المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

باب ميراث أهل الفرائض

وأهل الفرائض هم الذين يرثون الفروض المذكورة في كتاب الله عزوجل، وهى النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس، وهم عشرة، الزوج والزوجه والام والجدة، والبنت وبنت الابن، والاخت وولد الام والاب مع الابن وابن الابن والجد مع الابن وابن الابن.
فأما الزوج فله فرضان النصف، وهو إذا لم يكن معه ولد ولا ولد ابن، والربع وهو إذا كان معه ولد أو ولد ابن.
والدليل عليه قوله عز وجل (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين)
فأما الزوجة فلها أيضا فرضان: الربع إذا لم يكن معها ولد ولا ولد ابن.
والثمن إذا كان معها ولد أو ولد ابن.
والدليل عليه قوله تعالى (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) فنص على فرضها مع وجود الولد وعدم الولد، وقسنا ولد الابن في ذلك على ولد الصلب، لاجماعهم على أنه كولد الصلب في الارث والتعصيب، فكذلك في حجب الزوجين، وللزوجتين والثلاث والاربع ما للواحدة من الربع والثمن لعموم الاية.
(الشرح) الفروض المذكورة في كتاب الله تعالى سنة، النصف ونصفه ونصف نصفه الثلثان ونصفه ونصف نصفه وأهل الفروض عشرة 1 - الزوج 2 - الزوجة 3 - الام 4 - الجدة 5 - البنت 6 - بنت الابن 7 - الاخت 8 - ولد الام 9 - الاب مع الابن أو ابن الابن 10 - الجد مع الابن أو ابن الابن فأما الزوج فله فرضان، النصف مع عدم الولد، وولد الابن، والربع مع

(16/70)


وجود الولد أو ولد الابن وإن سفل، ذكرا كان أو أنثى، لقوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن) فأما الزوجة فلها الربع من زوجها إذا لم يكن له ولد ابن وإن سفل، ولها منه الثمن إذا كان له ولد أو ولد ابن وان سفل.
ذكرا كان أو أنثى لقوله تعالى (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) وللزوجتين والثلاث والاربع ما للزوجة الواحدة لقوله تعالى (ولهن) وجعل سبحانه لهن نصف ميراث الذكر
قال المصنف رحمه الله تعالى

(فصل)
وأما الام فلها ثلاثة فروض (أحدها) الثلث.
وهو إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن ولا اثنان فصاعدا من الاخوة والاخوات لقوله عز وجل (وورثه أبواه فلامه الثلث) (والفرض الثاني) السدس، وذلك في حالين
(أحدهما)
أن يكون للميت ولد أو ولد ابن.
والدليل عليه قوله تعالى (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) ففرض لها السدس مع الولد، وقسنا عليه ولد الابن
(والثانى)
أن يكون له اثنان فصاعدا من الاخوة والاخوات.
والدليل عليه قوله عز وجل (فان كان له اخوة فلامه السدس) ففرض لها السدس مع الاخوة، وأقلهم ثلاثه.
وقسنا عليهم الاخوين لان كل فرض تغير بعدد كان الاثنان فيه كالثلاثه كفرض البنات (والفرض الثالث) ثلث ما يبقى بعد فرض الزوجين، وذلك في مسألتين، في زوج وأبوين، أو زوجة وأبوين، للام ثلث ما يبقى بعد فرض الزوجين، والباقى للاب.
والدليل عليه أن الاب والام إذا اجتمعا كان للاب الثلثان وللام الثلث، فإذا زاحمهما ذو فرض قسم الباقي بعد الفرض بينهما على الثلث والثلثين، كما لو اجتمعا مع بنت

(16/71)


(الشرح) الام لها ثلاثة فروض الثلث أو السدس أو ثلث ما يبقى، ولها سبعة أحوال.
أحدها: أن يكون معها ولد ذكر أو أنثى أو ولد ابن ذكر أو أنثى وإن سفل، فلها السدس لقوله تعالى (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) .
ثانيها: أن لا يكون مع الام ولد ولا ولد ابن ولا أحد من الاخوة والاخوات
فللام الثلث لقوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث) .
ثالثها: أن يكون مع الام ثلاثة إخوة أو ثلاث أخوات أو منهما فلها السدس لقوله تعالى (فإن كان له إخوة فلامه السدس) وقوله تعالى: إخوة لفظ جمع وأقله ثلاثة.
رابعها: أن يكون مع الام أخ أو أخت فلها الثلث أيضا لقوله تعالى (فإن كان له إخوة فلامه السدس فحجبها عن الثلث إلى السدس بالاخوة، وذلك جمع ولا خلاف أن الواحد ليس بجمع.
خامسها: أن يكون مع الام اثنان من الاخوة والاخوات أو منهما فللام السدس، وبه قال الصحابة والفقهاء عامة الا ابن عباس فانه قال: لها الثلث، وله خمس مسائل في الفرائض انفرد بها، هذه احداهن.
دليلنا: أنه حجب لا يقع بواحد، وينحصر بعدد، فوجب أن يوقف على اثنين، أصله حجب بنات الابن بالبنات، فقولنا: حجب لا يقع بواحد احتراز من حجب الزوج والزوجة فانه يقع الواحد من الاول، وقولنا ينحصر بعد احتراز من حجب البنتين للبنات والاخوة والاخوات لان الابنة فرضها النصف والاخت فرضها النصف، وإذا حصل مع احداهما أخوها حجبها من النصف، ولا ينحصر هذا الحجب بعدد، بل كلما كثر الاخوة حجبوها أكثر، ولانا وجدنا الاثنين من الاخوات كالثلاث في استحقاق الثلثين، فوجب أن يكون حجب الاثنين من الاخوة للام حجب الثلاثة.
وروى أن ابن عباس دخل على عثمان فقال له.
قال الله تعالى (فإن كان له اخوة فلامه السدس) وليس الاخوات اخوة بلسان قومك، فقال عثمان:

(16/72)


لا استطيع أن أرد ما كان قبلى، وانتشر في الامصار، وثوارث به الناس، فدل
بهذا أنهم أجمعوا على ذلك.
سادسها: إذا كان هناك زوج وأبوان، قال أصحابنا: فللزوج النصف وللاب ثلث ما بقى، وأصلها من ستة للزوج ثلاثة، وللام ثلث ما بقى وهو سهم وللاب سهمان، وقال بعض أصحابنا كما أفاده صاحب البيان: للام ها هنا الثلت، ولا يقال لها ثلت ما بقى، قلت: ومعنى العبارتين واحد لان العبارة الواحدة هي المشهورة وبه قال عامة الصحابة والفقهاء.
وقال ابن عباس: للزوج النصف، وللام ثلت جميع المال، وللاب ما بقى، وأصلها من ستة للزوج ثلاثة، وللام سهمان وللاب سهم وتابعه على هذا شريح سابعها إذا كان زوجة وأبوان فللزوجة الربع، وللام ثلت ما بقى وهو سهم وللاب ما بقى وهو سهمان، وبه قال عامة الصحابة وأكثر الفقهاء.
وقال ابن عباس للزوجة الربع وللام قلت جميع المال، وللاب ما بقى وأصلها من اثنى عشر للزوج ثلاثة، وللام أربعة، وللاب خمسة، وهاتان المسألتان في المسائل التى انفرد بها ابن عباس عن الصحابة، وتابعه عليها شريح وابن سيرين ودليلنا أن في الاوله يؤدى إلى تفضيل الام على الاب، وهذا لا يجوز، ولانهما معهما أو سهم فوجب أن يكون للام تلت ما بقى بعد ذلك السهم، كما لو كان مع الابوين بنت، ولان كل ذكر وأنثى لو انفرد كان للذكر الثلثان والانثى التلت، وجب إذا كان معهما زوج أو زوجة ان يكون ما بقى بعد فرض الزوج والزوجة بينهما كما كان بينهما إذا انفرد كالابن والابنة والاخ والاخت.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
واما الجدة فان كانت ام الام أو ام الاب فلها السدس، لما روى قبيصة بن ذؤيب قال (جاءت الجدة إلى أبى بكر رضى الله عنه فسألته عن ميراثها فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه ليس لك في كتاب الله شئ وما علمت لك
في سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا فارجعي حتى اسأل الناس فسأل عنها فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها السدس،

(16/73)


فقال أبو بكر رضى الله عنه هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الانصاري رضى الله عنه فقال مثل ما قال، فأنفذه لها أبو بكر رضى الله عنه ثم جاءت الجدة الاخرى إلى عمر رضى الله عنه فسألته ميراثها، فقال لها: مالك في كتاب الله عز وجل شئ، وما كان القضاء الذى قضى به إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا، ولكن هو ذلك السدس، فان اجتمعتما فيه فهو بينكما فأيكما خلت به فهو لها) وإن كات أم أبى الام لم ترث لانها تدلى بغير وارث، وان كانت أم أبى الاب ففيه قولان.

(أحدهما)
أنها ترث هو الصحيح، لانها جدة تدلى بوارث فورثت كأم الام وأم الاب.

(والثانى)
أنها لا ترث لانها جدة تدلى بجد فلم ترث كأم أبى الام، فإن اجتمعت جدتان متحاذيتان كأم الام وأم الاب فالسدس بينهما لما ذكرناه، فان كانت إحداهما أقرب نظرت، فان كانتا من جهة واحدة ورثت القربى دون البعدى لان البعدى تدلى بالقربى فلم ترث معها كالجد مع الاب وأم الام مع الام، وإن كانت القربى من جهة الاب والبعدى من جهة الام ففيه قولان.

(أحدهما)
أن القربى تحجب البعدى، لانهما جدتان ترث كل واحدة منهما إذا انفردت فحجبت القربى منهما البعدى، كما لو كانت القربى من جهة الام.

(والثانى)
لا تحجبها وهو الصحيح، لان الاب لا يحجب الجدة من جهة الام، فلان لا تحجبها الجدة التى تدلى به أولى، وتخالف القربى من جهة الام، فان الام تحجب الجدة من قبل الاب فحجبتها أمها والاب لا يحجب الجدة من قبل
الام فلم تحجبها أمه، فان اجتمعت جدتان إحداهما تدلى بولادتين بأن كانت أم أم أب، أو أم أم أم، والاخرى تدلى بولادة واحدة كأم أبى أب ففيه وجهان.

(أحدهما)
وهو قول أبى العباس: أن السدس يقسم بين الجدتين على ثلاثة فتأخذ التى تدلى بولادة سهما وتأخذ التى تدلى بولادتين سهمين.

(والثانى)
وهو الصحيح أنهما سواء لانه شخص واحد فلا يأخذ فرضين.
(الشرح) حديث قبيصة بن ذؤيب رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود

(16/74)


والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم.
قال الحافظ ابن حجر: وإسناده صحيح لثقة رجاله، إلا أن صورته مرسل، فان قبيصة لا يصح سماعه من الصديق ولا يمكن شهوده القصة، أفاده ابن عبد البر، وقد اختلف في مولده، والصحيح أنه ولد عام الفتح فيبعد شهوده القصة، وقد أعله ابن عبد الحق تبعا لابن حزم بالانقطاع، وقال الدارقطني في العلل بعد أن ذكر الاختلاف فيه على الزهري: يشبه أن يكون الصواب قول مالك ومن تابعه.
وقد وردت أحاديث متصلة صحيحة تؤيد قصة قبيصة عند الطبراني والبيهقي والدارقطني وابن ماجه وأبى القاسم ابن منده، وقد نقل محمد بن نصر من أصحاب الشافعي اتفاق الصحابة عليه.
أما الاحكام: فان الجدة أم الام أو ام الاب وارثة بما روى خارجة بن زيد عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اعطى الجدة ام الام السدس.
واجمعت الامة على توريث الجدة.
إذا ثبت هذا: فان فرضها السدس، سواء كانت ام ام أو ام اب، وبه قال الصحابة كافه كما قررنا والفقهاء اجمع، وروى عن ابن عباس رواية شاذة انه قال ام الام ترث التلت لانها تدلى بالام فورثت ميراثها كالجد يرث ميراث الاب.
ودليلنا ما ذكرناه من الخبرين، وبما رواه قبيصة بن ذؤيب في قصة الجدة
المذكورة في الفصل.
قال الشيخ ابو حامد والجدة التى اتت ابا بكر هي ام الام، والجدة التى اتت عمر هي ام الاب، ومعنى قول ابى بكر رضى الله عنه.
مالك في كتاب الله شئ لان الكتاب محصور، وليس فيه ذكر الجدة، ولهذا قلنا ان اسم الام لا ينطلق على الجدة لانه قال.
ما لك في الكتاب شئ، وفى الكتاب ذكر الام، ثم قال وما علمت لك في السنة شيئا فلم يقطع به، لان السنة لا تنحصر، ولكن اراد على مبلغ علمه ومعنى قول عمر لست بزائد في الفرائض أي لا ازيد في الفريضة لاجلك، وإنما هو ذلك السدس الذى قضى به، واما الاحتجاج بقول ابن عباس لما كانت تدلى بالام اخذت ميراثها يبطل بالاخ من الام، فانه يدلى بها، ولا يأخذ ميراثها.
إذا ثبت هذا فان أول منازل

(16/75)


الجدات يجتمع فيه جدتان أم الام وأم الاب، فان عدمت إحداهما ووجدت الاخرى كان السدس للموجودة منهما، وإن اجتمعا كان السدس بينهما.
قال الشيخ أبو حامد لما روى الحكم عن علي بن أبي طالب رض اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أعطى الجدتين السدس، وروى القاسم بن محمد قال (أتت الجدتان أم الام وأم الاب أبا بكر الصديق فأراد أن يجعل السدس للتى من قبل الام، فقال له رجل من الانصار أما أنك تترك التى لو ماتت وهو حى كان إياها يرث فجعل السدس بينهما) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سعيد عن القاسم ورواه الدارقطني من طريق ابن عيينة.
قال الشيخ أبو حامد: وأصحابنا يحكون أن هذه القضيه كانت لعمر، وإنما هي قضية أبى بكر، ومعنى قول الانصاري تترك التى لو ماتت وهو حى كان إياها يرث لانه ابن ابنها، فإذا ارتفع الجدات إلى المنزله الثانيه، اجتمع أربع جدات
اثنتان من جهة الام، وهما أم أم الام، وأم أب الام، واثنتان من جهة الاب فأما أم أم الام، وأم أم ألاب فهما وارثتان بلا خلاف، وأما أم أب الام فانها غير وارثة، وهو قول الفقهاء كافة، إلا ما روى عن ابن سيرين أنه ورثها وهذا خطأ لانها تدلى (1) بمن ليس بوارث فلم تكن وارثة كابنة الخال، وأما الجدة أم أب الاب فهل ترثه، ففيه قولان.

(أحدهما)
لا ترث، وبه قال اهل الحجاز الزهري وربيعة ومالك لانها جدة تدلى بجد فلم ترث كأم اب الام، فعلى هذا لا يرث قط إلا جدتان.

(والثانى)
انها ترث، وبه قال علي وابن مسعود وابن عباس، وهى احدى الروايتين عن زيد بن ثابت، وبه قال الحسن البصري وابن سيرين واهل الكوفة والثوري وابو حنيفة واصحابه وهو الصحيح، لانها جده تدلى بوارث فورثت كأم الام، ولان تعليل الصحابة رضى الله عنهم موجود فيها حيث قال لابي بكر في ام الاب ورثتها عمن لو ماتت لم يرثها ولم تورثها عمن لو ماتت ورثها فورثها ابو بكر رضى الله عنه لهذه العلة، وهى ام الاب فعلى هذا ترث في الدرجة الثانيه
__________
(1) تدلى أي تتوصل وتمت وهو من إدلاء الدلو، وأدلى بحجته أثبتها.

(16/76)


ثلاث جدات، فإذا ارتفع الجدات إلى المنزلة الثالثة اجتمعن ثمانى جدات فيرث منهن أربع ولا ترث أربع، وانما كان كذلك لان الميت واحد فله في المنزلة الاولى جدتان، فإذا ارتفعن إلى الدرجة الثانية كان للميت أبوان، ولكل واحد منهما جدتان فيجتمع له في الدرجة الثالثة ثمانى جدات ثم في الرابعة ستة عشر جدة، وكلما ارتفع الميت درجة ازداد عدد الجدات ضعفا.
وأما الوارثات منهن فيورث في الدرجة الاولى جدتان، وفى الثانية ثلاث، وفى الثالثة أربع، وفى الرابعة خمس إلى أن ترثه مائة جدة.
في الدرجة الاولى جدتان وفى الثانية ثلاث
وفى الثالثة أربع، وفى الرابعة خمس إلى أن ترثه مائة جدة في الدرجة التاسعة والتسعين يزيد على عدد الدرجات بواحدة.
وإذا اجتمع الجدات الوارثات وهن متحاذيات كان السدس بينهن لما ذكرناه في الحد بين أم الام وأم الاب.
وإن اجتمع جدتان إحداهما أبعد من الاخرى نظرت.
فان كانتا من جهة واحدة بأن كان هناك أم أم وأم أم أم كان السدس لام الام، لان البعدى تدلى هذه القربى.
وكل من أدلى بغيره فانه لا يشاركه في فرضه كالجد مع الاب وابن الابن مع الابن.
وعلى هذا جميع الاصول فان قيل: أليس الاخ للام يدلى بالام ومع ذلك فانه يرث معها.
فالجواب أنه لا يرث أخاه بالادلاء إليه بالام، ولكن لاجل أنه ركض معه في رحم واحد وأنه وإن أدلى بها فقد احترزنا عنه بقولنا لا يشاركه في إرثه، وهو أن السدس إرث للقربى لو انفردت الجدة البعدى لشاركتها في ذلك السدس، وليس كذلك الاخ للام.
وإن اجتمع أم أب وأم أب الاب فان السدس يكون لام أب الاب ويسقط أم أب الاب، وبه قال علي وزيد والفقهاء أجمع.
وقال ابن مسعود في إحدى الروايتين عنه يشتركان في السدس، وهذا ليس بصحيح لانهما من جهة واحدة إذ أنهما يدليان بالاب، وإحداهما أقرب من الاخرى فسقطت البعدى كأم الام إذا اجتمعت مع أم أم الام، وان كانتا من جهتين إحداهما من جهة الام والاخرى من جهة الاب نظرت، فان كانت القربى من جهة الام والبعدى من

(16/77)


جهة الاب، فإن القربى تسقط البعدى وقال ابن مسعود لا تسقطها، وإنما يشتركان في السدس، دليلنا أن إحداهما أقرب من الاخرى فسقطت البعدى
بالقربى، كما لو كانا من جهة واحدة وإن كانت القربى من جهة الاب والبعدى من جهة الام ففيه قولان: أحدهما أن البعدى منهما تسقط القربى.
وبه قال علي بن أبى طالب، وهو قول أهل الكوفة، ورووا ذلك عن زيد بن ثابت لانهما جدتان لو انفردت كل واحدة منهما لكان لها السدس، فإذا اجتمعا وجب أن تسقط البعدى بالقربى، كما لو كانت القربى من جهة الام، والثانى لا تسقط البعدى بالقربى بل يشتركان في السدس، وهى الرواية الثانية عن زيد، رواه المدنيون عنه، وهو الصحيح، لان الاب لو اجتمع مع الام لم يحجبها وإن كان أقرب منها، فلان لا يسقط الجدة التى يدلى به من هو أبعد منها لان جهة الام أولى (فرع)
وإن اجتمع جدتان متحاذيتان وإحداهما تدلى بقرابة والاخرى تدلى بقرابتين بأن تزوج رجل بابنة عمته فولد منها ولدا فإن جدة هذا الولد أم أبى أبيه وهى جدته أم أم أمه، وان اجتمع معها أم أم إلى هذا الولد ففيه وجهان، أحدهما وهو قول أبى العباس بن سريح وبه قال الحسن بن صالح ومحمد بن الحسن وزفر أن السدس يقسم بين هاتين الجدتين على ثلاثة.
فتأخذ التى تدلى بولادتين بسهمين وتأخذ التى تدلى بولادة سهما لانها تدلى بنسب واحد.
والثانى يقسم السدس بينهما نصفين.
وبه قال أبو يوسف هو الصحيح لانها شخص واحد فلا تأخذ فرضين.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وأما البنت فلها النصف إذا انفردت لقوله تعالى: وان كانت واحدة فلها النصف.
وللاثنتين فصاعدا الثلثان.
لما روى جابر بن عبد الله قال (جاءت امرأة سعد بن الربيع إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد، قتل أبوهما معك يوم أحد ولم يدع عمهما لهما مالا الا أخذه.
فما ترى
يا رسول الله.
والله لا تنكحان الا ولهما مال، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الله

(16/78)


في ذلك.
فنزلت إليه سورة النساء (يوصيكم الله في أولادكم) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادعوا لى المرأة وصاحبها.
فقال لعمهما: أعطهما الثلثين.
وأعط أمهما الثمن وما بقى فلك) فدلت الآية.
وهو قوله تعالى (فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) على فرض ما زاد على الاثنتين.
ودلت السنة على فرض الثنتين.

(فصل)
وأما بنت الابن فلها النصف إذا انفردت وللاثنتين فصاعدا الثلثان لاجماع الامة على ذلك.
ولبنت الابن مع بنت الصلب السدس تكملة الثلثين.
لها روى الهزيل بن شرحبيل قال: جاء رجل إلى أبى موسى وسلمان بن ربيعة رضى الله عنهما فسألهما عن بنت وبنت ابن وأخت فقالا: للبنت النصف وللاخت النصف.
وأت عبد الله فانه سيتابعنا.
فأتى عبد الله فقال: انى قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين.
لاقضين بينهما بما قضى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (للبنت النصف.
ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقى فللاخت) ولان بنت الابن ترث فرض البنات ولم يبق من فرض البنات الا السدس وهكذا لو ترك بنتا وعشر بنات ابن كان للبنت النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين لما ذكرناه من المعنى.
وان ترك بنتا وبنت ابن ابن أو بنات ابن ابن أسفل من البنت بدرج كان لهن السدس لانه بقية فرض البنات ولبنت ابن الابن أو بنات ابن الابن مع بنت الابن من السدس تكملة الثلثين ما لبنت الابن وبنات الابن مع بنت الصلب وعلى هذا أبدا (الشرح) حديث جابر مضى تخريجه، وأما حديث هذيل بن شرحبيل فقد رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
وفى رواية البخاري فأتينا
أبا موسى وفى رواية غيره (جاء رجل إلى أبى موسى وسلمان بن ربيعة) وهذه الواقعة كانت في عهد عثمان لان أبا موسى كان وقت السؤال أميرا على الكوفه وسلمان قاضيا بها.
وقد اختلف في صحبته أما الاحكام فان البنت لها النصف لقوله تعالى (وان كانت واحدة فلها النصف) وان كانتا اثنتين فلهما الثلثان وبه قال الصحابة والفقهاء كافة، وروى عن ابن عباس

(16/79)


رواية شاذة أنه قال للابنتين النصف لقوله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) دليلنا حديث جابر الذى ساقه المصنف الذى دل على أن للبنتين الثلثين، ولان الاية وردت على سبب وهو ابنتا سعد بن الربيع، فلا يجوز إخراج السبب عن حكم الاية.
وأيضا فان الله تعالى فرض للابنة الواحدة النصف وفرض للاخت الواحدة النصف في آية أخرى وجعل حكمهما واحدا، ثم جعل للاختين الثلثين، ووجدنا أن البنات أقوى من الاخوات بدليل أن البنات لا يسقطن مع الاب ولا مع البنين والاخوات يسقطن مع الاب والبنتين، فإذا كان للاختين الثلثان فالابنتان بذلك أولى.
والجواب عن قوله: فإن كن نساء فوق اثنتين فان قوله (فوق) صلة في الكلام لقوله تعالى (فاضربوا فوق الاعناق) وإن كان البنات أكثر من اثنتين فلهما الثلثان للآية.
أما مسألة إبنة الابن فان لها النصف إذا انفردت ولابنتي الابن فصاعدا الثلثان، لان الامة أجمعت على أن ولد البنبن يقومون مقام الاولاد، ذكورهم كذكور الاولاد وإناثهم كاناثهم، فإذا اجتمع ابنة وابنه ابن كان للابنه النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين لما رواه هزيل بن شرحبيل في قصه سؤال
أبى موسى وسلمان بن ربيعه ثم فتوى ابن مسعود.
وقولهما: وأت عبد الله فانه سيتابعنا، جعل ابن مسعود يقول قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين، يعنى إذا تابعنهما أو أفتيت بقولهما.
ثم قال لاقضين فيهما بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للابنة النصف ولابنة الابن السدس والباقى للاخت.
فأخبر أن هذا قضاء رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّ بنات الابن يرثن فرض البنات، ولم يبق من فروض البنات إلا السدس فكان لابنة الابن.
وان ترك ابنة وبنات ابن كان للابنة النصف ولبنات الابن السدس لانه هو الباقي عن فرض البنات، وهكذا لو ترك بنتا وبنت ابن ابن ابن بدرج أو بنات ابن ابن بدرج كان للابنة النصف ولمن بعدها من بنات الابن وان بعدت السدس إذا تحاذين وان كان بعضهن أعلى من بعض كان السدس لمن أعلا منهن.

(16/80)


وقال ابن مسعود: لبنات الابن الاقل من المقاسمة وهو السدس، فإن كان السدس قل كان لهن السدس والباقى لابن الابن، وإن كانت المقاسمة أقل من السدس فلهن المقاسمة، ودليلنا عليه ما ذكرناه في الاولة.
(فرع)
فإن خلف بنتا وابن ابن وبنت ابن ابن فللابنة النصف والباقى لابن الابن وسقط بنت ابن الابن لانه أقرب منها، وإن خلف بنتين وبنت ابن وابن ابن ابن كان للبنتين الثلثان، والباقى بين بنت الابن وابن ابن الابن للذكر مثل حظ الانثيين، وقال بعض الناس: لابن ابن الابن وسقط بنت الابن.
ودليلنا: أنا وجدنا أن بنت الابن لو كانت في درجة ابن الابن لم تسقط معه بل يعصبها، فلما لم يسقطها إذا كانت في درجته فلان لا يسقطها إذا كانت أعلا منه أولى، وإن خلف بننا وبنات ابن وابن ابن ابن كان للبنت النصف، ولبنات الابن السدس، تكملة الثلثين والباقى لابن ابن الابن، لان من فوقه من بنات
الابن قد أخذت شيئا من فرض البنات فلا يجوز أن يرث بالتعصيب فكان الباقي له دونهن، والله تعالى أعلم بالصواب.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وأما الاخت للاب والام فلها النصف إذا انفردت، وللاثنتين فصاعدا الثلثان لقوله عز وجل (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن إمرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) وللثلاث فصاعدا ما للاثنتين لان كل فرض يغير بالعدد كان الثلاث فيه كالاثنتين كالبنات، وللاخت من الاب عند عدم الاخت من الاب والام النصف إذا انفردت، وللاثنتين فصاعدا الثلثان، لان ولد الاب مع ولد الاب والام كولد الابن مع ولد الصلب فكان ميراثهم كميراثهم
(فصل)
والاخوات من الاب والام مع البنات عصبة ومع بنات الابن والدليل عليه ما ذكرناه من حديث الهزيل بن شرحبيل.
وروى إبراهيم عن الاسود قال: قضى فينا معاذ بن جبل رضى الله عنه على

(16/81)


عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إمرأة تركت بنتها وأختها للبنت النصف، وللاخت النصف.
وعن الاسود قال: كان ابن الزبير لا يعطى الاخت مع البنت شيئا فقلت: إن معاذا قضى فينا باليمن فأعطى البنت النصف والاخت النصف، قال: فأنت رسولي بذلك، فان لم تكن أخوات من الاب والام فالاخوات من الاب لانهن يرثن ما يرث الاخوات من الاب والام عند عدمهن
(فصل)
وأما ولد الام فللواحد السدس وللاثنين فصاعدا الثلث، والدليل عليه قوله عز وجل (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو
أخت فكل واحد منهما السدس، فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) والمراد به ولد الام، والدليل عليه ما روى أن عبد الله وسعدا كانا يقرآن (وله أخ أو أخت من أم) وسوى بين الذكور والاناث للآية، ولانه ارث بالرحم المحض فاستوى فيه الذكر والانثى كميراث الابوين مع الابن.

(فصل)
وأما الاب فله السدس مع الابن وابن الابن، لقوله عز وجل (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) ففرض له السدس مع الابن، وقيس عليه إذا كان مع ابن الابن، لان ابن الابن كالابن في الحجب والتعصيب، وأما الجد فله السدس مع الابن وابن الابن لاجماع الامة.

(فصل)
ولا ترث بنت الابن مع الابن، ولا الجدة أم الاب مع الاب.
لانها تدلى به، ومن أدلى بعصبة لم يرث معه كابن الابن مع الابن، والجد مع الاب، ولا ترث لجدة من الام مع الام، لانها تدلى بها، ولا الجدة من الاب لان الام في درجة الاب والجدة في درجة الجد، فلم ترث معها، كما لا يرث الجد مع الاب.
(الشرح) حديث إبراهيم عن الاسود رواه أبو داود وكذا البخاري بمعناه أما مسألة الاخوات للاب والام فترتيبهن كترتيب البنات.
فان خلف أختا واحدة فلها النصف فأن خلف أختين فصاعدا فلهن الثلثان لقوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلاله، إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها

(16/82)


نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد، فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك، وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين) ليس في الآية ذكر ثلاث أخوات فما زاد، ولكن قد ذكر في البنات إذا كن فوق اثنتين أن لهن الثلثين، ولم يذكر الثلاث في الاخوات اكتفاء بما ذكره في البنات، كما أنه لم
يذكر ما للابنتين اكتفاء بما ذكره للاختين، لان حكم البنات والاخوات واحد وأيضا قد روى جابر قال: اشتكيت وعندي ثلاث أخوات فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعودني، فقلت يا رسول الله كيف أصنع بمالى وليس يرثنى الا الكلالة، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رجع فقال: قد أنزل في أخواتك وبين، فجعل لهن الثلثين، قال جابر فنزلت قوله (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) فذكر أن الاية نزلت في أخواته وهن تسع على مافى الصحيح وانما وردت بإبنتين، فدل على أن المراد بالايه الابنتان وما زاد عليهما (فرع)
وأما الاخوات للاب والام كبنات الابن مع البنات لانهن قد تساوين في الاخوة، لان الاخوات للاب والام فضلن في الادلاء بالام فكن كالبنات فضلن على بنات الابن إذا ثبت هذا فان لم يكن هناك أحد من الاخوة للاب والام وهناك أخت واحدة لاب فلها النصف، وان كانتا أختين فصاعدا فلهما الثلثان.
وان كان هناك أخت لاب وأم وأخت لاب كان للاخت للاب والام النصف والاخت للاب السدس قياسا على ابنة الابن مع ابنة الصلب.
وان كان هناك أخت لاب وأم وأخ وأخت كان للاخت للاب والام النصف وللاخ والاخت للاب الباقي للذكر مثل حظ الانثيين، وان خلف أختين لاب وأم وأختا لاب كان للاختين للاب والام الثلثان ولا شئ للاخت للاب لانه لا يجوز أن يأخذ للاخوات الفرض أكثر من الثلثين.
وأن خلف أختين لاب وأم وأخا وأخوات لاب فللاختين للاب والام الثلثان وما بقى للاخ والاخوات للاب، للذكر مثل حظ الانثيين، وبه قال عامة الصحابة والفقهاء الا ابن مسعود فإنه قال: لهن الاقل من المقاسمة أو سدس المال وقد مضى الدليل على ذلك في بنات الابن

(16/83)


وان خلف أختين لاب وأم وأختا لاب وابن أخ لاب، وأم أم لاب فللاختين للاب والام الثلثان والباقى لابن الاخ، ولا يعصب الاخت للاب.
والفرق بينه وبين ابن الابن حيث عصب عمته أن ابن الابن يعصب أخته فعصب عمته وابن الاخ لا يعصب أخته فلم يعصب عمته (فرع)
وان خلف ابنة وأختا لاب وأم أو لاب أو ابنة ابن وأختا لاب وأم أو لاب كان للابنة أو لابنة الابن النصف وما بقى للاخت.
وهكذا ان خلف ابنتين وأختا لاب وأم أو لاب كان للابنة النصف ولابنة الابن السدس وللاخت ما بقى.
وكذلك ان كان في هذه المسائل مع الاخت ابن أخ أو عم، فإن ما بقى عن فرض البنات للاخت دون ابن الاخ والعم، وبه قال عامة الصحابة والفقهاء الا ابن عباس فانه لم يجعل للاخت مع البنت مع ابنة الابن شيئا، بل جعل ذلك لابن الاخ أو للعم لقوله تعالى (قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) فورث الاخ شرط أن لا يكون للميت ولد، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ما أبقت الفرائض فلاولى عصبة ذكر دليلنا ما ذكرناه من حديث هذيل بن شرحبيل، قال ابن مسعود لاقضين فيها بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: للابنة النصف ولابنة الابن السدس وللاخت ما بقى.
وأما الجواب عن قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) فان الاية تدل على أنه لا فرض لها إذا كان للميت ولد، ونحن نقول كذلك لان هذا النصف الذى يأخذه مع عدم الولد يأخذه بالفرض وهذا الذى يأخذه مع وجود الولد يأخذه بالتعصيب بدليل ما ذكرناه من الخبر.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم: ما أبقت الفرائض فلاولى عصبة ذكر، فيحتمل إذا لم يكن هناك أخوات، بدليل ما ذكرناه من خبر ابن مسعود، ولان للاخت تعصيبا ولابن الاخ تعصيبا، وتعصيب الاخت أولى لانها أقرب من ابن الاخ والعم وابن العم.

(16/84)


وأما مسألة ولد الام فللواحد منهم السدس ذكرا كان أو أنثى وللاثنين فما زاد منهم الثلث، ويستوى فيه بين الذكر والانثى لقوله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، وهذه الاية نزلت في الاخوة والاخوات للام، بدليل ما روى أن سعد بن أبى وقاص وابن مسعود كانا يقرآنها (وله أخ أو أخت من أم فلكل واحد منهما السدس) والقراءة الشاذة تحل محل الاخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أو التفسير، فيجب العمل به، ولان إرث الاخوة للام إرث بالرحم المحض ولا تعصيب لهم فاستوى ذكرهم وأنثاهم كالابوين مع الابن وأما مسألة الاب فله ثلاث حالات: حالة يرث بالفرض لا غير، وحاله يرث فيها بالتعصيب لا غير.
وحاله يرث فيها بالفرض والتعصيب فأما الحاله التى يرث فيها بالفرض لا غير فهو إذا كان مع الابن أو ابن الابن فإن فرض الاب السدس لقوله تعالى (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) والمراد بالولد هنا الذكر.
وأما الحالة التى يرث فيها بالتعصيب لا غير فتنقسم قسمين: أحدهما ينفرد بجميع المال وهو إذا لم يكن معه من له فرض غير الابنة، مثل ان كان معه أم أو أم أم أو زوج أو زوجة فإنه يأخذ ما بقى عن فرض هؤلاء بالتعصيب لقوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث) فأضاف المال إلى الابوين ثم قطع
للام منه الثلث ولم يذكر حكم الباقي، فدل على أن جميعه للاب وأما الحالة الثالثة التى يرث فيها بالفرض والتعصيب فهو إذا كان أب وإبنة أو إبنة ابن فإن للاب السدس بالفرض وللابنة أو لابنه الابن النصف والباقى للاب بالتعصيب.
وقيل ان رجل سأل الشعبى عن رجل مات وخلف بنتا وأبا فقال له: للابنة النصف والباقى للاب، فقال أصبت المعنى وأخطأت العبارة.
قل للاب السدس وللابنة النصف والباقى للاب.
وهكذا لو خلف ابنتين وأبا، أو إبنة ابن وأبا، فللاب السدس وللابنتين الثلثان والباقى للاب.

(16/85)


(فرع)
وأما الجد ففرضه السدس مع الابن أو ابن الابن لاجماع الامة على ذلك.
وإن مات رجل وخلف جدا أو ابنة ابن قال المسعودي فمن أصحابنا من قال للجد السدس بالفرض وللابنة أو ابنة الابن النصف والباقى للجد بالتعصيب كما قلنا في ابنة وأب.
ومنهم من قال يجوز أن يقال للابنة النصف والباقى للجد.
وأما مسألة الجدة فقد قال الشافعي رضى الله عنه (ولا يرث مع الاب أبواه ولا مع الام جده.
وجملة ذلك أن الام تحجب الجدات من جهتها ومن جهة الاب، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أعطى الجدة السدس إذا لم يكن دونها أم، فشرط في إرث الجدة إذا لم يكن هناك أم.
فدل على أنه إذا كان هناك أم انه لا شئ للجدة.
ولان أم لام تدلى بالام.
ومن ادلى بشخص لم يشاركه في الميراث كابن الابن مع الابن.
وأم أم الاب فإنه لا يرث معه أبواه، لان الجد يدلى بالاب، ومن أدلى بعصبة لم يشاركه في الميراث كابن الابن لا يشاركه الابن، وكذلك لا يرث مع
الاب أحد من أجداده لما ذكرناه في الجد.
ولا يحجب الاب ام الام لانها تدلى بالام، والاب لا يحجب الام فلم يحجب أمها كما لا يحجب الاب ابن الابن، وكذلك أم الام ترث مع الجد لان الاب إذا لم يحجبها فلان لا يحجبها الجد أولى.
وكذلك الجد لا يحجب أم الاب لانها تساويه في الدرجة والادلاء إلى الميت قال أصحابنا وجميع هذه المسائل في الحجب لا خلاف فيها، وأما الاب فهل يحجب أم نفسه؟ اختلف اصحابنا فيه، فذهب الشافعي إلى انه لا يحجبها، وبه قال من الصحابة عثمان وعلي وزيد بن ثابت.
ومن التابعين شريح.
ومن الفقهاء الاوزاعي والليث ومالك وابو حنيفة وأصحابه.
وذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود وابو موسى وعمران بن الحصين إلى أنه لا يحجبها بل ترث معه من ولده، وبه قال احمد وإسحاق وابن جرير الطبري لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورث امرأة من ثقيف مع ابنها، دليلنا انها تدلى بولدها فلم يشاركه في الميراث كأم الام لا ترث مع الام

(16/86)


وأما الخبر في الجدة التى ورثت مع ابنها فيجوز أن يكون لها ابنان فمات أحدهما وخلف ابنا ثم مات ابن ابنها وخلف عمه وجدته أو يجوز أن يكون الابن كافرا أو قاتلا أو مملوكا، إذا ثبت هذا ومات رجل وخلف أباه وأم أمه وأم أبيه فإن البغداديين من أصحابنا قالوا: لام الام السدس والباقى للاب.
قال المسعودي فيه وجهان.
أحدهما هذا، والثانى أن الجدة أم الاب تحجب أم الام عن نصف السدس ويأخذه الاب مع باقى المال، ووجهه أنهما لو اجتمعتا لشاركتها في نصف السدس واستحقته، فإذا كان هناك الاب استحق ما كانت تستحقه لانها تدلى به، والاول هو المشهور، ولا ترث ابنة الابن مع الابن لما ذكرناه في أم الاب وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
(فصل)
ولا يرث ولد الام مع أربعة مع الولد وولد الابن والاب والجد لقوله عز وجل (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) فورثهم في الكلاله، والكلاله من سوى الوالد والولد، والدليل عليه ما روى جابر رضى الله عنه قال (جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصب من وضوئه على فعقلت، فقلت يا رسول الله لمن الميراث وانما يرثنى كلالة، قال فنزلت آية الفرض) وروى أنه قال كيف أصنع في مالى ولى أخوات، فنزلت آية المواريث: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، والكلالة هو من ليس له ولد ولا والد، وله اخوة، ولان الكلاله مشتق من الاكليل وهو الذى يحتاط بالرأس من الجوانب، والذين يحيطون بالميت من الجوانب الاخوة، فأما الوالد والولد فليسا من الجوانب، بل أحدهما من أعلاه والاخر من أسفله، ولهذا قال الشاعر يمدح بنى أمية: ورثتم قناة الملك لا عن كلالة
* عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
(فصل)
ولا يرث ولد الاب والام مع ثلاثة، مع الابن وابن الابن والاب، والدليل عليه قوله عز وجل (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة

(16/87)


إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، فورثهم في الكلالة، وقد بينا ان الكلالة أن لا تكون والدا ولا ولدا.

(فصل)
وإذا استكمل البنات الثلثين ولم يكن مع من دونهن من بنات الابن ذكر لم يرثن.
لما روى الاعمش عن إبراهيم قال: قال زيد رضى الله عنه إذا استكمل البنات الثلثين فليس لبنات الابن شئ إلا أن يلحق بهن ذكر، فيرد عليهن بقية المال، إذا كان أسفل منهن رد على من فوقه للذكر مثل حظ
الانثيين، وان كن أسفل منه فليس لهن شئ، وبقية المال له دونهن، ولانا لو ورثنا من دونهن من بنات الابن فرضا مستأنفا لم يجز لانه ليس للبنات بالبنوة أكثر من الثلثين، وان شركنا بينهن وبين بنات الابن لم يجز، لانهن أنزل منهن بدرجة فلا يجوز أن يشاركنهن، وان استكمل الاخوات للاب والام الثلثين ولم يكن مع الاخوات للاب ذكر يعصبهن لم يرثن لما ذكرناه من المعنى في البنات وبنات الابن.

(فصل)
ومن لا يرث ممن ذكرناه من ذوى الارحام أو كان عبدا أو قاتلا أو كافرا لم يحجب غيره من الميراث، لانه ليس بوارث فلم يحجب كالأجنبي.
(الشرح) حديث جابر أخرجه أحمد قال ثنا سفيان أنبأنا ابن المنكدر أنه سمع جابرا يقول: مرضت فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني هو وأبو بكر ماشيين، وقد أغمى على فلم أكلمه، فتوضأ فصبه على فأفقت وقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالى ولى أخوات؟ قال: فنزلت آية الميراث (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، كان ليس له ولد وله أخوات) .
وفى رواية الصحيحين عن جابر رضى الله عنه قَالَ (عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر في بنى سلمة يمشيان، فوجدني لا أعقل زاد في رواية الكشميهنى: شيئا) وقد ترجم البخاري له في صحيحه: باب عيادة المغمى عليه وفى باب الاعتصام من صحيح البخاري بأنه صب عليه نفس الماء الذى توضأ به، وفى باب عبادة المريض: فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صب وضوءه على وفى لفظ عند أبى داود: فنفخ في وجهى فأفقت، وفى الصحيحين من رواية رافع

(16/88)


ابن خديج: فنزلت: يوصيكم الله في أولادكم.
فقد قيل: انه وهم وأن الصواب أن الآية التى نزلت في قصة جابر هي الآية الاخيرة من سورة النساء وهى:
يستفتونك.
قال شعبة: قلت لمحمد بن المنكدر: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة؟ قال: هكذا أنزلت.
أما الاحكام: فإن الاخوة والاخوات للام فيسقطون عن الارث مع أحد أربعة، مع الاب أو الجد الوارث أو مع الولد ذكرا كان أو أنثى واحدا كان أو أكثر أو مع ولد البنين، سواء كان ولد الابن ذكرا أو أنثى، واحدا كان أو أكثر، والدليل عليه قوله تعالى (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) فورثهم بالكلالة، والكلالة هو من لا ولد له ولا والد.
والدليل عليه الكتاب والسنه والاجماع واللغة.
فالكتاب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد، فنص على أن الكلالة من لا ولد له، والاستدلال من الآية أن الكلاله أيضا من لا والد له لقوله تعالى (وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد) فورث الاخت نصف مال الاخ وورث الاخ جميع مال الاخت إذا لم يكن لها ولد ولا والد.
وأما السنة: فرواية جابر كيف أصنع بمالى؟ انما ترثني كلاله، ولم يكن له ولد ولا والد، فأقره النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ.
وأما الاجماع فروى عن أبى بكر وعلى وابن مسعود وابن عمر رضى الله عنهم أنهم قالوا الكلاله من لا ولد له ولا والد، ولا مخالف لهم.
وأما اللغه، فإن الكلاله مأخوذة من الاكليل، والاكليل انما يحيط بالرأس من الجوانب، ولا يتعلق عليه ولا ينزل عنه، والاب يعلو الميت، وولده ينزل عنه، كذلك الكلاله له يحيط بالميت من الجوانب ولا تعلو عليه ولا تنزل عنه، ولهذا قال الشاعر الاموى يمدحهم: ورثتم قناة الملك لا عن كلاله
* عن ابني مناف عبد شمس وهاشم أي لم ترثوا الملك عمن هو مثلكم، وانما ورثتموه عمن هو أعلى منكم،

(16/89)


عن عثمان بن عفان جدكم وعثمان ورثه عن جده عبد شمس وعبد شمس ورثه عن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن بطال: لان بنى أمية ورثوا الخلافة عن عثمان رضى الله عنه وأبوه من بنى عبد شمس وأم أمه من بنى هاشم، وهى البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم فجدته لامه عمة النبي صلى الله عليه وسلم أما مسألة الاخوة والاخوات للاب والام فإنهم لا يرثون مع أحد ثلاثة، مع الاب أو مع الابن أو ابن الابن لقوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك) الايه.
فورث للاخت من أخيها بالكلالة، وقد دللنا على أن الكلالة من لا ولد له ولا والد ثم دل الدليل على أنهم يرثون مع البنات وبنات الابن ومع الجد، وبقى الاب والابن وابن الابن على ظاهر الآية، ولا ترث الاخوة والاخوات للاب مع مع أحد أربعة: الاب والابن وابن الابن لما ذكرناه، ولا مع الاخت للاب والام لانها أقرب منهم أما مسألة الحجب فإنه حجبان: حجب إسقاط وحجب نقصان.
فأما حجب الاسقاط فمثل حجب الابن للاخوة والاخوات وبنيهم.
والاعمام وبنيهم.
ومثل حجب الاخوة لبنى الاخوة والاعمام وبنيهم، ومثل حجب الاب للاخوة.
وأما حجب النقصان فمثل حجب الولد للزوج من النصف إلى الربع، وحجب الزوجة من الربع إلى الثمن، ومثل حجب الام من الثلث إلى السدس.
إذا ثبت هذا فإن جميع من ذكرنا ممن لا يرث من ذوى الارحام والكفار والمملوكين والقاتلين ومن عمى موته فإنه لا يحجب غيره.
وبه قال الصحابة والفقهاء كافة إلا ابن مسعود فإنه قال.
يحجبون حجب النقصان.
ووافق أنهم لا يحجبون حجب الاسقاط.
ودليلنا أن كل من لا يحجب حجب الاسقاط لم يحجب حجب النقصان كابن البنت، ولانه ليس بوارث فلم يحجب غيره كالأجنبي، فإن قيل الاخوان لا يرثان مع الاب ويحجبان الام فالجواب أنهما وارثان، وإنما أسقطهما من هو أقرب منهما، وهؤلاء ليسوا بورثة في الجملة (فرع)
قال الشافعي رضى الله عنه: وبنو الاخوة لا يحجبون الام عن الثلث

(16/90)


ولا يرثون مع الجد، وهذا صحيح.
بنو الاخوة لا يحجبون الام من الثلث إلى السدس، سواء كان بنى إخوة لاب وأم أو لاب لقوله تعالى (وورثه أبواه) أليس لما حجبها الاولاد حجبها أولاد الاولاد، هلا قلتم لما حجبها الاخوة حجبها اولادهم؟ قلنا: الفرق بينهما أن حجب الاولاد أقوى من حجب الاخوة، بدليل أن الواحد من الاولاد حجب الام، فمن حيث هو أقوى تعدى حجبه ذلك إلى ولده، وحجب الاخوة أضعف لانه لا يحجبها إلا إثنان منهم عندنا.
وعند ابن عباس لا يحجبها إلا ثلاثة.
فمن حيث ضعف حجبهم لم يتعد حجبهم إلى أولادهم، ولان كل من حجبه الولد حجبه ولد الابن، لان الولد يحجب الاخوة فحجبهم ولده، والولد يحجب الاب فحجبه ولده، وليس كذلك ولد الاخوة فانهم لا يحجبون من يحجب أبوهم، ألا ترى أن الاخ للاب والام يحجب الاخ للاب ومعلوم أن ابن الاخ للاب والام لا يحجب الاخ للاب، بل الاخ للاب يسقط ابن الاخ للاب والام ولا يرث بنو الاخوة من الجد لان الجد أقرب منهم فأسقطهم.
والله تعالى أعلم بالصواب
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن اجتمع أصحاب فروض ولم يحجب بعضهم بعضا فرض لكل واحد منهم فرضه فإن زادت سهامهم على سهام المال أعيلت بالسهم الزائد ودخل
النقص على كل واحد منهم بقدر فرضه، فإن ماتت امرأة وخلفت زوجا وأما وأختين من الام وأختين من الاب والام فللزوج النصف وللام السدس وللاختين من الام الثلث وللاختين من الاب والام الثلثان، وأصل الفريضة من ستة وتعول إلى عشرة، وهو أكثر ما تعول إليه الفرائض لانها عالت بثلثيها وتسمى أم الفروخ لكثرة السهام العائلة، وتسمى الشريحية لانها حدثت في أيام شريح وقضى فيها.
وإن مات رجل وخلف ثلاث زوجات وجدتين وأربع أخوات من الام وثماني أخوات من الاب والام، فللزوجات الربع وللجدتين السدس وللاخوات من الام الثلث وللاخوات من الاب والام الثلثان، وأصلها من إثنى عشر وتعول

(16/91)


إلى سبعة عشر وهو أكثر ما يعول إليه هذا الاصل وتسمى أم الارامل، وإن مات رجل وخلف زوجة وأبوين وابنتين فللزوجة الثمن وللابوين السدسان وللابنتين الثلثان وأصلها من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين وتسمى المنبرية، لانه روى أن عليا كرم الله وجهه سئل عن ذلك وهو على المنبر فقال صار ثمنها تسعا.
وإن ماتت امرأة وخلفت زوجا وأما وأختا من أب وأم فللزوج النصف وللاخت النصف وللام الثلث، وأصلها من ستة وتعول إلى ثمانيه وهى أول مسألة أعيلت في خلافة عمر رضى الله عنه وتعرف بالمباهلة، فإن ابن عباس رضى الله عنه أنكر العول وقال هذان النصفان ذهبا بالمال فأبن موضع الثلث فقيل له والله لئن مت أو متنا فيقسم ميراثنا إلا على ما عليه القوم، قال فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) والدليل على إثبات العول أنها حقوق مقدرة متفقة في الوجوب،
ضاقت التركة عن جميعها فقسمت التركة على قدرها كالديون (الشرح) إذا اجتمع أصحاب الفروض وضاقت سهام المال عن أنصبتهم، أعليت الفريضة التى زيد في حسابها ليدخل النقص على كل واحد منهم بقدر حقه.
والعول هو الرفع.
قال الفيومى في المصباح: عالت الفريضة عولا ارتفع حسابها وزادت سهامها فنقصت الانصباء، فالعول نقيص الرد، ويتعدى بالالف في الاكثر، وبنفسه في لغة، فيقال أعال زيد الفريضة وعالها، وعال الرجل عولا جار وظلم.
وقوله تعالى: ذلك أدنى ألا تعولوا.
قيل معناه ألا يكثر من تعولون.
وقال مجاهد: لا تميلوا ولا؟ وروا.
وقال العمرانى في البيان: وانما سمى عولا للرفع في الحساب إلى الزيادة فيه.
إذا ثبت هذا فأصول حساب الفرائض سبعه: الاثنان، والثلاثة، والاربعه، والسته، والثمانية، والاثنا عشر، والاربعة وعشرون.
فأربعة من هذه الاصول لا يعول قط، وهى الاثنان والثلاثة والاربعة والثمانيه، وثلاثه من

(16/92)


هذه الاصول يعول، وهى الستة والاثنا عشر والاربعة وعشرون فأما أصل الستة فإنه يعول إلى سبعه وثمانية وسبعه وعشرة.
فأما التى تعول إلى سبعه فهى إذا ماتت امرأة وخلفت زوجا وأختين لاب وأم، فللزوج النصف ثلاثه وللاختين الثلثان أربعه فذلك سبعه.
أو مات رجل وخلف أختين لاب وأم وأختين لام وأما أو جدة فللاختين للاب والام الثلثان أربعه وللاختين للام الثلث سهمان وللام أو الجدة سهم وهو السدس فذلك سبعه، فنتصور أن يكون الميت فيها رجلا أو امرأة.
وأما التى تعول إلى ثمانيه، فمثل أن يكون هناك أختان لاب وأم وأخ لام
وزوج فللاختين للاب والام الثلثان أربعه والاخ للام السدس سهم وللزوج النصف ثلاثه.
وكذلك إذا خلفت زوجا وأختا لاب وأم أو لاب وأما فللزوج النصف ثلاثه وللاخت النصف ثلاثه وللام الثلث سهمان وتعرف هذه المسألة بالمباهلة، فإنها حدثت في أيام عمر رضى الله عنه، فقضى فيها عمر كذلك فأنكره ابن عباس وقال: من شاء باهلته فيها، والبهلة اللعنه.
وأما التى تعول إلى تسعه فمثل ان تموت امرأة وتخلف اختين لاب وأم وزوجا فللاختين الثلثان اربعه وللاخوين للام الثلث وللزوج النصف.
وأما التى تعول إلى عشرة، فمثل ان تموت امرأة وتخلف زوجا واختين لاب وام واخوين لام واما أو جدة فللزوج النصف ثلاثه وللاخوين للاب والام الثلثان اربعه.
وللاخوين للام الثلث سهمان وللام أو للجدة سهم فذلك عشرة.
وهى أكثر ما تعول إليه الفرائض لانها عالت بثلثيها.
وتسمى ام الفروخ لكثرة ما فرخت وعالت به من السهام، وتسمى الشريحيه لانها حدثت في زمان شريح فقضى بها كذلك وكان الزوج يقول: جعل لى شريح النصف لما كان وقت القسمه لم يعط النصف ولا الثلث.
وقال شريح: اراك رجلا جائرا تذكر الفتوى ولا تذكر القصه.

(16/93)


وإذا عالت الفريضة إلى ثمانية أو تسعة أو عشرة فلا يحتمل أن يكون ذكرا وأما اصل الاثنى عشر فإنها تعول إلى ثلاثة عشر وخمسة عشر وسبعة عشر، فأما التى تعول إلى ثلاثة عشر فمثل أن يموت رجل ويخلف زوجة وأختين لاب وأم وأما أو جدة فللاختين الثلثان ثمانية وللزوجة الربع ثلاثة وللام أو الجدة السدس سهمان فيتصور في التى تعول إلى ثلاثة عشر أن يكون الميت رجلا أو إمرأة، وأما التى تعول إلى خمسة عشر فمثل أن يكون هناك زوجة وأختان لاب
وأم وأخوان لام فللزوجة الربع ثلاثة وللاختين للاب والام الثلثان ثمانية وللاخوين للام الثلث أربعة.
أو تموت امرأة فتخلف زوجا وابنتين وأبوين فللزوج الربع ثلاثة وللابنتين الثلثان ثمانية وللابوين السدسان أربعة، فنتصور أن يكون الميت فيها رجلا أو امرأة.
وأما التى تعول إلى سبعة عشر كأن يكون هناك زوجة وأختان لاب وأم وأخوان لام وأم أو جدة، فللزوجة الربع ثلاثة وللاختين للاب والام الثلثان ثمانية وللاخوين للام الثلث أربعة، وللام أو الجدة السدس سهمان فذلك سبعة عشر، وهذا أكثر ما يعول إليه هذا الاصل، وتسمى أم الارامل لانه لا يتصور أن يكون الميت فيها الا رجلا.
وأما أصل أربعة وعشرين فإنه يعول إلى سبعة وعشرين لا غير، وهو أن يكون هناك زوجة وابنتان وأبوان، فللزوجة الثمن ثلاثة وللابنتين الثلثان ستة عشر وللابوين السدسان ثمانية، ولا يتصور أن يكون الميت معها الا رجلا وتسمى المنبرية، لان عليا رضى الله عنه سئل عنها وهو على المنبر فقال: عاد ثمنها تسعا.
إذا ثبت هذا: فقد قال بالعول الصحابة كافه وذلك أنه حدث في أيام عمر رضى الله عنه أن امرأة ماتت وخلفت زوجا وأختا لاب وأم وأما فاستشار الصحابة فيها فأشار العباس عليه بالعول فقالوا: صدقت، وكان ابن عباس يومئذ صبيا فلما بلغ أنكر العول وقال: من شاء باهلته، وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: التقيت أنا وزفر بن أوس الطائى فذهبنا إلى ابن عباس وتحدثنا معه فقال

(16/94)


ان الذى أحصى رمل عالج عددا لم يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا فالنصفان ذهبا بالمال، فأين الثلث، فقال له زفر من أول من أعال المسائل، فقال عمر
فقال ابن عباس: وايم الله لو قدموا من قدم الله وأخروا من أخره الله، ما عالت فريضه قط، فقال له زفر: من المقدم ومن المؤخر، فقال: من أهبط من فرض إلى فرض فهو المقدم، ومن أهبط من فرض إلى ما بقى فهو المؤخر، فقال زفر: هلا اشرت عليه، فقال: هبته، وكان امرءا مهيبا، فكان ابن عباس يدخل النقص على البنات والاخوات ويقدم الزوج والزوجه والام، لانهم يستحقون الفرض بكل حال، والبنات والاخوات تارة يفرض لهن وتارة لا يفرض لهن، فيقول في زوجة، وابنتين وابوين: للزوجة الثمن وللابوين السدسان ثمانيه وللابنتين ما بقى هو ثلاثه عشر.
ودليلنا ما رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اقسموا الفرائض على كتاب الله عزوجل، ووجدنا ان الله فرض لكل واحد ممن ذكرنا من البنات والاخوات فرضا فوجب ان يقسم ذلك لهن، ولان الاخوات اقوى حالا من الام، والبنات اقوى حالا من الزوج والزوجه بدليل ان البنات يحجبن الزوج والزوجة، من النصف والربع إلى الربع والثمن، والزوجان لا يحجبانهن، والاخوات يحجبن الام والام لا تحجبهن، فكيف يجوز تقديم الضعيف على من هو أقوى منه، ولانه لا خلاف ان رجلا لو اوصى لرجل بثلث ماله ولم يجز الورثة يقسم الثلث بينهما، وإذا ضاق مال المفلس عن ديونه قسم بينهم على قدر ديونهم، فوجب إذا ضاقت التركة عن سهام التركة ان يجعل لكل واحد منهم على قدر سهمه حسب قانون النسبه ويضرب به، ولانه إذا كان هناك زوج واختان لام وأم فلا بد ان ينتقض فيها بعض اصول ابن عباس، لانه قال للزوج النصف وللام السدس وللاختين الثلث نقض اصله في ان الاختين تحجبان الام من الثلث إلى السدس، وان قال: للزوج النصف وللام الثلث وللاختين للام الثلث نقض اصله لانه ادخل النقص على من له فرض مقدر لا ينقص عنه، وان قال: للزوج
النصف وللام الثلث وللاختين للام الثلث اعال الفريضة فنقض اصله في العول، والله تعالى اعلم بالصواب.

(16/95)


قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن اجتمع في شخص جهتا فرض، كالمجوسي إذا تزوج ابنته فأتت منه ببنت، فإن الزوجة صارت أم البنت وأختها من الاب، والبنت بنت الزوجة وأختها، فإن ماتت البنت ورثتها الزوجة بأقوى القرابتين وهى بكونها أما، ولا ترث بكونا أختا، لانها شخص واحد اجتمع فيه شيئآن يورث بكل واحد منهما الفرض فورث بأقواهما ولم ترث بهما، كالاخت من الاب والام وإن ماتت الزوجة ورثتها البنت النصف بكونها بنتا، وهل ترث الباقي بكونها أختا، فيه وجهان.

(أحدهما)
لا ترث، لما ذكرناه من العلة.

(والثانى)
ترث، لان إرثها بكونها بنتا بالفرض إرثها بكونها أختا بالتعصيب لان الاخت مع البنت عصبة، فجاز أن ترث بهما كأخ من أم وهو ابن عم.
(الشرح) كان في بعض الشعوب القديمة إباحة التزوج بالابنة والاخت كالمصريين فقد كان فراعيينهم يتزوجون بأخواتهم كزواج توت عنخ آمون من شقيقته نفرتيتى، وكذلك فعل رعمسيس وغيره من هؤلاء، وكذلك المجوس في فارس وخراسان والهند، وقد شبب المتنبي في شعره وتغزل في اخته فقال لا سامحه الله: يا أخت معتنق الفوارس في الوغى
* لاخوك ثم ارق منك وارحم يرنو اليك مع العفاف وعنده
* ان المجوس تصيب فيما تحكم اما الاحكام: فإنه إذا ادلى شخص بنسبين أو سببين إلى مورثه فإنه يورث
بكل واحد منهما فرضا مقدرا مثل ان يتزوج المجوسى ابنته فأولدها بنتا فلا خلاف انهما لا يورثان بالزوجية، واما القرابة فإنهما قد صارتا اختين لاب واحداهما ام الاخرى، فإن مات الاب كان لابنته الثلثان وما بقى لعصبته، فإن ماتت السفلى ورثتها الاخرى بأقوى القرابتين، وهى كونها اما، وهكذا لو وطئ مسلم ابنته بشبهة فأتت ببنت فإنها بنتها واختها لاب، فان ماتت البنت السفلى ورثتها امها

(16/96)


بكونها أما لا بكونها أختا، وبه قال زيد بن ثابت ومن الفقهاء مالك.
وذهب علي وابن مسعود وابن ابى ليلى وابو حنيفة وأصحابه إلى أنها ترث بالقرابتين.
دليلنا أنهما قرابتان يورث بكل واحدة منهما فرض مقدر فوجب ان لا يرث بهما معا، كالاخت للاب والام لا ترث بكونها أختا لاب وأختا لام، وإن ماتت الام ورثتها بكونها بنتا النصف.
وهل ترث الباقي بكونها أختا؟ فيه وجهان
(أحدهما)
لا ترث للعلة الاولى
(والثانى)
وهو قول أبى حنيفة أنها ترث بكونها بنتا النصف بالفرض، وترث بكونها أختا الباقي بالتعصيب، فجاز أن ترث بهما كأخ من أم هو ابن عم.
وإن اتت منه بإبن وابنة ثم مات الاب كان ماله لابنه وابنته للذكر مثل حظ الانثيين.
وإن ماتت بعد ذلك البنت التى هو زوجة كان مالها لابنتها وابنها ولا يرثان بالاخوة.
وإن مات الابن وخلف أما وهى أخت لاب وأختا لاب وأم فعندنا للام الثلث ولا شئ لها بكونها أختا لاب وللاخت للاب والام النصف والباقى للعصبة وعند ابى حنيفة للاخت للاب والام النصف، وللام بكونها أما السدس، ولها بكونها أختا لاب السدس فوافقنا في الجواب وخالفنا في المعنى، والله اعلم