المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

باب اختلاف الزوجين في الصداق

إذا اختلف الزوجان في قدر المهر أو في أجله تحالفا، لانه عقد معاوضة فجاز أن يثبت التخالف في قدر عوضه وأجله كالبيع، وإذا تحالفا لم ينفسخ النكاح، لان التحالف يوجب الجهل بالعوض، والنكاح لا يبطل بجهالة العوض، ويجب مهر المثل، لان المسمى سقط وتعذر الرجوع إلى المعوض فوجب بدله، كما لو تحالفا في الثمن بعد هلاك المبيع في يد المشترى.
وقال أبو على بن خيران: إن زاد مهر المثل على ما تدعيه المرأة لم تجب الزيادة لانها لا تدعيها، وقد بينا فساد قوله في البيع، وإن ماتا أو أحدهما قام
الوارث مقام الميت لما ذكرناه في البيع، فإن اختلف الزوج وولى الصغيرة في قدر المهر ففيه وجهان.

(أحدهما)
يحلف الزوج ويوقف يمين المنكوحة إلى أن تبلغ ولا يحلف الولى، لان الانسان لا يحلف لاثبات الحق لغيره.

(والثانى)
أنه يحلف وهو الصحيح لانه باشر بالعقد فحلف كالوكيل في البيع، فإن بلغت المنكوحة قبل التحالف لم يحلف الولى، لانه لا يقبل إقراره عليها فلم يحلف، وهذا فيه نظر، لان الوكيل يحلف وإن لم يقبل إقراره وإن ادعت المرأة أنها تزوجت به يوم السبت بعشرين ويوم الاحد بثلاثين، وأنكر الزوج أحد العقدين، وأقامت المرأة البينة على العقدين وادعت المهرين قضى لها، لانه يجوز أن يكون تزوجها يوم السبت ثم خالعها، ثم تزوجها يوم الاحد، فلزمه المهران.
(الشرح) إذا اختلف الزوجان في قدر المهر بأن قال تزوجتك بمائة فقالت بل بمائتين أو في جنسه بأن قال تزوجتك على دراهم فقالت بل على دنانير، أو في عينه بأن قال: تزوجتك بهذه السيارة فقالت بل بهذه العمارة، أو في أجله بأن قال تزوجتك بمهر مؤجل فقالت بل بمهر حال ولا بينة لاحدهما تحالفا، وسواء كان اختلافهما قبل الدخول أو بعده، وبه قال الثوري

(16/380)


وقال مالك: إن كان الاختلاف قبل الدخول تحالفا وفسخ النكاح، وان كان بعد الدخول فالقول قول الزوج.
وقال النخعي وابن شبرمة وابن أبى ليلى وأبو يوسف: القول قول الزوج بكل حال، إلا أن أبا يوسف قال الا أن يدعى الزوح مهرا مستنكرا لا يزوح بمثله في العادة، فلا يقبل.
وقال أبو حنيفة ومحمد ان اختلفا بعد الطلاق فالقول قول الزوج، وان كان اختلافهما قبل الطلاق
فالقول قول الزوجه الا أن تدعى أكثر من مهر مثلها.
فيكون القول قولها في قدر مهر مثلها، وفى الزيادة القول قول الزوج مع يمينه.
دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وكل واحد من الزوجين مدعى عليه فكان عليه اليمين كالذى أجمع عليه كل مخالف فيها إذا ثبت هذا فالكلام في البادئ منهما وفى صورة التحالف بالبيع، وإذا تحالفا لم ينفسخ النكاح.
وقال مالك: ينفسخ.
دليلنا: أن أكثر ما فيه أن المهر يصير مجهولا، والجهل بالمهر لا يفسد النكاح عندنا، وقد مضى الدليل عليه، ويسقط المسمى لان كل واحد منهما قد حقق بيمينه ما حلف عليه، وليس أحدهما بأولى من الآخر فسقطا وهل يسقط ظاهرا وباطنا؟ أو يسقط في الظاهر دون الباطن، على الاوجه الثلاثة في البيع وهل ينفسخ بنفس التحالف أو بالفسخ، على ما مضى في البيع، وترجع المرأة إلى مهر مثلها سواء كان ذلك أكثر مما تدعيه أو أقل.
وقال أبو على بن خيران: ان كان مهر المثل أكثر مما تدعيه لم تستحق الزيادة وقال ابن الصباغ: ينبغى أن يقال: إذا قلنا.
ينفسخ في الظاهر دون الباطن لا تستحق الا أقل الامرين من مهر المثل أو ما تدعيه، والمشهور هو الاول، ولان بالتحالف سقط اعتبار المسمى فصار الاعتبار بمهر المثل، ويبطل ما قالاه بما لو كان مهر المثل أقل مما اعترف الزوح أنه تزوجها به، فانها لا تستحق أكثر من مهر مثلها، ولا يلزم الزوج ما اعترف به من الزيادة.
(مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: وهكذا الزوجة وأبو الصبية، وجملة ذلك أن الاب والجد إذا زوج الصغيرة أو المجنونة، واختلف الاب والجد في قدر

(16/381)


المهر والزوج، فهل يتحالفان؟ اختلف أصحابنا فمنهم من قال: يحلف الزوج
وتوقف يمين الزوجه إلى أن تبلغ أو تفيق، ولا يحلف الولى لان النيات لا تدخل في اليمين، وحمل النص على أنه أراد به العطف على قوله، وبدأت بيمين الزوج مع الكبيرة ثم مع أبى الصغيرة، وذهب أبو العباس وأبو إسحاق وأكثر أصحابنا إلى أن الاب والجد يحلفان مع الزوج على ظاهر قول الشافعي رحمه الله وهو الصحيح، لانه عاقد فحلف كما لو وكل رجل ببيع سلعة فاختلف هو والمشترى فانه يحلف، إذا ثبت هذا فإن التحالف بينهما إنما يتصور بشرطين.

(أحدهما)
إذا ادعى الاب والجد أنه زوجها بأكثر من مهر المثل، وادعى الزوج أنه انما تزوجها بمهر المثل، فأما إذا اختلفا في مهر المثل أو أقل منه فلا تحالف بينهما لانها إذا زوجها بأقل من مهر المثل ثبت لها مهر المثل.

(والثانى)
إذا كانت المنكوحة عند الاختلاف صغيرة أو مجنونة، فأما إذا بلغت أو أفاقت قبل التحالف فان عامة أصحابنا قالوا: لا يحلف الولى لانه لو أقر عنها بما يدعى الزوج لم يقبل في هذه الحاله بخلاف ما قبل البلوغ والافاقة، فانه لو أقر بما يدعى الزوج من مهر المثل قبل اقراره، وقال القاضى أبو الطيب والشيخ أبو إسحاق: يقبل حلف الولى، لان الوكيل يحلف وان لم يقبل اقراره فكذلك الولى ههنا.
(فرع)
إذا ادعت المرأة أنه عقد عليها النكاح يوم الخميس بعشرين ثم عقد عليها يوم الجمعه بثلاثين وأقامت على ذلك بينة وطلبت المهرين.
قال الشافعي رضى الله عنه: فهما لها، لانه يجوز أن يكون تزوجها يوم الخميس بعشرين ثم خالعها بعد الدخول ثم تزوجها وطلقها قبل الدخول ثم تزوجها فيلزمه المهران، فان قال الزوج: انما عقدت يوم الجمعة تكرارا وتأكيدا فالقول قولها مع يمينها لان الظاهر لزومها.
قال المزني: للزوج أن يقول: كان الفراق قبل النكاح الثاني قبل الدخول،
فلا يلزمه الا نصف الاول وجميع الثاني، لان القول قوله أنه لم يدخل في الاول قال أصحابنا: انما قصد الشافعي رحمه الله أن المهرين واجبان، فان ادعى سقوط نصف الاول بالطلاق قبل الدخول كان القول قوله، لان الاصل عدم الدخول

(16/382)


قال أصحابنا: وهكذا لو أقام بينة أنه باع من رجل هذا الثوب يوم الخميس بعشرة وأنه باعه يوم الجمعة بعشرين لزمه الثمنان لجواز أن يرحع إليه بعد البيع الاول أو هبته.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
وان اختلفا في قبض المهر فادعاه الزوج وأنكرت المرأة فالقول قولها، لان الاصل عدم القبض وبقاء المهر، وان كان الصداق تعليم سورة فادعى الزوج أنه علمها، وأنكرت المرأة فان كانت لا تحفظ السورة فالقول قولها لان الاصل عدم التعليم، وان كانت تحفظها ففيه وجهان.

(أحدهما)
أن القول قولها، لان الاصل أنه لم يعلمها.

(والثانى)
أن القول قوله، لان الظاهر أنه يعلمها لم غيره وان دفع إليها شيئا وادعى أنه دفعه عن الصداق وادعت المرأة أنه هدية، فان اتفقا على أنه لم يتلفظ بشئ، فالقول قوله من غير يمين لان الهدية لا تصح بغير قول، وان اختلفا في اللفظ فادعى الزوج أنه قال هذا عن صداقك، وادعت المرأة أنه قال: هو هدية فالقول قول الزوج، لان الملك له، فإذا اختلفا في انتقاله كان القول في الانتقال قوله كما لو دفع إلى رجل ثوبا فادعى أنه باعه، وادعى القابض أنه وهبه له.

(فصل)
وان اختلفا في الوطئ فادعته المرأة وأنكر الزوج فالقول قوله، لان الاصل عدم الوطئ فان أتت بولد يلحقه نسبه ففى المهر قولان
(أحدهما)
يجب لان الحاق النسب يقتضى وجود الوطئ
(والثانى)
لا يجب لان الولد يلحق
بالامكان والمهر لا يجب إلا بالوطئ والاصل عدم الوطئ.

(فصل)
وإن أسلم الزوجان قبل الدخول فادعت المرأة أنه سبقها بالاسلام فعليه نصف المهر وادعى الزوج أنها سبقته فلا مهر لها فالقول قول المرأة لان الاصل بقاء المهر، وإن اتفقا على أنه أحدهما سبق ولا يعلم عين السابق منهما، فإن كان المهر في يد الزوج لم يجز للمرأة أن تأخذ منه شيئا لانها تشك في الاستحقاق وإن كان في يد الزوجة رجع الزوج بنصفه لانه يتيقن استحقاقه ولا يأخذ من النصف الآخر شيئا، لانه شك في استحقاقه.

(16/383)


(الشرح) إذا ادعى الزوج أنه دفع الصداق إلى زوجته وأنكرت ولا بينة له فالقول قول الزوجة مع يمينها، وبه قال الشعبى وسعيد بن جبير وأهل الكوفة وابن شبرمة وابن أبى ليلى وأبو حنيفة وأصحابه، وقال مالك والاوزاعي: ان كان الاختلاف قبل الدخول فالقول قول الزوجة، وان كان بعد الدخول فالقول قول الزوج، وقال الفقهاء السبعة من أهل المدينة ان كان الاختلاف قبل الزفاف فالقول قولها، وان كان بعد الزفاف فالقول قوله، دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم البينه على المدعى واليمين على المدعى عليه، والمرأة مدعى عليها في جميع الحالات فكان القول قولها.
(فرع)
وان أصدقها تعليم سورة وادعى أنه قد علمها اياها وأنكرت، فإن كانت لا تحفظها فالقول قولها مع يمينها، لان الاصل عدم التعليم، وان كانت تحفظها ففيه وجهان، أحدهما: القول قولها لما ذكرناه، والثانى: القول قوله، لان الظاهر أنه قد علمها.
(فرع)
وان أصدقها ألف درهم فدفع إليها ألف درهم فقال دفعتها عن الصداق وقالت.
بل دفعتها هدية أو هبة، فإن اتفقا أنه لم يتلفظ بشئ فالقول قوله من
غير يمين، لان الهدية والهبة لا تصح بغير قول، وان اختلفا في قوله فقال قلت هذا عن الصداق، وقالت بل قلت، هذا هدية فالقول قوله لانه أعلم بقوله قال الشافعي ولو تصادقا أن الصداق ألف فدفع إليها ألفين فقال، ألف صداق، وألف وديعة، وقالت ألف صداق وألف هدية فالقول قوله مع يمينه، وله عندها ألف وديعة، وإذا أقرت أن قبضت منه شيئا فقد أقرت بمال له وادعت ملكه فالقول قوله في ماله.
(مسألة) وان ادعت المرأة أنه خلا بها وأصابها أو أصابها من غير خلوة فأنكر الزوج فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم الخلوة والاصابة وان صادقها على الخلوة والتمكن فيها من الاصابة وأنكر الاصابة فان قلنا انها ليست كالاصابة، فهل القول قوله أو قولها؟ فيه قولان، قال في القديم القول قولها لان الظاهر معها، وقال في الجديد القول قوله وهو الاصح، لان الاصل عدم الاصابة وما بقى من الفصول فهى ماضية على وجهها.

(16/384)


قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان أصدقها عينا ثم طلقها قبل الدخول، وقد حدث بالصداق عيب فقال الزوج: حدث بعد ما عاد إلى فعليك أرشه، وقالت المرأة: بل حدث قبل عوده اليك فلا يلزمنى أرشه فالقول قول المرأة، لان الزوج يدعى وقوع الطلاق قبل النقص والاصل عدم الطلاق والمرأة تدعى حدوث النقص قبل الطلاق والاصل عدم النقص فتقابل الامران فسقطا والاصل براءة ذمتها.

(فصل)
وإذا وطئ امرأة بشبهة أو في نكاح فاسد لزمه المهر لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) فان مسها فلها المهر
بما استحل من فرجها، فان أكرهما على الزنا وجب عليه المهر لانه وطئ سقط فيه الحد عن الموطوءة بشبهة، والواطئ من أهل الضمان في حقها، فوجب عليه المهر كما لو وطئها في نكاح فاسد فان طاوعته على الزنا نظرت فان كانت حرة لم يجب لها المهر، لِمَا رَوَى أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ البغى وحلوان الكاهن) وان كانت أمة لم يجب لها المهر على المنصوص للخبر، ومن أصحابنا من قال: يجب لان المهر حق للسيد فلم يسقط باذنها كأرش الجناية.

(فصل)
وان وطئ امرأة وادعت المرأة أنه استكرهها وادعى الواطئ أنها طاوعته ففيه قولان.
أحدهما: القول قول الواطئ لان الاصل براءة ذمته.
والثانى: القول قول الموطوءة، لان الواطئ متلف ويشبه أن يكون القولان مثبتين على القولين في اختلاف رب الدابة وراكبها ورب الارض وزارعها.

(فصل)
وان وطئ المرتهن الجارية المرهونة باذن الراهن وهو جاهل بالتحريم ففيه قولان.

(أحدهما)
لا يجب المهر لان البضع للسيد وقد أذن له في اتلافه فسقط بدله

(16/385)


كما لو أذن له في قطع عضو منها
(والثانى)
يجب لانه وطئ سقط عنه الحد للشبهة فوجب عليه المهر كما لو وطئ في نكاح فاسد، فإن أتت منه بولد ففيه طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كالمهر لانه متولد من مأذون فيه، فإذا كان في بدل المأذون فيه قولان كذلك وجب أن يكون في بدل ما تولد منه قولان.
وقال أبو إسحاق تجب قيمة الولد يوم سقط قولا واحدا لانها تجب بالاحبال ولم يوجد الاذن في الاحبال، والطريق الاول أظهر لانه وإن لم يأذن في الاحبال
الا أنه اذن في سببه.
(الشرح) حديث عائشة رواه أبو داود والسجستاني وأبو داود الطيالسي وابن ماجه والدارقطني والترمذي، وكذلك رواه الشافعي ومن طريق سليمان ابن موسى عن الزهري عن عروة عنها، وقد مضى الكلام على طرقه في ولاية النكاح.
أما حديث أبى مسعود البدرى وهو عقبة بن عمرو رضى الله عنه فقد أخرجه أصحاب الكتب الستة وأحمد والدارقطني، وقد ذكره في البيوع وغيرها من المجموع.
وأولى بالكلام من هذه الفصول أنه إذا أصدقها عينا وقبضتها ثم طلقها قبل الدخول ووجد في العين نقص فقد ذكرنا أن هذا النقص لا يلزمها أرشه، وان حدث بعد الطلاق فعليها أرشه، فاختلف الزوجان في وقت حدوثه، فقال الزوج حدث في يدك بعد عود النصف إلى إما بالطلاق على المنصوص أو بالطلاق واختيار التملك على قول ابى اسحاق، وقالت الزوجة بل حدث قبل ذلك فالقول قول الزوجة مع يمينها، لان الزوج يدعى وقوع الطلاق قبل حدوث القبض وهى تنكر ذلك، والاصل عدم الطلاق، والزوجة تدعى حدوث النقص قبل الطلاق والاصل عدم حدوث النقص، فتعارض هذان الاصلان وسقطا، وبقى أصل براءة ذمتها من الضمان، فكذلك كان القول قولها وبالله التوفيق.

(16/386)