المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

كتاب الفرائض

الفرائض باب من أبواب العلم وتعلمها فرض من فروض الدين، والدليل عليه ما رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإنى امرؤ مقبوض، وان العلم سيقبض، وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدا من يفصل بينهما)
(فصل)
وإذا مات الميت بدئ من ماله بكفنه ومؤنة تجهيزه، لما روى حباب بن الارت قال: قتل مصعب ابن عمير رضى الله عنه يوم أحد وليس له الا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجله، وإذا غطينا رجله خرج رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله من الاذخر ولان الميراث انما انتقل إلى الورثة لانه استغنى عنه الميت وفضل عن حاجته، والكفن ومؤنة التجهيز لا يستغنى عنه فقدم على الارث، ويعتبر ذلك من رأس المال لانه حق واجب فاعتبر من رأس المال كالدين
(فصل)
ثم يقضى دينه لقوله عز وجل من بعد وصية يوصى بها أو دين ولان الدين تستغرقه حاجته فقدم على الارث، وهل ينتقل ماله إلى الورثة قبل قضاء الدين، اختلف أصحابنا فيه: فذهب أبو سعيد الاصطخرى رحمه الله إلى أنه لا ينتقل بل هو باق على ملكه إلى أن يقضى دينه، فإن حدثت منه فوائد ككسب العبد وولد الامة ونتاج البهيمة تعلق بها حق الغرماء، لانه لو بيع كانت العهدة على الميت دون الورثة، فدل على أنه باق على ملكه.
وذهب سائر أصحابنا إلى أنه ينتقل إلى الورثة، فان حدثت منها فوائد لم يتعلق با حق الغرماء، وهو المذهب، لانه لو كان باقيا على ملك الميت لوجب أن يرثه من أسلم أو أعتق من أقاربه قبل قضاء الدين ولوجب أن لا يرثه من مات من الورثة قبل قضاء الدين.
وان كان الدين أكثر من قيمة التركة فقال الوارث أنا أفكها بقيمتها وطالب

(16/49)


الغرماء ببيعها ففيه وجهان بناء القولين فيما يفدى به للولى جناية العبد، أحدهما
لا يجب بيعها، لان الظاهر أنها لا تشترى بأكثر من قيمتها، وقد بذل الوارث قيمتها فوجب أن تقبل.
والثانى: يجب بيعها، لانه قد يرغب فيها من يزيد على القيمة فوجب بيعها.

(فصل)
ثم تنفذ وصاياه لقوله عز وجل من بعد وصية بوصى بها أو دين ولان الثلث بقى على حكم ملكه ليصرفه في حاجاته فقدم على المراث كالدين.
(الشرح) حديث عبد الله بن مسعود ذكره أحمد في رواية إبنه عبد الله بسنده إلى الاحوص عن عبد الله ولفظه (تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلموها، فإنى امرؤ مقبوض، والعلم مرفوع، ويوشك أن يختلف اثنان في الفريضة والمسألة فلا يجدان أحدا يخبرهما) وقد أخرجه أيضا النسائي والحاكم والدارمى والدارقطني من رواية عوف عن سليمان بن جابر عنه، وفيه انقطاع بين عوف وسليمان.
ورواه النضر بن شميل وشريك وغيرهما متصلا.
وأخرجه الطبراني في الاوسط وفى إسناده محمد بن عقبة السدوسى وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم، وفيه أيضا سعيد بن أبى بن كعب، وقد ذكره ابن حبان في الثقات.
وقد أخرجه أيضا أبو يعلى والبزار وفى إسنادهما من لا يعرف، وقد أخرج نحوه الطبراني في الاوسط عن أبى بكر والترمذي عن أبى هريرة وحديث خباب رواه الشيخان وأحمد وأصحاب السنن إلا ابن ماجه وله طرق عن جابر وأنس وعبد الرحمن بن عوف والفرائض جمع فريضة كحدائق جمع حديقه، وهى فعيله بمعنى مفعولة مأخوذة من الفرض وهو القطع، يقال فرضت لفلان كذا، أي قطعت له شيئا من المال.
وقيل هي من فرض القوس، وهو الحز الذى في طرفه حيث يوضع
الوتر ليثبت فيه ويلزمه ولا يزول كذا قاله الخطابى وقبل الثاني خاص بفرائض الله تعالى وهى ما ألزم به عباده لمناسبة اللزوم لما كان الوتر يلزم محله من القوس.

(16/50)


وقد روى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه (تعلموا الفرائض وعلموها، فإنها نصف العلم، وهو ينسى، وهو أول شئ ينزع من أمتى) رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم.
وروى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذا لهوتم فالهو بالرمي، وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض، ورواه سعيد بن منصور عن جرير عن عاصم الاحول عن مورق العجلى عن عمر بن الخطاب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: تعلموا الفرائض واللحن والسنة كما تعلمون القرآن.
وروى أحمد في مسنده وغيره عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ إمرأة سعد بن الربيع جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما ولا ينكحان إلا ولهما مال، قال: فنزلت آية الميراث فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عمهما فقال: أعط إمرأة سعد الثمن وابنتي سعد الثلثين وما بقى فهو لك) .
وقال علقمة: إذا أردت أن تعلم الفرائض فأمت جيرانك.
إذ ثبت هذا: فإن التوارث في الجاهلية كان بالحلف والنصرة، فكان الرجل يقول للرجل: تنصرنى وأنصرك وترثني وأرثك وتعقل عنى وأعقل عنك، وربما تحالفوا على ذلك، فإذا كان لاحدهما ولد كان الحليف كأحد أولاد حليفه، إن لم يكن له ولد فإن جميع المال للحليف، فجاء الاسلام الناس على هذا، فأقرهم الله تعالى على صدر الاسلام بقوله: والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم.
وروى أن أبا بكر رضى الله عنه حالف رجلا فمات فورثه أبو بكر ثم نسخ ذلك وجعل التوراث بالاسلام والهجرة، فكان الرجل إذا أسلم وهاجر معه من مناسبيه دون لم يهاجر معه من مناسبيه، مثل أن يكون له أخ وابن مسلمان فهاجر معه الاخ دون الابن فيرثه أخوه دون ابنه، والدليل عليه قوله تعالى (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذين

(16/51)


آووا ونصروا، أولئك بعضهم أولياء بعض، والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) ثم نسخ ذلك ربنا عز وجل بالميراث بالرحم بقوله تبارك اسمه (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) وفسر المعروف بالوصية، وقال تعالى: للرجال نصيب مما ترك الولدان والاقربون، فذكر أن لهم نصيبا في هذه الآية، ولم يبين قدره، ثم بين قدر ما يستحقه كل وارث في ثلاثة مواضع من كتابه على ما نذكره في مواضعه ان شاء الله.
وإذا تقرر هذا فان الميت إذا مات أخرج من ماله كفنه وحنوطه ومؤنة تجهيزة من رأسماله مقدما على دينه ووصيته، موسرا كان أو معسرا، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم.
وقال الزهري: ان كان موسرا حسب ذلك من رأس المال، وان كان معسرا احتسب من ثلثه.
وقال خلاس بن عمرو: يحتسب من ثلثه بكل حال.
دليلنا ما روى خباب في الحديث الذى ساقه المصنف ولم يسل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثلث ماله، وروى أن الرجل الذى قضى وهو محرم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما، ولم يعتبر الثلث، ولان الميراث انما نقل إلى الورثة لاستغناء الميت عنه، وهذا غير ما استقر من كفنه ومؤنة
تجهيزه، فقدم على الارث ثم يقضى دينه ان كان عليه دين ثم تخرج وصاياه لقوله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وأجمعت الامة على أن الدين مقدم على الوصية، وهل ينتقل ماله إلى ورثته قبل قضاء الدين؟ اختلف أصحابنا فيه فذهب أكثرهم إلى أنه ينتقل إليهم قبل قضاء الدين.
وقال أبو سعيد الاصطخرى: لا ينتقل إليهم حتى يقضى الدين، هكذا ذكر الشيخان أبو حامد الاسفرايينى وأبو إسحاق المروزى عن أبى سعيد من غير تفصيل، وأما بن الصباغ فحكى عنه: ان كان الدين لا يحيط بالتركة لم يمنع الدين من انتقال المال إلى الورثة الا بقدره، واحتج بأنه لو بيع شئ من ماله بعد موته لكانت العهدة على الميت دون الورثة، فدل على بقاء ملكه.

(16/52)


فعلى هذا إذا حدث من المال فوائد أو نماء قبل الدين كان ذلك ملكا للميت فيقضى منه دينه، وينفذ منه وصاياه.
وقال أبو حنيفة: ان كان الدين يحيط بالتركة منع انتقال الملك إلى الورثة وان كان الدين لا يحيط بالتركة لم يمنع الملك إلى الورثة بحال، لقوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم الآية) ولم يفرق، ولانه لا خلاف أن رجلا مات وخلف ابنين وعليه دين فمات أحدهما قبل قضاء الدين، وخلف ابنا ثم أبرأ من له الدين الميت عن الدين، فإن تركة من عليه الدين تقسم بين الابن وابن الابن، فلو كان الدين يمنع انتقال الملك إلى الورثة لكانت التركة للابن وحده، فعلى هذا لو حل من التركة فوائد قبل قضاء الدين فإنها للورثة، لا يتعلق بها حق الغرماء ولا الوصية، وان كان الدين: أكثر من التركة: فقال الوارث أنا أدفع قيمة التركة من مالى ولا تباع التركة، وطلب الغرماء بيعها، فهل يجب بيعها؟ فيه وجهان بناء على العبد الجاني إذا بذل سيده قيمته وطلب
المجني عليه بيعه: وكان الارش أكثر من قيمته، فهل يجب بيعه؟ فيه وجهان.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ثم تقسم التركة بين الورثة والاسباب التى يتوارث بها الورثة المعينون ثلاثة: رحم، ولاء، ونكاح، لان الشرع ورد بالارث بها، وأما المؤاخاة في الدين والموالاة في النصرة والارث فلا يورث بها، لان هذا كان في ابتداء الاسلام ثم نسخ بقوله عز وجل (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) .

(فصل)
والوارثون من الرجال عشرة الابن وابن الابن وان سفل، والاب والجد أبو الأب وان علا، والاخ وابن الاخ والعم وابن العم والزوج ومولى النعمة، والوارثات من النساء سبع: البنت وبنت الابن والام والجدة والاخت والزوجة ومولاة النعمة: لان الشرع ورد بتوريثهم على ما نذكره ان شاء الله تعالى.

(16/53)


فأما ذوو الارحام وهم الذين لا فرض لهم ولا تعصيب فانهم لا يرثون، وهم عشرة: ولد البنات وولد الاخوات وبنات الاخوة وبنات الاعمام وولد الاخوة من الام والعم من الام والعمة والخال والخالة والجد أبو الأم ومن يدلى بهم.
والدليل عليه ما رَوَى أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ الله تعالى أعطى كل ذى حق حقه، ولا وصية لوارث) فأخبر أنه أعطى كل ذى حق حقه، فدل على أن كل من لم يعطه شيئا فلا حق له: ولان بنت الاخ لا ترث مع أخيها فلم ترث كبنت المولى، ولا يرث العبد المعتق من مولاه لما ذكرناه من حديث أبى أمامة، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أعتق)
(الشرح) حديث أبى امامة الاول مضى تخريجه والكلام عليه في كتاب الوصايا، وأما الحديث الثاني (الولاء لمن أعتق) فهو من حديث عائشة عند أحمد والبخاري ومسلم ولفظه (أن بريرة جاءت تستعينها في كتابها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئا، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فان أحبوا أن أقضى عنك كتابتك ويكون ولاؤك لى فعلت، فذكرت بريرة ذلك لاهلها فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابتاعى فأعتقي، فانما الولاء لمن أعتق، ثم قام فقال: ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرطه مائة مرة، شرط الله أحق وأوثق) أما الاحكام فانه يصرف مال اليتيم بعد قضاء الدين وإخراج وصيته إلى ورثته.
والارث ضربان: عام وخاص، فأما العام فهو أن يموت رجل من المسلمين ولا وارث له خاص، فان ماله ينتقل إلى المسلمين ارثا بالتعصيب، يستوى فيه الذكر والانثى، وهل يدخل فيه العامل؟ فيه وجهان وأما الارث الخاص فيكون بأحد أمرين بسبب أو نسب، فأما السبب فينقسم قسمين ولاء ونكاح، فأما الولاء فقد مضى بيانه، وأما النكاح فهو ارث أحد

(16/54)


الزوجين من الآخر على ما يأتي بيانه.
وأما النسب فهم الوارثون من القرابة من الرجال والنساء، فالرجال المجمع على توريثهم خمسة عشر، منهم أحد عشر لا يرثون الا بالتعصيب.
وهم الابن وابن الابن وان سفل والاخ للاب والام، والاخ للاب، وابن الاخ للاب والام، وابن الاخ للاب، والعم للاب والام والعم للاب، وابن العم للاب، والمولى المنعم.
فكل هؤلاء لا يرث واحد منهم
فرضا وانما يرث تعصيبا، الا الاخ للاب والام فانه يرث بالفرض في التركة على ما نذكره.
واثنان من الرجال الوارثين تارة بالفرض وتارة بالتعصيب، وهما الاب والجد أبو الأب وان علا.
واثنان لا يرثان الا بالفرض لا غير، وهما الاخ للام والزوج.
وأما النساء المجمع على توريثهن فعشر: وهى الابنة وابنة الابن وان سفلت والام والجدة أم الاب والاخت للاب والاخت للام والزوجة والموالاة المنعمة فأربع منهن يرثن تارة بالفرض وتارة بالتعصيب، وهن الابنة، وابنة الابن، والاخت للاب والام والاخت للاب، والاخت للام، والزوجة.
واحدة منهن لا ترث الا بالتعصيب وهى المولاة المنعمة والورثة من الرجال والنساء ينقسمون ثلاثة أقسام: قسم يدلى بنفسه، وقسم يدلى بغيره، وقسم يدلى بنفسه وقد يدلى بغيره.
فأما القسم الذى يدلى بنفسه فهم ستة.
الاب والام والابن والابنة والزوج والزوجة وهؤلاء لا يحجبون بحال.
وأما القسم الذى يدلى بغيره فهو من عدا من ذكر من القرابات وقد يحجبون.
وأما القسم الذى يدلى بنفسه مرة وبغيره أخرى فهو من يرث بالولاء، وقد يحجب أيضا، وقد ورد الشرع بتوريث جميع ما ذكرنا على ما يأتي بيانه.
وأما ذوو الارحام، وهم ولد البنات وولد الاخوات، وبنات الاخوة وولد الاخوة للام، والخال والخالة، والعمة والعم للام وبنات الاعمام وكل أحد بينه وبين الميت أم، ومن يدلى بها ولاء.
فاختلف أهل العلم في توريثهم على ثلاثة مذاهب، فذهب الشافعي رضى الله عنه إلى أنهم لا يرثون بحال.
وبه قال في الصحابة زيد بن ثابت وابن عمر وهى احدى الروايتين عن عمر، ومن الفقهاء الزهري ومالك الاوزاعي واهل الشام وأبو ثور

(16/55)


وذهبت طائفة إلى أنهم يرثون ويقدمون على الموالى والرد، ذهب إليه من الصحابة على بن أبي طالب وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وهو الصحيح عن عمر، وذهب النووي وأبو حنيفة إلى أن ذوى الارحام يرثون، ولكن يقدم عليهم المولى والرد، فإن كان له مولى منعم ورث، وإن لم يكن له منعم وهناك من له فرض كالابنة والاخت كان الباقي لصاحب الفرض بالرد، وإن لم يكن هناك أحد من أهل الفروض ورث ذوو الارحام، وبه قال بعض أصحابنا إن لم يكن هناك إمام عادل، وهى إحدى الروايتين عن علي كرم الله وجهه إلا أنها رواية شاذة، ولا سند لابي حنيفة في مذهبه غير هذه الرواية الشاذة.
دليلنا ما روى أبو أمامة الباهلى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إن الله تعالى قد أعطى لكل ذى حق حقه الحديث، فظاهر النص يقتضى انه لا حق في الميراث لمن لم يعطه الله شيئا، وجميع ذوى الارحام لم يعطهم الله في كتابه شيئا فثبت أنه لا ميراث.
وروى أبو سلمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن ميراث العمة والخالة فقال: لا أدري حتى يأتي جبريل، ثم قال: أين السائل عن ميراث العمه والخالة؟ أتاني جبريل فسارني أن لا ميراث لهما.
وروى عطاء بن يسار عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يأتي قباء على حمار أو حمارة يستخير الله في ميراث العمة والخالة، فأنزل الله عز وجل (أن لا ميراث لهما، ولان كل من لم ترث مع من هو أبعد لم يرث إذا انفرد كابنة المولى، لان ابنة المولى لما لم ترث مع ابن المولى، وهو أبعد منها لم ترث أيضا إذا انفردت كذلك، ولهذا لم ترث مع ابن العم وهو أبعد منها، ولم ترث أيضا إذا انفردت، ولان ابنة الاخ لما لم ترث مع أختها لم ترث إذا انفردت كابنة المولى وعكسه الابنة والاخت فانهما لما ورثتا مع أخيهما ورثتا إذا انفردتا.
(فرع)
مولى الموالاة لا يرث عندنا وهو أن يقول رجل لآخر: واليتك على أن ترثى وأرثك وتنصرني وأنصرك وتعقل عني وأعقل عنك ولا يتعلق بهذه الموالاة عندنا حكم ارث ولا عقل وغيره، وبه قال زيد بن ثابت ومن التابعين

(16/56)


الحسن البصري والشعبي ومن الفقهاء الاوزاعي ومالك، وذهب النخعي إلى أن هذا العقد يلزم بكل حال ويتعلق به التوارث والعقل ولا يكون لاحدهما فسخه بحال، وقال أبو حنيفة مولى الموالاة يرث ولكنه يؤخر عن المناسبين والموالاة وهى عقد جائز لكل واحد منهما فسخه ما لم يعقل أحدهما عن الاخر، فإذا عقل لزمه ذلك ولم يكن له سبيل إلى فسخه.
دليلنا حديث بريرة (الولاء لمن أعتق) فجعل حسن الولاء للعتق فلم يبق ولاء يثبت لغيره لان كل سبب لم يورث به مع وجود النسب لم يورث به مع فقده كما لو أسلم رجل على يد رجل، ولان عقد الموالاة لو كان سببا يورث به لم يجز فسخه وابطاله كالنسب والولاء.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ولا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم أصليا كان أو مرتدا لِمَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ويرث الذمي من الذمي) وان اختلفت أديانهم كاليهودي من النصراني والنصراني من المجوسي، لانه حقن دمهم بسبب واحد فورث بعضهم من بعض كالمسلمين، ولا يرث الحربي من الذمي ولا الذمي من الحرب، لان الموالاة انقطعت بينهما فلم يرث أحدهما من الاخر كالمسلم والكافر.

(فصل)
ولا يرث الحر من العبد، لان ما معه من المال لا يملكه في أحد
القولين، وفى الثاني: يملكه ملكا ضعيفا، ولهذا لو باعه رجع إلى مالكه فكذلك إذا مات ولا يرث العبد من الحر لانه لا يورث بحال فلم يرث كالمرتد، ومن نصفه حر ونصفه عبد لا يرث، وقال المزني: يرث بقدر ما فيه من الحرية ويحجب بقدر ما فيه من الرق، والدليل على أنه لا يرث أنه ناقص بالرق في النكاح والطلاق والولاية، فلم يرث كالعبد، وهل يورث منه ما جمعه بالحرية؟ فيه قولان: قال في الجديد: يرثه ورثته، لانه مال ملكه بالحرية فورث عنه كمال الحر.
وقال في القديم: لا يورث لانه إذا لم يرث بحريته لم يورث بها، وما الذي

(16/57)


يصنع بماله.
قال الشافعي رضى الله عنه: يكون لسيده وقال أبو سعيد الاصطخري: يكون لبيت المال، لانه لا يجوز أن يكون لسيده لانه جمعه بالحرية فلا يجوز أن يورث لرقه، فجعل لبيت المال ليصرف في المصالح كمال لا مالك له.

(فصل)
ومن أسلم أو أعتق على ميراث لم يقسم لم يرث لانه لم يكن وارثا عند الموت فلم يرث، كما لو أسلم أو أعتق بعد القسمة.
وإن دبر رجل أخاه فعنق بموته لم يرثه، لانه صار حرا بعد الموت، وإن قال له أنت حر في آخر جزء من أجزاء حياتي المتصل بالموت، ثم مات عتق من ثلثه، وهل يرثه؟ فيه وجهان
(أحدهما)
لا يرثه لان العتق في المرض وصية، والارث والوصية لا يجتمعان (والثاني) يرثه ولا يكون عتقه وصية، لان الوصية ملك بموت الموصي، وهذا لم يملك نفسه بموته.
وإن قال في مرضه: إن مت بعد شهر فأنت اليوم حر، فمات بعد شهر عتق يوم تلفظ، وهل يرثه؟ على الوجهين (الشرح) حديث أسامة رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
وفي رواية عند الشيخين قال (يا رسول الله أتنزل غدا في دارك بمكة؟
قال: وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ، ولم يرث جعفر ولا على شيئا، لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ) الاحكام: لا يرث الكافر من المسلم بلا خلاف، وأما المسلم فلا يرث الكافر عندنا، وبه قال علي وزيد بن ثابت وهو قول الفقهاء كافة.
وقال معاذ ومعاوية: يرث المسلم من الكافر، دليلنا حديث أسامة بن زيد وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يتوارث أهل ملتين شيئا، والاسلام والكفر ملتان شتى فوجب أن لا يتوارثا ويرث الكافر من الكافر إذا اجتمعا في الذمة أو فالحرب، فيرث اليهودي من النصراني والعكس وكذا المجوسي إذا جمعتهم الذمة أو كانوا حربا لنا.
فأما أهل الحرب وأهل الذمة فإنهم لا يتوارثون، وإن كانوا من اليهود أو

(16/58)


النصارى.
وبه قال من الصحابة عمر وعلي وزيد بن ثابت.
ومن الفقهاء مالك والثوري وأبو حنيفة.
هذا نقل أصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي: الذمي هل يرث الحربي؟ فيه قولان، أحدهما يرثه، لان ملتهما واحدة، والثاني: لا يرثه لان حكمنا لا يجري على الحربي.
هذا مذهبنا.
وذهب الزهري والاوزاعي وأبن أبى ليلى وأحمد وإسحاق إلى أن اليهودي لا يرث من النصراني وكذلك العكس وإن جمعتهم الملة، وإنما يرث النصراني من النصراني واليهودي من اليهودي، كما يرث أهل الحرب بعضهم بعضا إذا تحاكموا إلينا، وإن اختلفت دارهما وكان بعضهم يرى قتل بعض، وحكم من دخل الينا بأمان أو تجارة أو رسالة حكم أهل الذمة ويرث بعضهم من بعض ومتى كانت امرأة الكافر ذات رحم منه من نسب أو رضاع لم يتوارثا بالنكاح، وإن كانت غير ذات رحم محرم منه لو اسلما أقرا على
نكاحهما وتوارثا بالنكاح، وإن عقدا بغير ولي ولا شهود (فرع)
قال الشافعي: وميراث المرتد لبيت المال.
قال العمراني: وجملة ذلك أن العلماء اختلفوا في الارث بعد موته على أربعة مذاهب، فذهب الشافعي رحمه الله إلى أن ماله لا يورث بل يكون فيئا لبيت المال.
سواء في ذلك ما اكتسبه في حال إسلامه أو في حال ردته، وسواء قلنا إن ملكه يزول أو لا يزول أو موقوف.
وبهذا قال ابن عباس وهى إحدى الروايتين عن علي وبه قال الاوزاعي وأبو يوسف ومحمد، وذهب قتادة وعمر بن عبد العزيز إلى أن ماله يكون لاهل الذمة التي انتقل إليها، فإن انتقل إلى اليهود كان ماله لهم.
وإن انتقل إلى النصارى كان ماله لهم.
وقال أبو حنيفة والثوري: ما اكتسبه قبل الردة ورث عنه، وما اكتسبه بعد الردة يكون فيئا.
ودليلنا حديث اسامة في الفصل، والمرتد كافر، ولانه لا يرث بحال فلم يورث كالكافر، والجواب على أبي حنيفة هو أن من لم يرث المسلم ما اكتسبه في حالة إباحة دمه لم يرث ما اكتسبه في حال حقن دمه كالذمي إذا لحق بدار الحرب.
إذا ثبت هذا فهل يخمس مال المرتد؟ فيه قولان يأتيان.
(فرع)
إذا مات العبد وفي يده مال لم يرثه قرابته الاحرار، لان من الناس

(16/59)


من يقول: انه لا يملك المال، ومنهم من قال انه يملكه إذا ملكه السيد، وهذا ملك ضعيف يزول بزوال ملك سيده وأما من نصفه حر ومن نصفه عبد فهو على وجهه ما أورده المصنف أما إذا مات مسلم حر وخلف أولادا أحرارا مسلمين وأولادا مملوكين ورثه الاولاد المسلمون الاحرار، فإن أسلم الكفار أو أعتق العبيد بعد قسمة الميراث لم يشاركوا في الارث بلا خلاف، وإن أسلموا أو عتقوا بعد موت أبيهم وقبل
قسمة تركته لم يشاركوا في الميراث عندنا، وبه قال أكثر أهل العلم.
وقال أكثر أهل العلم: إذا اسلموا أو عتقوا بعد موت أبيهم وقبل قسمة تركته لم يشاركوا في الميراث عندنا وبه قال أكثر أهل العلم.
وقال عمر وعثمان رضى الله عنهما: إذا أسلموا أو عتقوا قبل القمسة شاركوا في الارث.
دليلنا أن كل من لم يرث حال الموت لم يرث بعد ذلك، كما لو أسلم أو أعتق بعد القسمه
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
واختلف أصحابنا فيمن قتل مورثه فمنهم من قال: ان كان القتل مضمونا لم يرثه لانه قتل بغير حق وان لم يكن مضمونا ورثه لانه قتل بحق فلا يحرم به الارث.
ومنهم من قال: ان كان متهما كالمخطئ أو كان حاكما فقتله في الزنا بالبينه لم يرثه لانه متهم في قتله لاستعجال الميراث، وان كان غير متهم بأن قتله بإقراره بالزنا ورثه لانه غير متهم لاستعجال الميراث.
ومنهم من قال لا يرث القاتل بحال، وهو الصحيح لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال لا يرث القاتل شيئا) ولان القاتل حرم الارث حتى لا يجعل ذريعة إلى استعجال الميراث فوجب أن يحرم بكل حال لحسم الباب (الشرح) حديث ابن عباس رواه الدارقطني وفى اسناده كثير من مسلم وهو ضعيف، وعند البيهقى حديث آخر بلفظ: من قتل قتيلا فانه لا يرثه.
وان لم يكن له وارث غيره.
وفى اسناده عمرو بن برق وهو ضعيف، وعن أبى هريرة عند الترمذي وابن ماجه (القاتل لا يرث) وفى اسناده إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ تركه أحمد وغيره وأخرجه النسائي في السنن الكبرى وقال: اسحاق متروك

(16/60)


ورواه أبو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (لا يرث القاتل شيئا) وأخرجه النسائي وأعله، الدارقطني وقواه ابن عبد البر.
ورواه مالك في الموطأ وأحمد وابن ماجه والشافعي وعبد الرزاق والبيهقي عن عمر: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ (ليس لقاتل ميراث) وفى سنده انقطاع.
وقال البيهقي: ورواه محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مرفوعا، قال الحافظ بن حجر: وكذا أخرجه النسائي من وجه آخر عن عمر وقال: انه خطأ وأخرجه ابن ماجه والدارقطني من وجه آخر عن عمر أيضا أما الاحكام: فقد قال الشافعي رضى الله عنه: والقاتلون عمدا أو خطأ لا يرثون، وجملة ذلك أن العلماء اختلفوا في ميراث القاتل من المقتول، فذهب الشافعي إلى أن القاتل لا يرث المقتول لا من ماله ولا من ديته، سواء قتله عمدا أو خطأ أو مباشرة أو بسبب مصلحه.
كسقي الدواء أو ربط الجرح أو لغير مصلحه متهما كان أو غير متهم، وسواء كان القاتل صغيرا أو كبيرا، عاقلا أو مجنونا، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وعمر بن عبد العزيز وأحمد بن حنبل.
وقال أبو إسحاق المروزي من أصحابنا: إذا كان القاتل غير متهم بأن كان حاكما فجاء مورثه فأقر عنده بقتل رجل عمدا وطلب وليه القود، فمكنه الحاكم من قتله، أو اعترف عندنا بالزنا وهو محصن فرجمه أو أعترف بقتل الحرابة فقتل فإنه يرثه لانه غير متهم في قتله.
ومن أصحابنا من قال: إن كان القتل مضمونا لم يرث القاتل لانه قتل بغير حق، وإن كان غير مضمون بأن قتله قصاصا أو في الزنا أو كان باغيا فقتله العادل وما أشبه ذلك ورث، لانه قتل بحق فلا يمنع الارث.
وقال عطاء وابن المسيب ومالك والاوزاعي ان كان القتل عمدا لم يرث القاتل لا من ماله ولا من ديته.
وإن كان القتل خطأ ورث ماله ولم يرث من ديته.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن قتله مباشرة فلا يرثه سواء قتله عمدا أو خطأ إلا ان كان القاتل صبيا أو مجنونا أو عادلا فقتل الباغي فإنهم يرثون، وإن قتله بسبب، مثل أن حفر بئرا أو نصب سكينا فوقع عليها مورثه أو كان يقود دابة أو يسرقها فرفسته فإنه يرثه
وإن كان راكبا الدابة فرفست مورثه أو وطئته فمات فقال أبو حنيفة لا يرثه،

(16/61)


وقال أبو يوسف ومحمد يرثه.
أما نحن فدليلنا ما رويناه من حديث ابن عباس (لا يرث القاتل شيئا) وحديث عمر وحديث أبي هريرة وحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وكلها نصوص في أن القاتل لا يرث.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
(فصل)
واختلف قول الشافعي رحمه الله فيمن بت طلاق امرأته في المرض المخوف واتصل به الموت، فقال في أحد القولين انها ترثه لانه متهم في قطع ارثها فورثت، كالقاتل لما كانت متهما في استعجال الميراث لم يرث.
والثاني أنها لا ترث وهو الصحيح، لانها بينونة قبل الموت فقطعت الارث كالطلاق في الصحة، فإذا قلنا انها ترث فإلى أي وقت ترث؟ فيه ثلاثة أقوال، أحدها ان مات وهى في العدة ورثت لان حكم الزوجية باق، وان مات وقد انقضت العدة لم ترث لانه لم يبق حكم الزوجية، والثاني انها ترث ما لم تتزوح، لانها إذا تزوجت علمنا انها اختارت ذلك، والثالث أنها ترث أبدا، لان توريثها للفرار، وذلك لا يزول بالتزويج فلم يبطل حقها.
وأما إذا طلقها في المرض ومات بسبب آخر لم ترث لانه بطل حكم المرض، وان سألته الطلاق لم ترث لانه غير متهم.
وقال أبو علي بن ابي هريرة ترث لان عثمان بن عفان رضى الله عنه ورث تماضر بنت الاصبع من عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وكانت سألته الطلاق، وهذا غير صحيح.
فإن ابن الزبير خالف عثمان في ذلك، وان علق طلاقها في الصحة على صفة تجوز ان توجد قبل المرض فوجدت الصفة في حال المرض لم ترث، لانه غير متهم في عقد الصفة، وان علق طلاقها في المرض على فعل من جهتها، فإن كان فعلا يمكنها تركه ففعلت لم ترث
لانه غير متهم في ميراثها، وان كان فعلا لا يمكنها تركه كالصلاة وغيرها فهو على القولين، وان قذفها في الصحة ثم لاعنها في المرض لم ترث، لانه مضطر إلى اللعان لدرء الحد فلا تلحقه التهمة، وان فسخ نكاحها في مرضه بأحد العيوب ففيه وجهان، أحدهما انه كالطلاق في المرض، والثاني انها لا ترث لانه يستند إلى معنى من جهتها ولانه محتاج إلى الفسخ لما عليه من الضرر في المقام معها على العيب

(16/62)


(فصل)
وإن طلقها في المرض ثم صح ثم مرض ومات، أو طلقها في مرض ثم ارتدت ثم عادت إلى الاسلام ثم مات لم ترثه قولا احدا لانه أتت عليها حالة أو مات سقط إرثها فلم يعد.
(الشرح) إذا طلق الرجل إمرأته في مرض موته وقع الطلاق رجعيا فمات وهي في العدة أو ماتت قبله في العدة ورث أحدهما صاحبه بلا خلاف أيضا، لان الرجعية حكمها حكم الزوجة إلا في إباحة وطئها، وهى كالحائض، وان كان الطلاق بائنا، فإن ماتت قبل الزوج لم يرثها الزوج وهو إجماع أيضا لا خلاف فيه، فإن مات الزوج قبلها فهل ترثه؟ فيه قولان، قال في القديم: ترثه، وبه قال عمر وعثمان وعلي، ومن الفقهاء شعبة ومالك والاوزاعي والليث وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد، ووجه هذا ما روى أن عمر قال: المبتوتة في حال المرض ترث من زوجها، وروى أن عبد الرحمن بن عوف طلق إمرأته تماضر بنت أصبع الكلبية في مرض موته فورثها منه عثمان بن عفان، وروى أن عثمان لما حصر طلق إمرأته فورثها منه علي بن أبي طالب وقال: قد كان أشرف على موت، ولانه متهم في قطع ميراثها فغلظ عليه وورثت منه كالقاتل لما كان متهما في القتل لاستعجال الميراث غلظ عليه فلم يرث.
وقال في الجديد: لا ترثه، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ الزبير وأبو ثور وهو الصحيح، لانها فرقة يقطع ميراثه منها فقطعت ميراثها عنه كما أبائها في حال الصحة عكسه الرجعية، ولانها فرقة لو وقعت في الصحة لقطعت ميراثها عنه فإذا وقعت في المرض قطعت ميراثها عنه كاللعان، ولانها ليست بزوجه له بدليل أنه لا يلحقها طلاقه ولا إيلاؤه ولا ظهاره ولا عدة وفاته فلم ترثه كالاجنبية.
وأما ما روى عن عمر وعثمان وعلي، فإن ابن الزبير وعبد الرحمن بن عوف خالفاهم في ذلك فقال ابن الزبير: أما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة، وعبد الرحمن ابن عوف إنما طلق إمرأته في مرض موته ليقطع ميراثها عنه، فإذا قلنا في الجديد فلا نفرع عليه، وان قلنا بقوله القديم قال: متى ترثه؟ فيه ثلاثة أقوال.

(16/63)


أحدها: ترثه ما دامت في عدتها منه، فإذا انقضت عدتها لم ترثه، وبه قال أبو حنيفة وسفيان والليث والاوزعي وإحدى الروايتين عن أحمد، لان الميراث للزوجة إنما يكون لزوجة أو لمن هي في حكم الزوجات، فما دامت في عدتها منه فهي في حكم الزوجات.
والثاني: أنها ترثه ما لم تتزوج بغيره، فإذا تزوجت بغيره لم ترثه، وبه قال ابن أبي ليلى، وهى الرواية الصحيحة عن أحمد، لان حقها قد ثبت في ماله، فإذا لم يسقط ببينونتها لم يسقط بانقضاء عدتها، وإنما يسقط برضاها، فإذا تزوجت فقد رضيت بفراقه وقطع حقها عنه.
والثالث: أنها ترثه ابدا سواء تزوجت أو لم تتزوج، وبه قال مالك لانها قد ثبت لها حق في ماله فلم ينقص بانقضاء عدتها ولا بتزويجها كمهرها.
(فرع)
إذا أقر في مرض موته أنه قد كان طلق إمرأته في صحته ثلاثا بانت منه، قال الشيخ أبو حامد: ولا ترثه قولا واحدا، لان ما أقر به في مرض موته
وإضافته إلى الصحة كالذي فعله في الصحة كما لو أقر في مرض موته أنه كان وهب ماله في صحته وأقبضه، فان ذلك يعتبر من التلت.
وحكى القاضي أبو الطيب عن بعض أصحابنا في ذلك قولين كما لو طلقها ثلاثا في مرض موته لانه متهم في اسقاط حقها فلم يسقط بدليل أنه لا يسقط بهذا الاقرار نفقتها ولا سكناها في حال النكاح وان اضاف ذلك إلى وقت ماض.
(فرع)
إذا كان الرجل مريضا فسألته امرأته أن يطلقها ثلاثا ومات في مرضه ذلك، أو قال لها في مرض موته: أنت طالق ثلاثا ان شئت، فقالت: شئت، طلقت، وهل ترثه؟ اختلف أصحابنا فيه، فقال أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: هِيَ عَلَى القولين، لان الاصل في هذا قصة عثمان في توريثه تماضر زوجها عبد الرحمن بن عوف في مرض موته، وقد كانت سألته الطلاق.
وقال الشيخ أبو حامد: لا ترثه قولا واحدا، وهو المذهب لانها إذا سألته الطلاق فلا تهمة عليه في طلاقها، وأما قصة تماضر لا حجه فيها لان عبد الرحمن قال لنسائه: من اختارت منكن أن أطلقها طلقتها، فقالت تماضر: طلقني،

(16/64)


فقال لها: إذا حضت فأعلميني فأعلمته فطلقها.
وليس طلاقه لها في هذ الوقت جوابا لكلامها لان قولها طلقني يقتضي الجواب في الحال، فإذا تأخر ثم طلقها كان ذلك إبتداء طلاق.
وان سألته في مرض موته أن يطلقها واحدة فطلقها ثلاثا ثم مات فهل ترثه فيه قولان، لانها سألته تطليقها فإذا طلقها ثلاثا صار متهما بذلك لانه قصد قطع ميراثها، فصار كما لو طلقها ثلاثا ابتداء من غير سؤالها.
(فرع)
إذا علق المريض طلاق امرأته ثلاثا بصفة ثم وجدت تلك الصفه في مرضه ومات، فهل ترثه؟ نظرت فان كان صفة لها منه بد مثل أن قال لها:
ان دخلت الدار أو خرجت منها أو كلمت فلانا أو صليت النافلة أو صمت النافلة فأنت طالق ثلاثا، ففعلت ذلك في مرض موته لم ترثه قولا واحدا، لانها إذا فعلت ذلك مع علمها بالطلاق فقد اختارت وقوع الطلاق عليها بما لها منه بد فصارت كما لو سألته الطلاق، وان كانت صفة لا بد منها بأن قال: ان تنفست أو صليت الفرض أو كلمت أباك أو أمك فأنت طالق ثلاثا ففعلت ذلك في مرض موته ومات فهل ترثه؟ على القولين لانها لابد لها من فعل هذه الاشياء فصار كما لو طلقها ثلاثا طلاقا منجزا.
وقال الشيخ أبو حامد: ان قال لها ان مرضت فأنت طالق ثلاثا فمات في مرضه فيه قولان، لانه لما جعل مرض موته شرطا في وقوع الطلاق عليها كان متهما في ذلك، فان قال لها وهو صحيح: ان جاء رأس الشهر أو جاء الحاج أو طلعت الشمس وما أشبه ذلك فأنت طالق ثلاثا، فوجدت هذه الصفات في مرضه موته فهل ترثه، قال البغداديون من أصحابنا: لا ترثه قولا واحدا لانه غير متهم في ذلك، لان انفاق ذلك في مرضه مع هذه الصفات لم يكن من قصده.
أما إذ قال أنت طالق ثلاثا قبل موتي بشهر، فان عاش هذا الزوج بعد هذا القول أقل من شهر ثم مات لم يحكم بوقوع الطلاق لانا لا نحكم بوقوعه قبل محله، وان عاش بعد ذلك شهرا ومات مع الشهر لم يقع الطلاق لان الطلاق انما يقع عقيب الايقاع مما معه، وان عاش شهرا واحدا طلقت قبل موته بشهر.

(16/65)


قال الشيخ أبو حامد: وهل ترثه، فيه قولان لانه متهم في ذلك، ثم إنه بذلك منعها من الميراث.
(فرع)
إذا طلقها ثلاثا في مرضه، ثم صح ثم مرض ثم مات فانها لا ترثه قولا واحدا، لانه قد تخلل بين المرض والموت حالة لو طلقها ثلاثا فيها لم ترث
شيئا، فكذلك إذا طلقها قبل تلك الحالة فوجب أن لا ترث، وهكذا إذا طلقها في مرض موته ثلاثا ثم ارتد الزوج أو الزوجه، ثم رجعا ثم مات الزوج لم ترثه قولا واحدا.
(فرع)
إذا طلق إمرأته في الصحة ثم لاعنها في مرض موته لم ترثه قولا واحدا لانه مضطر إلى اللعان لدرء الحد فلا تلحقه التهمة، وإن قذفها في مرض موته ولاعنها قال ابن الصباغ: فإنها لا ترثه قولا واحدا لانه في حاجة إلى اللعان لاسقاط الحد عن نفسه.
قال ابن اللبان.
ويحتمل أن يقال: إن كان قد نفى الحمل فإنها لا ترث لانه مضطر إلى قذفها، وان لم ينف الولد ورثته في أحد القولين، لانه لم يضطر إلى قذفها، وان فسخ نكاحها في مرض موته بأحد العيوب ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو إسحاق، أحدهما: أنه كالطلاق في المرض فيكون في ميراثها منه قولان.
والثاني لا ترثه قولا واحدا، لانه يستند إلى معنى من جهتها، ولان به حاجة إلى الفسخ لما عليه من الضرر في المقام معها على العيب.
(فرع)
إذا كانت تحته أربع نسوة وطلقهن في مرض موته طلاقا بائنا ثم تزوج بعدهن أربعا سواهن ثم مات من مرضه ذلك فإن قلنا بالجديد: وأن المبتوتة في مرض الموت لا ترث كان ميراثه للاربع زوجات دون المطلقات، وان قلنا بالقديم: وأن المبتوتة في مرض الموت ترث فمتى ترث فيه ثلاثة أوجه حكاها الشيخ أبو حامد.
(أحدها) أنه للزوجات الجديدات دون المطلقات لانه لا يجوز أن يرث الرجل أكثر من أربع زوجات ولا بد من تقديم بعضهن على بعض، فكان تقديم الزوجات أولى، لان ميراثهن ثابت بنص القرآن، وميراث المطلقات ثبت بالاجتهاد.

(16/66)


(والثاني) أنه للزوجات المطلقات دون الزوجات الجديدات، لانه لا يجوز أن يرثه أكثر من أربع، فكان تقديم المطلقات أولى لان حقهن أسبق.
(والثالث) أنه يكون بين المزوجات والمطلقات بالسوية لان ارث الزوجات ثابت بنص القرآن، وارث المطلقات ثابت بالاجتهاد فشرك بينهن، وقول من قال: لا يجوز أن يرثه أكثر من أربع زوجات ليس بصحيح لان الشرع انما منع من نكاح ما زاد على أربع، وأما توريث ما زاد على أربع فلم يمنع الشرع منه، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
(فصل)
وان مات متوارثان بالغرق أو الهدم، فإن عرف موت أحدهما قبل الاخر ونسى، وقف الميراث إلى أن يتذكر، لانه يرجى أن يتذكر، وان علم أنهما ماتا معا أو لم يعلم موت أحدهما قبل الآخر، أو علم موت أحدهما قبل موت الآخر، ولم يعرف بعينه، جعل ميراث كل واحد منهما لمن بقى من ورثته ولم يورث أحدهما من الآخر، لانه لا تعلم حياته عند موت صاحبه، فلم يرثه، كالجنين إذا خرج ميتا.

(فصل)
وان أسر رجل أو فقد ولم يعلم موته لم يقسم ماله حتى يمضى زمان لا يجوز أن يعيش فيه مثله، وان مات له من يرثه دفع إلى كل وارث أقل ما يصيبه ووقف الباقي إلى أن يتبين أمره.
(الشرح) إذا مات متوارثان كالرجل وابنه أو كالزوجين بالغرق أو الهدم فإن علم أن أحدهما مات أو لا وعرف عينه وورث الثاني من الاول، وان علم ان احدهما مات اولا وعرف عينه ثم نسى، وقف الامر إلى ان يتذكر من الاول منهما فيرث منه الثاني، لان الظاهر ممن علم ثم نسى انه يتذكر، وهذا لا خلاف فيه، وان علم انهما ماتا معا أو علم ان احدهما اولا ولم يعرف عينه.
قال الشيخ أبو حامد: مثل ان غرقا في ماء فرأى أحدهما يصعد من الماء وينزل

(16/67)


ولم يعرف عينه، والآخر قد نزل ولا يصعد، فإنه يعلم لا محالة أن الذي يصعد وينزل لم يمت، وأن الذي نزل ولا يصعد قد مات، أو لم يعلم هل ماتا في حالة واحدة أو مات أحدهما قبل الآخر، فمذهبنا في هذه الثلاث المسائل أنه لا يرث أحدهما من الآخر، ولكن يرث كل واحد منهما ورثته غير الميت معه.
وبه قال أبو بكر وعمر وابن عباس وزيد بن ثابت ومالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم.
وذهب علي بن أبي طالب إلى أن يرث كل واحد منهما الآخر ثم يرثهما ورثتهما وبه قال داود.
دليلنا ما روى عن زيد بن ثابت أنه قال: ولانى أبو بكر موارث قتلى اليمامة فكنت أورث الاحياء من الموتى ولا أورث الموتى من الموتى، ولا كل من لم تعلم حياته عند موت مورثه لم يرثه، أصله الحمل، وهو أن رجل إذا مات وخلف امرأة حاملا فإنه إن خرج حيا ورث، لانا تيقنا حياته عند موت مورثه، وإن خرج ميتا لم يرث، لانا لا نعلم حياته عند موت مورثه، ولان توريث كل واحد منهما من الاخر خطا بيقين، لانهما إن ماتا معا في حالة واحدة لم يرث أحدهما الآخر وان مات أحدهما قبل الآخر فتوريث الساق منهما وتأمن الاخر خطا فإذا كان كذلك لم يرث أحدهما من الآخر لانه ليس أحدهما أن يكون مات أولا بأولى من الاخر (فرع)
إذا مات رجل وخلف ولدا أسيرا في أيدى الكفار فإنه يرث ما دام يعلم حياته، وبه قال أهل العلم كافة، وقال النخعي لا يرث الاسير دليلنا قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) ولم يفرق بين الاسير وغيره، فأما إذا لم تعلم حياته فحكمه حكم المفقود، وإذا فقد رجل وانقطع خبره لم يقسم ماله حتى يعلم موته أو يمضى عليه من الزمان من حين ولد زمان لا يعيش
فيه مثله فحينئذ يحكم الحاكم بموته ويقسم ماله بين ورثته الاحياء يومئذ دون من مات من ورثته قبل ذلك.
وقال مالك (إذا مضى له من العمر ثمانون سنة قسم ماله) وقال عبد الملك بن الماجشون (إذا مضى له تسعون سنة حكم الحاكم بموته) وقال أبو حنيفة (إذا مضى له مائة وعشرون سنة) وحكى بعضهم أن ذلك مذهب الشافعي.
وإن مات المفقود من يرثه قبل أن يحكم بموته أعطى كل وارث من ورثته

(16/68)


ما يتيقن أنه له ووقف المشكوك فيه إلى أن يتيقن أمر المفقود، مثل أن تموت امرأة وتخلف زوجا وأختين وأخا لاب وأم مفقودا، فإن الزوج لا يستحق النصف كاملا إلا إذا تيقنا حياة الاخ عند موت المرأة، ولا يستحق الاختان أربعة اسباع المال إلا إذا تيقنا موت الاخ عند موت المرأة، والعمل في هذه وما أشبهها أن يقال لو كان الاخ ميتا وقت موت أخته لكانت الفريضة من سبعة، للزوج ثلاثة وللاختين للاب والام أربعة، ولو كان الاخ حيا وقت موت أخته لكانت الفريضة من ثمانية، للزوج أربعة ولكل أخت سهم وللاخ سهمان، والثمانية لا توافق السبعة، فيضرب ثمانية في سبعة فذلك ستة وخمسون، فيعطى الزوج نصيبه وهو عند موت الاخ، فله حينئذ ثلاثة من سبعه مضروب في ثمانية فذلك أربعة وعشرون وتعطى كل أخت نصيبها وهو عند وجود الاخ حيا عند موت أخته، وذلك سهم من ثمانية مضروب في سبعة، فذلك سبعة ويبقى من المال ثمانية عشر سهما، فيوقف ذلك إلى أن يتبين أمر الاخ، فان بان أنه كان حيا وقت موت أخته كان له سهمان من ثمانية في سبعه فذلك أربعة عشر سهما يأخذها من الموقوف وللزوج اربعة من ثمانيه في سبعه فذلك ثمانية وعشرون فمعه اربعة وعشرون ويبقى له اربعه فيأخذها من الموقوف وقد استوفى الاختيان نصيبهما،
وان بان أن الاخ كان ميتا وقت موت أخته كان للاختين اربعه من سبعه في ثمانيه فذلك اثنان وثلاثون فمعهما أربعة عشر ويبقى لهما ثمانية عشر وهو الموقوف فيأخذانه وقد استوفى الزوج نصيبه هذا هو المشهور من المذهب وخرج ابن اللبان في ذلك وما أشبهه وجهين آخرين
(أحدهما)
أن يجعل حكم الاخ المفقود حكم الحى، لان الاصل بقاء حياته، فلا ينتقص الزوج من النصف كاملا وان لكل اخت الثمن ويوقف ربع المال، فإن بان ان الاخ كان حيا وقت موت اخته دفع إليه الربع أو إلى ورثته ان كان قد مات.
وان بان انه ميت وقت موت أخته أخذ من الزوج نصف السبع ودفع ذلك مع الربع الموقوف إلى الاختين وهل يؤخذ من الزوج ضامن في نصف السبع.
فيه قولان
(أحدهما)
يؤخذ منه ضمان بجواز ان يكون الاخ ميتا
(والثانى)
لا يؤخذ منه ضمين كما يقسم مال الغرماء على الاحباء من ورثتهم ولا يؤخذ منهم ضمان وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(16/69)