المجموع شرح المهذب ط عالم الكتب

ج / 5 ص -248-       بَابُ صَدَقَةِ الإِبِل
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"أَوَّل نِصَابِ الإِبِل خَمْسٌ وَفَرْضُهُ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَهِيَ التِي لهَا سَنَةٌ، وَدَخَلتْ فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي سِتٍّ وَثَلاثِينَ بِنْتُ لبُونٍ، وَهِيَ التِي لهَا ثَلاثُ سِنِينَ وَدَخَلتْ فِي الرَّابِعَةِ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَهِيَ التِي لهَا ثَلاثُ سِنِينَ وَدَخَلتْ فِي الرَّابِعَةِ، وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ وَهِيَ التِي لهَا أَرَبْعُ سَنَوَاتٍ وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلاثُ بَنَاتِ لبُونٍ، ثُمَّ فِي كُل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لبُونٍ وَفِي كُل خَمْسِينَ حِقَّةٌ. وَالأَصْل فِيهِ مَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه كَتَبَ لهُ هَذَا الكِتَابَ لمَّا وَجَّهَهُ إلى البَحْرَيْنِ:
"بسم الله الرحمن الرحيم: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ التِي فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَل عَلى المُسْلمِينَ التِي أَمَرَ اللهُ بِهَا رَسُولهُ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ سَأَلهَا عَلى وَجْهِهَا فَليُعْطِهَا وَمَنْ سَأَلهَا فَوْقَهَا فَلا يُعْطِهِ. فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِل فَمَا دُونَهَا الغَنَمُ فِي كُل خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِنْ لمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَابْنُ لبُونٍ ذَكَرٌ وَليْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلغَتْ سِتًّا وَثَلاثِينَ إلى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ لبُونٍ، فَإِذَا بَلغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الفَحْل، فَإِذَا بَلغَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ إلى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إلى تِسْعِينَ، فَفِيهَا بِنْتَا لبُونٍ، فَإِذَا بَلغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الفَحْل، فَإِذَا زَادَتْ عَلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لبُونٍ، وَفِي كُل خَمْسِينَ حِقَّةٌ. فَإِنْ زَادَ عَلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ أَقَل مِنْ وَاحِدٍ لمْ يَتَغَيَّرْ الفَرْضُ. وَقَال أَبُو سَعِيدٍ الإِصْطَخْرِيُّ: يَتَغَيَّرُ، فَيَجِبُ ثَلاثُ بَنَاتِ لبُونٍ لقَوْلهِ: فَإِذَا زَادَتْ عَلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لبُونٍ وَلمْ يُفَرِّقْ. وَالمَنْصُوصُ هُوَ الأَوَّل، لمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ قَال "أَقْرَأَنِي سَالمٌ نُسْخَةَ كِتَابِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ: فَإِذَا كَانَ إحْدَى وَتِسْعِينَ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ حَتَّى تَبْلغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ثَلاثُ بَنَاتِ لبُونٍ "؛ وَلأَنَّهُ وَقَصٌ مَحْدُودٌ فِي الشَّرْعِ، فَلمْ يَتَغَيَّرْ الفَرْضُ بَعْدَهُ بِأَقَل مِنْ وَاحِدَةٍ كَسَائِرِ الأَوْقَاصِ".
الشرح:
مَدَارُ نُصُبِ زَكَاةِ المَاشِيَةِ عَلى حَدِيثَيْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم فَالوَجْهُ تَقْدِيمُهُمَا ليُحَال مَا يَأْتِي عَليْهِمَا فَأَمَّا: حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَاهُ أَنَسٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه كَتَبَ لهُ هَذَا الكِتَابَ لمَّا وَجَّهَهُ إلى البَحْرَيْنِ:
(بسم الله الرحمن الرحيم: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ التِي فَرَضَهَا رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلى المُسْلمِينَ وَاَلتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا وَرَسُولهُ فَمَنْ سُئِلهَا مِنْ المُسْلمِينَ عَلى وَجْهِهَا فَليُعْطِهَا وَمِنْ سُئِل فَوْقَهَا فَلا يُعْطِ: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِل فَمَا دُونَهَا الغَنَمُ فِي كُل خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى. فَإِذَا بَلغَتْ سِتًّا وَثَلاثِينَ إلى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ لبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلغَتْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ إلى سِتِّينَ، فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الفَحْل، فَإِذَا بَلغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ

 

ج / 5 ص -249-       فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلغَتْ سِتَّةً وَسَبْعِينَ إلى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لبُونٍ، فَإِذَا بَلغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الجَمَل، فَإِذَا زَادَتْ عَلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لبُونٍ، وَفِي كُل خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ إلا أَرْبَعٌ مِنْ الإِبِل، فَليْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلغَتْ خَمْسًا مِنْ الإِبِل فَفِيهَا شَاةٌ وَفِي صَدَقَةِ الغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلى مِائَتَيْنِ إلى ثَلاثِمِائَةٍ، فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلى ثَلاثِمِائَةٍ، فَفِي كُل مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُل نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً، فَليْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ العُشْرِ، فَإِنْ لمْ يَكُنْ إلا تِسْعُونَ وَمِائَةٌ، فَليْسَ فِيهَا شَيْءٌ إلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.
وَفِي هَذَا الكِتَابِ وَمَنْ بَلغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَليْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَل مِنْهُ وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، فَإِنْ لمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَل مِنْهُ وَليْسَ مَعَهُ شَيْءٌ؛ وَمَنْ بَلغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الإِبِل صَدَقَةَ الجَذَعَةِ، وَليْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَل مِنْهُ الحِقَّةُ، وَيَجْعَل مَعَهَا شَاتَيْنِ اسْتَيْسَرَتَا لهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةَ الحِقَّةِ، وَليْسَتْ عِنْدَهُ الحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَل مِنْهُ الجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةَ الحِقَّةِ، وَليْسَتْ عِنْدَهُ إلا بِنْتُ لبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَل مِنْهُ بِنْتُ لبُونٍ، وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَل مِنْهُ الحِقَّةُ، وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ. وَمَنْ بَلغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لبُونٍ وَليْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَل مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَلا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلا ذَاتُ عُوَارٍ وَلا تَيْسٌ إلا مَا شَاءَ المُصَدِّقُ، وَلا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلا يُفَرِّقُ بَيْن مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَليطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ "رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُفَرَّقًا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَجَمَعْتُهُ بِحُرُوفِهِ.
وأما: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ سُفْيَانُ1 بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالمٍ عَنْ أَبِيهِ:
"أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ وَلمْ يُخْرِجْهُ إلى عُمَّالهِ حَتَّى قُبِضَ، فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ، فَلمَّا قُبِضَ عَمِل بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ وَعُمَرُ حَتَّى قُبِضَ وَكَانَ فِيهِ فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِل شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ إلى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ، فَإِذَا زَادَتْ فَجَذَعَةٌ إلى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَإِذَا زَادَتْ، فَفِيهَا ابْنَتَا لبُونٍ إلى تِسْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُل خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لبُونٍ. وَفِي الشِّيَاهِ فِي كُل أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ فَشَاتَانِ إلى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سفيان بن حسين بن حسن السلمي مولى عبد الله بن حازم الواسطي أبو محمد عن ابت سيرين والحكم بن عتيبة وعنه شعبة بن العوام وهشيم قال العلامة الخزرجي: وثقه ابن معين والنسائي والناس إلا في الزهري (ط).

 

ج / 5 ص -250-       فَثَلاثُ شِيَاهٍ إلى ثَلاثِمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلى ثَلاثِمِائَةٍ، فَفِي كُل مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، ثُمَّ ليْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلغَ مِائَةً، وَلا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَليطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلا ذَاتُ عَيْبٍ. وَقَال الزُّهْرِيُّ إذَا جَاءَ المُصَدِّقُ قَسَّمَ الشِّيَاهَ أَثْلاثًا: ثُلثٌ خِيَارٌ وَثُلثٌ أَوْسَاطٌ وَثُلثٌ شِرَارٌ وَأَخَذَ المُصَدِّقُ مِنْ الوَسَطِ "رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَال: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا لفْظُ التِّرْمِذِيِّ: وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَأَكْثَرِ رِوَايَاتِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ إلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لأَبِي دَاوُد: "فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ثَلاثُ بَنَاتِ لبُونٍ "وَليْسَ إسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُتَّصِلًا.
 وَأَمَّا أَسْنَانُ الإِبِل، فَهُوَ مِنْ المُهِمَّاتِ التِي يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا. ، فَالإِبِل بِكَسْرِ البَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلى الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ لا وَاحِدَ لهُ مِنْ لفْظِهِ وَالإِبِل مُؤَنَّثَةٌ، يُقَال إبِلٌ سَائِمَةٌ، وَكَذَلكَ البَقَرُ وَالغَنَمُ. قَال أَهْل اللغَةِ: يُقَال لوَلدِ النَّاقَةِ إذَا وَضَعَتْهُ "رُبَعٌ "بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ البَاءِ. وَالأُنْثَى رَبَعَة ثُمَّ هُبَعٌ وَهِبْعَة بِضَمِّ الهَاءِ وَفَتْحِ البَاءِ المُوَحَّدَةِ، فَإِذَا فُصِل عَنْ أُمِّهِ، فَهُوَ فَصِيلٌ وَالجَمْعُ فُصْلانٌ وَالفِصَال الفِطَامُ. وَهُوَ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ حُوَارٌ بِضَمِّ الحَاءِ فَإِذَا اسْتَكْمَل السَّنَةَ وَدَخَل فِي الثَّانِيَةِ، فَهُوَ ابْنُ مَخَاضٍ، وَالأُنْثَى بِنْتُ مَخَاضٍ، سُمِّيَ بِذَلكَ؛ لأَنَّ أُمَّهُ لحِقَتْ بِالمَخَاضِ، وَهِيَ الحَوَامِل، ثُمَّ لزِمَهُ هَذَا الاسْمُ وَإِنْ لمْ تَحْمِل أُمُّهُ. وَلا يَزَال ابْنَ مَخَاضٍ حَتَّى يَدْخُل فِي السَّنَةِ الثَّالثَةِ، فَإِذَا دَخَل فِيهَا، فَهُوَ ابْنُ لبُونٍ وَالأُنْثَى بِنْتُ لبُونٍ. هَكَذَا يُسْتَعْمَل مُضَافًا إلى النَّكِرَةِ. هَذَا هُوَ الأَكْثَرُ، وَقَدْ اسْتَعْمَلوهُ قَليلًا مُضَافًا إلى المَعْرِفَةِ
 قَال الشَّاعِرُ:
وَابْنُ اللبُونِ إذَا مَا لزَّ فِي قَرْنٍ1
قَالوا: سُمِّيَ بِذَلكَ؛ لأَنَّ أُمَّهُ وَضَعَتْ غَيْرَهُ وَصَارَتْ ذَاتَ لبَنٍ، وَلا يَزَال ابْنَ لبُونٍ حَتَّى يَدْخُل فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، فَإِذَا دَخَل فِيهَا فَهُوَ حِقٌّ، وَالأُنْثَى حِقَّةٌ؛ لأَنَّهُ اسْتَحَقَّ أَنْ يُحْمَل عَليْهِ وَيُرْكَبَ وَأَنْ يَطْرُقَهَا الفَحْل، فَتَحْمِل مِنْهُ، وَلهَذَا صَحَّ فِي الحَدِيثِ "طَرُوقَةُ الفَحْل وَطَرُوقَةُ الجَمَل "وَطَرُوقَةٌ بِمَعْنَى مَطْرُوقَةٌ كَحَلوبَةٍ وَرَكُوبَةٍ بِمَعْنَى مَحْلوبَةٍ وَمَرْكُوبَةٍ، وَلا يَزَال حِقًّا حَتَّى يَدْخُل فِي السَّنَةِ الخَامِسَةِ، فَإِذَا دَخَل فِيهَا، فَهُوَ جَذَعٌ بِفَتْحِ الذَّال وَالأُنْثَى جَذَعَةٌ، وَهِيَ آخِرُ الأَسْنَانِ المَنْصُوصِ عَليْهَا فِي الزَّكَاةِ، وَلا يَزَال جَذَعًا حَتَّى يَدْخُل فِي السَّادِسَةِ، فَإِذَا دَخَل فِيهَا فَهُوَ ثَنِيٌّ وَالأُنْثَى ثَنِيَّةٌ، وَهُوَ أَوَّل الأَسْنَانِ المُجْزِئَةِ مِنْ الإِبِل فِي الأُضْحِيَّةِ؛ وَلا يَزَال ثَنِيًّا حَتَّى يَدْخُل فِي السَّابِعَةِ، فَإِذَا دَخَل فِيهَا فَهُوَ رَبَاعٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيُقَال: رَبَاعِي بِتَخْفِيفِ اليَاءِ وَالأَوَّل أَشْهَرُ، وَالأُنْثَى رَبَاعِيَةٌ بِتَخْفِيفِ اليَاءِ وَلا يَزَال رَبَاعًا وَرُبَاعِيًّا حَتَّى يَدْخُل فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ. فَإِذَا دَخَل فِيهَا، فَهُوَ سَدَسٌ بِفَتْحِ السِّينِ وَالدَّال وَيُقَال: أَيْضًا سَدِيسٌ بِزِيَادَةِ يَاءٍ، وَالذَّكَرُ وَالأُنْثَى فِيهِ بِلفْظٍ وَاحِدٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذه الشطرة من بيت لجرير وبقيته:
لم يستطع صولة البزل القناعيس

 

ج / 5 ص -251-       وَلا يَزَال سَدَسًا حَتَّى يَدْخُل فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ، فَإِذَا دَخَل، فَهُوَ بَازِلٌ بِالبَاءِ المُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَبِاللامِ؛ لأَنَّهُ بَزَل نَابُهُ أَيْ: طَلعَ، وَالأُنْثَى بَازِلٌ أَيْضًا بِلا هَاءٍ، وَلا يَزَال بَازِلًا حَتَّى يَدْخُل فِي السَّنَةِ العَاشِرَةِ، فَإِذَا دَخَل فِيهَا فَهُوَ مُخْلفٌ بِضَمِّ المِيمِ وَإِسْكَانِ الخَاءِ المُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللامِ وَالأُنْثَى مُخْلفٌ أَيْضًا بِغَيْرِ هَاءٍ فِي قَوْل الكِسَائِيّ وَمُخْلفَةٌ بِالهَاءِ فِي قَوْل أَبِي زَيْدٍ النَّحْوِيِّ، حَكَاهُ عَنْهُمَا ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ وَوَافَقَهُمَا غَيْرُهُمَا، ثُمَّ ليْسَ لهُ بَعْدَ ذَلكَ اسْمٌ مَخْصُوصٌ، وَلكِنْ يُقَال: بَازِل عَامٍ وَبَازِل عَامَيْنِ وَمُخْلفُ عَامٍ وَمُخْلفُ عَامَيْنِ، وَكَذَلكَ مَا زَادَ فَإِذَا كَبُرَ، فَهُوَ عَوْدٌ بِفَتْحِ العَيْنِ وَإِسْكَانِ الوَاوِ وَالأُنْثَى عَوْدَةٌ، فَإِذَا هَرِمَ، فَهُوَ قَحِمٌ بِفَتْحِ القَافِ وَكَسْرِ الحَاءِ المُهْمَلةِ وَالأُنْثَى نَابٌ وَشَارِفٌ، وَهَذَا الذِي ذَكَرْتُهُ إلى هُنَا قَوْل إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي رِوَايَةِ حَرْمَلةَ عَنْهُ، وَنَقَلهُ أَبُو دَاوُد والسجستاني فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ عَنْ الرِّيَاشِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَنَقَلهُ أَيْضًا ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالأَزْهَرِيُّ وَخَلقٌ سِوَاهُمْ، لكِنْ فِي الذِي ذَكَرْتُهُ زِيَادَةُ أَلفَاظٍ يَسِيرَةٍ لبَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَيُقَال: مُخْلفُ عَامٍ وَمُخْلفُ عَامَيْنِ وَمُخْلفُ ثَلاثَةِ أَعْوَامٍ، إلى خَمْسِ سِنِينَ وَلمْ يُقَيِّدْهُ الجُمْهُورُ بِخَمْسٍ وَاَللهُ أَعْلم.
وأما: أَلفَاظُ الحَدِيثِ، فَأَوَّلهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَال المَاوَرْدِيُّ صَاحِبُ الحَاوِي: يُسْتَدَل بِهِ عَلى إثْبَاتِ البَسْمَلةِ فِي ابْتِدَاءِ الكُتُبِ خِلافَ مَا كَانَ عَليْهِ الجَاهِليَّةُ مِنْ قَوْلهِمْ: بِاسْمِك اللهُمَّ، قَال: وَدَل أَيْضًا عَلى أَنَّ الابْتِدَاءَ بِحَمْدِ اللهِ ليْسَ بِوَاجِبٍ وَلا شَرْطٍ، وَأَنَّ مَعْنَى الحَدِيثِ "كُل أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِالحَمْدِ للهِ، فَهُوَ أَجْذَمُ "أَيْ: لمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِحَمْدِ اللهِ أَوْ مَعْنَاهُ وَنَحْوِهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالى. وَقَوْلهُ: "هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ "قَال المَاوَرْدِيُّ: بَدَأَ بِإِشَارَةِ التَّأْنِيثِ؛ لأَنَّهُ عَطَفَ عَليْهِ مُؤَنَّثًا. قَال: وَقَوْلهُ: "فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ "أَيْ: نُسْخَةُ فَرِيضَةِ الصَّدَقَةِ فَحَذَفَ لفْظَ "نُسْخَةُ "وَهُوَ مِنْ حَذْفِ المُضَافِ وَإِقَامَةِ المُضَافِ إليْهِ مَقَامَهُ. قَال أَهْل اللغَةِ وَغَيْرُهُمْ: وَتُسَمَّى الجَذَعَةُ وَالحِقَّةُ وَبِنْتُ اللبُونِ وَبِنْتُ المَخَاضِ المَأْخُوذَاتُ فِي الزَّكَاةِ فَرَائِضَ، وَالوَاحِدَةُ فَرِيضَةً وَهِيَ فَعَيْلةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولةٍ وقوله: فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ دَليلٌ عَلى أَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ يَقَعُ عَلى الزَّكَاةِ خِلافًا لأَبِي حَنِيفَةَ.
وقوله: التِي فَرَضَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلى المُسْلمِينَ قِيل: فِيهِ ثَلاثَةُ مَذَاهِبَ أحدها: أَنَّهُ مِنْ الفَرْضِ الذِي هُوَ الإِيجَابُ وَالإِلزَامُ والثاني: مَعْنَى فَرَضَ: سَنَّ والثالث: مَعْنَاهُ: قَدَّرَ، وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الحَاوِي وَغَيْرُهُ، فَعَلى الأَوَّل مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ تَعَالى أَوْجَبَهَا ثُمَّ بَلغَهَا إليْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسُمِّيَ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم وَتَبْليغُهُ فَرْضًا، وَعَلى الثَّانِي مَعْنَاهُ: شَرَعَهَا بِأَمْرِ اللهِ تَعَالى، وَعَلى الثَّالثِ بَيَّنَهَا لقَوْل اللهِ تَعَالى "قَدْ فَرَضَ اللهُ لكُمْ تَحِلةَ أَيْمَانِكُمْ"أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: قَدَّرَهَا مِنْ قَوْلهِمْ: فَرَضَ القَاضِي النَّفَقَةَ أَيْ: قَدَّرَهَا. وأما: قَوْلهُ عَلى المُسْلمِينَ فَفِيهِ دَليلٌ لمَنْ يَقُول: ليْسَ الكَافِرُ مُخَاطَبًا بِالزَّكَاةِ وَسَائِرِ الفُرُوعِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِكُل ذَلكَ. وَمَعْنَى عَلى المُسْلمِينَ أَيْ: تُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَالكَافِرُ لا تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَلكِنَّهُ يُعَذَّبُ عَليْهَا فِي الآخِرَةِ وقوله: وَاَلتِي أَمَرَ اللهُ تَعَالى بِهَا، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ البُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الحَدِيثِ المَشْهُورَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَأَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ: التِي بِغَيْرِ وَاوٍ، وَكِلاهُمَا صَحِيحٌ. فَأَمَّا: رِوَايَةُ البُخَارِيِّ وَالجُمْهُورِ بِإِثْبَاتِ الوَاوِ، فَعَطْفٌ عَلى قَوْلهِ: "التِي فَرَضَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم

 

ج / 5 ص -252-       يَعْنِي أَنَّ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ اجْتَمَعَ فِيهَا تَقْدِيرُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمْرُ اللهِ تَعَالى وَإِيجَابُهُ "وَأَمَّا عَلى رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فَتَكُونُ الجُمْلةُ الثَّانِيَةُ بَدَلًا مِنْ الأُولى وَوَقَعَ فِي المُهَذَّبِ: "هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ التِي فَرَضَ اللهُ تَعَالى عَلى المُسْلمِينَ "وَاَلذِي فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ وَكُتُبِ الحَدِيثِ المَشْهُورَةِ التِي فَرَضَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَوَقَعَ فِي المُهَذَّبِ التِي أَمَرَ اللهُ بِهَا رَسُولهُ صلى الله عليه وسلم وَليْسَتْ لفْظَةُ "بِهَا "فِي البُخَارِيِّ.
وَوَقَعَ فِي المُهَذَّبِ: فَمَنْ سَأَلهَا عَلى وَجْهِهَا فَليُعْطَهَا، وَمَنْ سَأَل فَوْقَهَا فَلا يُعْطَهُ بِفَتْحِ الطَّاءِ فِيهِمَا، وَاَلذِي فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الحَدِيثِ المُعْتَمَدَةِ فَمَنْ سُئِلهَا عَلى وَجْهِهَا فَليُعْطَهَا، وَمَنْ سُئِل بِضَمِّ السِّينِ فِي المَوْضِعَيْنِ عَلى مَا لمْ يُسَمَّ فَاعِلهُ وَبِكَسْرِ الطَّاءِ. قوله: فَمَنْ سُئِلهَا عَلى وَجْهِهَا أَيْ: حَسْبَ مَا شُرِعَتْ لهُ قوله: صلى الله عليه وسلم
"وَمَنْ سُئِل فَوْقَهَا فَلا يُعْطَهُ "اخْتَلفَ أَصْحَابُنَا فِي الضَّمِيرِ فِي لا يُعْطَهُ عَلى وَجْهَيْنِ مَشْهُورِينَ فِي كُتُبِ المَذَاهِبِ أصحهما: عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ لا يُعْطَى الزَّائِدَ، بَل يُعْطَى أَصْل الوَاجِبِ عَلى وَجْهِهِ، كَذَا صَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ، وَنَقَل الرَّافِعِيُّ الاتِّفَاقَ عَلى تَصْحِيحِهِ.
وَالوَجْهُ الثَّانِي: مَعْنَاهُ: لا يُعْطَى فَرْضُ الزَّكَاةِ وَلا شَيْءٌ مِنْهُ لهَذَا السَّاعِي، بَل يُخْرِجُ الوَاجِبَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَدْفَعُهُ إلى سَاعٍ آخَرَ، قَالوا: لأَنَّهُ بِطَلبِهِ الزَّائِدَ عَلى الوَاجِبِ يَكُونُ مُعْتَدِيًا فَاسِقًا، وَشَرْطُ السَّاعِي أَنْ يَكُونَ أَمِينًا. وَهَذَا إذَا طَلبَ الزَّائِدَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَمَنْ طَلبَ شَاتَيْنِ عَنْ شَاةٍ، فَأَمَّا مَنْ طَلبَ زِيَادَةً بِتَأْوِيلٍ بِأَنْ كَانَ مَالكِيًّا يَرَى أَخْذَ الكَبِيرَةِ عَنْ الصِّغَارِ، فَإِنَّهُ الوَاجِبُ بِلا خِلافٍ وَلا يُعْطَى الزَّائِدَ؛ لأَنَّهُ لا يَفْسُقُ وَلا يَعْصِي وَالحَالةُ هَذِهِ.
قَال صَاحِبُ الحَاوِي وَغَيْرُهُ: وَإِذَا قُلنَا بِالوَجْهِ الثَّانِي أَنَّهُ لا يُعْطَى، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى، فَجَعَلوهُ حَرَامًا، وَهُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ وَمُقْتَضَى قَوْلهِمْ: أَنَّهُ فَسَقَ بِطَلبِ الزِّيَادَةِ فَانْعَزَل، فَلا يَجُوزُ الدَّفْعُ إليْهِ كَسَائِرِ الأَجَانِبِ.
وقوله: صلى الله عليه وسلم
"فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِل فَمَا دُونَهَا الغَنَمُ "هَذِهِ جُمْلةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ، فَالغَنَمُ مُبْتَدَأٌ وَفِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، قَال بَعْضُ العُلمَاءِ: الحِكْمَةُ هُنَا فِي تَقْدِيمِ الخَبَرِ أَنَّ المَقْصُودَ بَيَانُ النِّصَابِ، وَالزَّكَاةُ إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ، فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَحْسَنَ، ثُمَّ ذَكَرَ الوَاجِبَ، وَكَذَا اُسْتُعْمِل هَذَا المَعْنَى فِي كُل النُّصُبِ، فَقَال صلى الله عليه وسلم "فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فِيهَا بِنْتُ لبُونٍ، فِيهَا حِقَّةٌ "إلى آخِرِهِ. وقوله: صلى الله عليه وسلم "فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِل فَمَا دُونَهَا الغَنَمُ "مُجْمَلٌ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَنَّ فِي كُل خَمْسٍ شَاةً.
وقوله: صلى الله عليه وسلم
"بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى "قِيل: احْتِرَازٌ مِنْ الخُنْثَى، وَقِيل: غَيْرُهُ، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لشِدَّةِ الاعْتِنَاءِ، كَقَوْلهِمْ رَأَيْتُ بِعَيْنِي وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي وقوله: صلى الله عليه وسلم "وَلا يُخْرِجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةً وَلا ذَاتَ عَوَارٍ "وَالعَوَارُ: بِفَتْحِ العَيْنِ وَضَمِّهَا وَالفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ العَيْبُ وأما: قَوْلهُ صلى الله عليه وسلم "وَلا يُخْرِجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلا ذَاتُ عَوَارٍ وَلا تَيْسٌ إلا مَا شَاءَ المُصَّدِّقُ "وَفِي رِوَايَاتِ أَبِي دَاوُد إلا أَنْ يَشَاءَ المُصَدِّقُ

 

ج / 5 ص -253-       وَفِي رِوَايَةٍ لهُ "وَلا تَيْسُ الغَنَمِ "أَيْ: فَحْلهَا المُعَدُّ لضِرَابِهَا، وَاخْتُلفَ فِي مَعْنَاهُ، فَقَال كَثِيرُونَ أَوْ الأَكْثَرُونَ: المُصَّدِّقُ هُنَا بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَهُوَ رَبُّ المَال قَالوا: وَالاسْتِثْنَاءُ عَائِدٌ إلى التَّيْسِ خَاصَّةً، وَمَعْنَاهُ لا يُخْرِجُ هَرِمَةً وَلا ذَاتَ عَيْبٍ أَبَدًا، وَلا يُؤْخَذُ التَّيْسُ إلا بِرِضَاءِ المَالكِ قَالوا: وَلا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيل؛ لأَنَّ الهَرِمَةَ وَذَاتَ العَيْبِ لا يَجُوزُ للمَالكِ إخْرَاجُهُمَا وَلا للعَامِل الرِّضَا بِهِمَا؛ لأَنَّهُ لا يَجُوزُ لهُ التَّبَرُّعُ بِالزَّكَاةِ.
وَأَمَّا التَّيْسُ فَالمَنْعُ مِنْ أَخْذِهِ لحَقِّ المَالكِ وَهُوَ كَوْنُهُ فَحْل الغَنَمِ. المُعَدَّ لضِرَابِهَا، فَإِذَا تَبَرَّعَ بِهِ المَالكُ جَازَ وَصُورَتُهُ: إذَا كَانَتْ الغَنَمُ كُلهَا ذُكُورًا بِأَنْ مَاتَتْ الإِنَاثُ، وَبَقِيَتْ الذُّكُورُ، فَيَجِبُ فِيهَا ذُكُورٌ، فَيُؤْخَذُ مِنْ وَسَطِهَا، وَلا يَجُوزُ أَخْذُ تَيْسِ الغَنَمِ إلا بِرِضَاءِ المَالكِ، هَذَا أَحَدُ التَّأْوِيليْنِ. والثاني: وَهُوَ الأَصَحُّ المُخْتَارُ مَا أَشَارَ إليْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي البُوَيْطِيِّ فَإِنَّهُ قَال: وَلا يُؤْخَذُ ذَاتُ عَوَارٍ وَلا تَيْسٌ وَلا هَرِمَةٌ إلا أَنْ يَرَى المُصَدِّقُ أَنَّ ذَلكَ أَفْضَل للمَسَاكِينِ فَيَأْخُذُهُ عَلى النَّظَرِ. هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه بِحُرُوفِهِ، وَأَرَادَ بِالمُصَدِّقِ السَّاعِيَ وَهُوَ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ، فَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَيَعُودُ الاسْتِثْنَاءُ إلى الجَمِيعِ، وَهُوَ أَيْضًا المَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا عَادَ إلى جَمِيعِهَا وَاَللهُ تَعَالى أَعْلمُ.
وَقَوْلهُ فِي أَوَّل الحَدِيثِ "لمَّا وَجَّهَهُ إلى البَحْرَيْنِ "هُوَ اسْمٌ لبِلادٍ مَعْرُوفَةٍ وَإِقْليمٍ مَشْهُورٍ مُشْتَمِلٍ عَلى مُدُنٍ قَاعِدَتُهَا هَجَرُ1. قَالوا: وَهَكَذَا يُنْطَقُ بِهِ البَحْرَيْنِ بِلفْظِ التَّثْنِيَةِ وَيُنْسَبُ إليْهِ بَحْرَانِيٌّ، وَاَللهُ تَعَالى أَعْلمُ.
فَصْلٌ: أَمَّا أَحْكَامُ الفَصْل: فَأَوَّل نِصَابِ الإِبِل خَمْسٌ بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ، نَقَل الإِجْمَاعَ فِيهِ خَلائِقُ، فَلا يَجِبُ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ شَيْءٌ بِالإِجْمَاعِ، وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلى أَنَّ الوَاجِبَ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا الغَنَمُ كَمَا ثَبَتَ فِي الحَدِيثِ، فَيَجِبُ فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِل شَاةٌ ثُمَّ لا يَزِيدُ الوَاجِبُ بِزِيَادَةِ الإِبِل حَتَّى تَبْلغَ عَشْرًا. وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، ثُمَّ لا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلغَ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلغَ سِتًّا وَثَلاثِينَ، فَفِي سِتٍّ وَثَلاثِينَ بِنْتُ لبُونٍ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لبُونٍ وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ، وَلا يَجِبُ بَعْدَهَا شَيْءٌ حَتَّى تُجَاوِزَ مِائَةً وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ عَلى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً وَجَبَ ثَلاثُ بَنَاتِ لبُونٍ، وَإِنْ زَادَتْ بَعْضَ وَاحِدَةٍ، فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ: ذَكَرَهُمَا المُصَنِّفُ بِدَليليْهِمَا الصحيح: المَنْصُوصُ وَقَوْل الجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا: لا يَجِبُ إلا حِقَّتَانِ. وَقَال أَبُو سَعِيدٍ الإِصْطَخْرِيُّ: يَجِبُ ثَلاثُ بَنَاتِ لبُونٍ، وَاحْتَجَّ الإِصْطَخْرِيُّ بِقَوْلهِ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ: "فَإِذَا زَادَتْ عَلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لبُونٍ "وَالزِّيَادَةُ تَقَعُ عَلى البَعِيرِ وَعَلى بَعْضِهِ.
وَاحْتَجَّ الجُمْهُورُ بِقَوْلهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ "فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً "لكِنْ سَبَقَ أَنَّهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا في زمانه رضي الله عنه أما في عصرنا فإن البحرين قاعدتها (المنامة).

 

ج / 5 ص -254-       ليْسَتْ مُتَّصِلةَ الإِسْنَادِ، فَنَحْتَجُّ بِأَنَّ المَفْهُومَ مِنْ الزِّيَادَةِ بَعِيرٌ كَامِلٌ، وَتُتَصَوَّرُ المَسْأَلةُ بِأَنْ يَمْلكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ بَعِيرًا وَبَعْضَ بَعِيرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ لا تَصِحُّ خُلطَتُهُ. وَقَوْل المُصَنِّفِ فِي الاحْتِجَاجِ عَلى الإِصْطَخْرِيِّ؛ لأَنَّهُ وَقْصٌ مَحْدُودٌ فِي الشَّرْعِ، فَلمْ يَتَغَيَّرْ الفَرْضُ بَعْدَهُ بِأَقَل مِنْ وَاحِدٍ كَسَائِرِ الأَوْقَاصِ، قَال القَلعِيُّ: قَوْلهُ "مَحْدُودٌ فِي الشَّرْعِ "احْتِرَازٌ مِمَّا فَوْقَ نِصَابِ المُعَشَّرَاتِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ؛ لأَنَّ الشَّرْعَ لمْ يَحُدَّ فِيهِ بَعْدَ النِّصَابِ حَدًّا تَتَعَيَّنُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
قَال أَصْحَابُنَا: وَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَالوَاجِبُ ثَلاثُ بَنَاتِ لبُونٍ كَمَا سَبَقَ، وَهَل للوَاحِدِ قِسْطٌ مِنْ الوَاجِبِ؟ فِيهِ وجهان: قَال الإِصْطَخْرِيُّ: لا. وَقَال الجُمْهُورُ: نَعَمْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَعَلى هَذَا لوْ تَلفَتْ وَاحِدَةٌ بَعْدَ الحَوْل وَقَبْل التَّمَكُّنِ سَقَطَ مِنْ الوَاجِبِ جُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَعَلى قَوْل الإِصْطَخْرِيِّ: لا يَسْقُطُ. ثُمَّ بَعْدَ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ يَسْتَقِرُّ الأَمْرُ، فَيَجِبُ فِي كُل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لبُونٍ وَفِي كُل خَمْسِينَ حِقَّةٌ. فَيَجِبُ فِي مِائَةٍ وَثَلاثِينَ بِنْتَا لبُونٍ وَحِقَّةٌ، فَيَتَغَيَّرُ الفَرْضُ هُنَا بِتِسْعَةٍ. ثُمَّ يَتَغَيَّرُ بِعَشْرَةٍ عَشْرَةً أَبَدًا. فَفِي مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لبُونٍ وَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلاثُ حِقَاقٍ وَمِائَةٍ وَسِتِّينَ أَرْبَعُ بَنَاتِ لبُونٍ وَمِائَةٍ وَسَبْعِينَ ثَلاثُ بَنَاتِ لبُونٍ وَحِقَّةٌ وَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لبُونٍ، وَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ ثَلاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لبُونٍ، وَفِي مِائَتَيْنِ أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لبُونٍ. وَأَيُّهُمَا يَأْخُذُ؟ فِيهِ خِلافٌ ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا. وَفِي مِائَتَيْنِ وَعَشْرٍ أَرْبَعُ بَنَاتِ لبُونٍ وَحِقَّةٌ، وَمِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ حِقَّتَانِ وَثَلاثُ بَنَاتِ لبُونٍ، وَمِائَتَيْنِ وَثَلاثِينَ ثَلاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتَا لبُونٍ، وَعَلى هَذَا أَبَدًا. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ بِنْتَ مَخَاضٍ لهَا سَنَةٌ وَبِنْتَ لبُونٍ سَنَتَانِ وَالحِقَّةُ ثَلاثٌ وَالجَذَعَةُ أَرْبَعٌ وَاَللهُ أَعْلمُ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَفِي الأَوْقَاصِ التِي بَيْنَ النُّصُبِ قَوْلانِ: (قَال): فِي القَدِيمِ وَالجَدِيدِ: يَتَعَلقُ الفَرْضُ بِالنُّصُبِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الأَوْقَاصِ عَفْوٌ؛ لأَنَّهُ وَقَصٌ قَبْل النِّصَابِ فَلمْ يَتَعَلقْ بِهِ حَقٌّ كَالأَرْبَعَةِ الأُولى. وَقَال فِي البُوَيْطِيِّ: يَتَعَلقُ الفَرْضُ بِالجَمِيعِ لحَدِيثِ أَنَسٍ: "فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِل فَمَا دُونَهَا مِنْ الغَنَمِ فِي كُل خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ}، فَجَعَل الفَرْضَ فِي النِّصَابِ وَمَا زَادَ وَلأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلى نِصَابٍ فَلمْ يَكُنْ عَفْوًا كَالزِّيَادَةِ عَلى نِصَابِ القَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. فَإِنْ قُلنَا بِالأَوَّل، فَمَلكَ تِسْعًا مِنْ الإِبِل، فَهَلكَ بَعْدَ الحَوْل وَقَبْل إمْكَانِ الأَدَاءِ أَرْبَعَةٌ لمْ يَسْقُطْ مِنْ الفَرْضِ شَيْءٌ [؛ لأَنَّ الذِي تَعَلقَ بِهِ الفَرْضُ بَاقٍ] وَإِنْ قُلنَا بِالثَّانِي سَقَطَ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِهِ [؛ لأَنَّ الفَرْضَ تَعَلقَ بِالجَمِيعِ،1 فَسَقَطَ مِنْ الفَرْضِ بِقِسْطِ الهَالكِ]".
الشرح: حَدِيثُ أَنَسٍ سَبَقَ بَيَانُهُ، وَللشَّافِعِيِّ رضي الله عنه قَوْلانِ: فِي الأَوْقَاصِ التِي بَيْنَ النُّصُبِ أصحهما: عِنْدَ الأَصْحَابِ أَنَّهَا عَفْوٌ، وَيَخْتَصُّ الفَرْضُ بِتَعَلقِ النِّصَابِ، وَهَذَا نَصُّهُ فِي القَدِيمِ وَأَكْثَرِ كُتُبِهِ الجَدِيدَةِ. وَقَال فِي البُوَيْطِيِّ مِنْ كُتُبِهِ الجَدِيدَةِ يَتَعَلقُ بِالجَمِيعِ، وَذَكَرَ المُصَنِّفُ رحمه الله دَليلهُمَا، فَلوْ كَانَ مَعَهُ تِسْعٌ مِنْ الإِبِل فَتَلفَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ بَعْدَ الحَوْل وَقَبْل التَّمَكُّنِ فَإِنْ قُلنَا: التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين المعقوفتين ليس في ش و ق (ط).

 

ج / 5 ص -255-       الوُجُوبِ وَجَبَتْ شَاةٌ بِلا خِلافٍ. وَإِنْ قُلنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَقُلنَا الوَقَصُ عَفْوٌ وَجَبَتْ شَاةٌ أَيْضًا، وَإِنْ قُلنَا: يَتَعَلقُ بِهِ الفَرْضُ وَجَبَ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ. هَكَذَا قَال أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ، وَلمْ يَذْكُرْ المُصَنِّفُ التَّفْرِيعَ عَلى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الوُجُوبِ بَل أَرَادَ الاقْتِصَارَ عَلى التَّفْرِيعِ عَلى الصَّحِيحِ أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ، وَلا بُدَّ مِنْ تَأْوِيل كَلامِهِ عَلى مَا ذَكَرْتُهُ.
وَهَذَا الذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ خَمْسَةِ أَتْسَاعِ شَاةٍ عَلى قَوْلنَا: الإِمْكَانُ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ، وَأَنَّ الفَرْضَ يَتَعَلقُ بِالجَمِيعِ هُوَ المَذْهَبُ، وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ. وَحَكَى القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَمُتَابِعُوهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ المَرْوَزِيِّ أَنَّ عَليْهِ شَاةً كَامِلةً مَعَ التَّفْرِيعِ عَلى هَذَيْنِ الأَصْليْنِ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ ليْسَتْ شَرْطًا فِي الوُجُوبِ، فَلا يُؤَثِّرُ تَلفُهَا وَإِنْ تَعَلقَ بِهَا الوَاجِبُ، كَمَا لوْ شَهِدَ خَمْسَةٌ بِزِنَا مُحْصَنٍ، فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ غَلطَ، فَلا ضَمَانَ عَلى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلوْ رَجَعَ اثْنَانِ وَجَبَ الضَّمَانُ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا التَّفْرِيعِ مَعَ فُرُوعٍ كَثِيرَةٍ مُفَرَّعَةٍ عَلى هَذَا الأَصْل فِي آخِرِ البَابِ الذِي قَبْل هَذَا.
فرع: الوَقَصُ بِفَتْحِ القَافِ وَإِسْكَانِهَا لغَتَانِ أَشْهَرُهُمَا: عِنْدَ أَهْل اللغَةِ الفَتْحُ، وَالمُسْتَعْمَل مِنْهُمَا عِنْدَ الفُقَهَاءِ الإِسْكَانُ وَاقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الكُتُبِ المَشْهُورَةِ فِي اللغَةِ عَلى الفَتْحِ، وَصَنَّفَ الإِمَامُ ابْنُ بِرِّيٍّ المُتَأَخِّرُ جُزْءًا فِي لحْنِ الفُقَهَاءِ لمْ يُصِبْ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ، فَذَكَرَ مِنْ لحْنِهِمْ قَوْلهُمْ: وَقْصٌ بِالإِسْكَانِ، وَليْسَ كَمَا قَال. وَذَكَر القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ فِي تَعْليقِهِ فِي آخِرِ بَابِ زَكَاةِ البَقَرِ وَصَاحِبُ الشَّامِل فِي بَابِ زَكَاةِ البَقَرِ أَيْضًا، وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ أَكْثَرَ أَهْل اللغَةِ قَالوا: الوَقْصُ بِالإِسْكَانِ، كَذَا قَال صَاحِبُ الشَّامِل: أَكْثَرُ أَهْل اللغَةِ وَقَال القَاضِي: الصَّحِيحُ فِي اللغَةِ الأَوَّل، وَقَال بَعْضُ أَهْل اللغَةِ: هُوَ بِالفَتْحِ فَالأَوَّل ليْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ.
وَاحْتَجَّ مَانِعُ الإِسْكَانِ بِأَنَّ فَعْلًا السَّاكِنَ المُعْتَل الفَاءِ لا يُجْمَعُ عَلى أَفْعَالٍ وَهَذَا غَلطٌ فَاحِشٌ، فَقَدْ جَاءَ وَطْبٌ وَأَوْطَابٌ، وَوَغْدَ وَأَوْغَادٌ وَوَعْرٌ وَأَوْعَارٌ، وَغَيْرُ ذَلكَ فَحَصَل فِي الوَقْصِ لغَتَانِ، قَال أَهْل اللغَةِ وَالقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِل وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا: الشَّنْقُ (بِفَتْحِ الشِّينِ المُعْجَمَةِ وَالنُّونِ): هُوَ أَيْضًا مَا بَيْنَ الفَرِيضَتَيْنِ، قَال القَاضِي: أَكْثَرُ أَهْل اللغَةِ يَقُولونَ: الوَقْصُ وَالشَّنْقُ، سَوَاءٌ لا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَقَال الأَصْمَعِيُّ: الشَّنْقُ يَخْتَصُّ بِأَوْقَاصِ الإِبِل وَالوَقْصُ مُخْتَصٌّ بِالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَاسْتَعْمَل الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي البُوَيْطِيِّ الشَّنْقَ فِي أَوْقَاصِ الإِبِل وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ جَمِيعًا وَيُقَال أَيْضًا: وَقْسٌ بِالسِّينِ المُهْمَلةِ.
قَال الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي مُخْتَصَرِ المُزَنِيِّ: الوَقْسُ مَا لمْ يَبْلغْ الفَرِيضَةَ كَذَا هُوَ فِي المُخْتَصَرِ بِالسِّينِ وَكَذَا رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالآثَارِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه قَال البَيْهَقِيُّ: كَذَا فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ الوَقْسُ بِالسِّينِ وَهُوَ فِي رِوَايَةِ البُوَيْطِيِّ بِالصَّادِ. وَذَكَرَ ابْنُ الأَثِيرِ فِي شَرْحِ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه ثُمَّ قَال: وَاَلذِي رَأَيْتُهُ وَرَوَيْتُهُ أَنَا فِي المُسْنَدِ الذِي يَرْوِيهِ الرَّبِيعُ إنَّمَا هُوَ بِالصَّادِ، وَهُوَ المَشْهُورُ وَرَوَى البَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ

 

ج / 5 ص -256-       المَسْعُودِيِّ حَدِيثَ مُعَاذٍ رضي الله عنه فِي الأَوْقَاصِ أَنَّهُ قَال: الأَوْقَاسُ بِالسِّينِ فَلا تَجْعَلهَا صَادًا، هَذَا مَا يَتَعَلقُ بِلفْظِ الوَقْصِ.
وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَيَقَعُ عَلى مَا بَيْنَ الفَرِيضَتَيْنِ، وَاسْتَعْمَلهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالمُصَنِّفُ وَالبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ الأَوَّل أَيْضًا، فَاسْتِعْمَال المُصَنِّفِ فِي قَوْلهِ:؛ لأَنَّهُ وَقَصٌ قَبْل نِصَابٍ، فَلمْ يَتَعَلقْ بِهِ حَقٌّ كَالأَرْبَعَةِ الأُولى1. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فَقَال: فِي البُوَيْطِيِّ: ليْسَ الشَّنْقُ مِنْ الإِبِل وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ شَيْءٌ قَال: وَالشَّنْقُ مَا بَيْنَ السِّنِينَ مِنْ العَدَدِ، قَال: ليْسَ فِي الأَوْقَاصِ شَيْءٌ، قَال: وَالأَوْقَاصُ مَا لمْ تَبْلغْ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. هَذَا نَصُّهُ فِي البُوَيْطِيِّ بِحُرُوفِهِ وَقَال الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ المُزَنِيِّ: الوَقْسُ مَا لمْ يَبْلغْ الفَرِيضَةَ. وَرَوَى البَيْهَقِيُّ عَنْ المَسْعُودِيِّ قَال: الأَوْقَاصُ مَا دُونَ الثَّلاثِينَ يَعْنِي مِنْ البَقَرِ وَمَا بَيْنَ الأَرْبَعِينَ وَالسِّتِّينَ، فَحَصَل مِنْ هَذِهِ الجُمْلةِ أَنَّهُ يُقَال: وَقَصٌ وَوَقْصٌ بِفَتْحِ القَافِ وَإِسْكَانِهَا، وَشَنَقَ وَوَقْسٌ. بِالسِّينِ المُهْمَلةِ، وَأَنَّهُ يُطْلقُ عَلى مَا لا زَكَاةَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ نِصَابَيْنِ أَوْ دُونَ النِّصَابِ الأَوَّل لكِنَّ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالهِ فِيمَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ وَاَللهُ تَعَالى أَعْلمُ.
وَقَوْل المُصَنِّفِ: كَالأَرْبَعَةِ الأولة قَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ اسْتِعْمَال الأولة وَهِيَ لغَةٌ ضَعِيفَةٌ وَالفَصِيحَةُ المَشْهُورَةُ الأُولى، وَاَللهُ تَعَالى أَعْلمُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعله (كالأربعة الأدلة على الثاني) من تعليقات السيد /علي بن عيسى الحداد وليس كذلك.

فرع: فِي مَذَاهِبِ العُلمَاءِ فِي الأَوْقَاصِ
قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الفَرْضَ لا يَتَعَلقُ بِهَا، وَحَكَاهُ العَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ مَالكٍ، وَعَنْ مَالكٍ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَتَعَلقُ بِالجَمِيعِ، وَقَال ابْنُ المُنْذِرِ: قَال أَكْثَرُ العُلمَاءِ: لا شَيْءَ فِي الأَوْقَاصِ.
فرع: أَكْثَرُ مَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الأَوْقَاصِ فِي الإِبِل تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَفِي البَقَرِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَفِي الغَنَمِ مِائَةٌ وَثَمَانٍ وَتِسْعُونَ، فَفِي الإِبِل مَا بَيْنَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَفِي البَقَرِ مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ وَسِتِّينَ، وَفِي الغَنَمِ مَا بَيْنَ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"مَنْ مَلكَ مِنْ الإِبِل دُونَ الخَمْسِ وَالعِشْرِينَ فَالوَاجِبُ فِي صَدَقَتِهِ الغَنَمُ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ الغَنَمَ وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ بَعِيرًا، فَإِذَا أَخْرَجَ الغَنَمَ جَازَ؛ لأَنَّهُ [هُوَ] الفَرْضُ المَنْصُوصُ عَليْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ البَعِيرَ جَازَ؛ لأَنَّ الأَصْل فِي صَدَقَةِ الحَيَوَانِ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ جِنْسِ الفَرْضِ، وَإِنَّمَا عَدَل إلى الغَنَمِ هَهُنَا رِفْقًا بِرَبِّ المَال؛ فَإِذَا اخْتَارَ أَصْل الفَرْضِ قُبِل مِنْهُ، كَمَنْ تَرَكَ المَسْحَ عَلى الخُفِّ وَغَسَل الرِّجْل، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ لمْ يُطَالبْ إلا بِالغَنَمِ؛ لأَنَّهُ هُوَ الفَرْضُ المَنْصُوصُ عَليْهِ، وَإِنْ اخْتَارَ إخْرَاجَ البَعِيرِ قُبِل مِنْهُ أَيُّ بَعِيرٍ كَانَ، وَلوْ أَخْرَجَ بَعِيرًا قِيمَتُهُ أَقَل مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ أَجْزَأَهُ؛ لأَنَّهُ أَفْضَل مِنْ الشَّاةِ؛ لأَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ

 

ج / 5 ص -257-       فَلأَنْ يُجْزِئَ عَمَّا دُونَهَا أَوْلى. وَهَل يَكُونُ الجَمِيعُ فَرْضَهُ أَوْ بَعْضَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أحدهما: أَنَّ الجَمِيعَ فَرْضُهُ؛ لأَنَّا خَيَّرْنَاهُ بَيْنَ الفَرْضَيْنِ، فَأَيُّهُمَا فَعَل كَانَ هُوَ الفَرْضَ، كَمَنْ خُيِّرَ بَيْنَ غَسْل الرِّجْل وَالمَسْحِ عَلى الخُفِّ. والثاني: أَنَّ الفَرْضَ بَعْضُهُ؛ لأَنَّ البَعِيرَ يُجْزِئُ عَنْ الخَمْسِ وَالعِشْرِينَ، فَدَل عَلى أَنَّ كُل خَمْسٍ مِنْ الإِبِل يُقَابِل خُمْسَ بَعِيرِ، وَإِنْ اخْتَارَ إخْرَاجَ الغَنَمِ لمْ يُقْبَل دُونَ الجَذَعِ وَالثَّنِيِّ فِي السِّنِّ لمَا رَوَى سُوَيْدُ بْنُ غَفَلةَ قَال "أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: نُهِينَا عَنْ الأَخْذِ مِنْ رَاضِعِ لبَنٍ، وَإِنَّمَا حَقُّنَا فِي الجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ "وَهَل يُجْزِئُ فِيهِ الذَّكَرُ؟ وَجْهَانِ: (مِنْ أَصْحَابِنَا) مَنْ قَال: لا يُجْزِئُهُ للخَبَرِ؛ وَلأَنَّهُ أَصْلٌ فِي صَدَقَةِ الإِبِل، فَلمْ يَجُزْ فِيهَا الذَّكَرُ، كَالفَرْضِ مِنْ جِنْسِهِ، وَقَال أَبُو إِسْحَاقَ: يُجْزِيهِ [لأَنَّهُ] حَقٌّ للهِ تَعَالى لا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ مَالهِ، فَجَازَ فِيهِ الذَّكَرُ وَالأُنْثَى كَالأُضْحِيَّةِ، وَتَجِبُ عَليْهِ مِنْ غَنَمِ البَلدِ إنْ كَانَ ضَأْنًا فَمِنْ الضَّأْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعْزًا فَمِنْ المَعْزِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا فَمِنْ الغَالبِ، وَإِنْ كَانَا سَوَاءً جَازَ مِنْ أَيُّهُمَا شَاءَ؛ لأَنَّ كُل مَالٍ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ بِالشَّرْعِ اُعْتُبِرَ فِيهِ عُرْفُ البَلدِ كَالطَّعَامِ فِي الكَفَّارَةِ. وَإِنْ كَانَتْ الإِبِل مِرَاضًا فَفِي شَاتِهَا وَجْهَانِ: أحدهما: لا تَجِبُ فِيهِ إلا مَا تَجِبُ فِي الصِّحَاحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ المَذْهَبِ.؛ لأَنَّهُ لا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ المَال. فَلمْ يَخْتَلفْ بِصِحَّةِ المَال وَمَرَضِهِ كَالأُضْحِيَّةِ. وَقَال أَبُو عَليَ بْنُ خَيْرَانَ: تَجِبُ عَليْهِ شَاةٌ بِالقِسْطِ فَتُقَوَّمُ الإِبِل الصِّحَاحُ وَالشَّاةُ التِي تَجِبُ فِيهَا، ثُمَّ تُقَوَّمُ الإِبِل المِرَاضُ، فَيَجِبُ فِيهَا شَاةٌ بِالقِسْطِ؛ لأَنَّهُ لوْ كَانَ الوَاجِبُ مِنْ جِنْسِهِ فَرَّقَ بَيْنَ الصِّحَاحِ وَالمِرَاضِ، فَكَذَلكَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَجَبَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الصِّحَاحِ وَالمِرَاضِ".
الشرح:
قَال الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالأَصْحَابُ: إذَا مَلكَ مِنْ الإِبِل دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَوَاجِبُهَا الشَّاةُ كَمَا سَبَقَ، فَإِنْ أَخْرَجَ بَعِيرًا أَجْزَأَهُ. هَذَا مَذْهَبُنَا. وَبِهِ قَال جُمْهُورُ العُلمَاءِ مِنْ السَّلفِ وَالخَلفِ. وَعَنْ مَالكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد: أَنَّهُ لا يُجْزِئُ كَمَا لوْ أَخْرَجَ بَعِيرًا عَنْ بَقَرَةٍ، وَدَليلنَا أَنَّ البَعِيرَ يُجْزِئُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا أَوْلى؛ لأَنَّ الأَصْل أَنْ يَجِبَ مِنْ جِنْسِ المَال. وَإِنَّمَا عَدَل عَنْهُ رِفْقًا بِالمَالكِ. فَإِذَا تَكَلفَ الأَصْل أَجْزَأَهُ. فَإِذَا أَخْرَجَ البَعِيرَ عَنْ خَمْسٍ أَوْ عَشْرٍ أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوْ عِشْرِينَ أَوْ دُونَهَا. هَذَا هُوَ المَذْهَبُ. وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَالجُمْهُورُ. وَنَصَّ عَليْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لا يُجْزِئُهُ البَعِيرُ النَّاقِصُ عَنْ قِيمَةِ شَاةٍ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الإِبِل. وَلا النَّاقِصُ عَنْ شَاتَيْنِ عَنْ عَشْرٍ، وَلا النَّاقِصُ عَنْ ثَلاثِ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعَ عَنْ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوْ عِشْرِينَ. قَالهُ القَفَّال وَصَاحِبُهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ. وَوَجْهٌ ثَالثٌ: إنْ كَانَتْ الإِبِل مِرَاضًا أَوْ قَليلةَ القِيمَةِ لعَيْبٍ أَجْزَأَ البَعِيرُ النَّاقِصُ عَنْ قِيمَةِ الشَّاةِ، وَإِنْ كَانَتْ صِحَاحًا لمْ يُجْزِئْهُ النَّاقِصُ. وَوَجْهٌ رَابِعٌ للخُرَاسَانِيَّيْنِ: أَنَّهُ يَجِبُ فِي الخَمْسِ مِنْ الإِبِل حَيَوَانٌ إمَّا بَعِيرٌ وَإِمَّا شَاةٌ وَفِي العَشْرِ حَيَوَانَاتٍ شَاتَانِ أَوْ بَعِيرَانِ أَوْ شَاةٌ وَبَعِيرٌ وَفِي الخَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاثُ حَيَوَانَاتٍ، وَفِي العِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ أَوْ ثَلاثَةٌ أَوْ اثْنَانِ مِنْ الإِبِل وَالبَاقِي مِنْ الغَنَمِ، وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالجُمْهُورِ. أَنَّهُ يُجْزِئُ البَعِيرُ المَخْرَجُ عَنْ عِشْرِينَ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دُونَ شَاةٍ، وَشَرْطُ البَعِيرِ المُخْرَجِ عَنْ عِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا أَنْ يَكُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَمَا فَوْقَهَا بِحَيْثُ يُجْزِئُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، نَصَّ عَليْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الأَصْحَابُ عَليْهِ.

 

ج / 5 ص -258-       قَال أَصْحَابُنَا: وَلوْ كَانَتْ الإِبِل العِشْرُونَ فَمَا دُونَهَا مِرَاضًا، فَأَخْرَجَ مِنْهَا مَرِيضًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ أَدْوَنَهَا، نَصَّ عَليْهِ الشَّافِعِيُّ، وَاتَّفَقَ عَليْهِ الأَصْحَابُ، وَوَجْهُهُ مَا سَبَقَ، قَال أَصْحَابُنَا: وَإِذَا أَخْرَجَ البَعِيرَ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الإِبِل فَهَل يَقَعُ كُلهُ فَرْضًا أَمْ خَمْسَةٌ فَقَطْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ، ذَكَرَهُمَا المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ أصحهما: بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ: الجَمِيعُ يَقَعُ فَرْضًا؛ لأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ البَعِيرِ وَالشَّاةِ، فَأَيُّهُمَا أَخْرَجَ وَقَعَ وَاجِبًا، كَمَنْ لبِسَ الخُفَّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ المَسْحِ وَالغَسْل، وَأَيُّهُمَا فَعَل وَاجِبًا. قَال أَصْحَابُنَا: وَلأَنَّهُ لوْ كَانَ الوَاجِبُ الخُمْسَ فَقَطْ لجَازَ إخْرَاجُ خُمْسُ بَعِيرٍ، وَقَدْ اتَّفَقَ الأَصْحَابُ عَلى أَنَّهُ لا يُجْزِئُ.
والثاني: أَنَّ خُمْسَ البَعِيرِ يَقَعُ فَرْضًا وَبَاقِيهِ تَطَوُّعًا؛ لأَنَّ البَعِيرَ يُجْزِئُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، فَدَل عَلى أَنَّ كُل خَمْسٍ مِنْهُ عَنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ، قَال أَصْحَابُنَا: وَهَذَانِ الوَجْهَانِ: كَالوَجْهَيْنِ فِي المُتَمَتِّعِ إذَا وَجَبَ عَليْهِ شَاةٌ فَنَحَرَ بَدَنَةً أَوْ نَذَرَ شَاةً فَنَحَرَ بَدَنَةً، وَفِيمَنْ مَسَحَ كُل رَأْسِهِ أَوْ طَوَّل الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ زِيَادَةً عَلى المُجْزِئِ، فَهَل يَقَعُ الجَمِيعُ فَرْضًا أَمْ سُبْعُ البَدَنَةِ وَأَقَل جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؟ فِيهِ وجهان: قَال أَصْحَابُنَا: لكِنَّ الأَصَحَّ فِي البَدَنَةِ وَالمَسْحِ أَنَّ الفَرْضَ هُوَ البَعْضُ، وَفِي البَعِيرِ فِي الزَّكَاةِ كُلهُ.
وَالفَرْقُ أَنَّ الاقْتِصَارَ عَلى سُبْعِ بَدَنَةٍ وَبَعْضِ الرَّأْسِ يُجْزِئُ، وَلا يُجْزِئُ هُنَا خُمْسُ بَعِيرٍ بِالاتِّفَاقِ، وَلهَذَا قَال إمَامُ الحَرَمَيْنِ: مَنْ يَقُول: البَعْضُ هُوَ الفَرْضُ يَقُول: هُوَ بِشَرْطِ التَّبَرُّعِ بِالبَاقِي. قَال صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ: الوَجْهَانِ: مَبْنِيَّانِ عَلى أَنَّ الشَّاةَ الوَاجِبَةَ فِي الإِبِل أَصْلٌ بِنَفْسِهَا أَمْ بَدَلٌ عَنْ الإِبِل فِيهِ وَجْهَانِ: فإن قالنا: أَصْلٌ، فَالبَعِيرُ كُلهُ فَرْضٌ كَالشَّاةِ وَإِلا فَالخُمْسُ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الخِلافِ فِيمَا لوْ عَجَّل بَعِيرًا عَنْ خَمْسٍ مِنْ الإِبِل ثُمَّ ثَبَتَ لهُ الرُّجُوعُ لهَلاكِ النِّصَابِ أَوْ لاسْتِغْنَاءِ الفَقِيرِ أَوْ غَيْرِ ذَلكَ مِنْ أَسْبَابِ الرُّجُوعِ: فَإِنْ قُلنَا: الجَمِيعُ رَجَعَ فِي جَمِيعِهِ، وَإِلا فَفِي الخُمْسِ فَقَطْ؛ لأَنَّ التَّطَوُّعَ لا رُجُوعَ فِيهِ.
فرع: قَال أَصْحَابُنَا: الشَّاةُ الوَاجِبَةُ مِنْ الإِبِل هِيَ الجَذَعَةُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الثَّنِيَّةُ مِنْ المَعْزِ، وَفِي سِنِّهَا ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ لأَصْحَابِنَا مَشْهُورَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ المُصَنِّفُ المَسْأَلةَ فِي بَابِ زَكَاةِ الغَنَمِ أصحها: عِنْدَ جُمْهُورِ الأَصْحَابِ الجَذَعَةُ مَا اسْتَكْمَلتْ سَنَةً، وَدَخَلتْ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّنِيَّةُ مَا اسْتَكْمَلتْ سَنَتَيْنِ وَدَخَلتْ فِي السَّنَةِ الثَّالثَةِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ المَعْزِ، وَهَذَا هُوَ الأَصَحُّ عِنْدَ المُصَنِّفِ فِي المُهَذَّبِ والثاني: أَنَّ للجَذَعَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَللثَّنِيَّةِ سَنَةً، وَبِهِ قَطَعَ المُصَنَّفُ فِي التَّنْبِيهِ، وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الحِليَةِ والثالث: وَلدُ الضَّأْنِ مِنْ شَاتَيْنِ صَارَ جَذَعًا لسَبْعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَ لهَرَمَيْنِ فَلثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ.
فرع: الشَّاةُ الوَاجِبَةُ هِيَ جَذَعَةُ الضَّأْنِ أَوْ ثَنِيَّةُ المَعْزِ كَمَا سَبَقَ، فَإِنْ أَخْرَجَ الأُنْثَى أَجْزَأَهُ بِلا خِلافٍ، وَهِيَ أَفْضَل مِنْ الذَّكَرِ، وَإِنْ أَخْرَجَ الذَّكَرَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ أصحهما: عِنْدَ الأَصْحَابِ يُجْزِئُ وَهُوَ قَوْل أَبِي إِسْحَاقَ المَرْوَزِيِّ، وَهُوَ المَنْصُوصُ للشَّافِعِيِّ رضي الله عنه كَمَا يُجْزِئُ فِي الأُضْحِيَّةِ والثاني: لا يُجْزِئُهُ لحَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ

 

ج / 5 ص -259-       الخَطَّابِ رضي الله عنه قَال: "اعْتَدَّ عَليْهِمْ السَّخْلةَ يَحْمِلهَا الرَّاعِي وَلا تَأْخُذْهَا، وَلا تَأْخُذْ الأَكُولةَ وَلا الرُّبَى وَلا المَاخِضَ وَلا فَحْل الغَنَمِ، وَتَأْخُذُ الجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ، وَذَلكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ1 المَال وَخِيَارِهِ "صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالكٌ فِي المُوَطَّأِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الإِبِل ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا، أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، فَفِيهَا الوَجْهَانِ، هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الأَصْحَابُ وَشَذَّ المُتَوَلي وَغَيْرُهُ فَحَكَوْا فِيهِ طَرِيقَتَيْنِ أصحهما: هَذَا والثاني: أَنَّ الوَجْهَيْنِ إذَا كَانَتْ كُلهَا ذُكُورًا وَإِلا، فَلا يُجْزِئُ الذَّكَرُ، وَالمَذْهَبُ الأَوَّل، قَال أَصْحَابُنَا: وَالوَجْهَانِ: يَجْرِيَانِ فِي شَاةِ الجُبْرَانِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى.
فرع: قَال المُصَنِّفُ فِي المُهَذَّبِ: وَتَجِبُ عَليْهِ الشَّاةُ مِنْ غَنَمِ البَلدِ، إنْ كَانَ ضَأْنًا فَمِنْ الضَّأْنِ وَإِنْ كَانَ مَعْزًا فَمِنْ المَعْزِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا فَمِنْ الغَالبِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا جَازَ مِنْ أَيُّهُمَا شَاءَ، هَذَا كَلامُهُ وَبِهِ قَطَعَ البَنْدَنِيجِيُّ مِنْ العِرَاقِيِّينَ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ وَوَجْهٌ ضَعِيفٌ فِي طَرِيقَةِ الخُرَاسَانِيِّينَ.
وأما: المَذْهَبُ المَشْهُورُ الذِي قَطَعَ بِهِ أَصْحَابُنَا العِرَاقِيُّونَ، وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الخُرَاسَانِيِّينَ، وَنَقَلهُ صَاحِبُ البَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلاتِ المُهَذَّبِ عَنْ جَمِيعِ الأَصْحَابِ سِوَى صَاحِبِ المُهَذَّبِ، أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ غَنَمِ البَلدِ، إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَشَاةٌ مَكِّيَّةٌ أَوْ بِبَغْدَادَ فَبَغْدَادِيَّةٌ وَلا يَتَعَيَّنُ غَالبُ غَنَمِ البَلدِ بَل لهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَيِّ النَّوْعَيْنِ شَاءَ. قَال الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي المُخْتَصَرِ: وَلا نَظَرَ إلى الأَغْلبِ فِي البَلدِ؛ لأَنَّ الذِي عَليْهِ شَاةٌ مِنْ غَنَمِ بَلدِهِ يَجُوزُ فِي الأُضْحِيَّةِ، هَذَا نَصُّهُ. قَال أَصْحَابُنَا العِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ: أَرَادَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي النَّوْعَيْنِ الضَّأْنَ وَالمَعْزَ، وَأَرَادَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُ لا يَتَعَيَّنُ النَّوْعُ الغَالبُ مِنْهُمَا، بَل لهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ القَليل مِنْهُمَا؛ لأَنَّ الوَاجِبَ شَاةٌ، وَهَذِهِ تُسَمَّى شَاةً وَقَدْ نَقَل إمَامُ الحَرَمَيْنِ عَنْ العِرَاقِيِّينَ أَنَّهُمْ قَالوا: يَتَعَيَّنُ غَالبُ غَنَمِ البَلدِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ المُهَذَّبِ، وَنُقِل عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ نَقَلهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَأَنَّهُ نَقَل نُصُوصًا أُخَرَ تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ وَرَجَّحَهَا وَسَاعَدَهُ الإِمَامُ عَلى تَرْجِيحِهَا. قَال الرَّافِعِيُّ: قَال الأَكْثَرُونَ بِتَرْجِيحِ التَّخْيِيرِ، وَرُبَّمَا لمْ يَذْكُرُوا سِوَاهُ، وَأَنْكَرَ عَلى إمَامِ الحَرَمَيْنِ نَقْلهُ عَنْ العِرَاقِيِّينَ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا غَالبَ غَنَمِ البَلدِ فِي الضَّأْنِ وَالمَعْزِ، وَهَذَا الذِي أَنْكَرَهُ الرَّافِعِيُّ إنْكَارٌ صَحِيحٌ وَالمَشْهُورُ فِي كُتُبِ جَمَاهِيرِ العِرَاقِيِّينَ القَطْعُ بِالتَّخْيِيرِ وَذَكَرَ إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَالغَزَاليُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ غَنَمُ نَفْسِهِ إنْ كَانَ يَمْلكُ غَنَمًا وَلا يُجْزِئُ غَنَمُ البَلدِ. كَمَا إذَا زَكَّى غَنَمَ نَفْسِهِ. وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهًا، وَزَعَمَ أَنَّهُ المَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ غَنَمِ البَلدِ، وَهَذَا أَقْوَى فِي الدَّليل؛ لأَنَّ الوَاجِبَ شَاةٌ وَهَذِهِ تُسَمَّى شَاةً لكِنَّهُ غَرِيبٌ شَاذٌّ فِي المَذْهَبِ فَحَصَل فِي المَسْأَلةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الصحيح: المَنْصُوصُ الذِي عَليْهِ الجُمْهُورُ أَنَّهُ تَجِبُ شَاةٌ مِنْ غَنَمِ البَلدِ والثاني: يَتَعَيَّنُ غَنَمُ نَفْسِهِ والثالث: تَتَعَيَّنُ غَالبُ غَنَمِ البَلدِ والرابع: يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ غَنَمِ البَلدِ قَال أَصْحَابُنَا: وَإِذَا وَجَبَ غَنَمٌ، فَأَخْرَجَ غَيْرَهَا مِنْ الغَنَمِ خَيْرًا مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا أَجْزَأَهُ؛ لأَنَّهُ يُسَمَّى شَاةً وَإِنَّمَا امْتَنَعَ أَنْ يُخْرِجَ دُونَهَا وَاَللهُ تَعَالى أَعْلمُ.
فرع: قَال أَصْحَابُنَا: الشَّاةُ الوَاجِبَةُ فِي الإِبِل يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا صَحِيحَةً بِلا خِلافٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ الإِبِل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 غذا جمع غدى وهو السخلة (ط).

 

ج / 5 ص -260-       صِحَاحًا أَوْ مِرَاضًا؛ لأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الذِّمَّةِ، وَمَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ كَانَ صَحِيحًا سَليمًا، لكِنْ إذَا كَانَتْ الإِبِل صِحَاحًا وَجَبَ شَاةٌ صَحِيحَةٌ كَامِلةٌ بِلا خِلافٍ، وَإِنْ كَانَتْ الإِبِل مِرَاضًا، فَلهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا بَعِيرًا مَرِيضًا، وَلهُ إخْرَاجُ شَاةٍ، فَإِنْ أَخْرَجَ شَاةً فَوَجْهَانِ: مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ أصحهما: عِنْدَ المُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ يَجِبُ شَاةٌ كَامِلةٌ كَمَا تَجِبُ فِي الصِّحَاحِ؛ لأَنَّهُ لا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ مَالهِ فَلمْ يَخْتَلفْ بِصِحَّةِ المَال وَمَرَضِهِ كَالأُضْحِيَّةِ والثاني: وَهُوَ قَوْل أَبِي عَليِّ بْنِ خَيْرَانَ: تَجِبُ شَاةٌ بِالقِسْطِ، فَيُقَال: خَمْسٌ مِنْ الإِبِل قِيمَتُهَا مِرَاضًا خَمْسُمِائَةٍ وَصِحَاحًا أَلفٌ، وَشَاةُ الصِّحَاحِ تُسَاوِي عَشْرَةً، فَتَجِبُ شَاةٌ صَحِيحَةٌ تُسَاوِي خَمْسَةً، فَإِنْ لمْ يُوجَدْ بِهَذِهِ القِيمَةِ شَاةٌ صَحِيحَةٌ قَال صَاحِبُ الشَّامِل: فَرَّقَ الدَّرَاهِمَ عَلى الأَصْنَافِ للضَّرُورَةِ، وَهَذَا كَمَا ذَكَرَهُ الأَصْحَابُ فِي اجْتِمَاعِ الحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللبُونِ فِي مِائَتَيْنِ، إذَا أَخَذَ السَّاعِي غَيْرَ الأَغْبَطِ، وَوَجَبَ أَخْذُ التَّفَاوُتِ وَلمْ يُمْكِنْ شِرَاءُ جُزْءٍ مِنْ بَعِيرَيْهِ، فَإِنَّهُ يُفَرِّقُهُ دَرَاهِمَ. وَاَللهُ تَعَالى أَعْلمُ.

فرع: فِي شَرْحِ أَلفَاظِ الكِتَابِ
قوله: لمَا رَوَى سُوَيْدُ بْنُ غَفَلةَ قَال "أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: نُهِينَا عَنْ الأَخْذِ مِنْ رَاضِعِ لبَنٍ، وَإِنَّمَا حَقُّنَا فِي الجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ"هَذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مُخْتَصَرًا قَال "فَإِذَا كَانَ فِي عَهْدِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم لا نَأْخُذُ مِنْ رَاضِعِ لبَنٍ"وَلمْ يَذْكُرْ الجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، لكِنْ ليْسَ فِيهِ دَليلٌ للجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ الذِي هُوَ مَقْصُودُ المُصَنِّفِ، وَالمُرَادُ بِرَاضِعِ لبَنٍ السَّخْلةُ، وَمَعْنَاهُ لا تُجْزِئُ دُونَ جَذَعَةٍ وَثَنِيَّةٍ، أَيْ: جَذَعَةِ ضَأْنٍ وَثَنِيَّةِ مَعْزٍ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ المُخْتَارُ فِي تَفْسِيرِهِ، وَهُوَ مَعْنَى كَلامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَال الخَطَّابِيُّ: المُرَادُ بِرَاضِعِ لبَنٍ هُنَا ذَاتُ الدَّرِّ، قَال: وَالنَّهْيُ عَنْهَا يُحْمَل عَلى وَجْهَيْنِ: أحدهما: أَلا يَأْخُذَهَا السَّاعِي؛ لأَنَّهَا مِنْ خِيَارِ المَال، وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ وَلا يَأْخُذُ رَاضِعَ لبَنٍ، وَتَكُونُ لفْظَةُ (مِنْ): زَائِدَةً كَمَا يُقَال: لا نَأْكُل مِنْ الحَرَامِ أَيْ: الحَرَامَ.
والوجه الثاني: أَلا يَعُدَّ ذَاتَ الدَّرِّ المُتَّخَذَةِ لهُ، فَلا زَكَاةَ فِيهَا، هَذَا كَلامُ الخَطَّابِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا أَوْ بَاطِلٌ؛ لأَنَّ الوَجْهَ الثَّانِيَ مُخَالفٌ لمَا أَطْبَقَ عَليْهِ الفُقَهَاءُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الجَمِيعِ، فَإِنْ حُمِلتْ ذَاتُ الدَّرِّ عَلى مَعْلوفَةٍ، فَليْسَ لهُ اخْتِصَاصٌ بِذَاتِ الدَّرِّ. وَأَمَّا الوَجْهُ الأَوَّل فَبَعِيدٌ وَتَكَلفٌ لا حَاجَةَ إليْهِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلى ضَعْفِ كَلامِهِ لئَلا يُغْتَرَّ بِهِ كَمَا اغْتَرَّ بِهِ ابْنُ الأَثِيرِ فِي كِتَابِهِ نَهَايَةِ الغَرِيبِ، وَاَللهُ أَعْلمُ.
وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلةَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ فَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ، وَسُوَيْدٌ جُعْفِيٌّ كُوفِيٌّ تَابِعِيٌّ مُخَضْرَمٌ كُنْيَتُهُ أَبُو أُمَيَّةَ، أَدْرَكَ الجَاهِليَّةَ، ثُمَّ أَسْلمَ وَقَال: أَنَا أَصْغَرُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِسَنَتَيْنِ وَعَمَّرَ كَثِيرًا، قِيل: مَاتَ سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ، وَقِيل: بَلغَ مِائَةً وَإِحْدَى وَثَلاثِينَ سَنَةً.
وَقَوْل المُصَنِّفِ: وَلأَنَّهُ أَصْلٌ فِي صَدَقَةِ الإِبِل فَلمْ يَجُزْ فِيهِ الذَّكَرُ كَالفَرْضِ مِنْ جِنْسِهِ قَال القَلعِيُّ: قَوْلهُ أَصْلهُ احْتِرَازٌ مِنْ ابْنِ لبُونٍ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ عِنْدَ عَدَمِ بِنْتِ مَخَاضٍ وقوله: فِي صَدَقَةِ الإِبِل احْتِرَازٌ مِنْ التَّبِيعِ فِي ثَلاثِينَ مِنْ البَقَرِ وقوله؛ لأَنَّهُ حَقُّ اللهِ تَعَالى، لا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ مَالهِ، فَجَازَ فِيهِ

 

ج / 5 ص -261-       الذَّكَرُ وَالأُنْثَى كَالأُضْحِيَّةِ وقوله: حَقُّ اللهِ تَعَالى احْتِرَازٌ مِنْ القَرْضِ وَالسَّلمِ فِي الأُنْثَى وقوله: لا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ مَالهِ، احْتِرَازٌ مِنْ النِّصَابِ الذِي يَجِبُ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ، مَا عَدَا ثَلاثِينَ مِنْ البَقَرِ وقوله: لأَنَّ كُل مَالٍ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ بِالشَّرْعِ اُعْتُبِرَ فِيهِ عُرْفُ البَلدِ احْتِرَازٌ مِنْ المُسَلمِ فِيهِ وَالقَرْضِ وَالنَّذْرِ وقوله: لأَنَّهُ لا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ المَال، فَلمْ يَخْتَلفْ بِصِحَّةِ المَال، فِيهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِ المَال المُزَكَّى، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ المِرَاضِ مَرِيضَةٌ.

فرع: فِي مَذَاهِبِ العُلمَاءِ فِي نُصُبِ الإِبِل
أَجْمَعُوا عَلى أَنَّ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا الغَنَمُ كَمَا سَبَقَ، وَأَجْمَعُوا عَلى أَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ إلا مَا رُوِيَ عَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال "فِيهَا خَمْسُ شِيَاهٍ، فَإِذَا صَارَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ "وَاحْتُجَّ لهُ بِحَدِيثٍ جَاءَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَليِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِل خَمْسُ شِيَاهٍ، فَإِذَا بَلغَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ "وَدَليلنَا حَدِيثُ أَنَسٍ السَّابِقُ فِي أَوَّل البَابِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ فَمُتَّفَقٌ عَلى ضَعْفِهِ ووهائه1 وَقَال ابْنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلى أَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلا يَصِحُّ عَنْ عَليٍّ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِيهَا، قَال: وَأَجْمَعُوا عَلى أَنَّ مِقْدَارَ الوَاجِبِ فِيهَا إلى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ عَلى مَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد أَنَّ فِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلاثَ بَنَاتِ لبُونٍ، ثُمَّ فِي كُل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لبُونٍ، وَفِي كُل خَمْسِينَ حِقَّةٌ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ.
وَحَكَى ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ صَاحِبِ المَغَازِي وَأَبِي عُبَيْدٍ وَرِوَايَةً عَنْ مَالكٍ وَأَحْمَدَ: أَنَّهُ لا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلغَ مِائَةً وَثَلاثِينَ. وَعَنْ مَالكٍ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا، وَرِوَايَةٌ ثَالثَةٌ أَنَّ السَّاعِيَ يَتَخَيَّرُ فِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ بَيْنَ ثَلاثِ بَنَاتِ لبُونٍ وَحِقَّتَيْنِ. وَقَال إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إذَا زَادَتْ عَلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ يَسْتَأْنِفُ الفَرِيضَةَ فَيَجِبُ فِي خَمْسٍ شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَخَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاثُ شِيَاهٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَيَجِبُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ حِقَّتَانِ وَشَاةٌ وَفِي مِائَةٍ وَثَلاثِينَ حِقَّتَانِ وَشَاتَانِ وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَثَلاثِينَ حِقَّتَانِ وَثَلاثُ شِيَاهٍ، وَفِي مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وَأَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلاثُ حِقَاقٍ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الفَرِيضَةَ بَعْدَ ذَلكَ، وَعَلى هَذَا القِيَاسِ أَبَدًا.
وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرِ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ قَال يَتَخَيَّرُ بَيْنَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ الغَزَاليُّ فِي الوَسِيطِ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ قَوْل أَبِي عَليِّ بْنِ خَيْرَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَنَّهُ وَجْهٌ مِنْ مَذْهَبِنَا، وَليْسَ كَذَلكَ بَل اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلى تَغْليطِ الغَزَاليِّ فِي هَذَا النَّقْل وَتَغْليطِ شَيْخِهِ فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مصدر وهي وهاء ووهيا وهي من أشد مراتب الجرح (ط).

 

ج / 5 ص -262-       النِّهَايَةِ فِي نَقْلهِ مِثْلهُ، وَليْسَ هُوَ قَوْل ابْنِ خَيْرَانَ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْل مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرِ الطَّبَرِيِّ: وَحَكَى ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُليْمَانَ شَيْخِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَال: فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، وَجَاءَتْ آثَارٌ ضَعِيفَةٌ تَمَسَّكَ بِهَا كُل مَنْ ذَهَبَ مِنْ هَؤُلاءِ الأَئِمَّةِ. وَالصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إليْهِ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ، وَعُمْدَتُهُمْ حَدِيثُ أَنَسٍ السَّابِقُ فِي أَوَّل البَابِ، وَهُوَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ، وَمَا خَالفَهُ ضَعِيفٌ أَوْ دُونَهُ وَاَللهُ تَعَالى أَعْلمُ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَمَنْ وَجَبَتْ عَليْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مَالهِ لزِمَهُ إخْرَاجُهَا، وَإِنْ لمْ تَكُنْ فِي مَالهِ وَعِنْدَهُ ابْنُ لبُونٍ قُبِل مِنْهُ وَلا يُرَدُّ مَعَهُ شَيْءٌ، لمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه فِي الكِتَابِ الذِي كَتَبَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه "فَمَنْ لمْ تَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَعِنْدَهُ ابْنُ لبُونٍ ذَكَرٌ فَإِنَّهُ يُقْبَل مِنْهُ وَليْسَ مَعَهُ شَيْءٌ "؛ وَلأَنَّ فِي بِنْتِ مَخَاضٍ فَضِيلةً بِالأُنُوثَةِ وَفِي ابْنِ لبُونٍ فَضِيلةً بِالسِّنِّ فَاسْتَوَيَا، وَإِنْ لمْ تَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلا ابْنُ لبُونٍ فَلهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَيُخْرِجَ؛ لأَنَّهُ أَصْل فَرْضِهِ، وَلهُ أَنْ يَشْتَرِيَ ابْنَ لبُونٍ، وَيُخْرِجَ؛ لأَنَّهُ ليْسَ فِي مِلكِهِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَإِنْ كَانَتْ إبِلهُ مَهَازِيل، وَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ سَمِينَةٌ لمْ يَلزَمْهُ إخْرَاجُهَا، فَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَ ابْنِ لبُونٍ، فَالمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ لا يَلزَمُهُ إخْرَاجُ مَا عِنْدَهُ، فَكَأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ كَمَا لوْ كَانَتْ إبِلهُ سِمَانًا، وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ مَهْزُولةٌ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: لا يَجُوزُ؛ لأَنَّ عِنْدَهُ بِنْتَ مَخَاضٍ تُجْزِئُ. وَمَنْ وَجَبَ عَليْهِ بِنْتُ لبُونٍ وَليْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ حِقٌّ لمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ؛ لأَنَّ بِنْتَ اللبُونِ تُسَاوِي الحِقَّ فِي وُرُودِ المَاءِ وَالشَّجَرِ، وَتَفْضُل عَليْهِ بِالأُنُوثِيَّةِ".
الشرح:
حَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّل البَابِ، وَفِي الفَصْل مَسَائِل: إحداها: قَال الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالأَصْحَابُ: إذَا وَجَبَ عَليْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ نَفَاسَةٍ وَلا عَيْبٍ لمْ يَجُزْ العُدُول إلى ابْنِ لبُونٍ بِلا خِلافٍ، وَإِنْ لمْ تَكُنْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ ابْنُ لبُونٍ، فَأَرَادَ دَفْعَهُ عَنْهَا وَجَبَ قَبُولهُ وَلا يَكُونُ مَعَهُ شَيْءٌ لا مِنْ المَالكِ وَلا مِنْ السَّاعِي، وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ لحَدِيثِ أَنَسٍ. قَال أَصْحَابُنَا: وَسَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ ابْنِ لبُونٍ كَقِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ أَوْ أَقَل مِنْهَا، وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلى تَحْصِيلهِ أَمْ لا لعُمُومِ الحَدِيثِ.
الثانية: إذَا وَجَبَ عَليْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلا ابْنُ لبُونٍ فَوَجْهَانِ: أصحهما: لهُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيُّهُمَا شَاءَ وَيُجْزِئُهُ لعُمُومِ الحَدِيثِ، وَبِهَذَا الوَجْهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الأَصْحَابِ والثاني: حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الخُرَاسَانِيِّينَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَليْهِ شِرَاءُ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالكٍ وَأَحْمَدَ؛ لأَنَّهُمَا لوْ اسْتَوَيَا فِي الوُجُودِ لمْ يَجُزْ ابْنُ لبُونٍ، فَكَذَا إذَا عُدِمَا وَتَمَكَّنَ مِنْ شِرَائِهِمَا.
الثالثة: إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ مَعِيبَةٌ، فَهِيَ كَالمَعْدُومَةِ، فَيُجْزِئُهُ ابْنُ لبُونٍ بِلا خِلافٍ لعُمُومِ الحَدِيثِ، وَقَدْ صَرَّحَ المُصَنِّفُ بِهَذَا فِي قَوْلهِ: كَمَا لوْ كَانَتْ إبِلهُ سِمَانًا، وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ مَهْزُولةٌ وَلوْ كَانَتْ إبِلهُ مَهْزُولةً، وَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ نَفِيسَةٌ لمْ يَلزَمْهُ إخْرَاجُهَا، فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهَا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَ ابْنِ لبُونٍ فَوَجْهَانِ: أحدهما: لا يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ وَاجِدٌ بِنْتَ مَخَاضٍ مُجْزِئَةً والثاني: يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ لا

 

ج / 5 ص -263-       يَلزَمُهُ إخْرَاجُهَا، فَهِيَ كَالمَعْدُومَةِ، وَرَجَّحَ المُصَنِّفُ الإِجْزَاءَ وَنَقَلهُ عَنْ النَّصِّ وَوَافَقَهُ عَلى تَرْجِيحِهِ البَغَوِيّ، وَرَجَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَكْثَرُ الأَصْحَابِ عَدَمَ الإِجْزَاءِ وَنَقَلهُ القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي المُجَرَّدِ. قَال الرَّافِعِيُّ: رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَكْثَرُ شِيعَتِهِ وَإِمَامُ الحَرَمَيْنِ وَالغَزَاليُّ.
الرابعة: لوْ فَقَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ، فَأَخْرَجَ خُنْثَى مُشْكِلًا مِنْ أَوْلادِ اللبُونِ فَوَجْهَانِ: مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الخُرَاسَانِيِّينَ "أَصَحُّهُمَا: "يُجْزِئُهُ؛ لأَنَّهُ ابْنُ لبُونٍ أَوْ بِنْتُ لبُونٍ، وَكِلاهُمَا مُجْزِئٌ والثاني: لا يُجْزِئُهُ؛ لأَنَّهُ مُشَوَّهُ الخَلقِ كَالمَعِيبِ. وَلوْ أَخْرَجَ خُنْثَى مِنْ أَوْلادِ المَخَاضِ لمْ يُجْزِئْهُ بِالاتِّفَاقِ لاحْتِمَال أَنَّهُ ذَكَرٌ، وَلوْ وَجَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ، فَأَخْرَجَ خُنْثَى مُشْكِلًا مِنْ أَوْلادِ لبُونٍ لمْ يُجْزِئْهُ بِلا خِلافٍ لاحْتِمَال أَنَّهُ ذَكَرٌ، وَلا يُجْزِئُهُ الذَّكَرُ مَعَ وُجُودِ بِنْتِ مَخَاضٍ.
الخامسة: لوْ وَجَبَتْ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَفَقَدَهَا وَوَجَدَ بِنْتَ لبُونٍ وَابْنَ لبُونٍ، فَإِنْ أَخْرَجَ ابْنَ اللبُونِ جَازَ وَإِنْ أَخْرَجَ بِنْتَ اللبُونِ مُتَبَرِّعًا جَازَ، وَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهَا مَعَ أَخْذِ الجُبْرَانِ لمْ يَكُنْ لهُ ذَلكَ فِي أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ؛ لأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الجُبْرَانِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلى الجُبْرَانِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالوَجْهَانِ: مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ.
السادسة: إذَا لزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَفَقَدَهَا، فَأَخْرَجَ حِقًّا أَجْزَأَهُ، وَقَدْ زَادَ خَيْرًا؛ لأَنَّهُ أَوْلى مِنْ ابْنِ لبُونٍ هَذَا هُوَ المَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الحَاوِي وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لا يُجْزِئُ؛ لأَنَّهُ لا مَدْخَل لهُ فِي الزَّكَوَاتِ وَلوْ لزِمَهُ بِنْتُ لبُونٍ، فَأَخْرَجَ عَنْهَا عِنْدَ عَدَمِهَا حِقًّا فَطَرِيقَانِ: (المَذْهَبُ): لا يُجْزِئُهُ لمَا ذَكَره المُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَطَعَ المُصَنِّفُ وَالجُمْهُورُ، وَحَكَى صَاحِبُ الحَاوِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي إجْزَائِهِ وَجْهَيْنِ، وَقَطَعَ الغَزَاليُّ فِي الوَجِيزِ بِالجَوَازِ، وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ.
فرع: إذَا لزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَفَقَدَهَا وَفَقَدَ ابْنَ لبُونٍ أَيْضًا، فَفِي كَيْفِيَّةِ مُطَالبَةِ السَّاعِي لهُ بِالوَاجِبِ وَجْهَانِ: حَكَاهُمَا صَاحِبُ الحَاوِي أحدهما: يُخَيِّرُهُ بَيْنَ مَخَاضٍ وَابْنِ لبُونٍ؛ لأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الإِخْرَاجِ والثاني: يُطَالبُهُ بِبِنْتِ مَخَاضٍ؛ لأَنَّهَا الأَصْل فَإِنْ دَفَعَ ابْنَ لبُونٍ قُبِل مِنْهُ.
فرع: لوْ لزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَلمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ فِي الحَال لكِنْ يَمْلكُ بِنْتَ مَخَاضٍ مَغْصُوبَةً أَوْ مَرْهُونَةً، فَلهُ إخْرَاجُ ابْنِ لبُونٍ؛ لأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْهَا فَهِيَ كَالمَعْدُومَةِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاَللهُ أَعْلمُ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَمَنْ وَجَبَتْ عَليْهِ جَذَعَةٌ أَوْ حِقَّةٌ أَوْ بِنْتُ لبُونٍ، وَليْسَ عِنْدَهُ إلا مَا هُوَ أَسْفَل مِنْهُ بِسَنَةٍ أَخَذَ مِنْهُ مَعَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَإِنْ وَجَبَ عَليْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ أَوْ بِنْتُ لبُون أَوْ حِقَّةٌ وَليْسَ عِنْدَهُ إلا مَا هُوَ أَعْلى مِنْهُ بِسَنَةٍ أَخَذَ مِنْهُ، وَدَفَعَ إليْهِ المُصَدِّقُ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، لمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه كَتَبَ لهُ لمَّا وَجَّهَهُ إلى البَحْرَيْنِ كِتَابًا وَفِيهِ "وَمَنْ بَلغَتْ صَدَقَتُهُ مِنْ الإِبِل الجَذَعَةَ وَليْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَل مِنْهُ الحِقَّةُ وَيَجْعَل مَعَهَا شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ، وَليْسَ عِنْدَهُ إلا بِنْتُ لبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَل مِنْهُ بِنْتُ لبُونٍ، وَيُعْطِي مَعَهَا شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا،

 

ج / 5 ص -264-       وَمَنْ بَلغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لبُونٍ وَليْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَل مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَيُعْطَى مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَليْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَل مِنْهُ بِنْتُ لبُونٍ وَيُعْطِيه المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ. فَأَمَّا إذَا وَجَبَتْ عَليْهِ جَذَعَةٌ وَليْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ ثَنِيَّةٌ فَإِنْ أَعْطَاهَا وَلمْ يَطْلبْ جُبْرَانًا قُبِلتْ؛ لأَنَّهَا أَعْلى مِنْ الفَرْضِ بِسَنَةٍ، وَإِنْ طَلبَ الجُبْرَانَ فَالمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُدْفَعُ إليْهِ؛ لأَنَّهَا أَعْلى مِنْ الفَرْضِ بِسَنَةٍ، فَهِيَ كَالجَذَعَةِ مَعَ الحِقَّةِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: لا يُدْفَعُ الجُبْرَانُ؛ لأَنَّ الجَذَعَةَ تُسَاوِي الثَّنِيَّةَ فِي القُوَّةِ وَالمَنْفَعَةِ، فَلا مَعْنَى لدَفْعِ الجُبْرَانِ، وَإِنْ وَجَبَتْ عَليْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَليْسَ عِنْدَهُ إلا فَصِيلٌ، وَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ وَيُعْطَى مَعَهُ الجُبْرَانُ لمْ يَجُزْ؛ لأَنَّ الفَصِيل ليْسَ بِفَرْضٍ مُقَدَّرٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ نِصَابٌ مِرَاضٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ إلى فَرْضٍ مَرِيضٍ، وَيَأْخُذَ مَعَهُ الجُبْرَانَ لمْ يَجُزْ؛ لأَنَّ الشَّاتَيْنِ أَوْ العِشْرِينَ دِرْهَمًا جُعِل جُبْرَانًا لمَا بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، فَإِذَا كَانَا مَرِيضِينَ كَانَ الجُبْرَانُ أَقَل مِنْ الشَّاتَيْنِ أَوْ العِشْرِينَ الدِّرْهَمِ. فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْزِل إلى فَرْضٍ دُونَهُ وَيُعْطَى مَعَهُ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا جَازَ؛ لأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِالزِّيَادَةِ. وَمَنْ وَجَبَتْ عَليْهِ الشَّاتَانِ أَوْ العِشْرُونَ دِرْهَمًا كَانَ الخِيَارُ إليْهِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَل الخِيَارَ فِيهِ إلى مَنْ يُعْطِي فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يُعْطِي شَاةً وَعَشْرَةَ دَرَاهِمَ لمْ يَجُزْ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَلوْ جَوَّزْنَا أَنْ يُعْطِيَ شَاةً وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ خَيَّرْنَاهُ بَيْنَ ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ، وَمَنْ وَجَبَ عَليْهِ فَرْضٌ، وَوَجَدَ فَوْقَهُ فَرْضًا وَأَسْفَل مِنْهُ فَرْضًا، فَالخِيَارُ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُول إلى رَبِّ المَال؛ لأَنَّهُ هُوَ الذِي يُعْطِي، فَكَانَ كَالخِيَارِ فِي الشَّاتَيْنِ وَالعِشْرِينَ الدِّرْهَمَ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: الخِيَارُ إلى المُصَدِّقِ وَهُوَ المَنْصُوصُ؛ لأَنَّهُ يَلزَمُهُ أَنْ يَخْتَارَ مَا هُوَ أَنْفَعُ للمَسَاكِينِ وَلهَذَا إذَا اجْتَمَعَ الصِّحَاحُ وَالمِرَاضُ لمْ يَأْخُذْ المِرَاضَ، فَلوْ جَعَلنَا الخِيَارَ إلى رَبِّ المَال أَعْطَى مَا ليْسَ بِنَافِعٍ، وَيُخَالفُ الخِيَارَ فِي الشَّاتَيْنِ وَالعِشْرِينَ الدِّرْهَمَ، فَإِنَّ ذَلكَ جُعِل جُبْرَانًا عَلى سَبِيل التَّخْفِيفِ، فَكَانَ ذَلكَ إلى مَنْ يُعْطَى وَهَذَا تَخْيِيرٌ فِي الفَرْضِ، فَكَانَ إلى المُصَدِّقِ. وَمَنْ وَجَبَ عَليْهِ فَرْضٌ وَلمْ يَجِدْ إلا مَا هُوَ أَعْلى مِنْهُ بِسَنَتَيْنِ أُخِذَ مِنْهُ وَأُعْطِيَ أَرْبَعَ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَإِنْ لمْ يَجِدْ إلا مَا هُوَ أَسْفَل مِنْهُ بِسَنَتَيْنِ أُخِذَ مِنْهُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدَّرَ مَا بَيْنَ السِّنِينَ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَدَل عَلى أَنَّ كُل مَا زَادَ فِي السِّنِّ سَنَةً زَادَ فِي الجُبْرَانِ بِقَدْرِهَا، فَإِنْ أَرَادَ مَنْ وَجَبَ عَليْهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعُ شِيَاهٍ أَنْ يُعْطِيَ شَاتَيْنِ عَنْ أَحَدِ الجُبْرَانَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا عَنْ الجُبْرَانِ الآخَرِ جَازَ؛ لأَنَّهُمَا جُبْرَانَانِ، فَجَازَ أَنْ يَخْتَارَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا، وَفِي الآخَرِ غَيْرَهُ كَكَفَّارَتَيْ يَمِينَيْنِ، يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ فِي إحْدَاهُمَا الطَّعَامَ وَفِي الأُخْرَى الكِسْوَةَ، وَإِنْ وَجَبَ عَليْهِ الفَرْضُ، وَوَجَدَ سِنًّا أَعْلى مِنْهُ بِسَنَةٍ وَسِنًّا أَعْلى مِنْهُ بِسَنَتَيْنِ، فَتَرَكَ الأَقْرَبَ وَانْتَقَل إلى الأَبْعَدِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أحدهما: أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الجُبْرَانِ. والثاني: لا يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ الأَقْرَبَ مَقَامَ الفَرْضِ، ثُمَّ لوْ وَجَدَ الفَرْضَ لمْ يَنْتَقِل إلى الأَقْرَبِ، فَكَذَلكَ إذَا وَجَدَ الأَقْرَبَ لمْ يَنْتَقِل إلى الأَبْعَدِ".
الشرح:
قَال الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالأَصْحَابُ رَحِمهمْ اللهُ تَعَالى: إذَا وَجَبَ عَليْهِ جَذَعَةٌ وَليْسَتْ عِنْدَهُ جَازَ أَنْ يُخْرِجَ حِقَّةً مَعَ جُبْرَانٍ، وَالجُبْرَانُ شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَلوْ وَجَبَتْ حِقَّةٌ، وَليْسَتْ عِنْدَهُ، فَلهُ

 

ج / 5 ص -265-       إخْرَاجُ بِنْتِ لبُونٍ وَيَأْخُذُ السَّاعِي جُبْرَانًا، وَلوْ وَجَبَتْ بِنْتُ لبُونٍ وَليْسَتْ عِنْدَهُ، فَلهُ إخْرَاجُ حِقَّةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا وَلوْ وَجَبَتْ حِقَّةٌ وَليْسَتْ عِنْدَهُ، فَلهُ إخْرَاجُ جَذَعَةٍ، وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا. قَال أَصْحَابُنَا: وَصِفَةُ شَاةِ الجُبْرَانِ هَذِهِ صِفَةُ الشَّاةِ المُخْرَجَةِ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِل، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا، وَفِي اشْتِرَاطِ الأُنُوثِيَّةِ إذَا كَانَ المَالكُ هُوَ دَافِعَ الجُبْرَانِ الوَجْهَانِ: المَذْكُورَانِ فِي تِلكَ الشَّاةِ أصحهما: لا يُشْتَرَطُ، بَل يُجْزِئُ الذَّكَرُ، فَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ الشَّاةَ هُوَ السَّاعِي وَلمْ يَرْضَ رَبُّ المَال بِالذَّكَرِ، فَفِيهِ الوجهان: وَإِنْ رَضِيَ بِهِ جَازَ بِلا خِلافٍ، صَرَّحَ بِهِ المُتَوَلي وَغَيْرُهُ. قَال إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: وَلا خِلافَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ التِي يُخْرِجُهَا هِيَ البَقَرَةُ الخَالصَةُ، قَال إمَامُ الحَرَمَيْنِ: وَكَذَا الدَّرَاهِمُ الشَّرْعِيَّةُ حَيْثُ أُطْلقَتْ، فَإِنْ احْتَاجَ الإِمَامُ إلى دَرَاهِمَ ليَدْفَعَهَا فِي الجُبْرَانِ وَلمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ المَال شَيْءٌ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَال الزَّكَاةِ، وَصَرَفَهُ فِي الجُبْرَانِ، هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ العُدَّةِ وَالبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ البَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ.
وأما: تَعْيِينُ الشَّاتَيْنِ أَوْ الدَّرَاهِمِ، فَالخِيرَةُ فِيهِ لدَافِعِهِ، سَوَاءٌ كَانَ السَّاعِي أَوْ رَبُّ المَال، هَكَذَا نَصَّ عَليْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَقَطَعَ بِهِ الجُمْهُورُ، وَذَكَرَ إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا، فِيهَا إذَا كَانَ الدَّافِعُ هُوَ رَبَّ المَال، طَرِيقِينَ:
أصحهما: هَذَا والثاني: أَنَّ الخِيَرَةَ للسَّاعِي، وَالمَذْهَبُ الأَوَّل لظَاهِرِ حَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي أَوَّل البَابِ، قَال أَصْحَابُنَا: فَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ هُوَ السَّاعِيَ لزِمَهُ دَفْعُ مَا دَفْعُهُ أَصْلحُ للمَسَاكِينِ، وَإِنْ كَانَ رَبَّ المَال اُسْتُحِبَّ لهُ دَفْعُ الأَصْلحِ للمَسَاكِينِ، وَيَجُوزُ لهُ دَفْعُ الآخَرِ  أما: الخِيَرَةُ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُول إذَا فَقَدَ السِّنَّ الوَاجِبَةَ، وَوَجَدَ أَعْلى مِنْهَا وَأَنْزَل فَفِيهِ وَجْهَانِ: مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ، وَاخْتَلفُوا فِي أَصَحِّهِمَا فَأَشَارَ المُصَنِّفُ إلى أَنَّ الأَصَحَّ أَنَّ الخِيَرَةَ للمَالكِ، وَهُوَ الذِي صَحَّحَهُ إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَالبَغَوِيُّ وَالمُتَوَلي وَالرَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الخُرَاسَانِيِّينَ، وَقَطَعَ بِهِ الجُرْجَانِيُّ مِنْ العِرَاقِيِّينَ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ وَصَحَّحَ أَكْثَرُ العِرَاقِيِّينَ أَنَّ الخِيَرَةَ للسَّاعِي، وَهُوَ المَنْصُوصُ فِي الأُمِّ ثُمَّ إنَّ الأَصْحَابَ أَطْلقُوا الوَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا إلا صَاحِبَ الحَاوِي فَقَال: إنْ طَلب السَّاعِي النُّزُول وَالمَالكُ الصُّعُودَ، فَإِنْ عَدِمَ السَّاعِي الجُبْرَانَ، فَالخِيَرَةُ لهُ وَإِلا فَفِيهِ الوَجْهَانِ:
قَال أَصْحَابُنَا: فَإِنْ خَيَّرْنَا السَّاعِيَ لزِمَهُ اخْتِيَارُ الأَصْلحِ للمَسَاكِينِ، قَال إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: الوَجْهَانِ: فِيمَا إذَا أَرَادَ المَالكُ دَفْعَ غَيْرِ الأَنْفَعِ للمَسَاكِينِ، فَإِنْ أَرَادَ دَفْعَ الأَنْفَعِ لزِمَ السَّاعِي قَبُولهُ بِلا خِلافٍ؛ لأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالمَصْلحَةِ، وَهَذَا مَصْلحَةٌ. قَال الإِمَامُ: وَإِنْ اسْتَوَى مَا يُرِيدُهُ هَذَا وَذَاكَ فِي الغِبْطَةِ فَالأَظْهَرُ اتِّبَاعُ المَالكِ. هَذَا كُلهُ إذَا كَانَتْ الإِبِل سَليمَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَعِيبَةً أَوْ مَرِيضَةً فَأَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ إلى سِنٍّ مَرِيضٍ، وَيَأْخُذَ مَعَهُ الجُبْرَانَ لمْ يَجُزْ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ فِي طَرِيقَتَيْ العِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَاتَّفَقُوا عَليْهِ وَنَقَلهُ إمَامُ الحَرَمَيْنِ عَنْ الأَصْحَابِ مُطْلقًا، ثُمَّ قَال: وَاَلذِي يُتَّجَهُ عِنْدِي أَنَّا إنْ قُلنَا: الخِيرَةُ للمَالكِ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُول، فَالأَمْرُ عَلى مَا ذَكَرَهُ الأَصْحَابُ. وَإِنْ قُلنَا: الخِيرَةُ للسَّاعِي فَرَآهُ غِبْطَةً للمَسَاكِينِ فَالوَجْهُ القَطْعُ بِجَوَازِهِ، قَال: وَهَذَا وَاضِحٌ، وَهُوَ مُرَادُ الأَصْحَابِ قَطْعًا، وَإِنْ قُلنَا الخِيَرَةُ للمَسَاكِينِ لمْ يَجُزْ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الجُبْرَانَ المُسَمَّى بَدَلًا عَمَّا بَيْنَ السِّنَّيْنِ السَّليمَتَيْنِ وَمَعْلومٌ أَنَّ الذِي بَيْنَ المَعِيبَيْنِ دُونَ ذَلكَ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ إطْلاقِ الوَجْهَيْنِ فِيمَنْ لهُ الخِيَرَةُ، وَلوْ أَرَادَ

 

ج / 5 ص -266-       النُّزُول وَهِيَ مَعِيبَةٌ، وَيَبْذُل الجُبْرَانَ قُبِل مِنْهُ؛ لأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِزِيَادَةٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَليْهِ.
قَال أَصْحَابُنَا: وَإِنَّمَا يَجِيءُ الصُّعُودُ وَالنُّزُول إذَا عَدِمَ السِّنَّ الوَاجِبَةَ أَوْ وَجَدَهَا وَهِيَ مَعِيبَةٌ أَوْ نَفِيسَةٌ، فَأَمَّا إنْ وَجَدَهَا وَهِيَ سَليمَةٌ مُعْتَدِلةٌ، وَأَرَادَ النُّزُول أَوْ الصُّعُودَ مَعَ جُبْرَانٍ، فَليْسَ لهُ ذَلكَ بِلا خِلافٍ، وَلا يَجُوزُ ذَلكَ للسَّاعِي أَيْضًا بِلا خِلافٍ، فَإِنْ وَجَدَهَا وَهِيَ مَعِيبَةٌ، فَكَالمَعْدُومَةِ وَإِنْ وَجَدَهَا وَهِيَ نَفِيسَةٌ بِأَنْ تَكُونَ حَامِلًا أَوْ ذَاتَ لبَنٍ أَوْ أَكْرَمَ إبِلهِ لمْ يَلزَمْهُ إخْرَاجُهَا، وَلا يَجُوزُ للسَّاعِي أَخْذُهَا بِغَيْرِ رِضَاءِ المَالكِ، فَإِنْ لمْ يَسْمَحْ بِهَا المَالكُ، فَهِيَ كَالمَعْدُومَةِ، وَيَنْتَقِل إلى سِنٍّ أَعْلى أَوْ أَسْفَل بِلا خِلافٍ صَرَّحَ بِهِ المَاوَرْدِيُّ وَالبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الوَجْهَ السَّابِقَ فِيمَا إذَا لزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَإِبِلهُ مَهْزُولةٌ، وَلمْ يَجِدْ بِنْتَ مَخَاضٍ إلا نَفِيسَةً، أَنَّهَا لا تَكُونُ كَالمَعْدُومَةِ. قَال أَصْحَابُنَا: وَحَيْثُ قُلنَا: يَنْزِل، فَنَزَل وَدَفَعَ الجُبْرَانَ، أَجْزَأَهُ، سَوَاءٌ كَانَ السِّنُّ الذِي نَزَل إليْهِ مَعَ الجُبْرَانِ يَبْلغُ قِيمَةَ السِّنِّ الذِي نَزَل عَنْهُ أَمْ لا، وَلا نَظَرَ إلى التَّفَاوُتِ؛ لأَنَّ هَذَا جَائِزٌ بِالنَّصِّ.
وَأَمَّا إذَا وَجَبَ عَليْهِ جَذَعَةٌ، وَليْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ ثَنِيَّةٌ، فَإِنْ دَفَعَهَا، وَلمْ يَطْلبْ جُبْرَانًا قُبِلتْ مِنْهُ، وَقَدْ زَادَ خَيْرًا، وَإِنْ طَلبَ جُبْرَانًا فَوَجْهَانِ: أحدهما: تُجْزِئُهُ؛ لأَنَّهَا أَعْلى مِنْهُ بِسَنَةٍ، فَهِيَ كَالجَذَعَةِ مَعَ الحِقَّةِ والثاني: لا؛ لأَنَّ الجُبْرَانَ عَلى خِلافِ الدَّليل، وَلا تُتَجَاوَزُ بِهِ أَسْنَانُ الزَّكَاةِ التِي وَرَدَ فِيهَا الحَدِيثُ وَلأَنَّ الجَذَعَةَ تُسَاوِي الثَّنِيَّةَ فِي القُوَّةِ وَالمَنْفَعَةِ فَلا يُحْتَمَل مَعَهَا الجُبْرَانُ. وَنَقَل المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه الإِجْزَاءَ، وَهُوَ الأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الأَصْحَابِ. وَصَحَّحَ الغَزَاليُّ وَالمُتَوَلي وَالبَغَوِيُّ المَنْعَ: وَالمَذْهَبُ الأَوَّل.
أَمَّا إذَا لزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَليْسَتْ عِنْدَهُ، وَليْسَ عِنْدَهُ إلا فَصِيلٌ أُنْثَى لهُ دُونَ سَنَةٍ فَلا يُجْزِئُهُ مَعَ الجُبْرَانِ بِلا خِلافٍ؛ لأَنَّهُ ليْسَ مِمَّا يُجْزِئُ فِي الزَّكَاةِ، قَال أَصْحَابُنَا: وَيَجُوزُ الصُّعُودُ وَالنُّزُول بِدَرَجَتَيْنِ وَبِثَلاثٍ، وَيَكُونُ مَعَ الدَّرَجَتَيْنِ جُبْرَان، وَمَعَ الثَّلاثِ ثَلاثٌ. مِثَال ذَلكَ: وَجَبَتْ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَفَقَدَهَا وَفَقَدَ بِنْتَ لبُونٍ وَحِقَّةً، وَوَجَدَ جَذَعَةً دَفَعَهَا وَأَخَذَ جُبْرَانَاتٍ، وَإِنْ وَجَدَ حِقَّةً دَفَعَهَا وَأَخَذَ جُبْرَانَيْنِ، إنْ وَجَبَتْ جَذَعَةٌ، فَفَقَدَهَا وَفَقَدَ الحِقَّةَ وَبِنْتَ اللبُونِ دَفَعَ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ ثَلاثِ جُبْرَانَاتٍ، فَإِنْ وَجَدَ بِنْتَ لبُونٍ دَفَعَهَا مَعَ جُبْرَانَيْنِ، وَهَل يَجُوزُ الصُّعُودُ وَالنُّزُول بِدَرَجَتَيْنِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ دَرَجَةٍ؟ أَوْ ثَلاثٍ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ دَرَجَتَيْنِ؟ فِيهِمَا وَجْهَانِ: الصَّحِيحُ عِنْدَ الأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ العُدَّةِ وَالبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ البَاقُونَ.
مثاله: وَجَبَتْ بِنْتُ لبُونٍ، فَفَقَدَهَا، وَوَجَدَ حِقَّةً وَجَذَعَةً، فَإِنْ أَخْرَجَ الحِقَّةَ وَطَلبَ جُبْرَانًا فِيهِمَا جَازَ، وَإِنْ أَخْرَجَ الجَذَعَةَ وَرَضِيَ بِجُبْرَانٍ وَاحِدٍ جَازَ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا، وَإِنْ طَلبَ جُبْرَانَيْنِ فَوَجْهَانِ: الصحيح: لا يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَقْليل الجُبْرَانِ وَمُسْتَغْنٍ عَنْ الجُبْرَانِ الثَّانِي، فَلا يَجُوزُ كَمَا لوْ وَجَدَ الأَصْل. وَلوْ وَجَبَتْ حِقَّةٌ، فَفَقَدَهَا وَوَجَدَ بِنْتَ لبُونٍ وَبِنْتَ مَخَاضٍ، فَأَرَادَ النُّزُول إلى بِنْتِ مَخَاضٍ، وَدَفَعَ

 

ج / 5 ص -267-       جُبْرَانَيْنِ فَفِيهِ الوَجْهَانِ: الصحيح: لا يَجُوزُ، وَلوْ لزِمَهُ بِنْتُ لبُونٍ، فَفَقَدَهَا وَفَقَدَ الحِقَّةَ وَوَجَدَ جَذَعَةً وَبِنْتَ مَخَاضٍ فَإِنْ أَخْرَجَ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَ الجَذَعَةِ مَعَ جُبْرَانَيْنِ فَوَجْهَانِ: أصحهما: الجَوَازُ، وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلانِيُّ؛ لأَنَّ بِنْتَ المَخَاضِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقْرَبَ لكِنَّهَا ليْسَتْ فِي الجِهَةِ المَعْدُول عَنْهَا بِخِلافِ مَا لوْ وَجَدَ حِقَّةً وَجَذَعَةً، فَصَعِدَ إلى الجَذَعَةِ، وَهَذَا الذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ ثُبُوتِ الجُبْرَانَيْنِ وَالثَّلاثَةِ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا فِي كُل الطُّرُقِ. إلا ابْنَ المُنْذِرِ، فَإِنَّهُ نَقَل عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه هَذَا ثُمَّ اخْتَارَ لنَفْسِهِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ زِيَادَةٌ عَلى جُبْرَانٍ وَاحِدٍ، كَمَا ثَبَتَ فِي الحَدِيثِ، وَالصَّوَابُ الأَوَّل.
أَمَّا: إذَا لزِمَهُ حِقَّةٌ فَأَخْرَجَ بِنْتَيْ لبُونٍ بِلا جُبْرَانٍ. أَوْ لزِمَهُ جَذَعَةٌ، فَأَخْرَجَ بِنْتَيْ لبُونٍ أَوْ حِقَّتَيْنِ بِلا جُبْرَانٍ فَوَجْهَانِ: حَكَاهُمَا القَاضِي حُسَيْنٌ وَالمُتَوَلي وَصَاحِبُ المُسْتَظْهِرِيِّ وَغَيْرُهُمْ أصحهما: يُجْزِئُهُ؛ لأَنَّهُمَا يَجْزِيَانِ عَمَّا فَوْقَ إبِلهِ، فَعَنْهَا أَوْلى والثاني: لا؛ لأَنَّ فِي الوَاجِبِ مَعْنًى ليْسَ هُوَ فِي المَخْرَجِ. أَمَّا: إذَا لزِمَهُ بِنْتُ لبُونٍ فَأَخْرَجَ ابْنَ لبُونٍ؛ ليَقُومَ مَقَامَ بِنْتِ مَخَاضٍ وَيُعْطَى مَعَهُ جُبْرَانًا فَوَجْهَانِ: حَكَاهُمَا صَاحِبُ الحَاوِي وَغَيْرُهُ أحدهما: يَجُوزُ؛ لأَنَّ ابْنَ اللبُونِ فِي حُكْمِ بِنْتِ المَخَاضِ عِنْدَ عَدَمِهَا، فَصَارَ كَمُعْطِي بِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ والثاني: لا يَجُوزُ؛ لأَنَّ ابْنَ اللبُونِ أُقِيمَ مَقَامَ بِنْتِ مَخَاضٍ إذَا كَانَتْ هِيَ الفَرْضَ وَليْسَتْ هِيَ هُنَا الفَرْضَ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ إحْدَى وَسِتُّونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا بِنْتَ مَخَاضٍ فَالمَذْهَبُ أَنَّهَا لا تُجْزِئُهُ إلا مَعَ ثَلاثِ جُبْرَانَاتٍ، وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الأَصْحَابِ، وَذَكَر صَاحِبُ الحَاوِي وَجْهَيْنِ: أحدهما: هَذَا والثاني: تَكْفِيهِ وَحْدَهَا، وَلا يَلزَمُهُ زِيَادَةٌ عَليْهَا، وَلا جُبْرَانٌ لئَلا يُجْحِفَ بِهِ وَاَللهُ تَعَالى أَعْلمُ.
فرع: اتَّفَقَ الأَصْحَابُ عَلى أَنَّهُ لا يَجُوزُ لرَبِّ المَال إذَا تَوَجَّهَ عَليْهِ جُبْرَانٌ أَنْ يُبَعِّضَهُ، فَيَدْفَعَ شَاةً وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ دَافِعُ الجُبْرَانِ هُوَ السَّاعِيَ، فَإِنْ لمْ يَرْضَ رَبُّ المَال بِالتَّبْعِيضِ لمْ يُجْبَرْ عَليْهِ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ جَازَ تَبْعِيضُهُ، هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَالمُتَوَلي وَالبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ، وَلا خِلافَ فِيهِ؛ لأَنَّ الحَقَّ فِي الامْتِنَاعِ مِنْ التَّبْعِيضِ لرَبِّ المَال، فَإِذَا رَضِيَ بِهِ جَازَ، كَمَا لوْ قَنَعَ بِشَاةٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. وَأَمَّا مَا قَالهُ صَاحِبُ الحَاوِي وَالمَحَامِليُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيُّ وَآخَرُونَ: لوْ أَرَادَ رَبُّ المَال أَوْ السَّاعِي دَفْعَ شَاةٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لمْ يَجُزْ "فَمُرَادُهُمْ "إذَا لمْ يَرْضَ رَبُّ المَال بِأَخْذِ المُبَعَّضِ، وَلوْ تَوَجَّهَ جُبْرَانَانِ عَلى المَالكِ أَوْ السَّاعِي جَازَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ أَحَدِهِمَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَنْ الآخَرِ شَاتَيْنِ، وَيُجْبَرُ الآخَرُ عَلى قَبُولهِ، وَكَذَا لوْ تَوَجَّهَ ثَلاثَةُ جُبْرَانَاتٍ فَأَخْرَجَ عَنْ أَحَدِهِمَا شَاتَيْنِ وَعَنْ الآخَرِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ عَكْسَهُ جَازَ بِلا خِلافٍ؛ لأَنَّ كُل جُبْرَانٍ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، فَلمْ يَتَبَعَّضْ وَاجِبٌ وَاحِدٌ بِخِلافِ الجُبْرَانِ الوَاحِدِ، وَشَبَّهَهُ الأَصْحَابُ بِكَفَّارَةِ اليَمِينِ، لا يَجُوزُ تَبْعِيضُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ، فَيُطْعِمُ خَمْسَةً وَيَكْسُو خَمْسَةً، وَلوْ وَجَبَ كَفَّارَتَانِ، جَازَ أَنْ يُطْعِمَ عَشْرَةً وَيَكْسُوَ عَشْرَةً.
فرع: قَال أَصْحَابُنَا: لا مَدْخَل للجُبْرَانِ فِي زَكَاةِ البَقَرِ وَالغَنَمِ؛ ؛ لأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الإِبِل عَلى خِلافِ القِيَاسِ، فَلا يَتَجَاوَزُهُ.
فرع: قَال الإِمَامُ أَبُو سُليْمَانَ الخَطَّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا جَعَل الشَّاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ

 

ج / 5 ص -268-       دِرْهَمًا تَقْدِيرًا فِي جُبْرَانِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَلمْ يَكِل الأَمْرَ فِي ذَلكَ إلى اجْتِهَادِ السَّاعِي وَغَيْرِهِ؛ لأَنَّ السَّاعِيَ إنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ الزَّكَاةَ عِنْدَ المِيَاهِ غَالبًا، وَليْسَ هُنَاكَ حَاكِمٌ وَلا مُقَوِّمٌ يَفْصِل بَيْنَهُمَا إذَا اخْتَلفَا فَضُبِطَتْ بِقِيمَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَالصَّاعِ فِي المُصَرَّاةِ أَوْ الغُرَّةِ فِي الجَنِينِ، وَمِائَةٍ مِنْ الإِبِل فِي قَتْل النَّفْسِ قَطْعًا للتَّنَازُعِ.

فرع: فِي أَلفَاظِ الكِتَابِ
حَدِيثُ أَنَسٍ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّل البَابِ، قَوْلهُ: "وَمَنْ بَلغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الإِبِل صَدَقَةُ الجَذَعَةِ "لفْظُ "صَدَقَةُ "مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ، بَل مُضَافٌ إلى الجَذَعَةِ "وَالجَذَعَةِ "مَجْرُورٌ بِالإِضَافَةِ. وَكَذَا قَوْلهُ بَعْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ. وَأَمَّا المُصَدِّقُ المَذْكُورُ فِي الفَصْل، فَهُوَ السَّاعِي، وَهُوَ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ. وَأَمَّا المَالكُ، فَالمَشْهُورُ فِيهِ المُصَّدِّقُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَكَسْرِ الدَّال عَلى المَشْهُورِ، وَقِيل: يُقَال بِتَخْفِيفِ الصَّادِ، وَقَال الخَطَّابِيُّ: هُوَ بِفَتْحِ الدَّال.

فرع: فِي مَذَاهِبِ العُلمَاءِ فِيمَنْ وَجَبَ عَليْهِ سِنٌّ وَفَقَدَهَا
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُخْرِجُ أَعْلى مِنْهَا بِسَنَةٍ، وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا أَوْ أَسْفَل بِسَنَةٍ وَيَدْفَعُ جُبْرَانًا، وَهُوَ شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا. وَبِهِ قَال إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ. وَحَكَى ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عَليٍّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ الجُبْرَانَ شَاتَانِ أَوْ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ. وَعَنْ مَكْحُولٍ وَالأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ السِّنِّ الوَاجِبِ. وَعَنْ مَالكٍ أَنَّهُ يَلزَمُ رَبَّ المَال شِرَاءُ ذَلكَ السِّنِّ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُليْمَانَ: السَّاعِي يَأْخُذُ السِّنَّ المَوْجُودَ عِنْدَهُ، وَيَجِبُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِمَا. احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي أَوَّل البَابِ. وَاحْتُجَّ لعَليٍّ رضي الله عنه وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ، وَاَللهُ تَعَالى أَعْلمُ.
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"وَإِنْ اتَّفَقَ فِي نِصَابٍ فَرْضَانِ كَالمِائَتَيْنِ هِيَ نِصَابُ خَمْسِ بَنَاتِ لبُونٍ، وَنِصَابُ أَرْبَعِ حِقَاقٍ، فَقَدْ قَال فِي الجَدِيدِ: تَجِبُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لبُونٍ وَقَال فِي القَدِيمِ: تَجِبُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ. فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: يَجِبُ أَحَدُ الفَرْضَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: فِيهِ قَوْلانِ: أحدهما: تَجِبُ الحِقَاقُ؛ لأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ تَغَيُّرُ الفَرْضِ بِالسِّنِّ لمْ يُغَيَّرْ بِالعَدَدِ. كَمَا قُلنَا فِيمَا قَبْل المِائَتَيْنِ والثاني: يَجِبُ أَحَدُ الفَرْضَيْنِ لمَا رَوَى سَالمٌ فِي نُسْخَةِ كِتَابِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم "فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لبُونٍ}، فَعَلى هَذَا إنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ إخْرَاجُهُ؛ لأَنَّ المُخَيَّرَ فِي الشَّيْئَيْنِ إذَا تَعَذَّرَ عَليْهِ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ عَليْهِ الآخَرُ كَالمُكَفِّرِ عَنْ اليَمِينِ إذَا تَعَذَّرَ عَليْهِ العِتْقُ وَالكِسْوَةُ تَعَيَّنَ عَليْهِ الإِطْعَامُ، وَإِنْ وَجَدَهُمَا اخْتَارَ المُصَدِّقُ أَنْفَعَهُمَا للمَسَاكِينِ. وَقَال أَبُو العَبَّاسِ: يَخْتَارُ صَاحِبُ المَال مَا شَاءَ مِنْهُمَا وَقَدْ مَضَى دَليل المَذْهَبَيْنِ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُول. فَإِنْ اخْتَارَ المُصَدِّقُ الأَدْنَى نَظَرْت فَإِنْ كَانَ ذَلكَ بِتَفْرِيطٍ مِنْ رَبِّ المَال بِأَنْ لمْ يُظْهِرْ أَحَدَ الفَرْضَيْنِ أَوْ مِنْ السَّاعِي بِأَنْ لمْ يَجْتَهِدْ وَجَبَ رَدُّ المَأْخُوذِ أَوْ بَدَلهِ إنْ كَانَ تَالفًا، فَإِنْ لمْ يُفَرِّطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَخْرَجَ رَبُّ المَال الفَضْل، وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الصِّنْفَيْنِ، وَهَل يَجِبُ ذَلكَ أَمْ لا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أحدهما: يُسْتَحَبُّ؛ ؛ لأَنَّ المُخْرِجَ يُجْزِئُ عَنْ الفَرْضِ، فَكَانَ الفَضْل مُسْتَحَبًّا

 

ج / 5 ص -269-       والثاني: أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ؛ لأَنَّهُ لمْ يُؤَدِّ الفَرْضَ بِكَمَالهِ، فَلزِمَهُ إخْرَاجُ الفَضْل فَإِنْ كَانَ الفَضْل يَسِيرًا لا يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ جُزْءًا مِنْ الفَرْضِ تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أحدهما: يَجِبُ؛ لأَنَّهُ يُمْكِنُ الوُصُول إلى جُزْءٍ مِنْ الفَرْضِ فَلمْ تَجُزْ فِيهِ القِيمَةُ والثاني: لا يَجِبُ؛ لأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ ذَلكَ فِي العَادَةِ، فَإِنْ عُدِمَ الفَرْضَانِ فِي المَال نَزَل إلى بَنَاتِ مَخَاضٍ أَوْ صَعِدَ إلى الجِذَاعِ مَعَ الجُبْرَانِ. وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُ الفَرْضَيْنِ وَبَعْضُ الآخَرِ أَخَذَ المَوْجُودَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الآخَرِ مَعَ الجُبْرَانِ لمْ يَجُزْ؛ لأَنَّ أَحَدَ الفَرْضَيْنِ كَامِلٌ، فَلمْ يَجُزْ العُدُول إلى الجُبْرَانِ. وَإِنْ وُجِدَ مِنْ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضُهُ بِأَنْ كَانَ فِي المَال ثَلاثُ حِقَاقٍ وَأَرْبَعُ بَنَاتِ لبُونٍ، فَأَعْطَى الثَّلاثَ الحِقَاقَ وَبِنْتَ لبُونٍ مَعَ الجُبْرَانِ جَازَ. وَإِنْ أَعْطَى أَرْبَعَ بَنَاتِ لبُونٍ وَحِقَّةً، وَأَخَذَ الجُبْرَانَ جَازَ وَإِنْ أَعْطَى حِقَّةً وَثَلاثَ بَنَاتِ لبُونٍ مَعَ كُل بِنْتِ لبُونٍ جُبْرَانٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أحدهما: يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي ثَلاثِ حِقَاقٍ وَبِنْتِ لبُونٍ والثاني: لا يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْطِيَ ثَلاثَ حِقَاقٍ وَبِنْتَ لبُونٍ وَجُبْرَانًا وَاحِدًا، فَلا يَجُوزُ ثَلاثُ جُبْرَانَاتٍ؛ وَلأَنَّهُ إذَا أَعْطَى ثَلاثَ بَنَاتِ لبُونٍ مَعَ الجُبْرَانِ تَرَكَ بَعْضَ الفَرْضِ وَعَدَل إلى الجُبْرَانِ، فَلمْ يَجُزْ، كَمَا لا يَجُوزُ أَخْذُ الجُبْرَانِ إذَا وَجَدَ أَحَدَهُمَا كَامِلًا، وَإِنْ وَجَدَ الفَرْضَيْنِ مَعِيبَيْنِ لمْ يَأْخُذْ بَل يُقَال لهُ: إمَّا أَنْ تَشْتَرِيَ الفَرْضَ الصَّحِيحَ، وَإِمَّا أَنْ تَصْعَدَ مَعَ الجُبْرَانِ أَوْ تَنْزِل مَعَ الجُبْرَانِ. وَإِنْ كَانَتْ الإِبِل أَرْبَعَمِائَةٍ وَقُلنَا: إنَّ الوَاجِبَ أَحَدُ الفَرْضَيْنِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ عَشْرَ بَنَاتِ لبُونٍ أَوْ ثَمَانِي حِقَاقٍ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ مِائَتَيْنِ أَرْبَعَ حِقَاقٍ، وَعَنْ مِائَتَيْنِ خَمْسَ بَنَاتِ لبُونٍ جَازَ. وَقَال أَبُو سَعِيدٍ الإِصْطَخْرِيُّ: لا يَجُوزُ كَمَا لا يَجُوزُ ذَلكَ فِي المِائَتَيْنِ، وَالمَذْهَبُ الأَوَّل؛ لأَنَّهُمَا فَرِيضَتَانِ، فَجَازَ أَنْ يَأْخُذَ فِي إحْدَاهُمَا جِنْسًا وَفِي الأُخْرَى جِنْسًا آخَرَ، كَمَا لوْ كَانَ عَليْهِ كَفَّارَتَا يَمِينٍ، فَأَخْرَجَ فِي إحْدَاهُمَا الكِسْوَةَ وَفِي الأُخْرَى الطَّعَامَ".
الشرح:
قَال أَصْحَابُنَا رَحِمهمْ اللهُ تَعَالى: إذَا بَلغَتْ المَاشِيَةُ حَدًّا يَخْرُجُ فَرْضُهُ بِحِسَابَيْنِ كَالمِائَتَيْنِ مِنْ الإِبِل، فَهَل الوَاجِبُ خَمْسُ بَنَاتِ لبُونٍ أَمْ أَرْبَعُ حِقَاقِ؟ فِيهِ نَصَّانِ قَال فِي القَدِيمِ: الحِقَاقُ وَقَال فِي الجَدِيدِ: أَحَدُهُمَا. وَللأَصْحَابِ طَرِيقَانِ: أحدهما: القَطْعُ بِالجَدِيدِ، وَتَأَوَّلوا القَدِيمَ عَلى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الحِقَاقَ أَنْفَعُ للمَسَاكِينِ لا أَنَّهَا تَجِبُ مُطْلقًا وَأَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا: فِيهِ قَوْلانِ: أصحهما: بِاتِّفَاقِهِمْ الفَرْضُ1 أَحَدُهُمَا: والثاني: الفَرْضُ الحِقَاقُ حَتْمًا، فَإِنْ قُلنَا بِهَذَا أَوْ وَجَدَ الحِقَاقَ بِصِفَةِ الإِجْزَاءِ مِنْ غَيْرِ نَفَاسَةٍ تَعَيَّنَ إخْرَاجُهَا وَإِلا نَزَل إلى بَنَاتِ اللبُونِ أَوْ صَعِدَ إلى الجِذَاعِ مَعَ الجُبْرَانِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى الحِقَاقَ، وَلمْ يَذْكُرْ المُصَنِّفُ تَفْرِيعَ هَذَا القَوْل لضَعْفِهِ. وَإِنْ قُلنَا بِالمَذْهَبِ: إنَّ الوَاجِبَ أَحَدُهُمَا، فَللمَال خَمْسَةُ أَحْوَالٍ، أَحَدُهَا أَنْ يُوجَدَ فِيهِ القَدْرُ الوَاجِبُ مِنْ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ بِكَمَالهِ دُونَ الآخَرِ، فَيُؤْخَذُ وَلا يُكَلفُ تَحْصِيل الصِّنْفِ الآخَرِ بِلا خِلافٍ، لمَا ذَكَره المُصَنِّفُ. قَال أَصْحَابُنَا: وَسَوَاءٌ كَانَ الصِّنْفُ الآخَرُ أَنْفَعَ للمَسَاكِينِ أَمْ لا. وَنَقَل المَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الاتِّفَاقَ عَلى هَذَا. قَال أَصْحَابُنَا: وَلا يَجُوزُ وَالحَالةُ هَذِهِ الصُّعُودُ وَلا النُّزُول مَعَ الجُبْرَانِ؛ لأَنَّهُ لا ضَرُورَةَ إليْهِ. قَالوا: وَسَوَاءٌ عُدِمَ كُل الصِّنْفِ الآخَرِ أَمْ بَعْضُهُ. وَكَذَا لوْ وُجِدَ الصِّنْفَانِ وَأَحَدُهُمَا مَعِيبٌ فَهُوَ كَالمَعْدُومِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد أحد الحسابين لتساويهما وتساوي الصنفين فيهما (ط).

 

ج / 5 ص -270-       الحال الثاني: أَلا يُوجَدَ فِي مَالهِ شَيْءٌ مِنْ الصِّنْفَيْنِ أَوْ يُوجَدَا وَهُمَا مَعِيبَانِ، فَإِذَا أَرَادَ تَحْصِيل أَحَدِهِمَا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلهُ أَنْ يُحَصِّل أَيَّهمَا شَاءَ، فَإِذَا حَصَّل أَحَدَهُمَا صَارَ وَاجِدًا لهُ، وَوَجَبَ قَبُولهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الآخَرُ أَنْفَعَ للمَسَاكِينِ. هَذَا هُوَ المَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَالجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ. وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ شِرَاءُ الأَجْوَدِ للمَسَاكِينِ، وَهُوَ الوَجْهُ الضَّعِيفُ الذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إذَا لزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلمْ يَجِدْهَا وَلا وَجَدَ ابْنَ لبُونٍ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَليْهِ شِرَاءُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَلا يُجْزِئُهُ ابْنُ لبُونٍ وَالمَذْهَبُ القَطْعُ بِجَوَازِ ابْنِ لبُونٍ، وَكَذَا هُنَا المَذْهَبُ جَوَازُ شِرَاءِ المَفْضُول؛ لأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ صَارَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ. قَال المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ: وَلهُ أَلا يُحَصِّل الحِقَاقَ وَلا بَنَاتِ اللبُونِ، بَل يَنْزِل أَوْ يَصْعَدُ مَعَ الجُبْرَانِ، وَالأَصْحَابُ عَلى هَذَا، لكِنْ قَالوا يَنْزِل مِنْ بَنَاتِ لبُونٍ إلى خَمْسِ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَيَدْفَعُ خَمْسَ جُبْرَانَاتٍ أَوْ يَصْعَدُ مِنْ الحِقَاقِ إلى أَرْبَعِ جِذَاعٍ، وَيَأْخُذُ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ.
قَال أَصْحَابُنَا: وَلا يَجُوزُ أَنْ يَصْعَدَ مِنْ خَمْسِ بَنَاتِ لبُونٍ إلى خَمْسِ جِذَاعٍ، وَيَأْخُذُ عَشْرَ جُبْرَانَاتٍ. وَلا أَنْ يَنْزِل مِنْ أَرْبَعِ حِقَاقٍ إلى أَرْبَعِ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَيَدْفَعُ ثَمَانِي جُبْرَانَاتٍ هَذَا هُوَ المَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الجَمَاهِيرُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ؛ لأَنَّ الجُبْرَانَ خِلافُ الأَصْل، وَإِنَّمَا جَازَ للضَّرُورَةِ فِي مَوْضِعِهِ وَلا ضَرُورَةَ هُنَا إلى النُّزُول أَوْ الصُّعُودِ بِسِنِينَ.
وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيُّ فِي الفُرُوقِ وَصَاحِبُ الشَّامِل وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ النُّزُول وَالصُّعُودُ هُنَا بِسِنِينَ كَمَا لوْ لزِمَهُ حِقَّةٌ، فَلمْ يَجِدْ إلا بِنْتَ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تَكْفِيهِ مَعَ جُبْرَانَيْنِ أَوْ لزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَلمْ يَجِدْ إلا حِقَّةً فَدَفَعَهَا وَطَلبَ جُبْرَانَيْنِ، فَإِنَّهُ يُقْبَل. قَال أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالفَرْقُ عَلى المَذْهَبِ أَنَّ فِي صُورَتَيْ الاسْتِشْهَادِ لا يَتَخَطَّى وَاجِبَ مَالهِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَتَخَطَّى، قَال أَصْحَابُنَا: وَلوْ عَدِمَ الفَرْضَيْنِ وَمَا يَنْزِل إليْهِ وَمَا يَصْعَدُ إليْهِ فَلهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا شَاءَ إنْ شَاءَ أَحَدَ الفَرْضَيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَعْلى مِنْهُمَا أَوْ أَسْفَل مَعَ الجُبْرَانِ كَمَا سَبَقَ، قَال الجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَشِرَاءُ الفَرْضِ أَفْضَل وَاَللهُ تَعَالى أَعْلمُ.
والحَال الثَّالثُ: أَنْ يُوجَدَ الصِّنْفَانِ بِصِفَةِ الإِجْزَاءِ مِنْ غَيْرِ نَفَاسَةٍ، فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجِبُ الأَغْبَطُ للمَسَاكِينِ، وَهَذَا هُوَ المَنْصُوصُ للشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَال جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا المُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ المُصَنِّفِينَ وَصَحَّحَهُ البَاقُونَ. وَقَال ابْنُ سُرَيْجٍ: المَالكُ بِالخِيَارِ لكِنْ يُسْتَحَبُّ لهُ إخْرَاجُ الأَغْبَطِ للمَسَاكِينِ، إلا أَنْ يَكُونَ وَليَّ مَحْجُورٍ عَليْهِ فَيُرَاعَى حَظُّهُ فَإِذَا قُلنَا بِالمَذْهَبِ فَأَخَذَ السَّاعِي غَيْرَ الأَغْبَطِ فَفِيهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا: وَبِهِ قَطَعَ المُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ، وَصَحَّحَهُ البَاقُونَ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلكَ بِتَقْصِيرٍ مِنْ المَالكِ بِأَنْ أَخْفَى الأَغْبَطَ أَوْ مِنْ السَّاعِي بِأَنْ عَلمَ أَنَّهُ غَيْرُ الأَغْبَطِ أَوْ ظَنَّهُ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَتَأَمُّلٍ أَوْ بِهِمَا لمْ يَقَعْ المَأْخُوذُ عَنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ لمْ يُقَصِّرْ أَحَدٌ مِنْهُمَا وَقَعَ عَنْ الزَّكَاةِ والوجه الثاني: إنْ كَانَ المَأْخُوذُ بَاقِيًا فِي يَدِ السَّاعِي لمْ يَقَعْ عَنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ لمْ يُقَصِّرَا وَإِلا وَقَعَ عَنْهَا. قَالهُ أَبُو عَليِّ بْنُ خَيْرَانَ وَقَطَعَ بِهِ البَغَوِيّ والثالث: إنْ فَرَّقَهُ عَلى المُسْتَحَقِّينَ مِنْ أَهْل الزَّكَاةِ وَظَهَرَ الحَال حُسِبَ عَنْ الزَّكَاةِ بِكُل حَالٍ وَإِلا فَلا والرابع: إنْ دَفَعَهُ المَالكُ مَعَ عِلمِهِ بِأَنَّهُ الأَدْنَى لمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَجْزَأَهُ وَلا نَظَرَ إلى

 

ج / 5 ص -271-       السَّاعِي والخامس: لا يُجْزِئُهُ بِكُل حَالٍ وَالسَّادِسُ: يُجْزِئُهُ بِكُل حَالٍ. حَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ.
وَحَيْثُ قُلنَا: لا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ لزِمَهُ إخْرَاجُهَا مَرَّةً أُخْرَى، وَعَلى السَّاعِي رَدُّ مَا أَخَذَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ تَالفًا. وَحَيْثُ قُلنَا يَقَعُ عَنْهَا يُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِ قَدْرِ التَّفَاوُتِ. وَهَل هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَمْ وَاجِبٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ أحدهما: مُسْتَحَبٌّ وَوَجَّهُوهُ بِالقِيَاسِ بِمَا إذَا أَدَّى اجْتِهَادُ الإِمَامِ إلى أَخْذِ القِيمَةِ عَنْ الزَّكَاةِ وَأَخْذُهَا لا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ وأصحهما: أَنَّهُ وَاجِبٌ. صَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا قَال المُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ؛ لأَنَّهُ لمْ يَدْفَعْ الفَرْضَ بِكَمَالهِ، فَوَجَبَ جَبْرُ نَقْصِهِ قَال المُتَوَلي وَغَيْرُهُ: وَإِذَا قُلنَا: يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ وَكَانَ بَاقِيًا يُسْتَحَبُّ اسْتِرْدَادُهُ وَدَفْعُ الأَغْبَطِ للخُرُوجِ مِنْ الخِلافِ وَللرِّفْقِ بِالمَسَاكِينِ.
قَال أَصْحَابُنَا: وَيُعْرَفُ التَّفَاوُتُ بِالنَّظَرِ إلى القِيمَةِ. فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الحِقَاقِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ بَنَاتِ اللبُونُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَقَدْ أَخَذَ الحِقَاقَ وَجَبَ خَمْسُونَ وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ وَعَشْرَةً وَجَبَ عَشْرَةٌ فَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ يَسِيرًا لا يَحْصُل بِهِ شِقْصٌ مِنْ نَاقَةٍ دَفَعَ دَرَاهِمَ للضَّرُورَةِ، هَكَذَا قَالهُ المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ إلا صَاحِبَ التَّقْرِيبِ، فَإِنَّهُ أَشَارَ إلى أَنَّهُ يُتَوَقَّفُ فِيهِ، وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ، وَإِنْ حَصَل بِهِ شِقْصٌ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ. أحدهما: يَجِبُ شِرَاؤُهُ؛ لأَنَّهُ يُمْكِنُ الوُصُول إلى جُزْءٍ مِنْ الفَرْضِ، وَلا تُجْزِئُ فِيهِ القِيمَةُ وأصحهما: لا يَجِبُ، بَل يَجُوزُ دَفْعُ الدَّرَاهِمِ بِنَفْسِهَا، وَاتَّفَقُوا عَلى تَصْحِيحِهِ فَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ صَاحِبُ الشَّامِل وَالمُسْتَظْهَرَيْ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ، وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ فِي العَادَةِ أَوْ يَشُقُّ، قَالوا:؛ وَلأَنَّهُ يَعْدِل فِي الزَّكَاةِ إلى غَيْرِ الجِنْسِ الوَاجِبِ للضَّرُورَةِ، كَمَنْ وَجَبَ عَليْهِ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِل، فَفَقَدَ الشَّاةَ، وَلمْ يُمْكِنْهُ تَحْصِيلهَا، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ قِيمَتَهَا دَرَاهِمَ وَيُجْزِئُهُ، وَكَمَنْ لزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَلمْ يَجِدْهَا، وَلا ابْنَ لبُونٍ لا فِي مَالهِ وَلا بِالثَّمَنِ، فَإِنَّهُ يَعْدِل إلى القِيمَةِ قَال أَصْحَابُنَا: فَإِنْ جَوَّزْنَا الدَّرَاهِمَ فَأَخْرَجَ شِقْصًا جَازَ بِاتِّفَاقِهِمْ. قَال إمَامُ الحَرَمَيْنِ: وَفِيهِ أَدْنَى نَظَرٍ لمَا فِيهِ مِنْ العُسْرِ عَلى المَسَاكِينِ.
وَإِنْ أَوْجَبْنَا شِرَاءَ شِقْصٍ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أصحهما: يَجِبُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ جِنْسِ الأَغْبَطِ؛ لأَنَّهُ الأَصْل والثاني: يَجِبُ مِنْ المُخْرَجِ لئَلا يَتَبَعَّضَ المُخْرَجُ والثالث: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَاخْتَارَهُ إمَامُ الحَرَمَيْنِ والرابع: يَجِبُ شِقْصٌ مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَاةٍ وَلا تُجْزِئُ بَقَرَةٌ؛ لأَنَّهَا لا تَدْخُل فِي زَكَاةِ الإِبِل، وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الحَاوِي. وَحَيْثُ قُلنَا يُخْرِجُ شِقْصًا وَجَبَ تَسْليمُهُ إلى السَّاعِي إنْ أَوْجَبْنَا، صَرْفَ زَكَاةِ الأَمْوَال الظَّاهِرَةِ إلى الإِمَامِ أَوْ السَّاعِي، وَإِنْ أَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ وَقُلنَا: يَجِبُ تَسْليمُ الظَّاهِرَةِ إلى الإِمَامِ أَوْ السَّاعِي، فَهُنَا وَجْهَانِ: حَكَاهُمَا البَغَوِيّ وَآخَرُونَ أصحهما: يَجِبُ صَرْفُهَا إلى السَّاعِي؛ لأَنَّهُ جُبْرَانُ المَال الظَّاهِرِ والثاني: يَجُوزُ للمَالكِ أَنْ يَصْرِفَهَا بِنَفْسِهِ عَلى الأَصْنَافِ؛ لأَنَّ الدَّرَاهِمَ مِنْ الأَمْوَال البَاطِنَةِ.
هَذَا كُلهُ إذَا قُلنَا: دَفْعُ التَّفَاوُتِ وَاجِبٌ، فَإِنْ قُلنَا: مُسْتَحَبٌّ، فَلهُ أَنْ يُفَرِّقَهُ كَيْف شَاءَ، وَلا يَتَعَيَّنُ

 

ج / 5 ص -272-       لاسْتِحْبَابِهِ الشِّقْصُ بِالاتِّفَاقِ، ثُمَّ إنَّ الأَصْحَابَ أَطْلقُوا عِبَارَاتِهِمْ بِإِخْرَاجِ التَّفَاوُتِ دَرَاهِمَ. وَقَال المَاوَرْدِيُّ وَالقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي المُجَرَّدِ وَإِمَامُ الحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمْ: دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَمُرَادُ الجَمِيعِ نَقْدُ البَلدِ إنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمُ وَإِنْ كَانَ دَنَانِيرَ فَدَنَانِيرُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا القَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْليقِهِ وَالشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ المَرْوَزِيُّ وَآخَرُونَ وَاَللهُ أَعْلمُ.
الحَال الرَّابِعُ: أَنْ يُوجَدَ بَعْضُ كُل وَاحِدٍ مِنْ الصِّنْفَيْنِ، بِأَنْ يَجِدَ ثَلاثَ حِقَاقٍ وَأَرْبَعَ بَنَاتِ لبُونٍ فَهُوَ بِالخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَجْعَل الحِقَاقَ أَصْلًا فَيَدْفَعَهَا مَعَ بِنْتِ لبُونٍ وَجُبْرَانٍ. وَبَيْنَ أَنْ يَجْعَل بَنَاتِ اللبُونِ أَصْلًا فَيَدْفَعَهَا مَعَ حِقَّةٍ وَيَأْخُذَ جُبْرَانًا. قَال البَغَوِيّ وَغَيْرُهُ: وَيَجُوزُ دَفْعُ بَنَاتِ اللبُونِ مَعَ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَجُبْرَانٍ، وَيَجُوزُ دَفْعُ الحِقَاقِ مَعَ جَذَعَةٍ، وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا، وَهَل يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ حِقَّةً مَعَ ثَلاثِ بَنَاتِ لبُونٍ وَثَلاثِ جُبْرَانَاتٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: مَشْهُورَانِ، ذَكَرَهُمَا المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ أصحهما: الجَوَازُ، صَحَّحَهُ إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَالغَزَاليُّ وَغَيْرُهُمَا، حَتَّى قَال إمَامُ الحَرَمَيْنِ الوَجْهُ القَائِل بِالمَنْعِ مُزَيَّفٌ لا أَصْل لهُ، وَوَجْهُ الجَوَازِ أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ بِنْتَ اللبُونِ مَعَ الجُبْرَانِ مَقَامَ حِقَّةٍ، وَوَجْهُ الإِجْزَاءِ أَنَّهُ لا يُصَارُ إلى الجُبْرَانِ إذَا أَمْكَنَ الاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ، وَصَحَّحَ البَنْدَنِيجِيُّ: هَذَا، وَلوْ لمْ يَجِدْ إلا أَرْبَعَ بَنَاتِ لبُونٍ وَحِقَّةً فَدَفَعَ الحِقَّةَ مَعَ ثَلاثِ بَنَاتِ لبُونٍ وَثَلاثِ جُبْرَانَاتٍ، فَفِيهِ الوَجْهَانِ: وَيَجْرِيَانِ فِي نَظَائِرِهَا وَالأَصَحُّ فِي الجَمِيعِ الجَوَازُ.
الحَال الخَامِسُ: أَنْ يُوجَدَ بَعْضُ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ وَلا يُوجَدُ مِنْ الآخَرِ شَيْءٌ بِأَنْ لمْ يَجِدْ إلا حِقَّتَيْنِ فَلهُ إخْرَاجُهُمَا مَعَ جَذَعَتَيْنِ وَيَأْخُذُ جُبْرَانَيْنِ، وَلهُ أَنْ يَجْعَل بَنَاتِ اللبُونِ أَصْلًا، فَيُخْرِجُ خَمْسَ بَنَاتِ مَخَاضٍ مَعَ خَمْسِ جُبْرَانَاتٍ، وَلوْ لمْ يَجِدْ إلا ثَلاثَ بَنَاتِ لبُونٍ فَلهُ إخْرَاجُهُنَّ مَعَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَجُبْرَانَيْنِ وَلهُ أَنْ يَجْعَل الحِقَاقَ أَصْلًا فَيُخْرِجَ أَرْبَعَ جَذَعَاتٍ بِدَلهَا، وَيَأْخُذُ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ، هَكَذَا ذَكَرَ البَغَوِيّ الصُّورَتَيْنِ، وَلمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا خِلافًا، قَال الرَّافِعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا الوَجْهَانِ: السَّابِقَانِ فِي الحَال الرَّابِعِ، قَال: وَلعَلهُ فَرَّعَهُ عَلى الأَصَحِّ وَاَللهُ أَعْلمُ.
فرع: إذَا بَلغَتْ البَقَرُ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ أَوْ ثَلاثُ مُسِنَّاتٍ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ بُلوغِ الإِبِل مِائَتَيْنِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الخِلافِ وَالتَّفْرِيعِ وِفَاقًا وَخِلافًا.
فرع: قَال أَصْحَابُنَا: لوْ أَخْرَجَ صَاحِبُ الإِبِل حِقَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ لبُونٍ وَنِصْفًا لمْ يَجُزْ بِالاتِّفَاقِ؛ لأَنَّ الوَاجِبَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لبُونٍ، وَلمْ يُخْرِجْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَلوْ مَلكَ أَرْبَعمِائَةٍ فَعَليْهِ ثَمَانُ حِقَاقٍ أَوْ عَشْرُ بَنَاتِ لبُونٍ، وَيَعُودُ فِيهَا مِنْ الخِلافِ وَالتَّفْرِيعِ جَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي المِائَتَيْنِ، وَلوْ أَخْرَجَ عَنْهَا خَمْسَ بَنَاتِ لبُونٍ وَأَرْبَعَ حِقَاقٍ جَازَ عَلى الصَّحِيحِ الذِي قَالهُ الجُمْهُورُ، وَصَحَّحَهُ المُصَنِّفُ وَسَائِرُ المُصَنِّفِينَ، وَمَنَعَهُ الإِصْطَخْرِيُّ لتَفْرِيقِ الوَاجِبِ، كَمَا لوْ فَرَّقَهُ فِي المِائَتَيْنِ، وَأَجَابَ الجُمْهُورُ بِأَنَّ كُل مِائَتَيْنِ أَصْلٌ مُنْفَرِدٌ، فَصَارَ كَكَفَّارَتَيْ يَمِينَيْنِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ فِي إحْدَاهُمَا وَيَكْسُوَ فِي الأُخْرَى بِلا خِلافٍ. وَأَمَّا المِائَتَانِ فَالتَّفْرِيقُ فِيهَا كَتَفْرِيقِ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَجَابُوا بِجَوَابٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَنْعَ التَّفْرِيقِ فِي المِائَتَيْنِ ليْسَ هُوَ لمُجَرَّدِ التَّفْرِيقِ بَل المَانِعُ تَشْقِيصٌ، وَلهَذَا لوْ أَخْرَجَ حِقَّتَيْنِ وَثَلاثَ بَنَاتِ لبُونٍ، أَوْ أَرْبَعَ بَنَاتِ لبُونٍ وَحِقَّةً جَازَ بِالاتِّفَاقِ، وَقَدْ زَادَ خَيْرًا؛ لأَنَّ ذَلكَ يُجْزِئُ عَمَّا فَوْقَ مِائَتَيْنِ فَعَنْ مِائَتَيْنِ

 

ج / 5 ص -273-       أَوْلى وَيُجْرَى خِلافُ الإِصْطَخْرِيِّ مَتَى بَلغَ المَال مَا يُخْرَجُ مِنْهُ بَنَاتُ اللبُونِ وَالحِقَاقُ فَلا تَشْقِيصَ وَالمَذْهَبُ الجَوَازُ، وَيُجْرَى مِثْلهُ فِي البَقَرِ إذَا بَلغَتْ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ.
فإن قيل: ذَكَرْتُمْ أَنَّ السَّاعِيَ يَأْخُذُ الأَغْبَطَ، وَيَلزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَغْبَطَ الصِّنْفَيْنِ هُوَ المُخْرَجُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ البَعْضُ مِنْ هَذَا؟ وَالبَعْضُ مِنْ ذَاكَ؟ قَال الرَّافِعِيُّ: الجَوَابُ: مَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَال: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لهُمْ حَظٌّ وَمَصْلحَةٌ فِي اجْتِمَاعِ النَّوْعَيْنِ، قَال: وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ بِأَنَّ الغِبْطَةَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي زِيَادَةِ القِيمَةِ، لكِنْ إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ لا مِنْ جِهَةِ القِيمَةِ يَتَعَذَّرُ إخْرَاجُ قَدْرِ التَّفَاوُتِ، هَذَا كَلامُ الرَّافِعِيِّ، وَيُجَابُ عَنْ اعْتِرَاضِهِ عَلى ابْنِ الصَّبَّاغِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي مُعْظَمِ الأَحْوَال يَكُونُ فِي القِيمَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ القِيمَةِ وَقَدْ قَال ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالمُتَوَلي: إنَّ السَّاعِيَ لا يَفْعَل التَّبْعِيضَ إلا عَلى قَدْرِ المَصْلحَةِ إذَا قُلنَا بِالمَذْهَبِ وَالمَنْصُوصِ وَهُوَ وُجُوبُ الأَغْبَطِ للمَسَاكِينِ، فَأَمَّا عَلى قَوْل ابْنِ سُرَيْجٍ: إنَّ الخِيَارَ للمَالكِ، فَصُورَةُ المَسْأَلةِ ظَاهِرَةٌ وَاَللهُ تَعَالى أَعْلمُ.
فرع: فِي أَلفَاظِ الكِتَابِ قوله: لمَا رَوَى سَالمٌ فِي نُسْخَةِ كِتَابِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم "فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لبُونٍ"هَذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا، فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ فِي أَوَّل البَابِ، وَلفْظُهُ فِي الإِبِل "فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لبُونٍ، أَيُّ السِّنَّيْنِ وُجِدَتْ أُخِذَتْ"وَسَالمٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنهم، وَرَوَى هَذَا الحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ، وَلكِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ المَذْكُورَةَ لمْ يَذْكُرْ سَالمٌ سَمَاعَهُ لهَا مِنْ أَبِيهِ، وَلكِنْ قَرَأَهَا مِنْ كِتَابِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قوله: اخْتَارَ المُصَدِّقُ أَنْفَعَهُمَا للمَسَاكِينِ، قَدْ سَبَقَ أَنَّ المُصَدِّقَ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ هُوَ السَّاعِي وَهُوَ المُرَادُ هُنَا، وَأَمَّا لفْظُ المَسَاكِينِ فَيَسْتَعْمِلهُ المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ فِي هَذَا المَوْضِعِ وَنَظَائِرِهِ، وَيُرِيدُونَ بِهِ أَصْحَابَ السُّهْمَانِ كُلهُمْ وَهُمْ الأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ، وَلا يُرِيدُونَ بِهِ المَسَاكِينَ الذِينَ هُمْ أَحَدُ الأَصْنَافِ وَكَذَلكَ يُطْلقُونَ الفُقَرَاءَ فِي مِثْل هَذَا وَيُرِيدُونَ بِهِ جَمِيعَ الأَصْنَافِ، وَذَلكَ لكَوْنِ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ أَشْهَرُ الأَصْنَافِ وَأَهَمُّهُمْ وَاَللهُ تَعَالى أَعْلمُ.