْل هَذَا التَّفْرِيقِ جَائِزٌ عَلى المَذْهَبِ الصَّحِيحِ، وَهَذَا المَفْهُومُ الذِي فِي التَّقْيِيدِ بِالسَّائِمَةِ حُجَّةٌ عِنْدَنَا، وَالسَّائِمَةُ هِيَ التِي تَرْعَى وَليْسَتْ مَعْلوفَةً، وَالسَّوْمُ الرَّعْيُ، وَيُقَال: سَامَتْ المَاشِيَةُ تَسُومُ سَوْمًا، وَأَسَمْتُهَا أَيْ أَخْرَجْتهَا إلى المَرْعَى. وَلفْظُ السَّائِمَةِ يَقَعُ عَلى الشَّاةِ الوَاحِدَةِ، وَعَلى الشِّيَاهِ الكَثِيرَةِ. وَحَدِيثُ بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ البَابِ الذِي قَبْل هَذَا، وَكَأَنَّ المُصَنِّفَ أَرَادَ بِذِكْرِ حَدِيثِ بَهْزَ بَعْدَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه بَيَانَ أَنَّ سَائِمَةَ الإِبِل وَرَدَ فِيهَا نَصٌّ لأَنَّ الأَوَّل ليْسَ فِيهِ ذِكْرُ السَّوْمِ فِي الإِبِل، ثُمَّ إنَّ البَقَرَ مُلحَقَةٌ بِالغَنَمِ وَالإِبِل إذْ لا فَرْقَ، وَاَللهُ أَعْلمُ.
أَمَّا أَحْكَامُ الفَصْل: فَفِيهِ مَسَائِل:
إحداها: لا تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَنَا فِي المَاشِيَةِ إلا بِشَرْطِ كَوْنِهَا سَائِمَةً. فَإِنْ عُلفَتْ فِي مُعْظَمِ الحَوْل ليْلًا وَنَهَارًا فَلا زَكَاةَ بِلا خِلافٍ وَإِنْ عُلفَتْ قَدْرًا يَسِيرًا بِحَيْثُ لا يَتَمَوَّل فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ: الأَرْبَعَةُ الأُولى حَكَاهَا إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أصحها: وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَالصَّيْدَلانِيُّ وَكَثِيرُونَ مِنْ الأَصْحَابِ: إنْ عُلفَتْ قَدْرًا تَعِيشُ بِدُونِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاة. وَإِنْ كَانَ قَدْرًا لا يَبْقَى الحَيَوَانُ دُونَهُ لمْ تَجِبْ. قَالوا: وَالمَاشِيَةُ تَصْبِرُ اليَوْمَيْنِ وَلا تَصْبِرُ الثَّلاثَةَ. هَكَذَا ضَبَطَهُ صَاحِبُ الشَّامِل وَآخَرُونَ. قَال إمَامُ الحَرَمَيْنِ: وَلا يَبْعُدُ أَنْ يَلحَقَ الضَّرَرُ البَيِّنُ بِالهَلاكِ عَلى هَذَا الوَجْهِ. والوجه الثاني مِنْ الخَمْسَةِ إنْ عُلفَتْ قَدْرًا يُعَدُّ مُؤْنَةٌ بِالإِضَافَةِ إلى رِفْقِ المَاشِيَةِ فَلا زَكَاةَ، وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا بِالنِّسْبَةِ إليْهِ وَجَبَتْ، وَقِيل: إنَّ هَذَا الوَجْهَ رَجَعَ إليْهِ أَبُو إِسْحَاقَ المَرْوَزِيُّ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَعْتَبِرُ الأَغْلبَ. قَال الرَّافِعِيُّ: فَسَّرَ الرِّفْقَ بَدَنَهَا وَنَسْلهَا وَأَصْوَافَهَا وَأَوْبَارَهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَال المُرَادُ رِفْقُ إسَامَتِهَا. وَالوَجْهُ الثَّالثُ: لا يُؤَثِّرُ العَلفُ وَتَسْقُطُ بِهِ الزَّكَاةُ إلا إذَا زَادَ نِصْفَ السَّنَةِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي عَليِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ القَوْليْنِ فِي المَسْقِيِّ بِمَاءِ السَّمَاءِ، وَالنَّضْحِ عَلى قَوْل اعْتِبَارِ الغَالبِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ. وَقَال إمَامُ الحَرَمَيْنِ: عَلى هَذَا لوْ اسْتَوَيَا فَفِيهِ تَرَدُّدٌ، وَالظَّاهِرُ السُّقُوطُ، وَالمَشْهُورُ الجَزْمُ بِالسُّقُوطِ عَلى هَذَا الوَجْهِ إذَا تَسَاوَيَا، وَالرَّابِعُ: كُل مُتَمَوَّلٍ مِنْ العَلفِ وَإِنْ قَل يُسْقِطُ الزَّكَاةَ فَإِنْ أُسِيمَتْ بَعْدَهُ اسْتَأْنَفَ الحَوْل، وَالخَامِسُ: حَكَاهُ البَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِل أَنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ العَلفِ بِأَنْ يَنْوِي عَلفَهَا وَيَعْلفَهَا وَلوْ مَرَّةً وَاحِدَةً. قَال الرَّافِعِيُّ: لعَل الأَقْرَبَ تَخْصِيصُ هَذَا الوَجْهِ بِمَا إذَا لمْ يَقْصِدْ بِعَلفِهِ شَيْئًا، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ السَّوْمِ انْقَطَعَ الحَوْل لا مَحَالةَ، كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ العُدَّةِ أَبُو المَكَارِمِ وَغَيْرِهِ وَلا أَثَرَ لمُجَرَّدِ نِيَّةِ العَلفِ، وَلوْ أُسِيمَتْ فِي كَلأٍ مَمْلوكٍ فَهَل هِيَ سَائِمَةٌ أَوْ مَعْلوفَةٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ البَيَانِ أَصَحُّهُمَا:1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بياض الأصل فليحرر ش قلت: ولعل السقط سائمة لأن سومها في كلا مملوك لا يلحقها بالمعلوفة ولا يسقط الزكاة ولن الكلأ لوملكه الناس وأبطلنا السوم لتعطلت فريضة الزكاة والله أعلم (ط).

 

ج / 5 ص -232-       المسألة الثانية: السَّائِمَةُ إذَا كَانَتْ عَامِلةً كَالإِبِل التِي يُحْمَل عَليْهَا أَوْ كَانَتْ نَوَاضِحَ، وَالبَقَرُ التِي يُحْرَثُ عَليْهَا فَفِيهَا وَجْهَانِ الصَّحِيحُ: وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَالجُمْهُورُ: لا زَكَاةَ فِيهَا لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ1، والثاني: تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ مُخْتَصَرِ المُخْتَصَرِ كَغَيْرِ العَوَامِل لوُجُودِ السَّوْمِ، وَكَوْنُهَا عَامِلةً زِيَادَةُ انْتِفَاعٍ لا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ، بَل هِيَ أَوْلى بِالوُجُوبِ، وَالمَذْهَبُ الأَوَّل، وَاَللهُ أَعْلمُ.
المسألة الثالثة: هَل يُعْتَبَرُ القَصْدُ فِي العَلفِ وَالسَّوْمِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبٍ وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ العِرَاقِيِّينَ، يَخْتَلفُ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا بِاخْتِلافِ الصُّوَرِ المُفَرَّعَةِ عَليْهِمَا مِنْهَا أَنَّهَا لوْ اعْتَلفَتْ السَّائِمَةُ بِنَفْسِهَا القَدْرَ المُؤَثِّرَ فَفِي انْقِطَاعِ الحَوْل وَجْهَانِ: أصحهما: وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَالأَكْثَرُونَ الانْقِطَاعُ لفَوَاتِ شَرْطِ السَّوْمِ، فَأَشْبَهَ فَوَاتَ سَائِرِ شُرُوطِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ فَوْتِهَا قَصْدًا أَوْ اتِّفَاقًا، وَلوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا فَطَرِيقَانِ أصحهما: أَنَّهَا عَلى الوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا لا زَكَاةَ والثاني: تَجِبُ والطريق الثاني لا تَجِبُ قَطْعًا، وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَآخَرُونَ لعَدَمِ الفِعْل وَلوْ أَسَامَهَا بِلا نِيَّةٍ فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لظَوَاهِرِ الأَحَادِيثِ وَحُصُول الرِّفْقِ مَعَ فِعْلهِ، وَلوْ عَلفَهَا لامْتِنَاعِ الرَّعْيِ بِالثَّلجِ وَقَصَدَ رَدَّهَا إلى الإِسَامَةِ عِنْدَ الإِمْكَانِ فَوَجْهَانِ أصحهما: يَنْقَطِعُ الحَوْل لفَوَاتِ الشَّرْطِ والثاني: لا، كَمَا لوْ لبِسَ ثَوْبَ تِجَارَةٍ بِغَيْرِ نِيَّةِ القَنِيَّةِ فَإِنَّهُ لا تَسْقُطُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِالاتِّفَاقِ.
الرَّابِعَةُ: لوْ غَصَبَ سَائِمَةً فَعَلفَهَا فَإِنْ قُلنَا لا زَكَاةَ فِي المَغْصُوبِ فَهُنَا أَوْلى، وَإِلا فَثَلاثَةُ أَوْجُهٍ، الصَّحِيحُ عِنْدَ المُصَنِّفِ وَالجُمْهُورِ لا زَكَاةَ لفَوَاتِ الشَّرْطِ، والثاني: تَجِبُ عَلى المَالكِ لأَنَّ فِعْلهُ كَالعَدَمِ، والثالث: إنْ عَلفَهَا بِعَلفٍ مِنْ مَالهِ وَجَبَتْ وَإِلا فَلا. وَلوْ غَصَبَ مَعْلوفَةً وَأَسَامَهَا فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ أصحهما: عِنْدَ الأَصْحَابِ لا زَكَاةَ. قَوْلًا وَاحِدًا لعَدَمِ فِعْلهِ فَصَارَ كَمَا لوْ رَتَعَتْ بِنَفْسِهَا، والثاني: أَنَّهُ عَلى القَوْليْنِ فِي المَغْصُوبَةِ، كَمَا لوْ غَصَبَ حِنْطَةً وَبَذَرَهَا يَجِبُ العُشْرُ فِيمَا تُنْبِتُ بِلا خِلافٍ، فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا فَهَل تَجِبُ عَلى الغَاصِبِ لأَنَّهَا مُؤْنَةٌ وَجَبَتْ بِفِعْلهِ أَمْ عَلى المَالكِ لأَنَّ نَفْعَ خِفَّةِ المُؤْنَةِ عَائِدٌ إليْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا البَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ قُلنَا: عَنْ المَالكِ فَفِي رُجُوعِهِ بِهَا عَلى الغَاصِبِ طَرِيقَانِ. أحدهما: القَطْعُ بِالرُّجُوعِ، وَبِهِ قَطَعَ المُتَوَلي وَغَيْرُهُ، لأَنَّ وُجُوبَهَا كَانَ بِفِعْلهِ وَأَشْهُرُهُمَا عَلى وَجْهَيْنِ أصحهما: الرُّجُوعُ والثاني: عَدَمُهُ، فَإِنْ قُلنَا يَرْجِعُ فَهَل يَرْجِعُ قَبْل إخْرَاجِ الزَّكَاةِ أَمْ بَعْدَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أصحهما: بَعْدَهُ، وَاسْتَبْعَدَ الرَّافِعِيُّ إيجَابَ الزَّكَاةِ عَلى الغَاصِبِ ابْتِدَاءً،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال محمد نجيب المطيعي: رأيت في طبقات ابن السبكي عن شيخه تقي الدين أبي الفتح السبكي: رأيت في القطعة التي عملها شيخنا تقي أبو الفتح شرحا على "التنبيه" في باب الزكاة أن السائمة إذا كانت عاملة فالذي يظهر عنده ما صححه البغوي من وجوب الزكاة فيها بحصول الرفق بلأسامة وزيادة فائدة الاستعمال؛ خلافا للرافعي والنووي, حيث صححا أنه لازكاة فيها. ثم تكلم أبو الفتح على مارواه الدارقطني من حديث علي رضي الله عنه مرفوعا: (ليس في العوامل الصدقة) وضعفه وأجاد في "تعليله", قال: والذي عمله أبو الفتح من" شرح التنبيه" حسنا حافل جامع مع غاية الاختصار, فقد أكثر فيه النقل عن الشيخ الوالد وزينه بمحاسن شرح المنهاج الخ.

 

ج / 5 ص -233-       لكَوْنِهِ غَيْرَ مَالكٍ. قَال: وَالجَارِي عَلى قِيَاسِ المَذْهَبِ أَنَّ الزَّكَاةَ إنْ أُوجِبَتْ كَانَتْ عَلى المَالكِ، ثُمَّ يَغْرَمُ لهُ الغَاصِبُ، وَاَللهُ أَعْلمُ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَلا تَجِبُ إلا فِي نِصَابٍ، لأَنَّ الأَخْبَارَ وَرَدَتْ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي النُّصُبِ عَلى مَا نَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى؛ فَدَل عَلى أَنَّهَا لا تَجِبُ فِيمَا دُونَهَا؛ وَلأَنَّ مَا دُونَ النِّصَابِ لا يَحْتَمِل المُوَاسَاةَ فَلمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَهَلكَ مِنْهَا وَاحِدٌ أَوْ بَاعَهُ انْقَطَعَ الحَوْل، فَإِنْ نُتِجَ لهُ وَاحِدٌ أَوْ رَجَعَ إليْهِ مَا بَاعَهُ اسْتَأْنَفَ الحَوْل. وَإِنْ نُتِجَتْ وَاحِدَةٌ ثُمَّ هَلكَتْ وَاحِدَةٌ لمْ يَنْقَطِعْ الحَوْل، لأَنَّ الحَوْل لمْ يَخْل مِنْ نِصَابٍ. وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ الحَمْل مِنْ الجَوْفِ ثُمَّ هَلكَ وَاحِدٌ مِنْ النِّصَابِ قَبْل انْفِصَال البَاقِي انْقَطَعَ الحَوْل، لأَنَّ مَا لمْ يَخْرُجْ لجَمِيعٍ لا حُكْمَ لهُ؛ فَيَصِيرُ كَمَا لوْ هَلكَ وَاحِدٌ ثُمَّ نُتِجَ وَاحِدٌ".
الشرح:
قَوْلهُ "نُتِجَ"بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ التَّاءِ وَمَعْنَاهُ وُلدَ، وَاتَّفَقَ الأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ العُلمَاءِ عَلى أَنَّ الزَّكَاةَ فِي المَوَاشِي لا تَجِبُ فِيمَا دُونَ نِصَابٍ، وَنَقَل ابْنُ المُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الإِجْمَاعَ فِيهِ، وَدَليلهُ مَعَ الإِجْمَاعِ مَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ. وَإِنْ نَقَصَ مِنْ النِّصَابِ وَاحِدٌ قَبْل الحَوْل فَزَال مِلكُهُ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلكَ انْقَطَعَ لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ، فَإِنْ نُتِجَ لهُ وَاحِدٌ أَوْ عَادَ مِلكُهُ فِيمَا زَال عَنْهُ فِي الحَال اسْتَأْنَفَ الحَوْل بِلا خِلافٍ، وَإِنْ نُتِجَتْ ثُمَّ هَلكَتْ أُخْرَى لمْ يَنْقَطِعْ الحَوْل لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ، وَلوْ وُلدَتْ وَاحِدَةٌ وَهَلكَتْ أُخْرَى مِنْ النِّصَابِ فِي حَالةٍ وَاحِدَةٍ لمْ يَنْقَطِعْ الحَوْل بِالاتِّفَاقِ، لأَنَّهُ لمْ يَخْل مِنْ نِصَابٍ. وَلوْ شَكَّ هَل كَانَ التَّلفُ وَالوِلادَةُ فِي حَالةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ سَبَقَ التَّلفُ؟ لمْ يَنْقَطِعْ الحَوْل لأَنَّ الأَصْل بَقَاءُ المِلكِ وَبَقَاءُ الحَوْل، صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ البَيَانِ وَغَيْرُهُ، وَكَانَ يَحْتَمِل أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ خِلافٌ مِنْ تَعَارُضِ الأَصْليْنِ، فَإِنَّ الأَصْل أَيْضًا بَرَاءَتُهُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلوْ اخْتَلفَ السَّاعِي وَالمَالكُ، فَقَال المَالكُ: هَذَا النِّتَاجُ بَعْدَ الحَوْل، وَقَال السَّاعِي قَبْلهُ، أَوْ قَال حَصَل مِنْ نَفْسِ النِّصَابِ. وَقَال المَالكُ: بَل بِسَبَبٍ مُسْتَقِلٍّ فَالقَوْل قَوْل المَالكِ لأَنَّ الأَصْل بَرَاءَتُهُ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلفَهُ، وَهَل اليَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ أَمْ وَاجِبَةٌ؟ فِيهِ الخِلافُ، ذَكَرَ المُصَنِّفُ نَظَائِرَهُ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ وَسَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى.
قَال أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللهُ تَعَالى: وَالاعْتِبَارُ فِي النِّتَاجِ بِالانْفِصَال، فَلوْ خَرَجَ بَعْضُ الجَنِينِ ثُمَّ الحَوْل قَبْل انْفِصَالهِ فَلا حُكْمَ لهُ، لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَلا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ حَتَّى يَحُول عَليْهِ الحَوْل، لأَنَّهُ رُوِيَ ذَلكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ وَعَليٍّ رضي الله عنهم، وَهُوَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ المَدِينَةِ وَعُلمَاءِ الأَمْصَارِ، وَلأَنَّهُ لا يَتَكَامَل نَمَاؤُهُ قَبْل الحَوْل فَلا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ بَاعَ النِّصَابَ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل أَوْ بَادَل بِهِ نِصَابًا آخَرَ انْقَطَعَ الحَوْل فِيمَا بَاعَ، وَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل فَفِيهِ قولان: أحدهما: يَنْقَطِعُ الحَوْل لأَنَّهُ زَال مِلكُهُ عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لوْ بَاعَهُ. والثاني: لا يَنْقَطِعُ، بَل يَبْنِي الوَارِثُ عَلى حَوْلهِ، لأَنَّ مِلكَ الوَارِثِ مَبْنِيٌّ عَلى مِلكِ المُوَرِّثِ، وَلهَذَا لوْ ابْتَاعَ شَيْئًا مَعِيبًا فَلمْ يُرَدَّ حَتَّى مَاتَ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الرَّدِّ بِالعَيْبِ".

 

ج / 5 ص -234-       الشرح: هَذَا المَذْكُورُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ وَعَليٍّ رضي الله عنهم صَحِيحٌ عَنْهُمْ، رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَليٍّ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: "لا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُول عَليْهِ الحَوْل"وَإِنَّمَا لمْ يَحْتَجَّ المُصَنِّفُ بِالحَدِيثِ لأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فَاقْتَصَرَ عَلى الآثَارِ المُفَسِّرَةِ. قَال البَيْهَقِيُّ: الاعْتِمَادُ فِي اشْتِرَاطِ الحَوْل عَلى الآثَارِ الصَّحِيحَةِ، فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم، قَال العَبْدَرِيُّ: أَمْوَال الزَّكَاةِ ضَرْبَانِ. أحدهما: مَا هُوَ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ كَالحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، فَهَذَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ لوُجُودِهِ والثاني: مَا هُوَ مَرْصَدٌ للنَّمَاءِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالمَاشِيَةِ فَهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الحَوْل فَلا زَكَاةَ فِي نِصَابِهِ حَتَّى يَحُول عَليْهِ الحَوْل، وَبِهِ قَال الفُقَهَاءُ كَافَّةً، قَال: وَقَال ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ يَوْمَ مَلكَ النِّصَابَ، قَال: فَإِذَا حَال الحَوْل وَجَبَتْ زَكَاةٌ ثَانِيَةٌ وَاَللهُ أَعْلمُ.
وَأَمَّا قَوْل المُصَنِّفِ: وَإِنْ بَاعَ النِّصَابَ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل أَوْ بَادَل بِهِ انْقَطَعَ الحَوْل فِيمَا بَاعَ، هَكَذَا هُوَ فِي كُل النُّسَخِ: (انْقَطَعَ الحَوْل فِيمَا بَاعَ) وَهُوَ نَاقِصٌ، وَمُرَادُهُ انْقَطَعَ الحَوْل فِيمَا بَاعَ وَفِيمَا بَادَل بِهِ، وَلا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِلا خِلافٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالأَصْحَابِ عَلى أَنَّ بَقَاءَ المَاشِيَةِ فِي مِلكِهِ حَوْلًا كَامِلًا شَرْطُ الزَّكَاةِ، فَلوْ زَال المِلكُ فِي لحْظَةٍ مِنْ الحَوْل ثُمَّ عَادَ انْقَطَعَ الحَوْل، وَاسْتَأْنَفَ الحَوْل مِنْ حِينِ يُجَدِّدُ المِلكَ، وَلوْ بَادَل بِمَاشِيَتِهِ مَاشِيَةً مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ اسْتَأْنَفَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الحَوْل عَلى مَا أَخَذَهُ مِنْ حِينِ المُبَادَلةِ، وَكَذَا لوْ بَادَل الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةَ بِالفِضَّةِ اسْتَأْنَفَ الحَوْل إنْ لمْ يَكُنْ صَيْرَفِيًّا يُبَدِّلهَا للتِّجَارَةِ، وَكَذَا إنْ كَانَ صَيْرَفِيًّا عَلى الأَصَحِّ. وَقَدْ ذَكَرَ المُصَنِّفُ المَسْأَلةَ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَسَنُوَضِّحُهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى. هَذَا كُلهُ فِي المُبَادَلةِ الصَّحِيحَةِ أَمَّا الفَاسِدَةُ فَلا يَنْقَطِعُ الحَوْل، سَوَاءٌ اتَّصَل بِالقَبْضِ أَمْ لا، لأَنَّ المِلكَ بَاقٍ. فَلوْ كَانَتْ سَائِمَةً وَعَلفَهَا المُشْتَرِي. قَال البَغَوِيّ: هُوَ كَعَلفِ الغَاصِبِ. وَفِي قَطْعِ الحَوْل الوَجْهَانِ الأصح يُقْطَعُ: قَال ابْنُ كَجٍّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يُقْطَعُ قَوْلًا وَاحِدًا لأَنَّهُ مَأْذُونٌ لهُ. فَهُوَ كَالوَكِيل بِخِلافِ الغَاصِبِ وَلوْ بَاعَ مَعْلوفَةً بَيْعًا فَاسِدًا فَأَسَامَهَا المُشْتَرِي فَهُوَ كَإِسَامَةِ الغَاصِبِ.
أَمَّا) إذَا بَاعَ النِّصَابَ أَوْ بَادَل بِهِ قَبْل تَمَامِ الحَوْل - وَوَجَدَ المُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا - فَيَنْظُرُ إنْ لمْ يَمْضِ عَليْهِ حَوْلٌ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ. فَلهُ الرَّدُّ بِالعَيْبِ. فَإِذَا رَدَّ اسْتَأْنَفَ المَرْدُودُ عَليْهِ الحَوْل مِنْ حِينِ الرَّدِّ، سَوَاءٌ رَدَّ قَبْل القَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ. % وَإِنْ مَضَى حَوْلٌ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ، وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ نُظِرَ - إنْ لمْ يُخْرِجْهَا بَعْدُ - فَليْسَ لهُ الرَّدُّ، سَوَاءٌ قُلنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلقُ بِالعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ، لأَنَّ للسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ مِنْ عَيْنِهَا لوْ تَعَذَّرَ أَخْذُهَا مِنْ المُشْتَرِي. وَهَذَا عَيْبٌ حَادِثٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَلا يَبْطُل حَقُّ الرَّدِّ بِالتَّأْخِيرِ إلى أَدَاءِ الزَّكَاةِ، لأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْهُ قَبْلهُ، وَإِنَّمَا يَبْطُل الرَّدُّ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ. قَال أَصْحَابُنَا: وَلا فَرْقَ فِي ذَلكَ بَيْنَ عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالمَاشِيَةِ التِي تَجِبُ زَكَاتُهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا. وَهِيَ الإِبِل، مَا لمْ تَبْلغْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ. وَبَيْنَ سَائِرِ الأَمْوَال. وَفِي كَلامِ ابْنِ الحَدَّادِ تَجْوِيزُ الرَّدِّ قَبْل إخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَغَلطُوهُ فِيهِ، قَال الرَّافِعِيُّ: وَأَثْبَتَهُ الأَصْحَابُ وَجْهًا.
وَإِنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ نُظِرَ - إنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ - بَنَى جَوَازَ الرَّدِّ عَلى أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلقُ بِالعَيْنِ

 

ج / 5 ص -235-       أَمْ بِالذِّمَّةِ، فَإِنْ قُلنَا: بِالذِّمَّةِ؛ وَالمَال مَرْهُونٌ بِهِ فَلهُ الرَّدُّ كَمَا لوْ رَهَنَ مَا اشْتَرَاهُ ثُمَّ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا. وَإِنْ قُلنَا: إنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلقُ بِالعَيْنِ - وَالمَسَاكِينُ شُرَكَاءُ - فَهَل لهُ الرَّدُّ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ: أحدهما: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي عَليٍّ السِّنْجِيِّ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الخُرَاسَانِيِّينَ: لهُ الرَّدُّ. والثاني: وَبِهِ قَطَعَ العِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ عَلى وَجْهَيْنِ أصحهما: لهُ الرَّدُّ. وَهُمَا كَمَا لوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَبَاعَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ بِعَيْبِهِ. ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ وَرِثَهُ هَل لهُ رَدُّهُ؟ وَسَيَأْتِي فِيهِ خِلافٌ فِي كِتَابِ البُيُوعِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى.
وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ ليْسَ لهُ الرَّدُّ عَلى غَيْرِ قَوْل الشَّرِكَةِ أَيْضًا، لأَنَّ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْ يَظْهَرُ مُسْتَحَقًّا فَيَأْخُذُ السَّاعِي مِنْ نَفْسِ النِّصَابِ. قَال: وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الوَجْهَ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ وَجَعَل الزَّائِدَ عَلى قَوْليْ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَهَذَا الوَجْهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَإِنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ نَفْسِ المَال فَإِنْ كَانَ الوَاجِبُ مِنْ جِنْسِ المَال أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَبَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ فَهَل لهُ الرَّدُّ؟ فِيهِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ.
أَحَدُهَا: وَهُوَ المَنْصُوصُ فِي الزَّكَاةِ ليْسَ لهُ الرَّدُّ. وَهَذَا إذَا لمْ نُجَوِّزْ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَعَلى هَذَا هَل يَرْجِعُ بِالأَرْشِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أحدهما: لا يَرْجِعُ إنْ كَانَ المُخْرَجُ فِي يَدِ المَسَاكِينِ، لأَنَّهُ قَدْ يَعُودُ إلى مِلكِهِ فَيَرُدُّ الجَمِيعَ. وَإِنْ كَانَ تَالفًا رَجَعَ بِهِ، والثاني: يَرْجِعُ مُطْلقًا وَهُوَ الأَصَحُّ وَظَاهِرُ النَّصِّ، لأَنَّ نُقْصَانَهُ كَعَيْبٍ حَدَثَ. وَلوْ حَدَثَ عَيْبٌ رَجَعَ بِالأَرْشِ وَلمْ يَنْتَظِرْ زَوَال العَيْبِ.
وَالقَوْل الثَّانِي: يَرُدُّ البَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَهَذَا إذَا جَوَّزْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ.
وَالقَوْل الثَّالثُ: يَرُدُّ البَاقِي، وَقِيمَةَ المُخْرَجِ فِي الزَّكَاةِ. وَيَسْتَرِدُّ كُل الثَّمَنِ ليَحْصُل بِهِ غَرَضُ الرَّدِّ وَلا تَتَبَعَّضُ الصَّفْقَةُ. وَلوْ اخْتَلفَا فِي قِيمَةِ المُخْرَجِ عَلى هَذَا القَوْل فَقَال البَائِعُ: دِينَارَانِ وَقَال المُشْتَرِي: دِينَارٌ فَقَوْلانِ وَقِيل: وَجْهَانِ. أحدهما: القَوْل قَوْل المُشْتَرِي؛ لأَنَّهُ غَارِمٌ، والثاني: قَوْل البَائِعِ لأَنَّ مِلكَهُ ثَابِتٌ عَلى الثَّمَنِ. وَلا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ إلا مَا أَقَرَّ بِهِ. وَحُكْمُ الإِقَالةِ حُكْمُ الرَّدِّ بِالعَيْبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ، (أَمَّا) إذَا بَاعَ النِّصَابَ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل بِشَرْطِ الخِيَارِ وَفَسْخِ البَيْعِ. فَإِنْ قُلنَا المِلكُ فِي زَمَنِ الخِيَارِ للبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ، بُنِيَ عَلى حَوْلهِ. وَإِنْ قُلنَا: للمُشْتَرِي اسْتَأْنَفَ البَائِعُ الحَوْل بَعْدَ الفَسْخِ، وَاَللهُ أَعْلمُ.
فرع: إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل1 وَانْتَقَل المَال إلى وَارِثِهِ هَل يُبْنَى عَلى الحَوْل؟ فِيهِ القَوْلانِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نقل ابن الرافعة في كتاب "الحج" من الكفاية عن الإبانة للفوراني حكاية قول: إن مات وعليه حج وكان قد تمكن من فعله لايحج عنه الا إذا كان قد وصى به كمذهب أبي حنيفة. وقال القاضي حسين تفريعا عليه: إنه يعتبر من الثلث ثم قال: وهكذا إذا مات وعليه زكاة منهم من يجعل من إخراجها بغير وصية قولين, قلت وقد رأيت الإبانة وقد حكى فيها القول في الحج ولم أره حكى جريانه في الزكاة, هكذا أفادة التاج في الطبقات الكبرى (ط).

 

ج / 5 ص -236-       اللذَانِ ذَكَرَهُمَا المُصَنِّفُ. وَهُمَا مَشْهُورَانِ أصحهما: بِاتِّفَاقِهِمْ لا يُبْنَى بَل يَسْتَأْنِفُ حَوْلًا مِنْ حِينِ انْتَقَل إليْهِ المِلكُ. وَهَذَا نَصُّهُ فِي الجَدِيدِ وَالثَّانِي: وَهُوَ القَدِيمُ أَنَّهُ يُبْنَى عَلى حَوْل المَيِّتِ؛ لأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الرَّدِّ بِالعَيْبِ وَغَيْرِهِ. وَاحْتَجُّوا للجَدِيدِ بِأَنَّهُ زَال مِلكُهُ كَمَا لوْ بَاعَهُ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّدِّ بِالعَيْبِ بِأَنَّ الرَّدَّ حَقٌّ للمَال، فَانْتَقَل إلى صَاحِبِ المَال. وَالزَّكَاةُ حَقٌّ فِي المَال. وَحَكَى الرَّافِعِيُّ طَرِيقًا آخَرَ قَاطِعًا بِأَنَّهُ لا يُبْنَى، وَأَنْكَرُوا القَدِيمَ، وَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لا يُبْنَى فَعَلى هَذَا إنْ كَانَ المَوْرُوثُ مَال تِجَارَةٍ لمْ يَنْعَقِدْ الحَوْل عَليْهِ حَتَّى يَتَصَرَّفَ الوَارِثُ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ: وَإِنْ كَانَ سَائِمَةً، وَلمْ يَعْلمْ الوَارِثُ الحَال حَتَّى حَال الحَوْل، فَهَل يَلزَمُهُ الزَّكَاةُ أَمْ يَبْتَدِئُ الحَوْل مِنْ وَقْتِ عِلمِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلى أَنَّ قَصْدَ السَّوْمِ هَل يُشْتَرَطُ؟ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ.
فرع: لوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل إنْ قُلنَا: يَزُول مِلكُهُ بِالرِّدَّةِ - انْقَطَعَ الحَوْل، فَإِنْ أَسْلمَ اسْتَأْنَفَ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لا يَنْقَطِعُ، بَل يُبْنَى كَمَا بَنَى الوَارِثُ عَلى قَوْلٍ حَكَاهُ1 [               ]وَالرَّافِعِيُّ وَإِنْ قُلنَا: لا يَزُول فَالحَوْل مُسْتَمِرٌّ وَعَليْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَمَامِهِ، وَإِنْ قُلنَا: مَوْقُوفٌ فَإِنْ هَلكَ عَلى الرِّدَّةِ تَبَيَّنَّا الانْقِطَاعَ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ، وَإِنْ أَسْلمَ تَبَيَّنَّا اسْتِمْرَارَ المِلكِ.
فرع: قَال أَصْحَابُنَا: لا فَرْقَ فِي انْقِطَاعِ الحَوْل بِالمُبَادَلةِ وَالبَيْعِ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل بَيْنَ مَنْ يَفْعَلهُ مُحْتَاجًا إليْهِ وَبَيْنَ مَنْ قَصَدَ الفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ، فَفِي الصُّورَتَيْنِ يَنْقَطِعُ الحَوْل بِلا خِلافٍ، وَلكِنْ يُكْرَهُ الفِرَارُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَقِيل حَرَامٌ وَليْسَ بِشَيْءٍ وَسَنُوَضِّحُ المَسْأَلةَ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ حَيْثُ ذَكَرَهَا المُصَنِّفُ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ المَاشِيَةِ ثُمَّ اسْتَفَادَ شَيْئًا آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ [أَوْ إرْثٍ2 نَظَرْت] فَإِنْ لمْ يَكُنْ المُسْتَفَادُ نِصَابًا فِي نَفْسِهِ، وَلا كَمُل بِهِ النِّصَابُ الثَّانِي، لمْ يَكُنْ لهُ حُكْمٌ لأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَل تَابِعًا للنِّصَابِ الثَّانِي فَيُجْعَل لهُ قِسْطٌ مِنْ فَرْضِهِ، لأَنَّهُ لمْ يُوجَدْ النِّصَابُ الثَّانِي بَعْدُ. وَلا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَل مِنْ النِّصَابِ الذِي عِنْدَهُ لأَنَّ ذَلكَ انْفَرَدَ بِالحَقِّ3. وَوَجَبَ فِيهِ الفَرْضُ قَبْل أَنْ يَمْضِيَ الحَوْل عَلى المُسْتَفَادِ، فَلا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَل لهُ قِسْطٌ مِنْ فَرْضِهِ فَسَقَطَ حُكْمُهُ. وَإِنْ كَانَ يَكْمُل بِهِ النِّصَابُ الثَّانِي بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ ثَلاثُونَ مِنْ البَقَرِ ثُمَّ اشْتَرَى فِي أَثْنَاءِ الحَوْل عَشْرًا [وَحَال] الحَوْل عَلى النِّصَابِ، وَجَبَ فِيهِ تَبِيعٌ، وَإِذَا [حَال] الحَوْل عَلى المُسْتَفَادِ وَجَبَ فِيهِ رُبْعُ مُسِنَّةٍ؛ لأَنَّهُ تَمَّ بِهِ نِصَابُ [المُسِنَّةِ] وَلمْ يُمْكِنْ إيجَابُ المُسِنَّةِ؛ لأَنَّ الثَّلاثِينَ لمْ تَثْبُتْ فِيهَا حُكْمُ الخُلطَةِ مَعَ العَشَرَةِ فِي حَوْلٍ كَامِلٍ، فَانْفَرَدَتْ بِحُكْمِهَا وَوَجَبَ فِيهَا فَرْضُهَا، وَالعَشَرَةُ ثَبَتَ لهَا الخُلطَةُ فِي حَوْلٍ كَامِلٍ فَوَجَبَ فِيهَا بِقِسْطِهَا رُبْعُ مُسِنَّةٍ. وَإِنْ كَانَ المُسْتَفَادُ نِصَابًا وَلا يَبْلغُ النِّصَابَ الثَّانِي وَذَلكَ يَكُونُ فِي صَدَقَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بياض بالأصل فليحرر ش قلت ولعل السقط هنا صاحب البيان والشيخ أبو نصر بن الصباغ في الشامل. لأن هذا القول قد ذكراه (ط).
2 مابين المعقوفين ساقط من ش و ق (ط).
3 في النسخة المطبوعة من "المهذب" الحول بدل الحق (ط).

 

ج / 5 ص -237-       الغَنَمِ بِأَنْ يَكُونَ أَرْبَعُونَ شَاةً، ثُمَّ يَشْتَرِي فِي أَثْنَاءِ الحَوْل أَرْبَعِينَ، فَإِنَّ الأَرْبَعِينَ الأُولى يَجِبُ فِيهَا شَاةٌ لحَوْلهَا، وَفِي الأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ: أحدها: يَجِبُ عَليْهِ فِيهَا لحَوْلهَا شَاةٌ لأَنَّهُ نِصَابٌ مُنْفَرِدٌ بِالحَوْل؛ فَوَجَبَ فِيهِ فَرْضُهُ كَالأَرْبَعِينَ الأُولى، والثاني: يَجِبُ فِيهَا نِصْفُ شَاةٍ لأَنَّهَا لمْ تَنْفَكَّ عَنْ خُلطَةِ الأَرْبَعِينَ الأُولى فِي حَوْلٍ كَامِلٍ؛ فَوَجَبَ فِيهَا بِقِسْطِهَا مِنْ الفَرْضِ وَهُوَ نِصْفُ شَاةٍ، والثالث: لا يَجِبُ شَيْءٌ [فِيهَا]1 وَهُوَ الصَّحِيحُ لأَنَّهُ انْفَرَدَ الأَوَّل عَنْهُ بِالحَوْل، وَلمْ يَبْلغْ [النِّصَابَ] الثَّانِي فَجُعِل وَقَصًا بَيْنَ نِصَابَيْنِ فَلمْ يَتَعَلقْ بِهِ فَرْضٌ".
الشرح:
قَال أَصْحَابُنَا رحمهم الله: المَال المُسْتَفَادُ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يُسْتَفَادُ لا مِنْ نَفْسِ المَال لا يُجْمَعُ إلى مَا عِنْدَهُ فِي الحَوْل بِلا خِلافٍ وَيُضَمُّ إليْهِ فِي النِّصَابِ عَلى المَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَالجُمْهُورُ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لا يُضَمُّ إليْهِ، حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا لا يُضَمُّ فِي الحَوْل وَالصَّحِيحُ الأَوَّل وَسَيَأْتِي دَليلهُ وَالفَرْقُ بَيْنَ الضَّمِّ إلى الحَوْل أَوْ النِّصَابِ فِي أَوَّل الفَرْعِ الآتِي لأَبِي الحَسَنِ المَسْلمِيّ الدِّمَشْقِيِّ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى. هَذِهِ جُمْلةُ مَسَائِل الفَصْل.
وَأَمَّا: تَفْصِيلهَا فَقَال أَصْحَابُنَا: إنْ كَانَ المُسْتَفَادُ دُونَ نِصَابٍ وَلا يَبْلغُ النِّصَابَ الثَّانِي فَلا حُكْمَ لهُ، وَلا يَتَعَلقُ بِهِ فَرْضٌ بِلا خِلافٍ، وَلا يَجِيءُ فِيهِ القَوْلانِ فِي الوَقَصِ وَدَليلهُ مَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ. وَإِنْ كَانَ دُونَ نِصَابٍ وَيَبْلغُ النِّصَابَ الثَّانِي بِأَنْ مَلكَ ثَلاثِينَ بَقَرَةً سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ اشْتَرَى عَشْرَةً فَعَليْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْل الثَّلاثِينَ تَبِيعٌ وَعِنْدَ تَمَامِ حَوْل العَشَرَةِ رُبْعُ مُسِنَّةٍ، فَإِذَا جَاءَ حَوْلٌ ثَانٍ للثَّلاثِينَ لزِمَهُ لهَا ثَلاثَةُ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ وَإِذَا ثَمَّ حَوْلٌ ثَانٍ للعَشَرَةِ لزِمَهُ رُبْعُ مُسِنَّةٍ وَهَكَذَا أَبَدًا هَذَا هُوَ المَذْهَبُ وَعَلى قَوْل ابْنِ سُرَيْجٍ لا يَنْعَقِدُ حَوْل العَشَرَةِ حَتَّى يَتِمَّ حَوْل الثَّلاثِينَ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ حَوْل الجَمِيعِ، وَدَليل المَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ.
وَلوْ مَلكَ عِشْرِينَ بَعِيرًا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ اشْتَرَى عَشْرَةً لزِمَهُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْل العِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَعِنْدَ تَمَامِ حَوْل العَشَرَةِ ثُلثُ بِنْتِ مَخَاضٍ فَإِذَا جَاءَ حَوْلٌ ثَانٍ عَلى العِشْرِينَ فَفِيهَا ثُلثَا بِنْتِ مَخَاضٍ، وَإِذَا تَمَّ حَوْلٌ ثَانٍ عَلى العَشَرَةِ فَفِيهَا ثُلثُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَهَكَذَا يُزَكِّي أَبَدًا وَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ عَليْهِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْل العِشْرِينَ، وَلا يَقُول هُنَا: لا يَنْعَقِدُ الحَوْل عَلى العَشَرَةِ حَتَّى يَنْفَسِخَ حَوْل العِشْرِينَ، لأَنَّ العَشَرَةَ مِنْ الإِبِل نِصَابٌ بِخِلافِ العَشْرِ مِنْ البَقَرِ، وَلوْ كَانَتْ المَسْأَلةُ بِحَالهَا وَاشْتَرَى خَمْسًا فَإِذَا تَمَّ حَوْل العِشْرِينَ فَعَليْهِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ فَإِذَا تَمَّ حَوْل الخَمْسِ فَعَليْهِ خُمْسُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَإِذَا تَمَّ الحَوْل الثَّانِي عَلى الأَصْل فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَعَلى هَذَا القِيَاسِ وَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي العِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ أَبَدًا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلهَا وَفِي الخَمْسِ شَاةٌ أَبَدًا. وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا أَنَّ الخَمْسَ لا تَجْرِي فِي الحَوْل حَتَّى يَتِمَّ حَوْل الأَصْل ثُمَّ يَنْعَقِدُ الحَوْل عَلى جَمِيعِ المَال، وَهَذَا الوَجْهُ طَرَدُوهُ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ فِي العَشْرِ وَاَللهُ أَعْلمُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كل مابين المعقوفين ليس في ش و ق (ط).

 

ج / 5 ص -238-       وَأَمَّا: إذَا كَانَ المُسْتَفَادُ نِصَابًا وَلا يَبْلغُ النِّصَابَ الثَّانِي وَلا يُتَصَوَّرُ ذَلكَ إلا فِي الغَنَمِ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً ثُمَّ مَلكَ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل أَرْبَعِينَ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ ذَكَرَ المُصَنِّفُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الأَرْبَعِينَ الأُولى شَاةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُ لا شَيْءَ فِيهَا، والثاني: فِيهَا شَاةٌ، والثالث: نِصْفُهَا وَذَكَرَ أَدِلتَهَا، ثُمَّ قَال المُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الفَصْل: إذَا مَلكَ أَرْبَعِينَ فِي أَوَّل المُحَرَّمِ وَأَرْبَعِينَ فِي أَوَّل صَفَرٍ وَأَرْبَعِينَ فِي أَوَّل شَهْرِ رَبِيعٍ فَفِيهِ قَوْلانِ، قَال فِي القَدِيمِ: يَجِبُ فِي الجَمِيعِ شَاةٌ فِي كُل أَرْبَعِينَ ثُلثُهَا وَقَال فِي الجَدِيدِ يَجِبُ فِي الأُولى شَاةٌ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ أحدهما: يَجِبُ فِيهَا شَاةٌ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلهَا، والثاني: نِصْفُ شَاةٍ. وَفِي الثَّالثَةِ وَجْهَانِ أحدهما: تَجِبُ فِيهَا شَاةٌ، والثاني: ثُلثُ شَاةٍ هَذَا كَلامُ المُصَنِّفِ وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أحدهما كَوْنُهُ جَعَل حُكْمَ المَسْأَلتَيْنِ مُخْتَلفًا، وَليْسَ هُوَ بِمُخْتَلفٍ عِنْدَ الأَصْحَابِ، والثاني: كَوْنُهُ حَكَى فِي المَسْأَلةِ الأُولى وَجْهًا أَنَّهُ لا يَجِبُ فِي الأَرْبَعِينَ المُسْتَفَادَةِ شَيْءٌ، وَادَّعَى أَنَّهُ الأَصَحُّ، وَهَذَا الوَجْهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي كُتُبِ الأَصْحَابِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ الأَصَحَّ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ فِي المَسْأَلتَيْنِ عَلى مَا قَالهُ أَصْحَابُنَا فِي طَرِيقَيْ العِرَاقِيِّينَ وَالخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ المَسْأَلةَ الأُولى وَهِيَ إذَا مَلكَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ مَلكَ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل أَرْبَعِينَ فِيهَا القَوْلانِ القَدِيمُ وَالجَدِيدُ وَهُمَا المَعْرُوفَانِ فِي بَابِ الخُلطَةِ أَنَّ الخُلطَةَ فِي بَعْضِ الحَوْل هَل تُؤَثِّرُ؟ قَال فِي القَدِيمِ: تُؤَثِّرُ وَفِي الجَدِيدِ: لا تُؤَثِّرُ. فَعَلى القَدِيمِ يَجِبُ فِي كُل أَرْبَعِينَ نِصْفُ شَاةٍ، وَفِي الجَدِيدِ يَلزَمُهُ للأَرْبَعَيْنِ شَاةٌ فِي الحَوْل الأَوَّل وَفِي الأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ عَلى الجَدِيدِ وَجْهَانِ "أَصَحُّهُمَا "نِصْفُ شَاةٍ، "وَالثَّانِي "شَاةٌ، وَالوَجْهُ الثَّالثُ: الذِي ادَّعَى المُصَنِّفُ صِحَّتَهُ: أَنْ لا شَيْءَ فِيهَا، غَرِيبٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ.
وَأَمَّا المَسْأَلةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ إذَا مَلكَ فِي المُحَرَّمِ أَرْبَعِينَ ثُمَّ فِي صَفَرٍ أَرْبَعِينَ ثُمَّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ أَرْبَعِينَ "فَعَلى القَدِيمِ "يَجِبُ فِي الجَمِيعِ شَاةٌ فِي كُل أَرْبَعِينَ ثُلثُهَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلهَا "وَفِي الجَدِيدِ "يَجِبُ فِي الأَرْبَعِينَ الأُولى شَاةٌ عِنْدَ كَمَال حَوْلهَا، وَفِي الأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ "أَصَحُّهُمَا "يَجِبُ فِيهَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلهَا نِصْفُ شَاةٍ، والثاني: شَاةٌ، وَفِي الأَرْبَعِينَ الثَّالثَةِ وَجْهَانِ "أَصَحُّهُمَا "ثُلثُ شَاةٍ"، وَالثَّانِي "شَاةٌ". هَذَا كَلامُ الأَصْحَابِ فِي المَسْأَلتَيْنِ. وَأَمَّا كَلامُ المُصَنِّفِ فَقَدْ قَال صَاحِبُ البَيَانِ فِي مُشْكِلاتِ المُهَذَّبِ إنْ قِيل: مَا الفَرْقُ بَيْنَ المَسْأَلتَيْنِ؟ وَهَلا كَانَ فِي المَسْأَلةِ الأُولى قَوْلانِ كَالثَّانِيَةِ؟ وَهَلا كَانَ فِي الأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالثَةِ فِي المَسْأَلةِ الثَّانِيَةِ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ كَالأُولى؟ فالجواب:  أَنَّهُ ذَكَرَ الأُولى تَفْرِيعًا عَلى الجَدِيدِ الأَصَحِّ. وَأَمَّا الأَرْبَعُونَ الثَّانِيَةُ فِي المَسْأَلةِ الثَّانِيَةِ فَلا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أحدها: يَجِبُ فِيهَا ثُلثُ شَاةٍ، والثاني: نِصْفُهَا وَهَذَانِ الوَجْهَانِ اللذَانِ ذَكَرَهُمَا المُصَنِّفُ، والثالث: شَاةٌ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا، وَالرَّابِعُ: لا شَيْءَ فِيهَا. وَهُوَ الوَجْهُ الذِي صَحَّحَهُ المُصَنِّفُ فِي الأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ فِي المَسْأَلةِ الأُولى، لأَنَّ المَعْنَى الذِي اعْتَمَدَهُ فِي دَليل هَذَا الوَجْهِ فِي المَسْأَلةِ الأُولى مَوْجُودٌ هُنَا، وَكَذَا يَكُونُ فِي الأَرْبَعِينَ الثَّالثَةِ فِي المَسْأَلةِ الثَّانِيَةِ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ: أحدها: شَاةٌ، والثاني: ثُلثُهَا، والثالث: لا شَيْءَ. هَذَا كَلامُ صَاحِبِ البَيَانِ، وَهَذَا الذِي قَالهُ هُوَ الظَّاهِرُ.

 

ج / 5 ص -239-       فرع: صَنَّفَ الإِمَامُ أَبُو الحَسَنِ1 عَليُّ بْنُ المُسْلمِ مُحَمَّدُ [بْنُ عَليِّ] بْنِ الفَتْحِ بْنِ عَليٍّ السُّلمِيُّ الدِّمَشْقِيُّ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا جُزْءًا فِي مَسْأَلةٍ سُئِل عَنْهَا وَهِيَ: رَجُلٌ مَلكَ فِي أَوَّل المُحَرَّمِ بَعِيرًا وَفِي اليَوْمِ الثَّانِي مِنْهُ بَعِيرًا وَفِي الثَّالثِ بَعِيرًا، وَهَكَذَا إلى أَنْ تَكَامَل لهُ ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ بَعِيرًا فِي ثَلاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَأَسَامَهَا كُلهَا مِنْ حِينِ مَلكَ وَاحِدًا مِنْهَا، قَال: وَهَذِهِ المَسْأَلةُ تُبْنَى عَلى أُصُولٍ للشَّافِعِيِّ رضي الله عنه.
مِنْهَا: أَنَّ المُسْتَفَادَ مِنْ جِنْسِ المَال فِي أَثْنَاءِ الحَوْل يُضَمُّ إلى مَا عِنْدَهُ فِي النِّصَابِ، وَلا يُضَمُّ فِي الحَوْل، لأَنَّ الضَّمَّ فِي الحَوْل إمَّا لأَنَّهُ مُتَوَلدٌ مِنْ مَالهِ فَيَتْبَعُهُ فِي الحَوْل لأَنَّهُ مِلكٌ بِمِلكِ الأَصْل وَتَوَلدَ مِنْهُ، فَيَتْبَعُهُ كَالسِّخَال المُسْتَوْلدَةِ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل، وَإِمَّا لأَنَّهُ مُتَفَرِّعٌ مِنْهُ كَرِبْحِ مَال التِّجَارَةِ، وَالمُسْتَفَادُ بِمِلكٍ جَدِيدٍ ليْسَ مَمْلوكًا بِمَا مَلكَ بِهِ مَا عِنْدَهُ وَلا تَفَرَّعَ عَنْهُ، فَلمْ يُضَمَّ إليْهِ فِي الحَوْل بِخِلافِ الضَّمِّ فِي النِّصَابِ؛ لأَنَّ مَقْصُودَ النِّصَابِ أَنْ يَبْلغَ المَال حَدًّا يَحْتَمِل المُوَاسَاةَ، وَهُوَ بِكَثْرَةِ المَال بِخِلافِ الحَوْل فَإِنَّ مَقْصُودَهُ إرْفَاقُ المَالكِ.
الأَصْل الثَّانِي: أَنَّ الخُلطَةَ فِي بَعْضِ الحَوْل هَل تُؤَثِّرُ؟ فِيهِ قَوْلانِ القَدِيمُ: تُؤَثِّرُ وَالجَدِيدُ: لا. (الثَّالثُ) إذَا ثَبَتَ لبَعْضِ المَال حُكْمُ الانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الحَوْل وَلبَعْضِهِ حُكْمُ الخُلطَةِ فِي جَمِيعِهِ، فَعَلى القَدِيمِ يَغْلبُ حُكْمُ الخُلطَةِ فِي الجَمِيعِ، وَعَلى الجَدِيدِ يُفْرَدُ كُل مَالٍ بِحُكْمِهِ فَيَجِبُ فِي الأَوَّل زَكَاةُ انْفِرَادٍ ثُمَّ خُلطَةٍ. وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّهُ لا يَثْبُتُ حُكْمُ الخُلطَةِ لوَاحِدٍ مِنْ المَاليْنِ، لأَنَّ الأَوَّل لمْ يَرْتَفِقْ بِخُلطَةِ الثَّانِي فَلا يَرْتَفِقُ الثَّانِي بِالأَوَّل.
الرَّابِعُ: أَنَّ المُسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل إذَا كَانَ عِنْدَ المُسْتَفِيدِ نِصَابُ ثَلاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدِهَا: أَنْ يَكُونَ المُسْتَفَادُ نِصَابًا، وَلا يَبْلغُ النِّصَابَ الثَّانِي فَلا زَكَاةَ فِيهِ، الثاني: أَنْ يَكُونَ دُونَ نِصَابٍ وَيَتِمُّ بِهِ نِصَابٌ بِأَنْ كَانَ لهُ ثَلاثُونَ بَقَرَةً فَاسْتَفَادَ عَشْرًا، فَإِذَا تَمَّ حَوْل الثَّلاثِينَ وَجَبَ فِيهَا تَبِيعٌ، وَإِذَا تَمَّ حَوْل العَشْرِ وَجَبَ فِيهَا رُبْعُ مُسِنَّةٍ، الثَّالثِ: أَنْ يَكُونَ نِصَابًا وَلا يَبْلغ النِّصَابَ الثَّانِي كَمَنْ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً ثُمَّ مَلكَ أَرْبَعِينَ قَدْ سَبَقَ حُكْمُهَا، وَالخِلافُ فِيهَا قَرِيبًا.
عُدْنَا إلى مَسْأَلتِنَا فَلمَّا مَلكَ الأَبْعِرَةَ الأَرْبَعَةَ لمْ يَنْعَقِدْ الحَوْل فَلمَّا مَلكَ الخَامِسَ انْعَقَدَ وَكُلمَا مَلكَ بَعِيرًا بَعْدَهُ ضُمَّ إلى مَا قَبْلهُ فِي النِّصَابِ لا الحَوْل وَيَنْعَقِدُ حَوْلهُ حِينَ مِلكِهِ، فَإِذَا جَاءَ اليَوْمُ الخَامِسُ مِنْ المُحَرَّمِ الآتِي كَمُل حَوْل الخَمْسِ، وَقَدْ ثَبَتَ لهَا حُكْمُ الانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الحَوْل، فَعَلى القَدِيمِ تَغْلبُ الخُلطَةُ فَيَجِبُ فِي الخَمْسِ ثُمُنُ بِنْتِ لبُونٍ، لأَنَّهَا مُخَالطَةٌ لثَلاثِمِائَةٍ وَخَمْسٍ وَخَمْسِينَ، وَوَاجِبُهَا تِسْعُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المسلم بتشديد اللام المفتوحة. وهو أبو الحسن السلمي الفقيه الفرضي قال فيه ابن السبكي: جمال الإسلام أحد مشايخ الشام الأعلام توفي ساجدا في صلاة لبفجر في ذي القعدة سنة 532 وحكى أن الغزالي قال بعد خروجه من الشام: خلفت باشام شابا إن عاش كان له ثمان يعني جمال الإسلام, فكان كما قد تفرس فيه (ط).

 

ج / 5 ص -240-       بَنَاتِ لبُونٍ فِي كُل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لبُونٍ فَفِي الخَمْسِ ثُمُنُهَا، وَعَلى الجَدِيدِ يَجِبُ فِيهَا شَاةٌ تَغْليبًا للانْفِرَادِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلى الخُمْسِ فَفِي اليَوْمِ السَّادِسِ مِنْ المُحَرَّمِ الآتِي كَمُل حَوْل البَعِيرِ السَّادِسِ، وَفِي السَّابِعِ وَفِي الثَّامِنِ الثَّامِنُ، وَفِي التَّاسِعِ التَّاسِعُ، وَالأَرْبَعُ وَقَصٌ بَيْنَ نِصَابَيْنِ، فَظَاهِرُ المَذْهَبِ أَنَّهُ لا زَكَاةَ فِيهَا لأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلى نِصَابٍ وَلمْ تَبْلغْ النِّصَابَ الثَّانِي وَهِيَ دُونَ نِصَابٍ، وَلا يُمْكِنُ ضَمُّهَا إلى النِّصَابِ الأَوَّل لأَنَّهَا مُلكَتْ بَعْدَهُ. وَلا يُبْنَى ذَلكَ عَلى القَوْليْنِ فِي أَنَّ الوَقَصَ عَفْوٌ أَمْ يَتَعَلقُ بِهِ الوُجُوبُ؟ لأَنَّ الوُجُوبَ تَعَلقَ بِالخَمْسَةِ قَبْل حَوْل الوَقَصِ فَلا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ قَبْل حَوْلهِ وَلأَنَّ عَلى أَحَدِ القَوْليْنِ يُبْسَطُ وَاجِبُ النِّصَابِ عَليْهِ وَعَلى الوَقَصِ، وَلا يَجِبُ فَرْضٌ آخَرُ قَطْعًا فَلا مَعْنَى للبِنَاءِ هُنَا. وَيَجِيءُ عَلى القَدِيمِ احْتِمَال الوُجُوبِ فِي الوَقَصِ هُنَا عَلى مَا سَنَذْكُرُهُ.
ثُمَّ فِي اليَوْمِ العَاشِرِ وَيَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ الثَّانِي، فَعَلى القَدِيمِ يَجِبُ فِيهِ ثُمُنُ بِنْتِ لبُونٍ كَمَا سَبَقَ، وَعَلى الجَدِيدِ شَاةٌ وَلا أَثَرَ لخَلطَتِهَا بِمَا قَبْلهَا، لأَنَّ وَاجِبَ كُل خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ وُجُودِ الخُلطَةِ وَعَدَمِهَا، ثُمَّ لا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى يَكْمُل حَوْل البَعِيرِ الخَامِسَ عَشَرَ، فَيَجِبُ حِينَئِذٍ فِي الخَمْسَةِ عَلى القَدِيم ثُمُنُ بِنْتِ لبُونٍ وَعَلى الجَدِيدِ شَاةٌ، وَكَذَلكَ إلى كَمَال العِشْرِينَ فَيَجِبُ فِي الخَمْسَةِ الرَّابِعَةِ عَلى القَدِيمِ ثُمُنُ بِنْتِ لبُونٍ، وَعَلى الجَدِيدِ شَاةٌ. ثُمَّ إذَا كَمُل حَوْل البَعِيرِ الخَامِسِ وَالعِشْرِينَ فَقَدْ وُجِدَ نِصَابُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَقَدْ أَدَّى زَكَاةَ العِشْرِينَ، فَفِي الخَمْسَةِ الزَّائِدَةِ عَلى القَدِيمِ: ثُمُنُ بِنْتِ لبُونٍ، وَعَلى الجَدِيدِ: خُمُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ؛ لأَنَّهَا لمْ تَنْفَكَّ عَنْ مُخَالطَةِ العِشْرِينَ التِي قَبْلهَا فِي جَمِيعِ الحَوْل، وَعَلى الوَجْهِ السَّابِقِ فِي الأَصْل الثَّالثِ لا يَثْبُتُ للخَمْسَةِ حُكْمُ الخُلطَةِ فَيَجِبُ فِيهَا شَاةٌ، ثُمَّ الوَقَصُ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إلى خَمْسَةٍ وَثَلاثِينَ لا زَكَاةَ فِيهِ، فَإِذَا كَمُل حَوْل السَّادِسِ وَالثَّلاثِينَ فَقَدْ وُجِدَ نِصَابُ بِنْتِ لبُونٍ، وَقَدْ زَكَّى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَبَقِيَ أَحَدَ عَشَرَ لمْ يُزَكِّهَا، فَعَلى القَدِيمِ تَجِبُ زَكَاةُ الخُلطَةِ لكُل المَال فَيَجِبُ فِي الأَحَدَ عَشَرَ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لبُونٍ؛ وَهُوَ رُبْعُ بِنْتِ لبُونٍ وَرُبْعُ عُشْرِهَا. وَعَلى الجَدِيدِ وَجْهَانِ: أحدهما: يَجِبُ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لبُونٍ والثاني: يَجِبُ شَاتَانِ فِي العَشَرَةِ الزَّائِدَةِ، وَالصَّوَابُ الأَوَّل.
ثُمَّ لا يَجِبُ شَيْءٌ حَتَّى يَكْمُل حَوْل البَعِيرِ السَّادِسِ وَالأَرْبَعِينَ، فَعَلى القَدِيمِ يَجِبُ فِي العَشْرِ التِي فَوْقَ سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ رُبْعُ بِنْتِ لبُونٍ عَلى مُقْتَضَى خُلطَةِ جُمْلةِ المَال، وَعَلى الجَدِيدِ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ حَقِّهِ وَلا تَفْرِيعَ عَلى الوَجْهِ الثَّانِي مِنْ الجَدِيدِ. ثُمَّ لا شَيْءَ فِيمَا زَادَ حَتَّى يَكْمُل حَوْل البَعِيرِ الحَادِي وَالسِّتِّينَ، وَبَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشْرَ بَعِيرًا، فَعَلى القَدِيمِ يَجِبُ فِيهَا ثَلاثَةُ أَثْمَانِ بِنْتِ لبُونٍ، وَعَلى الجَدِيدِ خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ أَحَدٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا مِنْ جَذَعَةٍ ثُمَّ لا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى يَكْمُل حَوْل البَعِيرِ السَّادِسِ وَالسَّبْعِينَ وَبَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا، فَعَلى القَدِيمِ يَجِبُ فِيهَا ثَلاثَةُ أَثْمَانِ بِنْتِ لبُونٍ، وَعَلى الجَدِيدِ خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لبُونٍ، ثُمَّ لا شَيْءَ حَتَّى يَكْمُل حَوْل البَعِيرِ الحَادِي وَالتِّسْعِينَ وَبَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا، فَعَلى القَدِيمِ يَجِبُ فِيهَا ثَلاثَةُ أَثْمَانِ بِنْتِ لبُونٍ، وَعَلى الجَدِيدِ خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ إحْدَى وَتِسْعِينَ جُزْءًا مِنْ حِقَّتَيْنِ ثُمَّ لا شَيْءَ حَتَّى يَكْمُل حَوْل الحَادِي وَالعِشْرِينَ بَعْدَ المِائَةِ وَبَيْنَهُمَا ثَلاثُونَ، فَعَلى القَدِيمِ يَجِبُ ثَلاثَةُ أَرْبَاعِ بِنْتِ لبُونٍ، وَعَلى الجَدِيدِ

 

ج / 5 ص -241-       ثَلاثُونَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ ثَلاثِ بَنَاتِ لبُونٍ.
فَإِذَا زَادَتْ عَلى مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَفِي كُل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لبُونٍ، وَفِي كُل خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَالثَّمَانِيَةُ التِي بَيْنَ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَثَلاثِينَ لا شَيْءَ فِيهَا، فَإِذَا كَمُل حَوْل مِائَةٍ وَثَلاثِينَ فَوَاجِبُهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لبُونٍ، فَعَلى القَدِيمِ يَجِبُ فِي التِّسْعَةِ ثُمُنُ بِنْتِ لبُونٍ وَعُشْرُهَا، وَعَلى الجَدِيدِ التِّسْعَةُ مُخَالطَةٌ لمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فِي حَوْلٍ كَامِلٍ، فَيَجِبُ فِي التِّسْعَةِ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ مِائَةٍ وَثَلاثِينَ جُزْءًا مِنْ حِقَّةٍ وَبِنْتَيْ لبُونٍ، ثُمَّ كُلمَا كَمُل حَوْل عَشْرَةٍ وَجَبَ بِحِسَابِ ذَلكَ القَدْرِ، فَعَلى القَدِيمِ يَجِبُ رُبْعُ بِنْتِ لبُونٍ فِي كُل عَشْرَةٍ إلى آخِرِ الإِبِل، وَعَلى الجَدِيدِ تُضَمُّ العَشَرَةُ إلى مَا قَبْلهَا، وَيَجِبُ فِي العَشَرَةِ حِصَّتُهَا مِنْ فَرْضِ الجَمِيعِ؛ فَإِذَا كَمُل حَوْل مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِي العَشَرَةِ عَلى القَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لبُونٍ، وَعَلى الجَدِيدِ وَاجِبٌ المِائَةِ وَالأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لبُونٍ، فَفِي العَشَرَةِ سُبْعُ حِقَّةٍ وَنِصْفُ سُبْعِ بِنْتِ لبُونٍ، فَإِذَا كَمُل حَوْل عَشْرَةٍ أُخْرَى فَفِي القَدِيمِ فِيهَا رُبْعُ بِنْتِ لبُونٍ، وَفِي الجَدِيدِ خُمْسُ حِقَّةٍ، فَإِذَا كَمُل حَوْل مِائَةٍ وَسِتِّينَ فَفِي العَشَرَةِ عَلى القَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لبُونٍ، وَفِي الجَدِيدِ كَذَلكَ، فَاتَّفَقَ القَوْلانِ.
فَإِذَا كَمُل حَوْل مِائَةٍ وَسَبْعِينَ فَفِي العَشَرَةِ الزَّائِدَةِ عَلى القَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لبُونٍ، وَعَلى الجَدِيدِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ حِقَّةٍ وَثَلاثِ بَنَاتِ لبُونٍ. فَإِذَا كَمُل حَوْل مِائَةٍ وَثَمَانِينَ فَفِي العَشَرَةِ الزَّائِدَةِ عَلى القَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لبُونٍ. وَعَلى الجَدِيدِ تُسْعُ حِقَّةٍ وَتُسْعُ بِنْتِ لبُونٍ، فَإِذَا كَمُل حَوْل مِائَةٍ وَتِسْعِينَ فَفِي العَشَرَةِ الزَّائِدَةِ عَلى القَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لبُونٍ وَعَلى الجَدِيدِ جُزْءٌ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ ثَلاثِ حِقَاقٍ وَبِنْتِ لبُونٍ. فَإِذَا كَمُل حَوْل مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لبُونٍ. فَعَلى المَذْهَبِ يَخْتَارُ السَّاعِي الأَغْبَطَ للمَسَاكِينِ. وَقِيل: قَوْلانِ: ثَانِيهِمَا: تَتَعَيَّنُ الحِقَاقُ فَعَلى القَدِيمِ وَاجِبُ العَشَرَةِ رُبْعُ بِنْتِ لبُونٍ وَعَلى الجَدِيدِ إنْ قُلنَا: تَجِبُ الحِقَاقُ أَوْ كَانَتْ الأَغْبَطَ وَجَبَ خُمْسُ حِقَّةٍ وَإِلا فَرُبْعُ بِنْتِ لبُونٍ، وَحِينَئِذٍ يَتَّفِقُ القَوْلانِ. وَكُلمَا حَال حَوْل عَشْرَةٍ فَعَلى قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللهُ أَعْلمُ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ المَاشِيَةِ فَتَوَالدَتْ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل حَتَّى بَلغَ النِّصَابُ الثَّانِي ضُمَّتْ إلى الأُمَّهَاتِ فِي الحَوْل وَعُدَّتْ مَعَهَا إذَا تَمَّ حَوْل الأُمَّهَاتِ. وَأُخْرِجَ عَنْهَا وَعَنْ الأُمَّهَاتِ زَكَاةُ المَال الوَاحِدِ. لمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال "اعْتَدَّ عَليْهِمْ بِالسَّخْلةِ التِي يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلى يَدَيْهِ "وَعَنْ عَليٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال "عُدَّ الصِّغَارَ مَعَ الكِبَارِ "وَلأَنَّهُ مِنْ نَمَاءِ النِّصَابِ وَفَوَائِدِهِ. فَلمْ يَنْفَرِدْ [عَنْهُ] بِالحَوْل، وَإِنْ تَمَاوَتَتْ الأُمَّهَاتُ وَبَقِيَتْ الأَوْلادُ وَهِيَ نِصَابٌ لمْ يَنْقَطِعْ الحَوْل فِيهَا. فَإِذَا تَمَّ حَوْل الأُمَّهَاتِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهَا. وَقَال أَبُو القَاسِمِ بْنُ يَسَار1ٍ الأَنْمَاطِيُّ: إذَا لمْ يَبْقَ نِصَابٌ مِنْ الأُمَّهَاتِ انْقَطَعَ الحَوْل؛ لأَنَّ السِّخَال تُجْرَى فِي حَوْل الأُمَّهَاتِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الأُمَّهَاتُ نِصَابًا وَقَدْ زَال هَذَا الشَّرْطُ فَوَجَبَ أَنْ يَنْقَطِعَ الحَوْل، وَالمَذْهَبُ الأَوَّل؛ لأَنَّهَا جُمْلةٌ جَارِيَةٌ فِي الحَوْل هَلكَ بَعْضُهَا وَلمْ يَنْقُصْ البَاقِي عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة الركبي (أبو القاسم بن بكار) بدل يسار (ط)

 

ج / 5 ص -242-       النِّصَابِ فَلمْ يَنْقَطِعْ الحَوْل كَمَا لوْ بَقِيَ نِصَابٌ مِنْ الأُمَّهَاتِ. وَمَا قَالهُ أَبُو القَاسِمِ يَنْكَسِرُ بِوَلدِ أُمِّ الوَلدِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ لهُ حَقُّ الحُرِّيَّةِ بِثُبُوتِهِ للأُمِّ ثُمَّ يَسْقُطُ حَقُّ الأُمِّ بِالمَوْتِ وَلا يَسْقُطُ حَقُّ الوَلدِ. وَإِنْ مَلكَ رَجُلٌ فِي أَوَّل المُحَرَّمِ أَرْبَعِينَ شَاةً وَفِي أَوَّل صَفَرٍ أَرْبَعِينَ وَفِي أَوَّل شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّل أَرْبَعِينَ وَحَال الحَوْل عَلى الجَمِيعِ فَفِيهِ قَوْلانِ. قَال فِي القَدِيمِ: تَجِبُ فِي الجَمِيعِ شَاةٌ، فِي كُل أَرْبَعِينَ ثُلثُهَا؛ لأَنَّ كُل وَاحِدَةٍ مِنْ الأَرْبَعِينَاتِ مُخَالطَةٌ للثَّمَانِينَ فِي حَال الوُجُوبِ، فَكَانَ حِصَّتُهَا ثُلثَ شَاةٍ، وَقَال فِي الجَدِيدِ تَجِبُ فِي الأُولى شَاةٌ لأَنَّهُ ثَبَتَ لهَا حُكْمُ الانْفِرَادِ فِي شَهْرٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ: أحدهما: يَجِبُ فِيهَا شَاةٌ لأَنَّ الأُولى لمْ تَرْتَقِ بِخُلطَتِهَا فَلمْ تَرْتَفِقْ هِيَ والثاني: أَنَّهُ تَجِبُ فِيهَا نِصْفُ شَاةٍ، لأَنَّهَا خَليطَةُ الأَرْبَعِينَ مِنْ حِينِ مِلكِهَا، وَفِي الثَّالثَةِ وَجْهَانِ: أحدهما: أَنَّهُ تَجِبُ فِيهَا شَاةٌ، لأَنَّ الأُولى وَالثَّانِيَةَ لمْ تَرْتَفِقَا بِخُلطَتِهَا، فَلمْ تَرْتَفِقْ هِيَ والثاني: تَجِبُ فِيهَا ثُلثُ شَاةٍ، لأَنَّهَا خَليطَةُ ثَمَانِينَ مِنْ حِينِ مِلكِهَا، فَكَانَ حِصَّتُهَا ثُلثَ شَاةٍ".
الشرح: هَذَا الأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه رَوَاهُ مَالكٌ فِي المُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ (وَأَمَّا) قَوْلهُ: الأُمَّهَاتُ فَهِيَ لغَةٌ قَليلةٌ، وَالفَصِيحُ فِي غَيْرِ الآدَمِيَّاتِ: الأُمَّاتُ بِحَذْفِ الهَاءِ، وَفِي الآدَمِيَّاتِ الأُمَّهَاتُ، وَيَجُوزُ فِي كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا جَازَ فِي الآخَرِ، وَقَدْ أَوْضَحْته بِدَلائِلهِ فِي التَّهْذِيبِ وقوله: عُدْ الصِّغَارَ عَليْهِمْ هُوَ - بِفَتْحِ الدَّال وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا - وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا هُوَ مُضْعِفٌ مَضْمُومُ الأَوَّل كشد وَمَدَّ وَقَدَّ الحَبْل وقوله: يَنْكَسِرُ بِوَلدِ أُمِّ الوَلدِ، قَال أَهْل الجَدَل: الكَسْرُ قَرِيبٌ مِنْ النَّقْضِ، فَإِذَا اسْتَدَل المُسْتَدِل عَلى حُكْمٍ بِعِلةٍ فَوُجِدَتْ تِلكَ العِلةُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَلمْ يُوجَدْ مَعَهَا ذَلكَ الحُكْمُ قِيل للمُسْتَدِل هَذِهِ العِلةُ مُنْتَقَضَةٌ بِكَذَا. فَإِنْ لمْ تُوجَدْ تِلكَ العِلةُ. وَلكِنْ مَعْنَاهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قِيل لهُ: هَذِهِ العِلةُ مُنْكَسِرَةٌ بِكَذَا مِثَالهُمَا رَجُلٌ لهُ ابْنَانِ وَابْنُ ابْنٍ. وَهَبَ لأَحَدِ ابْنَيْهِ شَيْئًا. فَقِيل لهُ: لمَ وَهَبْت لهُ؟ فَقَال: لأَنَّهُ ابْنِي فَقِيل لهُ: يُنْتَقَضُ عَليْك بِابْنِك الآخَرِ وَيَنْكَسِرُ بِابْنِ ابْنِك. وَأَمَّا الأَنْمَاطِيُّ - بِفَتْحِ الهَمْزَة - مَنْسُوبٌ إلى الأَنْمَاطِ. وَهِيَ جَمْعُ نَمَطٍ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ البُسُطِ والأَنْمَاطِيُِّ هَذَا هُوَ أَبُو القَاسِمِ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنُ يَسَارٍ تَفَقَّهَ عَلى المُزَنِيِّ. وَتَفَقَّهَ عَليْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَنَسَبَهُ المُصَنِّفُ إلى جَدِّهِ وقوله: اعْتَدَّ عَليْهِمْ بِالسَّخْلةِ وَهُوَ - بِفَتْحِ الدَّال - عَلى الأَمْرِ وَهُوَ خِطَابٌ مِنْ عُمَرَ لعَامِلهِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَبِي رَبِيعَةَ الثَّقَفِيِّ الطَّائِفِيِّ أَبِي عَمْرٍو وَكَانَ عَامِل عُمَرَ عَلى الطَّائِفِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ. وَالسَّخْلةُ اسْمٌ يَقَعُ عَلى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى مِنْ أَوْلادِ الغَنَمِ سَاعَةَ مَا تَضَعُهُ الشَّاةُ ضَأْنًا كَانَتْ أَوْ مَعْزًا. ، وَالجَمْعُ سِخَالٌ وقوله: شَهْرُ رَبِيعٍ الأَوَّل هُوَ بِتَنْوِينِ رَبِيعٍ بِالإِضَافَةِ وَيُقَال: شَهْرُ رَبِيعِ الأَوَّل. وَشَهْرُ رَبِيعِ الآخَرِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ وَلا يُقَال فِي غَيْرِ هَذِهِ الثَّلاثَةِ شَهْرُ كَذَا وَإِنَّمَا يُقَال المُحَرَّمُ وَصَفَرٌ وَجُمَادَى وَرَجَبٌ وَشَعْبَانُ وَكَذَا البَاقِي.
أَمَّا أَحْكَامُ الفَصْل: فَقَال أَصْحَابُنَا: يُضَمُّ النِّتَاجُ إلى الأُمَّاتِ فِي الحَوْل وَتُزَكَّى لحَوْلهَا وَيُجْعَل كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ مَعَهَا فِي جَمِيعِ الحَوْل بِشَرْطَيْنِ.
أحدهما: أَنْ يَحْدُثَ قَبْل تَمَامِ الحَوْل، سَوَاءٌ كَثُرَتْ البَقِيَّةُ مِنْ الحَوْل أَمْ قَلتْ فَلوْ حَدَثَ بَعْدَ الحَوْل وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الأَدَاءِ لمْ يُضَمَّ إليْهَا فِي الحَوْل الأَوَّل بِلا خِلافٍ، وَإِنَّمَا يُضَمُّ فِي الثَّانِي. وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ الحَوْل وَقَبْل التَّمَكُّنِ لمْ يُضَمَّ فِي الحَوْل المَاضِي عَلى المَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ، وَقِيل:

 

ج / 5 ص -243-       فِي صِحَّتِهِ قَوْلانِ: أصحهما: لا يُضَمُّ، وَهَذَا الطَّرِيقُ ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ فِي الفَصْل الذِي بَعْدَ هَذَا، وَقَطَعَ بِهِ المَاوَرْدِيُّ وَالبَنْدَنِيجِيّ وَ آخَرُونَ
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَحْدُثَ النِّتَاجُ بَعْدَ بُلوغِ الأُمَّاتِ نِصَابًا. فَلوْ مَلكَ دُونَ نِصَابٍ فَتَوَالدَتْ وَبَلغَهُ ابْتَدَأَ الحَوْل وَمِنْ حِينِ بَلغَهُ. وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ. وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطَانِ فَمَاتَ بَعْضُ الأُمَّاتِ بَقِيَ نِصَابُ النِّتَاجِ بِحَوْل الأُمَّاتِ بِلا خِلافٍ. وَإِنْ مَاتَتْ الأُمَّاتُ كُلهَا أَوْ بَعْضُهَا وَبَقِيَ مِنْهَا دُونَ نِصَابٍ فَثَلاثَةُ أَوْجُهٍ: الصحيح: الذِي قَطَعَ بِهِ الجُمْهُورُ مِنْ المُصَنِّفِينَ وَقَال بِهِ جُمْهُورُ المُتَقَدِّمِينَ: يُزَكَّى النِّتَاجُ بِحَوْل الأُمَّاتِ. فَإِذَا بَلغَ هُوَ نِصَابًا أَوْ مَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الأُمَّاتِ زَكَاةً. والثاني: يُزَكِّيه بِحَوْل الأُمَّاتِ بِشَرْطِ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا وَلوْ وَاحِدَةً فَإِنْ لمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ فَلا زَكَاةَ فِيهِ بَل يُبْتَدَأُ حَوْلهُ مِنْ حِينٍ وُجُودِهِ. وَالثَّالثُ: يُزَكِّيهِ بِحَوْل الأُمَّاتِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى مِنْهَا نِصَابٌ، وَلوْ بَقِيَ دُونَهُ فَلا زَكَاةَ فِي الجَمِيعِ بَل يَبْدَأُ حَوْل الجَمِيعِ مِنْ حِينِ بَلغَ نِصَابًا. وَهَذَا الوَجْهُ حَكَاهُ غَيْرُ المُصَنَّفِ عَنْ الأَنْمَاطِيِّ. دَليل الجَمِيعِ مَفْهُومٌ مِنْ الكِتَابِ.
قَال أَصْحَابُنَا: وَفَائِدَةُ ضَمِّ النِّتَاجِ إلى الأُمَّاتِ إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا بَلغَتْ بِهِ نِصَابًا آخَرَ بِأَنْ مَلكَ مِائَةَ شَاةٍ فَوَلدَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَتُضَمُّ. وَيَجِبُ شَاتَانِ، فَلوْ تَوَلدَ عِشْرُونَ فَقَطْ لمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ وَاَللهُ أَعْلمُ. هَذَا مَا يَتَعَلقُ بِمَسْأَلةِ النِّتَاجِ. وَأَمَّا: قَوْلهُ: وَإِنْ مَلكَ رَجُلٌ فِي أَوَّل المُحَرَّمِ أَرْبَعِينَ شَاةً وَفِي أَوَّل صَفَرٍ أَرْبَعِينَ إلى آخِرِهِ فَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَاَللهُ أَعْلمُ.

فرع: فِي مَذَاهِبِ العُلمَاءِ رحمهم الله فِي السِّخَال المُسْتَفَادَةِ فِي أَثْنَاءِ الحَوْل
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا تُضَمُّ إلى أُمَّهَاتِهَا فِي الحَوْل. بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُتَوَلدَةً مِنْ نِصَابٍ فِي مِلكِهِ قَبْل الحَوْل. وَحَكَى العُكْبَرِيُّ عَنْ الحَسَنِ البَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالا: لا تُضَمُّ السِّخَال إلى الأُمَّات بِحَالٍ بَل حَوْلهَا مِنْ الوِلادَةِ. وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ تُضَمُّ السِّخَال إلى النِّصَابِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَلدَةً مِنْهُ أَمْ اشْتَرَاهَا. وَتُزَكَّى بِحَوْلهِ. وَقَال مَالكٌ إذَا كَانَ عِنْدَهُ عِشْرُونَ مِنْ الغَنَمِ، فَوَلدَتْ أَثْنَاءَ الحَوْل وَبَلغَتْ نِصَابًا زَكَّى الجَمِيعَ مِنْ حِينِ. مَلكَ الأُمَّاتِ. وَإِنْ اسْتَفَادَ السِّخَال مِنْ غَيْرِ الأُمَّاتِ لمْ يَضُمَّ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ كَمَالكٍ. وَرِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا، وَقَال الشَّعْبِيُّ وَدَاوُد: لا زَكَاةَ فِي السِّخَال تَابِعَةً وَلا مُسْتَقِلةً، وَلا يَنْعَقِدُ عَليْهَا حَوْلٌ؛ لأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ لا يَقَعُ عَليْهَا غَالبًا، كَذَا نَقَلوا عَنْهُمَا الاسْتِدْلال، أَيْ: بِالأَثَرِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا1.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"إذَا مَلكَ النِّصَابَ وَحَال عَليْهِ الحَوْل، وَلمْ يُمْكِنْهُ الأَدَاءُ فَفِيهِ قَوْلانِ: قَال فِي القَدِيمِ: لا تَجِبُ الزَّكَاةُ قَبْل إمْكَانِ الأَدَاءِ، فَعَلى هَذَا تَجِبُ الزَّكَاةُ بِثَلاثَةِ شُرُوطٍ: الحَوْل، وَالنِّصَابُ، وَإِمْكَانُ الأَدَاءِ، وَالدَّليل عَليْهِ أَنَّهُ لوْ هَلكَ المَال لمْ يَضْمَنْ زَكَاتَهُ فَلمْ تَكُنْ الزَّكَاةُ وَاجِبَةً كَمَا قَبْل الحَوْل (وَقَال فِي الإِمْلاءِ): تَجِبُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلى هَذَا تَجِبُ الزَّكَاةُ بِشَرْطَيْنِ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم يذكر الشارح دليل الأصحاب في الاحتياج كما ترى (ط).

 

ج / 5 ص -244-       الحَوْل وَالنِّصَابِ - وَإِمْكَانُ الأَدَاءِ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ لا فِي الوُجُوبِ، وَالدَّليل عَليْهِ أَنَّهُ لوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ لمَا ضَمِنَهَا بِالإِتْلافِ كَمَا الحَوْل، فَلمَّا ضَمِنَ الزَّكَاةَ بِالإِتْلافِ [بَعْدَ الحَوْل]1 دَل عَلى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ خَمْسٌ مِنْ الإِبِل [وَ] هَلكَ مِنْهَا وَاحِدَةٌ بَعْدَ الحَوْل وَقَبْل إمْكَانِ الأَدَاءِ فإن قالنا: [إنَّ] إمْكَانَ الأَدَاءِ شَرْطٌ فِي الوُجُوبِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ؛ لأَنَّهُ نَقَصَ المَال عَنْ النِّصَابِ قَبْل الوُجُوبِ، فَصَارَ كَمَا لوْ هَلكَ قَبْل الحَوْل، وَإِنْ قُلنَا: إنَّهُ ليْسَ بِشَرْطٍ فِي الوُجُوبِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ سَقَطَ مِنْ الفَرْضِ خُمْسُهُ، وَوَجَبَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ. وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ، فَتَوَالدَتْ بَعْدَ الحَوْل وَقَبْل إمْكَانِ الأَدَاءِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ: أحدهما: أَنَّهُ يَبْنِي عَلى القَوْليْنِ فَإِنْ قُلنَا: إمْكَانُ الأَدَاءِ شَرْطٌ فِي الوُجُوبِ ضَمَّ الأَوْلادَ إلى الأُمَّهَاتِ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ الأَدَاءُ زَكَّى الجَمِيعَ وَإِنْ قُلنَا: شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ لمْ يَضُمَّ؛ لأَنَّهُ2 حَصَّل الأَوْلادَ بَعْدَ الوُجُوبِ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: فِي المَسْأَلةِ قَوْلانِ: مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ عَلى القَوْليْنِ أحدهما: تُضَمُّ3 الأَوْلادُ إلى مَا عِنْدَهُ لقَوْل عُمَرَ رضي الله عنه: "اعْتَدَّ عَليْهِمْ بِالسَّخْلةِ التِي يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلى يَدَيْهِ "وَالسَّخْلةُ التِي يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلى يَدَيْهِ لا تَكُونُ إلا بَعْدَ الحَوْل، وَأَمَّا مَا تَوَلدَ قَبْل الحَوْل، فَإِنَّهُ بَعْدَ الحَوْل يَمْشِي بِنَفْسِهِ والثاني: وَهُوَ الصَّحِيحُ لا يُضَمُّ إلى مَا عِنْدَهُ 4[؛ لأَنَّهُ الزَّكَاةُ قَدْ وَجَبَتْ فِي الأُمَّهَاتِ وَالزَّكَاةُ لا تَسْرِي إلى الوَلدِ؛ لأَنَّهَا لوْ سَرَتْ بَعْدَ الوُجُوبِ لسَرَتْ بَعْدَ الإِمْكَانِ؛ لأَنَّ الوُجُوبَ فِيهِ مُسْتَقِرٌّ وَحَال اسْتِقْرَارِ الوُجُوبِ آكَدُ مِنْ حَال الوُجُوبِ، فَإِنْ لمْ تَسْرِ الزَّكَاةُ إليْهِ فِي حَال الاسْتِقْرَارِ، فَلأَلا تَسْرِيَ قَبْل الاسْتِقْرَارِ أَوْلى]".
الشرح: حَدِيثُ عُمَرَ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا، وَأَنَّهُ صَحِيحٌ وَسَبَقَ بَيَانُ حَقِيقَةِ السَّخْلةِ قَال أَصْحَابُنَا: إذَا حَال الحَوْل عَلى النِّصَابِ، فَإِمْكَانُ الأَدَاءِ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ بِلا خِلافٍ، وَهَل هُوَ شَرْطٌ فِي الوُجُوبِ؟ فِيهِ قَوْلانِ: مَشْهُورَانِ أصحهما: بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ أَنَّهُ ليْسَ بِشَرْطٍ فِي الوُجُوبِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ نَصَّ عَليْهِ فِي الإِمْلاءِ مِنْ كُتُبِهِ الجَدِيدَةِ والثاني: أَنَّهُ شَرْطٌ نَصَّ عَليْهِ فِي الأُمِّ وَالقَدِيمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالكٍ وَدَليلهُمَا فِي الكِتَابِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا للقَدِيمِ بِالقِيَاسِ عَلى الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَالحَجِّ، فَإِنَّ التَّمَكُّنَ فِيهَا شَرْطٌ لوُجُوبِهَا. وَاحْتَجُّوا للأَصَحِّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لوْ تَأَخَّرَ الإِمْكَانُ مُدَّةً بَعْدَ انْقِضَاءِ الحَوْل، فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الحَوْل الثَّانِي يُحْسَبُ مِنْ تَمَامِ الأَوَّل مِنْ الإِمْكَانِ. قَال أَصْحَابُنَا: وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ البَابِ الأَوَّل بَيَانُ كَيْفِيَّةِ إمْكَانِ الأَدَاءِ وَمَا يَتَعَلقُ بِهِ وَيَتَفَرَّعُ عَليْهِ.
قَال أَصْحَابُنَا: وَقَوْلنَا إمْكَانُ الأَدَاءِ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ مَعْنَاهُ يَضْمَنُ مِنْ الزَّكَاة بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ النِّصَابِ، فَلوْ هَلكَ النِّصَابُ كُلهُ بَعْدَ الحَوْل وَقَبْل إمْكَانِ الأَدَاءِ فَلا شَيْءَ عَلى المَالكِ بِلا خِلافٍ كَمَا ذَكَرَ المُصَنِّفُ؛ لأَنَّا إنْ قُلنَا: الإِمْكَانُ شَرْطٌ فِي الوُجُوبِ، فَلمْ يُصَادِفْ وَقْتُ الوُجُوبِ مَالًا. وَإِنْ قُلنَا:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين المعقوفين ليس في ش و ق و (ط).
2 في بعض نسخ المهذب (فصل) بدل (حصل) (ط).
3 في بعض النسخ (يضم المستفاد الخ) (الخ).
4 هذه القطعة برمتها ساقطة من الطبعتين السابقتين (ط).

 

ج / 5 ص -245-       شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ، فَلمْ يَبْقَ شَيْءٌ يُضَمْنَ بِقِسْطِهِ، فَلوْ حَال الحَوْل عَلى خَمْسٍ مِنْ الإِبِل فَتَلفَ وَاحِدٌ قَبْل الإِمْكَانِ، فَلا زَكَاةَ عَلى التَّالفِ بِلا خِلافٍ، وَأَمَّا الأَرْبَعَةُ، فَإِنْ قُلنَا: الإِمْكَانُ شَرْطٌ [فِي الوُجُوبِ فَلا شَيْءَ فِيهَا وَإِنْ قُلنَا: شَرْطٌ] فِي الضَّمَانِ فَقَطْ وَجَبَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ وَلوْ تَلفَ أَرْبَعَةٌ، فَعَلى الأَوَّل لا شَيْءَ، وَعَلى الثَّانِي يَجِبُ خُمْسُ شَاةٍ، وَلوْ مَلكَ ثَلاثِينَ بَقَرَةً، فَتَلفَ خَمْسٌ مِنْهَا بَعْدَ الحَوْل وَقَبْل الإِمْكَانِ، فَعَلى الأَوَّل لا شَيْءَ عَليْهِ وَعَلى الثَّانِي يَجِبُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ تَبِيعٍ، وَلوْ تَمَّ الحَوْل عَلى تِسْعٍ مِنْ الإِبِل، فَتَلفَ أَرْبَعَةٌ قَبْل الإِمْكَانِ. فَإِنْ قُلنَا: التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الوُجُوبِ وَجَبَ شَاةٌ، وَإِنْ قُلنَا: شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَالوَقْصُ عَفْوٌ فَكَذَلكَ، وَإِنْ قُلنَا: يَتَعَلقُ الفَرْضُ بِالجَمِيعِ، فَالصَّحِيحُ الذِي قَطَعَ بِهِ الجُمْهُورُ يَجِبُ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ، وَقَال أَبُو إِسْحَاقَ: يَجِبُ شَاةٌ كَامِلةٌ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ وَجْهِ أَبِي إِسْحَاقَ. هَذَا وَدَليلهُ فِي أَوَائِل البَابِ الذِي بَعْدَ هَذَا فِي مَسْأَلةِ الأَوْقَاصِ هَل هِيَ عَفْوٌ؟ أَمْ لا؟ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى.
وَلوْ كَانَتْ المَسْأَلةُ بِحَالهَا فَتَلفَ خَمْسٌ فَإِنْ قُلنَا: الإِمْكَانُ شَرْطٌ فِي الوُجُوبِ فَلا شَيْءَ عَليْهِ، وَإِنْ قُلنَا: شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَالوَقْصُ عَفْوٌ وَجَبَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ وَإِنْ قُلنَا: ليْسَ بِعَفْوٍ فَأَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ وَلا يَجِيءُ وَجْهُ أَبِي إِسْحَاقَ. وَلوْ مَلكَ ثَمَانِينَ شَاةً، فَتَلفَ بَعْدَ الحَوْل وَقَبْل الإِمْكَانِ أَرْبَعُونَ، فَإِنْ قُلنَا: التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الوُجُوبِ أَوْ الضَّمَانِ، وَالوَقْصُ عَفْوٌ فَعَليْهِ شَاةٌ، وَإِنْ قُلنَا: يَتَعَلقُ بِالجَمِيعِ فَنِصْفُ شَاةٍ، وَعَلى وَجْهِ أَبِي إِسْحَاقَ شَاةٌ كَامِلةٌ، وَلوْ مَلكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بَعِيرًا فَتَلفَ بَعْدَ الحَوْل وَقَبْل الإِمْكَانِ خَمْسٌ فَإِنْ قُلنَا: الإِمْكَانُ شَرْطٌ فِي الوُجُوبِ لزِمَهُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَإِلا فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ، فَتَوَالدَتْ بَعْدَ الحَوْل وَقَبْل الإِمْكَانِ، فَفِيهَا طَرِيقَانِ ذَكَرَهُمَا المُصَنِّفُ بِدَليليْهِمَا، وَفِيهَا طَرِيقٌ ثَالثٌ، أَنَّهُ لا يَجِبُ شَيْءٌ فِي المُتَوَلدِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلهِ فِي الفَصْل الذِي قَبْل هَذَا، وَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لا يُضَمُّ النِّتَاجُ إلى1 الأُمَّهَاتِ فِي هَذَا الحَوْل بَل يَبْدَأُ حَوْلهَا مِنْ حِينِ وِلادَتِهَا وَاَللهُ أَعْلمُ.
وَأَمَّا قَوْل المُصَنِّفِ: لوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ لمَا ضَمِنَهَا بِالإِتْلافِ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ رَبَّ المَال لوْ أَتْلفَ المَال بَعْدَ الحَوْل وَقَبْل إمْكَانِ الأَدَاءِ لمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِلا خِلافٍ لتَقْصِيرِهِ بِالإِتْلافِ بِخِلافِ مَا إذَا أَتْلفَ بَاقِيَهُ، فَإِنَّهُ لا يَضْمَنُ؛ لأَنَّهُ لا تَقْصِيرَ وأما: إذَا أَتْلفَهُ غَيْرُ المَالكِ فَإِنْ قُلنَا: التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الوُجُوبِ لمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ، وَإِنْ قُلنَا: شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَقُلنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلقُ بِالذِّمَّةِ فَلا زَكَاةَ أَيْضًا، وَإِنْ قُلنَا: تَتَعَلقُ بِالعَيْنِ انْتَقَل حَقُّ الفُقَرَاءِ إلى القِيمَةِ، كَمَا لوْ قُتِل المَرْهُونُ أَوْ الجَانِي.
وَأَمَّا: قَوْلهُ: التَّفْرِيعُ فِيمَا إذَا هَلكَ بَعْضُ النِّصَابِ قَبْل التَّمَكُّنِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ فَمَعْنَاهُ لمْ تَجِبْ: وَليْسَ هُوَ سُقُوطًا حَقِيقِيًّا، وَهَذَا كَثِيرٌ يَسْتَعْمِلهُ الأَصْحَابُ نَحْوَ هَذَا الاسْتِعْمَال وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ لمَّا كَانَ سَبَبُ الوُجُوبِ مَوْجُودًا ثُمَّ عَرَضَ مَانِعُ الوُجُوبِ صَارَ كَمُسْقَطِ مَا وَجَبَ فَسُمِّيَ سُقُوطًا مَجَازًا، وَاَللهُ أَعْلمُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق ترجيح الأمهات جمع أم من الإنسان والأمات جميع أم من الحيوان (ط).

 

ج / 5 ص -246-       فَرْعٌ: فِي مَذَاهِبِ العُلمَاءِ فِي إمْكَانِ الأَدَاءِ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ عَلى الأَصَحِّ، فَإِنْ تَلفَ المَال بَعْدَ ضَمَانِ الزَّكَاةِ، وَإِنْ تَلفَ قَبْلهُ فَلا، وَقَال أَحْمَدُ: يَضْمَنُ فِي الحَاليْنِ، وَالتَّمَكُّنُ عِنْدَهُ ليْسَ بِشَرْطٍ فِي الوُجُوبِ وَلا فِي الضَّمَانِ وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا تَلفَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لمْ يَضْمَنْ إلا أَنْ يُطَالبَهُ الإِمَامُ أَوْ السَّاعِي فَيَمْنَعُهُ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: لا يَضْمَنُ وَإِنْ طُولبَ وَقَال مَالكٌ: إذَا مَيَّزَ الزَّكَاةَ عَنْ مِلكِهِ وَأَخَذَهَا ليُسَلمَهَا إلى الفُقَرَاءِ، فَتَلفَتْ فِي يَدِهِ بِلا تَفْرِيطٍ لمْ يَضْمَنْ وَسَقَطَتْ عَنْهُ، وَقَال دَاوُد: إنْ تَلفَتْ بِلا تَعَدٍّ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ، وَإِنْ مَنَعَهَا كَانَ ضَامِنًا بِالتَّلفِ، وَإِنْ تَلفَ بَعْضُ المَال سَقَطَ مِنْ الزَّكَاةِ بِقِسْطِهِ دَليلنَا القِيَاسُ عَلى دَيْنِ الآدَمِيِّ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَهَل تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي العَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ؟ فِيهِ قَوْلان: قَال فِي القَدِيمِ: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَالعَيْنُ مُرْتَهَنَةٌ بِهَا، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا لوْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي العَيْنِ لمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطَى حَقُّ الفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِهَا، كَحَقِّ المُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ، وَقَال فِي الجَدِيدِ: تَجِبُ فِي العَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لأَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلقُ بِالمَال يَسْقُطُ بِهَلاكِهِ، فَتَعَلقَ بِعَيْنِهِ كَحَقِّ المُضَارِبِ فإن قالنا: إنَّهَا تَجِبُ فِي العَيْنِ وَعِنْدَهُ نِصَابٌ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلمْ يُؤَدِّ حَتَّى حَال عَليْهِ حَوْلٌ آخَرُ لمْ يَجِبْ فِي الحَوْل الثَّانِي زَكَاةٌ؛ لأَنَّ الفُقَرَاءَ مَلكُوا مِنْ النِّصَابِ قَدْرَ الفَرْضِ، فَلمْ يَجِبْ فِي الحَوْل الثَّانِي زَكَاةٌ؛ لأَنَّ البَاقِيَ دُونَ النِّصَابِ وَإِنْ قُلنَا: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَجَبَتْ فِي الحَوْل الثَّانِي وَفِي كُل حَوْلٍ؛ لأَنَّ النِّصَابَ بَاقٍ عَلى مِلكِهِ".
الشرح:
قَوْلهُ: هَل تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ؟ أَوْ فِي العَيْنِ؟ فِيهِ قَوْلانِ: الجَدِيدُ الصَّحِيحُ: فِي العَيْنِ. وَالقَدِيمُ: فِي الذِّمَّةِ هَكَذَا ذَكَرَ المَسْأَلةَ أَصْحَابُنَا العِرَاقِيُّونَ، وَوَافَقَهُمْ جُمْهُورُ الخُرَاسَانِيِّينَ عَلى أَنَّ الصَّحِيحَ تَعَلقُهَا بِالعَيْنِ، وَذَكَرَ إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَالغَزَاليُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ الخُرَاسَانِيِّينَ تَرْتِيبًا آخَرَ فِي كَيْفِيَّةِ نَقْل المَسْأَلةِ فَقَالوا: هَل تَتَعَلقُ الزَّكَاةُ بِالعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ؟ فِيهِ قَوْلانِ: فَإِنْ قُلنَا: بِالعَيْنِ فَقَوْلانِ: أحدهما: أَنَّ الفُقَرَاءَ يَصِيرُونَ شُرَكَاءَ لرَبِّ المَال فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ؛ لأَنَّ الوَاجِبَ يَتْبَعُ المَال فِي الصِّفَةِ، فَتُؤْخَذُ الصَّحِيحَةُ مِنْ الصِّحَاحِ وَالمَرِيضَةُ مِنْ المِرَاضِ، وَلوْ امْتَنَعَ مِنْ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ أَخَذَهَا الإِمَامُ مِنْ عَيْنِ المَال قَهْرًا والثاني: أَنَّهَا تَتَعَلقُ بِالمَال تَعَلقَ اسْتِيثَاقٍ؛ لأَنَّهُ لوْ كَانَ مُشْتَرَكًا لمَا جَازَ الإِخْرَاجُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ كَالمُشْتَرَكِ بَيْنَ رَجُليْنِ وَعَلى هَذَا القَوْل فِي كَيْفِيَّةِ الاسْتِيثَاقِ قَوْلانِ: أحدهما: تَتَعَلقُ بِهِ تَعَلقَ الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ والثاني: تَعَلقَ الأَرْشِ بِرَقَبَةِ العَبْدِ الجَانِي؛ لأَنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ بِتَلفِ المَال قَبْل التَّمَكُّنِ فَلوْ قُلنَا تَعَلقُهَا تَعَلقُ المَرْهُونِ لمَا سَقَطَتْ وَحَكَى إمَامُ الحَرَمَيْنِ. وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَال: لا خِلافَ فِي تَعَلقِهَا بِالعَيْنِ تَعَلقَ شَرِكَةٍ والثاني: تَعَلقَ الرَّهْنِ والثالث: تَعَلقَ أَرْشِ الجِنَايَةِ والرابع: تَتَعَلقُ بِالذِّمَّةِ، قَال صَاحِبُ التَّتِمَّةِ: وَإِذَا قُلنَا: تَتَعَلقُ بِالذِّمَّةِ، فَهَل المَال خِلوٌ أَوْ هُوَ رَهْنٌ بِهِمَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ:
قَال أَصْحَابُنَا: فَإِنْ قُلنَا: تَتَعَلقُ بِالعَيْنِ تَعَلقَ الرَّهْنِ أَوْ الأَرْشِ، فَهَل تَتَعَلقُ، بِالجَمِيعِ؟ أَمْ بِقَدْرِهَا فَقَطْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: حَكَاهُمَا إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أصحهما: بِقَدْرِهَا، قَال الإِمَامُ: التَّخْصِيصُ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ

 

ج / 5 ص -247-       هُوَ الحَقُّ الذِي قَالهُ الجُمْهُورُ وَمَا عَدَاهُ هَفْوَةٌ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الخِلافِ فِي بَيْعِ مَال الزَّكَاةِ. هَذَا كُلهُ إذَا كَانَ الوَاجِبُ مِنْ جِنْسِ المَال. فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ كَالشَّاةِ الوَاجِبَةِ فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِل. فَطَرِيقَانِ: حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ أحدهما: القَطْعُ بِتَعْليقِهَا بِالذِّمَّةِ لتَوَافُقِ الجِنْسِ والثاني: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ. أَنَّهُ عَلى الخِلافِ كَمَا لوْ اتَّحَدَ الجِنْسُ فَعَلى قَوْل الاسْتِيثَاقِ لا تَخْتَلفُ. وَعَلى قَوْل الشَّرِكَةِ ثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بِقَدْرِ قِيمَةِ الشَّاةِ وَاَللهُ أَعْلمُ.
فرع: وَأَمَّا قَوْل المُصَنِّفِ فِي تَوْجِيهِ القَدِيمِ؛ لأَنَّ الزَّكَاةَ لوْ وَجَبَتْ فِي العَيْنِ لمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطَى حَقُّ الفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِهَا. كَحَقِّ المُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ. فَالمُضَارِبُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَهُوَ عَامِل القِرَاضِ. وَهَذَا الذِي قَالهُ مِنْ جَوَازِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ عَيْنِ المَال مُتَّفَقٌ عَليْهِ "وَأَجَابَ "الأَصْحَابُ للقَوْل الجَدِيدِ الصَّحِيحِ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلى المُسَامَحَةِ وَالإِرْفَاقِ فَيُحْتَمَل فِيهَا مَا لا يُحْتَمَل فِي غَيْرِهَا "وَقَوْلهُ "فِي تَوْجِيهِ الجَدِيدِ حَقُّ تَعَلقٍ بِالمَال فَسَقَطَ بِهَلاكِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الرَّهْنِ.
فرع: إذَا مَلكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فَحَال عَليْهَا حَوْلٌ، وَلمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهَا حَتَّى حَال عَليْهَا حَوْلٌ آخَرُ، فَإِنْ حَدَثَ مِنْهَا فِي كُل حَوْلٍ سَخْلةٌ فَصَاعِدًا فَعَليْهِ لكُل حَوْلٍ شَاةٌ بِلا خِلافٍ، وَإِنْ لمْ يَحْدُثْ، فَعَليْهِ شَاةٌ عَنْ الحَوْل الأَوَّل، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ قُلنَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ، وَكَانَ يَمْلكُ سِوَى الغَنَمِ مَا يَفِي بِشَاةٍ وَجَبَ شَاةٌ للحَوْل الثَّانِي. فَإِنْ لمْ يَمْلكْ غَيْرَ النِّصَابِ انْبَنَى عَلى الدَّيْنِ: هَل يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ أَمْ لا؟ "إنْ قُلنَا "يَمْنَعُ لمْ يَجِبْ للحَوْل الثَّانِي شَيْءٌ "وَإِنْ قُلنَا "لا يَمْنَعُ وَجَبَتْ الشَّاةُ للحَوْل الثَّانِي وَإِنْ قُلنَا: تَتَعَلقُ بِالعَيْنِ تَعَلقَ الشَّرِكَةِ لمْ يَجِبْ للحَوْل الثَّانِي شَيْءٌ؛ ؛ لأَنَّ الفُقَرَاءَ مَلكُوا شَاةً، فَنَقَصَ النِّصَابُ. وَلا تَجِبُ زَكَاةُ الخُلطَةِ؛ لأَنَّ جِهَةَ الفُقَرَاءِ لا زَكَاةَ فِيهَا. فَمُخَالطَتُهُمْ لا تُؤَثِّرُ كَمُخَالطَةِ المُكَاتَبِ وَالذِّمِّيِّ وَإِنْ قُلنَا: تَتَعَلقُ بِالعَيْنِ تَعَلقَ الأَرْشِ أَوْ الرَّهْنِ قَال إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ المُحَقِّقِينَ: هُوَ كَالتَّفْرِيعِ عَلى قَوْل الذِّمَّةِ وَقَال الصَّيْدَلانِيُّ: هُوَ كَقَوْل الشَّرِكَةِ وَالصَّحِيحُ: قَوْل الإِمَامِ وَمُوَافِقِيهِ. قَال الرَّافِعِيُّ: لكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ خِلافٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ مِنْ جِهَةِ تَسَلطِ السَّاعِي عَلى المَال بِقَدْرِ الزَّكَاةِ وَإِنْ قُلنَا: الدَّيْنُ لا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ. قَال: وَعَلى هَذَا التَّقْدِيرِ يَجْرِي الخِلافُ عَلى قَوْل الذِّمَّةِ أَيْضًا.
وَلوْ مَلكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بَعِيرًا حَوْليْنِ وَلا نِتَاجَ فَإِنْ عَلقْنَا الزَّكَاةَ بِالذِّمَّةِ وَقُلنَا: الدَّيْنُ لا يَمْنَعُهَا أَوْ كَانَ لهُ مَالٌ آخَرُ يَفِي بِهَا، فَعَليْهِ بِنْتَا مَخَاضٍ "وَإِنْ قُلنَا "بِالشَّرِكَةِ، فَعَليْهِ للحَوْل الأَوَّل بِنْتُ مَخَاضٍ وَللثَّانِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَتَفْرِيعُ قَوْل الرَّهْنِ وَالأَرْشِ عَلى قِيَاسِ مَا سَبَقَ.
وَلوْ مَلكَ خَمْسًا مِنْ الإِبِل حَوْليْنِ بِلا نِتَاجٍ فَالحُكْمُ كَمَا فِي الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ لكِنْ سَبَقَ حِكَايَةُ وَجْهِ أَنَّ قَوْل الشَّرِكَةِ لا يَجِيءُ إذَا كَانَ الوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ الجِنْسِ، فَعَلى هَذَا يَكُونُ الحُكْمُ فِي هَذَا عَلى الأَقْوَال كُلهَا كَالحُكْمِ فِي الأُولتَيْنِ تَفْرِيعًا عَلى قَوْل الذِّمَّةِ، وَاَللهُ أَعْلمُ.
فرع: فِي بَيْعِ مَال الزَّكَاةِ، فَرَّعَهُ المُصَنِّفُ عَلى تَعَلقِ الزَّكَاةِ بِالعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ هُنَا، لكِنَّ المُصَنِّفَ ذَكَرَهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ، فَأَخَّرْتُهُ إلى هُنَاكَ.