المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

التكملة الثانية

المجموع شرح المهذب

للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي
المتوفى سنة 676 هـ
الجزء السادس عشر
دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

(16/1)


كتاب العتق

(الشارح) الرق ظاهرة اجتماعية سادت في الارض قبل الاسلام، وتوغلت في حياة المجتمعات البشرية حتى صارت لا يقوم المجتمع قائمة إلا بوجوده لان القوى العاملة في المجتمع التى تمثل عصب الانتاج وتحقيق المنجزات الاقتصادية من زراعية وعمرانية وصناعية كانت تقوم على أيدى الارقاء، وقد أدركت الدولة الرومانية أهمية هذه الفئة في حفظ كيان الدولة فحرمت على الافراد في القانون الرومانى أن يعتقوا عبيدهم، وكانت تحكم بالسجن أو التعذيب أو فرض الرق على من يضبط متلبسا بجريمة عتق عبد له، وكانت مصادر الرق متنوعة فشعوب الامم المغلوبة عسكريا تسترق للغالب من القواد والملوك الجبابرة، والجنود توزع عليهم الاسلاب ومنها رجال ونساء هذه الامم المقهورة، وكل إنسان يخطف من بلده ويفر به خاطفوه إلى أحيائهم ومضاربهم ونجوعهم يصير عبدا مسترقا لخاطفيه لهم بيعه وهبته وتوارثه ويملكون حياته وموته وليس له حرمة في تلك المجتمعات الجاهلية فارسية ورومانية وعربية وشرقية وغربية.
فلما جاء الاسلام وهو في منهجه الرصين سماوي الهداية، وفي تغييره الجذري ثورى الوسيلة، في تدرجه الرزين تربوى التعليم، وفي نظرته لهذه الفئة رحيم السلوك، راقى الاحساس، رفيع الغاية، جفف منابع الرق، ويسر مصافيه، وضيق مصادره ووسع موارده، وقصره على الحروب وحدها وجعله بين المحاربين فقط لا يتجاوزه لى الآمنين ممن لم يرفعوا سلاحا، ثم نظم العلاقة بين السيد ومولاه حتى ليتمنى الحر منا أن يكون مولى لاحد هؤلاء النبلاء من حواريى النبوة وجنود الرساله، بل إن الاسلام حين جعل المرء لا يحط عنه وزر القسم الحانث إلا بعتق رقبة، ولا قنداح عنه معرة الظهار حين يجعل إمرأته كظهر أمه إلا بعتق رقبة من قبل أن يتماسا، وجعل في تعمد الطعام في الصوم إعتاق رقبة، وجعل المؤمن الحق الذى اقتحم العقبة، هو الذى يفك الرقاب العانية، ويطعم في المسغبة المساكين الكادحة.

(16/3)


بل لقد جعل اللطمة على وجه العبد فكاكا له من الرق وجعل جزاء اللطمه عتقه فمن لم يفعل مسته النار.
ثم إن الاسلام جعل من عوامل تصفيه الرق المكاتبة لقوله تَعَالَى (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ من مال الله الذى آتاكم) فجعل للعبد الحق في أن يطلب من سيده شراء نفسه مكاتبه بنجوم وأقساط يؤديها من صنعته أو عمله، وعلى سيده أن يمنحه كل أسباب اليسر وإعطاؤه بعض المال ليكون بمثابه رأس مال له في الحياة يواجه به أعباء الاستقلال عن سيده، ومن عوامل تصفيته التدبير، وهو ان يجعل رقه في حياته ثم يكون حرا بعد موته، ومن أسباب تصفيته أيضا تحريم ميراث أم الولد، وهو تحرير لها ولا ريب، لذلك نزجى اليك فصول العتق والمكاتب والمدبر شاهدة على صدق هذه القضيه التى بسطناها لك في هذه لكليمه مجزأين بها عن الشرح والتعليق لنوفر مكانا على الورق نبذله فيها لم
تتعطل أحكامه، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين،
قال المصنف رحمه الله تعالى:

العتق قربة مندوب إليه، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه، ولا يصح إلا من مطلق التصرف في المال لانه تصرف في المال كالبيع والهبه، فإن أعتق الموقوف عليه العبد الموقوف لم يصح عتقه لانه لا يملكه في أحد القولين ويملكه في الثاني الا أنه يبطل به حق البطن الثاني فلم يصح، وان أعتق المريض عبدا وعليه دين يستغرقه لم يصح لان العتق في المرض وصيه فلم يصح مع الدين، وان أعتق العبد الجاني، فعلى ما ذكرناه في العبد المرهون.

(فصل)
ويصح بالصريح والكناية وصريح العتق والحريه لانه ثبت لهما عرف الشرع وعرف اللغة والكناية كقوله: سيبتك وخليتك وحبلك على غاربك ولا سبيل لى عليك ولا سلطان لى عليك وأنت لله وأنت طالق وما أشبهها لانها تحتمل العتق فوقع بها العتق مع النية.

(16/4)


وفي قوله فككت رقبتك وجهان
(أحدهما)
أنه صريح لانه ورد به القرآن قال الله سبحانه فك رقبة
(والثانى)
أنه كناية لانه يستعمل في العتق وغيره، وان قال لامته: أنت على كظهر أمي ونوى العتق ففيه وجهان.
أحدهما: تعتق لانه لفظ يوجب تحريم الزوجه فكان كناية في العتق كسائر اطلاق.
والثانى: لا تعتق لانه لا يزيل الملك فلم يكن كناية في العتق بخلاف الطلاق.

(فصل)
وان كان بين نفسين عبد فأعتق أحدهما نصيبه، فان كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه وعتق، لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال من أعتق شركا له في عبد، فإن كان معه ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاه حصصهم وإلا فقد عتق منه ما عتق ورق منه ما رق، وان كان بين مسلم وكافر عبد مسلم فأعتق الكافر حصته وهو موسر فالمنصوص أنه يقوم عليه، فمن أصحابنا من قال: إذا قلنا ان الكافر لا يملك العبد المسلم لم يقوم عليه لان التقويم يوجب التمليك.
ومنهم من قال: يقوم عليه قولا واحدا لانه تقوم متلف فاستوى فيه المسلم والكافر كتقويم المتلفات، ويخالف البيع لان القصد منه التمليك وفى ذلك صغار على الاسلام والقصد من التقويم العتق ولا صغار فيه، فان كان نصف العبد وقفا ونصفه طلقا فأعتق صاحب الطلق نصيبه لم يقوم عليه الوقف لان التقويم يقتضى التمليك والوقف لا يملك، ولان الوقف لا يعتق بالمباشرة فلان لا يعتق بالتقويم أولى.

(فصل)
وتجب قيمة النصيب عند العتق لانه وقت الاتلاف ومتى يعتق فيه ثلاثه أقوال.
أحدها: يعتق في الحال، فإن كانت جارية فولدت كان الولد حرا، لما روى أبو المليح عن ابيه أن رجلا أعتق شقصا له من غلام فذكر للنبى صلى الله عليه وسلم فقال ليس لله شريك، وفي بعضها فأجاز عتقه.
والثانى: أنه يقع بدفع القيمة، فان كان جارية فولدت كان نصف الولد حرا ونصفه مملوكا، لما روى سالم عن أبيه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ

(16/5)


العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، فان كان موسرا يقوم عليه ولا وكس ولا شطط ثم يعتق، ولانه عتق بعوض فلا يتقدم على العوض، كعتق المكاتب، والثالث إنه مراعى فإن دفع العوض حكمنا بأنه عتق في الحال وإن لم يدفع حكمنا
بأنه لم يعتق لانا إذا أعتقناه في الحال أضررنا بالشريك في إتلاف ماله قبل أن يسلم له العوض، وإن لم نعتقه أضررنا بالعبد في إبقاء أحكام الرق عليه، فإذا قلنا إنه مراعى لم يكن على كل واحد منهما ضرر، فان دفع القيمة كان حكمه حكم القول الاول، وإن لم يدفع كان حكمه حكم القول الثاني، فان بذل المعتق القيمة أجبرنا الشريك على قبضها، وإن طلب الشريك أجبرنا المعتق على دفعها، فان أمسك الشريك عن الطلب والمعتق عن الدفع وقلنا إن العتق يقف على الدفع فللعبد أن يطالب المعتق بالدفع والشريك بالقبض ليصل إلى حقه، فان أمسك أعتق فللحاكم أن يطالب بالدفع والقبض لما في العتق من حق الله تعالى، فان أعتق الشريك نصيبه قبل أخذ القيمة ففيه وجهان
(أحدهما)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ انه يعتق لانه صادف ملكه
(والثانى)
وهو المذهب انه لا يعتق لان العتق مستحق من جهة المعتق والولاء مستحق له فلا يجوز إبطاله عليه.

(فصل)
وإن كان بين اثنين جارية فأحبلها أحدهما ثبت حرمة الاستيلاد في نصيبه وفي نصيب الشريك الاقوال التى ذكرناها في العتق، لان الاستيلاد كالعتق في إيجاب الحرية فكان كالاعتاق في التقويم والسرايه
(فصل)
وان اختلف المعتق والشريك في قيمة العبد والبينة متعذرة، فان قلنا انه يسرى في الحال فالقول قول المعتق لانه غارم لما استهلكه فكان القول قوله، كما لو اختلفا في قيمة ما أتلفه بالجناية.
وإن قلنا لا يعتق إلا بدفع القيمة فالقول قول الشريك لان نصيبه باق على ملكه فلا ينزع منه إلا بما يقر به كالمشترى في الشفعة.
وان ادعى الشريك انه كان يحسن صنعة تزيد بها القيمة فأنكر المعتق فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ

(16/6)


هو كالاختلاف في القيمه، وفيه قولان ومنهم من قال القول قول المعتق قولا واحدا لان الظاهر معه والشريك يدعى صنعة الاصل عدمها، وان ادعى المعتق عيبا في العبد ينقص به القيمه وأنكر الشريك ففيه طريقان أيضا، من أصحابنا من قال هو كالاختلاف في القيمه فيكون على قولين.
ومنهم من قال القول قول الشريك قولا واحدا، لان الظاهر معه، والمعتق يدعى عيبا الاصل عدمه.

(فصل)
وان كان المعتق معسرا عتق نصيبه وبقى نصيب الشريك على الرق والدليل عليه حديث ابن عمر رضى الله عنه: وإلا فقد عتق منه ما عتق ورق منه ما رق: ولان تنفيذ العتق لدفع الضرر عن العبد، فلو أعتقنا نصيب الشريك لاضررنا به لانا نتلف ماله ولا يحصل له عوض، والضرر لا يزال بالضرر، ولهذا لو حضر الشفيع وهو معسر لم يأخذ بالشفعه لانه يزيل الضرر بالضرر.
وإن كان موسرا بقيمة البعض عتق منه بقدره، لان ما وجب بالاستهلاك إذا عجز عن بعضه وجب ما قدر عليه كبدل المتلف، وإن كان معه قيمة الحصة وعليه دين يستغرق ما معه، ففيه قولان، بناء على القولين في الدين هل يمنع وجوب الزكاة، فان قلنا لا يمنع وجب عليه العتق، وان قلنا يمنع لم يجب العتق.

(فصل)
وان ملك عبدا فأعتق بعضه سرى إلى الباقي لانه موسر بالقدر الذى يسرى إليه فسرى إليه، كما لو أعتق شركا له في عبد وهو موسر
(فصل)
وإن أوصى بعتق شرك له في عبد فأعتق عنه لم يقوم عليه نصيب شريكه، وان احتمله الثلث، لانه بالموت زال ملكه فلا ينفذ إلا فيما استثناه بالوصية، وان وصى بعتق نصيبه وبأن يعتق عنه نصيب شريكه والثلث يحتمله قوم عليه وأعتق عنه الجميع، لانه في الوصية بالثلث كالحى، فإذا قوم على الحى قوم على الميت بالوصية.

(16/7)


(فصل)
وإن كان عبد بين ثلاثة لاحدهم النصف وللآخر الثلث وللثالث السدس فأعتق صاحب الثلث والسدس نصيبهما في وقت واحد وكانا موسرين قوم نصيب الشريك عليهما بالسوية، لان التقويم استحق بالسراية فقسط على عدد الرؤوس كما لو اشترك اثنان في جراحة رجل فجرحه أحدهما جراحة والآخر جراحات.

(فصل)
وان كان له عبدان فأعتق أحدهما بعينه ثم أشكل أمر بأن يتذكر فإن قال: أعتقت هذا قبل قوله لانه أعرف بما قال فان اتهمه الاخر حلف لجواز أن يكون كاذبا، فإن نكل حلف الاخر وعتق العبدان أحدهما باقراره والاخر بالنكول واليمين، وان قال هذا بل هذا عتقا جميعا لانه صار راجعا عن الاول مقرا بالثاني، فإن مات قبل أن يبين رجع إلى قول الوارث، لان له طريقا إلى معرفته، فإن قال الوارث لا أعلم فالمنصوص أنه يقرع بينهما لانه ليس أحدهما بأولى من الاخر فرجع إلى القرعة، ومن أصحابنا من خرج فيه قولا آخر أنه يوقف إلى أن ينكشف لان القرعة تفضى إلى أن يرق من أعتقه ويعتق من أرق فوجب أن يوقف إلى أن يتبين والاول هو الصحيح، لان البيان قد فات والوقوف يضر بالوارث في رقيقه وبالحر في حق نفسه.

(فصل)
وان أعتق عبدا من أعبد أخذ بتعيينه وله أن يعين من شاء، فان قال: هو سالم بل غانم عتق سالم ولم يعتق غانم لانه تخير لتعيين عتق فإذا عينه في واحد سقط خياره في الثاني، ويخالف القسم قبله لان ذلك أخبار لا خيار له فيه
فلم يسقط حكم خبره.
فان مات قبل أن يعين ففيه وجهان.
أحدهما: لا يقوم الوارث مقامه في التعيين كما لا يقوم مقامه في تعيين الطلاق في احدى المرأتين فعلى هذا يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق، والثانى: يقوم مقامه وهو الصحيح لانه خيار ثابت يتعلق بالمال فقام الوارث فيه مقامه كخيار الشفعه والرد بالعيب.

(فصل)
ومن ملك أحد الوالدين وان علوا أو أحد المولودين وان سفلوا

(16/8)


عتقوا عليه لقوله تعالى (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هذا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا ان كل من في السموات والارض الا آتى الرحمن عبدا) فنفى الولادة مع العبودية فدل على انهما لا يجتمعان، ولان الولد بعض منه فيصير كما لو ملك بعضه، وإن ملك بعضه، فان كان بسبب من جهته كالبيع والهبه وهو موسر قوم عليه الباقي لانه عتق بسبب من جهته فصار كما لو أعتق بعض عبد، وان كان بغير سبب من جهته كالارث لم يقوم عليه لانه عتق من غير سبب من جهته، ومن ملك من سوى الوالدين والمولودين من الاقارب ولم يعتق عليه لانه لا بعضيه بينهما فكانوا كالاجانب، وان وجد من يعتق عليه مملوكا فالمستحب أن يشتريه ليعتق عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فيشتريه فيعتقه) ولا يجب عليه ذلك لانه استجلاب مال لقربة لم يتقدم وجوبها فلم يجب كشراء المال للزكاة، وإن وصى للمولى عليه بأبيه، فان كان لا تلزمه نفقته وجب على الولى قبوله لانه يعتق عليه فيحصل له جمال عاجل وثواب آجل من غير اضرار وان كان تلزمه نفقته لم يجب قبوله لانه يعتق عليه ويطالب بنفقته، وفي ذلك اضرار فلم يجز، وإن وصى له ببعضه، فان كان معسرا لزمه قبوله لانه لا ضرر عليه من جهة التقويم ولا من جهة النفقة، وإن كان موسرا والاب ممن تلزمه نفقته لم يجب قبوله لانه تلزمه نفقته وفي ذلك إضرار، وإن كان لا تلزمه نفقته ففيه قولان.

(أحدهما)
لا يجوز قبوله لان ملكه يقتضى التقويم، في ذلك اضرار.

(والثانى)
يلزم قبوله ولا يقوم عليه لانه يعتق عليه بغير اختياره فلم يقوم عليه كما لو ملكه بالارث.

باب القرعة
والقرعة أن تقطع رقاع متساوية ويكتب في كل رقعة ما يراد اخراجه وتجعل في بنادق من طين متساوية الوزن والصفة وتجفف وتغطى بشئ ثم يقال لرجل لم يحضر الكنابة والبندقة أخرج بندقه ويعمل بما فيها فان كان القصد عتق الثلث

(16/9)


جزئوا ثلاثة أجزاء، وإن كان القصد عتق الربع جزئوا أربعة أجزاء، وإن كان القصد عتق النصف جزئوا جزأين وتعدل السهام، فإن كان القصد عتق الثلث فإن كان عددهم وقيمتهم متساوية، فإن كانوا ستة أعبد قيمة كل واحد منهم مائة جعل كل اثنين جزءا، ثم الحاكم بالخيار بين أن يكتب في الرقاع الاسماء ويخرج الاسماء على الحريه والرق، وبين أن يكتب الرق والحريه ويخرج على الاسماء، فإن اختار كتب الاسماء كتب كل اسمين في رقعة، فان شاء أخرج القرعة على الحرية، فإذا خرجت القرعة باسم اثنين عتقا ورق الباقون، وإن شاء أخرج على الرق، فإذا خرجت رق من فيها ثم يخرج قرعة أخرى على الرق، فإذا خرجت رق من فيها ويعتق الباقيان، والاخراج على الحريه أولى لانه أقرب إلى فصل الحكم، فان اتفق العدد واختلفت القيم وأمكن تعديل العدد بالقيمه بأن يكونوا ستة قيمة اثنين أربعمائه وقيمة اثنين ستمائة وقيمة اثنين مائتان جعل
اللذان قيمتهما أربعمائه جزءا وضم أحد العبدين المقومين بستمائة إلى أحد العبدين المقومين بمائتين ويجعل العبدان الاخران جزءا ويخرج القرعه على ما ذكرناه من الوجهين.
وإن اختلفت قيمتهم ولم يتفق عددهم بأن كانوا ثمانيه قيمة واحد مائه وقيمة ثلاثه مائه وقيمة أربعه مائه عدلوا بالقيمه، فيجعل العبد جزءا والثلاثه جزءا والاربعه جزءا، فان خرجت قرعة العتق على العبد عتق ورق السبعه.
وان خرجت على الثلاثه عتقوا ورق الخمسه.
وان خرجت على الاربعة عتقوا ورق الاربعة لانه لا يمكن تعديلهم بغير القيمه فعدلوا بالقيمه، وعلى هذا لو كانوا اثنين قيمة أحدهما مائه وقيمة الاخر مائتان جعلا جزأين وأقرع بينهما، فان خرجت قرعة العتق على المقوم بمائة عتق جميعه ورق الاخر، وان خرجت على المقوم بمائتين عتق نصفه ورق نصفه وجميع الاخر، فان اتفق العدد وأختلفت القيم فان عدل بالعدد اختلفت القيم، وان عدل بالقيمه اختلف العدد بأن كانوا ستة قيمة واحد مائه وقيمة اثنين مائه وقيمة ثلاثه مائه فالمنصوص أنهم يعدلون بالقيمه فيجعل العبد جزءا والعبدان جزءا والثلاثه جزءا وتخرج القرعه على ما ذكرناه من الوجهين.

(16/10)


ومن أصحابنا من قال يعدلون بالعدد فيجعل اللذان قيمتهما مائة جزءا ويضم أحد الثلاثة إلى المقوم بمائه فيجعلان جزءا وقيمتها مائة وثلث ويجعل الاخران جزءا وقيمتها ثلثمائة وأقرع بينهم فان خرجت القرعة على المقومين بالمائة وقد استكملا الثلث ورق الباقون، وان خرجت على العبدين المقوم أحدهما بمائه والاخر بثلث المائه عتقا ورق الاربعة الباقون ويقرع بين العبدين اللذين خرجت القرعة عليهما لانهما أكثر من الثلث فلم ينفذ العتق فيهما، فان أقرع فخرجت
القرعة على المقوم بمائة عتق ورق الاخر، وإن خرجت على المقوم بثلث المائة عتق وعتق من الاخر الثلثان لاستكمال الثلث ورق الباقي والصحيح هو المنصوص عليه لان فيما قال هذا القائل يحتاج إلى إعادة القرعة وتبعيض الرق والحريه في شخص واحد، فان اختلف العدد والقيم ولم يمكن التعديل بالعدد ولا بالقيمة بأن كانوا خمسه وقيمة أحدهم مائة وقيمة الثاني مائتان وقيمة الثالث ثلثمائة وقيمة الرابع أربعمائه وقيمة الخامس خمسمائه ففيه قولان.

(أحدهما)
أنه يكتب أسماؤهم في رقاع بعددهم ثم يخرج على العتق، فإن خرج المقوم بخمسمائه وهو الثلث عتق ورق الاربعة.
وإن خرج المقوم بأربعمائه عتق وقد بقى من الثلث مائه فيخرج اسم آخر، فان خرج اسم المقوم بثلثمائه عتق منه ثلثه ورق باقيه والثلاثه الباقون، وعلى هذا القياس يعمل في كل ما يخرج.
والقول الثاني انهم يجزأون ثلاثة أجزاء على القيمه دون العدد فيجعل المقوم بخمسمائه جزءا، ويجعل المقوم بثلثمائه والمقوم بالمائتين جزءا، ويجعل المقوم بأربعمائه والمقوم بمائه جزءا ثم يخرج القرعه ويعتق من فيها وهو الثلث ويرق الباقون لان النبي صلى الله عليه وسلم جزأهم ثلاثة أجزاء.

(فصل)
قال الشافعي: وان أعتق ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم فمات واحد ثم مات السيد أقرع بين الحيين والميت، فان خرج سهم الحريه على الميت رق الاثنان وحكم من خرج عليه سهم الحريه حكم الاحرار منذ خوطب بالعتق إلى أن مات وكان له ما اكتسب واستفاد بارث وغيره.
وان خرج سهم الحريه على أحد الحيين لم يعتق منه الا ثلثاء لان الميت قبل موت سيده مات عبدا فلم يكن له حكم ما خلف السيد، وان مات المعتق ولم يقرع بينهم حتى مات اثنان أقرع بين

(16/11)


الحى والميتين فان خرج بينهم العتق على الحى عتق كله وأعطى كل ما استفاد من
يوم خوطب بالعتق ورق الميتان
(فصل)
إذا أعتق في مرضه ستة أعبد لا مال له غيرهم فأعتق اثنان بالقرعه ثم ظهر مال يحتمل أن يعتق آخران جعل الاربعة جزأين وأقرع بينهم وأعتق منهم اثنان
(فصل)
وان أعتق في مرضه أعبدا له ومات وعليه دين يستغرق التركة لم ينفذ العتق، لان العتق في المرض وصيه فلا ينفذ الا في ثلث ما يفضل بعد قضاء الدين.
وان استغرق نصفها جعل التركة جزأين ويكتب في رقعة دين، وفي رقعة تركة، وان استغرق الثلث جعلوا ثلاثة أجزاء في رقعة دين وفي رقعتين تركة ويقرع بينهم فمن خرجت عليه قرعة الدين بيع في الدين وما سواه يجعل ثلاثة أجزاء ويعتق منه الثلث لانه اجتمع حق الدين وحق التركة وحق العتق، وليس بعضها بالبيع والارث والعتق بأولى من البعض وللقرعه مدخل في تمييز العتق من غيره فأقرع بينهم (فصل وان أعتقهم ومات وأقرع بينهم وأعتق الثلث ثم ظهر دين مستغرق لم ينفذ العتق لما ذكرناه، فان قال الورثة نحن نقضى الدين وننفذ العتق ففيه وجهان.

(أحدهما)
أن لهم ذلك لان المنع من نفوذ العتق لاجل الدين فإذ قضى الدين زال المنع
(والثانى)
انه ليس لهم ذلك لانهم تقاسموا العبيد بالقرعه وقد تعلق بهم حق الغرماء فلم يصح، كما لو تقاسم شريكان ثم ظهر شريك ثالث، فعلى هذا يقضى الدين ثم يستأنف العتق، وان كان الدين يستغرق نصف التركة فهل يبطل العتق بالجميع، فيه وجهان
(أحدهما)
يبطل كما قلنا في قسمة الشريكين
(والثانى)
يبطل بقدر الدين لان بطلانه بسببه فيقدر بقدره، فان كان الذى أعتق عبدين عتق من كل واحد منهما نصفه ورق النصف ثم يقرع بينهما لجمع الحريه فان خرجت القرعه لاحدهما وكانت قيمتها سواء عتق وبيع الاخر في
الدين، وان كانت قيمة أحدهما أكثر فخرجت القرعه على أكثرهما قيمة عتق منه نصف قيمة العبدين ورق باقيه والعبد الاخر.
وان خرجت على أقلهما قيمة عتق وعتق من الثاني تمام النصف وبيع الباقي في الدين

(16/12)


(باب المدبر)
التدبير قربة لانه يقصد به العتق ويعتبر من الثلث في الصحة والمرض، لما رُوِيَ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المدبر من الثلث، ولانه تبرع يتنجز بالموت فاعتبر من الثلث كالوصيه، فإن دبر عبدا وأوصى بعتق آخر وعجز لثلث عنهما أقرع بينهما.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يقدم المدبر لانه يعتق بالموت والموصى بعتقه لا يعتق بالموت والصحيح هو الاول لان لزومهما بالموت فاستويا
(فصل)
ويصح من السفيه لانه إنما منع من التصرف حتى لا يضيع ماله فيفتقر وبالتدبير لا يضيع ماله لانه باق على ملكه، وإن مات استغنى عن المال وحصل له الثواب، وهل يصح من الصبى المميز، فيه قولان (أحدهما أنه يصح لما ذكرناه في السفيه
(والثانى)
لا يصح وهو الصحيح لانه ليس من أهل العقود فلم يصح تدبيره كالمجنون
(فصل)
والتدبير هو أن يقول إن مت فأنت حر، فإن قال دبرتك أو أنت مدبر ونوى العتق صح، وإن لم ينو فالمنصوص في المدبر أنه يصح.
وقال في المكاتب إذا قال كاتبتك على كذا وكذا لم يصح حتى يقول فإذا أديت فأنت حر فمن أصحابنا من نقل جوابه في المدبر إلى المكاتب وجوابه في المكاتب إلى المدبر وجعلهما على قولين
(أحدهما)
أنهما صريحان لانهما موضوعان للعتق في عرف الشرع
(والثانى)
أنهما كنايتان فلا يقع العتق بهما إلا بقرينة أو نية لانهما يستعملان في العتق وغيره، ومنهم من قال في المدبر صريح وفي المكاتب كناية، ولم يذكر فرقا يعتمد عليه.

(فصل)
ويجوز مطلقا وهو أن يقول: إن مت فأنت حر، ويجوز مقيدا وهو أن يقول: إن مت من هذا المرض أو في هذا البلد فأنت حر، لانه عتق معلق على صفة فجاز مطلقا ومقيدا كالعتق المعلق على دخول الدار، ويجوز تعليقه على شرط، بأن يقول إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتى، كما يجوز أن يعلق العتق المعلق على دخول الدار بشرط قبله، فإن وجد الشرط صار مدبرا،

(16/13)


وان لم يوجد الشرط حتى مات السيد لم يصر مدبرا لانه علق التدبير على صفة، وقد بطلت الصفه بالموت فسقط ما علق عليه.

(فصل)
ويجوز تدبير المعتق بصفة كما يجوز أن يعلق عتقه على صفة أخرى فإن وجدت الصفة قبل الموت عتق بالصفة وبطل التدبير به، وإن مات قبل وجود الصفه عتق بالتدبير وبطل العتق بالصفة، ويجوز تدبير المكاتب كما يجوز أن يعلق عتقه على صفة، فإذا دبره صار مكاتبا مدبرا ويستحق العتق بالكتابة والتدبير، فإن أدى المال قبل الموت عتق بالكتابة وبطل التدبير، وإن مات قبل الاداء فإن كان يخرج من الثلث عتق بالتدبير وبطلت الكتابة، وإن لم يخرج جميعه عتق منه بقدر الثلث ويسقط من مال الكتابة بقدره وبقى الباقي على الكتابة، ولا يجوز تدبير أم الولد، لان الذى يقتضيه التدبير هو العتق بالموت، وقد استحقت ذلك بالاستيلاد فلم يفد التدبير شيئا، فإذا برها ومات عتقت بالاستيلاد من رأس المال.

(فصل)
ويجوز تدبير الحمل كما يجوز في بعض عبد كما يجوز عتقه، ويجوز في العتق، فإن كان بين رجلين عبد فدبر أحدهما نصيبه وهو موسر فهل يقوم
عليه نصيب شريكه ليصير الجميع مدبرا، فيه قولان
(أحدهما)
يقوم عليه لانه أثبت له شيئا يفضى إلى العتق لا محالة فأوجب التقويم كما لو استولد جاريه بينه وبين غيره
(والثانى)
وهو المنصوص أنه لا يقوم عليه لان التقويم انما يجب بالاتلاف كالعتق أو بسبب يوجب الاتلاف كالاستيلاد والتدبير ليس باتلاف ولا سبب يوجب الاتلاف لانه يمكن نقضه بالتصرف فلم يوجب التقويم، فان كان له عبد فدبر بعضه فالمنصوص أنه لا يسرى إلى الباقي وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يسرى فيصير الجميع مدبرا، ووجههما ما ذكرناه في المسألة قبلها، فان كان عبد بين اثنين فدبراه فأن قال كل واحد منهما إذا مت فأنت حر جاز، كما لو أعتقاه، فان أعتق أحدهما نصيبه بعد التدبير وهو موسر فهو يقوم عليه نصيب شريكه ليعتق، فيه قولان منصوصان:

(16/14)


(أحدهما)
لا يقوم عليه لان لنصيب شريكه جهة يعتق بها فاستغنى عن التقويم ولانا إذا قومناه على المعتق أبطلنا على شريكه ما ثبت له من العتق والولاء بحكم التدبير.

(والثانى)
يقوم عليه ليصير الكل حرا لان المدبر كالقن في الملك والتصرف فكان كالقن في التقويم والسراية، فإن كان بين نفسين عبد فقالا إذا متنا فأنت حر لم يعتق حصة واحد منهما إلا بموته وموت شريكه، فان ماتا معا عتق عليهما بوجود الصفة فان مات أحدهما قبل الآخر انتقل نصيب الميت إلى وارثه ووقف عنقه على موت الاخر فإذا مات الاخر عتق، فان قالا: أنت حبيس على آخرنا موتا فالحكم فيها كالحكم في المسألة قبلها إلا في فصل واحد وهو أن في المسألة الاولى إذا مات أحدهما انتقل نصيب الميت إلى وارثه إلى أن يموت الاخر وفي هذه إذا مات أحدهما كان منفعة نصيبه موصى بها للآخر إلى أن يموت لقوله
أنت حبيس على آخرنا موتا فإذا مات الاخر عتق.

(فصل)
ويملك المولى بيع المدبر، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رجلا أعتق غلاما له عن دبر منه ولم يكن له مال غيره فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فبيع بسبعمائة أو بتسعمائة ويملك هبته ووقفه وكتابته قياسا على البيع ويملك أكسابه ومنافعه وأرش ما يجنى عليه لانه لما كان كالعبد القن في التصرف في الرقيه كان كالقن فيما ذكرناه، وان جنى خطا تعلق الارش برقبته وهو بالخيار بين أن يسلمه للبيع وبين أن يفديه كما يفدى العبد القن لانه كالقن في جواز بيعه فكان كالقن في جواز التسليم للبيع والفداء، وان مات السيد قبل أن يفديه.
فإن قلنا: لا يجوز عتق الجاني لم يعتق وللوارث الخيار بين التسليم للبيع وبين الفداء كالسيد في حياته.
وان قلنا: يجوز عتق الجاني عتق من الثلث ووجب أرش الجناية من التركة لانه عتق بسبب من جهته فتعلق الارش بتركته ولا يجب إلا أقل الامرين من قيمته أو أرش الجناية لانه لا يمكن تسليمه للبيع بعد العتق
(فصل)
وإن كان المدبر جارية فأتت بولد من النكاح أو الزنا فهل يتبعها في التدبير فيه قولان.

(16/15)


(أحدهما)
يتبعها لانها تستحق الحرية فتبعها الولد كأم الولد، فعلى هذا ان ماتت الام في حياة المولى لم يبطل التدبير في الوالد.

(والثانى)
لا يتبعها لانه عقد يلحقه الفسخ فلم يسر إلى الولد كالرهن والوصية وان دبرها وهى حامل تبعها الولد قولا واحدا كما يتبعها في العتق، وان دبر عبدا ثم ملكه جارية فأتت منه بولد لحقه نسبه لانه يملكها في أحد القولين وله فيها شبهة في القول الثاني لاختلاف الناس في ملكه.
(فإن قلنا) لا يملك الجارية فالولد مملوك للمولى لانه ولد أمته (وان قلنا)
يملكها فالولد ابن المدبر ومملوكه لانه من أمته وهل يكون مدبرا فيه وجهان.
أحدهما: أنه ليس بمدبر لان الولد انما يتبع الام دون الاب والام غير مدبرة، والثانى: أنه مدبر لانها علقت به في ملكه فكان كالاب كولد الحر من أمته.

(فصل)
ويجوز الرجوع في التدبير بما يزيل الملك كالبيع والهبة المقبوضة لما رويناه من حديث جابر رضى الله عنه وهل يجوز بلفظ الفسخ كقوله: فسخت ونقضت ورجعت.
فيه قولان أحدهما: أنه يجرى مجرى الوصية فيجوز له فسخه بلفظ الفسخ وهو اختيار المزني لانه تصرف يتنجز بالموت يعتبره من الثلث فهو كالوصية.
والثانى: أنه يجرى مجرى العتق بالصفة فلا يجوز فسخه بلفظ الفسخ هو الصحيح لانه عتق علقه على صفة فهو كالعتق بالصفات، وان وهبه ولم يقبضه فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ان قلنا: انه كالوصية فهو رجوع، وان قلنا: انه كالعتق بالصفة فليس برجوع لانه لم يزل الملك.
ومنهم من قال: هو رجوع على القولين لانه تصرف يفضى إلى زوال الملك وان كاتبه، فان قلنا ان التدبير كالوصيه كان رجوعا كما لو أوصى بعبد ثم كاتبه، وان قلنا أنه كالعتق بالصفة لم يكن رجوعا بل يصير مدبرا مكاتبا وحكمه ما ذكرناه فيمن دبر مكاتبا، وان دبره ثم قال ان أديت إلى وارثي ألفا فأنت حر.
(فان قلنا) انه كالوصيه كان ذلك رجوعا في التدبير لانه عدل عن العتق بالموت إلى العتق بأداء المال فبطل التدبير ويتعلق العتق بالاداء.
وان قلنا: انه

(16/16)


كالعتق بالصفة وخرج من الثلث عتق بالتدبير وسقط حكم الاداء بعده لانه علق عنقه بصفة متقدمة ثم علقه بصفة متأخره فعتق بأسبقهما وأسبقهما الموت فعتق به وإن دبر جارية ثم أولدها بطل التدبير لان العتق بالتدبير والاستيلاد في وقت
واحد والاستيلاد أقوى فاسقط التدبير.

(فصل)
ويجوز الرجوع في تدبير البعض كما يجوز التدبير في الابتداء في البعض، وان دبر جارية فأتت بولد من نكاح أو زنا وقلنا انه يتبعها في التدبير ورجع في تدبير الام لم يتبعها الولد في الرجوع وان يتبعها في التدبير كما أن ولد ام الولد يتبعها حق الحرية ثم لا يتبعها في بطلان حقها من الحرية بموتها، وان دبرها الصبى وقلنا انه يصح تدبيره، فان قلنا: يجوز الرجوع بلفظ الفسخ جاز رجوعه لانه لا حجر عليه في التدبير فجاز رجوعه فيه كالبالغ، وإن قلنا: لا يجوز الرجوع الا بتصرف يزيل الملك لم يصح الرجوع في تدبيره الا بتصرف يزيل الملك من جهة اولى.

(فصل)
وان دبر عبده ثم ارتد فقد قال أبو إسحاق لا يبطل التدبير، فان مات عنق العبد لانه تصرف نفذ قبل الرد فلم تؤثر الردة فيه كما لو باع ماله ثم ارتد، ومن أصحابنا من قال: يبطل التدبير لان المدبر انما يعتق إذا حصل للورثة شئ مثلاه وها هنا لم يحصل للورثة شئ فلم يعتق.
ومنهم من قال: يبنى على الاقوال في ملكه، فان قلنا: يزول ملكه بالردة بطل لانه زال ملكه فيه فأشبه إذا باعه، وان قلنا لا يزول لم يبطل كما لو لم يدبر وإن فلنا: موقوف فالتدبير موقوف وما قال أبو إسحاق غير صحيح لانه ارتد والمدبر على ملكه فزال بالردة بخلاف ما لو باعه قبل الردة وما قال الآخر لا يصح لان ماله بالموت صار للمسلمين وقد حصل لهم مثلاه.

(فصل)
وان دبر الكافر عبدا كافرا ثم أسلم العبد ولم يرجع السيد في التدبير ففيه قولان.
أحدهما: يباع عليه وهو اختيار المزني لانه يجوز بيعه فبيع عليه كالعبد القن والثانى: لا يباع عليه وهو الصحيح لانه لا حظ للعبد في بيعه لانه يبطل به

(16/17)


حقه من الحرية فعلى هذا هو بالخيار بين أن يسلمه إلى مسلم وينفق عليه إلى أن يرجع في التدبير فيباع عليه أو يموت فيعتق عليه وبين أن يخارجه على شئ لانه لا سبيل إلى افراره في يده فلم يجز إلا ما ذكرناه، فإن مات السيد وخرج من الثلث عتق، وإن لم يخرج عتق منه بقدر الثلث وبيع الباقي على الورثة لانه صار قنا.

(فصل)
وان اختلف السيد والعبد فادعى العبد أنه دبره وأنكر السيد، فان قلنا إن التدبير كالعتق بالصفة صح الاختلاف لانه لا يمكن الرجوع فيه، والقول قول السيد لان الاصل أنه لم يدبر.
وان قلنا: انه كالوصية ففيه وجهان، أحدهما: أن القول قول السيد لان جحوده رجوع وهو يملك الرجوع، والثانى أنه ليس برجوع وهو المذهب لانه قال في الدعوى والبينات إذا أنكر السيد قلنا له قل رجعت ولا يحتاج إلى اليمين فدل على أن جحوده ليس برجوع، والدليل عليه أن جحود الشئ ليس برجوع كما أن جحود النكاح ليس بطلاق فعلى هذا يصح الاختلاف والحكم فيه كالحكم فيه إذا قلنا انه عتق بلصفة، وان مات السيد واختلف العبد والوارث صح الاختلاف على القولين والقول قول الوارث، وان كان في يده مال فقال كسبته بعد العتق، وقال الوارث بل كسبته قبل العتق قالقول قول المدبر لان الاصل عدم الكسب الا في الوقت الذى وجد فيه وقد وجد وهو في يد المدبر فكان له، وان كان أمة ومعها ولد فادعت أنها ولدته بعد التدبير.
وقال الوارث بل ولدته قبل التدبير فالقول قول الوارث لان الاصل في الولد الرق.

(فصل)
ويجوز تعليق العتق على صفة مثل أن يقول ان دخلت الدار فأنت حر، وان أعطيتني ألفا فأنت حر لانه عتق على صفة فجاز كالتدبير، فان
قال ذلك في المرض اعتبر من الثلث، لانه لو أعتقه اعتبر من الثلث، فإذا عقده اعتبر من الثلث، وان قال ذلك وهو صحيح اعتبر من رأس المال سواء وجدت الصفة وهو صحيح أو وجدت وهو مريض لان العتق انما يعتبر من الثلث في حال المرض لانه قصد إلى الاضرار بالورثة في حال يتعلق حقهم بالمال وههنا لم يقصد إلى ذلك، فان علق العتق على صفة مطلقة ثم مات بطل لان تصرف الانسان

(16/18)


مقصور على حال الحياة فحمل إطلاق الصفة عليه، وأن علق عتقه على صفة بعد الموت لم يبطل بالموت لانه يملك العتق بعد الموت في الثلث فملك عقده على صفة بعد الموت.

(فصل)
وإن علق عتق امة على صفة ثم أتت بولد من النكاح أو الزنا فهل يتبعها الولد فيه قولان كما قلنا في المدبرة، فان بطلت الصفه في الام بموتها أو بموته بطلت في الولد لان الولد يتبعها في العتق لا في الصفة بخلاف ولد المدبرة فانه يتبعها في التدبير فإذا بطل فيها بقى فيه، وإن قال لامته أنت حرة بعد موتى بسنة فمات السيد وهى تخرج من الثلث، فللوارث أن يتصرف في كسبها ومنفعتها ولا يتصرف في رقبتها لانها موقوفة على العتق، فان أتت بولد بعد موت السيد فقد قال الشافعي رحمه الله يتبعها الولد قولا واحدا، فمن أصحابنا من قال فيه قولان كالولد الذى تأنى به قبل الموت والذى قاله الشافعي رحمه الله احد القولين، ومنهم من قال يتبعها الولد قولا واحدا لانها أتت به، وقد استقر عتقها بالموت فيتبعها الولد كأم الولد بخلاف ما قبل الموت فان عتقها غير مستقر لانه يلحقه الفسخ.

(فصل)
وان علق عتق عبده على صفة لم يملك الرجوع فيها بالقول لانه كاليمين أو كالنذر والرجوع في الجميع لا يجوز، ويجوز الرجوع فيه بما يزيل الملك كالبيع وغيره، فان علق عتقه على صفة ثم باعه ثم رجع إليه فهل يعود حكم الصفة
فيه قولان بناء على القولين فيمن علق طلاق إمراته على صفة وبانت منه ثم تزوجها، وإن دبر عبده ثم باعه ثم رجع إليه، فان قلنا: ان التدبير كالوصية لم يرجع لان الوصية إذا بطلت لم تعد، وان قلنا انه كالعتق بصفة فهل يعود أم لا على ما ذكرناه من القولين.

(16/19)