المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
* (بَابُ مَا يجوز رهنه وما لا يجوز)
* ما لا يجوز بيعه كالوقف وأم الولد، والكلب والخنزير لا يجوز رهنه، لان المقصود من الرهن أن يباع ويستوفى الحق منه، وهذا لا يوجد فيما لا يجوز بيعه فلم يصح رهنه.
(الشرح) الاحكام: كل عين جاز بيعها جاز رهنها لان مقصود الرهن الاستيثاق بالدين للتوصل إلى استيفائه من ثمن الرهن، إن تعذر استيفاؤه من ذمة الراهن، وهذا يتحقق في كل عين جاز بيعها، ولان ما كان محلا للبيع كان محلا لحكمة الرهن، ومحل الشئ محل لحكمته إلا أن يمنع مانع من ثبوته، أو
يفوت شرط فينتفى الحكم لانتفائه كالمشاع، فإنه استثنى من هذه القاعدة فيجوز رهن المشاع لذلك.
وبه قال ابن أبى ليلى ومالك والبتى والاوزاعي وسوار والعنبري وأبو ثور، وقال أصحاب الرأى: لا يصح الا أن يرهنها من شريكه أو يرهنها الشريكان من رجل واحد، لانه عقد تخلف عنه مقصوده لمعنى اتصل به فلم يصح كما لو تزوج أخته من الرضاع ولنا أنها عين يجوز بيعها في محل الحق فيصح رهنها كالمفرزة، ولا نسلم أن مقصوده الحبس بل مقصوده استيفاء الدين من ثمنه عند تعذره من غيره، والمشاع

(13/198)


قابل لذلك، والغريب أن أصحاب الرأى يمنعون هذا ويجيزون رهن القاتل والمرتد والمغصوب ورهن ملك غيره بغير إذنه من غير ولاية قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وما يسرع إليه الفساد من الاطعمة والفواكه الرطبة التى لا يمكن استصلاحها، يجوز رهنه بالدين الحال والمؤجل الذى يحل قبل فساده، لانه يمكن بيعه واستيفاء الحق من ثمنه، فأما ما رهنه بدين مؤجل إلى وقت يفسد قبل محله فإنه ينظر فيه، فإن شرط أن يبيعه إذا خاف عليه الفساد جاز رهنه، وإن أطلق ففيه قولان:
(أحدهما)
لا يصح وهو الصحيح، لانه لا يمكن بيعه بالدين في محله فلم يجز رهنه كأم الولد.

(والثانى)
يصح.
وإذا خيف عليه أجبر على بيعه ويجعل ثمنه رهنا، لان مطلق العقد يحمل على المتعارف ويصير كالمشروط.
والمتعارف فيما يفسد أن يباع قبل فساده، فيصير كما لو شرط ذلك، ولو شرط ذلك جاز رهنه، فكذلك إذا أطلق، فإن رهن ثمرة يسرع إليها الفساد مع الشجر ففيه طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا
مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ، كما لو أفرده بالعقد، ومنهم من قال يصح قولا واحدا لانه تابع للشجر، فإذا هلكت الثمرة بقيت الشجرة (الشرح) الاحكام: ان رهنه شيئا رطبا يسرع إليه الفساد، فإن كان مما يمكن تجفيفه كالرطب والعنب صح رهنه ووجب على الراهن مئونة تجفيفه، كما يجب عليه مئونة حفظه وعلف الحيوان، فان احتاج إلى ثلاجة ليحفظ فيها كان على الراهن استهلاك الثلاجة من الثلج أو الكهرباء، وان كان مما لا يمكن تجفيفه أو حفظه في الثلاجات نظرت فان رهنه بحق حال أو مؤجل قبل فساده صح الرهن لان الغرض يحصل بذلك وان شرط الراهن أن لا يباع الا بعد حلول الحق لم يصح الرهن لانه يتلف ولا يحصل المقصود، وان أطلقا ذلك ففيه قولان
(أحدهما)
يصح الرهن، فإذا خيف عليه الفساد بيع وجعل ثمنه رهنا: لان العقد يبنى على عرف الناس،

(13/199)


وفى عرفهم أن المالك لا يترك من ماله ما يخلف عليه الفساد ليفسد
(والثانى)
لا يصح الرهن وهو الصحيح.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وان علق عتق عبد على صفة توجد قبل محل الدين لم يجز رهنه، لانه لا يمكن بيعه في الدين.
وقال أبو على الطبري رحمه الله: إذا قلنا يجوز رهن ما يسرع إليه الفساد جاز رهنه، وان علق عتقه على صفة يجوز أن توجد قبل محل الدين، ويجوز أن لا توجد، ففيه قولان
(أحدهما)
يصح لان الاصل بقاء العقد وامكان البيع، ووقوع العتق قبل محل الدين مشكوك فيه، فلا يمنع صحة الرهن كجواز الموت في الحيوان المرهون
(والثانى)
لا يصح لانه قد توجد الصفة قبل محل الدين فلا يمكن بيعه، وذلك غرر من غير حاجة، فمنع صحة الرهن.
(الشرح) الاحكام، ان علق عتق عبده على صفة ثم رهنه ففيه ثلاث مسائل (الاولى) إذا قال " إذا جاء رأس الشهر فأنت حر، وكان قد رهنه بحق حال أو مؤجل قبل مجئ رأس الشهر فيصح الرهن قولا واحدا، لانه يمكن استيفاء الحق من ثمنه.
(الثانية) أن يرهنه بحق مؤجل توجد الصفة قبله، فقد قال عامة أصحابنا لا يصح قولا واحدا.
وقال أبو على الطبري فيه قولان، كرهن ما يسرع إليه الفساد، والصحيح هو الاول، لان الطعام الرطب الظاهر من جهة الراهن بيعه إذا خيف عليه الفساد وجعل ثمنه رهنا، والظاهر ممن علق عتق عبده على صفة أنه أراد ايقاع العتق بذلك (الثالثة) إذا علق عتقه على صفة يجوز أن توجد قبل محل الدين، ويجوز أن يحل الدين قبلها، بأن يقول إذا قدم زيد فأنت حر.
وإذا دخلت الدار أو كلمت زيدا فأنت حر، فهل يصح رهنه ها هنا بعد ذلك؟ فيه قولان
(أحدهما)
يصح الرهن لان وقوع العتق قبل محل الدين مشكوك فيه
(والثانى)
لا يصح، لان الصفة قد توجد قبل محل الدين فيبطل الرهن، وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ، هذا قول عامة أصحابنا.
وقال أبو على في الافصاح لا يصح رهنه قولا واحدا لانه عقد الرهن على غرر.

(13/200)


قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
واختلف أصحابنا في المدبر.
فمنهم من قال: لا يجوز رهنه قولا واحدا، لانه قد يموت المولى فجأة فيعتق فلا يمكن بيعه، وذلك غرر من غير حاجة، فمنع صحه الرهن.
ومنهم من قال: يجوز قولا واحدا لانه يجوز بيعه فجاز رهنه كالعبد القن.
ومنهم من قال.
فيه قولان، بناء على القولين في أن التدبير
وصية أو عتق بصفة، فان قلنا: إنه وصية جاز رهنه، لانه يجوز الرجوع فيه بالقول، فجعل الرهن رجوعا.
وان قلنا: إنه عتق بصفة لم يجز رهنه، لانه لا يجوز الرجوع فيه بالقول، وإنما يجوز الرجوع فيه بتصرف يزيل الملك، والرهن لا يزيل الملك.
قال أبو إسحاق، إذا قلنا: إنه يصح رهنه فحل الحق وقضى سقط حكم الرهن وبقى العبد على تدبيره، وإن لم يقض قيل له: أترجع في التدبير؟ فان اختار الرجوع بيع العبد في الرهن، وإن لم يختر فإن كان له مال غيره قضى منه الدين، ويبقى العبد على التدبير، وان لم يكن له مال غيره ففيه وجهان.

(أحدهما)
أنه يحكم بفساد الرهن، لانا إنما صححنا الرهن لانا قلنا لعله يقضى الدين من غيره أو يرجع في التدبير، فإذا لم يفعل حكمنا بفساد الرهن
(والثانى)
أنه يباع في الدين وهو الصحيح، لانا حكمنا بصحة الرهن، ومن حكم الرهن أن يباع في الدين وما سوى ذلك من الاموال كالعقار والحيوان وسائر ما يباع يجوز رهنه، لانه يحصل به مقصود الرهن وما جاز رهنه جاز رهن البعض منه مشاعا، لان المشاع كالمقسوم في جواز البيع، فكان كالمقسوم في جواز الرهن، فإن كان بين رجلين دار فرهن أحدهما نصيبه من بيت بغير إذن شريكه ففيه وجهان.

(أحدهما)
يصح كما يصح بيعه
(والثانى)
لا يصح لان فيه إضرارا بالشريك بأن يقتسما فيقع هذا البيت في حصته فيكون بعضه رهنا.
(الشرح) الاحكام: قال الشافعي رحمه الله " ولو دبره ثم رهنه كان الرهن مفسوخا " وجملة ذلك أنه إذا قال لعبده إذا مت فأنت حر ثم رهنه بعد.
فاختلف

(13/201)


أصحابنا في صحة الرهن على ثلاث طرق، فمنهم من قال: إن قلنا.
إن التدبير وصية صح الرهن وبطل التدبير، لان الوصية يجوز فيها بالقول،
فجعل الرهن رجوعا.
وإن قلنا: إن التدبير عتق بصفة لم يصح، لانه لا يصح الرجوع فيه، الا بتصرف يزيل الملك، قالوا: وقول الشافعي: كان الرهن مفسوخا أراد على هذا القول، ومنهم من قال: لا يصح الرهن قولا واحدا، وعليه يدل ظاهر قوله في الام، لانه قال: إذا دبر عبده ثم رهنه كان الرهن مفسوخا، ولو قال: كنت رجعت قبل الرهن عن التدبير فهل يصح الرهن فيه قولان، وهذا نص في أنه لا يصح الرهن قبل الرجوع قولا واحدا، ولانا - وان قلنا: ان التدبير وصية - الا أنه أقوى من الوصية بدليل أنه يتحرر بالموت من غير قبول بخلاف الوصية ومنهم من قال: يصح الرهن قولا واحدا، ولا يبطل التدبير، لان الشافعي رحمه الله قال: كل ما جاز بيعه جاز رهنه كالمدبر يجوز بيعه قولا واحدا فكذلك رهنه.
قال ابن الصباغ: والطريقة الاولى أصح، والثانية: ظاهر كالامة، والثالثة: مخالفة للنص والقياس.
فإذا قلنا: بالطريقة الاولى، وأن الرهن يصح - إذا قلنا، ان التدبير وصية - فان التدبير يبطل، وهو اختيار المزني، فان قضى الحق من غيره فلا كلام ولم يعتق العبد بالموت الا بتدبير ثان أو عتق، وان لم يقضه من غيره بيع العبد بالموت الا بتدبير ثان أو عتق، وان لم يقضه من غيره بيع العبد في الدين، وان قلنا بالطريقة الثانية أن الرهن صحيح والتدبير صحيح نظرت، فان حل الحق وقضى الحق من غير الرهن بقى العبد في الدين، وان لم يختر الرجوع فيه، فان كان له مال غير العبد أجبر على قضاء الدين وبقى العبد على التدبير، وان لم يكن له مال غيره ففيه وجهان من أصحابنا من قال: يحكم بفساد الرهن، لانا انما صححنا الرهن رجاء أن أن يرجع في التدبير فيباع، وتأول قول الشافعي " كان الرهن مفسوخا " على هذا للموضع، ومنهم من قال: يباع في الدين، وهو الصحيح.
لانه إذا حكمنا بصحة
الرهن لم يتعقبه الفساد بامتناع الراهن، ومن حكم الرهن أن يباع في الدين.

(13/202)


(فرع)
وان رهن عبده ثم دبره فان دبره قبل أن يقبض كان فسخا للرهن على المنصوص، وعلى تخريج الربيع لا يكون فسخا له، وقد مضى ذكره، وان أقبضه ثم دبره قال الشافعي رحمه الله أوقفت التدبير، فان حل الحق وقضى الدين من غير الرهن خرج العبد من الرهن وكان مدبرا، وإن لم يقضه من غيره - وان باعه - صح وبطل التدبير، وإن لم يختر الرجوع في التدبير - فإن كان له مال غيره - أجبر على قضائه منه وبقى العبد على التدبير، وإن لم يكن له مال غير العبد بيع في الدين وبطل التدبير، وان مات الراهن قبل قضاء الدين فقد حل الدين بموته، وان خلف تركة تفى بالدين عن العبد قضى الدين منها وعتق العبد من ثلث ما بقى، وان لم يكن له مال غيره، فان كان الدين يستغرق قيمته بيع العبد في الدين، وان كانت قيمته أكثر من الدين بيع منه بقدر الدين، وعتق ثلث ما بقى بالتدبير، فإن أجازه الورثة عتق باقيه.
(مسألة) وما صح رهنه صح رهن جزء منه مشاعا سواء كان مما ينقسم كالدور والارضين، أو مما لا ينقسم كالجواهر، وسواء رهنه من شريكه أو من غيره وقد مضى تفصيل الخلاف فيه والرد على أبى حنيفة وأصحاب الرأى في أول الباب فراجعه وتتمة القول: ان كان بين رجلين عمارة فيها شقق فرهن أحدهما نصيبه من شقة من غير شريكه فإن كان بإذن شريكه صح الرهن، وان كان بغير اذنه ففيه وجهان.

(أحدهما)
يصح كما يصح بيعه
(والثانى)
لا يصح، لان في ذلك ضررا على الشريك لانهما قد يقتسمان فتقع هذه الشقة في حق شريكه فيكون قد رهن ملك غيره بغير اذنه بخلاف البيع، فإنه إذا باع زال ملكه فيه، ولا يملك المقاسمة
على ما باع.
إذا ثبت هذا: ورهن سهما مشاعا في عين بينه وبين غيره - فإن كان مما لا ينقل - فإن الراهن يخلى بينه وبين المرتهن سواء حضر الشريك أو لم يحضر، وان كان مما ينقل كالجواهر والبضائع والدواب وما أشبهها فان القبض لا يحصل الا بالنقل، ولا يمكنه تناولها الا باذن الشريك، فان رضى الشريك تناولها،

(13/203)


وإن امتنع - فإن رضى المرتهن أن يكون في يد الشريك - جاز، وناب عنه في القبض، وان تنازعا فإن الحاكم ينصب عدلا، وهو ما يسمى في العرف الحاضر حارسا أمينا يكون في يده لهما، وان كان مما له أجرة ومنفعة (رسوم أتعاب) كانت عليهما.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ولا يجوز رهن مال الغير بغير اذنه: لانه لا يقدر على تسليمه ولا على بيعه في الدين، فلم يجز رهنه، كالطير الطائر والعبد الآبق، فان كان في يده مال لمن يرثه وهو يظن أنه حى فباعه أو رهنه، ثم بان أنه قد مات قبل العقد.
فالمنصوص أن العقد باطل لانه عقد، وهو لاعب فلم يصح.
ومن أصحابنا من قال يصح لانه صادف ملكه فأشبه إذا عقد وهو يعلم أنه ميت (الشرح) سبق للنووي رحمه الله أن أخذ على المصنف تعريفه لغير بالالف واللام، فكان الاصح ثم الافصح أن يقول " مال غيره " وان كان سلفنا السبكى رحمه الله تعالى تجوز في استعمالها في شوطه في التكملة.
أما الاحكام فانه لا يجوز رهن مال غيره بغير اذنه لانه لا يقدر على تسليمه، فهو كما لو رهنه سمكة في البحر، وان كان في يده مال لمن يرثه فباعه أو رهنه قبل أن يعلم بموته ثم بان أنه كان قد مات قبل البيع والرهن ففيه وجهان

(أحدهما)
وهو المنصوص أنه لا يصح، لانه باع ورهن مالا يعتقده ملكه فكان متلاعبا في ذلك فلم يصح
(والثانى)
يصح لانه بان أنه ملكه، قال الشيخ أبو حامد.
وهكذا لو وكل رجلا يشترى له شيئا بعينه فباعه الموكل أو رهنه قبل الشراء وقال بعتك هذا الشئ ان كان لى فبان أنه كان له، وان كان له مال في صندوق وقد رآه المرتهن فرهنه أو باعه وهو لا يتحقق كونه فيه، ثم بان أنه كان فيه، فعلى الوجهين المنصوص أنه لا يصح.
(فرع)
وان رهنه سكنى دار لم يصح، لان الدين ان كان مؤجلا فالمنافع تتلف إلى وقت الحلول، وان كان الدين حالا لم يحصل الاستيثاق، والرهن لا يلزم

(13/204)


إلا بالقبض، والقبض لا يمكن في السكنى إلا بإتلافه، فكأنه رهنه مالا يمكنه إقباضه، فإن قال أردت به إن أجرتها كانت الاجرة رهنا لم يصح أيضا لانه لا يدرى بكم يؤاجرها فكان باطلا، أما في المساكن التى تحددت أجرتها بأوامر السلطات والحكام طبقا لقواعد المثلية أو نفقات البناء أو غير ذلك من مراعاة العدل بين الناس، فقد تعين للمرتهن قدر إجارتها، فصح أن تكون الاجرة من قيمة الرهن.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
(فصل)
وان رهن مبيعا لم يقبضه نظرت، فان رهنه قبل أن ينقد ثمنه لم يصح الرهن لانه محبوس بالثمن فلا يملك رهنه كالمرهون، فان رهنه بعد نقد الثمن ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يصح، لانه عقد يفتقر إلى القبض فلم يصح في المبيع قبل القبض كالبيع
(والثانى)
يصح، وهو المذهب، لان الرهن لا يقتضى الضمان فجاز فيما لم يدخل في ضمانه بخلاف البيع
(الشرح) الاحكام: ان اشترى عينا فرهنها قبل أن يقبضها - فان كان قبل أن يدفع الثمن لم يصح الرهن لانها مرهونة بالثمن.
وكذلك ان رهنها بثمنها لم يصح لانها قد صارت مرهونة به، وإن نقد الثمن ثم رهنها ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يصح لان عقد الرهن يفتقر إلى القبض فلم يصح من المبيع قبل القبض، كما لو باعه وفيه احتراز من العتق والتزويج.

(والثانى)
يصح، وهو الصحيح لان الرهن لا يقتضى الضمان على المرتهن فصح فيما لم يدخل في ضمانه بخلاف البيع.

قال المصنف رحمه الله تعالى
(فصل)
وفى رهن الدين وجهان
(أحدهما)
يجوز، لانه يجوز بيعه فجاز رهنه كالعين
(والثانى)
لا يجوز لانه لا يدرى هل يعطيه أم لا، وذلك غرر من غير حاجة فمنع صحة العقد.
(الشرح) الاحكام، وفى بيع الدين المستقر وهبته ورهنه من غير من هو عليه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يصح واحد منها، لانه غير مقدور على تسليمه

(13/205)


فلم يصح كالسمك في الماء
(والثانى)
يصح الجميع منها وهو اختيار ابن الصباغ، لان الذمم تجرى مجرى الاعيان، ألا ترى أنه يصح أن يشترى بثمن في ذمته ويبيع فيها، كما يجوز أن يشترى الاعيان ويبيعها، الا أن البيع لا يفتقر لزومه إلى القبض.
وفى الهبة والرهن لا يلزمان من غير قبض، ولا يصح الرهن لان البيع والهبة يصحان، ويلزمان من غير قبض، ولا يصح الرهن لان البيع والهبة تمليك فجرى مجرى الحوالة بخلاف الرهن.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ولا يجوز رهن المرهون من غير إذن المرتهن، لان ما استحق
يعقد لازم لا يجوز أن يعقد عليه مثله من غير اذن من له الحق، كبيع ما باعه، وإجارة ما أجره، وهل يجوز رهنه بدين آخر عند المرتهن؟ ففيه قولان.
قال في القديم " يجوز " وهو اختيار المزني.
لانه إذا جاز أن يكون مرهونا بألف ثم يصير مرهونا بخمسمائة جاز أن يكون مرهونا بخمسمائة، ثم يصير مرهونا بألف.
وقال في الجديد: لا يجوز لانه رهن مستحق بدين، فلا يجوز رهنه بغيره، كما لو رهنه عند غير المرتهن، فإن جنى العبد المرهون ففداه المرتهن، وشرط على الراهن أن يكون رهنا بالدين والارش، فَفِيهِ طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ على القولين، ومنهم من قال يصح ذلك قولا واحدا، والفرق بين الارش وبين سائر الديون أن الارش متعلق بالرقبة، فإذا رهنه به فقد علق بالرقبة ما كان متعلقا بها، وغيره لم يكن متعلقا بالرقبة فلم يجز رهنه به، ولان في الرهن بالارش مصلحة للراهن في حفظ ماله، وللمرتهن في حفظ وثيقته، وليس في رهنه بدين آخر مصلحة، ويجوز للمصلحة ما لا يجوز لغيرها، والدليل عليه أنه يجوز أن يفتدى العبد بقيمته في الجناية ليبقى عليه، وان كان لا يجوز أن يشترى ماله بماله.
(الشرح) الاحكام، إذا رهن عبدا عند رجل وأقبضه إياه فقبضه ثم رهنه الراهن عند آخر بغير إذن الاول لم يصح الرهن الثاني.
لان ما استحق بعقد لازم لا يجوز أن يعقد عليه مثله من غير إذن من له الحق، كما لو باع عينا من زيد

(13/206)


ولزم البيع ثم باعها من عمرو، فقوله بعقد لازم احتراز من الرهن قبل القبض، ومن إعارة ما أعاره وقوله " لا يجوز أن يعقد عليه مثله " احتراز من عقد الاجارة على الرهن، فإنه يصح بغير إذن المرتهن.
وقوله: من غير إذن من له الحق، لان المرتهن
لو أذن في رهنه من غيره صح، وان رهن رجلا عبدا بألف درهم ثم رهنه عنده بألف أخرى ففيه قولان.
قال في القديم " يصح " وبه قال مالك وأبو يوسف رحمهم الله تعالى، لانه لما جاز أن يزيد في الحق الواحد رهنا آخر جاز أيضا أن يرهن الرهن الواحد بحق آخر.
ولان الرهن وثيقة كالضمان، فلما جاز أن يضمن من غيره حقا ثم يضمن عنه حقا جاز في الرهن مثله.
وقال في الجديد " لا يصح " وبه قال أبو حنيفة لانه رهن لازم بدين آخر، كما لو رهنه عند غيره، وفيه احتراز من رهنه قبل القبض، فعلى هذا إذا كان أراد أن يرهنه بألفين فسخ الاول ثم يرهنه بالالفين، فإن رهنه بألف ثم رهنه بألف وأقر أنه رهنه بألفين كان كالاقرار صحيحا في الظاهر والباطن على القديم.
وأما على الجديد فيكون رهنا بالالفين حكما ظاهرا.
وأما في الباطن فلا يكون الامر مرهونا بألف، فإن ادعى المقر أنه رهنه بألف ثم رهنه بألف، وادعى المقر له أنه رهنه بهما معا فالقول قول المقر له مع يمينه، لان الظاهر صحة الاقرار.
وإن شهد شاهدان على عقد الرهنين ثم أرادا أن يقيما الشهادة، فان كانا يعتقدان صحة القول الجديد شهدا أنه رهنه بألف ثم رهنه بألف، فان كانا يعتقدان صحة القول القديم ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز أن يشهدا أنه رهنه بألفين، ويطلقا ذلك، لانهما يعتقدان صحة ما يشهدان به
(والثانى)
لا يجوز أن يشهدا الا على ما وقع عليه العقدان، لان الاجتهاد في ذلك إلى الحاكم قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وفى رهن العبد الجاني قولان.
واختلف أصحابنا في موضع القولين على ثلاث طرق، فمنهم من قال القولان في العمد، فأما في جناية الخطأ فلا يجوز

(13/207)


قَوْلًا وَاحِدًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَوْلَانِ فِي جناية الخطأ، فأما في جناية العمد فيجوز قَوْلًا وَاحِدًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَوْلَانِ فِي الجميع، وقد بينا وجوههما في البيع
(فصل)
ولا يجوز رهن ما لا يقدر على تسليمه كالعبد الآبق والطير الطائر، لانه لا يمكن تسليمه ولا بيعه في الدين فلم يصح رهنه
(فصل)
وما لا يجوز بيعه من المجهول لا يجوز رهنه، لان الصفات مقصودة في الرهن للوفاء بالدين كما أنها مقصودة في البيع للوفاء بالثمن، فإذا لم يجز بيع المجهول وجب أن لا يجوز رهن المجهول (الشرح) في رهن العبد الجاني قولان وفى موضع القولين ثلاث طرق مضى ذكر ذلك في البيع، ولا يجوز رهن ما لا يقدر على تسليمه كالطير الطائر والعبد الآبق، ولا رهن عبد من عبد كما لا يجوز بيع ذلك (فرع)
إذا قال رهنتك هذا الصندوق بما فيه، أو هذا البيت بما فيه، أو هذه الحقيبة بما فيها فقد نص الشافعي رحمه الله في الام أن الرهن لا يصح بما في هذه الاشياء، قال الشيخ أبو حامد: وهل يصح الرهن في الحق بضم الحاء المهملة.
والبيت والجراب والخريطة، فيه قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وان قال: رهنتك هذا الحق دون ما فيه.
وهذا البيت دون ما فيه، أو هذا الجراب دون ما فيه، أو هذه الخريطة دون ما فيها صح الرهن في هذه الاشياء دون ما فيها.
وإن قال رهنتك هذا الحق أو هذا البيت أو هذا الجراب أو هذه الخريطة ولم يقل دون ما فيه ولا بما فيه، فنص الشافعي رحمه الله أن الرهن يصح في البيت والحق والجراب، ولا يصح في الخريطة، والخريطة وعاء من أدم وغيره تشرج على ما فيها كما في الصحاح، وفى ديارنا يسمى أهل الريف كيسا خشن النسج يطوونه على فلوسهم خريطة.
قال لان الحق والبيت والجراب لها قيمة تقصد في
العادة.
والخريطة ليس لها قيمة مقصودة في العادة، وانما المقصود ما فيها.
قال الشيخ أبو حامد: ولاصحابنا في هذا تخليط.
ومنصوص الشافعي رحمه الله ما ذكرته.

(13/208)


(فرع)
قال الشافعي رحمه الله: وإن رهنه أرضا من أرض الخراج فالرهن مفسوخ، لانها غير مملوكة، واختلف أصحابنا في تأويل هذا فقال أبو سعيد الاصطخرى أراد الشافعي رحمه الله بذلك سواد العراق، وذلك أن أمير المؤمنين عمر (رض) افتتحها وأخرجها من أيدى المجوس وقسمها بين الناس واستغلوها سنتين أو ثلاثا، ثم رأى أنهم قد اشتغلوا بالارض عن الجهاد فسألهم أن يردوها عليه فمنهم من طابت نفسه بالرد بغير عوض، ومنهم من لم يطيب نفسا إلا بعوض ثم وقفها أمير المؤمنين على المسلمين وأجرها ممن هي في يده على كل نوع من الغلات أجرة معلومه لا إلى غاية، فعلى هذا لا يجوز بيعها أو رهنها، وهذا ظاهر النص وقال أبو العباس بن سريج: لما استردها أمير المؤمنين من المسلمين باعها ممن هي في يده، وجعل منها جعلا هو الخراج الذى يؤخذ منهم، فيجوز بيعها ورهنها لان الناس من وقت أمير المؤمنين إلى وقتنا هذا يبيعونها ويبتاعونها من غير منكر.
وأما قول الشافعي رحمه الله فمحمول عليه لو أوقف الامام أرضا وضرب عليها الخراج، فإن قيل فهذا الذى قلتموه في فعل أمير المؤمنين من التأويلين جميعا لا يصح على مذهب الشافعي ولا غيره، ولان الاجارة لا تجوز إلى غير مدة معلومة ولا بأجرة غير معلومة، وكذلك البيع لا يجوز إلى أجل غير معلوم، ولا بثمن غير معلوم.
فالجواب أن هذا انما لا يصح إذا كانت المعاملة في أموال المسلمين، فأما إذا كانت في أملاك المشركين فيصح، ألا ترى أن رجلا لو قال من جاء بعبدي الآبق
فإن له عبدا وثوبا وهما غير موصوفين لم يكن هذا جعلا صحيحا، ولو قال الامام من دلنا على القلعة الفلانية فله منها جارية كان جعلا صحيحا اه.
فإن كان في الخراج بناء أو غراس، فان كان محدثا في أرض الخراج من غيرها صح بيعه ورهنه مفردا، وان باعه أو رهنه مع أرض الخراج - وقلنا لا يصح بيعها ورهنها بطل في الارض، وهل يصح في البناء والغراس؟ فيه قَوْلَانِ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وقد مضى ذكر ذلك، وان كان البناء والغراس من أرض الخراج لم يصح بيعه ورهنه.

(13/209)


وقال الشافعي رحمه الله: فان أدى عنه الخراج كان متطوعا لا يرجع به إلا أن يكون دفع بأمره فيرجع، وهذا كما قال: إذا رهن أرضا من أرض الخراج وأجرها فان الخراج الذى يجب في الارض يجب على راهن الارض الذى رهنها وأجرها، فان دفع المرتهن أو المستأجر الخراج الواجب فيها نظرت، فان كان بغير أمر من وجب عليه أو قضى الدين عن غيره بغير اذنه لم يرجع عليه بشئ.
وقال مالك رحمه الله: يرجع عليه.
دليلنا: أنه متطوع بالدفع عنه فلم يرجع بشئ كما لو وهبه شيئا، وان قضى باذنه وشرط عليه البدل.
والثانى.
لا يرجع عليه بشئ وهو اختيار ابن الصباغ لان الشافعي رحمه الله قال: ولو دفع ثوبا إلى قصار فقصره لا أجرة له لانه لم يشرطها له، ولانه لم يشرط الرجوع فلم يرجع عليه بشئ كما لو وهبه شيئا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
(فصل)
وفى رهن الثمرة قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع قولان.

(أحدهما)
لا يصح لانه عقد لا يصح فيما لا يقدر على تسليمه فلم يجز في الثمرة
قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع كالبيع.

(والثانى)
أنه يصح لانه ان كان بدين حال فمقتضاه أن تؤخذ فتباع فيأمن أن تهلك بالعاهة وان كان بدين مؤجل فتلفت الثمرة لم يسقط دينه وانما تبطل وثيقته والغرر في بطلان الوثيقة مع بقاء الدين قليل فجاز بخلاف البيع فان العادة فيه أن يترك إلى أوان الجذاذ فلا يأمن أن يهلك بعاهة فيذهب الثمن ولا يحصل المبيع فيعظم الضرر فلم يجز من غير شرط القطع.
(الشرح) الاحكام: إذا رهنه نخلا وعليها طلع مؤبر لم يرهنه الثمرة صح الرهن في النخل دون الثمرة لانه لو باعه نخلا عليها طلع مؤبر، ولم يرهنه الثمرة صح الرهن في النخل دون الثمرة، لانه لو باعه نخلا عليها طلع مؤبر، ولم يشترط دخوله في البيع لم يدخل، فكذلك في الرهن، وان كان عليها طلع غير مؤبر،

(13/210)


ولم يشترط دخوله في الرهن ولا خروجه من الرهن فهل يدخل الطلع في الرهن المنصوص أنه لا يدخل.
قال الربيع وفيه قول آخر أنه يدخل كالبيع، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ.

(أَحَدُهُمَا)
يدخل في الرهن كما قلنا في البيع
(والثانى)
لا يدخل وهو الصحيح كما لا تدخل الثمرة الحادثة بعد الرهن، ومنهم من قال.
لا يدخل قولا واحدا وهو اختيار أبى حامد لما ذكرناه.
وقال أبو حنيفة: تدخل الثمرة في الرهن بكل حال بخلاف قوله في البيع، وهذا ليس بصحيح، لان البيع أقوى من الرهن، فإذا لم تدخل الثمرة في البيع، فلان لا تدخل في الرهن أولى.
وان قال.
رهنتك النخل والثمرة صح، سواء كان قبل التأبير أو بعده كما قلنا في البيع، ثم ينظر فيه، فإذا رهن ذلك بحق حال أو بمؤجل يحل قبل ادراك
الثمرة أو مع ادراكها صح ذلك، لانه لا يمكن استيفاء الحق منها، وان كان الحق مؤجلا لا يحل الا بعد ادراك الثمرة نظرت في الثمرة، فان كان مما يمكن استصلاحها وتجفيفها كالتمر والزبيب صح ذلك، ولزم الراهن مؤنة تجفيفها، وان كانت ثمرة لا يمكن تجفيفها كالتفاح والكمثرى، فمن أصحابنا من قال.
فيه قولان كما قلنا في رهن ما يسرع إليه الفساد، ومنهم من قال.
يصح الرهن قولا واحدا لان الثمرة تابعة للاصول فصح رهنها كما يجوز بيع الثمرة التى يبدو صلاحها مع الاصول، ولا يجوز بيعها مفردة.
فإذا قلنا.
يبطل الرهن في الثمرة فهل يبطل في الاصول، يبنى على القولين في تفريق الصفقة، وقد مضى ذكره، وان رهنه الثمرة مفردة، فان كان بعد بدو صلاحها فهو بمنزلة رهن الاشياء الرطبة، وقد مضى ذكره، وان كان قبل بدو صلاحها سواء كانت قد أبرت أو لم تؤبر - فان كان الدين حالا وشرط القطع صح الرهن، كما يصح البيع، وان لم يشرط القطع ففيه قولان، أحدهما لا يصح الرهن كما لا يصح البيع.
والثانى يصح الرهن، لان رهنه بالدين الحال يوجب القطع، وصار كما لو شرط القطع، وان رهنها بدين مؤجل، فان كان بشرط القطع فقد قال ابن الصباغ كان بمنزلة رهن البقول والفواكه.

(13/211)


وذهب أصحاب أحمد إلى صحة الرهن في الثمرة دون الاصول قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع، وكذلك الزرع الاخضر وهو اختيار القاضى منهم وذكره ابن قدامة.
قال أصحابنا، أطلق جواب ذلك.
وإن رهنها مطلقا ففيه ثلاثة أقوال، (أحدها) لا يصح الرهن كما لا يصح البيع
(والثانى)
يصح، لان البيع إنما لم يصح لما فيه من الغرر، وليس في الرهن غرر، لانه يتلف إن تلف مال
صاحبه (والثالث) نقله المزني إن شرط القطع عند حلول الاجل صح.
وإن أطلق لم يصح.
إذا أن الاطلاق يوجب بقاءه إلى حال الجذاذ.
وذلك تأخير للدين عن محله.
هذا ترتيب ابن الصباغ كما حكاه العمرانى في البيان.
وأما الشيخ أبو حامد فذكر أنها على القولين الاولين شرط القطع أو لم شرط
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن كان له أصول تحمل في السنة مرة بعد أخرى كالتين والقثاء فرهن الحمل الظاهر، فان كان بدين يستحق فيه بيع الرهن قبل أن يحدث الحمل الثاني ويختلط به جاز لانه يأمن الغرر بالاختلاط، وإن كان بدين لا يستحق البيع فيه إلا بعد حدوث الحمل الثاني واختلاطه به نظرت فإن شرط أنه إذا خيف الاختلاط قطعه جاز لانه منع الغرر بشرط القطع.
وإن لم يشترط القطع ففيه قولان
(أحدهما)
أن العقد باطل لانه يختلط بالمرهون غيره فلا يمكن إمضاء العقد على مقتضاه
(والثانى)
أنه صحيح لانه يمكن الفصل عند الاختلاط بأن يسمح الراهن بترك تمرته للمرتهن أو ينظر كم كان المرهون فيحلف عليه ويأخذ ما زاد فإذا أمكن إمضاء العقد لم يحكم ببطلانه (الشرح) إذا رهن ثمرة شجر يحمل في السنة حملين لا يتميز أحدهما من الآخر فرهن الثمرة الاولى إلى محل تحدث الثانية على وجه لا يتميز فالرهن باطل.
ومثال ذلك النباتات الزاحفة، وهى التى يمتد شجرها على الارض كالباذنجان والقثاء والخيار والدباء والبطيخ، وإذا كانت شجرة تحمل في السنة

(13/212)


حملين فرهن الشجرة والحمل الاول أو رهن الحمل الاول منفردا نظرت، فإن كان بحق حال أو بمؤجل يحل قبل حدوث الثمرة الثانية صح الرهن، وكذلك ان رهنه بحق مؤجل لا يحل إلا بعد حدوث الثانية إلا أنهما اشترطا أنه إذا خيف اختلاط
الثانية بالاولى قطعت الاولى، أو كانت الثانية إذا اختلطت بالاولى تميزت عنها، فان الرهن صحيح، لان الرهن لا يختلط بغيره، وان رهنه بحق مؤجل لا يحل الا بعد حدوث الثانية ولا يتميز احداهما عن الاخرى فذكر أبو حامد وابن الصباغ أن الرهن لا يصح، لانه لا يمكن استيفاء الحق من الرهن لانه يختلط بغيره فيصير مجهولا.
وذكر المصنف أنها على قولين " أحدهما " لا يصح الرهن لما ذكرناه " والثانى " يصح لانه يمكن الفصل عند الاختلاط بأن يسمح الراهن بترك الثمرة للمرتهن، أو ينظر كم كان المرهون فيحلف عليه، فلم يحكم ببطلان الرهن، قال الشيخ أبو حامد: فإذا رهنه لحق حال فتوانى في قطع الثمرة الاولى حتى حدثت الثانية، واختلطت ولم تتميز ففيه قولان " أحدهما " يبطل الرهن، لان الرهن قد صار مجهولا، لاختلاطه بما ليس برهن " والثانى " لا يبطل لانه كان معلوما عند العقد، وعند حلول الحق فلا يبطل بالجهالة الحادثة، فإذا قلنا يبطل فلا كلام، وإذا قلنا لا يبطل، قلنا للراهن أتسمح بترك الثمرة الثانيه لتكون رهنا.
فان سمح فلا كلام، وان لم يسمح، فان اتفقوا على قدر الاولى فلا كلام، وان اختلفا في قدر الاولى فالقول قول الراهن مع يمينه في قدر الاولى، وسواء كانت الثمرة في يده أو في يد المرتهن اه وقال المزني: إن كانت الثمرة في يد المرتهن فالقول قوله مع يمينه.
قال العمرانى، وهذا غلط لانهما اتفقا على أن الحادثة ملك الراهن، وانما يختلفان في قدر المرهون منهما، فكان القول قول الراهن مع يمنه لانه مدعى عليه.
(فرع)
وإذا رهنه ثمرة قال الشافعي رحمه الله تعالى: على الراهن سقيها وصلاحها وجذاذها وتشميسها، كما يكون عليه نفقة العبد.
وقال في موضع آخر ليس عليه تشميسها.
قال أصحابنا: ليس التشميس على قولين، وإنما هو على اختلاف حالين،
فالموضع الذى قال عليه التشميس إذا بلغت الثمرة أو ان الجذاذ قبل حلول الحق،

(13/213)


والذى قال ليس عليه التشميس إذا كان الحق قد حل مع تكامل صلاح الثمرة لانها تباع في الحق، وليس لاحدهما أن يطالب بقطعها قبل أو ان قطعها إلا برضى الآخر، لان على كل واحد منهما ضررا بقطعها قبل وقت قطعها فلم يجز ذلك من غير رضاهما.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ويجوز أن يرهن الجارية دون ولدها لان الرهن لا يزيل الملك فلا يؤدى إلى التفريق بينهما، فان حل الدين ولم يقضه بيعت الام والولد ويقسم الثمن عليهما فما قابل الام تعلق به حق المرتهن في قضاء دينه وما قابل الولد يكون للراهن لا يتعلق به حق المرتهن.
(الشرح) الاحكام: إذا رهن الجارية ولها ولد صغير من زوج، أو زنا ولم يرهن الولد معها صح الرهن، لان الرهن لا يزيل الملك فلا يكون فيه تفرقة بينهما فإذا حل الحق فان قضى الراهن الدين من غير الرهن انفسخ الرهن، وان لم يقضه وكان الولد صغيرا يومئذ بيعت الجارية والولد، لانه لا يجوز التفرقة بينهما، ويقسم الثمن على قدر قيمتهما، فما قابل الام تعلق به حق المرتهن، وما قابل الولد تعلق به حق الراهن.
قال الشيخ أبو حامد: وكيف ذلك أن يقال: كم قيمة هذه الجارية ولها ولد دون ولدها؟ لانها إذا كانت ذات ولد كانت قيمتها أنقص، فان قيل قيمتها مثلا مائة، قيل فكم قيمة ولدها؟ فان قيل خمسون، تعلق حق المرتهن بثلثي ثمنهما، وللراهن ثلث ثمنهما.
وهذا إذا علم المرتهن بولد حال الرهن أو بعد ورضى به.
وإن لم يعلم ثم علم ثبت له الخيار في فسخ البيع المشروط به الرهن.
وأما إذا رهنه جارية حايلا ثم حملت في يد المرتهن من زوج أو زنا، فان الولد خارج من الرهن، فإذا أراد البيع بيعت الجارية وولدها الصغير، ويكون للمرتهن حصتها من الثمن، وللراهن حصة الولد، وكيفية التقسيط أن يقال: كم قيمة هذه الجارية خالية من الولد ثم يقسم الولد ويقسم الثمن على قدر قيمتها.

(13/214)


والفرق بينهما أن المرتهن رضى في الاولة بكون الجارية التى لها ولد صغير رهنا وها هنا لم يرض بكونها لها ولد صغير رهنا.
وهذا كما قال الشافعي رحمه الله: إذا رهن أرضا فحدث فيها نخل وشجر، إذا بيعت الارض والشجر برضاهما فإن الارض تقوم بيضاء لا شجر فيها.
اه
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وفى جواز رهن المصحف وكتب الاحاديث والعبد المسلم عند الكافر طريقان.
قال أبو إسحاق والقاضى أبو حامد فيه قولان كالبيع " أحدهما " يبطل " والثانى " يصح ويجبر على تركه في يد مسلم.
وقال أبو على الطبري في الافصاح يصح الرهن قولا واحدا ويجبر على تركه في يد مسلم، ويفارق البيع بأن البيع ينتقل الملك فيه إلى الكافر، وفى الرهن المرهون باق على ملك المسلم.
(الشرح) الاحكام: أما المصحف فقد روى عن أحمد روايتان، الاولى " لا أرخص في رهن المصحف " والثانية " إذا رهن مصحفا لا يقرأ فيه إلا بإذنه " ومن هنا كان لمذهبه قولان.
أما أصحابنا فقد جعلوا في رهن المصحف وكتب الفقه والحديث والعبد المسلم من الكافر طريقين.
قال أبو إسحاق والقاضى أبو حامد فيه قولان " أحدهما " لا يصح " والثانى " يصح ويوضع ذلك على يد مسلم - كقولهم في البيع - وقال أبو على في الافصاح: يصح الرهن قولا واحدا ويوضع على يد مسلم، لان الكافر لا يملك الرهن بخلاف البيع.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
فإن شرط في الرهن شرطا ينافى مقتضاه مثل أن يقول: رهنتك
على أن لا أسلمه أو على أن لا يباع في الدين أو على أن منفعته لك، أو على أن ولده لك، فالشرط بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّ شَرْطٍ ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل، ولو كان مائة شرط " وهل يبطل الرهن؟ ينظر فيه، فان كان الشرط نقصانا في حق المرتهن كالشرطين الاولين، فالعقد باطل لانه يمنع المقصود فأبطله، وإن كان زيادة في حق المرتهن كالشرطين الآخرين ففيه قولان: أحدهما يبطل الرهن وهو الصحيح، لانه شرط فاسد قارن العقد فأبطله، كما لو شرط نقصانا في حق المرتهن، والثانى أنه لا يبطل لانه شرط جميع أحكامه وزاد فبطلت الزيادة وبقى العقد بأحكامه، فإذا قلنا ان الرهن يبطل، فان كان الرهن مشروطا في بيع فهل يبطل البيع؟ فيه قولان:

(13/215)


أحدهما: أنه لا يبطل لانه يجوز شرطه بعد البيع، وما جاز شرطه بعد تمام العقد لم يبطل العقد بفساده كالصداق في النكاح.
والثانى: أنه يبطل وهو الصحيح، لان الرهن يترك لاجله جزء من الثمن، فإذا بطل الرهن وجب أن يضم إلى الثمن الجزء الذى ترك لاجله، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وَالْمَجْهُولُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَعْلُومٍ صار الجميع مجهولا، فيصير الثمن مجهولا.
والجهل بالثمن يفسد البيع.
(الشرح) الحديث رواه البزار والطبراني عن ابن عباس رضى الله عنهما بلفظ " كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل وإن كان مائة شرط ".
أما الاحكام فإنه إذا اشترط المتراهنان شرطا نظرت، فإن كان يقتضيه كأن شرطا أن يباع المرهون في الدين عند حلول الدين أو أن يباع بثمن المثل أو على أن منفعته للراهن صح الشرط والرهن، لان العقد يقتضى ذلك، فكان هذا الشرط تأكيدا، وإن كان شرطا لا يقتضيه العقد - فلا يخلو - إما أن يكون
نقصانا في حق المرتهن أو زيادة في حقه، فإن كان نقصانا في حقه مثل أن رهنه رهنا على أن لا يباع في الدين، أو على أن لا يباع إلا بأكثر من ثمن مثله، أو على أن لا يباع إلا بما يرضى به الراهن فالشرط باطل، لانه ينافى مقتضى العقد، ويبطل الرهن، لانه يمنع مقصود الرهن، وإن كان الرهن زيادة في حق المرتهن كأن يرهنه شيئا بشرط أن يباع قبل محل الحق، أو على أن يباع بأى ثمن كان، وان كان أقل من ثمن المثل، فالشرط باطل لانه ينافى مقتضى الرهن.
وهل يبطل الرهن؟ فيه قولان.
أحدهما: يبطل الرهن، وهو اختيار الشيخ المصنف لانه شرط فاسد قارن عقد الرهن فأبطله كما لو كان نقصانا في حق المرتهن والثانى: لا يبطل، لان المقصود من الرهن الوثيقة، وهذه الشروط لا تقدح في الوثيقة، لانها زيادة في حق المرتهن بخلاف الشروط التى تقتضي نقصانا في حق المرتهن، فإذا قلنا: الرهن غير مشروط في بيع بقى الدين بغير شرط، وان شرط ذلك في البيع، بأن قال بعتك سيارتي هذه بألف على أن ترهننى دارك هذه بألف على أن لا تباع في الدين، فهل يبطل البيع؟ فيه قولان.

(13/216)


(أحدهما)
لا: لان البيع ينعقد منفردا عن الرهن فلم يبطل البيع ببطلان الرهن، كالصداق في النكاح لانه قد يتزوجها من غير صداق ثم يفرض لها صداقا بعد ذلك ثم لا يفسد النكاح لفساد الصداق.
وان قارنه فكذلك الرهن مع البيع
(والثانى)
يبطل البيع وبه قال أبو حنيفة لانه شرط فاسد قارن عقد البيع فأفسده كما لو باعه شيئا بشرط أن لا يسلمه.
(فرع)
إذا قال لغيره بعنى سيارتك هذه بألف على أن أرهنك دارى هذه، ويكون منفعة الدار لك، فإن كانت منفعة الدار مجهولة المدى كان الرهن والبيع باطلين قولا واحدا، لانه باع السيارة بألف وبمنفعة مدة غير معلومة والبيع
بثمن مجهول باطل لان منفعة الدار جزء من الثمن وإن كانت منفعة الدار معلومة فقد قال القاضى أبو الطيب في مثل هذه الصورة: هذه صفقة بيعا وإجارة فهل يصحان؟ فيه قولان.
وقال أبو حامد: شرط منفعة المرهون للمرتهن باطل لانه ينافى مقتضاه وهل يبطل به الرهن؟ فيه قولان لانه زيادة في حق المرتهن، فإذا قلنا: إنه باطل فهل يبطل البيع؟ فيه قولان.
فإذا قلنا: ان الرهن صحيح، أو قلنا انه باطل ولا يبطل البيع ثبت للبائع الخيار في البيع، لانه لم يسلم له فأشرط، وهذا ظاهر كلام الشافعي رحمه الله تعالى.
وان قال لغيره: بعنى سيارتك بألف على أن يكون دارى رهنا به ومنفعتهما رهنا أيضا به، فإن المنفعة لا تكون رهنا، لانها مجهولة، ولانه لا يمكن اقباضها فإذا بطل رهن المنفعة فهل يبطل الرهن في أصل الدار؟ فيه قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
فإذا قلنا: ان الرهن لا يفسد في أصل الدار لم يفسد البيع، ولكن ثبت للبائع الخيار، لانه لم يسلم له جميع الرهن.
وان قلنا: يفسد في أصل الدار فهل يبطل البيع؟ فيه قولان.
(فرع)
وان كان لشخص على آخر ألف بغير رهن فقال من عليه الالف بعنى سيارتك هذه بألف على أن أعطيك دارى رهنا بها وبالالف الذى لك على بغير رهن، فقال: بعتك كان البيع باطلا، لان ثمن السيارة مجهول لانه باعها

(13/217)


بألف ومنفعة، وهو أن يعطيه رهنا بالالف التى لا رهن بها، ولانه بيعتان في بيعة وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك كما سبق في كتاب البيوع.
(فرع)
إذا قال لغيره، أقرضنى ألف جنيه على أن أعطيك سيارتي هذه رهنا وتكون منفعة لك، فأقرضه فالقرض باطل لانه قرض جر منفعة، وهكذا لو
كان عليه ألف بغير رهن فقال له أقرضنى ألفا على أن أعطيك سيارتي هذه رهنا بها، وبالالف التى لا رهن، فأقرضه فالقرض فاسد، لانه قرض جر نفعا، والرهن باطل فيهما، لان الرهن انما يصح بالدين ولا دين له في ذمته.
وان قال: أقرضنى ألفا على أن أرهنك دارى به وتكون منفعته رهنا بها أيضا لم يصح شرط رهن المنفعة، لانها مجهولة، ولانه لا يمكن اقباضها، فإذا ثبت أنه لا يصح هذا الشرط، فانه زيادة في حق المرتهن، وهل يبطل به الرهن فيه قولان.
(فرع)
لو رهنه شيئا وشرط على المرتهن ضمان الرهن، فان الرهن غير مضمون عليه على ما يأتي بيانه، ويكون هذا شرطا فاسدا لانه يخالف مقتضاه، وهل يفسد الرهن بهذا الشرط؟ من أصحابنا من قال: يفسد قولا واحدا لان ذلك نقصان في حق المرتهن.
قال أبو على في الافصاح: هل يبطل الرهن؟ فيه قولان، لان شرط الضمان يجرى مجرى الحقوق الزائدة في الرهن لانه لم ينقص حق المرتهن.
قال ابن الصباغ: والاول أصح.
(فرع)
قال ابن الصباغ: إذا أقرضه ألفا برهن وشرط أن يكون نماء الرهن داخلا فيه فالشرط باطل في أشهر القولين.
وهل يفسد الرهن؟ فيه قولان، لانه زيادة في حق المرتهن.
وأما القرض فصحيح، لانه لم يجر منفعة، وانما الشرط زيادة في حق الاستيثاق، ولم يثبت.
(فرع)
إذا كان له دين مستقر في ذمته متطوع بالرهن به فقال: رهنتك هذه النخلة على أن ما تثمر يكون داخلا في الرهن، أو هذه الماشية على أن ما ينتج داخل في الرهن، فهل يصح الرهن في الثمرة والنتاج؟ فيه قولان.

(13/218)


(أحدهما)
يصح الرهن فيهما، لانهما متولدان من الرهن، فجاز أن يكونا
رهنا معا
(والثانى)
لا يصح الرهن فيهما، وهو الصحيح لانه رهن معدوم ومجهول.
فعل هذا فهل يبطل الرهن في النخلة والماشية فيه قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
وان قال: بعتك سيارتي هذه بألف على أن ترهننى نخلتك هذه على أن ما تثمر داخل في الرهن.
فان قلنا: يصح الرهن في الثمرة صح البيع.
وان قلنا لا يصح الرهن في الثمرة.
فان قلنا: لا يبطل الرهن في النخلة لم يبطل البيع في السيارة.
ولكن يثبت لبائعها الخيار، لانه لم يسلم جميع الرهن المشروط.
وان قلنا يبطل الرهن في النخله فهل يبطل البيع في السيارة.
فيه قولان.
فان قلنا لا يبطل ثبت للبائع الخيار.
لانه لم يسلم له جميع الرهن المشروط فيحصل في هذه المسألة أربعة اقوال (أحدها) يصح الرهن في الكل ويصح البيع
(والثانى)
يبطل الرهن والبيع صحيح.
وللبائع الخيار والله أعلم.
(فرع)
إذا اشترى سلعة بشرط أن يجعلها رهنا بالثمن فالرهن باطل لانه رهن ما لا يملك والبيع باطل.
لانه رهن ما لا يملك والبيع باطل.
لانه في معنى من باع عينا واستثنى منفعتها.
فكان باطلا.
ولان هذا شرط يمنع كمال تصرف المشترى.
لان من اشترى شيئا فله أن يبيعه ويهبه.
والرهن يمنع ذلك فأبطل البيع.
وسواء شرطا أن يسلمها البائع إلى المشترى ثم يرهنها منه أو لم يشرط.
تسليمها إليه فالحكم واحد لما ذكرناه.
وان كان لرجل على آخر دين إلى أجل فقال من عليه الدين: رهنتك دراجتى هذه بدينك لتزيدني في الاجل لم يثبت الاجل المزيد لان التأجيل لا يلحق بالدين.
والرهن باطل.
لانه جعله في مقابلة الاجل.
وإذا لم يسلم له الاجل لم يصح الرهن.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
(فصل)
ويجوز أن يجعل الرهن في يد المرتهن.
ويجوز أن يجعل في يد عدل
لان الحق لهما فجاز ما اتفقا عليه من ذلك.
فان كان المرهون أمة لم توضع الا عند امرأة أو عند محرم لها.
أو عند من له زوجة لقوله صلى الله عليه وسلم

(13/219)


" لا يخلون أحدكم بإمرأة ليست له بمحرم، فان ثالثهما الشيطان " فان جعل الرهن على يد عدل ثم أراد أحدهما أن ينقله إلى غيره لم يكن له ذلك، لانه حصل عند العدل برضاهما، فلا يجوز لاحدهما أن ينفرد بنقله، فان اتفقا على النقل إلى غيره جاز لان الحق لهما، وقد رضيا فان مات العدل أو اختل فاختلف الراهن والمرتهن فيمن يكون عنده أو مات المرتهن أو اختل والرهن عنده فاختلف الراهن.
ومن ينظر في مال المرتهن فيمن يكون الرهن عنده رفع الامر إلى الحاكم فيجعله عند عدل، فان جعلا الرهن على يد عدلين.
فأراد أحد العدلين أن يجعل الجميع في يد الآخر ففيه وجهان.
أحدهما: لا يجوز لان ما جعل إلى اثنين لم يجز أن ينفرد به أحدهما كالوصية والثانى: يجوز لان في اجتماع الاثنين على حفظه مشقة.
فعلى هذا ان اتفقا على أن يكون في يد أحدهما جاز.
وان تشاحا نظرت.
فان كان مما لا ينقسم جعل في حرز لهما.
وان كان مما ينقسم جاز أن يقتسما فيكون عند كل واحد منهما نصفه فان اقتسما ثم سلم أحدهما حصته إلى الآخر ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز لانه لو سلم إليه قبل القسمة جاز.
فكذلك بعد القسمة.
والثانى لا يجوز لانهما لما اقتسما صار كل واحد منهما منفردا بحصته فلا يجوز أن يسلم ذلك إلى غيره كما لو جعل في يد كل واحد منهما نصفه والله أعلم.
(الشرح) الحديث مر في كتاب الصلاة وقبله في كتاب الحيض.
وفى كتاب الحج بجميع طرقه ورواياته وأصحهن رواية الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يخلون رجل بامرأة الا مع ذى محرم "
أما الاحكام: فانهما إذا شرطا في البيع رهن عبد معلوم أو موصوف نظرت فان شرطا أن يكون الرهن على يد عدل جاز وان شرطا أن يكون على يد المرتهن صح، لان الحق لهما فجاز ما اتفقا عليه من ذلك.
وان أطلقا ذلك ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد.
أحدهما أن الرهن باطل لان كون الرهن في يد أحدهما ليس بأولى من الآخر فإذا لم يذكر ذلك بطل الرهن.
والثانى: يصح الرهن ويدفع إلى الحاكم ليجعله على يد عدل ان اختلفا فيمن يكون عنده.

(13/220)


وإن كان الرهن جارية ولم يشرطا كونها عند أحد قال الشيخ أبو حامد: صح الرهن وجها واحدا، وجعل على يد امرأة ثقة، لانه ليس لها جهة يوضع فيها غير هذا بخلاف غير الجارية، فان شرطا أن تكون هذه الجارية عند المرتهن أو عند عدل نظرت، فان كان محرما لها جاز ذلك.
قال القاضى أبو الطيب: وكذلك ان كانت صغيرة ولا يشتهى مثلها جاز تسليمها إلى المرتهن أو العدل لانه لا يخشى عليها منه، وإن كانت كبيرة فاشترطا وضعها على يد المرتهن والعدل وليس بذى محرم لها: فان كانت له زوجة أو جارية قال الشيخ أبو حامد: وفى داره نساء تكون هذه المرهونة معهن جاز تركها معه لانه لا يخشى عليها أن يخلو بها.
فان لم يكن له زوجة ولا جارية لم يجز وضعها على يده للحديث، فإذا شرطا ذلك بطل الشرط ولم يبطل الرهن، ولان هذا الشرط لا يؤثر في الرهن ويسرى هذا على الخنثى المشكل على تفصيل بين أن يكون كبيرا أو صغيرا لا حاجة بنا للاطالة في هذا لعدم الحاجة إذا اتفق المتراهنان على وضع الرهن على يد عدل ثم أقرا أن العدل قد قبض الرهن وأنكر العدل ذلك لزم الرهن لان الحق لهما دون العدل، فان رجع
أحدهما وصدق العدل أنه لم يقبض لم يقبل رجوعه لانه إقراره السابق يكذبه.
وان أقرا الراهن والعدل بالقبض وأنكر المرتهن فالقول قول المرتهن، لان الاصل عدم القبض، ولا يقبل قول العدل عليه لانه يشهد على فعل نفسه وان قبض العدل الرهن باذن المرتهن صح، وبه قال أبو حنيفة، وقال ابن أبى ليلى: لا يصح توكيل العدل في القبض، دليلنا أن من اشترى شيئا صح أن يوكل في قبضه فكذلك في الرهن وإذا حصل الرهن عند العدل باتفاق المتراهنين فان نقلاه إلى عدل غيره جاز وان أراد أحدهما أن ينقله إلى غيره لم يجز من غير رضا الآخر، لانه حصل في يده برضاهما فلا يخرج عن يده إلا برضاهما، فان دعا أحدهما إلى نقله وامتنع الآخر رفع الامر إلى الحاكم، فان كان العدل ثقة لم ينقل عنه، وان تغير عن الامانة أو حدثت بينه وبين أحدهما عداوة جاز للحاكم نقله إلى غيره

(13/221)


وإذا كان الرهن عند المرتهن فمات أو أحيل بجناية أو فلس أو حجر عليه نقل الرهن من يده إلى غيره.
ولا يجوز للعبد حفظه ولا بيعه سواء بأجر أم بغير أجر عندنا وعند أصحاب أحمد وإذا أراد العدل رد الرهن على المتراهنين فان كانا حاضرين رده عليهما، ويجب عليهما قبوله، لانه أمين متطوع فلا يلزمه المقام على ذلك، فان امتنعا من أخذه رفع الامر في ذلك إلى الحاكم ليجبرهما على تسليمه، فان رده العدل على الحاكم قبل أن يرده عليهما ضمن العدل وضمن الحاكم، لانه لا ولاية للحاكم على غير ممتنع.
وكذلك ان أودعه العدل عند ثقة، قال ابن الصباغ جاز، فان امتنع أحدهما فرفعه إلى الآخر ضمن، وإن كانا غائبين، فان كان للعدل عذر.
مثل ان يريد سفرا أو به مرض يخاف منه أو قد عجز عن حفظه دفعه إلى الحاكم وقبضه الحاكم
أو نصب عدلا ليكون عنده، وإن لم يكن هناك حاكم جاز أن يرفعه إلى ثقة ومع وجود الحاكم فيه وجهان يذكران في الوديعة إن شاء الله، وإن لم يكن له عذر في الرد، فان كانت غيبتهما إلى مسافة يقصر فيها الصلاة وقبض الحاكم منه أو نصب عدلا ليقبضه، لان للحاكم أن يقضى عليهما فيما لزمهما من الحقوق، فان لم يكن حاكم أودعه عند ثقة، وإن كانت عيبتهما إلى مسافة لا يقصر فيها الصلاة، فهو كما لو كانا حاضرين، فان كان أحدهما حاضرا والآخر غائبا لم يجز تسليمه إلى الحاضر، وكان كما لو كانا غائبين، فان رد على أحدهما في موضع لا يجوز له الرد إليه.
قال الشيخ أبو حامد: ضمن الآخر قيمته وذكر المسعودي أنه ان رد على الراهن ضمن للمرتهن الاقل من قيمة الرهن وقدر الدين الذى رهن به، وان رده على المرتهن ضمن الراهن قيمته.
قال العمرانى: وهذا التفصيل حسن قال ابن الصباغ: إذا غصب المرتهن الرهن من العدل وتجب عليه رده إليه، فإذا رده إليه زال الضمان عنه.
ولو كان الرهن في يد المرتهن فتعدى فيه ثم زال التعدي لم يزل عنه الضمان، لان الاستئمان قد بطل.
قال العمرانى في البيان: إذا تركا الرهن في يد عدلين فهل لاحدهما أن يفوض نحفظ جميعه إلى الآخر فيه وجهان
(أحدهما)
ليس له ذلك، لان المتراهنين لم يرضيا الا بأمانتهما جميعا

(13/222)


فهو كما لو أوصى إلى رجلين فليس لاحدهما أن ينفرد بالتصرف، فعلى هذا عليهما أن يحفظا الرهن في حرز يدهما عليه، اما بملك أو عارية أو اجارة، وان سلم أحدهما جميعه إلى الآخر ضمن نصفه
(والثانى)
يجوز لان عليهما مشقة في الاجتماع على حفظه، فان كان مما لا ينقسم جاز لاحدهما أن يسلمه إلى الاخر، وان كان مما ينقسم فاقتسما فهل
لاحدهما أن يسلم إلى الاخر ما حصل بيده بعد القسم؟ فيه وجهان، احدهما يجوز لانه لو سلم إليه ذلك قبل القسمة صح، فكذلك بعد القسمة، والثانى لا يجوز لانهما لما اقتسما صار كما لو قسمه المتراهنان بينهما.
اه (قلت) وقال أبو يوسف ومحمد: إذا رضى أحدهما بامساك الاخر - فيما يمكن قسمته جاز.
وقال أبو حنيفة: ان كان مما ينقسم اقتسماه والا فلكل واحد منهما امساك جميعه، لان اجتماعهما على حفظه يشق عليهما.
وقال أصحاب أحمد، ان المتراهنين إذا لم يرضيا إلا بحفظهما لم يجز لاحدهما الانفراد بذلك كالوصيين لا ينفرد أحدهما بالتصرف.
وقالوا في المشقة انه يمكن لكل واحد منهما أن يضع قفله على المخزن فلا يشق عليهما ذلك، فكان كالقول عندنا.
أما مذهبنا فدليله أن المالك لم يرض الا بأمانتهما فلم يكن لاحدهما أن ينفرد بحفظه جميعه كالوصية.
وإذا وضعا الرهن على يد عدل ووكلاه في بيعه عند حلول الدين صح التوكيل ولا يكون هذا تعليقا للوكالة على شرط، وانما هو تعليق التصرف.
قال ابن الصباغ: وإذا حل الحق لم يجز للعدل أن يبيعه حتى يستأذن المرتهن، لان البيع لحقه فإذا لم يطالب به لم يجز بيعه، فإذا أذن المرتهن ذلك فهل يحتاج إلى استئذان الراهن ليجدد له الاذن؟ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لابد من استئذانه كما يفتقر إلى تجديد اذن المرتهن، ولانه قد يكون له غرض في أن يقضى الحق من غيره.
وقال المصنف لا يفتقر إلى استئذانه لانه الاذن الاول كاف ويفارق المرتهن لان البيع يفتقر إلى مطالبة بالحق.
وأما غرض الراهن فلا اعتبار به لانه ما لم يغير الاذن الاول فهو

(13/223)


رأض به.
وإن عزل الراهن العدل انعزل ولم يجز له البيع وبه قال أحمد رحمه الله وقال مالك وأبو حنيفة لا ينعزل.
دليلنا أن الوكالة عقد جائز فانعزل بعزله كسائر الوكالات، وإن عزله المرتهن ففيه وجهان، من أصحابنا من قال: ينعزل لان الشافعي رحمه الله قال: ولكل واحد منهما منعه من البيع، ولانه أحد المتراهنين فملك عزل كالراهن.
وقال أبو إسحاق: لا ينعزل لانه وكيل الراهن فلا ينعزل بعزل غيره، وتأول كلام الشافعي رحمه الله أنه أراد أن لكل واحد منهما منعه من البيع، لان للمرتهن أن يمنعه من البيع، لان البيع إنما يستحق بمطالبته، فإذا لم يطالب به ومنع منه لم يجز، فأما أن يكون فسخا فلا.
قال الشيخ أبو حامد في تعليقته.
إذا كان الرهن مشرطا أن يكون في يد عدل ووكل العدل في بيعه ولم يقبضه فلا يجوز للعدل أن يبيعه في محل الحق لانه وكله في بيعه رهنا وهذا رهن لم يلزم لانه لم يقبضه، اللهم إلا أن يقبضه الآن فيكون له بيعه.
وذكر الطبري في العدة أنه ان وكله في بيعه رهنا لم يكن له بيعه لانه لا يصير رهنا إلا بالقبض، فإن كان له الاذن في بيعه مطلقا كان له أن يبيعه، لان للوكيل بيع الشئ وهو في يد الموكل.
ويجوز أن يتراهن المسلمان على يد ذمى أو ذميان على يد مسلم أو المسلم والذمى على يد مسلم أو ذمى جاز، أما إذا اقترض مسلم من ذمى ورهنه خمرا ووضعها على يد ذمى ووكلاه في بيعه لم يصح، لانه بيع خمر على مسلم.
وكذلك الذميان إذا تراهنا ووضعا الخمر على يد مسلم ووكلاه في البيع فباعه لم يصح لانه بيع خمر من مسلم، وإن اقترض ذمى من مسلم ورهنه خمرا وجعلاه على يد ذمى ووكلاه في بيعه فباعه فهل يجبر المسلم على قبض حقه منه؟ فيه وجهان.

(أحدهما)
لا يجبر، لانه ثمن خمر وثمن الخمر محرم على المسلم
(والثانى)

يجبر، فيقال له.
إما أن تأخذه، وإما أن تبرئه من قدره من الدين، لان أهل الذمة إذا تقابضوا في ثمن الخمر وما أشبهه من العقود الفاسدة أقروا عليها وصار ذلك مالا من أموالهم.

(13/224)


(فرع)
إذا وكل العدل في بيع الرهن وكان الثمن في يده كان ضمانه على الراهن إلى أن يصل ليد المرتهن، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ هو من ضمان المرتهن، دليلنا أن العدل وكيل الراهن في البيع، والثمن ملك الراهن وكان من ضمانه كالموكل في غير الرهن، فإن تلف الثمن في يده وخرج المبيع مستحقا، فعلى من يرجع المشترى ننظر في العدل، فان أطلق البيع ولم يذكر أن يبيعه على ذمة الراهن رجع المشترى على العدل، لان الظاهر أنه باع مال نفسه فلزمه الضمان بحكم الظاهر، وإن ذكر عند البيع أنه يبيعه على حساب الراهن أو صدقه المشترى على ذلك، فان المشترى يرجع بالعهدة على الراهن دون العدل، فان العقد له، فان قبض العدل الثمن وسلمه إلى المرتهن ثم وجد المشترى بالرهن عيبا، فان لم يذكر العدل أنه يبيعه للراهن فان المشترى يرجع بالثمن على العدل ويرجع العدل على الراهن، لانه وكيله، ولا يسترجع الثمن من المرتهن.
لان الرهن لما بيع حصل ثمنه للراهن وهو مالكه، وعندما أخذه المرتهن فقد استوفى دينه من ملك الراهن فزال حينئذ ملك الراهن عنه، فان لم يكن للعدل ولا للراهن مال غير الرهن بيع وقضى حق المشترى من ثمنه وما بقى يكون دينا للمشترى على العدل وللعدل على الراهن، وللبحث تتمة في البيوع فليراجع.
والله تعالى أعلم.
إذا شرطا أن يبيع المرتهن الرهن فالشرط باطل، فإذا حل الحق لم يجز للمرتهن بيع الرهن الا أن يحضر الراهن، وهل يبطل الرهن بهذا الشرط قولان
لانه زيادة في حق المرتهن، وقد مضى ذكر مثل ذلك، فأما إذا رهنه رهنا صحيحا وأقبضه اياه فلما حل الحق وكل الراهن المرتهن ببيع الرهن لم تصح الوكالة وإذا باع المرتهن كان البيع باطلا، وبذلك قال أحمد.
وقال مالك وأبو حنيفة: يصح التوكيل والبيع.
دليلنا أنه توكيل يجتمع فيه غرضان متضادان، وذلك أن الراهن يريد التأني في البيع للاستقصاء في الثمن، والمرتهن يريد الاستعجال في البيع ليستوفى دينه فلم يجز كما لو كان قد وكله ببيع الشئ من نفسه، فان كان الراهن حاضرا فهل يصح بيع المرتهن باذن فيه وجهان

(13/225)


(أحدهما)
يصح، وهو ظاهر النص قال في الام " إلا أن يحضر رب الرهن " ولانه بحضوره سمع تقدير الثمن فانتفت التهمة عن المرتهن فصح بيعه
(والثانى)
وهو اختيار الطبري في العدة أنه لا يصح البيع لانه توكيل فيما يتعلق به حقه فلم يصح، كما لو كان غائبا، ويجيب عن قول الشافعي رحمه الله " إلا أن يحضر رب الرهن " بقوله معناه فيبيعه بنفسه، ألا ترى أنه قال " فإن امتنع أمره الحاكم ببيعه، فإن قيل هلا قلتم يصح البيع وإن كانت الوكالة فاسدة كما قلتم في سائر الوكالات الفاسدة، فالجواب أن الوكالة الفاسدة إنما يصح البيع فيها لان الفساد غير راجع إلى الاذن، وإنما هو راجع إلى معنى في العوض.
وها هنا الفساد راجع إلى الاذن نفسه فهو كما لو وكله أن يبيع من نفسه فباع.
والله أعلم
قال المصنف رحمه الله:
(باب ما يدخل في الرهن ومالا يدخل، وما يملكه الراهن وما لا يملكه)
ما يحدث من عين الرهن من النماء المتميز، كالشجر والثمر واللبن والولد والصوف والشعر، لا يدخل في الرهن، لما روى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يغلق الرهن الرهن من راهنه الذى رهنه،
له غنمه وعليه غرمه " والنماء من الغنم فوجب أن يكون له.
وعن ابن عمر وأبى هريرة مرفوعا " الرهن محلوب ومركوب " ومعلوم أنه لم يرد أنه محلوب ومركوب للمرتهن، فدل على أنه أراد به محلوب ومركوب للراهن ولانه عقد لا يزيل الملك فلم يسر إلى النماء المتميز كالاجارة، فإن رهن نخلا على أن ما يتميز داخل في الرهن، أو ماشية على أن ما تنتج داخل في الرهن، فالمنصوص في الام أن الشرط باطل وقال في الامالى القديمة: لو قال قائل إن الثمرة والنتاج يكون رهنا كان مذهبا، ووجهه أنه تابع للاصل فجاز أن يتبعه كأساس الدار، والمذهب الاول وهذا مرجوع عنه لانه رهن مجهول ومعدوم فلم يصح، بخلاف أساس الدار فإنه موجود، ولكنه شق رؤيته فعفى عن الجهل به

(13/226)


وأما النماء الموجود في حال العقد ينظر فيه، فإن كان شجرا فقد قال في الرهن لا يدخل فيه، وقال في البيع يدخل، واختلف أصحابنا فيه على ثلاث طرق وقد بيناها في البيوع، وان كان ثمرا نظرت، فإن كان ظاهرا كالطلع المؤبر وما أشبهه من الثمار لم يدخل في الرهن، لانه إذا لم يدخل ذلك في البيع وهو يزيل الملك، فلان لا يدخل في الرهن وهو لا يزيل الملك أولى، وإن كان ثمرا غير ظاهر كالطلع الذى لم يؤبر وما أشبهه من الثمار ففيه طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أحدهما)
يدخل فيه قياسا على البيع
(والثانى)
لا يدخل فيه وهو الصحيح لانه لما لم يدخل فيه ما يحدث بعد العقد لم يدخل الموجود حال العقد، ومنهم من قال لا يدخل فيه قولا واحدا.
ويخالف البيع، فإن في البيع ما يحدث بعد العقد ملك للمشترى، والحادث بعد العقد لا حق للمرتهن فيه، ولان البيع يزيل
الملك فيدخل فيه النماء، والرهن لا يزيل الملك فلم يدخل فيه واختلف أصحابنا في ورق التوت والآس وأغصان الخلاف، فمنهم من قال: هو كالورق والاغصان من سائر الاشجار فيدخل في الرهن.
ومنهم من قال انها كالثمار من سائر الاشجار فيكون حكمها حكم الثمار، وان كان النماء صوفا أو لبنا فالمنصوص أنه لا يدخل في العقد.
وقال الربيع في الصوف قول آخر أنه يدخل، فمن أصحابنا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لا يدخل قولا واحدا، وما قاله الربيع من تخريجه.
(الشرح) الحديث عزاه المصنف لابن عمر وفيه نظر.
أما الحديث فقد رواه الجماعة الا مسلما والنسائي عن أبى هريرة رضى الله عنه بلفظ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقول " الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذى يركب ويشرب النفقة " وفى لفظ رواه أحمد " إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها، ولبن الدر يشرب وعلى الذى يشرب نفقته " وللدارقطني والحاكم وصححه من طريق الاعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة مرفوعا " الرهن مركوب ومحلوب " وقال ابن أبى حاتم، قال أبى " رفعه " يعنى أبا معاوية مرة ثم ترك الرفع بعد.
ورجح البيهقى أيضا الوقف

(13/227)


وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء: هذا الحديث ورد على خلاف القياس من وجهين
(أحدهما)
التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه
(والثانى)
تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول مجمع عليها، وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها، ويدل على نسخه حديث ابن عمر عند البخاري وغيره بلفظ " لا تحلب ماشية إمرئ بغير إذنه " قال الشوكاني: ويجاب عن
دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للاصول بأن السنة الصحيحة من جملة الاصول فلا ترد الا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع.
وعن حديث ابن عمر بأنه عام وحديث الباب خاص فيبنى العام على الخاص، والنسخ لا يثبت الا بدليل يقضى بتأخر الناسخ على وجه يتعذر معه الجمع لا بمجرد الاحتمال مع الامكان.
وقال الاوزاعي والليث وأبو ثور، انه يتعين حمل الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الانفاق على المرهون، فيباح حينئذ للمرتهن، وأجود ما يحتج به للجمهور حديث أبى هريرة الذى رواه الشافعي والدارقطني وقال: هذا اسناد حسن متصل " لا يغلق الرهن من صاحبه الذى رهنه، له غنمه وعليه غرمه " وفى أحاديث هذا الباب تفصيل في كتب الحديث.
أما لغات الفصل فالآس نوع من النبات يقال له الهدس يستخرج منه الطيب ومثله أغصان الخلاف.
أما الاحكام: فإنه إذا رهنه أرضا فيها بناء أو شجر فان شرط دخول ذلك في الرهن أو قال.
رهنتكها بحقوقها دخل البناء والشجر في الرهن مع الارض، وهكذا ان قال.
رهنتك هذا البستان أو هذه الدار دخل الشجر والبناء في الرهن وان قال رهنتك هذه الارض وأطلق فهل يدخل البناء والشجر، فيه ثلاث طرق ذكرها المصنف في البيع، وان باعه شجرة أو رهنها منه صح البيع والرهن في الشجرة، وهل يدخل قرارها في الرهن والبيع، ذكر الشيخ أبو حامد وابن الصباغ أن قرارها لا يدخل في الرهن وجها واحدا.
وهل يدخل في البيع فيه وجهان، وذكر الطبري في العدة أن البيع والرهن على وجهين.

(13/228)


(أحدهما)
لا يدخل لان المسمى في العقد هو الشجرة، وهذا ليس بشجر.
فعلى هذا إذا انقلعت الشجرة لم يكن للمشترى أن يغرس مكانها غيرها.

(والثانى)
يدخل فيه قرار الشجرة، لان قوام الشجرة به، فهو كعروق الشجرة تحت الارض، فعلى هذا إذا انقلعت هذه الشجرة كان للمشترى أن يغرس مكانها.
وأما نماء الرهن فضربان: موجود حال الرهن، وحادث بعد الرهن، فأما الموجود حال الرهن، فإن كان ثمرة فقد سبق بيانه.
واختلف أصحابنا في ورق التوت وأغصان الخلاف والآس، فمنهم من قال: هو كالاغصان من سائر الاشجار فيدخل في الرهن.
ومنهم من قال هو كالثمار من سائر الاشجار وقد سبق بيانه.
وإن رهنه ماشية وفيها لبن أو صوف فالمنصوص أنه لا يدخل في الرهن، وقال الربيع في الصوف قول آخر أنه يدخل، فمن أصحابنا من قال: في الصوف قولان، ومنهم من قال لا يدخل قولا واحدا، وما ذكره البيع من تخريجه.
وأما النماء الحادث بعد الرهن كالولد والثمرة واللبن وسائر منافعه فاختلف أهل العلم فيه.
مذهبنا أنه ملك للراهن وأنه لا يدخل في الرهن وللراهن أن ينتفع بالرهن، وقال قوم من أصحاب الحديث: نماء الرهن ومنافعه ملك لمن ينفق عليه فإن كان الراهن هو الذى ينفق عليه فالنماء ملك له.
وقال أحمد: الرهن ملك للمرتهن فله حلبه وشربه، وقال أبو حنيفة: الثمرة والولد واللبن الحادث بعد الرهن ملك للراهن إلا أنه يدخل في الرهن.
وقال أيضا، ليس للراهن ولا للمرتهن الانتفاع بالرهن بل تترك المنافع تتلف، وقال مالك: الولد الحادث يكون رهنا كقول أبى حنيفة.
وأما الثمرة فلا تكون رهنا كقولنا.
دليلنا على أصحاب الحديث وعلى أحمد ما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يغلق الرهن الرهن من راهنه له غنمه وعليه
غرمه " وقد رواه الشافعي والدارقطني والحاكم والبيهقي وابن حبان وابن ماجه وصحح أبو داود والبزار والدارقطني إرساله عن سعيد بن المسيب.
فمن قال إنه ملك للمرتهن فقد خالف نص الحديث.

(13/229)


وروى الشعبى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " من رهن دابة فعليه نفقتها وله ظهرها ونتاجها " ولان الرهن ملك للراهن فكان نماؤه ملكا له كما لو لم يكن مرهونا، وعلى أبى حنيفة ما روى الاعمش عن أبى هريرة مرفوعا " الرهن محلوب ومركوب للراهن " وبالاجماع بيننا وبين أبى حنيفة أنه محلوب ومركوب للمرتهن، فثبت أنه محلوب ومركوب للراهن وحديث " الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه " وغنمه نماؤه، فمن قال انه رهن فقد خالف الاحاديث، ولان الرهن عقد لا يزيل الملك عن الرقبة فلم يسر إلى الولد كالاجارة، ولان الرهن حق تعلق بالرقبة ليستوفى من ثمنها، فلم يسر إلى الولد كأرش الجناية.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
ويملك الراهن التصرف في منافع الرهن على وجه لا ضرر فيه على المرتهن، كخدمة العبد وسكنى الدار وركوب الدابة وزراعة الارض، لقوله صلى الله عليه وسلم " الرهن محلوب ومركوب " ولانه لم يدخل في العقد ولا يضر بالمعقود له، فبقى على ملكه وتصرفه كخدمة الامة المزوجة، ووطئ الامة المستأجرة، وله أن يستوفى ذلك بالاجارة والاعارة، وهل له أن يستوفى ذلك بنفسه؟ قال في الام له ذلك.
وقال في الرهن الصغير لا يجوز، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يجوز لانه لا يأمن أن يجحد فيبطل حق المرتهن

(والثانى)
يجوز وهو الصحيح، لان كل منفعة جاز أن يستوفيها بغيره جاز أن يستوفيها بنفسه كمنفعة غير المرهون، ودليل القول الاول يبطل به إذا أكراه من غيره فإنه لا يؤمن أن يجحد ثم يجوز ومنهم من قال: إن كان الراهن ثقة جاز، لانه يؤمن أن يجحد، وإن كان غير ثقة لم يجز، لانه لا يؤمن أن يجحد، وحمل القولين على هذين الحالين (الشرح) الاحكام: إذا ثبت أن منافع الرهن ملك للراهن فله أن يستوفيها على وجه لا ضرر فيه على المرتهن، فإن كان الرهن دابة فله أن يعيرها من ثقة.

(13/230)


وله أن يؤاجرها من ثقة إلى مدة تنتهى قبل حلول الحق.
وهل له أن يستخدمها بنفسه أو يركبها.
قال الشافعي رحمه الله: له ذلك.
وقال في موضع آخر، ليس له ذلك، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يجوز، لانه لا يؤمن أن يجحده
(والثانى)
يجوز وهو الصحيح، لانه لما جاز أن يستوفيه بغيره جاز أن يستوفيه بنفسه كغير الرهن.
ومنهم من قال: إن كان الراهن ثقة جاز أن يستوفيه بنفسه، وان كان غير ثقة لم يجز أن يستوفى بنفسه، لان الثقة يؤمن منه أن يجحد، وحمل القولين على هذين الحالين والطريق الصحيح الطريق الاول، ومن هنا له أن يعير الرهن ويؤاجره ويستوفى ذلك بنفسه بحيث لا يخرجه من سلطان المرتهن مثل أن يفعل ذلك في بلده بحيث يمكن رده إلى المرتهن أو إلى العدل، فلا يؤاجر لمسافر، ولا يسافر هو به، وعلى الطريقين أيضا في سكناه فيها، ففى الدابة عليه أن يسلمها للمرتهن ليلا.
أما الدار فله أن يسكنها ليلا ونهارا ما دامت في سلطان المرتهن.
أما الثوب فليس له أن يلبسه ولا يعيره ولا يؤاجره لانه مفض إلى إتلافه قال المصنف رحمه الله:

(فصل)
وأما ما فيه ضرر بالمرتهن فإنه لا يملك لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار " فان كان المرهون مما ينقل فأراد أن ينتفع به في السفر، أو يكريه ممن يسافر به لم يجز، لان أمن السفر لا يوثق به فلا يؤمن أن يؤخذ فيه، فيدخل على المرتهن الضرر، وإن كان ثوبا لم يملك لبسه لانه ينقص قيمته وإن كان أمة لم يملك تزويجها، لانه ينقص قيمتها، وهل يجوز وطؤها.
ينظر فإن كانت ممن تحبل لم يجز وطؤها، لانه لا يؤمن أن تحبل فتنقص قيمتها وتبطل الوثيقة باستيلادها.
وان كانت ممن لا تحبل لصغر أو كبر ففيه وجهان، قال أبو إسحاق يجوز وطؤها لانا قد أمنا الضرر بالاحبال.
وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يجوز، لان السن الذى لا تحبل فيه لا يتميز عن السن الذى تحبل فيه مع اختلاف الطباع، فمنع من الجميع كما قلنا في شرب الخمر لما لم يتميز ما يسكر مما لا يسكر مع اختلاف الطباع في السكر حرم الجميع، فإذا منعنا من الوطئ منعنا

(13/231)


من الاستخدام لانه لا يؤمن أن يطأها، وإذا لم يمنع من الوطئ جاز الاستخدام فإن كان أرضا فأراد أن يغرس فيها أو يبنى لم يجز، لانه يراد للبقاء وينقص به قيمة الارض عند القضاء، فإذا خالف وغرس أو بنى - والدين مؤجل - لم يقلع في الحال لانه يجوز أن يقضى الدين من غير الارض، وربما لم تنقص قيمة الارض مع الغراس والبناء عن الدين، فلا يجوز الاضرار بالراهن في الحال، لضرر متوهم بالمرتهن في ثانى الحال، فإن حل الدين ولم يقض وعجزت قيمة الارض مع الغراس والبناء عن قدر الدين قلع، فإن أراد أن يزرع ما يضر بالارض لم يجز، وإن لم يضر بالارض نظرت، فان كان يحصد قبل محل الدين جاز، وإن كان لا يحصد إلا بعد محل الدين ففيه قولان
(أحدهما)
لا يجوز لانه ينقص قيمة الارض فيستضر به المرتهن

(والثانى)
يجوز لانه ربما قضاه الدين من غير الارض، وربما وفت قيمة الارض مع الزرع بالدين فلا يمنع منه في الحال، وان أراد أن يؤجر إلى مدة يحل الدين قبل انقضائها لم يجز له لانه ينقص قيمة الارض وقال أبو على الطبري رحمه الله: فيها قولان كزراعة ما لا يحصد قبل محل الدين.
وإن كان فحلا وأراد أن ينزيه على الاناث جاز، لانه انتفاع لا ضرر فيه على المرتهن فلم يمنع منه كالركوب، فان كان أنثى أراد أن ينزى عليها الفحل نظرت فان كانت تلد قبل محل الدين جاز، لانه لا ضرر على المرتهن، وإن كان الدين يحل قبل ولادتها وقبل ظهور الحمل بها جاز، لانه يمكن بيعها، وإن كان يحل بعد ظهور الحمل، فان قلنا إن الحمل لا حكم له جاز لانه يباع معها، وإن قلنا له حكم لم يجز لانه خارج من الرهن، فلا يمكن بيعه مع الام، ولا يمكن بيع الام دونه فلم يجز.
(الشرح) الاحكام، وإن كان الرهن أرضا فأراد الراهن أن يزرع فيها نظرت، فان كان زرعا يضر بها كزراعة ورد النيل (1) لم يكن له ذلك، لقوله
__________
(1) ورد النيل نبات تكافحه الجمهورية العربية المتحدة لخطره على الانهار والاراضي وهو نبات يتليف ويتكاثر ويتماسك بسرعة شديدة تؤدى إلى طمس معالم الارض والماء وقتل المحاصيل وقف تيار الماء الجارى

(13/232)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار " وان كان لا يضر بالارض نظرت فان كان محصوله قبل حلول الدين لم يمنع منه، وان كان محصوله بعد حلول الدين فالمنصوص أنه ليس له ذلك.
قال الشيخ أبو حامد: ليس له أن يزرع الارض قولا واحدا.
وإن حدث أن زرع أو بنى في الارض فليس يجوز قلعها أو هدمها لانه لا يجوز
الاضرار به، لانه قد يقضى الدين في موعده وإن حل الدين ولم يقضه من غير الرهن، نظرت فإن كانت قيمة الارض وحدها تفى بالدين بيعت بغير الغراس والبناء، فان نقصت قيمتها بالغراس والبناء فالراهن بالخيار بين أن يقلع ويهدم ما عليها وبين أن يبيعها بما عليها ثم يوفى المرتهن حقه.
وإن كان الراهن محجورا عليه وبيعت الارض بما عليها لم يجز للمرتهن أخذ الثمن جميعه بل يأخذ ثمن الارض وللغرماء ثم الغراس والبناء، فان كان ثمن الارض والغراس معا مائتين، وثمن الارض وحدها مائة وثمن الغراس وحده خمسين بيعت بما عليها للزيادة في الخمسين فتعلق حق المرتهن بثلثي الخمسين الزائدة وللراهن ثلثها وخمسين للغرماء ومائة للمرتهن (فرع)
إذا أراد الراهن أن يؤاجر الرهن إلى مدة لا تنقضي الا بعد محل الدين، فان قلنا لا يجوز بيع المستأجر لم يكن له ذلك، لان ذلك يمنع من بيعه، وان قلنا يجوز بيع المستأجر ففيه طريقان، قال عامة أصحابنا: لا يكون له ذلك لان ذلك ينقص من قيمته عند البيع.
وقال أبو على الطبري: فيه قولان كالقولين في زراعة ما لا يحصد الا بعد محل الدين وان كان الرهن فحلا وأراد الراهن أن ينزيه على ماشيته أو ماشية غيره، قال الشافعي رحمه الله جاز، لان هذا منفعة ولا ينقص به كثيرا، وان كان أتانا وأراد ينزى عليها الفحل، فان كانت تلد قبل حلول الدين أو مع حلول الدين جاز له استيفاء منفعة لا ضرر على المرتهن بها.
وان كانت لا تلد الا بعد حلول الدين فان قلنا: لا حكم للحمل كان له ذلك لان الحق إذا حل وهى حامل صح له بيعها مع حملها.
وان قلنا للحمل حكم لم يكن له ذلك لان الحمل لا يدخل في الرهن ولا يمكن بيعها دون الحمل.
هكذا ذكر الشيخ أبو حامد في تعليقته من غير تفصيل.

(13/233)


قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
ويملك الراهن التصرف في عين الرهن بما لا ضرر فيه على المرتهن كودج الدابة وتبزيغها، وفصد العبد وحجامته، لانه إصلاح مال من غير إضرار بالمرتهن، وإن أراد أن يختن العبد، فان كان كبيرا لم يجز، لانه يخاف منه عليه وإن كان صغيرا نظرت، فان كان في وقت يندمل الجرح فيه قبل حلول الدين جاز، وإن كان في وقت يحل الدين قبل اندمال جرحه لم يجز لانه ينقص ثمنه وإن كانت به أكلة يخاف من تركها ولا يخاف من قطعها جاز أن يقطع وإن كان يخاف من تركها ويخاف من قطعها لم يجز قطعها، لانه جرح يخاف عليه منه فلم يجز، كما لو أراد أن يجرحه من غير أكلة، وان كانت ماشية فأراد أن يخرج بها في طلب الكلا - فان كان الموضع مخصبا - لم يجز له ذلك، لانه يغرر به من غير حاجة، وان كان الموضع مجدبا جاز له، لانه موضع ضرورة، وإن اختلفا في موضع النجعة فاختار الراهن جهة واختار المرتهن أخرى، قدم اختيار الراهن، لانه يملك العين والمنفعة وليس للمرتهن إلا حق الوثيقة، فكان تقديم اختياره أولى، وإن كان الرهن عبدا فأراد تدبيره جاز، لانه يمكن بيعه في الدين، فان دبره وحل الدين فان كان له مال غيره لم يكلف بيع المدبر، وإن لم يكن له مال غيره بيع منه بقدر الدين وبقى الباقي على التدبير، وان استغرق الدين جميعه بيع الجميع.
(الشرح) في الفصل لغات منها قوله: ودج الدابة بتشديد الدال وتخفيفها وهو منها كالفصد للانسان، ويسميه العامة في ديارنا الخزام، وقوله: تبزيغها مثله وفى المصباح: بزغ البيطار والحاجم بزغا من باب قبل شرط الدم وأساله، وفى الاحكام مزيد بيان لنا.
أما الاحكام، فان الراهن يملك التصرف في عين الرهن بما لا ضرر فيه على المرتهن كاجراء الودج أو التبزيغ للحيوان أو ملء الساعة، أو تشحيم السيارة
أو حقن آلة الطباعة أو نحوها بالزيت أو وضع مركبات النفتالين فيالثياب حتى لا تأتى عليها العثة فتبلى وكل ما هو من شأنه اصلاح المرهون وكماله ولا ضرر فيه

(13/234)


على المرتهن جاز قولا واحدا، ولا يجوز للمرتهن منعه، وان أراد الراهن أن يقطع شيئا من جوارح الحيوان - فان كان في قطعه، منفعة وفى تركه خوف عليه لفساد دب في هذا العضو ويخشى أن يمتد المرض فيتلف غيره أو يصيب الحيوان بالتسمم، فان للراهن أن يقطع ذلك بغير اذن المرتهن، لان في ذلك مصلحة من غير خوف وان كان يخشى من قطعه كما يخشى من بقائه ففيه وجهان ان كان الرهن دابة، واحتاجت إلى التودج وهو فتح عرقين عريضين عن يمين تفرع النحر ويسارها ويسميان الوريدين أو إلى التبزيغ وهو فتح الراهصة من حافره فللراهن أن يفعل ذلك بغير اذن المرتهن، وان أراد الراهن أن يفعل شيئا من هذا بغير اذن المرتهن.
قال الشافعي: فكل ما فيه مصلحة ولا يتضمن المضرة أصلا جاز مثل أن يدهن الجرب بالقطران، أما ما كان فيه منفعة وقد يضر كشرب الدواء " ومثله اعطاء الحقن في العضل أو الوريد " فليس للمرتهن أن يفعل ذلك بغير اذن الراهن اه.
وقد استغرب الشيخ أبو حامد هذا في التعليق.
(فرع)
للراهن أن يرعى ماشيته وليس للمرتهن منعه وذلك لانها تأوى بالليل إليه، وان أراد الراهن أن ينتجع بها - أي يحملها أو يسوقها إلى موضع بعيد طلبا للمرعى، فان اتفقا عليه جاز، وان امتنع أحدهما نظرت، فان كان الموضع مخصبا - أي موضع المرتهن - فله أن يمنعه لانه رهنها فليس له نقلها بغير مسوغ أو ضرورة، وان كان الموضع مجدبا، فان اتفقا على النجعة واختلفا في المكان.
قال الشيخ أبو حامد: وكان المكانان متساويين في الخصب والامن
قدم قول الراهن لانه هو المالك للرقبة، وان اختلفا في النجعة أجبر الممتنع من النجعة عليها، لان المرتهن ان كان هو الممتنع قيل له: ليس لك ذلك لما فيه من الاضرار بالماشية، فاما أن تخرج معها أو تبعث بعدل أو ينصب الحاكم عدلا، وان كان الممتنع هو الراهن قيل له: ليس لك ذلك لانك تضر بالمرتهن، واما أن تبعث بعدل يأخذ لبنها ويرعاها ويحفظها.
(فرع)
وان كان الرهن نخلا فأطلعت كان للراهن تأبيرها من غير اذن المرتهن لانه مصلحة من غير ضرر، وما ينزع من السعف والليف فهو للراهن

(13/235)


فهو كالثمرة ولا يدخل في الرهن.
فان قيل هذا قد تناوله عقد الرهن وليس بحادث فالجواب أن ما يجد وينمو من السعف والليف وقوم مقامه، فصار هذا بمنزلة المنفعة خارجا عن الاصول، فان خرجت الفسلان في جذع النخل.
قال ابن الصباغ: فعندي أن ذلك يكون للراهن لا حق للمرتهن فيه لانه كالولد للماشية وكذلك ان ازدحمت أرض الرهن بالفسلان وأراد الراهن أن يحسن توزيعها في أرض الرهن.
قال الشافعي: جاز له ذلك بغير اذن المرتهن مادام في ذلك مصلحة للباقى، وكذلك إذا ازدحمت وأراد تخفيفها بالقطع أو القلع وكان في ذلك مصلحة لزيادة نمو الباقي جاز للراهن بغير اذن المرتهن وكانت أخشابها من الرهن، وان أراد الراهن تحويلها إلى أرض أخرى أو قطع جميعها لم يكن له ذلك للضرر.
قال الشافعي لو أراد تحويل المساقى فان كان يضر بالرهن لم يكن له.
وقال الشيخ أبو حامد وإذا أراد المرتهن ذلك لم يكن له.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
ولا يملك التصرف في العين بما فيه ضرر على المرتهن لقوله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار " فان باعه أو وهبه أو جعله مهرا في نكاح أو أجره في اجارة أو كان عبدا فكاتبه لم يصح، لانه تصرف لا يسرى إلى ملك الغير يبطل به حق المرتهن من الوثيقة فلم يصح من الراهن بنفسه كالفسخ، وان أعتقه ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: يصح، لانه عقد لا يزيل الملك فلم يمنع صحة العتق، كالاجارة.
والثانى: أنه لا يصح، لانه قول يبطل الوثيقة من عين الرهن، فلم يصح من الراهن بنفسه كالبيع.
والثالث، وهو الصحيح أنه ان كان موسرا صح، وان كان معسرا لم يصح لانه عتق في ملكه يبطل به حق غيره، فاختلف فيه الموسر والمعسر كالعتق في العبد المشترك بينه وبين غيره، فان قلنا ان العتق يصح، فان كان موسرا أخذت منه القيمة وجعلت رهنا مكانه، لانه أتلف رقه فلزمه ضمانه كما لو قتله، وتعتبر

(13/236)


قيمته وقت الاعتاق لانه حالة الاتلاف، ويعتق بنفس اللفظ، ومن أصحابنا من قال: في وقت العتق ثلاثة أقوال: (أحدها) بنفس اللفظ
(والثانى)
بدفع القيمة (والثالث) موقوف، فان دفع القيمة حكمنا أنه عتق من حين الاعتاق، وان لم يدفع حكمنا أنه لم يعتق في حال الاعتاق، كما قلنا فيمن أعتق شركا له في عبد أنه يسرى، وفى وقت السراية ثلاثة أقوال - وهذا خطأ - لانه لو كان كالعتق في العبد المشترك لوجب أن لا يصح العتق من المعسر، كما لا يسرى العتق باعتاق المعسر في العبد المشترك.
وان كان معسرا وجبت عليه القيمة في ذمته، فان أيسر قبل محل الدين طولب بها لتكون رهنا مكانه، وان أيسر في محل الدين طولب بقضاء الدين.
وان قلنا ان العتق لا يصح ففكه أو بيع في الدين ثم ملكه لم يعتق عليه.
ومن أصحابنا من قال: يعتق، لانه انما لم يعتق في الحال لحق المرتهن، وقد زال حق المرتهن فنفذ العتق، كما لو أحبلها ثم فكها أو بيعت ثم ملكها والمذهب الاول لانه عتق لم ينفذ في الحال فلم ينفذ بعد ذلك، كما لو أعتق المحجور عليه عبده ثم فك عنه الحجر، ويخالف الاحبال فانه فعل، وحكم الفعل أقوى من حكم القول، ولهذا لو أحبل المجنون جاريته نفذ احباله وثبت لها حق الحرية، ولو أعتقها لم يصح.
وان قلنا انه يصح العتق ان كان موسرا ولا يصح إذا كان معسرا، فقد بينا حكم الموسر والمعسر.
وان كان المرهون جارية فأحبلها فهل ينفذ إحباله أم لا، على الاقوال الثلاثة، وقد بينا وجوهها في العتق، فان قلنا انه ينفذ فالحكم فيه كالحكم في العتق وان قلنا انه لا ينفذ احباله صارت أم ولد في حق الراهن لانها علقت بحر في ملكه، وانما لم ينفذ لحق المرتهن، فان حل الدين وهى حامل لم يجز بيعها لانها حامل بحر، وان ماتت من الولادة لزمه قيمتها لانها هلكت بسبب من جهته.
وفى القيمة التى تجب ثلاثة أوجه (أحدها) تجب قيمتها وقت الوطئ، لانه وقت سبب التلف، فاعتبرت القيمة فيه، كما لو جرحها وبقيت ضنيئة إلى أن ماتت.

(13/237)


(والثانى)
تجب قيمتها أكثر ما كانت من حين الوطئ إلى حين التلف، كما قلنا فيمن غصب جارية وأقامت في يده ثم ماتت (والثالث) أنه تجب قيمتها وقت الموت، لان التلف حصل بالموت والمذهب الاول، وما قال الثاني لا يصح، لان الغصب موجود من حين الاخذ إلى حين التلف، والوطئ غير موجود من حين الوطئ إلى حين التلف.
وما قال الثالث يبطل به إذا جرحها ثم ماتت، فان
التلف حصل بالموت، ثم تجب القيمة وقت الجراحة، وان ولدت نظرت، فان نقصت بالولادة وجب عليه أرش ما نقص، وان حل الدين ولم يقضه فان أمكن أن يقضى الدين بثمن بعضها بيع منها بقدر ما يقضى به الدين، وان فكها من الرهن أو بيعت وعابت إليه ببيع أو غيره صارت أم ولد له، وقال المزني: لا تصير كما لا تعتق إذا أعتقها ثم فكها أو ملكها، وقد بينا الفرق بين الاعتاق والاحبال فأغنى عن الاعادة.
(الشرح) الحديث رواه أحمد في مسنده عن ابن عباس وابن ماجه في سننه عن عبادة بن الصامت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار " وإسناده حسن.
أما اللغات ففى النهاية: الضر ضد النفع ضره يضره ضرا وضرارا، وأضر به يضر إضرارا، فمعنى قوله " لا ضرر " أي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه والضرار فعال من الضرر، أي لا تجازيه على إضراره بادخال الضرر عليه والضرر فعل الواحد، والضرار فعل الاثنين، أو الضرر ابتداء الفعل، والضرار الجزاء.
أما الاحكام، فان أزال الراهن ملكه عن الرهن بغير إذن المرتهن نظرت فان كان ببيع أو هبة أو ما أشبهها من التصرفات لم يصح للحديث لان فيها إضرار على المرتهن، ولانه تصرف لا يسرى إلى ملك الغير احترازا من العتق وقوله " يبطل به حق المرتهن من الوثيقة " احتراز من اجارته وإعارته.
وقوله " بغير إذن المرتهن " احتراز منه إذا أذن، وان كان الرهن رقيقا فأعتقه الراهن بغير اذن المرتهن.

(13/238)


قال الشافعي في الام، إذا كان موسرا فقد عتقه، وإن كان معسرا فعلى قولين
وقال في القديم: قال عطاء لا ينفذ عتقه موسرا كان أو معسرا، ولهذا وجه.
ثم قال: قال بعض أصحابنا ينفذ ان كان موسرا ولا ينفذ ان كان معسرا.
واختلف أصحابنا في ترتيب المذهب، فقال أبو على الطبري وابن القطان: في المسألة ثلاثة أقوال (أحدها) ينفذ اعتاقه موسرا كان أو معسرا
(والثانى)
لا ينفذ موسرا كان أو معسرا (والثالث) ينفذ ان كان موسرا ولا ينفذ ان كان معسرا وهذه الطريقة اختيار المصنف وابن الصباغ.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان وقف المرهون ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه كالعتق لانه حق لله تعالى لا يصح اسقاطه بعد ثبوته فصار كالعتق
(والثانى)
انه لا يصح لانه تصرف لا يسرى إلى ملك الغير فلا يصح كالبيع والهبة (الشرح) الاحكام: إذا تصرف الراهن بغير العتق كالبيع والاجارة والهبة والوقف وغيره فتصرفه باطل، لانه تصرف يبطل حق المرتهن من الوثيقة غير مبنى على التغليب والسراية فلم يصح بغير اذن المرتهن كفسخ الرهن، فان أذن فيه المرتهن صح وبطل الرهن، لانه اذن فيما ينافى حقه، فيبطل بفعله كالعتق، وان زوج الام المرهونة لم يصح، وهذا هو مذهبنا ومذهب مالك وأحمد، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
(فصل)
وما منع منه الراهن لحق المرتهن كالوطئ والتزويج وغيرهما، إذا أذن فيه جاز له فعله، لان المنع لحقه فزال بإذنه، وما يبطل لحقه كالبيع والعتق وغيرهما إذا فعله بإذنه صح، لان بطلانه لحقه فصح بإذنه، فان أذن في البيع أو العتق ثم رجع قبل أن يبيع، أو قبل أن يعتق لم يجز البيع والعتق لانه بالرجوع سقط الاذن فصار كما لو لم يأذن، فان لم يعلم بالرجوع فباع أو أعتق ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه يسقط الاذن ويصير كما إذا باع أو أعتق بغير الاذن

(والثانى)
أنه لا يسقط الاذن بناء على القولين في الوكيل إذا عزله الموكل ولم يعلم حتى تصرف.
(الشرح) فيما سبق في الفصل قبله الكفاية

(13/239)


قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وإن أذن له في العتق فأعتق أو في الهبة فوهب وأقبض بطل الرهن لانه تصرف ينافى مقتضى الوثيقة فعله باذنه فبطلت به الوثيقة، فان أذن له في البيع لم يخل، إما أن يكون في دين حال أو في دين مؤجل، فان كان في دين حال تعلق حق المرتهن بالثمن، ووجب قضاء الدين منه، لان مقتضى الرهن بيعه واستيفاء الحق منه، وان كان في دين مؤجل نظرت، فان كان الاذن مطلقا فباع بطل الرهن وسقط حقه من الوثيقة، لانه تصرف في عين الرهن لا يستحقه المرتهن، فعله باذنه فبطل به الرهن، كما لو أعتقه باذنه، وإن أذن له في البيع بشرط أن يكون الثمن رهنا ففيه قولان.
قال في الاملاء: يصح، ووجهه أنه لو أذن له في بيعه بعد المحل بشرط أن يكون ثمنه رهنا إلى أن يوفيه جاز.
وقال في الام: لا يصح، لان ما يباع به من الثمن مجهول، ورهن المجهول لا يصح، فإذا بطل الشرط بطل البيع، لانه انما أذن في البيع بهذا الشرط ولم يثبت الشرط فلم يصح البيع، وإن أذن له في البيع بشرط أن يعجل الدين فباع لم يصح البيع.
وقال المزني: يبطل الشرط ويصح العقد، لانه شرط فاسد سبق البيع، فلم يمنع صحته، كما لو قال لرجل: بع هذه السلعة ولك عشر ثمنها، وهذا خطأ، لانه إنما أذن له بشرط أن يعجل الدين وتعجيل الدين لم يسلم له، فإذا لم يسلم له الشرط بطل الاذن فيصير البيع بغير إذن، ويخالف مسألة الوكيل، فان هناك
لم يجعل العوض في مقابلة الاذن، وإنما جعله في مقابلة البيع وههنا جعل تعجيل الدين في مقابلة الاذن، فإذا بطل التعجيل بطل الاذن، والبيع بغير اذن المرتهن باطل.
وحكى عن أبى إسحاق أنه قال: في هذه المسألة قول آخر أنه يصح البيع ويكون ثمنه رهنا، كما لو أذن له في البيع بشرط أن يكون ثمنه رهنا.
(الشرح) الاحكام: بيانه في الفصول السابقة.

(13/240)


قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وما يحتاج إليه الرهن من نفقة وكسوة وعلف وغيرها فهو على الراهن لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذى يركب ويشرب نفقته، والذى يركب ويشرب هو الراهن فوجب أن تكون النفقة عليه، ولان الرقبة والمنفعة على ملكه فكانت النفقة عليه وان احتاج إلى شرب دواء أو فتح عرق فامتنع لم يجبر عليه لان الشفاء بيد الله تعالى، وقد يجئ من غير فصد ولا دواء ويخالف النفقة فانه لا يبقى دونها فلزمه القيام بها.

(فصل)
وان جنى العبد المرهون لم يخل اما أن يجنى على الأجنبي، أو على المولى أو على مملوك للمولى، فان كانت الجناية على أجنبي تعلق حق المجني عليه برقبته، وقدم على حق المرتهن، لان حق المجني عليه يقدم على حق المالك، فلان يقدم على حق المرتهن أولى، ولان حق المجني عليه يختص بالعين فلو قدمنا حق المرتهن عليه أسقطنا حقه، وحق المرتهن يتعلق بالعين والذمة، فإذا قدمنا حق المجني عليه لم يسقط حقه فوجب تقديم حق المجني عليه، فان سقط حق المجني عليه بالعفو أو الفداء بقى حق المرتهن، لان حق المجني عليه لم يبطل الرهن وانما قدم عليه حق المجني عليه لقوته، فإذا سقط حق المجني عليه بقى حق المرتهن
وان لم يسقط حق المجني عليه نظرت، فان كان قصاصا في النفس اقتص له وبطل الرهن، وان كان في الطرف اقتص له، وبقى الرهن في الباقي، وان كان مالا وأمكن أن يوفى حقه ببيع بعضه بيع منه ما يقضى به حقه، وان لم يمكن الا ببيع جميعه بيع فان فضل عن حق المجني عليه شئ من ثمنه تعلق به حق المرتهن وان كانت الجناية على المولى نظرت، فان كان فيما دون النفس اقتص منه ان كان عمدا، وان كان خطأ أو عمدا فعفى عنه على مال لم يثبت له المال.
وقال أبو العباس: فيه قول آخر أنه يثبت له المال، ويستفيد به بيعه وابطال

(13/241)


حق المرتهن من الرهن، ووجهه أن من ثبت له القصاص في العمد ثبت له المال في الخطأ كالأجنبي، والصحيح هو الاول، لان المولى لا يثبت له المال على عبده ولهذا لو أتلف له مالا لم يستحق عليه بدله، ووجه الاول يبطل بغير المرهون، فانه يجب له القصاص في العمد، ولا يجب له المال في الخطأ، وإن كانت الجناية على النفس - فان كانت عمدا - ثبت للوارث القصاص، فان اقتص بطل الرهن وإن كانت خطأ أو عمدا وعفى على مال ففيه قولان.
أحدهما: لا يثبت له المال، لان الوارث قائم مقام المولى، والمولى لا يثبت له في رقبة العبد مال، فلا يثبت لمن يقوم مقامه.
والثانى: أنه يثبت له، لانه يأخذ المال عن جناية حصلت، وهو في غير ملكه فصار كما لو جنى على من يملكه المولى، وان كانت الجناية على مملوك للمولى، فان كانت على مملوك غير مرهون، فان كانت الجناية عمدا.
فللمولى أن يقتص منه.
وان كانت خطأ أو عمدا وعفا على مال لم يجز.
لان المولى لا يستحق على عبده مالا.
وان كانت الجناية على مملوك مرهون عند مرتهن آخر.
فان كانت الجناية عمدا فللمولى أن يقتص منه.
فان اقتص بطل الرهن.
وان كانت خطأ أو عمدا
وعفى على مال ثبت المال لحق المرتهن الذى عنده المجني عليه، لانه لو قتله المولى لزمه ضمانه فإذا قتله عبده تعلق الضمان برقبته.
فان كانت قيمته أكثر من قيمة المقتول وأمكن أن يقضى أرش الجناية ببيع بعضه بيع منه ما يقضى به أرش الجناية ويكون الباقي رهنا.
فان لم يمكن الا ببيع جميعه بيع.
وما فضل من ثمنه يكون رهنا.
فان كانت قيمته مثل قيمة المقتول أو أقل منه ففيه وجهان.

(أحدهما)
أنه ينقل القاتل إلى مرتهن المقتول.
ليكون رهنا مكانه.
لانه لا فائدة في بيعه.

(والثانى)
أنه يباع لانه ربما رغب فيه من يشتريه بأكثر من قيمته فيحصل عند كل واحد من المرتهنين وثيقة بدينه.
وان كانت الجناية على مرهون عند المرتهن الذى عنده القاتل.
فان كانت عمدا فاقتص منه بطل الرهن.
وان كانت خطأ أو عمدا وعفى عنه على مال نظرت.
فان اتفق الدينان في المقدار والحلول

(13/242)


والتأجيل، واتفقت قيمة العبدين ترك على حاله، لانه لا فائدة في بيعه، وان كان الدين الذى رهن به المقتول حالا.
والدين الذى رهن به القاتل مؤجلا.
بيع لان في بيعه فائدة، وهو أن يقضى الدين الحال، فان اختلف الدينان.
واتفقت القيمتان نظرت، فان كان الدين الذى ارتهن به القاتل أكثر لم يبع لانه مرهون بقدر، فإذا بيع صار مرهونا ببعضه.
وإن كان الدين الذى ارتهن به القاتل أقل نقل، فإن في نقله فائدة، وهو أن يصير مرهونا بأكثر من الدين الذى هو مرهون به، وهل يباع وينقل ثمنه؟ أو ينقل بنفسه؟ فيه وجهان، وقد مضى توجيههما، وإن اتفق الدينان بأن كان كل واحد منهما مائة، واختلف القيمتان نظر فيه، فان كانت قيمة المقتول أكثر لم يبع، لانه إذا ترك كان رهنا بمائة، وإذا بيع كان ثمنه رهنا بمائة، فلا يكون في
بيعه فائدة، وان كانت قيمة القاتل أكثر بيع منه بقدر قيمة المقتول ويكون رهنا بالحق الذى كان المقتول رهنا به وباقيه على ما كان.
(الشرح) حديث أبى هريرة رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي وفى لفظ " إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذى يشرب نفقته " رواه أحمد وتقدم كلام المحدثين في أول الباب مستوفى فيراجع.
أما أحكام الفصل: فقد تكلمنا على مضمونه فيما سبق فيما يصلح الرهن.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
فإن جنى العبد المرهون باذن المولى نظرت، فان كان بالغا عاقلا فحكمه حكم ما لو جنى بغير إذنه في القصاص والارش، على ما بيناه، ولا يلحق السد بالاذن الا الاثم، فانه يأثم لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله فان كان غير بالغ نظرت فان كان مميزا يعرف ان طاعة المولى لا تجوز في القتل كان كالبالغ في جميع ما ذكرناه الا في القصاص.
فان القصاص لا يجب على الصبى وان كان صغيرا لا يميز أو أعجميا لا يعرف ان طاعة المولى لا تجوز

(13/243)


في القتل لم تتعلق الجناية برقبته بل يتعلق حكم الجناية بالمولى.
فان كان موسرا أخذ منه الارش، وان كان معسرا فقد قال الشافعي رحمه الله يباع العبد في أرش الجناية، فمن أصحابنا من حمله على ظاهره.
وقال يباع لانه قد باشر الجناية فبيع فيها، ومنهم من قال: لا يباع لان القاتل في الحقيقة هو المولى، وانما هو آلة كالسيف وغيره، وحمل قول الشافعي رحمه الله على أنه أراد إذا ثبت بالبينة أنه قتله فقال المولى أنا أمرته فقال يؤخذ منه الارش ان كان موسرا بحكم اقراره، وان كان معسرا بيع العبد بظاهر البينة والله أعلم.

(فصل)
وان جنى على العبد المرهون فالخصم في الجناية هو الراهن، لانه هو المالك للعبد، ولما يجب من بدله، فان ادعى على رجل أنه جنى عليه فأنكره ولم تكن بينة فالقول قول المدعى عليه مع يمينه، فان نكل عن اليمين ردت اليمين على الراهن، فان نكل فهل ترد اليمين على المرتهن، فيه قولان، بناء على القولين في المفلس، إذا ردت عليه اليمين فنكل، فهل ترد على الغريم؟ فيه قولان.

(أحدهما)
لا ترد، لانه غير مدع.

(والثانى)
ترد، لانه ثبت له حق فيما يثبت باليمين.
فهو كالمالك.
فان أقر المدعى عليه أو قامت البينة عليه أو نكل وحلف الراهن أو المرتهن على أحد القولين.
فان كانت الجناية موجبة للقود.
فالراهن بالخيار بين أن يقتص وبين أن يعفو.
فان اقتص بطل الرهن.
وان قال: لا أقتص ولا أعفو ففيه وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: للمرتهن اجباره على اختيار القصاص أو أخذ المال لان له حقا في بدله فجاز له اجباره على تعيينه.
وقال أبو القاسم الداركى: ان قلنا: ان الواجب بقتل العمد هو القود لم يملك اجباره لانه إذا ملك اسقاط القصاص فلان يملك تأخيره أولى.
وان قلنا: ان الواجب أحد الامرين أجبر على التعيين لان له حقا هو القصاص وللمرتهن حقا هو المال فلزمه التعيين وان عفى على مال أو كانت الجناية خطأ وجب الارش.
وتعلق حق المرتهن به.
لان الارش بدل عن المرهون.
فتعلق حق المرتهن به.
وان أسقط المرتهن حقه من الوثيقة سقط.
لانه لو كان الرهن باقيا فأسقط حقه

(13/244)


منه سقط، فكذلك إذا أسقط من بدله، فإن أبرأ المرتهن الجاني من الارش لم يصح إبراؤه لانه لا يملكه فلا ينفذ إبراؤه فيه، كما لو كان الراهن باقيا فوهبه.
وهل يبطل بهذا الابراء حقه من الوثيقة؟ فيه وجهان

(أحدهما)
يبطل، لان إبراءه تضمن إبطال حقه من الوثيقة، فإذا سقط الابراء بقى ما تضمنه من إبطال الوثيقة.

(والثانى)
لا يبطل، لان الذى أبطله هو الابراء، والابراء لم يصح، فلم يبطل ما تضمنه، فان أبرأه الراهن من الارش لم يصح ابراؤه، لانه يبطل حق المرتهن من الوثيقة من غير رضاه فلم يصح، كما لو كان الرهن باقيا فأراد أن يهبه فان أبرأه ثم قضى دين المرتهن أو أبرأه المرتهن منه فهل ينفذ ابراء الراهن للجاني من الارش؟ فيه وجهان:
(أحدهما)
ينفذ، لان المنع منه لحق المرتهن، وقد زال حق المرتهن فينفذ ابراء الراهن.

(والثانى)
أنه لا ينفذ لانا حكمنا ببطلانه فلا يجوز أن يحكم بصحته بعد الحكم ببطلانه، كما لو وهب مال غيره ثم ملكه.
وان أراد أن يصالح عن الارش على حيوان أو غيره من غير رضا المرتهن لم يجز، لان حق المرتهن يتعلق بالقيمة، فلا يجوز اسقاطه إلى بدل من غير رضاه، كما لو كان الرهن باقيا فأراد أن يبيعه من غير رضاه، فان رضى المرتهن بالصلح فصالح على حيوان تعلق به حق المرتهن، وسلم إلى من كان عنده الرهن ليكون رهنا مكانه، فان كان مما له منفعة انفرد الراهن بمنفعته، وان كان له نماء انفرد بنمائه كما كان ينفرد بمنفعة أصل الرهن ونمائه، فان كان المرهون جارية فجنى عليها فأسقطت جنينا ميتا وجب عليه عشر قيمة الام ويكون خارجا من الرهن لانه بدل عن الولد، والولد خارج من الرهن، فكان بدله خارجا منه.
وان كانت بهيمة فألقت جنينا ميتا وجب عليه ما نقص من قيمة الام ويكون رهنا، لانه بدل عن جزء من المرهون، فان ألقته حيا ثم مات ففيه قولان:
(أحدهما)
يجب عليه قيمة الولد حيا لانه يمكن تقويمه: فيكون للراهن، فان

(13/245)


عفى عنه صح عفوه
(والثانى)
يجب عليه أكثر الامرين من قيمته حيا أو ما نقص من قيمة الام، فان كان قيمته حيا أكثر وجب ذلك للراهن وصح عفوه عنه، وان كان ما نقص من قيمة الام أكثر كان رهنا.

(فصل)
وان جنى على العبد المرهون ولم يعرف الجاني فأقر رجل أنه هو الجاني، فان صدقه الراهن دون المرتهن، كان الارش له ولا حق للمرتهن فيه وان صدقه المرتهن دون الراهن كان الارش رهنا عنده، فان لم يقضه الراهن الدين استوفى المرتهن حقه من الارش، فان قضاه الدين أو أبرأه منه المرتهن رد الارش إلى المقر.
(الشرح) حديث من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقى الله مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله، أخرجه ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ المناوى: كناية عن كونه كافرا إذ لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون وهذا زجر وتهويل أو المراد يستمر.
هذا حاله حتى يطهر بالنار ثم يخرج.
اه وقال الحفتى: ان استحل ذلك فهو كافر
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
فان كان المرهون عصيرا فصار في يد المرتهن خمرا زال ملك الراهن عنه وبطل الرهن لانه صار محرما لا يجوز التصرف فيه فزال الملك فيه وبطل الرهن كالحيوان إذا مات، فان تخللت عاد الملك فيه لانه عاد مباحا يجوز التصرف فيه فعاد الملك فيه كجلد الميتة إذا دبغ، ويعود رهنا لانه عاد إلى الملك السابق، وقد كان في الملك السابق رهنا فعاد رهنا، فان كان المرهون حيوانا فمات وأخذ الراهن جلده ودبغه فهل يعود الرهن فيه وجهان.
قال أبو على ابن خبران يعود رهنا، كما لو رهنه عصيرا فصار خمرا ثم صار خلا.
وقال أبو إسحاق
لا يعود الرهن لانه عاد الملك فيه بمعالجة وأمر أحدثه فلم يعد رهنا بخلاف الخمر فانها صارت خلا بغير معنى من جهته (الشرح) الاحكام: إذا رهنه عصيرا صح رهنه كالثياب، ولان أكثر ما فيه أنه يخشى تلفه بأن يصير خمرا، وينفسخ الرهن، وذلك لا يمنع صحة الرهن،

(13/246)


كالحيوان يجوز رهنه، وإذا جاز أن يموت، فإذا رهنه عصيرا فاستحال خلا أو مالا يسكر كثيره، فالرهن فيه بحاله لانه يتغير إلى حالة لا تخرجه عن كونه مالا فلم يخرجه من الرهن، كما لو رهنه عبدا شابا فصار شيخا، فإذا رهنه عصيرا فاستحال خمرا زال ملك الراهن عنه وبطل الرهن فيه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يزول ملك الراهن عنه، ولا يبطل الرهن به لانه يجوز أن تصير له قيمة دليلنا أن كونه خمرا يمنع صحة التصرف فيه، والضمان على متلفه، فبطل به الملك والرهن، كموت الشاة.
إذا ثبت هذا فإنه يجب إراقته، فان أتلف فلا كلام، ولا خيار للمرتهن في البيع - إن كان شرط رهنه فيه - إذا كان انقلابه بيده، لان التلف حصل بيده، وإن استحال الخمر خلا بنفسه من غير معالجة عاد الملك فيه للراهن بلا خلاف، وعاد الرهن فيه للمرتهن، لانا إنما حكمنا بزوال ملك الراهن عنه وبطلان الرهن بحدوث الاسكار، وقد زالت تلك الصفة من غير أن تخلف نجاسة فوجب أن يعود إلى سابق ملكه كما كان.
فان قيل: أليس العقد إذا بطل لم يصح حتى يبتدأ، والرهن قد بطل فكيف عاد من غير أن يجدد عقده؟ قيل إنما يقال ذلك إذا وقع العقد فاسدا، وأما وقد وقع العقد صحيحا ابتداء ثم طرأ عليه ما أخرجه عن حكم العقد فانه إذا زال ذلك المعنى عاد العقد صحيحا، كما نقول: إذا أسلمت زوجة الكافر يحرم عليه وطؤها
فإذا أسلم الزوج قبل انقضاء العدة عاد العقد كما كان، وكذلك إذا ارتد الزوجان أو أحدهما، فإذا استحال الخمر خلا بصنعة آدمى لم يطهر بذلك.
بل تزول الخمرية عنه، ويكون خلا نجسا لا يحل الائتدام به، ولا يعود امتلاكه ولا رهنه.
وقال أبو حنيفة: يكون طاهرا يحل شربه والرهن فيه بحاله دليلنا ما روى أبو طلحة رضى الله عنه قال: لما نزل تحريم الخمر قلت: يا رسول الله ان عندي خمرا لايتام ورثوه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرقه قلت أفلا أخلله؟ قال لا، فنهاه عن تخليله، وهذا يقتضى التحريم، فان كان مع رجل خمر فأراقه فأخذه آخر وصار في يده خلا أو وهبه لغيره فصار في يد الموهوب خلا، ففيه وجهان.

(13/247)


من أصحابنا من قال يكون لمن أراقه، لانه يعود إلى سابق ملكه، والملك للمريق، فهو كما لو غصب من رجل خمرا وصار في يده خلا
(والثانى)
يكون ملكا لمن هو في يده، لانه إذا أراقه صاحبه فقد رفع يده عنه، فإذا جمعه الآخر صارت له عليه يد والاول أصح.
قال ابن الصباغ: إذا رهنه عصيرا فصار خمرا في يد الراهن قبل القبض بطل الرهن، فان عاد خلا لم يعد الرهن، ويخالف إذا كان بعد القبض لان الرهن قد لزم، وقد صار مانعا للملك، وكذلك إذا اشترى عصيرا فصار خمرا في يد البائع وعاد خلا فسد العقد ولم يكن ملكا للمشترى بعوده خلا، والفرق بينه وبين الرهن أن الرهن عاد تبعا لملك الراهن، وها هنا يعود لملك البائع لعدم العقد.
(فرع)
إذا رهن عند رجل شاة وأقبضه اياها فماتت زال ملك الراهن وبطل الرهن فيها لانها خرجت عن أن تكون مالا، فان أخذ الراهن جلدها فدبغها
عاد ملكه على الجلد بلا خلاف، وهل يعود رهنا؟ فيه وجهان قال ابن خيران: انما عاد بمعالجته، ومعنى أحدثه بخلاف الخمر، وسئل أبو إسحاق عن رجل ماتت له شاة، فجاء آخر وأخذ جلدها فدبغه، فقال إذا لم يطرحها مالكها فان الجلد لمالك الشاة دون الدابغ، لان الملك وان عاد بمعنى أحدثه الدابغ إلا أن يد المالك كانت مستقرة على الجلد وجوز له استصلاحه فإذا غصبه غاصب ودبغه لم ينقل يد المالك كما لو كان له جرو كلب يريد تعليمه الصيد فغصبه إنسان وعلمه، فان المغصوب منه أحق به، لان يده كانت مستقرة عليه، قال فأما إذا طرح صاحب الشاة شاته على المزبلة فأخذ رجل جلدها ودبغه ملكه لان المالك قد أزال يده عنها.
قيل له: أليس من يحجر مواتا يكون أحق بإحيائها من غيره ثم جاء غيره فأحياها ملكها، فقال الفرق بينهما أن من يحجر على شئ من الموات صار به بمعنى أثره فيه، وهو الحجز ويده ضعيفة لاستبدال ملك، فإذا وجد سبب الملك وهو الاحياء بطلت يده، وكذلك من ماتت له شاة لان يده مقرة عليها بالملك.

(13/248)


قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وإن تلف الرهن في يد المرتهن من غير تفريط تلف من ضمان الراهن ولا يسقط من دينه شئ لما روى سعيد بن المسيب رضى الله عنه قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لا يغلق الرهن ممن رهنه، ولانه وثيقة بدين ليس بعوض منه فلم يسقط الدين بهلاكه كالضامن، فإن غصب عينا ورهنها بدين ولم يعلم المرتهن وهلكت عنده من غير تفريط فهل يجوز للمالك أن يغرمه فيه وجهان
(أحدهما)
لا يغرمه لانه دخل على الامانة
(والثانى)
له أن يغرمه لانه أخذه من يد ضامنة، فان قلنا انه يغرمه فغرمه فهل يرجع بما غرم على الراهن
فيه وجهان
(أحدهما)
يرجع لانه عره
(والثانى)
لا يرجع لانه حصل التلف في يده فاستقر الضمان عليه، فان بدأ وغرم الراهن، فان قلنا ان المرتهن إذا غرم رجع على الراهن لم يرجع الراهن على المرتهن بما غرمه، وإن قلنا ان المرتهن إذا غرم لا يرجع على الراهن رجع عليه الراهن بما غرمه، فان رهن عند رجل عينا وقال رهنتك هذا إلى شهر فان لم أعطك مالك فهو لك بالدين فالرهن باطل لانه وقته والبيع باطل لانه علقه على شرط فان هلك العين قبل الشهر لم يضمن لانه مقبوض بحكم الرهن فلم يضمنه كالمقبوض عن رهن صحيح، وان هلك بعد الشهر ضمنه لانه مقبوض بحكم البيع فضمنه كالمقبوض عن بيع صحيح (الشرح) الحديث مر تخريجه في غير موضع أما الاحكام فانه إذا قبض المرتهن الرهن فهلك في يده من غير تفريط لم يلزمه ضمانه ولا يسقط من دينه شئ، وبه قال الاوزاعي وعطاء وأحمد وأبو عبيد وهى إحدى الروايتين عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن الرهن مضمون على المرتهن بأقل الامرين من قيمته، أو قدر الدين، فإذا هلك فان كان الدين مائة وقيمة الرهن تسعين ضمنه بتسعين وبقى له من الدين عشرة، وان كان الدين تسعين وقيمة الرهن مائة فهلك الرهن سقط الرهن وسقط جميع دينه، ولا يرجع الراهن عليه بشئ لسقوط الدين، وروى ذلك عن عمر رضى الله عنه.

(13/249)


وذهب إسحاق بن راهويه إلى أن الرهن مضمون على المرتهن بكمال قيمته، ثم يترادان، وهى الرواية الثانية عن على رضى الله عنه.
وذهب الشعبى والحسن البصري إلى أن الرهن إذا هلك في يد المرتهن سقط جميع دينه، سواء كانت قيمته أكثر من قدر الدين أو أقل أو كانا متساويين.
وقال مالك: إن هلك الرهن هلاكا ظاهرا، مثل أن كان عبدا فمات أو دارا فاحترقت فهو غير مضمون على المرتهن، وان هلك هلاكا خفيا، مثل أن يدعى المرتهن أنه هلك، فهو مضمون كما قال اسحاق بن راهويه.
دليلنا ما روى سعيد بن المسيب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال " لا يغلق الرهن من راهنه الذى رهنه له غنمه وعليه غرمه " فهذا الحديث دليل في ثلاثة أمور: (أحدها) قوله صلى الله عليه وسلم " لا يغلق الرهن " وله ثلاثة تأويلات.
أحدهما: لا يكون الرهن للمرتهن بحقه إذا حل الحق.
والتأويل الثاني: لا يسقط الحق بتلفه.
والثالث: أي لا ينغلق حتى لا يكون للراهن فكه عن الرهن بل له فكه.
فإن قيل فهذا حجة عليكم لان قوله صلى الله عليه وسلم " لا يغلق الرهن " أي لا يهلك بغير عوض.
قال زهير: وفارقتك رهن لا فكاك له
* يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا يعنى ارتهن فخلبه الحب يوم الوداع، فأمسى وقد غلق الرهن، أي هلك بغير عوض.
قلنا هذا غلط لان القلب لا يهلك، وانما معناه أن القلب صار رهنا بحقه وقد انغلق انغلاقا لا ينفك (الثاني) قوله صلى الله عليه وسلم " من راهنه " يعنى من ضمانه، قال الشافعي رضى الله عنه: وهذه أبلغ كلمة للعرب في أنهم إذا قالوا هذا الشئ من فلان يريدون من ضمانه.
(الثالث) قوله صلى الله عليه وسلم " له غنمه وعليه غرمه " قال الشافعي رضى الله عنه وغرمه هلاكه وعطبه، ولانه مقبوض عن عقد لو كان فاسدا لم يضمن فوجب إذا كان صحيحا أن لا يضمن أصله، كالوديعة ومال المضاربة والوكالة والشركة، وعكسه المقبوض عن البيع والقرض

(13/250)


وان غصب رجل من رجل عينا فرهنها عند آخر وقبضها المرتهن فأتلفها أو تلفت عنده بغير تفريط، فإن كان عالما بأنها مغصوبة فللمغصوب منه أن يرجع بقيمتها على الغاصب أو المرتهن لانه أتلفها ولانه كان عالما بغصبها فيستقر عليه الضمان لحصول التلف في يده، وان رجع المغصوب منه على المرتهن لم يرجع المرتهن على الراهن لان الضمان استقر عليه.
وان كان المرتهن غير عالم لكونها مغصوبة وتلفت عنده من غير تفريط فللمغصوب منه أن يرجع على الغاصب لانه أخذها من مالكها متعديا.
وهل للمالك أن يرجع على المرتهن؟ فيه وجهان
(أحدهما)
لا يرجع عليه لانه أخذها على وجه الامانة
(والثانى)
يرجع عليه لانه أخذها من يد ضامنه.
وإذا قلنا يرجع على المرتهن، فهل للمرتهن أن يرجع بما ضمنه على الراهن؟ قال أبو العباس بن سريج من أئمتنا: لا يرجع لانه تلف في يده فاستقر الضمان عليه.
وفيه وجه آخر.
ولم يقل الشيخ أبو حامد في التعليق غير أنه يرجع عليه، لان المرتهن أمين فلا يضمن بغير تعد، فيكون تلف الرهن من ضمان الراهن، فرجع بالقيمة عليه لانه غره.
وان بدا المغصوب منه المرتهن أنه لا يرجع على الراهن رجع الراهن ها هنا على المرتهن وقال في الام " ولو رهنه رهنا على أنه إذا دفع الحق وقضاه أخذ الرهن، وان لم يقض له بدينه فالرهن والبيع فاسدان " وهذا صحيح قال العمرانى: أما الرهن فبطل لانه مؤقت لمحل الدين ومن شأنه أن يكون مطلقا.
وأما البيع فبطل لانه ملق بزمان مستقبل، فيكون هذا الرهن في يد المرتهن إلى أن يحل الحق غير مضمون عليه لانه مقبوض عن رهن فاسد، وحكم المقبوض في الضمان عن العقد الفاسد كالمقبوض عن العقد الصحيح، فان تلف
الرهن لم يضمن وإذا حل الحق كان مضمونا على المرتهن لانه مقبوض عن بيع فاسد فضمنه كالمقبوض عن بيع صحيح فعلى هذا إذا تلف في يده لزمه ضمانه سواء فرط فيه أو لم يفرط

(13/251)


قال المصنف رحمه الله: باب اختلاف المتراهنين إذا اختلف المتراهنان فقال الراهن ما رهنتك، وقال المرتهن رهنتني فالقول قول الراهن مع يمينه لان الاصل عدم العقد.

(فصل)
إذا اختلفا في عين الرهن فقال الراهن رهنتك العبد وقال المرتهن بل رهنتني الثوب فالقول قول الراهن أنه لم يرهن الثوب فإذا حلف خرج الثوب عن أن يكون رهنا بيمينه وخرج العبد عن أن يكون رهنا برد المرتهن.
(الشرح) الاحكام: أولا: إذا اختلف المتراهنان، فقال أحدهما للآخر لقد رهنتني عينا بدين لى عليك، فقال الآخر: ما رهنتكها - ولم تكن ثم بينه، فالقول قول من عليه الدين مع يمينه أنه ما رهنه، لان الاصل عدم الرهن.
ثانيا: اختلفا في عين الرهن فادعى المرتهن أنه ارتهن منه راديو (مذياع) فقال الراهن: ما رهنتك هذا المذياع وإنما رهنتك مرناة (تليفزيون) حلف الراهن أنه ما رهنه الراديو وإنما رهنه التليفزيون.
فخرج المذياع عن أن يكون رهنا بيمين الراهن وخرج التليفزيون عن أن يكون رهنا بإنكار المرتهن له.
ثالثا: اختلفا في قدر الرهن، فقال المرتهن: رهنتني هاتين الدراجتين بعشرة جنيهات فقال الراهن: بل رهنتك إحداهما بعشرة.
رابعا: اختلفا في قدر الدين المرهون به فقال المرتهن: رهنتني هذه السيارة
بمائة لى عليك، وقال الراهن: بل رهنتكها بخمسين.
فالقول في الثالث والرابع قول الراهن مع يمينه في كل من المثلين، وبه قال أبو حنيفة وأحمد رضى الله عنهما وقال مالك رضى الله عنه: القول قول من الظاهر معه، فإن كانت الدراجة التى أقر الراهن برهنها تساوى عشرة أو دونها ويرهن مثلها بعشرة فالقول قول الراهن وان كانت لا تساوى عشرة ولا يرهن مثلها في العادة بعشرة فالقول قول المرتهن

(13/252)


وكذلك في السيارة القول قول المرتهن في قدر الرهن إن كانت قيمة السيارة مائة، وإن كانت قيمتها أكثر من مائة فالقول قول الراهن.
دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر " وهذا الراهن منكر فيهما، ولانهما لو اختلفا في أصل العقد لكان القول قول الراهن، فكذلك إذا اختلفا في قدر المعقود عليه.
خامسا: ان كان له عليه ألف مؤجلة وألف معجلة فرهنه سيارة بألف ثم اختلفا، فقال المرتهن: رهنتنيه بالالف الحال.
وقال الراهن: بل رهنتكه بالالف المؤجل، فالقول قول الراهن مع يمينه، لما ذكرناه في المسائل قبلها.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وإذا اختلفا في قدر الرهن فقال الراهن رهنتك هذا العبد وقال: بل رهنتني هذين العبدين فالقول قول الراهن، لان الاصل عدم الرهن إلا فيما أقر به، ولان كل من كان القول قوله إذا اختلفا في أصله كان القول قوله إذا اختلفا في قدره كالزوج في الطلاق فإن رهنه أرضا وأقبضه ووجد فيها نخيل يجوز أن يكون حدث بعد الرهن، ويجوز أن يكون قبله فقال الراهن حدث بعد الرهن فهو خارج من الرهن.
وقال المرتهن: بل كان قبل الرهن ورهنتنيه مع الارض فالقول قول الراهن.
وقال المزني: القول قول المرتهن لانه في يده وهذا خطأ
لما ذكرناه في العبدين.
وقوله: إنه في يده لا يصح، لان اليد إنما يقدم بها في الملك دون العقد، ولهذا لو اختلفا في أصل العقد كان القول قول الراهن، وإن كانت العين في يد المرتهن، فان رهن حمل شجرة تحمل حملين وحدث حمل آخر وقلنا: إنه يصح العقد فاختلفا في مقدار الحمل الاول، فالقول قول الراهن، وقال المزني: القول قول المرتهن، لانه في يده، وهذا لا يصح، لان الاصل أنه لم يدخل في العقد إلا ما أقر به، وأما اليد فقد بينا أنه لا يرجح بها في العقد.
(الشرح) الاحكام: إذا رهنه أرضا ووجد فيها نخل أو شجر، فقال المرتهن: كان هذا موجودا وقت الرهن فهو داخل في الرهن.
وقال الراهن:

(13/253)


بل حدث بعد الرهن فهو خارج من الرهن، فإن كان ما قاله المرتهن غير ممكن كان يكون النخل صغيرا وكان العقد من مدة لا تسمح بأن يكون النخل باقيا على صغره لحداثة مظهره فلا يجوز من ثم أن يكون النخل موجودا وقت العقد، فالقول قول الراهن من غير يمين، لانه لا يمكن صدق المرتهن.
وإن كان ما قاله الراهن غير ممكن، كأن يكون لعقد الرهن مدة لا يمكن حدوث النخل بعدها لكبر النخل وقصر مدة العقد وما إلى ذلك فالقول قول المرتهن بلا يمين لان ما يقوله الراهن مستحيل فلم يقبل قوله.
وإن كان يمكن صدق كل منهما كأن يكون احتمال وجود النخل مساويا لاحتمال حدوثه بعد العقد، قال الشافعي رضى الله عنه: فالقول قول الراهن مع يمينه.
قال المزني قولا ضعيفا في المذهب: القول قول المرتهن، لانه في يده.
والمذهب الاول، لان المرتهن قد اعترف للراهن بملك النخل، وقد صار يدعى عليه عقد الرهن، والراهن ينكر ذلك، فكان القول قول الراهن، كما لو ادعى
عليه عقد الرهن في النخل مفردا دون الارض واما اليد التى تعلل بها المزني فلا يرجح بها في دعوى لعقد وانما يرجح بها في دعاوى الملك فإذا حلف الراهن نظرت فإن كان الرهن في القرض أو كان متطوعا به في الثمن غير مشروطا في البيع بقى الرهن في الارض ولا كلام وإن كان الرهن مشروطا في البيع فإن هذ الاختلاف يوجب التحالف وقد حلف الراهن وخرج الرهن عن الراهن، فان رضى المرتهن بذلك فلا كلام، وان لم يرض حلف المرتهن أن النخل كان داخلا في الرهن.
وهل ينفسخ البيع والرهن بنفس التحالف أو بالفسخ؟ على الوجهين في التحالف.
فان قلنا لا ينفسخ فتطوع الراهن بتسليم النخل رهنا فليس للمرتهن فسخ البيع.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وإن اختلفا في قدر الدين فقال الراهن: رهنتك هذا العبد بألف وقال المرتهن: بل رهنتيه بألفين فالقول قول الراهن، لان الاصل عدم الالف فان قال رهنته بألف وزادني ألفا آخر على أن يكون رهنا بالالفين.
وقال المرتهن

(13/254)


بل رهنتني بالالفين، وقلنا: لا تجوز الزيادة في الدين في رهن واحد ففيه وجهان أحدهما: أن القول قول الراهن لانهما لو اختلفا في أصل العقد كان القول قوله فكذلك إذا اختلفا في صفته.
والثانى: أن القول قول المرتهن، لانهما اتفقا على صحة الرهن والدين، والراهن يدعى أن ذلك كان في عقد آخر، والاصل عدمه، فكان القول قول المرتهن، فان بعث عبده مع رجل ليرهنه عند رجل بمال ففعل، ثم اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن أذنت له في الرهن بعشرة، وقال المرتهن بل بعشرين نظرت، فان صدق الرسول الراهن حلف الرسول أنه ما رهن إلا بعشرة، ولا يمين على الراهن، لانه لم يعقد العقد، وإن صدق الرسول المرتهن فالقول قول
الراهن مع يمينه، فإذا حلف بقى الرهن على عشرة، وعلى الرسول عشرة، لانه أقر بقبضها.
(الشرح) إذا اختلفا فقال الراهن رهنتك شيئا بمائة بعقد ثم زدتني مائة أخرى فعقدت الرهن بها على هذا الشئ قبل فسخ العقد، إذا حدث هذا وقلنا: لا يصح ذلك، وقال المرتهن بل ارتهنته منه بالمائتين بعقد واحد ففيه وجهان.

(أحدهما)
القول قول الراهن مع يمينه، لانهما لو اختلفا في أصل العقد لكان القول قوله، فكذلك إذا اختلفا في صفته
(والثانى)
القول قول المرتهن مع يمينه، لانهما اتفقا على عقد الرهن، والراهن يدعى معنى يقتضى بطلانه، والاصل عدم ما يبطله.
(فرع)
إذا قال الرجل لغيره هذه السيارة التى عندي هي لك رهنتنيها بألف لى عليك، فقال له: هذه السيارة لى وديعة لى عندك، وإنما رهنتك بألف على سيارة أخرى أحرقتها، وأنا استحق عليك قيمتها، فالقول قول المقر مع يمينه، أنه ما أحرق له سيارة ولا شئ له عليه من القيمة لان الاصل براءة ذمته والقول قول المقر له مع يمينه أنه ما رهنه هذه السيارة، وعليه الالف لانه مقر بوجوبها (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ " إذا قال الرجل لغيره رهنتك عبدى هذا بألف درهم لك على، فقال المرتهن بل رهنتنيه أنا وزيدا بألفى درهم ألف درهم لى وألف درهم لزيد، وادعى زيد بذلك، فالقول قول الراهن أنه

(13/255)


ما رهن زيدا شيئا، فإذا حلف كان العبد رهنا عند الذى أقر له به " قال الشيخ أبو حامد: وهذا لا يجئ على أصل الشافعي رحمه الله، لان المالك أقر للمرتهن برهن جميع العبد، وهو لا يدعى نصفه، وإنما ادعى وقد حلف له المالك، فيجب ألا يبقى عند المقر له إلا نصف العبد مرهونا.
قال الشافعي رحمه الله: وأما إذا قال لغيره رهنتك عبدى هذا بألف درهم لك على، فقال المرتهن هذا الالف الذى أقررت أنه لى رهنتني به العبد هو لى ولزيد قيل ذلك لانه إقرار في حق نفسه فقبل، فيكون بينه وبين زيد قال الشيخ أبو حامد، ولم يذكر الشافعي رحمه الله حكم الرهن ها هنا، ولكن يكون العبد رهنا بالالف لان المرتهن اعترف بالحق الذى أرهن به أنه له ولغيره فقبل إقراره في ذلك، كما لو كان له ألف برهن، فقال هذا الالف لزيد، كان له الالف بالرهن، كذلك هذا مثله.

قال المصنف رحمه الله تعالى
.

(فصل)
قال في الام " إذا كان في يد رجل عبد لآخر فقال رهنتنيه بألف وقال السيد بل بعتكه بألف حلف السيد أنه ما رهنه بألف: لان الاصل عدم الرهن، ويحلف الذى في يده العبد انه ما اشتراه، لان الاصل عدم الشراء، ويأخذ السيد عبده، فإن قال السيد رهنتكه بألف قبضتها منك قرضا، وقال الذى في يده العبد بل بعتنيه بألف قبضتها منى ثمنا، حلف كل واحد منهما على نفى ما ادعى عليه، لان الاصل عدم العقد، وعلى السيد الالف لانه مقر بوجوبها، فان قال الذى في يده العبد " بعتنيه بألف " وقال السيد بل رهنتكه بألف حلف السيد انه ما باعه، فإذا حلف خرج العبد من يد من هو في يده لان البيع قد زال والسيد معترف بأنه رهن، والمرتهن ينكر، ومتى أنكر المرتهن الرهن زال الرهن.
(الشرح) ذكر الشافعي رحمه الله في باب الرسالة من الام أربع مسائل الاول، إذا دفع لرجل ثوبا، وأرسله ليرهنه له بحق عند رجل فرهنه، ثم اختلف الراهن والمرتهن، فقال المرتهن جاءني برسالتك في أن أسلفك عشرين

(13/256)


فأعطيته إياها فكذبه الرسول، فالقول قول الرسول والمرسل، ولا أنظر إلى قيمة الرهن.
قال العمرانى فيحلف الرسول أنه ما رهنه إلا بعشرة ولا يمين على المرسل، لان الرسول هو الذى باشر العقد قال ابن الصباغ: وعندي أن المرتهن إذا ادعى مع المرسل أنه أذن له في ذلك وقبض منه عشرين بإذنه أن له أن يحلفه، لان المرسل لو أقر بذلك لزمه ما قاله، فإذا أنكره حلف له.
الثانية: ولو صدقه الرسول فقال: قد قبضت منك عشرين ودفعتها إلى المرسل، وكذبه المرسل، كان القول قول المرسل مع يمينه ما أمره إلا بعشرة ولا دفع إليه إلا هي، وكان الرهن بعشرة، وكان الرسول ضامنا للعشرة التى أقر بقبضها مع العشرة التى أقر بها المرسل - بفتح السين - بقبضها.
قال ابن الصباغ وعندي أن المرتهن إذا صدق الرسول أن الراهن أذن له في ذلك لم يكن له الرجوع على الرسول لانه يقر أن الذى ظلمه هو المرسل الثالثة: قال الشافعي ولو دفع إليه ثوبا فرهنه عند رجل.
وقال الرسول أمرتنى برهن الثوب عند فلان بعشرة فرهنته، وقال المرسل أمرتك أن تستسلف من فلان عشرة بغير رهن.
ولم آذن لك في رهن الثوب، فالقول قول صاحب الثوب والعشرة حالة عليه.
ولو كانت المسألة بحالها فقال أمرتك بأخذ عشرة سلفا في عبدى فلان، وقال الرسول بل في ثوبك هذا أو عبدك هذا العبد غير الذى أقر به الآمر فالقول قول الآمر والعشرة حالة عليه ويسوق العمرانى في البيان المسألة بصورة أخرى فيقول: إذا دفع إليه ثوبا وعبدا وأمره أن يرهن أحدهما عند رجل بشئ يأخذه له منه فرهن الرسول العبد ثم قال المرسل إنما أذنت له في رهن الثوب، وأما العبد فوديعة، وقال الرسول أو المرتهن، إنما أذنت له في رهن العبد، حلف المرسل أنه ما أذن له في رهن
العبد وخرج العبد عن الرهن بيمينه.
وخرج الثوب عن الرهن لانه لم يرهن.
الرابعة: إذا قال المرسل أمرتك برهن الثوب ونهيتك عن رهن العبد، وأقام على ذلك بينة، وأقام الرسول بينة أذن له في رهن العبد فيصح، وإذا احتمل هذا

(13/257)


وهذا فقد وجد من الرسول عقد الرهن على العبد، والظاهر أنه عقد صحيح، فلا يحكم ببطلانه لامر محتمل.

قال المصنف رحمه الله تعالى
(فصل)
وان اتفقا على رهن عين، ثم وجدت العين في يد المرتهن، فقال الراهن قبضته بغير اذنى، وقال المرتهن بل قبضته بإذنك فالقول قول الراهن لان الاصل عدم الاذن، ولانهما لو اختلفا في أصل العقد والعين في يد المرتهن كان القول قول الراهن، فكذلك إذا اختلفا في الاذن، فان اتفقا على الاذن فقال الراهن رجعت في الاذن قبل القبض.
وقال المرتهن لم يرجع حتى قبضت فالقول قول المرتهن، لان الاصل بقاء الاذن، وان اتفقا على الاذن واختلفا في القبض فقال الراهن لم تقبضه، وقال المرتهن بل قبضت، فان كانت العين في يد الراهن فالقول قوله لان الاصل عدم القبض، وان كان في يد المرتهن فالقول قوله لانه أذن في قبضه والعين في يده، فالظاهر أنه قبضه بحق، فكان القول قوله.
وان قال رهنته وأقبضته ثم رجع، وقال ما كنت أقبضته حلفوه أنه قبض، فالمنصوص أنه يحلف.
وقال أبو إسحاق ان قال وكيلى أقبضه وبان لى أنه لم يكن أقبضه حلف.
وعليه تأول النص.
وان قال أنا أقبضته ثم رجع لم يحلف لان اقراره المتقدم يكذبه.
وقال أبو على بن خيران وعامة أصحابنا انه يحلف لانه يمكن صدقه بأن يكون قد وعده بالقبض فأقر به، ولم يكن قبض.
(الشرح) إذا كان في يد رجل شئ لغيره فقال من بيده الشئ للمالك رهنتني هذا بألف هي لى عليك قرضا.
وقال المالك بل بعتكه بألف هي لى عليك ثمنا حلف المالك أنه ما رهنه هذا الشئ، لان الاصل عدم الرهن، ويحلف من بيده الشئ أنه ما اشتراه، لان الاصل عدم الشراء، ويبطل العقدان ويسقط المالان ويرد الشئ إلى صاحبه.
فان قال من بيده الشئ رهنتنيه بألف أقبضتكها، وقال المالك بل رهنتكه بألف لم أقبضها - فالقول قول المالك مع يمينه - لان الاصل عدم القبض

(13/258)


قال العمرانى في البيان: وإن قال من بيده العبد (إن كان الرهن عبدا) بعتنيه بألف وقال السيد: رهنتكه بألف، حلف السيد أنه ما باعه العبد، فإذا حلف خرج العبد من يد من هو بيده لان المبيع زال بيمين السيد، وبطل الرهن، لان المالك يقر له به والمرتهن ينكره، ومتى أنكر المرتهن الرهن زال الرهن ثم قال قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب والمحاملى في المجموع: فإن قال السيد: رهنتكه بألف قبضتها منى ثمنا حلف كل واحد منهما على نفى ما ادعى عليه، لان الاصل عدم العقد، وعلى السيد الالف، لانه مقر بوجوبها.
قلت: والذى يقتضى القياس عندي أنه لا يمين على الذى بيده العبد لانه ما ارتهن العبد لما ذكرناه في المسألة قبلها.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن رهن عصيرا وأقبضه، ثم وجده خمرا في يد المرتهن فقال: أقبضتنيه وهو خمر، فلى الخيار في فسخ البيع.
وقال الراهن: بل أقبضتكه وهو عصير، فصار في يدك خمرا، فلا خيار لك، ففيه قولان.

(أحدهما)
أن القول قول المرتهن، وهو اختيار المزني، لان الراهن يدعى
قبضا صحيحا، والاصل عدمه.

(والثانى)
أن القول قول الراهن، وهو الصحيح، لانهما اتفقا على العقد والقبض.
واختلفا في صفة يجوز حدوثها فكان القول قول من ينفى الصفة، كما لو اختلف البائع والمشترى في عيب بعد القبض، وإن اختلفا في العقد فقال المرتهن رهنتنيه وهو خمر.
وقال الراهن: بل رهنتكه وهو عصير.
فصار عندك خمرا، فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال أكثرهم: هي على قولين.
وقال أبو على بن أبى هريرة: القول قول المرتهن قولا واحدا، لانه ينكر العقد والاصل عدمه.
فإن رهن عبدا فأقبضه في محمل أو ملفوفا في ثوب، ووجد ميتا.
فقال المرتهن أقبضتنيه وهو ميت، فلى الخيار في فسخ البيع.
وقال الراهن أقبضتكه حيا ثم مات عندك، فلا خيار لك ففيه طريقان.

(أحدهما)
وهو الصحيح: أنه على القولين كالعصير
(والثانى)
وهو قول

(13/259)


أبى على الطبري أن القول قول المرتهن، لان هذا اختلاف في اصل القبض لان الميت لا يصح قبضه، لانه لا يقبض إلا ظاهرا، بخلاف العصير، فانه يقبض في الظرف، والظاهر منه الصحة.
(الشرح) الاحكام: إذا رهنه عينا فوجدت في يد المرتهن، فقال المرتهن.
قبضتها بإذنك رهنا.
وقال الراهن لم آذن لك بقبضها، وإنما غصبتنيها أو أجرتها منك، فقبضتها عن الاجارة فالقول قول الراهن مع يمينه، لان الاصل عدم الاذن، وإن اتفقا على الرهن والاذن والقبض، ولكن قال الراهن رجعت في الاذن قبل أن يقبض، وقال المرتهن لم ترجع، ولم تقم بينة على الجوع فالقول قول المرتهن مع يمينه أنه ما يعلم أنه رجع، لان الاصل عدم الرجوع.
وان اتفقا على الرهن والاذن، واختلفا في القبض، فقال الراهن.
لم تقبض
وقال المرتهن بل قبضت.
قال الشافعي في موضع القول قول المرتهن وقال في موضع القول قول الراهن قال أصحابنا ليست على قولين وإنما هي على حالين فان كانت العين في يد الراهن فالقول قول الراهن لان الاصل عدم القبض والذى يقتضى المذهب عندي أن يحلف أنه ما يعلم أنه قبض، لا يحلف على نفى فعل غيره، وإن كانت العين في يد المرتهن حلف أنه قبض لان الظاهر أنه قبض بحق.
(فرع)
وإن أقر أنه رهن عند غيره عينا وأقبضه إياها ثم قال الراهن لم يكن قبضها، وأراد منعه من القبض لم يقبل رجوعه عن إقراره بالقبض، لان إقراره لازم، فإن قال الراهن للمرتهن.
احلف أنك قبضتها.
قال الشافعي رضى الله عنه أحلفته.
قال في البيان واختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق ان كان المرهون غائبا فقال أقررت بالقبض لان وكيلى أخبرني أنه أقبضه ثم بان لى أنه لم يقبضه أحلف المرتهن لانه لا يكذب لنفسه، وانما يدعى أمرا محتملا.
فأما إذا كان الرهن حاضرا أو أقر أنه أقبضه بنفسه ثم رجع.
وقال لم يقبض، لم تسمع دعواه، ولم يحلف المرتهن لانه يكذب نفسه.
وقال أبو على بن خيران وعامة أصحابنا يحلف المرتهن بكل حال وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أما مع غيبة الرهن فلما ذكر الشيخ أبو إسحاق مع

(13/260)


حضوره فلانه قد يستنيب غيره بالاقباض، فيخبره بأن المرتهن قد قبض، ثم يبين له أنه خان في إخباره، وأيضا فإنه قد يعده بالاقباض مقر له به قبل فعله، فكانت دعواه محتملة.
قالوا: وهكذا لو أن رجلا أقر بأنه أقبض من رجل ألفا ثم قال بعد ذلك: لم أقبضها، وإنما وعدني أن يقرضنى فأقررت به ثم لم يفعل استحلف المقرض، لانه لا يكذب نفسه، فأما إذا شهد شاهدان بأنه رهنه عبده وأقبضه ثم ادعى أنه لم يقبضه، وطلب يمين المرتهن لم تسمع دعواه، ولم يحلف
المقر له، لان في ذلك قدحا في البينة اه.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وإن كان لرجل عبد، وعليه ألفان لرجلين لكل واحد منهما ألف فادعى كل واحد منهما أنه رهن العبد عنده بدينه، والعبد في يد الراهن أو في يد العدل نظرت، فإن كذبهما فالقول قوله مع يمينه، لان الاصل عدم الرهن، وإن صدقهما وادعى الجهل بالسابق منهما فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف فسخ الرهن على المنصوص، لانه ليس أحدهما بأولى من الآخر فبطل، كما لو زوج امرأة وليان من رجلين، وجهل السابق منهما، ومن أصحابنا من قال: يجعل بينهما نصفين، لانه يجوز أن يكون مرهونا عندهما بخلاف الزوجة، وإن صدق أحدهما وكذب الآخر أو صدقهما وعين السابق منهما، فالرهن للمصدق، وهل يحلف للآخر؟ فيه قولان.

(أحدهما)
يحلف
(والثانى)
لا يحلف بناء على القولين فيمن أقر بدار لزيد.
ثم أقر بها لعمرو، فهل يغرم لعمرو شيئا أم لا؟ فيه قولان.
فان قلنا لا يغرم لم يحلف، لانه إن نكل لم يغرم فلا فائدة في عرض اليمين، وان قلنا يغرم حلف لانه ربما نكل فيغرم للثاني قيمته، فان قلنا لا يحلف فلا كلام.
وان قلنا يحلف نظرت، فان حلف انصرف الآخر، وإن نكل عرضت اليمين على الثاني، فان نكل انصرف، وإن حلف بنينا على القولين في يمين المدعى مع نكول المدعى عليه.
فان قلنا انها كالبينة نزع العبد وسلم إلى الثاني.
وان قلنا انه كالاقرار، ففيه ثلاثة أوجه.

(13/261)


أحدها: أنه ينفسخ لانه أقر لهما وجهل السابق منهما.
والثانى: يجعل بينهما لانهما استويا، ويجوز أن يكون مرهونا عندهما فجعل
بينهما.
والثالث: يقر الرهن في يد المصدق ويغرم للآخر قيمته، ليكون رهنا عنده، لانه جعل كأنه أقر بأنه حال بينه وبين الرهن فلزمه ضمانه، وان كان العبد في يد أحد المرتهنين نظرت، فان كان في يد المقر له أقر في يده، لانه اجتمع له اليد والاقرار؟ وهل يحلف للثاني؟ على القولين، فان كان في يد الذى لم يقر له فقد حصل لاحدهما اليد وللآخر الاقرار، وفيه قولان.

(أحدهما)
يقدم الاقرار لانه يخبر عن أمر باطن.

(والثانى)
يقدم اليد وهو قول المزني، لان الظاهر معه، والاول أظهر، لان اليد انما تدل على الملك لا على العقد، وان كان في يدهما فللمقر له الاقرار.
واليد على النصف.
وفى النصف الآخر له الاقرار.
وللآخر يد، وفيه قولان.
أحدهما: يقدم الاقرار فيصير الجميع رهنا عند المقر له.
والثانى يقدم اليد فيكون الرهن بينهما نصفين.
(الشرح) الاحكام: إذا باعه شيئا بشرط أن يرهنه عصيرا فرهنه العصير.
وقبض المرتهن فوجد خمرا.
فقال المرتهن: أقبضتنيه خمرا فلى الخيار في فسخ البيع.
وقال الراهن: بل صار خمرا بعد أن أخذته في يدك فلا خيار لك: ففيه قولان.
أحدهما: أن القول قول المرتهن مع يمينه.
وهو قول أبى حنيفة والمزنى لان الراهن يدعى قبضا صحيحا والاصل عدمه.
والثانى: أن القول قول الراهن وهو الصحيح لانهما قد اتفقا على العقد والتسليم.
واختلفا في تغير صفته.
والاصل عدم التغيير.
وبقاء صفته كما لو باعه شيئا وقبضه فوجد به عيب في يد المشترى يمكن حدوثه بيده.
فان القول قول البائع.
وان قال المرتهن: رهنتنيه وهو خمر.
وقال الراهن: رهنتكه وهو عصير.
وقبضته عصيرا.
وانما صار خمرا في يدك.
فاختلف أصحابنا فيه.
فقال أبو على بن أبى هريرة: القول قول المرتهن قولا واحدا.
لانه ينكر أصل العقد.
وقال عامة أصحابنا هي على قولين
كالتى قبلها وهو المنصوص في مختصر المزني وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(13/262)


قال المصنف رحمه الله.

(فصل)
وإن رهن عبدا وأقبضه ثم أقر أنه جنى قبل الرهن على رجل وصدقه المقر له، وأنكر المرتهن ففيه قولان
(أحدهما)
أن القول قول المرتهن وهو اختيار المزني لانه عقد إذا تم منع البيع فمنع الاقرار كالبيع
(والثانى)
أن القول قول الراهن، لانه أقر في ملكه بما لا يجر نفعا إلى نفسه فقبل إقراره كما لو لم يكن مرهونا، ويخالف هذا إذا باعه لان هناك زال ملكه عن العبد فلم يقبل اقراره عليه وهذا باق على ملكه فقبل اقراره عليه، فان قلنا ان القول قول الراهن فهل يحلف؟ فيه قولان
(أحدهما)
لا يحلف لان اليمين انما يعرض ليخاف فيرجع إن كان كاذبا والراهن لو رجع لم يقبل رجوعه، فلا معنى لعرض اليمين، ولانه أقر في ملكه لغيره فلم يحلف عليه كالمريض إذا أقر بدين
(والثانى)
يحلف لانه يحتمل أن يكون كاذبا بأن واطأ المقر له ليسقط بالاقرار حق المرتهن فحلف فإذا ثبت أنه رهنه وهو جان ففى رهن الجاني قولان
(أحدهما)
أنه باطل
(والثانى)
أنه صحيح، وقد بينا ذلك في أول الرهن، فإن قلنا انه باطل وجب بيعه في أرش الجناية، فإن استغرق الارش قيمته بيع الجميع، وإن لم يستغرق بيع منه بقدر الارش.
وفى الباقي وجهان
(أحدهما)
أنه مرهون لانه إنما حكم ببطلانه لحق المجني عليه، وقد زال.

(والثانى)
أنه لا يكون مرهونا لانا حكمنا ببطلان الرهن من أصله فلا يصير مرهونا من غير عقد، وإن قلنا إنه صحيح فإن استغرق الارش قيمته بيع الجميع وان لم يستغرق بيع منه بقدر الارش ويكون الباقي مرهونا، فإن اختار السيد أن يفديه على هذا القول فبكم يفديه؟ فيه قولان
(أحدهما)
يفديه بأقل الامرين
من قيمته أو أرش الجناية
(والثانى)
يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ أو يسلم المبيع فان قلنا إن القول قول المرتهن لم يقبل قوله من غير يمين، لانه لو رجع قبل رجوعه فحلف فإذا ثبت أنه غير جان فهل يغرم الراهن أرش الجناية؟ ففيه قولان بناء على القولين فيمن أقر بدار لزيد ثم أقر بها لعمرو.
أحدهما يغرم لانه منع بالرهن حق المجني عليه.
والثانى لا يغرم لانه إن كان كاذبا فلا حق عليه،

(13/263)


وإن كان صادقا وجب تسليم العبد، فإن قلنا انه لا يغرم فرجع إليه تعلق الارش برقبته كما لو أقر على رجل أنه أعتق عبده ثم ملك العبد فإنه يتق عليه.
وان قلنا يغرم فكم يغرم؟ فِيهِ طَرِيقَانِ.
مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قولان كالقسم قبله.
ومنهم من قال يغرم أقل الامرين قولا واحدا، لان القول الثاني انما يجئ في الموضع الذى يمكن بيعه فيمتنع.
وههنا لا يمكن بيعه فصار كجناية أم الولد، وان نكل المرتهن عن اليمين فعل من ترد اليمين؟ فيه طريقان
(أحدهما)
ترد على الراهن وان نكل، فهل ترد على المجني عليه.
فيه قولان كما قلنا في غرماء الميت.
ومن أصحابنا من قال نرد اليمين على المجني عليه أولا، فإن نكل فهل ترد على الراهن.
على قولين لان المجني عليه يثبت الحق لنفسه وغرماء الميت يثبتون الحق للميت.
(الشرح) الاحكام: في هذا الفصل وان كان المثل فيها بالعبد، وكان المثل لا يقتضيه ولا يسوغه عصرنا، لما قام عليه الاجماع البشرى من تحرير الرقاب الآدمية، وكان هذا من مقاصد الشريعة السمحة، وأهدافها وغاياتها، على ما سنبينه ان شاء الله تعالى في أبواب العتق، فإنه يمكن أن ينطبق الحكم على نحو شئ آخر يمتلك ويرتهن ويقع عليه الخلاف احتمالا، فنقول وبالله التوفيق: إذا كان لرجلين على رجل مائتا دينار، ولكل واحد منهما مائة وله سيارة،
فادعى عليه كل واحد منهما أنه رهن عنده السيارة وأقبضه اياها ولا بينة لهما، فان كذبهما حلف لكل واحد منهما يمينا، لان الاصل عدم الرهن، سواء كانت السيارة في أيديهما أو في يده لان اليد لا ترجح بها في العقد، وان صدق أحدهما وكذب الآخر حكم بالرهن للمصدق، وسواء كانت السيارة في يد المصدق أو المكذب، وهل يحلف الراهن للمكذب، فيه قولان بناء على من أقر بدار لزيد ثم أقر بها لعمرو، هل يغرم لعمرو قيمتها.
فيه قولان، فان قلنا يغرم حلف ها هنا لجواز أن يخلف اليمين فيقر للمكذب فيثبت له القيمة.
فان قلنا لا يغرم لم يحلف، لانه لو أقر له بعد الاقرار الاول لم يحكم له بشئ فلا فائدة في تحليفه، وان أقر لهما بالرهن والتسليم فادعى كل واحد منهما أنه هو

(13/264)


السابق بالرهن والتسليم رجع إلى الراهن.
فإن قال لا أعلم السابق منكما بذلك فان صدقاه أنه لا يعلم ولا بينة لهما ففيه وجهان
(أحدهما)
وهو المنصوص أن الرهن ينفسخ لانهما قد استويا في ذلك، والبيان من جهته قد تعذر، فحكم بانفساخ العقدين كما تقول في المرأة إذا زوجها وليان لها من رجلين، وتعذر معرفة السابق منهما، والثانى يقسم بينهما لانه يمكن قسمته بينهما، ويمكن أن يكون رهن عند كل واحد منهما نصفه.
وإن كذباه وقال بل نعلم السابق من العقدين والتسليم فيه فالقول قول الراهن مع يمينه لان الاصل عدم العلم، قال الشيخ أبو حامد: فيحلف لكل منهما يمينا أنه لا يعلم أنه السابق، فإذا أحلف لهما كانت على وجهين سبق ذكرهما، حيث قلنا: المنصوص أنه ينفسخ العقدان.
والوجه الثاني يقسم بينهما وإن نكل عن اليمين - أي خاف منها وامتنع من أدائها - عرضنا اليمين عليهما فان حلف كل واحد منهما أن الراهن يعلم أنه السابق.
قال ابن الصباغ: كانت على
الوجهين الاولين.
المنصوص أن الرهنين ينفسخان.
والثانى يقسم بينهما.
وان حلف أحدهما ونكل الآخر حكم بالرهن للحالف دون الآخر وإن اعترف الراهن أنه يعلم السابق منهما، وقال هذا هو السابق - لم يخل اما أن يكون الرهن في يد الراهن أو في يد أجنبي، أو في يد المقر له بالسبق حكم بالرهن للمقر له لانه اجتمع له اليد والاقرار، وهل يحلف الراهن للآخر.
فيه قولان.
وحكاهما الشيخ ابو حامد وجهين، المنصوص أنه لا يحلف له لانه ربما خاف من اليمين وأقر للثاني لم ينزع الرهن، فنؤخذ منه القيمة فيكون رهنا مكانه.
فإذا قلنا لا يمين عليه فلا كلام، وان قلنا عليه اليمين نظرت، فان حلف للثاني انصرف، وان أقر للثاني أنه رهنه أولا وأقبضه وخاف من اليمين رفضنا هذا الاقرار في حق المقر له أولا بانتزاع الرهن منه، ولكن يؤخذ من المقر قيمة الرهن وتجعل رهنا عند المقر له الثاني، لانه حال بينه وبينه باقراره المتقدم قال في البيان: وان نكل عن اليمين ردت على الثاني، وان لم يحلف قلنا له اذهب فلا حق لك، وان حلف، فان قلنا ان يمين المدعى مع نكول المدعى عليه كالبينة انتزع الرهن من الاول وسلم إلى الثاني

(13/265)


قال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ: إلا أن أصحابنا لم يفرعوا على هذا القول وهذا يدل على ضعفه قال العمرانى: وإن قلنا إن يمين المدعى مع نكول المدعى على كالاقرار، فذهب أبو إسحاق في المهذب في هذا ثلاثة أوجه (أحدها) ولم يذكر في التعليق والشامل غيره، أن الرهن لا ينزع من يد الاول، ويلزم المقر أن يدفع قيمته إلى المقر له الثاني ليكون رهنا عنده لانه حال بينه وبينه باقراره الاول.

(والثانى)
يجعل بينهما لانهما استويا في الاقرار، ويجوز أن يكون مرهونا عنده منها (والثالث) ينفسخ الرهنان لانه أقر لهما، وجهل السابق منهما، وان كان الرهن في يد الذى لم يقر له، فقد حصل لاحدهما الاقرار وللآخر اليد، وفيه قولان
(أحدهما)
أن صاحب اليد أولى، فيكون القول قوله مع يمينه أنه السابق كما لو قال " بعت هذا العبد من أحدهما " وكان في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه
(والثانى)
أن القول قول الراهن أن الآخر هو السابق، لانه إذا اعترف أن السابق هو الآخر فهو يقر أنه لم يرهن من بيده شيئا، ومن بيده يدعى ذلك، كما لو ادعى عليه أنه رهنه فإذا قلنا بهذا فهل يحلف الراهن لمن بيده؟ على القولين فيمن أقر لزيد بدار ثم أقر بها لعمرو على ما سبق، وان كان الرهن في يد المرتهنين فقد اجتمع لاحدهما اليد والاقرار في النصف، فيكون أحق به، وهل يحلف للآخر عليه، على القولين وأما النصف الذى في يد الآخر فهل اليد أقوى أم الاقرار، على القولين الاولين، فان قلنا ان اليد أقوى حلف من هو بيده عليه وكان رهنا بينهما، وهل يحلف لمن يقر له على النصف الذى بيد المقر له، على القولين فان قلنا الاقرار أولى انتزع الرهن فجعل رهنا للمقر له.
وهل يحلف للآخر على جميعه، على القولين فيمن أقر بدار لزيد، ثم أقر بها لعمرو، والمنصوص أنه لا يحلف.

(13/266)


قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن أعتق الراهن العبد المرهون ثم اختلفا فقال الراهن أعتقته باذنك، وأنكر المرتهن الاذن فالقول قوله لان الاصل عدم الاذن، فإن نكل
عن اليمين حلف الراهن وان نكل الراهن فهل ترد على العبد؟ فيه طريقان.
(احدهما) أنه على قولين بناء على رد اليمين على غرماء الميت.
قال في الجديد لا ترد، لانه غير المتراهنين فلا ترد عليه اليمين، وقال في القديم: ترد لانه يثبت لنفسه حقا باليمين، ومن أصحابنا من قال: ترد اليمين على العبد قولا واحدا لان العبد يثبت باليمين حقا لنفسه وهو العتق خلاف غرماء الميت.

(فصل)
وإن كان المرهون جارية فادعى الراهن أنه وطئها بإذن المرتهن، فأتت بولد لمدة الحمل وصدقه المرتهن، ثبت نسب الولد وصارت الجارية أم ولد وان اختلفا في الاذن أو في الولد أو في مدة الحمل فأنكر المرتهن شيئا من ذلك فالقول قوله، لان الاصل في هذه الاشياء العدم.

(فصل)
فان كان عليه ألف برهن وألف بغير رهن فدفع إليه ألفا ثم اختلفا نظرت، فان اختلفا في اللفظ فادعى المرتهن أنه قال هي عن الالف التى لا رهن بها.
وقال الراهن بل قلت هي عن الالف التى بها الرهن، فالقول قول الراهن لانه منه ينتقل إلى المرتهن.
فكان القول قوله في صفة النقل.
وان اختلفا في النية فقال الراهن نويت أنها عن الالف التى بها الرهن.
وقال المرتهن بل نويت أنها عن الالف التى لا رهن بها فالقول قول الراهن لما ذكرناه في اللفظ، ولانه أعرف بنيته، وإن دفع إليه الالف من غير لفظ ولا نية ففيه وجهان.
قال أبو إسحاق يصرفه إلى ما شاء منهما، كما لو طلق إحدى المرأتين.
وقال أبو على بن أبى هريرة يجعل بينهما نصفين لانهما استويا في الوجوب فصرف القضاء اليهما.

(فصل)
وإن أبرأ المرتهن الراهن عن الالف ثم اختلفا نظرت.
فان اختلفا في اللفظ فادعى الراهن أنه قال أبرأتك عن الالف التى بها الرهن.
وقال المرتهن بل قلت أبرأتك من الالف التى لا رهن بها فالقول قول المرتهن، لانه هو الذى يبرئ، فكان القول في صفة الابراء قوله، فان اختلفا في النية فقال الراهن:

(13/267)


نويت الابراء عن الالف التى بها الرهن، وقال المرتهن نويت الابراء عن الالف التى لا رهن بها، فالقول قول المرتهن، لما ذكرناه في اللفظ، ولانه أعرف بنيته فإن أطلق صرفه إلى ما شاء منهما في قول أبى إسحاق، وجعل بينهما في قول أبى على بن أبى هريرة.

(فصل)
وان ادعى المرتهن هلاك الرهن فالقول قوله مع يمينه، لانه أمين، فكان القول قوله في الهلاك كالمودع، وإن ادعى الرد لم يقبل قوله، لانه قبض العين لمنفعة نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستأجر.

(فصل)
وان كان الرهن على يد عدل قد وكل في بيعه فاختلفا في النقد الذى يبيع به باعه بِنَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ متساويان باع بما هو أنفع للراهن لانه ينفع الراهن ولا يضر المرتهن، فوجب به البيع، فإن كانا في النفع واحدا فان كان أحدهما من جنس الدين باع به، لانه أقرب إلى المقصود، وهو قضاء الدين، فان لم يكن واحد منهما من جنس الدين باع بأيهما شاء، لانه لا مزية لاحدهما على الآخر ثم يصرف الثمن في جنس الدين.
(الشرح) الاحكام: أظهر ما يدخل في هذا الفصل أنه إذا كاتب عبدا ثم أقر أنه كان جنى قبل ذلك لم يقبل إقراره بذلك لان المكاتب بمنزلة من زال ملكه عنه لان أرش الجناية لا يرجع عليه، وان كاتبه ثم أقر أنه أعتقه أو باعه قبل ذلك.
قال الشيخ أبو حامد: عتق في الحال وسقط المال عنه لان اقراره بذلك ابراء منه له من مال الكتابة وكلام المصنف في سائر الفصل ظاهر.
والفصول الاخرى بعضها ظاهر المعنى، والآخر مر في الباب أحكامه وتفصيله فلا حاجة بنا للاطالة في اعادته وبالله التوفيق.

(13/268)