المجموع شرح المهذب ط عالم الكتب

بَابُ زَكَاةِ البَقَرِ1
قَال المُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:"أَوَّل نِصَابِ البَقَرِ ثَلاثُونَ، وَفَرْضُهُ تَبِيعٌ، وَهُوَ الذِي لهُ سَنَةٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَهِيَ التِي لهَا سَنَتَانِ، وَعَلى هَذَا أَبَدًا فِي كُل ثَلاثِينَ تَبِيعٍ، وَفِي كُل أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ. وَالدَّليل عَليْهِ مَا رَوَى مُعَاذٌ رضي الله عنه قَال
"بَعَثَنِي رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى اليَمَنِ وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُل أَرْبَعِينَ بَقَرَةً بَقَرَةً، وَمَنْ كُل ثَلاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً"وَإِنْ كَانَ فَرْضُهُ التَّبِيعَ فَلمْ يَجِدْ لمْ يَصْعَدْ إلى المُسِنَّةِ مَعَ الجُبْرَانِ، وَإِنْ كَانَ فَرْضُهُ المُسِنَّةَ فَلمْ يَجِدْ لمْ يَنْزِل إلى التَّبِيعِ مَعَ الجُبْرَانِ، فَإِنَّ ذَلكَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَليْهِ، وَالعُدُول إلى غَيْرِ المَنْصُوصِ عَليْهِ فِي الزَّكَاةِ لا يَجُوزُ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في بعض نسخ المهذب باب صدقة البقرة (ط).

 

ج / 5 ص -274-       الشرح: حَدِيثُ مُعَاذٍ مَشْهُورٌ، رَوَاهُ مَالكٌ فِي المُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ، قَال التِّرْمِذِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَال: وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَهُوَ أَصَحُّ وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا إلا أَنَّ إسْنَادَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَليٍّ رضي الله عنه مَرْفُوعًا قَال البَيْهَقِيُّ وَأَمَّا الأَثَرُ الذِي يَرْوِيهِ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَال "فِي خَمْسٍ مِنْ البَقَرِ شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ. قَال الزُّهْرِيُّ: وَإِذَا كَانَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ إلى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا بَقَرَتَانِ إلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِي كُل أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ". قَال الزُّهْرِيُّ: وَبَلغَنَا أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "فِي كُل ثَلاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعٌ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ"أَنَّ ذَلكَ كَانَ تَخْفِيفًا لأَهْل اليَمَنِ ثُمَّ كَانَ هَذَا بَعْدَ ذَلكَ. قَال البَيْهَقِيُّ: فَهَذَا حَدِيثٌ مَوْقُوفٌ مُنْقَطِعٌ. وَالبَقَرُ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدَتُهُ بَاقُورَةٌ وَبَقَرَةٌ وَتَقَعُ البَقَرَةُ عَلى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، هَذَا هُوَ المَشْهُورُ وَقِيل: غَيْرُهُ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ بَقَرْتُ الشَّيْءَ إذَا شَقَقْتُهُ؛ لأَنَّهَا تَشُقُّ الأَرْضَ بِالحِرَاثَةِ، وَسُمِّيَ التَّبِيعُ تَبِيعًا؛ لأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ، وَقِيل؛ لأَنَّ قَرْنَيْهِ يَتْبَعَانِ أُذُنَيْهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالأُنْثَى تَبِيعَةٌ وَيُقَال لهُمَا جَذَعٌ وَجَذَعَةٌ، وَالمُسِنَّةُ لزِيَادَةِ سِنِّهَا وَيُقَال لهَا ثَنِيَّةٌ.
قَال الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالأَصْحَابُ: أَوَّل نِصَابِ البَقَرِ ثَلاثُونَ وَفِيهَا تَبِيعٌ ثُمَّ لا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلغَ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ ثُمَّ لا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلغَ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ ثُمَّ يَسْتَقِرُّ الحِسَابُ فَفِي كُل ثَلاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي كُل أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَيَتَغَيَّرُ الفَرْضُ بِعَشْرَةٍ عَشْرَةٍ فَفِي سَبْعِينَ تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ وَثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ، وَتِسْعِينَ ثَلاثَةُ أَتْبِعَةٍ. وَمِائَةٍ تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ وَمِائَةٍ وَعَشْرَةٍ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ وَمِائَةٍ وَعِشْرُونَ ثَلاثُ مُسِنَّاتٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ. وَحُكْمُهُ كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا بَلغَتْ الإِبِل مِائَتَيْنِ. فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لبُونٍ وَقَدْ سَبَقَ مُسْتَوْفًى وَفِي مِائَةٍ وَثَلاثِينَ ثَلاثَةُ أَتْبِعَةٍ وَمُسِنَّةٌ وَمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعَانِ وَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ خَمْسَةُ أَتْبِعَةٍ وَهَكَذَا أَبَدًا.
وَإِنْ اخْتَصَرْت قُلتَ: أَوَّل نِصَابِ البَقَرِ ثَلاثُونَ وَفِي كُل ثَلاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي كُل أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ. وَقَال أَصْحَابُنَا: وَإِذَا وَجَبَ تَبِيعٌ فَأَخْرَجَ تَبِيعَةً أَوْ مُسِنَّةً أَوْ مُسِنًّا قُبِل مِنْهُ؛ لأَنَّهُ أَكْمَل مِنْ الوَاجِبِ وَلوْ وَجَبَ مُسِنَّةٌ فَأَخْرَجَ تَبِيعَيْنِ قُبِل مِنْهُ. وَإِنْ أَخْرَجَ مُسِنًّا لمْ يُقْبَل. هَكَذَا قَالهُ الأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَالهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ، ثُمَّ قَال: عِنْدِي أَنَّهُ لا يَجُوزُ تَبِيعَانِ عَنْ مُسِنَّةٍ؛ لأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ فِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً أَبَدًا، فَلا يَجُوزُ نُقْصَانُ السِّنِّ لزِيَادَةِ العَدَدِ، كَمَا لوْ أَخْرَجَ عَنْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ لا يَجُوزُ. هَذَا كَلامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ. وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ هَذَا الذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لنَفْسِهِ وَجْهًا، وَهُوَ غَلطٌ مُخَالفٌ للمَذْهَبِ وَالدَّليل. وَالفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ المَسْأَلةِ وَمَا قَاسَ عَليْهِ ظَاهِرٌ؛ لأَنَّ التَّبِيعَيْنِ يُجْزِيَانِ عَنْ سِتِّينَ فَعَنْ أَرْبَعِينَ أَوْلى بِخِلافِ بِنْتَيْ مَخَاضٍ فَإِنَّهُمَا ليْسَتَا فَرْضَيْ نِصَابٍ. قَال المُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ: التَّبِيعُ مَا اسْتَكْمَل سَنَةً وَدَخَل فِي الثَّانِيَةِ وَالمُسِنَّةُ مَا اسْتَكْمَلتْ سَنَتَيْنِ وَدَخَلتْ فِي الثَّالثَةِ. هَذَا هُوَ الصَّوَابُ المَعْرُوفُ للشَّافِعِيِّ وَالأَصْحَابِ. وَشَذَّ الجُرْجَانِيُّ فَقَال فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ: التَّبِيعُ مَا لهُ دُونَ سَنَةٍ وَقِيل مَا لهُ سَنَةٌ، وَالمُسِنَّةُ مَا لهَا سَنَةٌ وَقِيل سَنَتَانِ. وَكَذَا قَوْل صَاحِبِ الإِبَانَةِ: التَّبِيعُ مَا اسْتَكْمَل سَنَةً وَقِيل الذِي يَتْبَعُ أُمَّهُ وَإِنْ كَانَ لهُ دُونَ سَنَةٍ. وَقَال الرَّافِعِيُّ: وَحَكَى

 

ج / 5 ص -275-       جَمَاعَةٌ أَنَّ التَّبِيعَ لهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَالمُسِنَّةُ لهَا سَنَةٌ. وَهَذَا كُلهُ غَلطٌ ليْسَ مَعْدُودًا مِنْ المَذْهَبِ وَاَللهُ تَعَالى أَعْلمُ. قَال أَصْحَابُنَا: وَإِذَا وَجَبَ تَبِيعٌ أَوْ مُسِنَّةٌ فَفَقَدَهُ لمْ يَجُزْ الصُّعُودُ أَوْ النُّزُول مَعَ الجُبْرَانِ بِلا خِلافٍ، لمَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ وَسَبَقَتْ المَسْأَلةُ فِي زَكَاةِ الإِبِل وَاَللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى أَعْلمُ.