المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قال المصنف رحمه الله:

باب ميراث العصبة

العصبة كل ذكر ليس بينه وبين الميت انثى وهم الاب والابن ومن يدلى بهما وأولى العصبات الابن والاب لانهما يدليان بأنفسهما، وغيرهما يدلى بهما، فإن اجتمعا قدم الابن لان الله عز وجل بدأ به فقال (يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) والعرب تبدأ بالاهم فالاهم، ولان الاب إذا اجتمع مع الابن فرض له السدس وجعل الباقي للابن ولان الابن يعصب اخته والاب لا يعصب اخته، ثم ابن الابن وان سفل لانه يقوم مقام الابن في الارث والتعصيب، ثم الاب لان سائر العصبات يدلون به، ثم الجد ان لم يكن اخ لانه أب الاب ثم ابو الجد وان علا، وان لم يكن جد فالاخ لانه ابن الاب ثم ابن الاخ وان سفل

(16/97)


ثم العم لانه ابن الجد ثم ابن العم وإن سفل ثم عم الاب لانه ابن ابى الجد ثم ابنه وإن سفل، وعلى هذا أبدا.

(فصل)
وإن انفرد الواحد منهم أخذ جيمع المال، والدليل عليه قوله عز وجل: ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) فورث الاخ جميع مال الاخت إذا لم يكن لها ولد، وإن اجتمع مع ذى فرض أخد ما بقى، لما رويناه من حَدِيثُ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ورث أخا سعد بن الربيع ما بقى من فرض البنات والزوجة، فدل على أن هذا حكم العصبة.

(فصل)
وان اجتمع إثنان قدم أقربهما في الدرجة لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: الحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لاولى عصبة ذكر.
وإن اجتمع إثنان في الدرجة وأحدهما يدلى بالاب والام والآخر يدلى بالاب قدم من يدلى بالاب والام، لانه أقرب، وإن استويا في الدرجة والادلاء استويا في الميراث لتساويهما

(فصل)
ولا يعصب أحد منهم أنثى إلا الابن وابن الابن والاخ فإنهم يعصبون أخواتهم.
فأما الابن فإنه يعصب اخواته للذكر مثل حظ الانثيين، لقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) وأما ابن الابن فإنه يعصب من يحاذيه من أخواته وبنات عمه، سواء كان لهن شئ من فرائض البنات أو لم يكن.
وقال أبو ثور: إذا استكمل البنات الثلثين فالباقي لابن الابن ولا شئ لبنات الابن، لان البنات لا يرثن بالبنوة أكثر من الثلثين، فلو عصبنا بنت الابن بابن الابن بعد استكمال البنات الثلثين صار ما تأخذه بالتعصيب زيادة على الثلثين وهذا خطأ لقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) والولد يطلق على الاولاد وأولاد الاولاد والدليل عليه قوله تعالى (يا بنى آدم) وقوله صلى الله عليه وسلم لقوم من أصحابه يا بنى اسماعيل ارموا فإن أباكم كان راميا ولانه يقال لمن ينتسب إلى تميم وطئ بنو تميم وبنو طئ.

(16/98)


وقوله: انهن لا يرثن بالبنوة أكثر من الثلثين، فإنما يمتنع ذلك من جهة الفرض، فأما في التعصيب فلا يمتنع، كما لو ترك إبنا وعشر بنات فإن للابن السدس وللبنات خمسة أسداس وهو أكثر من الثلثين وأما.
ابن ابن الابن وإن سفل فإنه يعصب من يحاذيه من أخواته وبنات عمه، سواء بقى لهن من فرض البنات شئ أو لم يبق كما يعصب ابن الابن من يحاذيه.
وأما من فوقه من العمات فينظر فيه فان كان لهن من فرض البنات من الثلثين أو السدس شئ أخذ الباقي ولم يعصبهن لانهن يرثن بالفرض، ومن ورث بالفرض بقرابة لم يرث بالتعصيب بتلك القرابة، وان لم يكن لهن من فرض البنات شئ عصبهن، لما روى عن زيد ابن ثابت رضى الله عنه أنه قال: إذا استكمل البنات الثلثين فليس لبنات الابن
شئ إلا أن يلحق بهن ذكر فيرد عليهن بقية المال إذا كان أسفل منهن رد على من فوقه للذكر مثل حظ الانثيين، وإن كن أسفل منه فليس لهن شئ وبقية المال له دونهن ولانه لا يجوز أن يرث بالبنوة مع البعد، ولا يرث عماته مع القرب، ولا يعصب من هو أنزل منه من بنات أخيه، بل يكون الباقي له لما ذكرناه من قول زيد بن ثابت، فان كن أسفل منه فليس لهن شئ وبقية المال له دونهن، ولانه عصبة فلا يرث معه من هو دونه كالابن مع بنت الابن.
وأما الاخ فانه يعصب أخواته، لقوله تعالى (وان كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين.

(فصل)
ولا يشارك أحد من العصبات أهل الفروض في فروضهم الا ولد الاب والام فانهم يشاركون ولد الام في ثلثهم في المشتركة، وهى زوج وأم أو جدة واثنان من ولد الام وولد الاب والام، واحدا كان أو أكثر، فيفرض للزوج النصف وللام أو الجدة السدس ولولد الام الثلث يشاركهم ولد الاب والام في الثلث، لانهم يشاركونهم في الرحم الذى ورثوا بها الفرض، فلا يجوز أن يرث ولد الام ويسقط ولد الاب والام كالاب لما شارك الام في الرحم بالولادة لم يجز أن ترث الام ويسقط الاب، وتعرف هذه المسألة بالمشركة لما فيها من التشريك بين ولد الاب والام وولد الام في الفرض وتعرف بالحمارية، فانه يحكى فيها عن ولد الاب والام أنهم قالوا: احسب أن أبانا كان حمارا أليس أمنا وأمهم واحدة.

(16/99)


(الشرح) حديث سعد بن الربيع ومجئ إمرأته للنبى صلى الله عليه وسلم تشكوا أخاه مضى تخريجه، وحديث ابن عباس رواه الشيخان وأحمد في مسنده وحديث يا بنى إسماعيل ارموا مضى تخريجه في كتاب السبق والرمى، أما العصبة فهى القرابة الذكور الذين يدلون بالذكور، هذا معنى ما قاله علماء اللغة، وهو
جمع عاصب مثل كفرة جمع كافر، وقد استعمل الفقهاء العصبة في الواحد إذا لم يكن غيره لانه قام مقام الجماعة في إحراز جميع المال، والشرع جعل الانثى عصبة في مسألة الاعتاق وفى مسألة من المواريث فقلنا بمقتضاه في مورد النص، وقلنا في غيره: لا تكون المرأة عصبة لا لغة ولا شرعا وعصب القوم بالرجل عصبا من باب ضرب احاطوا به لقتال أو حماية، فلهذا اختص الذكور بهذا الاسم لقوله عليه السلام (فلاولى عصبة ذكر) فذكر صفة الاولى وفيه معنى التوكيد كما في قوله تعالى (إلهين اثنين) .
قال في البيان: العصبة كل ذكر لا يدلى إلى الميت بأنثى، وانما سميت عصبة لانه يجمع المال ويحوزه مشتق من العصابة لانها تحيط الرأس وتجمعه، والاصل في توريث العصبة قوله تعالى (ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت أيمانكم) قال مجاهد: الاقربون ههنا هم العصبة.
إذا ثبت هذا: فأقرب العصبة الابن وان سفل ثم الاب قال المسعودي: ومنهم من لا يسمى الابن عصبة وليس بشئ، والدليل على أن الابن أقرب تعصيبا من الاب قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم) فبدأ بذكر الولد قبل الوالد والعرب لا تبدأ الا بالاهم فالاهم، ولان الله تعالى فرض للاب مع الولد السدس فدل على ان الابن اسقط تعصيب الاب، لانه انما يأخذ السدس بالفرض، ولان الابن بعصب اخته بخلاف الاب فان عدم البنون وبنوهم وبنوهم وان سفلوا كان التعصيب للاب وكان احق من سائر العصبات لان سائر العصبات يدلون به، فان عدم الاب كان التعصيب للجد ان لم يكن اخ لانه يدلى بالاب ثم اب الجد وان علا يقدمون على الاعمام وان لم يكن جد وهناك اخ لاب وام أو لاب كان التعصيب له لانه بدلى بالاب، فان اجتمع الاب والاخ كان المال بينهما عندنا على ما يأتي

(16/100)


بيانه، وإن اجتمع أخ لاب وأم وأخ لاب فالاخ للاب والام أولى لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية، وقال: ان أعيان بنى الاخ يتوارثون دون بنى العلات يرث الرجل أخاه لابيه وأمه دون أبيه ولانه يدلى بقرابتين فكان أولى ممن يدلى بقرابة، فإن عدم الاخ للاب والام كان التعصيب للاخ للاب، ويقدم على ابن الاخ للاب والام لانه أقرب، فإن عدم الاعمام وبنوهم كان التعصيب لاعمام الجد الاقرب فالاقرب منهم، ثم بعدهم يكون لبنيهم وعلى هذا فإذا انفرد الواحد من العصبة أخذ جميع المال لقوله تعالى: إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فورث الاخ جميع مال الاخت، وان كان هناك اثنان من العصبة في درجة واحدة اقتسما المال بينهما لاستوائهما في النسب، وان كان مع العصبة من له فرض اعطى صاحب الفرض فرضه وكان الباقي للعصبة لما ذكرناه في حديث ابنتى سعد بن الربيع وزوجته وأخته، ويعصب الابن أخته وأخواته، لقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) وكذلك ابن الابن يعصب أخواته لقوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) إلى قوله (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين) ومن عدا هؤلاء من العصبة لا يعصب أخواته لانه لافرض لهن عند انفرادهن فلم يعصبهن.
(فرع)
وان ماتت إمرأة وخلفت زوجا وأما واثنتين من ولد الام وأخا وأختا لاب وأم كان للام السدس وهو سهم من ستة، وللزوج النصف ثلاثة وللاخوين للام الثلث سهمان ويشاركهما في هذين السهمين الاخ والاخت للاب والام يقتسمونه بينهم الذكر والانثى فيه سواء، وتصح من اثنى عشر للام سهمان وللزوج ستة ولكل واحد من الاخوة والاخوات سهم، وبه قال عمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن ثابت وشريح ومالك وإسحاق.
وقال علي بن أبى طالب وابن عباس وأبو موسى الاشعري وأبى بن كعب والشعبى والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد: يسقط الاخ والاخت للاب والام

(16/101)


دليلنا: أنها فريضة جمعت ولد أم وولد أب وأم يرث كل واحد منهما إذا انفرد، فإذا ورث ولد الام لم يسقط ولد الاب والام كما لو انفرد ولد الام وولد الاب والام، ولم يكن معهم ذو سهم غيرهم، وهذه المسألة تعرف بالحمارية لانه يحكى فيها أن ولد الاب قالوا: هب أن أبانا كان حمارا أليس أمنا وأمهم واحدة؟ وتعرف بالمشتركة أيضا لما فيها من التشريك بين الاخوة للام والاخوة للاب والام في الثلث، وقد مضى لنا في العول تفصيل يشرح مسائل هذه الفصول فلا داعى للتكرار، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
(فصل)
وان اجتمع في شخص واحد جهة فرض وجهه تعصيب كابن عم هو زوج أو ابن عم هو أخ من أم ورث بالفرض والتعصيب لانهما ارثان مختلفان بسببين مختلفين، فان اجتمع ابنا عم أحدهما أخ من الام ورث الاخ من الام السدس والباقى بينه وبين الاخر.
وقال أبو ثور: المال كله للذى هو أخ من الام لانهما عصبتان يدلى أحدهما بالابوين والآخر بأحدهما فقدم من يدلى بهما كالاخوين أحدهما من الاب والآخر من الاب والام، وهذا خطأ لانه استحق الفرض بقرابة الام فلا يقدم بها في التعصيب كابنى عم احدهما زوج.

(فصل)
وان لاعن الزوج ونفى نسب الولد انقطع التوارث بينهما لا نتفاء النسب بينهما، ويبقى التوارث بين الام والولد لبقاء النسب بينهما، وإن مات الولد ولا وارث له غير الام كان لها الثلث، وإن اتت بولدين توأمين فنفاهما
الزوج باللعان ثم مات احدهما وخلف اخاه ففيه وجهان
(أحدهما)
انه يرثه ميراث الاخ من الام لانه لا نسب بينهما من جهة الاب فلم يرث بقرابته كالتوأمين من الزنا إذا مات احدهما وخلف اخاه
(والثانى)
إنه يرثه ميراث الاخ من الاب والام لان اللعان ثبت في حق الزوجين دون غيرهما، ولهذا لو قذفها الزوج لم يحد ولو قذفها غيره حد، والصحيح هو الاول، لان النسب قد انتفى بينهما في حق كل واحد كما انقطع الفراش بينهما في حق كل أحد كما يجوز لكل احد ان يتزوجها.

(16/102)


(فصل)
وإن كان الوارث خنثى، وهو الذى له فرج الرجال وفرج النساء فإن عرف أنه ذكر ورث ميراث ذكر.
وإن عرف أنه أنثى ورث ميراث أنثى.
وإن لم يعرف فهو الخنثى المشكل وورث ميراث أنثى.
فإن كان أنثى وحده ورث النصف، فإن كان معه ابن ورث الثلث وورث الابن النصف لانه يقين ووقف السدس لانه مشكوك فيه، وإن كانا خنثيين ورثا الثلثين لانه يقين ووقف الباقي لانه مشكوك فيه، ويعرف أنه ذكر أو أنثى بالبول، فإن كان يبول من الذكر فهو ذكر، وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أنه قال: يورث الخنثى من حيث يبول، وروى عنه أنه قال: إن خرج بوله من مبال الذكر فهو ذكر.
وإن خرج من مبال الانثى فهو أنثى، ولان الله تعالى جعل بول الذكر من الذكر، وبول الانثى من الفرج، فرجع في التمييز إليه.
وإن كان يبول منهما نظرت فإن كان يبول من أحدهما أكثر فقد روى المزني في الجامع أن الحكم للاكثر.
وهو قول بعض أصحابنا، لان الاكثر هو الاقوى في الدلالة.
والثانى أنه لا تعتبر الكثرة لان اعتبار الكثرة يشق فسقط، وإن لم يعرف بالبول سئل عما يميل إليه طبعه، فإن قال أميل إلى النساء فهو ذكر، وإن قال أميل إلى الرجال فهو أنثى.
وإن قال أميل اليهما فهو المشكل، وقد بيناه.
ومن أصحابنا من قال: إن لم يكن في البول دلالة اعتبر عدد الاضلاع، فإن نقص من الجانب الايسر ضلع فهو ذكر، فإن أضلاع الرجل من الجانب الايسر أنقص، فإن الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم الايسر، فمن ذلك نقص من الجانب الايسر ضلع.
ولهذا قال الشاعر: هي الضلع العوجاء لست تقيمها
* ألا ان تقويم الضلوع انكسارها أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى؟
* أليس عجيبا ضعفها واقتدارها (الشرح) قوله (توأمين) واحدهما توأم، ولا يقال للاثنين توأم، على ما اشتهر على ألسنة العامة خطأ، وإنما يقال للواحد توأم وللاثنين توأمين كالذكر والانثى يقال لهما زوجان وكل واحد منهما زوج، والانثى توأمة والجمع توائم

(16/103)


وتؤام كدخان قال الشاعر: قالت لنا ودمعها تؤام
* على الذين ارتحلوا اسلام أما الاحكام فإذا ماتت امرأة وخلفت ابني عم أحدهما زوج ورث الزوج النصف بالفرض والباقى بينه وبين الاخر بالتعصيب.
وان مات رجل وخلف ابني عم أحدهما أخ لام فإن للذى هو أخ لام السدس بالفرض والباقى بينه وبين الاخر نصفان بالتعصيب، وبه قال علي وزيد بن ثابت ومالك والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة وذهب عمر وابن مسعود وشريح وأبو ثور أن المال كله لابن العم الذى هو أخ لام من الرجال الاقربين، فينبغي أن يكون له نصيب، ولانه يدلى بنسب يفرض له به فوجب أن لا يقوى به تعصيبه أحدهما زوج (فرع)
إذا قذف رجل امرأته بالزنا وانتفى عنه نسب ولدها، ونفاه باللعان فإن النسب ينقطع بين الاب والولد فلا يثبت بينهما توارث، لان الارث بينهما بالنسب ولا نسب بينهما بعد اللعان، ولا ينقطع التوارث بين الولد والام لانه
لا ينتفى عنها، فإن ماتت الام ورث ولدها جميع مالها إن كان ذكرا، وإن مات الولد ولم يخلف غير الام كان لها الثلث والباقى لمولاه إن كان له مولى، وإن لم يكن له مولى كان الباقي لبيت المال، وان كان له أخ كان له السدس ولامه الثلث والباقى لمولاه أو لبيت المال، وان كان له أخوان لاب وأم كان لامه السدس ولاخويه لابيه وأمه الثلث والباقى لبيت المال، وبه قال ابن عباس وزيد بن ثابت، وهى إحدى الروايتين عن علي وقال أبو حنيفة: يكون للام فرضها ويأخذ الباقي بالارث بناء على أصله في ذلك وذهب ابن مسعود إلى أن الام عصبة له فتأخذ ثلثها بالفرض والباقى بالتعصيب.
وذهب بعض الناس إلى أن عصبته عصبة الام.
دليلنا ما روى البخاري ومسلم عن الزهري عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال فرق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الرجل والمرأة يعنى باللعان وكانت حاملا فانتفى حملها فكان الولد يدعى لامه، وجرت السنة أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها.
والذى

(16/104)


فرض الله للام من الولد الثلث أو السدس، فالظاهر يقتضى أنها لا تزاد على ذلك ولان من ورث سهما من فريضة لم يستحق زيادة منها إلا بتعصيبه قياسا على الزوجة، ولان الام لو كانت عصبة لم يسقطها المولى لان العصبة لا تسقط بالمولى فدل على أنها ليست بعصبة.
وأما الدليل على أن عصبتها ليس عصبة لولدها أن الام ليست عصبة للولد فلم يكن من يدلى بها عصبة له كابن الاخ للام إذا ثبت هذا فإن حكم ولد الزنا حكم ولد الملاعنة لانه ثابت النسب من أمه وغير ثابت النسب من أبيه فكان حكمه حم ولد الملاعنة
(فرع)
وإن أتت المرأة بولدين توأمين من الزنا، أو أتت امرأة رجل بولدين توأمين فنفاهما الاب باللعان فكان التوارث بينهما وبين الاب ينقطع لما ذكرناه في الولد ولا ينقطع توارثهما بينهما وبين الام واما إرث أحدهما من الآخر فهل يتوارثان بكونهما أخوين لام لا غير؟ أو بكونهما أخوين لاب وأم؟ فيه وجهان:
(أحدهما)
يتوارثان بكونهما أخوين لاب وأم، ولان حكم اللعان إنما يتعلق بالزوجين دون غيرهما.
ألا ترى أن الزوج إذا قذفها بعد اللعان لم يحد، وإذا قذفها غيره حد
(والثانى)
انهما يتوارثان بكونهما أخوين لام لا غير وهو الاصح، لان نسبهما قد انقطع عن الاب فكيف يتوارثان به؟ وقد روى أبو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جعل ميراث ابن الملاعنة لامه ولورثتها من بعدها) (مسألة) إذا مات ميت وخلف وارثا خنثى وهو الذى له ذكر رجل وفرج امرأة فإن كان يبول من الذكر لا غير فهو رجل، وان كان يبول من الفرج لا غير فهو امرأة، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أنه قال: ان خرج بوله من مبال الذكر فهو ذكر.
وان خرج من مبال الانثى فهو أنثى.
ولان الله تعالى أجرى العادة في الرجل أنه يبول من ذكره وأن الانثى تبول من فرجها فنرجع في التمييز إليه.

(16/105)


وان كان يبول منهما سواء أو خلق الله له موضعا آخر يبول منه فهو مشكل وان كان يبول منهما الا أنه يبول من أحدهما أكثر ففيه وجهان:
(أحدهما)
يعتبر بالاكثر لانه أقوى في الدلالة.

(والثانى)
لا يعتبر به، ولان اعتبار ذلك يشق.
وحكى أن أبا حنيفة سئل عن الخنثى المشكل فقال: يحكم بالمبال، وقال أبو يوسف: ان كان يبول بهما.
قال: لا أدرى قال أبو يوسف: لكى أرى أن يحكم بأسبقهما بولا.
قال أبو حنيفة أرأيت لو استويا في الخروج؟ فقال أبو يوسف بأكثرهما، فقال أبو حنيفة يكل أو يوزن؟ فسكت أبو يوسف.
وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول.
وممن روى عنه ذلك علي ومعاوية وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وأهل الكوفة وسائر أهل العلم.
وقال ابن قدامة في المغنى: قال ابن اللبان: رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن مولود له قبل وذكر من أبن يورث؟ قال من حيث يبول) وروى أنه عليه السلام أتى بخنثى من الانصار فقال (ورثوه من أول ما يبول منه) قلت: وان لم يكن فيه دلالة من المبال فهل يعتبر فيه نبات اللحية ونهود الثديين وعدد الاضلاع؟ فيه وجهان
(أحدهما)
يعتبر بنبات اللحية للرجال ونهود الثديين للنساء، وان استوت أضلاعه من الجانبين فهو امرأة، وان نقص أحد جانبيه ضلعا فهو رجل، لان المرأة لها في كل جانب سبع عشرة ضلعا، والرجل من الجانب الايمن سبعة عشر ضلعا ومن الجانب الايسر ستة عشر ضلعا، لانه يقال ان حواء خلقت من ضلع من جانب آدم الايسر، فلذلك نقصت من الجانب الايسر من الرجال، وراثة عن أبيهم.

(16/106)


ومنهم من قال: لا يعتبر بذلك، وهو قول أكثر أصحابنا لان اللحية قد نبتت لبعض النساء ولا تنبت لبعض الرجال، وروى أن بعض الرجال كان له ثدى يرضع به في مجلس هرون الرشيد، وأما اعتبار الاضلاع فإنه يشق ولا يتوصل إلى ذلك إلا بالتشريح الطبى وقد يخفى الضلع فلا يمكن اعتبار ذلك.
إذا ثبت هذا: أو تعذر اعتباره من هذه الاشياء فإنه يرجع إلى قوله وإلى ماذا يميل طبعه، فإن قال: أميل إلى جماع النساء فهو رجل، وإن قال أميل إلى جماع الرجال فهو امرأة وليس ذلك مميزا له وانما هو سؤال له عن ميلان طبعه، فإن أخبر بأحدهما ثم رجع عنه لم يقبل رجوعه لانه إذا أخبر بأحدهما تعلقت به أحكام، وفى قبول قوله في الرجوع اسقاط لتلك الاحكام فلم يجز.
والانسان وقد خلق الله فيه مركبات من الغدد التى منحها سبحانه خصائص الذكورة وأخرى منحها خصائص الانوثة، فبعض هذه الغدد له افرازات في الجسم ونشاط في تشكيل شكل الجسم، فغدد الانوثة يتضح عملها في كبر الارداف ونتوء الثديين وتجرد الوجه من الشعر كاللحية والشارب، ورخامة الصوت في لين ونعومة وارتخاء.
أما غدد الذكورة فيتضح عملها في نبات اللحية والشارب وضمور الارداف وامتشاق الجسم وثخانة شعر الرجل وخشونته عن شعر المرأة، وخشونة صوت الرجل واستقامة نبراته وصحة نطقه، وهذه الغدد يكون مركزها في بيضتي المذاكير عند الرجال ومبائض المرأة القريبة من رحمها، وقد قرأنا كثيرا من أخبار اللائى يتحولن من الاناث إلى الذكران، والذين يتحولون من الذكران اناثا ويحدث اشكال في تغيير هوياتهم وشهادات ميلادهم وشهادات دراساتهم.
وسبيل الطب إلى تحويل هؤلاء هو دراسة أعضائهم السفلى وتحديد النشاط الغالب على هذه الغدد فقد تكون مذاكير الرجل مطوية في عمق يظن أنه فرج
ثم يقوم الطبيب بإجراء جراحة يخلص بها مذاكير الرجل الذى كان في نظر الناس امرأة لاختفاء مذاكيره وانعكاسها إلى أسفل، وقد تكون غدد الانوثة أقوى بمعنى أن تكون له مبايض امرأة مرتخيه في شكل الانثيين للرجل ولكن تصرفات

(16/107)


هذا الشخص، وميوله تنبئ عن أنوثة حبيسة حتى إذا أجريت له جراحة لوضع غدده في مكانها الطبيعي صار امرأة.
أما بعد: فقد وصل الطب إلى تحديد حقيقة الخنثى المشكل بالاشعة والتشريح ودراسة الظواهر الخارجية التى تدل على اتجاه الغدد نحو الانوثة أو الذكورة، فإذا رؤى اختفاء الشارب واللحية وبروز الثديين واختفاء المذاكير وتغير الصوت وكبر الارداف عرفنا أنه امرأة وإذا عملت للشخص جراحة تخلص من الاشكال وكذلك إذا كان نشاط الغدد عكس ما قررنا كان للجراحة أيضا دورها في تحديد نوع الشخص كرجل.
بقى بعد ذلك حكم الفقهاء في كثير من الصور الشاذة التى يحتمل وقوعها ولا يحيل العقل أو العلم حدوثها.
قال المسعودي: ان قال: أنا رجل فزوج بإمرأة فحبلت امرأته وحبل هو تبينا أنه امرأة وان كان نكاحه باطلا وأن ولد المرأة غير لاحق به لان حمله يدل على الانوثة قطعا.
وان قال الخنثى: أنا أشتهى جماع الرجال والنساء أو لا أشتهى واحدا منهما فهو مشكل، والحكم في توريث المشكل أنه يعطى ما يتبين أنه له، وان كان معه ورثه أعطى كل واحد منهم ما يتيقن أنه له وهو أقل حقيه ووقف الباقي حتى يتبين امر الخنثى بأى طريق من الطرق والتى أضبطها وادقها طرق الطب الحديث التى يمتزج فيها علم النفس مع علم وظائف الاعضاء والتشريح، وان مات ميت
وخلف ابنا خنثى مشكلا لا غير اعطى نصيب ماله، وان كانا خنثيين اعطيا الثلثين ووقف الباقي إلى ان يتبين امرهما أو يصطلحوا عليه.
وقال ابو حنيفة: يعطى الخنثى المشكل ما يتبين انه له، ويصرف الباقي إلى العصبة، وخرج ابن اللبان وجها آخر وليس بمشهور، وذهبت طائفه من البصريين إلى انه إذا خلف ابنا خنثى مشكلا لا غير اعطى ثلاثه ارباع المال.
واختلفوا في تنزيل حاله، فمنهم من قال: يترك حاله لانه يحتمل ان يكون ذكرا فيكون له جميع المال، ويحتمل ان يكون انثى فيكون له نصف

(16/108)


المال، والباقى للعصبه، فالنصف متيقن له والنصف الاخر يتنازعه هو والعصبه فيكون بينهما.
ومنهم من قال: ينزل لانه يحتمل أن يكون ذكرا فيكون له جميع المال، ويحتمل أنه أنثى فيكون له نصف المال فأعطى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى دليلنا أنه يحتمل أن يكون ذكرا ويحتمل أن يكون أنثى فأعطيناه اليقين وهو ميراث الانثى لانه متيقن له ولم نورثه ما زاد لانه توريث بالشك، وعلى أبى حنيفة أنا لا نتيقن استحقاق العصبة للموقوف له فلم يجز ذلك إليهم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
(فصل)
وان مات رجل وترك حملا وله وارث غير الحمل نظرت، فإن كان له سهم مقدر لا ينقص كالزوجة دفع إليها الفرض، ووقف الباقي إلى أن ينكشف، وإن لم يكن له سهم مقدر كالابن وقف الجميع لانه لا يعلم أكثر ما تحمله المرأة، والدليل عليه أن الشافعي رحمه الله قال: دخلت إلى شيخ باليمن لاسمع منه الحديث فجاءه خمسة كهول فسلموا عليه وقبلوا رأسه، ثم جاءه خمسة شباب فسلموا عليه وقبلوا رأسه، ثم جاءه خمسة فتيان فسلموا عليه وقبلوا رأسه، ثم
جاءه خمسة صبيان فسلموا عليه وقبلوا رأسه، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: أولادي كل خمسة منهم في بطن، وفى المهد خمسة أطفال.
وقال ابن المرزبان: أسقطت إمرأة بالانبار كبسا فيه اثنا عشر ولدا كل اثنين متقابلان، فإذا انفصل الحمل واستهل ورث لما روى سعيد بن المسيب رحمة الله عليه عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إن من السنه أن لا يرث المنفوس ولا يورث حتى يستهل صارخا، فإن تحرك حركة حى أو عطس ورث، لانه عرف حياته فورث كما لو استهل، وإن خرج ميتا لم يرث لانا لا نعلم أنه كان وارثا عند موت مورثه، وان تحرك حركة مذبوح لم يرث لانه لم يعرف حياته، وان خرج بعضه وفيه حياة ومات قبل خروج الباقي لم يرث لانه لا يثبت له حكم الدنيا قبل انفصال جميعه، ولهذا لا تنقضي به العدة ولا يسقط حق الزوج عن الرجعة قبل انفصال جميعه.

(16/109)


(الشرح) حديث أبى هريرة بلفظه هكذا مرفوع المعنى لقوله: من السنة، وقد ورد الحديث مرفوع اللفظ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا استهل المولود ورث.
وعن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله والمسور بن مخرمة قالا (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يرث الصبي حتى يستهل) ذكره أحمد بن حنبل من رواية ابنه عبد الله وأخرجه أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي بلفظ (إذا استهل السقط صلى عليه وورث) وفى إسناده إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف.
قال الترمذي: وروى مرفوعا والموقوف أصح، وبه جزم النسائي.
وقال الدارقطني في العلل: لا يصح رفعه.
وحديث أبى هريرة عند أبى داود في إسناده محمد بن اسحاق وفيه مقال معروف، وقد روى عن ابن حبان تصحيح الحديث.
وقد تقدم في كتاب الجنائز الكلام على السقط، وقد اختلف في الامر الذى تعلم به حياة المولود فأهل الفرائض قالوا بالصوت أو الحركة، وهو قول الكرخي.
وروى عن على وزفر والشافعي.
وروى عن ابن عباس وجابر وشريح والنخعي ومالك وأهل المدينة أنه لا يرث ما لم يستهل صارخا.
قال العمراني في البيان: ان مات وخلف حملا وارثا نظرت فإن استهل صارخا فإنه يرث سواء كان فيه روح حال الموت مورثه أو كان يومئذ نطفة لما روى أبو الزبير عَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا استهل الصبى ورث وصلى عليه.
وقال الشيخ أبو حامد: ولا خلاف في هذا، وان خرج ولم يستهل ولكن علمت حياته بحركة أو غير ذلك، ثم مات فإنه يرث عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لا يرث.
دليلنا: أن كل من تحققت حياته بعد انفصاله وجب أن يرث كما لو خرج واستهل صارخا، ولان النبي صلى الله عليه وسلم انما نص على الاستهلال لان ذلك يعلم به الحياة، فكل ما علمت به الحياة كالحركة والبكاء قام مقامه، وان خرج ميتا لم يرث، لانا لا نعلم أنه نفخ فيه الروح وصار من أهل الميراث أو لم ينفخ

(16/110)


وإن انفصل ميتا وتحرك بعد الانفصال حركة لا تدل على الحياة لم يرث.
لان بهذه الحركة لم يعلم حياته لان المذبوح قد يتحرك، واللحم قد يختلج ولا روح فيه وإن خرج بعضه فصرخ ثم مات قبل أن ينفصل لم يرث لانه ما لم ينفصل جميعه لا تثبت له أحكام الدنيا.
إذا ثبت هذا فما حكم مال الميت قبل انفصال الحمل؟ ينظر فيه، فإن كان مع الحمل وارث له فرض لا ينقص الحمل عنه كالزوج والزوجة والام والجدة أعطى
صاحب الفرض فرضه ووقف الباقي من ماله، وإن كان الوارث معه ممن لا سهم له مقدر كالابن والابنة، فاختلف أصحابنا فيه، فذهب المسعودي وابن اللبان وغيرهما إلى أنه يدفع إلى الابن الموجود خمس المال ويوقف الباقي وحكى الشيخ ابو حامد أن هذا مذهب أبى حنيفة لان أكثر ما تلد المرأة في بطن أربعة.
وقال الشيخان أبو حامد الاسفرايينى وأبو إسحاق المروزى: لا يعطى الابن الموجود شيئا من المال بل يوقف جميعه.
وحكى المسعودي أن هذا مذهب أبى حنيفة وقال محمد بن الحسن: يدفع إليه ثلث المال لان أكثر ما تلده المرأة إثنان.
وقال أبو يوسف: يدفع إليه نصف لان الظاهر أنها لا تلد أكثر من واحد.
فإذا قلنا إنه يوقف جميع المال فوجهه أنه لا يعلم أكثر ما تحمله المرأة، وحكى عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قدمت اليمن عند شيخ بها أسمع عليه الحديث.
قال ابن بطال: هذا الشيخ من بادية صنعاء من قرية تسمى خيرة.
قال الشافعي: فبينما هو جالس على بابه إذ جاء خمسة كهول إلى آخر ما قال ووجه سوق القصة أن بعض النساء يمكن أن تلد خمسة توائم، وقد طالعتنا الانباء منذ حين قريب بامرأة ولدت ستة توائم.
وحكى ابن المرزبان أنه قال: أسقطت امرأة عندنا بالانبار كيسا به اثنا عشر ولدا كل اثنين متحاذيان، فعلم أنه ليس لما تلده المرأة حد، واستطرادا على مناسبة الكيس فإن ولدينا الانور وعبد الناصر قد رزقني الله بهما توأمين، وكان الأنور في كيس رائق شفاف فتبارك الله أحسن الخالقين

(16/111)


(فرع)
ميت مات فقالت امرأة حامل: إن ولدت أنثى لم ترث منه، وإن ولدت ذكرا ورث منه، وان ولدت ذكرا وأنثى ورث الذكر دون الانثى فهذه
امرأة أخ الميت أو امرأة ابن أخيه أو امرأة عمه أو امرأة ابن عمه.
وان قالت: ان ولدت أنثى ورثت وان ولدت ذكرا لم يرث وإن ولدت ذكرا وأنثى لم يرثا، فهذه امرأة ماتت وخلفت زوجا وبنتا وأبوين وزوجة ابنها حاملا من ابنها، وان ولدت ذكرا وأنثى لم يرثا وان قالت امرأة حامل: ان ولدت ذكرا ورث وان ولدت أنثى لم ترث، وان ولدت ذكرا وأنثى ورثا، فهذا ميت مات وخلف ابنين وزوجة ابن حاملا منه، أو ميت مات وخلف أختين لاب وأم وزوجة أب حاملا منه ولو قالت الحامل: ان ولدت ذكرا ورث وورثت منه، وان ولدت ذكرا وأنثى ورثا وورثت معهما، وان ولدت ابنا لم يرث ولم أرث، فهذا رجل مات وخلف ابنتين وابنة ابن حاملا من ابن ابن آخر قد مات ولو قالت الحامل: ان ولدت أنثى ورثت وورثت معها، وان ولدت ذكرا أو ذكرا وأنثى لم يرث واحد منا، فهذه امرأة ماتت وخلفت ابنة وأبوبن وزوجا وهذه الحامل ابنة ابن ابن هذه الميتة من ابن ابن لها آخر، أفاده العمرانى (فرع)
ان مات رجل وخلف أخا وامرأة حاملا فولدت ابنا وبنتا فاستهلا ثم مات احدهما ثم ماتت المرأة بعده ثم مات الولد الاخر ولم يعلم أيهما مات قبل الام، قال ابن اللبان: وقد قيل القياس لا يرث الولدان أمهما، ولا يرثهما لانه لا يعلم على الانفراد أيهما مات قبلها كالغرقى، فيكون ثمن المرأة لعصبتها والسبعة الاثمان التى للولدين للاخ بميراثه منهما وقيل بل ينزل فيقال: ان الذى مات قبل المرأة وهى البنت، والمال كله للاخ، وان كان الذى مات قبل المرأة هو الابن ورثت المرأة منه ثلث سهامه وهو أربعة أسهم وثلثا سهم من أربعة وعشرين.
وورثت الاخت نصفها والعم سدسها، فلما ماتت المرأة كان ما بيدها وهو سبعة أسهم وثلثا سهم بين ابنتها وعصبتها
نصفين، فيصح لعصبتها ثلاثة أسهم وخمسة أسداس سهم، فلما ماتت البنت صار ما في يدها للعم، فاجتمع للعم بميراثه من الابن والبنت عشرون سهما وسدس

(16/112)


سهم، وهذا نصيب الاخ بيقين والباقى من المال وهو ثلاثة أسهم وخمسة أسداس سهم لعصبة المرأة، فيوقف ذلك حتى يصطلحا عليه، فتضرب الفريضة وهى أربعة وعشرون في مخرج السدس وهو سنة، فذلك مائة وأربعة وأربعون.
والله تعالى أعلم بالصواب.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن مات رجل ولم تكن له عصبة ورثه المولى المعتق كما ترثه العصبة على ما ذكرناه في باب الولاء، فإن لم يكن له وارث نظرت، فإن كان كافرا صار ماله لمصالح المسلمين، وإن كان مسلما صار ماله ميراثا للمسلمين، لانهم يعقلونه إذا قتل، فانتقل ماله إليهم بالموت ميراثا كالعصبة، فإن كان للمسلمين إمام عادل سلم إليه ليضعه في بيت المال لمصالح المسلمين، وان لم يكن إمام عادل ففيه وجهان:
(أحدهما)
أنه يرد على أهل الفرض على قدر فروضهم إلا على الزوجين فإن لم يكن أهل الفرض قسم على ذوى الارحام على مذهب أهل التنزيل، فيقام كل واحد منهم مقام من يدلى به، فيجعل ولد البنات والاخوات بمنزلة أمهاتهم، وبنات الاخوة والاعمام بمنزلة آبائهم، وأبوالام والخال بمنزلة الام، والعمة والعم من الام بمنزلة الاب، لان الامة أجمعت على الارث بإحدى الجهتين، فإذا عدمت إحداهما تعينت الاخرى.
(والثاني) وهو المذهب: أنه لا يرد على أهل السهام، ولا يقسم المال على ذوى الارحام، لانا دللنا أنه للمسلمين، والمسلمون لم يعدموا، وإنما عدم من
يقبض لهم فلم يسقط حقهم، كما لو كان الميراث لصبى وليس له ولى، فعلى هذا يصرفه من في يده المال إلى المصالح (الشرح) الاحكام: إن مات ميت وخلف من الورثة من له فرض لا يستغرق جميع ماله كالام والابنة والاخت، فان صاحب الفرض يأخذ فرضه وما بقى عن فرضه يكون لعصبته إن كان له عصبة، وان لم يكن له عصبة كان

(16/113)


للمولى إن كان له مولى، وإن لم يكن له مولى كان الباقي لبيت المال، فيصرف إلى الامام ليصرفه في مصالح المسلمين.
وبه قال زيد بن ثابت والزهرى والاوزاعي ومالك وذهب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى أنه يرد ذلك إلى ذوى الفروض إلا على الزوجين فانه لا يرد عليهما، فان لم يكن له أحد من أهل الفروض صرف ذلك إلى ذوى الارحام، فيقام كل واحد من ذوى الارحام مقام من يدلى به، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، واختاره بعض أصحابنا إذا لم يكن هناك امام عادل، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقر أن تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وابنها الذى لاعنت به، فأخبر أنها تحوز ميراث ابنها الذى لاعنت عليه، وهذا نص.
ودليلنا قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) ولم يفرق بين أن يكون هناك وارث غيرها أو لم يكن.
فمن قال ان لها جميع المال فقد خالف ظاهر القرآن.
وكذلك جعل للابنتين الثلثين ولم يفرق، ولان كل من استحق من فريضة سهما مقدرا لم يرث شيئا آخر الا بتعصيب كالزوج والزوجة فعلى هذا ان كان هناك امام عادل يسلم المال إليه، وان لم يكن هناك امام عادل
صرفه من هو بيده إلى مصالح المسلمين، والله أعلم

(16/114)