المجموع
شرح المهذب ط عالم الكتب ج / 9 ص -294-
باب الربا
الرِّبَا مَقْصُورٌ وَهُوَ مِنْ رَبَا يَرْبُو
فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، وَتَثْنِيَتُهُ
رِبَوَانِ، وَاخْتَارَ الْكُوفِيُّونَ
كَتْبَهُ وَتَثْنِيَتَهُ بِالْيَاءِ بِسَبَبِ
الْكَسْرَةِ فِي أَوَّلِهِ، وَغَلَّطَهُمْ
الْبَصْرِيُّونَ، قَالَ الثَّعْلَبِيُّ:
كَتَبُوهُ فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ،
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إنَّمَا كَتَبُوهُ
بِالْوَاوِ لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ
تَعَلَّمُوا الْخَطَّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ،
وَلُغَتُهُمْ الرِّبَوَا، فَعَلَّمُوهُمْ
صُورَةَ الْخَطِّ عَلَى لُغَتِهِمْ، قَالَ:
وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا أَبُو سِمَاكٍ
الْعَدَوِيُّ بِالْوَاوِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ بِالْإِمَالَةِ بِسَبَبِ
كَسْرَةِ الرَّاءِ، وَأَقَرَّ الْبَاقُونَ
بِالتَّفْخِيمِ لِفَتْحَةِ الْبَاءِ قَالَ:
وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كَتْبِهِ -
بِالْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ
وَالرِّمَاءُ - بِالْمِيمِ وَالْمَدِّ -
وَالرُّبْيَةُ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ
لُغَةٌ فِي الرِّبَا، وَأَصْلُهُ
الزِّيَادَةُ، وَأَرْبَى الرَّجُلُ وَأَرْمَى
عَامَلَ بِالرِّبَا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالى: الرِّبَا
مُحَرَّمٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قوله تعالى:
{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: من الآية275] وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ
الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ
الْمَسِّ}
[البقرة: من الآية275] رُوِيَ فِي التَّفْسِيرِ حِينَ يَقُومُ مِنْ
قَبْرِهِ، وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله
عنه قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ
وَشَاهِدَهُ وَكَاتِبَهُ".
الشرح: الْمَسُّ الْجُنُونُ
قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ
وَغَيْرِهِمْ: قوله تعالى:
{وَأَحَلَّ
اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}[البقرة:
من الآية275] مَعْنَاهُ يَتَعَامَلُونَ بِهِ
بَيْعًا أَوْ شِرَاءً، وَإِنَّمَا خَصَّ
الْأَكْلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ
الْمَقْصُودِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً}
[النساء: من الآية10] وقوله تعالى: {لا يَقُومُونَ}
[البقرة: من الآية275] أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ
{إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ}[البقرة: من الآية275] قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ:
التَّخَبُّطُ هُوَ الضَّرْبُ عَلَى غَيْرِ
الِاسْتِوَاءِ، وَيُقَالُ: خَبَطَ الْبَعِيرُ
إذَا ضَرَبَ بِأَخْفَافِهِ، وَيُقَالُ
لِلرَّجُلِ الَّذِي يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفًا
رَدِيئًا وَلَا يَهْتَدِي فِيهِ: هُوَ
يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ، وَهِيَ النَّاقَةُ
الضَّعِيفَةُ الْبَصَرِ، قَالُوا: فَمَعْنَى
الْآيَةِ أَنَّ الشَّيْطَانَ يُصِيبُهُ
بِالْجُنُونِ حِينَ يَقُومُ مِنْ قَبْرِهِ
فَيُبْعَثُ مَجْنُونًا، فَيَعْرِفُ أَهْلُ
الْمَوْقِفِ أَنَّهُ مِنْ أَكَلَةِ الرِّبَا.
وأما حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورُ
فِي الْكِتَابِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ،
وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ
أَبِيهِ، وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ:
إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ، وَلَكِنْ قَالَ
عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ
الْمُحَقِّقُونَ: سَمِعَهُ، وَهِيَ زِيَادَةُ
عِلْمٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ
رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي
الله عنهما، وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ
وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد: وَشَاهِدَهُ"
بِالْإِفْرَادِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ
وَشَاهِدَيْهِ" بِالتَّثْنِيَةِ.
أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَدْ أَجْمَعُ
الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا،
وَعَلَى أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَقِيلَ:
إنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا فِي جَمِيعِ
الشَّرَائِعِ، وَمِمَّنْ حَكَاهُ
الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
فرع: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:
اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا جَاءَ بِهِ
الْقُرْآنُ مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا عَلَى
وَجْهَيْنِ أحدهما:
ج / 9 ص -295-
أَنَّهُ مُجْمَلٌ فَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ،
وَكُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ
أَحْكَامِ الرِّبَا فَهُوَ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ
الْقُرْآنِ، نَقْدًا كَانَ أَوْ نَسِيئَةً
والثاني: أَنَّ التَّحْرِيمَ الَّذِي فِي
الْقُرْآنِ إنَّمَا تَنَاوَلَ مَا كَانَ
مَعْهُودًا لِلْجَاهِلِيَّةِ مِنْ رِبَا
النِّسَاءِ، وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ فِي
الْمَالِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ، وَكَانَ
أَحَدُهُمْ إذَا حَلَّ أَجَلُ دَيْنِهِ وَلَمْ
يُوَفِّهِ الْغَرِيمُ أَضْعَفَ لَهُ الْمَالَ
وَأَضْعَفَ الْأَجَلَ، ثُمَّ يَفْعَلُ
كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَجَلِ الْآخَرِ، وَهُوَ
مَعْنَى قوله تعالى:
{لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً}
[آل عمران: من الآية130] قَالَ: ثُمَّ وَرَدَتْ السُّنَّةُ
بِزِيَادَةِ الرِّبَا فِي النَّقْدِ مُضَافًا
إلَى مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، قَالَ:
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرُّوذِيِّ.
فرع: يَسْتَوِي فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا
الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، وَالْعَبْدُ
وَالْمُكَاتَبُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا فَرْقَ
فِي تَحْرِيمِهِ بَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ
وَدَارِ الْحَرْبِ، فَمَا كَانَ حَرَامًا فِي
دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ
الْحَرْبِ، سَوَاءٌ جَرَى بَيْنَ
مُسْلِمَيْنِ، أَوْ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ،
سَوَاءٌ دَخَلَهَا بِأَمَانٍ أَمْ بِغَيْرِهِ
هَذَا مَذْهَبُنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْجُمْهُورُ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُحَرَّمُ
الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ
الْمُسْلِمِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَا بَيْنَ
مُسْلِمَيْنِ لَمْ يُهَاجِرَا مِنْهَا،
وَإِذَا بَاعَ مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ
الْحَرْبِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ
أَسْلَمَ رَجُلَانِ فِيهَا وَلَمْ يُهَاجِرَا
فَتَبَايَعَا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ جَازَ،
وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ
عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ" وَلِأَنَّ
أَمْوَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُبَاحَةٌ
بِغَيْرِ عَقْدٍ، فَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ
أَوْلَى.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِعُمُومِ الْقُرْآنِ
وَالسُّنَّةِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا مِنْ
غَيْرِ فَرْقٍ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ رِبًا فِي
دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ رِبًا مُحَرَّمًا
فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا لَوْ تَبَايَعَهُ
مُسْلِمَانِ مُهَاجِرَانِ، وَكَمَا لَوْ
تَبَايَعَهُ مُسْلِمٌ وَحَرْبِيٌّ فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ مَا حُرِّمَ فِي
دَارِ الْإِسْلَامِ حُرِّمَ هُنَاكَ،
كَالْخَمْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي،
وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فِي
دَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَصِحَّ
كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ هُنَاكَ
وَالْجَوَابُ: عَنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ أَنَّهُ
مُرْسَلٌ1 ضَعِيفٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ،
وَلَوْ صَحَّ لَتَأَوَّلْنَا عَلَى أَنَّ
مَعْنَاهُ لَا يُبَاحُ الرِّبَا فِي دَارِ
الْحَرْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ
أَمْوَالَ الْحَرْبِيِّ مُبَاحَةٌ بِلَا
عَقْدٍ، فَلَا نُسَلِّمُ هَذِهِ الدَّعْوَى
إنْ دَخَلَهَا الْمُسْلِمُ بِأَمَانٍ، فَإِنْ
دَخَلَهَا بِغَيْرِ أَمَانٍ فَالْعِلَّةُ
مُنْتَقِضَةٌ كَمَا إذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ
دَارَ الْإِسْلَامِ فَبَايَعَهُ الْمُسْلِمُ
فِيهَا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ، وَأَنَّهُ
لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَمْوَالِهِمْ
تُبَاحُ بِالِاغْتِنَامِ اسْتِبَاحَتُهَا
بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَلِهَذَا تُبَاحُ
أَيْضًا عَلَى نِسَائِهِمْ بِالسَّبْيِ دُونَ
الْعَقْدِ الْفَاسِدِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالى:
وَالْأَعْيَانُ الَّتِي نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ
الرِّبَا فِيهَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ
وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ
وَالْمِلْحُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى
عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه
قَالَ: "سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ
بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ
وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْبُرِّ
بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ
وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً
بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ
أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى" فأما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مكحول الهذلي تابعي روى عن أنس وكان مولى
لسعيد بن العاص.
ج / 9 ص -296-
الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ
فِيهِمَا الرِّبَا لِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ،
وَهُوَ أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ،
فَيَحْرُمُ الرِّبَا فِيهِمَا، وَلَا يَحْرُمُ
فِيمَا سِوَاهُمَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ،
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ الرِّبَا لِمَعْنًى
يَتَعَدَّاهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا مِنْ
الْأَمْوَالِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمَعْنًى
يَتَعَدَّاهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا لَمْ يَجُزْ
إسْلَامُهُمَا فِيمَا سِوَاهُمَا مِنْ
الْأَمْوَالِ، لِأَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ
جَمَعَتْهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا
لَا يَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي
الْآخَرِ، كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَلَمَّا جَازَ
إسْلَامُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي
الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ
وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ، دَلَّ عَلَى
أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِمَا لِمَعْنًى لَا
يَتَعَدَّاهُمَا، وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ
الْأَثْمَانِ.
الشرح: حَدِيثُ عُبَادَةَ رضي
الله عنه رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَجْمَعَ
الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي
هَذِهِ الْأَعْيَانِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ
عَلَيْهَا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا
فَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَسَائِرُ
أَهْلِ الظَّاهِرِ وَالشِّيعَةُ
وَالْكَاسَانِيُّ وَسَائِرُ ثِقَاتِ النَّاسِ
لَا تَحْرِيمَ فِي الرِّبَا فِي غَيْرِهَا،
وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ طَاوُسٍ
وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ
وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَقَالَ سَائِرُ
الْعُلَمَاءِ: لَا يَتَوَقَّفُ تَحْرِيمُ
الرِّبَا عَلَيْهَا بَلْ يَتَعَدَّى إلَى مَا
فِي مَعْنَاهَا، وَهُوَ مَا وُجِدَتْ فِيهِ
الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ تَحْرِيمِ
الرِّبَا فِي السُّنَّةِ وَاخْتَلَفُوا
فِيهَا.
فَأَمَّا: الذَّهَبُ
وَالْفِضَّةُ فَالْعِلَّةُ عِنْدَ
الشَّافِعِيِّ فِيهِمَا كَوْنُهُمَا جِنْسَ
الْأَثْمَانِ غَالِبًا، وَهَذِهِ عِنْدَهُ
عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِمَا لَا
تَتَعَدَّاهُمَا، إذْ لَا تُوجَدُ فِي
غَيْرِهِمَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
الْعِلَّةُ فِيهِمَا الْوَزْنُ فِي جِنْسٍ
وَاحِدٍ، فَأُلْحِقَ بِهِمَا كُلُّ مَوْزُونٍ
كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ
وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ،
وَكُلِّ مَا يُوزَنُ فِي الْعَادَةِ،
وَوَافَقَ أَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ الرِّبَا فِي
مَعْمُولِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ
وَنَحْوِهِمَا، وَإِنَّمَا يُحَرَّمُ فِي
التِّبْرِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِمَعْنَى قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ الزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ
وَحَمَّادُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ.
وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهم
أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَخَا بَنِي
عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ
عَلَى خَيْبَرَ فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم أَكُلُّ ثَمَرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ:
لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. إنَّا
لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ
الْجَمْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم: لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلًا
بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا
قِيمَتَهُ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ
الْمِيزَانُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ قَالُوا: يَعْنِي وَكَذَلِكَ
الْمَوْزُونُ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ
مَوْزُونٍ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ
قَالُوا: وَلِأَنَّ عِلَّتَكُمْ قَاصِرَةٌ
فَإِنَّهَا لَا تَتَعَدَّى الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَهُمَا الْأَصْلُ الَّذِي
اسْتَنْبَطْتُمْ مِنْهُ الْعِلَّةَ،
وَعِنْدَكُمْ فِي الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ
وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ:
أحدهما: أَنَّهَا فَاسِدَةٌ
لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهَا لِعَدَمِ
الْفَائِدَةِ فِيهَا، فَإِنَّ حُكْمَ
الْأَصْلِ قَدْ عَرَفْنَاهُ وَإِنَّمَا
مَقْصُودُ الْعِلَّةِ أَنْ يَلْحَقَ
بِالْأَصْلِ غَيْرُهُ.
والوجه الثاني: أَنَّ
الْقَاصِرَةَ صَحِيحَةٌ، وَلَكِنَّ
الْمُعْتَدِيَةَ أَوْلَى، قَالُوا:
فِعْلَتُكُمْ مَرْدُودَةٌ عَلَى
الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّ حُكْمَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ عِلَّتَكُمْ قَدْ تُوجَدُ
وَلَا حُكْمَ، وَقَدْ يُوجَدُ الْحُكْمُ وَلَا
عِلَّةَ كَالْفُلُوسِ بِخُرَاسَانَ
وَغَيْرِهَا فَإِنَّهَا أَثْمَانٌ وَلَا رِبَا
فِيهَا عِنْدَكُمْ والثاني: كَأَوَانِي
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُحَرَّمُ الرِّبَا
فِيهَا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ أَثْمَانًا.
ج / 9 ص -297-
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ
الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ
إسْلَامُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي
غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ
بِالْإِجْمَاعِ، كَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ
فَلَوْ كَانَ الْوَزْنُ عِلَّةً لَمْ يَجُزْ
كَمَا لَا يَجُوزُ إسْلَامُ الْحِنْطَةِ فِي
الشَّعِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ فِي
الدَّنَانِيرِ، وَلِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ
يُجَوِّزُ بَيْعَ الْمَضْرُوبِ مِنْ
النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ،
بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَلَوْ
كَانَتْ الْعِلَّةُ الْوَزْنَ لَمْ يَجُزْ
فَإِنْ قَالُوا:" خَرَجَتْ بِالضَّرْبِ عَنْ
كَوْنِهَا مَوْزُونَةً قُلْنَا: لَا
نُسَلِّمُ.
وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ حَدِيثِهِمْ
بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا: جَوَابُ
الْبَيْهَقِيّ قَالَ: قَدْ قِيلَ إنَّ
قَوْلَهُ: وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ مِنْ
كَلَامِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَوْقُوفٌ
عَلَيْهِ الثَّانِي: جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي
الطَّيِّبِ وَآخَرِينَ أَنَّ ظَاهِرَ
الْحَدِيثِ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّ
الْمِيزَانَ نَفْسَهُ لَا رِبَا فِيهِ
وَأَضْمَرْتُمْ فِيهِ الْمَوْزُونَ وَدَعْوَى
الْعُمُومِ فِي الْمُضْمَرَاتِ لَا يَصِحُّ
الثَّالِثِ: أَنَّهُ يُحْمَلُ الْمَوْزُونُ
عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جَمْعًا بَيْنَ
الْأَدِلَّةِ.
وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِمْ: لَا فَائِدَةَ
فِي الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ بِأَنَّ
مَذْهَبَنَا جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِهَا،
فَإِنَّ الْعِلَلَ أَعْلَامٌ نَصَبَهَا
اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَحْكَامِ، مِنْهَا
مُتَعَدِّيَةٌ، وَمِنْهَا غَيْرُ
مُتَعَدِّيَةٍ، إنَّمَا يُرَادُ مِنْهَا
بَيَانُ حِكْمَةِ النَّصِّ لَا
الِاسْتِنْبَاطُ، وَإِلْحَاقُ فَرْعٍ
بِالْأَصْلِ كَمَا أَنَّ الْمُتَعَدِّيَةَ
عَامَّةُ التَّعَدِّي وَخَاصَّتُهُ. ثُمَّ
لِغَيْرِ الْمُتَعَدِّيَةِ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الْحُكْمَ
مَقْصُورٌ عَلَيْهَا، فَلَا تَطْمَعُ فِي
الْقِيَاسِ والثانية: أَنَّهُ رُبَّمَا حَدَثَ
مَا يُشَارِكُ الْأَصْلَ فِي الْعِلَّةِ
فَيَلْحَقُ بِهِ، وَأَجَابُوا عَنْ الْفُلُوسِ
بِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَنَا كَوْنُ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جِنْسَ الْأَثْمَانِ
غَالِبًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَثْمَانًا،
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
فرع: وأما دَاوُد
وَمُوَافِقُوهُ فَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قوله
تعالى:
{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}[البقرة: من الآية275] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[النساء: من الآية29] وَبِأَنَّ أَصْلَ الِاسْتِثْنَاءِ
الْإِبَاحَةُ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا
بِحَدِيثِ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي
الله عنه قَالَ "كُنْت أَسْمَعُ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ"
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي
الله عنهما قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم عَنْ الْمُزَابَنَةِ أَنْ
يَبِيعَ الرَّجُلُ ثَمَرَ حَائِطِهِ إنْ كَانَ
نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ
كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا،
وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ
طَعَامٍ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ"
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: الطَّعَامُ الْمَذْكُورُ
فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ
جَمِيعَ مَا يُسَمَّى طَعَامًا فَإِنْ قِيلَ:
فَقَدْ خَصَّهُ بِالْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ
قُلْنَا: ذِكْرُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ
الْعُمُومُ لَيْسَ تَخْصِيصًا عَلَى
الصَّحِيحِ فَإِنْ قِيلَ: الطَّعَامُ
مَخْصُوصٌ بِالْحِنْطَةِ قُلْنَا: هَذَا
غَلَطٌ، بَلْ هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ مَا
يُؤْكَلُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي
إِسْرائيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ
عَلَى نَفْسِهِ}
[آل
عمران: من الآية93] قَالَ تَعَالَى:
{فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ}[عبس:24]
إلَى قوله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا
حَبّاً}[عبس:27] الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى:
{فَمَنْ
شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ
يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: من الآية249] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه فِي
حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ إسْلَامِهِ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم:
"فَمَنْ
كَانَ يُطْعِمُك؟ قُلْت: مَا كَانَ لِي
طَعَامٌ إلَّا مَاءَ زَمْزَمَ فَسَمِنْت
حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي قَالَ:
إنَّهَا مُبَارَكَةٌ إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ" رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
ج / 9 ص -298-
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "مَكَثْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَمَانًا مَا
لَنَا طَعَامٌ إلَّا الْأَسْوَدَانِ الْمَاءُ
وَالتَّمْرُ"1 رَوَاهُ وَالْجَوَابُ عَنْ
الْآيَتَيْنِ أَنَّهُمَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ
بِمَا ذَكَرْنَا وقولهم: أَصْلُ الْأَشْيَاءِ
الْإِبَاحَةُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مَذْهَبُ
دَاوُد أَنَّهَا عَلَى الْوَقْفِ،
وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا حُكْمَ
قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
فرع: ذَكَرْنَا أَنَّ عِلَّةَ
الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
عِنْدَنَا كَوْنُهُمَا جِنْسَ الْأَثْمَانِ
غَالِبًا، قَالَ أَصْحَابُنَا: قَوْلُنَا:
غَالِبًا احْتِرَازٌ مِنْ الْفُلُوسِ إذَا
رَاجَتْ رَوَاجَ النُّقُودِ، كَمَا
قَدَّمْنَاهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَوَانِي
وَالتِّبْرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ فَهَذِهِ
الْعِبَارَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ
الْأَصْحَابِ، وَهِيَ الَّتِي نَقَلَهَا
الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ
الشَّافِعِيِّ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمِنْ
أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: الْعِلَّةُ
كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ قَالَ:
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَمَعَهُمَا، قَالَ:
وَكُلُّهُ قَرِيبٌ، وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي
التَّنْبِيهِ بِأَنَّهُمَا قِيَمُ
الْأَشْيَاءِ، وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو
الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ
مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالُوا: لِأَنَّ
الْأَوَانِيَ وَالتِّبْرَ وَالْحُلِيَّ
يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا، وَلَيْسَ مِمَّا
يُقَوَّمُ بِهَا وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ
غَرِيبٌ أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِيهِمَا
بِعَيْنِهِمَا لَا لِعِلَّةٍ، حَكَاهُ
الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ.
فرع: إذَا رَاجَتْ الْفُلُوسُ
رَوَاجَ النُّقُودِ لَمْ يُحَرَّمْ الرِّبَا
فِيهَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ،
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ،
وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يُحَرَّمُ
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وأما مَا
سِوَاهَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ كَالْحَدِيدِ
وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْقُطْنِ
وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَالْغَزْلِ
وَغَيْرِهَا فَلَا رَبَا فِيهَا عِنْدَنَا،
فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ
مُتَفَاضِلًا وَمُؤَجَّلًا، وَلَا خِلَافَ فِي
شَيْءٍ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا إلَّا وَجْهًا
حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ عَنْ
أَبِي بَكْرِ الْأَوْدَنِيِّ مِنْ
أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ
قَالَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالٍ بِجِنْسِهِ
مُتَفَاضِلًا، سَوَاءٌ كَانَ مَطْعُومًا أَوْ
نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَهَذَا شَاذٌّ
ضَعِيفٌ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالى: فَأَمَّا
الْأَعْيَانُ الْأَرْبَعَةُ فَفِيهَا
قَوْلَانِ قَالَ: فِي الْجَدِيدِ: الْعِلَّةُ
فِيهَا أَنَّهَا مَطْعُومَةٌ، وَالدَّلِيلُ
عَلَيْهِ مَا رَوَى مَعْمَرُ2 بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: "الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ"
وَالطَّعَامُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُتَطَعَّمُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَطَعَامُ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ
وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ"وَأَرَادَ بِهِ
الذَّبَائِحَ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله
عنها: "مَكَثْنَا مَعَ نَبِيِّنَا صلى الله
عليه وسلم سَنَةً مَا لَنَا طَعَامٌ إلَّا
الْأَسْوَدَانِ الْمَاءُ وَالتَّمْرُ" وَقَالَ
لَبِيدٌ:
لِمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تَنَازُعُ شِلْوَهُ
غُبْسٌ كَوَاسِبُ مَا يُمَنُّ طَعَامُهَا
وَأَرَادَ بِهِ الْفَرِيسَةَ وَالْحُكْمُ إذَا
عُلِّقَ عَلَى اسْمٍ مُشْتَقٍّ كَانَ ذَلِكَ
عِلَّةً فِيهِ، كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ،
وَالْحَدِّ فِي الزِّنَا، وَلِأَنَّ الْحَبَّ
مَا دَامَ مَطْعُومًا يُحَرَّمُ فِيهِ
الرِّبَا، فَإِذَا زُرِعَ وَخَرَجَ عَنْ أَنْ
يَكُونَ مَطْعُومًا لَمْ يُحَرَّمْ فِيهِ
الرِّبَا، فَإِذَا انْعَقَدَ الْحَبُّ وَصَارَ
مَطْعُومًا حُرِّمَ فِيهِ الرِّبَا، فَدَلَّ
عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بياض بالأصل قلت رواه ابن ماجه في "سننه" عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بلفظ: إن كنا
آل محمد لنمكث شهرا ما توقد فيه نار ما هو إلا
الثمر والماء.
2 معمر بن عبد الله بن نافع بن نضلة العدوي
وهو ابن أبي معمر صحابي كبير من مهاجرة الحبشة
روى له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه رصي
الله عنه (ط).
ج / 9 ص -299-
فِيهِ كَوْنُهُ مَطْعُومًا، فَعَلَى هَذَا يُحَرَّمُ الرِّبَا فِي
كُلِّ مَا يُطْعَمُ مِنْ الْأَقْوَاتِ
وَالْإِدَامِ وَالْحَلَاوَاتِ وَالْفَوَاكِهِ
وَالْأَدْوِيَةِ، وَفِي الْمَاءِ وَجْهَانِ
أحدهما: يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا، لِأَنَّهُ
مَطْعُومٌ فَهُوَ كَغَيْرِهِ والثاني: لَا
يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا، لِأَنَّهُ مُبَاحٌ
فِي الْأَصْلِ غَيْرُ مُتَمَوِّلٍ فِي
الْعَادَةِ، فَلَا يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا.
وَفِي الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ وَجْهَانِ
أحدهما: لَا رِبَا فِيهَا لِأَنَّهَا تُعَدُّ
لِلِانْتِفَاعِ بِرَائِحَتِهَا دُونَ
الْأَكْلِ والثاني: أَنَّهُ يُحَرَّمُ فِيهَا
الرِّبَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ
مَأْكُولٌ وَإِنَّمَا لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ
يُنْتَفَعُ بِهِ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ
الْأَكْلِ، وَفِي الْبِزْرِ وَدُهْنِ
السَّمَكِ وَجْهَانِ أحدهما: لَا رِبَا فِيهِ
لِأَنَّهُ يُعَدُّ لِلِاسْتِصْبَاحِ والثاني:
أَنَّهُ يُحَرَّمُ الرِّبَا فِيهِ، لِأَنَّهُ
مَأْكُولٌ فَأَشْبَهَ الشَّيْرَجَ وَقَالَ:
فِي الْقَدِيمِ: الْعِلَّةُ فِيهَا أَنَّهَا
مَطْعُومَةٌ مَكِيلَةً أَوْ مَطْعُومَةٌ
مَوْزُونَةً. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ"
وَالْمُمَاثَلَةُ لَا تَكُونُ إلَّا
بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فَدَلَّ عَلَى
أَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ إلَّا فِي مَطْعُومٍ
يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، فَعَلَى هَذَا لَا
يُحَرَّمُ الرِّبَا فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا
يُوزَنُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ كَالرُّمَّانِ
وَالسَّفَرْجَلِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ
وَمَا أَشْبَهَهَا.
الشرح: أَمَّا حَدِيثُ
مَعْمَرٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ
بَيَانُهُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ1 وقوله:
وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْأَرْبَعَةُ هَكَذَا
هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ الْأَرْبَعَةُ، وَكَانَ
الْأَصْلُ أَنْ يَقُولَ الْأَرْبَعُ،
وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِالْأَعْيَانِ
الْأَجْنَاسَ فَأَثْبَتَ الْهَاءَ
وَقَوْلُهَا: الْأَسْوَدَانِ هُوَ مِنْ بَابِ
التَّغْلِيبِ، وَتَسْمِيَةِ الشَّيْئَيْنِ
بِاسْمِ أَحَدِهِمَا كَالْأَبَوَيْنِ
وَالْقَمَرَيْنِ وَالْعُمَرَيْنِ
وَنَظَائِرِهِ، فَإِنَّ الْمَاءَ لَيْسَ
بِأَسْوَدَ قوله: فِي بَيْتِ لَبِيدٍ
لَمُعَفَّرٍ هُوَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ
الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ -
وَهُوَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إذَا أَرَادَتْ
فِطَامَهُ عَنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا
تَقْطَعُهُ عَنْ الرَّضَاعِ أَيَّامًا ثُمَّ
تَعُودُ إلَى إرْضَاعِهِ أَيَّامًا ثُمَّ
تَقْطَعُهُ عَنْ الرَّضَاعِ أَيَّامًا، ثُمَّ
تُرْضِعُهُ، تَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى لَا
يَضُرُّهُ الْقَطْعُ جُمْلَةً، فَإِذَا
فَعَلَتْ هَذَا قِيلَ: عَفَّرَتْ الظَّبْيَةُ
وَلَدَهَا، وَمُعَفَّرٌ هُوَ هَكَذَا
فَسَّرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَفَسَّرَهُ
غَيْرُهُ بِأَنَّهُ الَّذِي سُحِبَ فِي
التُّرَابِ وَعُفِّرَ بِهِ وَالْقَهْدُ -
بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ -
قِيلَ: هُوَ الْأَبْيَضُ، وَقِيلَ: أَبْيَضُ
فِيهِ كُدُورَةٌ وَفِيهِ حُمْرَةٌ أَوْ
صُفْرَةٌ، وَجَمْعُهُ قِهَادٌ.
وقوله: تَنَازَعَ شِلْوَهُ
أَيْ تَحَاذَفَ أَعْضَاءَهُ وقوله: غُبْسٌ -
بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ
سَاكِنَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ - أَيْ
ذِئَابٌ، جَمْعُ، أَغْبَسَ، وَهُوَ الَّذِي
لَوْنُهُ كَلَوْنِ الرَّمَادِ وقوله:
كَوَاسِبُ أَيْ تَكْسِبُ قُوتَهَا وقوله: مَا
يُمَنُّ طَعَامُهَا فِيهِ تَأْوِيلَانِ
أصحهما: وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا مِنَّةَ
عَلَيْهَا فِيهِ، بَلْ تَأْخُذُهُ بِالْقَهْرِ
وَالْغَلَبَةِ لَا بِالسُّؤَالِ
وَالْمَسْكَنَةِ بِخِلَافِ السِّنَّوْرِ
وَشَبَهِهِ والثاني: مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصُ
وَلَا يَنْقَطِعُ لقوله تعالى:
{أَجْرٌ
غَيْرُ مَمْنُونٍ}
[التين: من الآية6] وَقَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ بَيْتٌ آخَرُ يُظْهِرُ
مَعْنَى هَذَا، وَهُوَ:
خَنْسَاءُ ضَيَّعَتْ الْفَرِيرَ فَلَمْ يَرِمْ
عُرْضَ الشَّقَائِقِ طَوْفُهَا وَبُغَامُهَا
الْخَنْسَاءُ بَقَرَةٌ وَحْشِيَّةٌ
وَالْفَرِيرُ - بِفَتْحِ الْفَاءِ - وَلَدُهَا
وقوله: يَرِمْ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ
الرَّاءِ مَعْنَاهُ يُفَارِقُ، وَعُرْضُ -
بِضَمِّ الْعَيْنِ - وَهُوَ النَّاحِيَةُ
وَالشَّقَائِقُ جَمْعُ شَقِيقَةٍ، وَهِيَ
رَمْلَةٌ فِيهَا نَبَاتٌ، وَقِيلَ: أَرْضٌ
غَلِيظَةٌ بَيْنَ رَمْلَيْنِ وقوله: طَوْفُهَا
- بِفَتْحِ الطَّاءِ وَرَفْعِ الْفَاءِ -
وَهُوَ ذَهَابُهَا وَمَجِيئُهَا وَهُوَ
فَاعِلُ يَرِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا بالأصل وقد أخرجه ابن ماجه وغيره.
ج / 9 ص -300-
وَبُغَامُهَا - بِضَمِّ الْبَاءِ
الْمُوَحَّدَةِ، وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ،
وَبِرَفْعِ الْمِيمِ - مَعْطُوفٌ عَلَى
طَوْفُهَا" وَالْبُغَامُ الصَّوْتُ،
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِمُعَفَّرٍ
مَكْسُورَةٌ، وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ،
وَمَعْنَى الْبَيْتَيْنِ أَنَّهَا ضَيَّعَتْ
وَلَدَهَا فَلَا تَزَالُ تَطُوفُ فِي
نَاحِيَةِ الرِّمَالِ لِطَلَبِهِ، ظَانَّةً
أَنَّهُ هُنَاكَ، وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ
الذِّئَابَ تَجَاذَبَتْ أَعْضَاءَهُ
وَأَكَلَتْهُ.
وأما: لَبِيدٌ صَاحِبُ هَذَا
فَهُوَ أَبُو عَقِيلٍ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ -
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ
الْعَامِرِيُّ الصَّحَابِيُّ، الشَّاعِرُ
الْمَشْهُورُ، كَانَ مِنْ فُحُولِ شُعَرَاءِ
الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ
وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَكَانَ مِنْ
الْمُعَمَّرِينَ عَاشَ مِائَةً وَأَرْبَعًا
وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ،
تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَقِيلَ
فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ رضي الله
عنه قوله: فِي الْمَاءِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فِي
الْأَصْلِ احْتِرَازٌ مِمَّا يَتَأَثَّرُ مِنْ
الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، وَمَا يَلْقَى مِنْ
الْأَطْعِمَةِ رَغْبَةً عَنْهُ، فَإِنَّهُ
إذَا أَخَذَ إنْسَانٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
جَرَى فِيهِ الرِّبَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِمُبَاحٍ فِي الْأَصْلِ وقوله: غَيْرُ
مُتَمَوِّلٍ فِي الْعَادَةِ احْتِرَازٌ مِنْ
الصَّيْدِ وَالْبِزْرِ - بِفَتْحِ الْبَاءِ
وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ وَالْقِثَّاءُ -
بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا - وَالْكَسْرُ
أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ.
أَمَّا الْأَحْكَامُ: فَفِي
عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ
الْأَرْبَعَةِ قَوْلَانِ أصحهما: وَهُوَ
الْجَدِيدُ أَنَّهَا الطَّعْمُ فَيُحَرَّمُ
الرِّبَا فِي كُلِّ مَطْعُومٍ سَوَاءٌ كَانَ
مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ
غَيْرُهُمَا، وَلَا يُحَرَّمُ فِي غَيْرِ
الْمَطْعُومِ، فَيَجْرِي الرِّبَا فِي
السَّفَرْجَلِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ
وَالْبُقُولِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَطْعُومِ
والثاني: وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا يُحَرَّمُ
إلَّا فِي مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ
فَعَلَى هَذَا لَا رِبَا فِي السَّفَرْجَلِ
وَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ
وَالْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ وَغَيْرِهَا
مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، فَيَجُوزُ
بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا،
وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ جِدًّا
وَالتَّفْرِيعُ إنَّمَا هُوَ عَلَى
الْجَدِيدِ، فَعَلَى هَذَا قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْمُرَادُ
بِالْمَطْعُومِ مَا يُعَدُّ لِلطَّعْمِ
غَالِبًا تَقَوُّتًا وَتَأَدُّمًا، أَوْ
تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا أَوْ غَيْرَهَا،
فَيُحَرَّمُ الرِّبَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ،
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَسَوَاءٌ مَا أُكِلَ
غَالِبًا فَيَدْخُلُ فِيهِ الْحُبُوبُ
وَالْإِدَامُ وَالْحَلَاوَاتُ وَالْفَوَاكِهُ
وَالْبُقُولُ وَالتَّوَابِلُ وَالْأَدْوِيَةُ
أَوْ نَادِرًا، كَالْبَلُّوطِ وَالطُّرْثُوثِ،
وَهُوَ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ، وَسَوَاءٌ مَا
أُكِلَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ.
وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا
الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي
وَالرَّافِعِيُّ أَحَدُهُمَا لَا رِبَا فِيهِ
لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْأَكْلِ. والثاني:
وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ، وَبِهِ
قَطَعَ الْجُمْهُورُ: يُحَرَّمُ فِيهِ
الرِّبَا. لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ فِي
الْجُمْلَةِ، وَفِي الْمَصْطَكَى
وَالزَّنْجَبِيلِ وَجْهَانِ: الصحيح:
الْمَشْهُورُ، يُحَرَّمُ فِيهِمَا الرِّبَا.
والثاني: لَا رِبَا فِيهِمَا حَكَاهُ
الرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ
بِأَنَّهُ لَا رِبَا فِي الْمَصْطَكَى،
وَيَجْرِي تَحْرِيمُ الرِّبَا فِي جَمِيعِ
الْأَدْوِيَةِ، كَالْإِهْلِيلَجِ
وَالْإِبْلِيلَجِ وَالسَّقَمُونْيَا
وَغَيْرِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ،
وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا
وَجْهًا حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ
وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّ مَا
يَقْتُلُ كَثِيرُهُ، وَيُسْتَعْمَلُ قَلِيلُهُ
فِي الْأَدْوِيَةِ كَالسَّقَمُونْيَا لَا
رِبَا فِيهِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ.
وأما: الْمَاءُ إذَا قُلْنَا
بِالْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مَمْلُوكٌ يَصِحُّ
بَيْعُهُ، فَهَلْ يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا؟
فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا
الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا أصحهما:
يُحَرَّمُ هَكَذَا صَحَّحَهُ إمَامُ
الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ
وَالْجُمْهُورُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَا
يُغْتَرُّ بِتَصْحِيحِ صَاحِبِ الِانْتِصَارِ
الْإِبَاحَةَ، فَإِنَّهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ مَطْعُومًا لَمْ
يَجُزْ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ قُلْنَا ثَبَتَتْ
الْأَحَادِيثُ فِي جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ
بِهِ فَصَارَ مُسْتَثْنًى.
ج / 9 ص -301-
وأما: الْأَدْهَانُ فَأَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ أحدهما: مَا يُعَدُّ
لِلْأَكْلِ كَالزُّبْدِ وَالسَّمْنِ
وَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ، وَدُهْنِ
الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبُطْمِ وَدُهْنِ
الْفُجْلِ وَالْخَرْدَلِ وَالصَّنَوْبَرِ
وَأَشْبَاهِهَا، فَيُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا
أَيْضًا، لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ لِلتَّدَاوِي
فَأَشْبَهَ الْإِهْلِيلَجَ1.
الثالث: مَا يُرَادُ
لِلطِّيبِ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَالْوَرْدِ
وَالْيَاسَمِينِ وَالزِّئْبَقِ وَالْبَانِ
وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ،
فِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا
الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا "أَصَحُّهُمَا"
عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا
رِبَوِيَّةٌ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ
أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ نَقَلُوا فِي
الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ الْمَنْصُوصُ
أَنَّهَا رِبَوِيَّةٌ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ
لَيْسَتْ رِبَوِيَّةً، قَالَ: وَقَالَ صَاحِبُ
التَّقْرِيبِ: دُهْنُ الْبَنَفْسَجِ
رِبَوِيٌّ، وَفِي دُهْنِ الْوَرْدِ وَجْهَانِ،
قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا أَفْهَمُ الْفَرْقَ
بَيْنَهُمَا فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا
رِبَوِيَّةٌ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ
هَذِهِ الْأَدْهَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ
مُتَفَاضِلًا، وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا
بِالشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلًا بِلَا خِلَافٍ،
هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ
الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ. وَلَمْ
يَذْكُرْ خِلَافَهُ. قَالُوا: لِأَنَّهَا
كُلَّهَا شَيْرَجٌ اخْتَلَفَ رَائِحَتُهُ
بِحَسَبِ مَا جَاوَرَهَا مِنْ هَذِهِ
الْأَدْهَانِ.
والرابع: مَا يُرَادُ
لِلِاسْتِصْبَاحِ كَدُهْنِ السَّمَكِ وَبِزْرِ
الْكَتَّانِ وَدُهْنِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ
مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَيْنِ، ذَكَرَهُمَا
الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا أصحهما: أَنَّهُ
لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ وأما قَوْلُ إمَامِ
الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ: أَنَّ
الْعِرَاقِيِّينَ قَطَعُوا بِأَنَّهُ لَا
رِبَا فِيهِ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ، بَلْ
الْخِلَافُ فِيهِ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ
الْعِرَاقِيِّينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فرع: الطِّينُ الْأُرْمَوِيُّ
رِبَوِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ
الْوَجْهَيْنِ، وَنَقَلَهُ إمَامُ
الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْغَزَالِيِّ قَالَ:
وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ
الْوَجْهَيْنِ فِيهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ
وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وأما
الطِّينُ الَّذِي يُؤْكَلُ سَفَهًا، وَيُقَالُ
لَهُ: الْخُرَاسَانِيُّ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ
الصحيح: أَنَّهُ لَيْسَ رِبَوِيًّا وَبِهِ
قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَبُو الطَّيِّبِ
وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ
وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ
الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ: وَتَرَدَّدَ فِيهِ
الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَمَالَ إلَى
أَنَّهُ رِبَوِيٌّ، وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ
فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ
وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.
فرع: فِي دُهْنِ الْوَرْدِ وَجْهَانِ
حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ
الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا أصحهما: لَيْسَ
بِرِبَوِيٍّ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ
كَلَامُ الْجُمْهُورِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ
الْوَجْهَيْنِ فِي الْعُودِ الْمُطَيِّبِ
أَيْضًا وَقَطَعَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ
لَيْسَ رِبَوِيًّا.
فرع: لَا رِبَا فِي
الْحَيَوَانِ عِنْدَنَا فَيَجُوزُ بَيْعُ
شَاةٍ بِشَاتَيْنِ، وَبَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ
وَدَجَاجَةٍ بِدَجَاجَتَيْنِ، وَكَذَا سَائِرُ
الْحَيَوَانِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا
عِنْدَنَا إلَّا الْوَجْهَ الَّذِي
قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ، وَهُوَ
شَاذٌّ ضَعِيفٌ، وَإِلَّا وَجْهًا حَكَاهُ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ فِي
السَّمَكِ الصِّغَارِ الَّتِي يُمْكِنُ
ابْتِلَاعُهَا فِي حَيَاتِهَا أَنَّهُ يَجْرِي
فِيهِ الرِّبَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ
أَكْلِهَا حَيَّةً، وَفِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا
فِي الْأَطْعِمَةِ وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ
إنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ أَكْلُهَا حَيَّةً
لَيْسَتْ رِبَوِيَّةً، فَيَجُوزُ بَيْعُ
سَمَكَةٍ بِسَمَكَاتٍ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ
وَإِلَّا فَوَجْهَانِ: أصحهما: الْجَوَازُ،
وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ.
والثاني: لَا، وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي
تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا بالأصل وانظر أين الضرب الثاني؟ والضرب
الثاني لا مناص أنه ما يستعمل للتداوي،
كالأدهان التي يعالج بها النقرس وبيوسه
الشرايين وما إلى ذلك فيحرم فيه الربا.
ج / 9 ص -302-
فرع: قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ: لَا رِبَا فِي النَّوَى،
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ لِلْآدَمِيِّ،
وَإِنْ كَانَ طَعَامًا لِلْبَهَائِمِ
فَأَشْبَهَ الْحَشِيشَ.
فرع: لَا رِبَا فِي
الْجُلُودِ وَالْعِظَامِ إنْ كَانَ يَجُوزُ
أَكْلُهَا، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ،
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ،
لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ.
فرع: قَالَ الْمُتَوَلِّي
وَغَيْرُهُ: أَنْوَاعُ الْحَشِيشِ الَّتِي
تَنْبُتُ فِي الصَّحَارِي وَتُؤْكَلُ فِي
حَالِ رُطُوبَتِهَا وَأَطْرَافِ قُضْبَانِ
الْعِنَبِ لَا رِبَا فِيهَا، لِأَنَّهَا لَا
تُقْصَدُ لِلْأَكْلِ عَادَةً.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالى: وَمَا
سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَأْكُولِ
وَالْمَشْرُوبِ لَا يُحَرَّمُ فِيهَا
الرِّبَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا
بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَنَسِيئَةً، وَيَجُوزُ
فِيهَا التَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ،
لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ قَالَ: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم أَنْ أُجَهِّزَ جَيْشًا
فَنَفِدَتْ الْإِبِلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ
عَلَى قِلَاصِ الصَّدَقَةِ، فَكُنْت آخُذُ
الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إلَى إبِلِ
الصَّدَقَةِ" وَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ
وَجْهَهُ "أَنَّهُ بَاعَ جَمَلًا إلَى أَجَلٍ
بِعِشْرِينَ بَعِيرًا" وَبَاعَ ابْنُ عَبَّاسٍ
رضي الله عنه "بَعِيرًا بِأَرْبَعَةِ
أَبْعِرَةٍ" وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله
عنه "رَاحِلَةً بِأَرْبَعِ رَوَاحِلَ،
وَرَوَاحِلُهُ بِالرَّبْذَةِ" "وَاشْتَرَى
رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ رضي الله عنه بَعِيرًا
بِبَعِيرَيْنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا،
وَقَالَ آتِيك بِالْآخَرِ غَدًا" وَلَا
يَجُوزُ بَيْعُ نَسِيئَةٍ بِنَسِيئَةٍ، لِمَا
رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "نَهَى عَنْ
بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ" قَالَ أَبُو
عُبَيْدَةَ: هُوَ النَّسِيئَةُ
بِالنَّسِيئَةِ.
الشرح: حَدِيثُ ابْنِ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ
عَلَيْهِ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَهُ
حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، وَإِنْ
كَانَ فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ، لَكِنْ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: لَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ
فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا، قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ: وَلَيْسَ عِنْدَنَا ظَهْرٌ،
قَالَ: فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه
وسلم أَنْ يَبْتَاعَ ظَهْرًا إلَى خُرُوجِ
التَّصَدُّقِ، فَابْتَاعَ عَبْدُ اللَّهِ
الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ
وَبِالْأَبْعِرَةِ إلَى خُرُوجِ التَّصَدُّقِ
بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ رَوَاهَا أَيْضًا
الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وأما الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَلِيٍّ رضي
الله عنه فَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ
وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَفِي
الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ حُسَيْنِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ "أَنَّ عَلِيًّا
بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بَاعَ
جَمَلًا لَهُ عُصَيْفِيرٌ بِعِشْرِينَ
بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ" لَكِنَّ فِي إسْنَادِهِ
انْقِطَاعٌ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ
مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ فَلَمْ يُدْرِكْهُ
وأما الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ
رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ
وَالشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ،
ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ
تَعْلِيقًا وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ رَافِعِ
بْنِ خَدِيجٍ فَصَحِيحٌ ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا وأما
حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ
بِالْكَالِئِ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ
وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ،
مَدَارُهُ عَلَى مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ
الرَّبَذِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
أَمَّا: أَلْفَاظُ الْفَصْلِ: الْقِلَاج / 9 ص
- بِكَسْرِ الْقَافِ - جَمْعُ قَلَصٍ
وَالْقَلَصُ جَمْعُ قُلُوصٍ وَهِيَ النَّاقَةُ
الشَّابَّةُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ
وَغَيْرُهُ وقوله: أَخَذَ مِنْ قِلَاصِ
الصَّدَقَةِ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ
مِنْ وَاَلَّذِي فِي
ج / 9 ص -303-
سُنَنِ
أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا
فِي؛ وَمَنَعَاهُمَا السَّلَفُ عَلَى إبِلِ
الصَّدَقَةِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وأما
الرَّاحِلَةُ فَالْبَعِيرُ النَّجِيبُ
وَالرَّبَذَةُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْبَاءِ
الْمُوَحَّدَةِ وَالذَّالِ مُعْجَمَةً -
مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ
الْمَدِينَةِ، وَالْكَالِئُ بِالْهَمْزِ.
أَمَّا الْأَحْكَامُ: فَفِي
الْفَصْلِ مَسْأَلَتَانِ:
أحدهما: أَنَّ مَا سِوَى
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَطْعُومِ لَا
يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ
بَعِيرٍ بِأَبْعِرَةٍ، وَشَاةٍ بِشِيَاهٍ
وَثَوْبٍ بِثِيَابٍ. وَصَاعِ نَوْرَةٍ أَوْ
جِصٍّ أَوْ أَشَّتَانِ بِصِيعَانٍ وَرِطْلِ
غَزْلٍ بِأَرْطَالٍ مِنْ جِنْسِهِ
وَأَشْبَاهِهِ وَكُلُّ هَذَا مِمَّا سَبَقَ
بَيَانُهُ.
المسألة الثانية: لَا يَجُوزُ
بَيْعُ نَسِيئَةٍ بِنَسِيئَةٍ بِأَنْ يَقُولَ:
بِعْنِي ثَوْبًا فِي ذِمَّتِي بِصِفَتِهِ
كَذَا إلَى شَهْرِ كَذَا بِدِينَارٍ مُؤَجَّلٍ
إلَى وَقْتِ كَذَا فَيَقُولُ: قَبِلْت،
وَهَذَا فَاسِدٌ بِلَا خِلَافٍ.
فرع: فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيَانِ
عِلَّةِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ
الْأَرْبَعَةِ، وَهِيَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ
وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ، وَلَهُمْ فِيهَا
عَشَرَةُ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: مَذْهَبُ
أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ
أَنَّهُ لَا رِبَا فِي غَيْرِ الْأَجْنَاسِ
السِّتَّةِ كَمَا سَبَقَ. الثَّانِي: مَذْهَبُ
أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
كَيْسَانِ الْأَصَمِّ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي
كَوْنِهَا مُنْتَفَعًا بِهِ حَكَاهُ عَنْهُ
الْقَاضِي حُسَيْنٌ.
والثالث: مَذْهَبُ ابْنِ
سِيرِينَ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَوْدَنِيِّ مِنْ
أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعِلَّةَ الْجِنْسِيَّةَ
تُحَرِّمُ الرِّبَا فِي كُلِّ شَيْءٍ بِيعَ
بِجِنْسِهِ كَالتُّرَابِ بِالتُّرَابِ
مُتَفَاضِلًا وَالثَّوْبِ بِالثَّوْبَيْنِ
وَالشَّاةِ بِالشَّاتَيْنِ. الرَّابِعُ:
مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ
الْعِلَّةَ الْمَنْفَعَةُ فِي الْجِنْسِ،
فَيَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ
دِينَارٌ بِثَوْبَيْنِ قِيمَتُهُمَا دِينَارٌ،
وَيَحْرُمُ بَيْعُ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ دِينَارٌ
بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دِينَارَانِ.
الْخَامِسُ: مَذْهَبُ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الْعِلَّةَ تَقَارُبُ
الْمَنْفَعَةِ فِي الْجِنْسِ فَحُرِّمَ
التَّفَاضُلُ فِي الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ
وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ تَقَارُبُ الْمَنْفَعَةِ
فِي الْجِنْسِ، فَحُرِّمَ التَّفَاضُلُ فِي
مَنَافِعِهَا، وَكَذَلِكَ الْبَاقِلَاءُ
بِالْحِمَّصِ وَالدُّخْنِ بِالذُّرَةِ.
السَّادِسُ: مَذْهَبُ
رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ جِنْسًا، تَجِبُ
فِيهِ الزَّكَاةُ، فَحُرِّمَ الرِّبَا فِي
جِنْسٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ
الْمَوَاشِي وَالزُّرُوعِ وَغَيْرِهَا،
وَنَفَاهُ عَمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ.
السَّابِعُ: مَذْهَبُ مَالِكٍ
كَوْنُهُ مُقْتَاتًا مُدَّخَرَ جِنْسٍ
فَحُرِّمَ الرِّبَا فِي كُلِّ مَا كَانَ
قُوتًا مُدَّخَرًا، وَنَفَاهُ عَمَّا لَيْسَ
بِقُوتٍ كَالْفَوَاكِهِ، وَعَمَّا هُوَ قُوتٌ
لَا يُدَّخَرُ كَاللَّحْمِ.
الثَّامِنُ: مَذْهَبُ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ مَكِيلَ
جِنْسٍ فَحُرِّمَ الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ،
وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ
وَالْأُشْنَانِ وَنَفَاهُ عَمَّا لَا يُكَالُ
وَلَا يُوزَنُ وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا
كَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ.
التَّاسِعُ: مَذْهَبُ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي
الْقَدِيمِ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ
مَطْعُومًا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، فَحَرَّمَهُ
فِي كُلِّ مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ،
وَنَفَاهُ عَمَّا سِوَاهُ وَهُوَ كُلُّ مَا
لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، أَوْ يُؤْكَلُ
وَلَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالسَّفَرْجَلِ
وَالْبِطِّيخِ.
الْعَاشِرُ: أَنَّ الْعِلَّةَ
كَوْنُهُ مَطْعُومًا فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَ
مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَمْ لَا، وَلَا
رِبَا فِيمَا سِوَى
ج / 9 ص -304-
الْمَطْعُومِ غَيْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ،
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدُ
الصَّحِيحُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَابْنِ
الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا.
فأما: أَهْلُ الظَّاهِرِ
فَسَبَقَ دَلِيلُهُمْ وَالدَّلِيلُ
عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا الْبَاقُونَ
فَدَلِيلُنَا عَلَى جَمِيعِهِمْ قَوْلُهُ صلى
الله عليه وسلم: "الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ" وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِيهِ مَا
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَيْضًا هَذِهِ
الْآثَارُ مَعَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي
الْكِتَابِ وَعَنْ جَابِرٍ "أَنَّ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى عَبْدًا
بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَنَسٍ "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله
عليه وسلم اشْتَرَى صَفِيَّةَ مِنْ دَحْيَةَ
الْكَلْبِيِّ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ" رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.
وَاحْتُجَّ لِابْنِ كَيْسَانِ بِأَنَّ
الْمَقْصُودَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا الرِّفْقُ
بِالنَّاسِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي
الْجَمِيعِ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ
بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْآثَارِ
وَالْمَعْنَى، وَبِحَدِيثِ الْعَبْدِ
بِالْعَبْدَيْنِ وَالْبَعِيرِ
بِالْبَعِيرَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ،
وَأَفْسَدُوا عِلَّتَهُ بِأَنَّهَا تُؤَدِّي
إلَى تَحْرِيمِ التِّجَارَاتِ وَالْأَرْبَاحِ.
وَاحْتُجَّ لِابْنِ سِيرِينَ بِحَدِيثِ
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ
بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ
وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ
بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً
بِسَوَاءِ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ
هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ
شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ" رَوَاهُ
مُسْلِمٌ، وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ
شَرَطَ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ اخْتِلَافَ
الْأَصْنَافِ، وَهِيَ الْأَجْنَاسُ.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ
وَالْآثَارِ السَّابِقَةِ فِي بَيْعِ
عَبْدَيْنِ بِعَبْدٍ وَأَبْعِرَةٍ بِبَعِيرٍ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجِنْسَ لَيْسَ
بِعِلَّةٍ.
وَالْجَوَابُ: عَنْ
حَدِيثِ"فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ
الْأَصْنَافُ" فَالْمُرَادُ جَوَازُ
التَّفَاضُلِ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ إذَا
اخْتَلَفَتْ، وَمَنْعُهُ فِيهَا إذَا
اتَّفَقَتْ لَا مَنْعَهُ فِي غَيْرِهَا.
وَاحْتُجَّ لِلْحَسَنِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ
بِتَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْقَدْرِ مَوْجُودٌ
فِي الْقِيمَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ فِي
الْقِيمَةِ، كَمَا امْتَنَعَ فِي الْقَدْرِ
وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَا سَبَقَ، وَلَا
نُسَلِّمُ إلْحَاقَ الْقِيمَةِ بِالْقَدْرِ.
وَاحْتُجَّ لِابْنِ جُبَيْرٍ بِأَنَّ
الْمَنْفَعَةَ كَالْقَدْرِ، قَالَ
الْأَصْحَابُ: هَذَا مَرْدُودٌ بِالْمَنْصُوصِ
عَلَى جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْحِنْطَةِ
بِالشَّعِيرِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:
"فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ"وَاحْتُجَّ
لِرَبِيعَةَ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي
هَذِهِ الْأَجْنَاسِ إنَّمَا كَانَ حَثًّا
عَلَى الْمُوَاسَاةِ بِالتَّمَاثُلِ
وَأَمْوَالُ الْمُوَاسَاةِ هِيَ أَمْوَالُ
الزَّكَاةِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: هَذَا
فَاسِدٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ
السَّابِقَةِ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي
الْحَيَوَانِ، وَفَاسِدٌ أَيْضًا بِالْمِلْحِ،
فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ بِالنَّصِّ، وَعَلَى
مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ لَا رِبَا فِيهِ،
لِأَنَّهُ لَيْسَ رِبَوِيًّا.
وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ بِأَنَّ عِلَّتَهُ
أَكْثَرُ شَبَهًا بِالْأَصْلِ، فَهِيَ
أَوْلَى، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ
صلى الله عليه وسلم: "فَإِذَا اخْتَلَفَتْ
هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ
شِئْتُمْ" وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ مُنْتَقَضٌ
بِالرُّطَبِ، فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ بِالنَّصِّ،
وَلَيْسَ مُدَّخَرًا فَإِنْ قِيلَ: الرُّطَبُ
يَئُولُ إلَى الِادِّخَارِ قُلْنَا: الرِّبَا
جَارٍ فِي الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَصِيرُ
تَمْرًا أَوْ الْعِنَبِ الَّذِي لَا يَصِيرُ
زَبِيبًا.
وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ
الْكَيْلَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي
التَّسَاوِي، فَكَانَ عِلَّتَهُ، وَاحْتَجَّ
أَصْحَابُنَا بِمَا سَبَقَ، وَلَا يَلْزَمُ
مِنْ كَوْنِ الْكَيْلِ مِعْيَارًا كَوْنُهُ
عِلَّةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ج / 9 ص -305-
فرع: مَذْهَبُنَا جَوَازُ بَيْعِ ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ، وَثِيَابٍ مِنْ
جِنْسِهِ حَالًا وَمُؤَجَّلًا وَبِهِ قَالَ
أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَمَنَعَهُ
مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ[وَقَالَ]لَا رِبَا
فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ
وَنَحْوِهِمَا، كَالْحَفْنَةِ
وَالْحَفْنَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا
يُكَالُ فِي الْعَادَةِ، قَالَ: وَكَذَا لَا
رِبَا فِي الْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ
وَالْبَيْضِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ
وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ الَّتِي تُبَاعُ
عَدَدًا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِ
السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَا رِبَا فِي غَيْرِ
الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَمَذْهَبُنَا
وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ثُبُوتُ الرِّبَا فِي
كُلِّ ذَلِكَ لِعُمُومِ النُّصُوصِ فِي
تَحْرِيمِ الرِّبَا.
فرع: يَجُوزُ بَيْعُ
الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ
مُتَفَاضِلًا كَبَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ وَشَاةٍ
بِشَاتَيْنِ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا، سَوَاءٌ
كَانَ يَصْلُحُ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ
وَالْأَكْلِ وَالنِّتَاجِ أَمْ لِلْأَكْلِ
خَاصَّةً. هَذَا مَذْهَبُنَا، وَبِهِ قَالَ
جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ:
لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ،
وَلَا بِبَعِيرٍ، إذَا كَانَا جَمِيعًا أَوْ
أَحَدَهُمَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلذَّبْحِ
كَالْكَسِيرِ وَالْحَطِيمِ وَنَحْوِهِمَا،
لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا اللَّحْمُ،
فَهُوَ كَبَيْعِ لَحْمٍ جُزَافًا أَوْ لَحْمٍ
بِحَيَوَانٍ، دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ
وَالْآثَارُ السَّابِقَةُ فِي بَيْعِ بَعِيرٍ
بِبَعِيرَيْنِ وَأَبْعِرَةٍ.
فرع: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ
مَذْهَبَنَا جَوَازُ بَيْعِ كُلِّ مَا لَيْسَ
مَطْعُومًا وَلَا ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً
بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَمُؤَجَّلًا،
وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ يَحْرُمُ التَّأْجِيلُ فِي
بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِنْ
أَيِّ مَالٍ كَانَ، لِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ
سَمُرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم "نَهَى عَنْ بَيْعِ
الْحَيَوَانِ نَسِيئَةً" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ
مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ
بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ
نَسِيئَةً".
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ
وَالْآثَارِ السَّابِقَةِ فِي بَيْعِ
الْإِبِلِ بِالْإِبِلِ مُؤَجَّلَةً،
وَلِأَنَّهَا عِوَضَانِ لَا تَجْمَعُهُمَا
عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَا يَحْرُمُ فِيهِمَا
النَّسَاءُ كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبَ قُطْنٍ
بِثَوْبِ حَرِيرٍ إلَى أَجَلٍ، وَلِأَنَّهُ
لَا رِبَا فِيهِ نَقْدًا فَكَذَا النَّسِيئَةُ
وَالْجَوَابُ: عَنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ مِنْ
وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: جَوَابِ
الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: أَكْثَرُ الْحُفَّاظِ لَا
يُثْبِتُونَ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ
إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ. والثاني: أَنَّهُ
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْأَجَلَ فِي
الْعِوَضَيْنِ، فَيَكُونُ بَيْعَ دَيْنٍ
بِدَيْنٍ وَذَلِكَ فَاسِدٌ كَمَا سَبَقَ.
وَالْجَوَابُ: عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
مِنْ الْوَجْهَيْنِ، فَقَدْ اتَّفَقَ
الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ، وَأَنَّ
الصَّحِيحَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِمَّنْ
قَالَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ
خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ،
قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: الصَّحِيحُ عِنْدَ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ
مُرْسَلٌ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالى: فَأَمَّا
مَا يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا فَيُنْظَرُ
فِيهِ فَإِنْ بَاعَهُ بِجِنْسِهِ حُرِّمَ
فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ
وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ، لِمَا
رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ
بِالْفِضَّةِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ
وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ
بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا
بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ
هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ
شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ".
فَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ - نَظَرَتْ
فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحَرَّمُ الرِّبَا
فِيهِمَا لِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ -
جَازَ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَحُرِّمَ فِيهِ
النَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ
التَّقَابُضِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:
"فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ
فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا
بِيَدٍ".
ج / 9 ص -306-
فَإِنْ تَبَايَعَا وَتَخَايَرَا فِي
الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَ
الْبَيْعُ لِأَنَّ التَّخَايُرَ
كَالتَّفَرُّقِ، وَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ
التَّقَابُضِ بَطَلَ الْعَقْدُ، فَكَذَلِكَ
إذَا تَخَايَرَا، وَإِنْ تَبَايَعَا دَرَاهِمَ
بِدَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ وَتَقَابَضَا
ثُمَّ وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَ
عَيْبًا - نَظَرَتْ فَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا
- جَازَ أَنْ يَرُدَّ وَيُطَالِبَ بِالْبَدَلِ
لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي
الذِّمَّةِ، وَقَدْ قَبَضَ قَبْلَ
التَّفَرُّقِ، وَإِنْ تَفَرَّقَ فَفِيهِ
قَوْلَانِ: أحدهما: يَجُوزُ إبْدَالُهُ
لِأَنَّ مَا جَازَ إبْدَالُهُ قَبْلَ
التَّفَرُّقِ جَازَ بَعْدَهُ، كَالْمُسَلَّمِ
فِيهِ. والثاني: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ
الْمُزَنِيِّ لِأَنَّهُ إذَا أَبْدَلَهُ صَارَ
الْقَبْضُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَذَلِكَ لَا
يَجُوزُ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحَرَّمُ فِيهِمَا
الرِّبَا بِعِلَّتَيْنِ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ
بِالذَّهَبِ وَالشَّعِيرِ بِالْفِضَّةِ حَلَّ
فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ
وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ
لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ
إسْلَامِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي
الْمَكِيلَاتِ الْمَطْعُومَةِ.
الشرح: حَدِيثُ عُبَادَةَ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالنَّسَائِيُّ -
بِالْمَدِّ - التَّأْجِيلُ قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: إذَا بَاعَ
مَالًا رِبَوِيًّا فَلَهُ ثَلَاثَةُ
أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَبِيعَهُ
بِجِنْسِهِ فَيُحَرَّمُ فِيهِ ثَلَاثَةُ
أَشْيَاءَ، التَّفَاضُلُ، وَالنَّسَاءُ،
وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ.
الثَّانِي: أَنْ يَبِيعَهُ
بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَكِنَّهُمَا مِمَّا
يُحَرَّمُ فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ
وَاحِدَةٍ، كَالذَّهَبِ1 وَالْفِضَّةِ
وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ
بِالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ بِالْعَسَلِ
فَيَجُوزُ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ
وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَدَلِيلُ
الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ.
وَحَيْثُ شَرَطْنَا التَّقَابُضَ فَمَعْنَاهُ
التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ الَّذِي
يَنْقَطِعُ بِهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَمَا
سَبَقَ تَفْصِيلُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي
كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ
وَالْأَصْحَابُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَطُولَ
مَقَامُهُمَا فِي مَجْلِسِهِمَا، وَلَا بَأْسَ
أَيْضًا بِطُولِهِ مُتَمَاشِيَيْنِ وَإِنْ
طَالَ مَشْيُهُمَا وَتَبَاعَدَا عَنْ مَجْلِسِ
الْعَقْدِ ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ
افْتِرَاقِهِمَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ
افْتِرَاقِهِمَا. وَلَوْ بَاعَهُ دِينَارًا
فِي الذِّمَّةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي
الذِّمَّةِ وَوَصَفَ الْجَمِيعَ أَوْ كَانَ
فِي مَوْضِعٍ فِيهِ نَقْدٌ غَالِبٌ وَلَمْ
يَكُنْ الْعِوَضَانِ حَاضِرَيْنِ ثُمَّ
أَرْسَلَا مَنْ أَحْضَرَهُمَا أَوْ ذَهَبَا
مُجْتَمَعَيْنِ إلَيْهِمَا وَتَقَابَضَا
قَبْلَ التَّفَرُّقِ صَحَّ الْبَيْعُ
وَسَلِمَا مِنْ الرِّبَا.
وَلَوْ وَكَّلَا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي
الْقَبْضِ وَحَصَلَ الْقَبْضُ قَبْلَ
مُفَارَقَةِ الْعَاقِدَيْنِ جَازَ وَإِلَّا
فَلَا، وَمَتَى تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ
وَحَصَلَ الْقَبْضُ بَطَلَ الْعَقْدُ
وَيَأْثَمَانِ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ
الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ: يَكُونُ هَذَا
رِبًا جَارِيًا مَجْرَى بَيْعِ الرِّبَوِيِّ
نَسِيئَةً، وَلَا يَكْفِيهِمَا تَفَرُّقُهُمَا
فِي مَنْعِ الْإِثْمِ، وَإِنْ كَانَ يَبْطُلْ
كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ مَعَ التَّفَاضُلِ
بَاطِلٌ وَيَأْثَمَانِ بِهِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: فَإِنْ تَعَذَّرَ
عَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ
وَأَرَادَا أَنْ يَتَفَرَّقَا لَزِمَهُمَا
أَنْ يَتَفَاسَخَا الْعَقْدَ قَبْلَ
التَّفْرِيقِ، لِئَلَّا يَأْثَمَا، وَإِنْ
قَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ
الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ
قَبْضِ الْبَاقِي بَطَلَ الْعَقْدُ فِي
الَّذِي لَمْ يُقْبَضْ، وَفِي بُطْلَانِهِ فِي
الْمَقْبُوضِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ
فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعله كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير إلخ
وانظر أين الثالث(ط).
ج / 9 ص -307-
أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ الْمَذْهَبُ:
أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ، بَلْ يَصِحُّ
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ: وَإِذَا
تَخَايَرَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ
التَّقَابُضِ فَهُوَ كَالتَّفْرِيقِ
فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِمَا ذَكَرَهُ
الْمُصَنِّفُ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ
قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ:
لَا يَبْطُلُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ
يُسَمَّى يَدًا بِيَدٍ.
وَإِلَى هُنَا انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ.
مُصَنِّفِهِ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ
شَرَفِ النَّوَوِيِّ، فَأَدْرَكَتْهُ
الْمَنِيَّةُ رحمه الله وَنَفَعَنَا بِهِ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى
سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
تَسْلِيمًا، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ. |