المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

كتاب الايلاء

يصح الايلاء من كل زوج بالغ عاقل قادر على الوطئ، لقوله عز وجل " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر " وأما الصبى والمجنون فلا يصح الايلاء منهما لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق " ولانه قول يختص بالزوجية فلم يصح من الصبى والمجنون كالطلاق.
وأما من لا يقدر على الوطئ، فإن كان بسبب يزول كالمريض والمحبوس صح إيلاوه.
وان كان بسبب لا يزول كالمجبون والاشل ففيه قولان
(أحدهما)
يصح ايلاؤه لان من صح ايلاؤه إذا كان قادرا على الوطئ صح ايلاؤه إذا لم يقدر كالمريض والمحبوس
(والثانى)
قاله في الام لا يصح ايلاؤه لانه يمين على ترك ما لا يقدر عليه
بحال فلم يصح، كما لو حلف لا يصعد السماء.
ولان القصد بالايلاء أن يمنع نفسه من الجماع باليمين.
وذلك لا يصح ممن لا يقدر عليه، لانه ممنوع من غير يمين، ويخالف المريض والمحبوس لانهما يقدران عليه إذا زال المرض والحبس، فصح منهما المنع باليمين، والمجبوب والاشل لا يقدران بحال.
(الشرح) قوله تعالى " للذين يؤلون من نسائهم " الآ يه، معناه يحلفون، والمصدر ايلاء وألية وألوة وألوة وإلوة، وقرأ أبى وابن عباس: للذين يقسمون ومعلوم أن يقسمون تفسير يؤلون، وقرئ " للذين آلوا " يقال: آلى يؤلى ايلاء وتألى تأليا وائتلى ائتلاء أي حلف.
ومنه " ولا يأتل أولو الفضل منكم " كذا أفاده القرطبى وقال طرفة ابن العبد: فآليت لا ينفك كشحى بطانة
* لعضب رقيق الشفرتين مهند وقال في الجمع: قليل الالايا حافظ ليمينه
* وان سبقت منه الالية برءت

(17/288)


وقال آخر: فأليت لا أنفك أحدو قصيدة
* تكون واياها بها مثلا بعدى وفى الحديث " ومن يتأل على الله يكذبه " وقال ابن عباس: كان ايلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك يقصدون بذلك ايذاء المرأة عند المساءة، فوقت لهم أربعة أشهر.
وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله نساؤه النفقه مما ليس عنده.
كذا في الصحيحين وفى سنن الترمذي وابن ماجه " أن زينب ردت عليه هديته فغضب صلى الله عليه وسلم فآلى منهن " ويلزم الايلاء كل من يلزمه الطلاق، فالحر والعبد والسكران يلزمه الايلاء وكذلك السفيه والمولى عليه إذا كان بالغا عاقلا.
وكذلك الخصى إذا لم يكن مجبوبا
والشيخ إذا كان فيه بقية رمق ونشاط وجملة ذلك انه يصح الايلاء من كل زوج مكلف قادر على الوطئ.
وأما الصبى والمجنون فلا يصح ايلاؤهما، لان القلم مرفوع عنهما، ولانه قول تجب بمخالفته كفارة أو حق فلم ينعقد منهما كالنذر وأما العاجز عن الوطئ فإن كان لعارض مرجو زواله كالمرض والحبس صح ايلاؤه لانه يقدر على الوطئ فصح منه الامتناع منه، وان كان غير مرجو الزوال كالجب والشلل لم يصح ايلاؤه لانها يمين على ترك مستحيل فلم تنعقد، كما لو حلف أن لا يقلب الحجارة ذهبا، ولان الايلاء اليمين المانعة من الوطئ وهذا لا يمنعه يمينه فانه متعذر منه ولا تضر المرأة يمينه.
واختلف قول الشافعي في المجبوب فقال: ولا يلزم الايلاء الا زوجا صحيح النكاح.
فأما فاسد النكاح فلا يلزمه ايلاء.
وقال: وإذا آلى الخصى غير المجبوب من امرأته فهو كغير الخصى.
وهكذا لو كان مجبوبا قد بقى له ما يبلغ به من المرأة ما يبلغ الرجل حتى تغيب حشفته كان كغير الخصى في جميع أحكامه.
وأما إذا آلى الخصى المجبوب من أمرأته قيل له: فئ بلسانك لا شئ عليه غيره لانه ممن لا يجامع مثله، وانما الفئ الجماع، وهو ممن لا جماع عليه.
قال: ولو تزوج رجل

(17/289)


امرأة ثم آلى منها ثم خصى ولم يجب كان كالفحل، ولو جب كان له الخيار مكانها في المقام معه أو فراقة، فإن اختارت المقام معه قيل له: إذا طلبت الوقف ففئ بلسانك لانه ممن لا يجامع اه.
قال الربيع: إن اختارت فراقه فالذي أعرف للشافعي أنه يفرق بينهما، وإن اختارت المقام معه فالذي أعرف للشافعي أن امرأة العنين إذا اختارت المقام معه بعد الاجل أنه لا يكون لها خيار ثانية.
والمجبوب عندي مثله اه
قال القرطبى من المالكية وهو صاحب الجامع لاحكام القرآن: والاصح والاقرب إلى الكتاب والسنة القول بأنه لا يصح ايلاؤه، فإن الفئ، هو الذى يسقط اليمين: الفئ بالقول لا يسقطها والى عدم إيلائه ذهب المالكية والحنابله إلا أبا الخطاب فإنه قال: يحتمل أن يصح الايلاء منه قياسا على العاجز بمرض أو حبس.
وقال ابن قدامة: فأما الخصى الذى سلت بيضتاه أو رضت فيمكن منه الوطئ وينزل ماء رقيقا فيصح ايلاؤه.
وكذلك المجبوب الذى بقى من ذكره ما يمكن الجماع به وقالت الحنفية: إن عجز عن وطئها لجبة صح ايلاؤه، وفيؤه ان يقول: فئت إليها.
قال المصنف رحمه تعالى:
(فصل)
ولا يصح الايلاء بالله عزوجل، وهل يصح بالطلاق والعتاق والصوم والصلاة وصدقة المال، فيه قولان: قال في القديم: لا يصح لانه يمين بغير الله عزوجل، فلم يصح به الايلاء كاليمين بالنبي صلى الله عليه وسلم والكعبة وقال في الجديد يصح وهو الصحيح لانه يمين يلزمه بالحنث فيها حق، فصح به الايلاء كاليمين بالله عزوجل، فإذا قلنا بهذا فقال: ان وطئك فعبدي حر فهو مول.
وان قال: ان وطئتك فلله على أن أعتق رقبة فهو مول، وان قال: ان وطئتك فأنت طالق، أو امرأتي الاخرى طالق فهو مول وان قال ان وطئتك فعلى أن أطلقك أو أطلق امرأتي الاخرى لم يكن موليا، لانه لا يلزمه بالوطئ شئ وان قال: ان وطئتك فأنت زانية لم يكن موليا لانه لا يلزمه بالوطئ حق

(17/290)


لانه لا يصير بوطئها قاذذفا، لان القذف لا يتعلق بالشرط، لانه لا يجوز أن تصير زانية بوطئ الزوج كما لا تصير زانيه بطلوع الشمس، وإذا لم يصر قاذفا لم
يلزمه بالوطئ حق فلم يجز أن يكون موليا.
وان قال ان وطئتك فلله على صوم هذا الشهر لم يكن موليا، لان المولى هو الذى يلزمه بالوطئ بعد أربعة أشهر حق أو يلحقه ضرر، وهذا يقدر على وطئها بعد أربعة أشهر من غير ضرر يلحقه ولا حق يلزمه، لان صوم شهر مصى لا يلزمه، كما لو قال: ان وطئتك فعلى صوم أمس وان قال: ان وطئتك فسالم حر عن ظهارى وهو مظاهر فهو مول.
وقال المزني لا يصير موليا لان ما وجب عليه لا يتعين بالنذر، كما لو قال: ان وطئتك فعلى أن أصوم اليوم الذى على من قضاء رمضان في يوم الاثنين ا، وهذا خطأ لانه يلزمه بالوطئ حق وهو اعتاق هذا العبد وأما الصوم فقد حكى أبو على بن أبى هريرة فيه وجها آخر أنه يتعين بالنذر كالعتق.
والذى عليه أكثر اصحابنا وهو المنصوص في الام أنه لا يتعين.
والفرق بينهما أن الصوم الواجب لا تتفاضل فيه الايام، والرقاب تتفاضل أثمانها.
وان قال ان وطئتك فعبدي حر عن ظهارى ان ظاهرت، لم يكن موليا في الحال لانه يمكنه أن يطأها في الحال ولا يلزمه شئ، لانه يقف العتق بعد الوطئ على شرط آخر، فهو كما لو قال: ان وطئتك ودخلت الدار فعبدي حر، وان ظاهر منها قبل الوطئ صار موليا، لانه لا يمكه أن يطأها في مدة الايلاء الا بحق يلزمه فصار كما لو قال: ان وطئتك فعبدي حر
*
*
* (الشرح) من شروط الايلاء التى لا يصح الا بها أن يحلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته: ولا خلاف بين أهل العلم في أن الحلف بذلك ايلاء، لقوله صلى الله عليه وسلم " من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " فأما ان حلف على ترك الرطء بغير هذا، مثل ان حلف بطلاق أو عتاق

(17/291)


أو صدقة المال أو الحج أو الظهار، فعلى قوله في القديم (1) لا يكون موليا للحديث، وفى إحدى الروايتين عن أحمد كذلك، وقال ابن عباس: كل يمين منعت جماعا فهى إيلاء.
وهو قولها الشافعي في الجديد والرواية الاخرى عن أحمد، وذلك قال الشعبى والنخعي ومالك وأهل الحجاز والثوري وأبو حنيفة وأهل العراق وأبو ثور وابو عبيد وابن المنذر والقاضى ابو بكر بن العربي، لانها يمين منعت جماعها فكانت إيلاء كالحلف بالله ولان تعليق الطلاق والعتاق على وطئها حلف بدليل انه لو قال: متى حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: إن وطئتك فأنت طالق، طلقت في الحال.
وقال أبو بكر: كل يمين من حرام أو غيرها يجب بها كفارة يكون الحالف بها موليا.
وأما الطلاق والعتاق فليس الحلف به إيلاء لانه يتعلق به حق آدمى وما أوجب كفارة تعلق بها حق الله تعالى، والرواية الاولى هي المشهورة، لان إيلاء المطلق إنما هو القسم، ولهذا قرأ أبى وابن عباس، يقسمون " مكان يولون.
وروى عن ابن عباس في تفسير يولون قال " يحلفون بالله " قال ابن قدامة: والتعليق بشرط ليس بقسم، ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم ولا يجاب بجوابه ولا يذكره أهل العربية في باب القسم فلا يكون إيلاء، وإنما يسمى حلفا تجوزا لمشاركته القسم في المعنى المشهور وهو الحث على الفعل أو المنع منه أو توكيد الخبر، والكلام عند إطلاقه لحقيقته، ويدل على هذا قول الله تعالى " فإن فاءوا فان الله غفور رحيم " وإنما يدخل الغفران في اليمين بالله.
قلت: فإذا قلنا بقوله في الجديد أو بالرواية الاخرى لاحمد بن حنبل أو بما ثبت عن مالك قولا واحدا فلانه لا يكون موليا إلا أن يحلف بما يلزمه بالحنث
__________
(1) أخطأ القرطبى في تفسيره الجامع لاحكام القرآن إذ اختلط عليه قولا الشافعي فجعل قوله في الجديد مكان قوله في القديم والعكس فليحرر وذلك في الجزء الثالث بالصفحة 103 مطبوعة دار الكتب.

(17/292)


فيه حق.
كقوله: إن وطئتك فأن طالق أو فأنت على كظهر أمي أو فأنت على حرام أو فلله على صوم سنة أو الحج أو صدقة فهذا يكون ايلاء، لانه يلزمه بوطئها حق يمنعه من وطئها خوفه من وجوبه وان قال: إن وطئتك فأنت زانية لم يكن موليا لانه لا يلزمه بالوطئ حق، ولا يصير قاذقا بالوطئ، لان القذف لا يتعلق بالشرط، ولا يجوز بالشرط أن تصير زانية بوطئها لها كما لا زانية بطلوع الشمس.
وان قال: ان وطئتك فلله على صوم هذا الشهر لم يكن موليا لانه لو وطئها بعد مضيه لم يلزمه حق، فان صوم هذا الشهر لا يتصور بعد مضية فلا يلزم بالنذر كما لو قال: ان وطئتك فلله على صوم أمس.
وان قال: ان وطئتك فلله على أن أصلى عشرين ركعة كان موليا.
وقال أبو حنيفة: لا يكون موليا لان الصلاة لا يتعلق بها مال ولا تتعلق بمال فلا يكون الحالف بها موليا، كما لو قال: ان وطئتك فلله على أن أمشى في السوق.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: وإذا قال لامرأته مالى في سبيل الله تعالى أو على مشى إلى بيت الله أو على صوم كذا أو نحر كذا أو من الابل ان قربتك فهو مول لان هذا اما لزمه واما لزمته به كفارة يمين ثم قال: وان قال والكعبة أو عرفة أو والمشاعر أو وزمزم أو والحرم أو والمواقف أو الخنس أو والفجر أو والليل أو والنهار أو وشئ مما يشبه هذا لا أقر بك، لم يكن موليا، لان كل هذا خارج من اليمين، ولا يتبرر ولا حق
لآدمي يلزم حتى يلزمه القائل له نفسه.
(فرع)
قال الشافعي رضى الله عنه: وان قال: ان قربتك فأنت زانيه فليس بمول إذا قربها، وإذا قربها فليس بقاذف يحد حتى يحدث لها قذفا صريحا يحد به أو يلاعن، وهكذا ان قال: ان قربتك ففلانة - لامرأة له أخرى - زانية وقال رضى الله عنه: وان قال لامرأته: ان قربتك فعبدي فلان حر عن ظهارى - فان كان متظهرا - فهو مول ما لم يمت العبد أو يبعه أو يخرجه ملكه وان كان غير متظهر فهو مول في الحكم، لان ذلك اقرار منه بأنه متظهر.

(17/293)


وإن وصل الكلام فقال: إن قربتك فعبدي فلان حر عن ظهارى ان تظهرت لم يكن موليا (1) حتى يتظهر، فإذا تظهر والعبد في ملكه كان موليا لانه حلف حينئذ بعتقه.
اه (فرع)
قال الشافعي رضى الله عنه: ولو كان عليه صوم يوم فقال: لله على أن أصوم يوم الخميس عن اليوم الذى على لم يكن عليه صومه، لانه لم ينذر فيه بشئ يلزمه، وأن صوم يوم لازم له فأى يوم صامه أجزأ عنه، ولو صامه بعينه أجزأ عنه من الصوم الواجب لا من النذر.
هذا هو قول الشافعي الذى أشار إليه المصنف وعليه أكثر أصحابنا خلافا لها حكاه أبو على بن أبى هريرة وجها آخر انه يتعين بالنذر كالعتق.
وإن قال: إن وطئتك فأنت على كظهر أمي فإنه لا يقربها حتى يكفر.
وهكذا نص أحمد بن حنبل في تحريمها قبل التكفير.
وعليه أن يتربص مدة الايلاء، لانه لا يمكنه أن يطأها قبل مضى المدة ولو أدى كفارة الظهار وقال أحمد إذا واطأ في الايلاء زال حكم الايلاء وثبت الظهار وقد نوزع في هذا إذ كيف يكون مظاهر من واطأ قبل الكفارة وأجيب بأنه إذا وطئ ههنا صار مظاهرا
من زوجته وزال حكم الايلاء، ويحتمل انه أراد إذا وطئها مرة فقد ثبت الظهار فلا يطؤها مرة أخرى حتى يكفر لكونه صار بالوطئ مظاهر، إذ لا يصح تقدم الكفارة على الظهار لانه سببها، ولا يجوز تقديم الحكم على سببه
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ولا يصح الايلاء إلا على ترك الوطئ في الفرج، فإن قال والله لا وطئتك في الدبر لم يكن موليا، لان الايلاء هو اليمين التى يمنع بها نفسه من الجماع، والوطئ في الدبر ممنوع منه غير يمين، ولان الايلاء هو اليمين التى يقصد بها الاضرار بترك الوطئ، الذى يلحق الضرر بتركه هو الوطئ في الفرج.
__________
(1) وكذلك لا يكون موليا ان حلف بالنبي أو الملائكة أو الكعبة ألا يطأها أو قال هو يهودى أو زان ان وطئها.

(17/294)


وإن قال: والله لا وطئتك فيما دون الفرج لم يكن موليا، لانه لا ضرر في ترك الوطئ فيما دون الفرج،
(فصل)
وإن قال والله لا أنيكك في الفرج، أو والله لا أغيب ذكرى في فرجك، أو والله لا أفتضك بذكرى، وهى بكر، فهو مول في الظاهر والباطن لانه صريح في الوطئ في الفرج وان قال: والله لا جامعتك أو لا وطئتك فهو مول في الحكم لان اطلاقه في العرف يقتضى الوطئ في الفرج.
وان قال أردت بالوطئ وطئ القدم وبالجماع الاجتماع بالجسم دين فيه لانه يحتمل ما يدعيه.
وان قال والله لا أفتضك ولم يقل بذكرى ففيه وجهان:
(أحدهما)
أنه صريح كالقسم الاول
(والثانى)
انه صريح في الحكم كالقسم الثاني، لانه يحتمل الافتضاض بغير ذكره
وإن قال والله لا دخلت عليك، أو لا تجتمع رأسي ورأسك، أو لا جمعنى وإياك بيت فهو كناية، فإن نوى به الوطئ في الفرج فهو مول، وان لم تكن له نية فليس بمول، لانه يحتمل الجماع وغيره، فلم يحمل على الجماع من غير نية كالكنايات في الطلاق.
وان قال والله لا باشرتك ولا مسستك أو لا أفضى اليك ففيه قولان، قال في القديم هو مول لانه ورد به القرآن بهذه الالفاظ والمراد بها الوطئ، فان نوى به غير الوطئ دين لانه يحتمل ما يدعيه.
وقال في الجديد: لا يكون موليا الا بالنية لانه مشترك بين الوطئ وغيره فلم يحمل على الوطئ من غير نية، كقوله لا اجتمع رأسي ورأسك.
واختلف أصحابنا في قوله لا أصيبك أو لا لمستك أو لا غشيتك أو لا باضعتك فمنهم من قال هو كقوله لا باشرتك أو لا مسستك فيكون على قولين.
ومنهم من قال: هو كقوله: لا اجتمع رأسي ورأسك، فإن نوى به الوطئ في الفرج فهو مول، وان لم يكن له نيه فليس بمول.
وان قال: والله لا غيبت الحشفة في الفرج فهو مول، لان تغييب ما دون الحشفة ليس بجماع ولا يتعلق به أحكام الجماع، فصار كما لو قال والله لا وطئتك وان قال: والله لا جامعتك الا جماع سوء، فان أراد به لا جامعتك الا في الدبر

(17/295)


أو فيما دون الفرج فهو مول، لانه منع نفسه من الجماع في الفرج في مدة الايلاء وإن أراد به لا جامعتك إلا جماعا ضعيفا لم يكن موليا، لان الجماع الضعيف كالقوى في الحكم فكذلك في الايلاء (الشرح) قوله: لا اقتضك بالقاف هو جماع البكر والقضة بالكسر جماع الجارية، أفاده ابن بطال.
وقال في المصباح شرح غريب الجامع الكبير للرافعي: قضضت الخشبة قضا من باب قتل ثقبتها.
ومنه القضة بالكسر وهى البكارة.
يقال اقتضضتها إذا أزلت قضتها، ويكون الاقتضاض قبل البلوغ وبعده.
وأما ابتكرها واختصرها وابتسرها بمعنى الاقتضاض، فالثلاثة مختصة بما قبل البلوغ، وكما هو معروف من اللغة من حيث تقارب المعنى حين تتقارب مخارج الحروف وتتجاور في نطقها رأينا أن الافتضاض بالفاء كالاقتضاض بالقاف من فصضت الحتم فضا من باب قتل كسرته، وفضضت البكارة أزلتها على التشبيه بالختم.
قال الفرزدق: فبتن بجانبى مصرعات
* وبت أفض أغلاق الختام مأخوذ فضضت اللؤلوة إذا خرقتها، وفض الله فاه نثر أسنانه، وفضضت الشئ فضا فرقته فانقض، وفى التنزيل " لا نفضوا من حولك " وقوله " لا باضعتك " قال ابن الصابغ: قال أبو حنيفة: هو مشتق من البضع وهو الفرح فيكون صريحا، ويحتمل أن يكون من النقاء البضعة من البدن بالبضعة منه، والبضعة القطعة من اللحم.
ومنه الحديث: فاطمة بضعة منى، وقيل البضع هو الاسم من باضع إذا جامع أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولا يلزمه الايلاء حتى يصرح بأحد أسماء الجماع التى هي صريحة.
وذلك: والله لا أطؤك، أو والله لا أغيب ذكرى في فرجك، أو لا أدخله في فرجك، أو لا أجامعك.
أو يقول إن كانت عذراء: والله لا أقتضك (بالقاف) أو لافتضك (بالفاء) أو ما في هذا المعنى.
فإن قال هذا فهو مول في الحكم، وإن قال لم أرد به الجماع نفسه كان مدينا بينه وبين الله تعالى ولم يدين في الحكم.

(17/296)


قال الشافعي رضى الله عنه: وان قال والله لا أباشرك أو والله لا أباضعك
أو والله لا ألامسك أو لا أرشفك أو ما أشبه هذا، فإن أراد الجماع نفسه فهو مول، وان لم يرده فهو مدين في الحكم والقول فيه قوله، ومتى قلت: القول قوله فطلبت يمينه أحلفته لها فيه اه قلت: مقتضى هذا أنه إذا قال: والله لا وطئتك في الدبر لم يكن موليا لانه لم يترك الوطئ الواحب عليه، ولا تتضرر المرأة بتركه، وانما هو وطئ محرم، وقد أكد منع نفسه منه بيمينه.
وان قال: والله لا وطئتك دون الفرج لم يكن موليا لانه لم يحلف على الوطئ الذى يطالب به في الفيئة ولا ضرر على المرأة في تركه.
وان قال والله لا جامعتك الا جماع سوء، فقد قال الشافعي رضى الله عنه ولو قال والله لا أجامعك إلا جماع سوء، فإن قال عنيت لا أجامعك الا في دبرك فهو مول والجماع نفسه في الفرج لا في الدبر.
ولو قال عنيت لا أجامعك الا بأن لا أغيب فيك الحشفة فهو مول، لان الجماع الذى له الحكم انما يكون بتغييب الحشفة.
وان قال عنيت لا أجامعك الا جماعا قليلا أو ضعيفا أو متقطعا أو ما أشبه هذا فليس بمول اه إذا ثبت هذا فانه إذا قال: والله لا جامعتك الا جماع سوء سئل عما أراد، فان قال أردت الجماع في الدبر فهو مول، لانه حلف على ترك الوطئ في الفرج، وكذلك إذا قال أردت أن لا أطأها الا دون الفرج.
وان قال أردت جماعا ضعيفا لا يزيد على النقاء الختانين لم يكن موليا، لانه يمكنه الوطئ الواجب عليه في الفيئة بغير حنث.
وان قال: أردت وطئا لا يبلغ التقاء الختانين فهو مول، لانه يمكنه الوطئ الواجب عليه في الفيئة بغير حنث، وان لم تكن له نية فليس بمول، لانه محتمل فلا يتعين ما يكون به موليا وان قال والله لا جامعتك جماع سوء فقد قال الشافعي رضى الله عنه: وان قال والله لا أجامعك في دبرك فهو محسن غير مول لان الجماع
في الدبر لا يجوز، وكذلك ان قال والله لا أجامعك في كذا من جسدك غير

(17/297)


الفرج لا يكون موليا إلا بالحلف على الفرج، أو الحلف مبهما فيكون ظاهره الجماع على الفرج اه وجملة ذلك انه إذا قال: والله لا جامعتك جماع سوء لم يكن موليا بحال لانه لم يحلف على ترك الوطئ وإنما حلف على ترك صفته المكروهة، إذا ثبت هذا فإن الالفاظ التى يكون بها موليا تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الاول ما هو صريح في الحكم والباطن جميعا، وهو ألفاظ ثلاث وهى: والله لا أنيك، ولا أدخل أو لا أغيب أو لا أولج ذكرى في فرجك، ولا اقتضضتك للبكر خاصة، فهذه صريحة، ولا يدين فيها لانها لا تحتمل غير الايلاء.
أما إذا قال للثيب: والله لا أقتضك بالقاف ولم يقل بذكرى ففيه وجهان:
(أحدهما)
أنه صريح كالقسم الاول هذا، والثانى أنه صريح في الحكم كالقسم الثاني، وسيأتى.
القسم الثاني: صريح في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، وهو عشرة ألفاظ: لا وطئتك، ولا جامعتك، ولا أصبتك، ولا باشرتك، ولا مسستك ولا قربتك، ولا أتيتك، ولا باضعتك، ولا باعلنك، ولا اغتسلت منك، فهذه صريحة في الحكم لانها تستعمل في العرف في والوطئ، وقد ورد القرآن ببعضها فقال تعالى " ولا تقربوهن حتى يطهرهن، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ " وقال " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " وقال " من قبل أن تمسوهن " وأما الجماع والوطئ فهما أشهر الالفاظ في الاستعمال، فلو قال أردت بالوطئ الوطئ بالقدم، وبالجماع أجتماع الاجسام، وبالاصابة الاصابة باليد، دين فيما
بينه وبين الله تعالى ويقبل في الحكم، لانه خلاف الظاهر والعرف، وقد أختلف قول الشافعي فيما عدا الوطئ والجماع من هذه الالفاظ، يقال في الجديد ليس بصريح في الحكم لانه حقيقة في غير الجماع وقال في قوله: لا باضعتك ليس بصريح لانه يحتمل أن يكون من التقاء البضعتين، البضعة من البدن بالبضعة منه، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فاطمة بضعة منى " وقال في القديم: هو مول لانها الفاظ وردت في القرآن مرادا بها الجماع.

(17/298)


قال أصحاب أحمد: انه مستعمل في الوطئ عرفا، وقد ورد به القرآن والسنة فكان صريحا كلفظ الوطئ والجماع.
وكونه حقيقة في غير الجماع يبطل بلفظ الوطئ والجماع، وكذلك قوله باضعتك فإنه مشتق من البضع في غير الوطئ فهو أولى أن يكون صريحا من سائر الالفاظ لانها تستعمل في غيره، وبهذا قال أبو حنيفة.
القسم الثالث: ما لا يكون أيلاء الا بالنية وهو ما عدا هذه الالفاظ مما يحتمل الجماع كقوله: والله لا يجمع رأسي ورأسك شئ، لا ساقف رأسي رأسك، لاسوءنك، لاغيظنك، لطولن غيبني عنك، لا مس جلد جلدك، لا قربت فراشك، لا أويت معك، لا نمت عندك، فهذه ان أراد بها الجماع واعترف بذلك كان مؤليا وإلا فلا، لان هذه الالفاظ ليست ظاهرة في الجماع كظهور التى قبلها ولم يرد النص باستعمالها فيه، إلا أن هذه الالفاظ منقسمة إلى ما يفتقر فيه إلى نية الجماع والمدة معا.
وهى قوله لاسوأنك أو لاغيظنك أو لتطولن غيبتى عنك فلا يكون موليا حتى ينوى ترك الجماع في مدة تزيد على أربعة أشهر، لان غيظها يكون بترك الجماع فيما دون ذلك، وفى سائر هذه الالفاظ يكون موليا بنية الجماع فقط.
وإن قال: والله ليطولن تركي لجماعك أو لوطئك أو لاصابتك فهذا صريح في ترك الجماع وتعتبر نية المدة دون نية الوطئ على ما سيأتي.
وأن قال: والله لا أدخلت جميع ذكرى في فرجك لم يكن موليا، لان الوطئ الذى بحصل به الفئ يحصل بدون إيلاج جميع الذكر.
وإن قال والله لا أولجت حشفتي في فرجك كان موليا، لان الفيئة لا تحصل بدون ذلك.
قال الشافعي رضى الله عنه: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريح عن عطاء قال: الايلاء أن يحلف بالله على الجماع نفسه، وذلك أن يحلف لا يمسها فأما أن يقول: لا أمسك ولا يحلف، أو يقول قولا غليظا ثم يهجرها فليس ذلك بإيلاء.

(17/299)


قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ولا يصح الايلاء إلا في مدة تزيد على أربعة أشهر حرا كان الزوج أو عبدا، حرة كانت الزوجة أو أمة، فإن آلى على ما دون أربعة أشهر لم يكن موليا لقوله عزوجل: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فدل على أنه لا يصير بما دونه موليا، ولان الضرر لا يتحقق بترك الوطئ فيما دون أربعه أشهر، والدليل عليه ما روى أن عمر رضى الله عنه كان يطوف ليلة في المدينة فسمع امرأة تقول: ألا طال هذا الليل وازور جانبه
* وليس إلى جنبى حليل ألاعبه فو الله لولا الله لا شئ غيره
* لزعزع من هذا السرير جوانبه مخافة ربى والحياء يكفنى
* وأكرم بعلى أن تغال مراكبه فسأل عمر رضى الله عنه النساء كم تصبر المرأة عن الزوج؟ فقلن شهرين وفى الثالث يقل الصبر وفى الرابع يفقد الصبر، فكتب عمر إلى أمراء الاجناد أن
لا تحبسوا الرجل عن امرأته أكثر من أربعة أشهر.
وإن آلى على أربعة أشهر لم يكن موليا، لان المطالبة بالفيئة أو الطلاق بعد أربعة أشهر، فإذا آلى على أربعة أشهر لم يبق بعدها إيلاء فلا تصح المطالبة من غير إيلاء
(فصل)
وإن قال: والله لا وطئتك فهو مول، لانه يقتضى التأبيد.
وإن قال والله لا وطئتك مدة، أو والله ليطولن عهدك بجماعي، فإن أراد مدة تزيد على أربعة أشهر فهو مول، وإن لم يكن له نية لم يكن موليا، لانه يقع على القليل والكثير فلا يجعل موليا من غير نية.
وان قال: والله لا وطئتك خمسة أشهر فإذا مضت فو الله لا وطئتك سنة: فهما ايلاءان في زمانين لا يدخل أحدهما في الآخر فيكون موليا في كل واحد منهما لا يتعلق أ؟ ؟ هما بالاخر في حكم من أحكام الايلاء، وإذا تقضى حكم أحدهما بقى حكم الاخر لانه أفردت كل واحد منهما في زمان فانفرد كل واحدة منهما عن الاخر؟ ؟ ؟ ؟ وان قال: والله لا وطئتك خمسة أشهر، ثم قال والله لا وطئتك سنة دخلت المدة الاولى في الثانية، كما إذا قال: له على مائه ثم قال: له على ألف دخلت

(17/300)


المائه في الالف فيكون ايلاء واحدا إلى سنة بيمين، فيضرب لهما مدة واحدة، ويوقف لهما وقفا واحدا، فإن وطئ بعد الخمسة الاشهر حنث في يمين واحدة فيجب عليه كفارة واحدة، وان وطئ في الخمسة الاشهر حنث في يمينين فيجب عليه في أحد القولين كفارة، وفى الثاني كفارتان وان قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فو الله لا وطئتك أربعة أشهر.
ففيه وجهان
(أحدهما)
وهو الصحيح انه ليس بمول، لان كل واحد من الزمانين أقل من مدة الايلاء
(والثانى)
انه مول لانه منع نفسه من وطئها ثمانية أشهر فصار كما لو جمعها في يمين واحدة
(الشرح) قوله تعالى " تربص أربعة أشهر " التربص التأني والتأخر مقلوب التصبر.
قال الشاعر: تربص بها ريب المنون لعلها
* تطلق يوما أو يموت حليلها قال القرطبى: وأما فائدة توقيت الاربعة الاشهر فيما ذكر ابن عباس عن أهل الجاهلية (وقد تقدم قوله في أول هذه الفصول) فمنع الله من ذلك وجعل للزوج مدة أربعة أشهر في تأديب المرأة بالهجر، لقوله تعالى " واهجروهن في المضاجع " وقد إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أزواجه شهرا تأديبا لهن، وقد قيل الاربعة الاشهر هي التى لا تستطيع ذات الزوج أن تصبر عنه أكثر منها، وقد رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يطوف ليلة بالمدينة فسمع امرأة تنشد - ثم ساق القصة التى أوردها المصنف.
ولا أرى لهذه القصة سندا قويا، ولان هذا من الامور التى تعم بها البلوى وتوقيت مدة الغزو بأربعة أشهر قد يقتضى عودة جيش برمته من جبهة العدو، وقد يكون الجيش متقدما أو في حالة التحام واشتباك، الامر الذى لا يمكن معه نفاذ هذا العمل واجراؤه، ثم انه لو أجرى عمر هذا لصار من سنن الجهاد وآدبه لان اقرار الصحابة له اجماع متبع، ولم يثبت عن أحد من الصحابة أو التابعين من العمال والولاة والخلفاء من صنع هذا، الا أن هذا الاثر قد اشتهر عند الفقهاء فقد أورده ابن قدامه من الحنابله، وأورده القرطبى من المالكية في تفسيره،

(17/301)


كما أورده المصنف هنا، إلا أنه لم يورده أصحاب الصحاح ولا السنن، ويبدو أن مصدره أصحاب المغازى وليسوا بثقات أما الاحكام فإن هذا شرط من شروط الايلاء وهو أن يحلف على ترك الوطئ أكثر من أربعة أشهر، وهذا قول ابن عباس وطاوس وسعيد بن جبير
ومالك والاوزاعي وأحمد بن حنبل وأبى ثور وأبى عبيد وقال عطاء والثوري وأصحاب الرأى: إذا حلف على أربعة أشهر فما زاد كان موليا.
وحكى ذلك القاضى أبو الحسين رواية عن احمد، لانه ممتنع من الوطئ باليمين أربعة أشهر فكان مؤليا، كما لو حلف على ما زاد.
وقال النخعي وقتادة وحماد وابن ابى ليلى وأسحاق: من حلف على ترك الوطئ في قليل من الاوقات أو كثير وتركها أربعة أشهر فهو مول، لقوله تعالى " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر " وهذا مؤل، فإن الايلاء الحلف وهذا حالف دليلنا أنه لم يمنع نفسه الوطئ باليمين أكثر من أربعة أشهر فلم يكن مؤليا، كما لو حلف على ترك قبلتها والآية حجة عليهم لانه جعل له لتربص أربعة أشهر فإذا حلف على اربعة أشهر أو ما دونها فلا معنى للتربص لان مدة الايلاء تنقضي قبل ذلك ومع انقضائه تقدير التربص بأربعة أشهر يقتضى كونه في مدة تناولها الايلاء، ولان المطالبة إنما تكون بعد أربعة أشهر، فإذا انقضت المدة بأربعة فما دون لم تصح المطالبة من غير إيلاء، وأبو حنيفة ومن وافقه بنوا ذلك على قولهم في الفيئة إنها تكون في مدة الاربعة اشهر، وظاهر الايه خلافه، لقوله تعالى " تربص أربعة أشهر فإن فاءوا " فعقب الفئ عقيب التربص بفاء التعقيب فيدل على تأخرها عنه.
إذا ثبت هذا فقد حكى عن ابن عباس أن المؤلى من يحلف على ترك الوطئ أبدا أو مطلقا، لانه إذا حلف على ما دون ذلك أمكنه التخلص بغير حنث فلم يكن مؤليا، كما لو حلف لا وطئها في مدينة بعينها.
ولنا أنه لا يمكنه التخلص بعد التربص من يمينه بغير حنث فأشبه المطلقة، بخلاف اليمين على مدينه معينة فإنه يمكن التخلص بغير حنث قال الشافعي رضى الله عنه: وكذلك لو قال لها: والله لا أقربك خمسة أشهر

(17/302)


ثم قال في يمين اخرى: لا اقربك ستة أشهر وقف وقفا واحدا وحنث إذا بجميع الايمان.
وإن قال والله لا أقربك اربعة اشهر أو اقل ثم قال: والله لا اقربك خمسة اشهر كان موليا بيمينه لا يقربها خمسة اشهر وغير مول باليمين التى دون اربعة اشهر، واربعة اشهر وقال الشافعي: ولو كانت يمينه على اكثر من اربعة اشهر واربعة اشهر وتركت وقفه عند الاولى والثانية، كان لها وقفه ما بقى عليه من الايلاء شئ.
لانه ممنوع من الجماع بعد اربعة اشهر بيمين.
قال: ولو قال لها: لا اقربك خمسة اشهر ثم قال: غلامي حر إن قربتك إذا مضت الخمسة الاشهر، فتركته حتى مضت خمسة اشهر أو اصابها فيها، خرج من حكم الايلاء، فيها، فإن طلبت الوقف لم يوقف لها حتى تمضى الخمسة الاشهر من الايلاء الذى اوقع آخرا ثم اربعة اشهر بعده ثم يوقف.
اه (مسأله) فإن قال: والله لا وطئتك فهو ايلاء، لانه قول يقتضى التأبيد.
وان قال: والله لا وطئتك مدة أو ليطولن تركي لجماعك - ونوى مدة تزيد على اكثر من اربعة اشهر فهو ايلاء، لان اللفظ يحتمله فانصرف إليه بنيته، وان نوى مدة قصيرة لم يكن ايلاء لذلك، وان لم ينو شيئا لم يكن إيلاء لانه يقع على القليل والكثير فلا يتعين للكثير.
فإن قال: والله لا وطئتك اربعة اشهر فإذا مضت فو الله لا وطئتك اربعة اشهر، أو فإذا مضت فو الله لا وطئتك شهرين أو لا وطئتك شهرين فإذا مضت فو الله لا وطئتك أربعة أشهر فقيه وجهان
(أحدهما)
ليس بمول لانه حالف بكل يمين على مدة ناقصة عن مدة الايلاء فلم يكن موليا، كما لو لم ينو إلا مدتهما ولانه يمكنه الوطئ بالنسبه إلى كل يمين عقيب مدتها من غير حنث فيها فأشبه ما لو اقتصر عليها قال المصنف: وهذا الوجه هو الصحيح

(والثانى)
يصير موليا لانه منع نفسه من الوطئ بيمينه أكثر من أربعة أشهر متواليه فكان موليا، كما لو منعها بيمين واحدة، ولانه لا يمكنه الوطئ بعد المدة الا بحنث في يمينه فأشبه ما لو حلف على ذلك بيمين واحدة، ولم يكن

(17/303)


هذا إيلاء أفضى إلى أن يمنع من الوطئ طول دهره باليمنى، فلا يكون موليا، وهذا الحكم في كل مدتين متوليتين يزيد في مجموعها على أربعة كثلاثة أشهر وثلاثة أو ثلاثة وشهرين لما ذكرنا من التعليلين، وبكل ما قلنا قال أحمد وأصحابنا.
(فرع)
فإن قال: والله لا وطئتك عاما ثم قال: والله لا وطئك عاما.
فهو إيلاء واحد حلف عليه يمينين، إلا أن ينوى عاما آخر سواه وإن قال: والله لا وطئتك عام ثم قال: والله لا وطئتك نصف عام، أو قال: والله لا وطئتك نصف عام ثم قال: والله لا وطئتك عام دخلت المدة القصيرة في الطويلة لانها بعضها، ولم يجعل إحداهما بعد الاخرى، فأشبه ما لو أقر بدينار ثم أقر بنصف دينار، أو أقر بنصف دينار ثم أقر بدينار فيكون إيلاء واحدا لهما وقت واحد وكفارة واحدة.
وإن نوى بإحدى المدتين غير الاخرى في هذه أو في التى قبلها، أو قال والله لا وطئتك عام ثم قال: والله لا وطئتك عاما آخر أو نصف عام آخر، فهما أيلاءان في زمانين لا يدخل حكم أحدهما في الاخر، أحدهما منجز والاخر متأخر، فإذا مضى حكم أحدهما بقى حكم الاخر لانه أفرد كل واحد منهما بزمن غير زمن صاحبه، فيكون له حكم ينفرد به (فرع)
فإن قال في المحرم: لا وطئتك هذا العام، ثم قال: والله لا وطئتك عاما من رجب إلى تمام اثنى عشر شهر أو قال في المحرم: والله لا وطئتك عاما، ثم قال في رجب: والله لا وطئتك عاما فهما ايلاءان في مدتين بعض احداهما
داخل في الاخرى، فإن فاء فاء في رجب أو فيما بعده من بقية العام الاول حنث في اليمينين وتجزئه كفارة واحدة وينقطع حكم الايلاءين وان فاء قبل رجب أو بعد العام الآول حنث في احدى اليمينين دون الاخرى، وان فاء في الموضعين حنث في اليمينين وعليه كفارتان.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان قال ان وطئتك فو الله لا وطئتك، ففيه قولان: قال في القديم: يكون موليا في الحال، لان المولى هو الذى يمتنع من الوطئ خوف

(17/304)


الضرر، وهذا يمتنع من الوطئ خوفا من أن يطأها فيصير موليا، فعلى هذا إذا وطئها صار موليا وذلك ضرر.
وقال في الجديد: لا يكون موليا في الحال، لانه يمكنه أن يطأها من غير ضرر يلحقه في الحال فلم يكن موليا، فعلى هذا إذا وطئها صار موليا لانه يبقى يمين يمنع الوطئ على التأبيد.
وإن قال والله لا وطئتك في السنة إلا مرة صار موليا في قوله القديم، ولا يكون موليا في الحال في قوله الجديد، فإن وطئها نظرت - فإن لم يبق من السنة أكثر من أربعة أشهر - لم يكن موليا، وإن بقى أكثر من أربعة أشهر صار موليا، (الشرح) فإن قال: والله لا وطئتك، لم يكن موليا في الحال على قوله في الجديد لانه لا يلزمه بالوطئ حق، لكن إن وطئها صار مولى لانها تبقى يمينا تمنع الوطئ على التأبيد، وبهذا قال أحمد وأصحابه، لان يمينه معلقة بشرط ففيما قبله ليس بحالف فلا يكون موليا، ولانه يمكنه الوطئ من غير حنث فلم يكن موليا كما لو لم يقل شيئا وكونه يصير موليا لا يلزمه به شئ، وإنما يلزمه بالحنث ولو قال: والله لا وطئتك في السنة إلا مرة لم يصر موليا في الحال، لانه
يمكنه الوطئ متى شاء بغير حنث فلم يكن ممنوعا من الوطئ بحكم يمينه، فإذا وطئها وقد بقى من السنة أكثر من أربعة اشهر صار موليا.
وهذا قول أبى ثور وأصحاب الرأى، وظاهر مذهبه في القديم يكون موليا في الابتداء، وكذلك في التى قبلها يكون موليا من الاول، لانه لا يمكنه الوطئ الا بأن يصير موليا فيلحقه بالوطئ ضرر.
وكذلك على هذا القول ان قال: إن وطئتك فو الله لا دخلت الدار كان موليا من الاول، فان وطئها انحل الايلاء، لانه لم يبق ممتنعا من وطئها بيمين ولا غيرها، وإنما بقى ممتنعا باليمين من دخول الدار، وقد سبق أن أجبنا على ذلك بقوله في الجديد.
وإن قال: والله لا وطئتك سنة إلا يوما فهو مثله، وبهذا قال أبو حنيفة، لان اليوم منكسر فلم يختص يوما دون يوم.
ولذلك لو قال: صمت رمضان إلا يوما، لم يختص اليوم الآخر.

(17/305)


ولو قال لا أكلمك في السنة الا يوما لم يختص يوما منها، وعلى القول الاخر عندنا - وهو وجه عند الحنابلة - أنه يصير موليا في الحال، وهو قول زفر، لان اليوم المستثنى يكون من آخر المدة كالتأجيل ومدة الخيار، بخلاف قوله: لا وطئتك في السنة إلا مرة، فان المرة لا تختص وقتا بعينه، ومن نصر القول الاول فرق بين هذا وبين التأجيل ومدة الخيار من حيث ان التأجيل ومدة الخيار تجب الموالاة فيهما، ولا يجوز أن يتخللهما يوم لا أجل فيه ولا خيار، لانه لو جازت له المطالبة في أثناء الاجل لزم قضاء الدين فيسقط التأجل بالكلية، ولو لزم العقد في أثناء مدة الخيار لم يعد إلى الجواز فتعين جعل اليوم المستثنى من آخر المدة بخلاف ما نحن فيه، فان جواز الوطئ في يوم من أول السنة أو أوسطها لا يمنع ثبوت حكم اليمين فيما بقى من المدة، فصار كقوله: لا وطئتك في
السنة إلا مرة، وقد حدد الشافعي في قوله الجديد المدة الباقية إذا وطئها ولم يبق من السنة أكثر من أربعة أشهر لم يكن موليا والا صار موليا
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان علق الايلاء على شرط يستحيل وجوده - بأن يقول: والله لا وطئتك حتى تصعدى إلى السماء أو تصافحي الثريا - فهو مول، لان معناه لا وطئتك أبدأ.
وان على ما لا يتيقن أنه لا يوجد إلا بعد أربعة أشهر، مثل أن يقول: والله لا وطئتك إلى يوم القيامة، أو إلى أن أخرج من بغداد إلى الصين وأعود، فهو مول، لان القيامة لا تقوم الا في مدة تزيد على أربعة أشهر، لان لها شرائط تتقدمها، ونتيقن أنه لا يقدر أن يخرج من بغداد إلى الصين ويعود الا في مدة تزيد على أربعة أشهر وان علق على شرط الغالب على الظن أنه لا يوجد الا في الزيادة على أربعة أشهر، مثل أن يقول: والله لا وطئتك حتى يخرج الدجال، أو حتى يجئ زيد من خراسان.
ومن عادة زيد ان لا يجئ الا مع الحاج، وقد بقى على وقت عادته زيادة عن أربعة أشهر، فهو مول لان الظاهر أنه لا يوجد شئ من ذلك الا في مدة تزيد على أربعة أشهر.

(17/306)


وإن علق على أمر يتيقن وجوده أربعة أشهر، مثل أن يقول: والله لا وطئتك حتى يذبل هذا البقل أو يجف هذا الثوب، فليس بمول، لانا نتيقن أن ذلك يوجد قبل أربعة أشهر، واعلقه على الامر الغالب على الظن انه يوجد قبل أربعة أشهر، مثل أن يقول والله لا وطئتك حتى يجئ زيد من القرية، وعادته أنه يجئ في كل جمعة لصلاة الجمعة، أو لحمل الحطب لم يكن موليا لان الظاهر انه يوجد قبل مدة الايلاء وان جاز ان يتأخر لعارض.
وان
قال والله لا وطئتك حتى أموت أو تموتي فهو مول، لان الظاهر بقاؤهما، وان قال والله لا وطئتك حتى يموت فلان فهو مول، ومن أصحابنا من قال ليس بمول والصحيح هو الاول لان الظاهر بقاؤه، ولانه لو قال: إن وطئك فعبدي حر كان موليا على قوله الجديد، وان جاز أن يموت العبد قبل أربعة اشهر.

(فصل)
وان قال والله لا وطئتك في هذا البيت لم يكن موليا لانه يمكنه ان يطأها من غير حنث، ولانه لا ضرر عليها في ترك الوطئ في بيت بعينه، وان قال والله لا وطئتك الا برضاك لم يكن موليا لما ذكرناه من التعليلين، وان قال والله لا وطئتك ان شئت فقالت في الحال شئت، كان موليا، وان أخرت الجواب لم يكن موليا على ما ذكرناه في الطلاق.
(الشرح) إذا علق الايلاء بشرط يستحيل وقوعه - وضرب المصنف امثلة لما يستحيل من ذلك - كقوله حتى تصعدى السماء، والصعود إلى السماء اليوم ليس مستحيلا بوسائل الطيران الذى بلغت سرعة ارتفاعه إلى اعلا مئات الالوف من الاقدام، وسرعة مسيرته اسبق من الصوت، فانك ترى الطائرة كالبرق الخاطف ثم تسمع صوتها بعد ان تختقى عن نظرك، ومن ثم لا يكون الايلاء بالصعود إلى السماء داخلا في ضروب المستحيلات واما مجموعة كواكب الثريا فمصافحتها إذا كان على حقيقة اللفظ وظاهره فهو من المستحيل، لانها كواكب سماوية وأجرام في الافلاك لا تصافح بالتقاء الاكف ولا بتعانق التحية والتسليم وقوله " أو إلى ان اخرج من بغداد إلى الصين واعود " فان ذلك يخرج ايضا

(17/307)


من نطاق المستحيل لما قدمنا في شأن الصعود إلى السماء قبله، وقد جاء في القرآن الكريم صور من المستحيلات، كقوله تعالى في الكفارة، لا تفتح لهم أبواب
السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " ومعناه لن يدخلوها أبدا ومثل المستحيل قوله: والله لا وطئتك حتى يشيب الغراب، لان معنى ذلك ترك وطئها، فإن ما يراد إحالة وجوده يعلق على المستحيلات.
قال الشاعر: إذا شاب الغراب أتيت أهلى
* وصار القار كاللبن الحليب وإن قال والله لا وطئت حتى تحبلي، فهو غير مول، إلا أن تكون صغيرة يغلب على الظن أنها لا تحمل في أربعة أشهر أو آيسة.
فأما إن كانت من ذوات الآقراء فلا يكون موليا لانه يمكن حملها.
وقال القاضى من الحنابلة: وأذا كانت الصغيرة بنت تسع سنين لم يكن موليا لان حملها ممكن، وقال أصحاب أحمد كافة خلا القاضى وأبو الخطاب كما أفاده ابن قدامة: ان قال والله لا وطئتك حتى تحبلي فهو مول لان حبلها بغير وطئ مستحيل عادة وهذا ما اختاره ابن قدامة واستدل عليه بقوله تعالى عن مريم " أنى يكون لى غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا " وقولهم " يا أخت هرون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا " ولولا استحالة ذلك لما نسبوها إلى البغاء لوجود الولد.
وقول عمر رضى الله عنه " الرجم حق على من زنا وقد أحصن، إذا قامت به البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، الا أنه يرد على كلامهم هذا امكان حدوث الحمل باستدخال المنى، ومن ثم لا يكون موليا.
وان علقه على غير مستحيل فذلك على خمسة أضرب (أحدها) ما يعلم أنه لا يوجد قبل أربعة أشهر كقيام الساعة فإن لها علامات تسبقها فلا يوجد ذلك في أربعة أشهر.
(الثاني) ما الغالب أنه لا يوجد في أربعة أشهر، كخروج الدجال والدابة وغيرهما من أشراط الساعة.
أو يقول حتى أموت أو تموتي أو يموت ولدك، أو حتى يقدم زيد من مكة، ويكون زيد من عادتة أن يقضى العمرة في شهر رجب
ثم ينتظر حتى يشهد وقفة عرفات ثم يتمم الحج نافلة أو فريضة بالنيابة عن غيره

(17/308)


فلا يقدم في أربعة أشهر فيكون موليا، وكذلك لو علق الطلاق على مرضها أو مرض أنسان بعينه (الثالث) أن يعلقه على أمر يحتمل وجوده في أربعة أشهر.
ويحتمل أن لا يوجد احتمالا متساويا، كقدوم زيد من سفر قريب أو من سفر لا يعلم قدره فهذا ليس بإيلاء، لانه لا يعلم حلفه على أكثر من أربعة أشهر ولا يظن ذلك (الرابع) أن يعلق على ما يعلم أنه يوجد في أقل من أربعة أشهر أو يظن ذلك كذبول بقل (الفجل) وجفاف ثوب ومجئ المطر في أوانه وقدوم الحاج في زمان قدومه، وابتداء الدراسة في المدراس، وابتداء دورة المجلس، وموعد الميزانية، إذا كان قد بقى على حدوث ذلك أقل من أربعة أشهر فلا يكون موليا ولانه لم يقصد الاضرار بترك وطئها أكثر من أربعة أشهر، فأشبه ما لو قال: والله لا وطئتك شهرا (الخامس) أن يعلقه على فعل منها هي قادرة عليه أو فعل من غيرها، وذلك ينقسم إلى: (1) أن يعلقه على فعل مباح لا مشقة فيه.
كقوله: والله لا أطؤك حتى تدخلي الدار، أو تلبسي هذا الثوب، أو حتى أتنقل بصوم يوم، أو حتى أكسوك، فهذا ليس بإيلاء لانه ممكن الوجود بغير ضرر عليها فيه، فأشبه الذى قبله (ب) أن يعلقه على فعل محرم، كقوله: والله لا أطؤك حتى تشربي الخمر أو تزني أو تسقطى ولدك أو تتركي صلاة الفرض، أو حتى أقتل فلانا أو أزنى بفلانة أو نحو ذلك، فهذا كله ايلاء لانه علقه بممتنع شرعا فأشبه الممتنع حسا (ج) أن يعلقه على ما على فاعله فيه مضرة، مثل أن يقول: والله لا أطؤك حتى تسقطى صداقك عنى أو دينك.
أو حتى تكفلي ولدى أو تهبيني دارك: أو حتى
يبيعني أبوك داره أو نحو ذلك فهذا إيلاء، لان أخذه لمالها أو مال غيرها عن غير رضى صاحبه محرم فجرى شرب الخمر، فلو حلف عليها أن لا يطأها حتى تخرج من بيتها (بالمينى جيب أو المكر وجيب) وهى ثياب قصيرة، الاول فوق الركبه بخمسة عشر سنتيمترا، والثانى فوق آخر الفخذ، قريبا من اليتها أو قال لها.
والله لا أطؤك حتى تخرجي على الشاطئ (بالبكينى) وهو قطعتان صغيرتان في قدر منديل اليد، إحداهما تكون كالشريط على الفرج، والاخرى

(17/309)


على مقدمة الثديين، كل ذلك يعد موليا، لانه يحرم عليها الظهور بكل ما ذكر لانها ثياب أقبح في الرجعية من ثياب الجاهلية، وانتكاسة بالمجتمع الانساني إلى مستوى بهيمى، ليس له في العفة أو الشرف حظ أو نصيب فإن قال والله لا أطؤك حتى أعطيك مالا أو أصنع معك صنيعا حسنا أو أقدم لك جميلا، لم يكن إيلاء، لان فعله لذلك ليس بمحرم ولا ممتنع فجرى قوله: حتى أصوم يوما.
(مسألة) وإن قال: والله لا وطئتك في هذا البيت أو في هذه البلدة أو نحو ذلك من الامكنة المعينة لم يكن موليا.
وهذا قول الشافعي وأحمد والثوري والاوزاعي والنعمان وصاحبيه وقال ابن أبى ليلى وإسحاق: هو مول، لانه حلف على ترك وطئها.
وإن قال: والله لا وطئتك إلا برضاك لم يكن موليا لانه يمكنه وطؤها بغير حنث، ولانه محسن في كونه ألزم نفسه اجتناب سخطها.
وعلى قياس ذلك كل حال يمكنه الوطئ فيها بغير حنث، كقوله: والله لا وطئتك مكرهة أو محزونة ونحو ذلك، فإنه لا يكون موليا.
وإن قال: والله لا وطؤتك مريضة لم يكن موليا لذلك إلا أن يكون بها
مرض لا يرجى برؤه أو لا يزول في أربعة أشهر، فينبغي أن يكون موليا لانه حالف على ترك وطئها أربعة أشهر، فإن قال لك لها وهى صحيحة فمرضت مرضا يمكن برؤه قبل أربعة أشهر لم يصر موليا.
وإن لم يرج برؤه فيها صار موليا، وكذلك إن كان الغالب ان لا يزول في أربعة أشهر صار موليا، لان ذلك بمنزله ما لا يرجى زواله: وإن قال: والله لا وطئتك حائضا ولا نفساء ولا محرمة ولا صائمة ونحو هذا لم يكن موليا، لان ذلك ممنوع شرعا، فقد أكد منع نفسه منه بيمينه وإن قال والله لا وطئتك طاهرا أو لا وطئتك وطئا مباحا صار موليا، لانه حالف على ترك الوطئ الذى يطلب به في الفيئة فكان موليا.
كما لو قال: والله لا وطئتك في قبلك، وان قال والله لا وطئتك ليلا، أو والله لا وطئتك نهارا لم يكن موليا لان الوطئ يمكن بدون الحنث.

(17/310)


قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان قال لاربع نسوة والله لا وطئتكن لم يصر موليا حتى يطأ ثلاثا منهن، لانه لا يمكنه أن يطأ ثلاثا منهن من غير حنث فلم يكن موليا، وان وطئ ثلاثا منهن صار موليا من الرابعة، لانه لا يمكنه وطؤها الا بحنث، ويكون ابتداء المدة من الوقت الذى تعين فيه الايلاء، وان طلق ثلاثا منهن كان الايلاء موقوفا في الرابعة لا يتعين فيها، لانه يقدر على وطئها من غير حنث ولا يسقط منها لانه قد يطأ الثلاث المطلقات بنكاح أو سفاح، فيتعين الايلاء في الرابعة، لانه يحنث بوطئها والوطئ المحظور كالمباح في الحنث، ولهذا قال في الام: ولو قال والله لا وطئتك وفلانة الاجنبية لم يكن موليا من امرأته حتى يطأ الاجنبية، وان ماتت من الاربع واحدة سقط الايلاء في الباقيات لانه قد
فات الحنث في الباقيات لان الوطئ في الميتة قد فات، ولان الايلاء على الوطئ واطلاق الوطئ لا يدخل فيه وطئ الميتة، ويدخل فيه الوطئ المحرم وان قال لاربع نسوة: والله لا وطئت واحدة منكن وهو يريد كلهن صار موليا في الحال، لانه يحنث بوطئ كل واحدة منهن، ويكون ابتداء المدة من حين اليمين، فأيتهن طالبت وقف لها، فإن طلقها وجاءت الثانية وقف لها، فإن طلقها وجاءت الثالثة وقف لها، فإن طلقها وجاءت الرابعة وقف لها، فإن طلبت الاولى فوطئها حنث وسقط الايلاء فيمن بقى، لانه لا يحنث بوطئهن بعد حنثه بوطئ الاولى وان طلق الاولى ووطئ الثانية سقط الايلاء في الثالثة والرابعة، وان طلق الاولى والثانية ووطئ الثانية سقط الايلاء في الرابعة وحدها وان قال والله لا وطئت واحدة منكن وأراد واحدة بعينها تعين الايلاء فيها دون من سواها، ويرجع في التعيين إلى بيانه لانه لا يعرف الا من جهته، فإن عين واحدة وصدقته الباقيات تعين فيهما، وان كذبه الباقيات حلف لهن، فإن نكل حلفن وثبت فيهن حكم الايلاء بنكوله وأيمانهن

(17/311)


وإن قال والله لا وطئت واحدة منكن، وهو يريد واحدة لا بعينها، فله أن يعين فيمن شاء ويؤخذ بالتعيين إذا طلبن ذلك.
فإذا عين في واحدة منهن لم يكن للباقيات مطالبة، وفى ابتداء المدة وجهان
(أحدهما)
من وقت اليمين والآخر من وقت التعيين كما قلنا في العدة في الطلاق إذا أوقعه في إحداهن لا بعينها ثم عينه في واحدة منهن.
وإن قال والله لا أصبت كل واحدة منكن فهو مول من كل واحدة منهن وابتداء لندة؟ ؟ من حين اليمين، فإن وطئ واحدة منهن حنث ولم يسقط الايلاء في الباقيات لانه يحنث
بوطئ كل واحدة منهن.

(فصل)
وإن كانت له امرأتان فقال لاحداهما: والله لا أصبنك ثم قال للاخرى أشركتك معها، لم يكن موليا من الثانية.
لان اليمين بالله عز وجل لا يصح إلا بلفظ صريح من اسم أو صفة، والتشر؟ ك بينهما كناية فلم يصح بها اليمن بالله عزوجل.
وإن قال لاحداهما: إن أصبتك فأنت طالق، ثم قال للاخرى أشركتك معها ونوى صار موليا لان الطلاق يصح بالكناية (الشرح) الشافعي رضى الله عنه: وإذا قال الرجل لاربع نسوة له: والله لا أقربكن فهو مول منهن كلهن، يوقف لكل واحدة منهن، فإذا أصاب واحدة أو اثنتين أو ثلاثا خرج من حكم الايلاء فيهن، وعليه للباقية أن يوقف حتى يفئ أو يطلق ولا حنث عليه حتى يصيب الاربع اللاتى حلف عليهن كلهن فإذا فعل فعليه كفارة يمين ويطأ منهن ثلاثا ولا يحنث ولا إيلاء عليه فيهن، ويكون حينئذ في الرابعة مولى لانه يحنث بوطئها، ولو ماتت إحداهن سقط عنه الايلاء لانه يجامع البواقى ولا يحنث.
ولو طلق واحدة منهم أو اثنتين أو ثلاثا كان موليا بحاله في البواقى لانه لو جامعهن والتى طلق حنث.
ثم قال: ولو قال لاربع نسوة له: والله لا أقرب واحدة منكن وهو يريدهن كلهن فأصاب واحدة حنث، وسقط عنه حكم الايلاء في البواقى، ولو لم يقرب واحدة منهن كان موليا منهن يوقف لهن، فأى واحدة أصلب منهن خرج من

(17/312)


حكم الايلاء في البواقى لانه قد حنث بإصابة واحدة، فإذا حنث مرة لم يعد الحنث عليه ولو قال والله لا أقرب واحدة منكن - يعنى واحدة دون غيرها فهو مول من التى حلف لا يقربها وغير مول من غيرها اه
وجملة ذلك أنه إذا قال لاربع نسوة: والله لا أقربكن انبنى ذلك على أصل وهو الحنث بفعل بعض المحلوف عليه أو لا؟ فقد اختلف أصحابنا في ذلك، فإن قلنا بقول من قال يحنث فهو مول منهن كلهن في الحال لانه لا يمكنه وطئ واحدة بغير حنث فصار مانعا لنفسه من وطئ كل واحدة منهن من غير حنث فصار مانعا لنفسه من وطئ كل واحدة منهن في الحال، فإن وطئ واحدة منهن حنث وانحلت يمينه وزال الايلاء من البواقى.
وإن طلق بعضهن أو مات لم ينحل الايلاء في البواقى.
وإن قلنا بقول من قال لا يحنث بفعل البعض لم يكن موليا منهن في الحال لانه يمكنه وطئ كل واحدة منهن من غير حنث، فلم يمنع نفسه بيمينه من وطئها فلم يكن موليا منها، فإن وطئ ثلاثا صار موليا من الرابعة لانه لا يمكنه وطؤها من غير حنث في يمينه.
وإن مات بعضهن أو طلقها انحلت يمينه وزال الايلاء لانه لا يحنث بوطئهن، وإنما يحنث بوطئ الاربع، فإن راجع المطلقة أو تزوجها بعد بينونتها عاد حكم يمينه.
وهذان القولان وجهان عند أصحاب أحمد ابن حنبل رضى الله عنهم، واختار ابن قدامة منهم أنها يمين حنث فيها فوجب ان تنحل كسائر الايمان، ولانه إذا وطئ واحدة حنث ولزمته الكفارة فلا يلزمه بوطئ الباقيات شئ فلم يبق ممتنعا من وطئهن بحكم يمينه فانحل الايلاء كما لو كفرها.
أما أصحابنا فقد ذهب أكثرهم إلى أنه لا يكون موليا منهن حتى يطأ ثلاثا فيصير موليا من الرابعة.
وحكى المزني عن الشافعي أنه يكون موليا منهن كلهن يوقف لكل واحدة منهن، فإذا أصاب بعضهن خرجت من حكم الايلاء، ويوقف لمن بقى حتى يفئ أو يطلق، ولا يحنث حيت يطأ الاربع.
وقال أصحاب الرأى: يكون موليا منهن كلهن، فان تركهن أربعة أشهر بن

(17/313)


منه جميعا بالايلاء، وإن وطئ بعضهم سقط الايلاء في حقها ولا يحنث إلا بوطئهن جميعا.
(فرع)
فإن قال: والله لا وطئت واحدة منكن ونوى واحدة بعينها تعلقت يمينه بها وحدها وصار موليا منها دون غيرها، وإن نوى واحدة مبهمة منهن لم يصير موليا منهن في الحال، فإذا وطئ ثلاثا كان موليا من الرابعة ويحتمل أن تخرج المولى منها بالقرعة كالطلاق إذا أوقعه في مبهمة من نسائه، وإن أطلق صار موليا منهم كلهن في الحال، لانه لا يمكنه وطئ واحدة منهم إلا بالحنث، فإن طلق واحدة منهم أو ماتت كان موليا من البواقى، وإن وطئ واحدة منهن حنث وانحلت يمينه وسقط حكم الايلاء في الباقيات لانها يمين واحدة، فإذا حنث فيها مرة لم يحنث مرة ثانية ولا يبقى حكم اليمين بعد حنثه فيها، بخلاف ما إذا طلق واحدة أو ماتت فإنه لم يحنث ثم يبقى حكم يمينه فيمن بقى منهن، وهذا مذهب أحمد.
وذكر بعض أصحاب أحمد أنه إذا أطلق كان الايلاء في واحدة غير معينة، وهو اختيار بعض أصحابنا، لان لفظه تناول واحدة منكرة فلا يقتضى العموم.
ولنا أن النكرة في سياق النفى تفيد العموم، كقوله تعالى " ولم يتخذ صاحبة " وقوله " ولم يكن له كفوا أحد " وقوله " وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا له من نور " ولو قال إنسان: والله لا شربت ماء من إداوة حنث بالشرب من أي اداوة كانت فيجب حمل اللفظ عند الاطلاق على مقتضاه في العموم وإن قال نويت واحدة معينة أو واحدة مبهمة قبل منه، لان اللفظ يحتمله احتمالا غير بعيد في رأى الحنابلة، وعندنا أنه إذا أنه إذا أبهم المحلوف عليها فله أن يعينها بقوله، كما ورد ذلك في الطلاق
(فرع)
فان قال والله لا وطئت كل واحدة منكن صار موليا منهن كلهن في الحال ولا يقبل قوله نويت واحدة منهن معينة ولا مبهمة، لان لفظ " كل " أزالت احتمال الخصوص، ومتى حنث في البعض انحل الايلاء في الجميع كالتى قبلها.
وقال بعض أصحابنا: لا تنحل في الباقيات وقال أصحاب أحمد: انها يمين واحدة حنث فيها فسقط حكمها كما لو حلف على واحدة، ولان اليمين الواحدة إذا حنث

(17/314)


فيها مرة لم يمكن الحنث فيها مرة أخرى فلم يبق ممتنعا من وطئ الباقيات بحكم اليمين فلم يبق الايلاء كسائر الايمان التى حنث فيها قلت: وفى هذه المواضع التى قلنا بكونه موليا منهن كلهن يوقف لكل واحدة منهن عند مطالبتها.
فإذا وقف للاولى وطلقها وقف للثانية، فان طلقها وقف للثالثة فان طلقها وقف للرابعة، وكذلك من مات منهن لم يمنع من وقفه للاخرى، لان يمينه لم تنحل، وإيلاؤه باق لعدم حنثه فيهن.
وان وطئ احداهن حين وقف لها أو قبله انحلت يمينه وسقط حكم الايلاء في الباقيات على ما قلنا.
(فرع)
قال الشافعي رضى الله عنه: ولو آلى رجل من امرأته ثم طلقها ثم جامعها بعد الطلاق حنث.
كذلك لو آلى من أجنبية ثم جامعها حنث باليمين مع المأثم بالزنا، وان نكحها بعد خرج من حكم الايلاء اه (فرع)
قال الشافعي رضى الله عنه: لو آلى من امرأته ثم طلق احدى نسائه في الاربعة الاشهر، ولم يدر أيتهن طلق، فمضت أربعة أشهر فطلبت أن يوقف فقال: هي التى طلقت حلف للبواقي، وكانت التى طلق، ومتى راجعها فمضت أربعة أشهر وقفته أبدا حتى يمضى طلاق الملك كما وصفت.
ولو مضت الاربعة الاشهر ثم طلبت أن يوقف فقال: لا أدرى أهى التى طلقت أم غيرها
قيل له: ان قلت هي التى طلقت فهى طالق، وان قلت ليست هي حلفت لها ان ادعت الطلاق ثم فئت أو طلقت وان قلت لا أدرى فأنت أدخلت منع الجماع على نفسك، فان طلقتها فهى طالق، وان لم تطلقها وحلفت أنها ليست التى طلقت أو صدقتك هي، ففئ أو طلق، وان أبيت ذلك كله طلق عليك بالايلاء لانها زوجة مولى منها، عليك أن تفئ إليها أو تطلقها فان قلت لا أدرى لعلها حرمت عليك، فلم تحرم بذلك تحريما يبينها عليك وأنت مانع الفيئة والطلاق فتطلق عليك، فان قامت بينة أنها التى طلقت عليك قبل طلاق الايلاء سقط طلاق الايلاء، وان لم تقم بينه لزمك طلاق الايلاء وطلاق الاقرار معا ثم هكذا البواقى

(17/315)


(فرع)
فإن قال كلما وطئت واحدة منكن فضرائرها طوالق، فإن قلنا ليس هذا بإيلاء فلا كلام، وإن قلنا هو إيلاء فهو مول منهن جميعا، لانه لا يمكنه وطئ واحدة منهن إلا بطلاق ضرائرها فيوقف لهن، فان فاء إلى واحدة طلق ضرائرها، فان كان الطلاق بائنا انحل الايلاء لانه لم يبق ممنوعا من وطئها بحكم يمينه، وإن كان رجعيا فراجعهن بقى حكم الايلاء في حقهن لانه لا يمكنه وطئ واحدة الا بطلاق ضرائرها، وكذلك ان راجع بعضهن لذلك إلا أن المدة تستأنف من حين الرجعة.
ولو كان الطلاق بائنا فعاد فتزوجهن أو تزوج بعضهن عاد حكم الايلاء واستؤنفت المدة من حين النكاح، وسواء تزوجهن في العدة أو بعدها أو بعد زوج آخر وإصابة.
وان قال: نويت واحدة بعينها قبل منه وتعلقت يمينه بها، فإذا وطئها طلق
ضرائرها، وان وطئ غيرها لم يطلق منهن أحدا ويكون موليا من المعينة دون غيرها لانها التى يلزمه بوطئها الطلاق دون غيرها (فرع)
وان قال لاحدى زوجتيه: والله لا وطئتك، ثم قال للاخرى: أشركتك معها لم يصر موليا من الثانية، لان اليمين بالله لا يصح الا بلفظ صريح من اسم أو صفة، والتشريك بينهما كناية فلم تصح به اليمين.
وإن قال: ان وطئتك فأنت طالق ثم قال للاخرى أشركتك معها ونوى فقد صار طلاق الثانية معلقا على وطئها أيضا، لان الطلاق يصح بالكناية.
فان قلنا إن ذلك ايلاء في الاولى صار ايلاء في الثانية لانها صارت في معناها والا فليس بإيلاء في واحدة منهما، وكذلك لو آلى رجل من زوجته فقال آخر لامرأته: أنت مثل فلانه لم يكن موليا.
وقال أصحاب الرأى: هو مول.
وقال أحمد: انه ليس؟ صريح في القسم فلا يكون موليا به كما لو لم يشبهها بها
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإذا صح الايلاء لم يطالب بشئ قبل أربعة أشهر.
لقوله عز وجل " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر " وابتداء المدة من حين

(17/316)


اليمين لانها ثبتت بالنص والاجماع فلم تفقر إلى الحاكم كمدة العدة، فإن آلى منها وهناك عذب يمنع من الوطئ نظرت، فان كان لمعنى في الزوجة بأن كانت صغيرة أو مريضة أو ناشزة أو مجنونة أو محرمة أو صائمة عن فرض أو معتكفة عن فرض لم تحسب المدة.
وإن طرأ شئ من هذه الاعذار في أثناء المدة انقطعت المدة لان المدة إنما نظرت لامتناع الزوج من الوطئ، وليس في هذه الاحوال من جهته امتناع، فان زالت هذه الاعذار استؤنفت المدة لان من شأن هذه المدة أن تكون متوالية، فإذا انقطعت استؤنفت كصوم الشهرين المتتابعين، فان
كانت حائضا حسبت المدة، فان طرأ الحيض في أثنائها لم تنقطع لان الحيض عذر معتاد لا ينفك منه.
فلو قلنا انه يمنع الاحتساب اتصل الضرر وسقط حكم الايلاء، ولهذا لا يقطع التتابع في صوم الشهرين المتتابعين.
وإن كانت نفساء ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه يحتسب المدة لانه كالحيض في الاحكام فكذلك في الايلاء
(والثانى)
لا يحتسب.
وإذا طرأ قطع لانه عذر نارد فهو كسائر الاعذار.
وان كان العذر لمعنى في الزوج بأن كان مريضا أو مجنونا أو غائبا أو محبوبا أو محرما أو صائما عن فرض، أو معتكفا عن فرض، حسبت المدة، فان طرأ شئ من هذه الاعذار في أثناء المدة لم تنقطع، لان الامتناع من جهته، والزوجية باقية فحسبت المدة عليه، وإن آلى في حال الردة أو في عدة الرجعية لم تحتسب المدة، وان طرأت الردة أو الطلاق الرجعى في أثناء المدة انقطعت، لان النكاح قد تشعث بالطلاق والردة، فلم يكن للامتناع حكم، وان أسلم بعد الردة أو راجع بعد الطلاق وبقيت مدة التربص استؤنفت المدة لما ذكرناه.
(الشرح) قوله: لم يطالب بشئ قبل أربعة أشهر الخ.
هذا هو قول جمهور الفقهاء أن الزوج لا يطالب بالفئ قبل أربعة أشهر.
وقال ابن مسعود وزيد بن ثابت وابن ابى ليلى والثوري وابو حنيفة: انه يطالب بالفئ فيها لقراءة ابن مسعود (فان فاءوا فيهن) قالوا: وإذا جاز الفئ جاز الطلب، إذ هو تابع،

(17/317)


ويجاب بمنع الملازمة وبقوله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) فان الله تعالى شرع التربص هذه المدة فلا يجوز مطالبة الزوج قبلها، واختياره للفئ قبلها ابطال لحقه من جهة نفسه، فلا يبطل بإبطال غيره
قال القاضى ابن العربي: وتحقيق الامر أن تقدير الاية عندنا: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فان فاءوا بعد انقضائها فان الله غفور رحيم، وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم.
وتقديرها عندهم: فان فاءوا فيها فان الله غفور رحيم، وان عزموا الطلاق بترك الفيئة فيها، وهذا احتمال متساو ولاجل تساويه توقفت فيه.
قال الشافعي رضى الله عنه: وهكذا لو ارتدت عن الاسلام لم يكن عليه طلاق حتى ترجع إلى الاسلام في العدة، فإذا رجعت قيل له: فئ أو طلق، وان لم ترجع حتى تنقضي العدة بانت منه بالردة ومضى العدة.
قال: وإذا كان منع الجماع من قبلها بعد مضى الاربعة الاشهر قبل الوقف أو معه لم يكن لها على الزوج سبيل حتى يذهب منع الجماع من قبلها ثم يوقف مكانه، لان الاربعة الاشهر قد مضت وإذا كان منع الجماع من قبلها في الاربعة الاشهر بشئ تحدثه غير الحيض الذى خلقه الله عز وجل فيها ثم أبيح الجماع من قبلها أجل من يوم أبيح أربعة أشهر.
كما جعل الله تبارك وتعالى له اربعة أشهر متتابعة، فإذا لم تكمل له حتى يمضى حكمها استؤنفت له متتابعه كما جعلت له أولا.
ولو كان آلى منها ثم ارتد عن الاسلام في الاربعة الاشهر أو ارتدت أو طلقها أو خالعها ثم راجعها أو رجع المرتد منهما إلى الاسلام في العدة استأنف في هذه الحالات كلها أربعة أشهر من يوم حل له الفرج بالمراجعة أو النكاح أو رجوع المرتد منهما إلى الاسلام، ولا يشبه هذا الباب الاول، لانها في هذا الباب صارت محرمة الشعر والنظر والحبس والجماع، وفى تلك الاحوال لم تكن محرمة بشئ غير الجماع وحده، فأما الشعر والنظر والحبس فلم يحرم منها، وهكذا لو ارتدا.
اه قلت: وجملة ذلك أنه إذا آلى منها وثم عذر يمنع الوطئ من جهة الزوج
كمرضه أو حبسه أو احرامه أو صيامه حسبت عليه المدة من حين ايلائه،

(17/318)


لان المانع من جهته، وقد وجد التمكين الذى عليها، ولذلك لو أمكنته من نفسها - وكان ممتنعا لعذر - وجبت لها النفقة، وإن طرأ شئ من هذه الاعذار بعد الايلاء أو جن لم تنقطع المدة للمعنى الذى ذكرناه، وإن كان المانع من جهتها نظرنا - فان كان حيضا - لم يمنع ضرب المدة لانه لو منع لما أمكن تحقيق ضرب المدة، لان الحيض لا يخلو منه شهر غالبا فيؤدى ذلك إلى إسقاط حكم الايلاء، وإن طرأ الحيض لم يقطع المدة لما ذكرنا.
والنفاس كالحيض لانه مثله في أحكامه وقال أصحاب أحمد فيه وجهان: أحدهما كالحيض والثانى كسائر الاعذار التى من جهتها لانه نادر غير معتاد فأشبه سائر الاعذار.
وأما سائر الاعذار التى من جهتها، كصغرها ومرضها وحبسها وإحرامها وصيامها المفروضين واعتكافها المنذور، ونشوزها وغيبتها، فمتى وجد منها شئ حال الايلاء لم تضرب له المدة حتى يزول، لان المدة تضرب لامتناعه من وطئها والمنع ههنا من قبلها.
وإن جد شئ من هذه الاسباب استؤنفت المدة ولم يبن على ما مضى، لان قوله تعالى " تربص أربعة أشهر " يقتضى متوالية، فإذا قطعتها وجب استئنافها كمدة الشهرين في صوم الكفارة.
وان حنث وهربت من يده انقطعت المدة، وان بقيت في يده وأمكنه وطؤها احتسب عليها بها فإن قيل فهذه الاسباب مما لا صنع لها فيه، فلا ينبغى أن تقطع المدة كالحيض قلنا إذا كان المنع فيها فلا فرق بين كونه بفعلها أو بغير فعلها، كما أن البائع إذا تعذر عليه تسليم المعقود عليه لم يتوجه له المطالبة بعوضه، سواء كان لعذر أو غير عذر.
وإن آلى في الردة لم تضرب له المدة إلا من حين رجوع المرتد منهما إلى الاسلام.
وان طرأت الردة في أثناء المدة انقطعت لان النكاح قد تشعث
وحرم الوطئ، فإذا عاد إلى الاسلام استؤنفت المدة، وسواء كانت الردة منهما أو من أحدهما.
وكذلك ان أسلم أحد الزوجين الكافرين أو خالعها ثم تزوجها.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
إذا طلقها في مدة التربص انقطعت المدة ولم يسقط الايلاء، فان راجعها وقد بقيت مدد التربص استؤنفت المدة، فان وطئها حنث في اليمين

(17/319)


وسقط الايلاء، لانه أزال الضرر.
وإن وطئها وهلا نائمة أو مجنونة حنث في يمينه وسقط الايلاء، وإن استدخلت ذكره وهو نائم لم يحنث في يمينه لارتفاع القلم عنه، وهل يسقط حقها؟ فيه وجهان
(أحدهما)
يسقط لانها وصلت إلى حقها
(والثانى)
لا يسقط لان حقها في فعله لا في فعلها، وان وطئها وهو مجنون لم يحنث لارتفاع القلم عنه، وهل يسقط حقها؟ فيه وجهان:
(أحدهما)
يسقط وهو الظاهر من المذهب لانها قد وصلت منه إلى حقها، وإن لم يقصد فسقط حقها، كما لو وطئها وهو يظن انها امرأة أخرى
(والثانى)
وهو قول المازنى أنه لا يسقط حقها، لانه لا يحنث به فلم يسقط به الايلاء.

(فصل)
وان وطئها وهناك مانع من إحرام أو صوم أو حيض سقط به حقها من الايلاء لانها وصلت منه إلى حقها، وان كان بمحرم.
(الشرح) جملة هذا الفصل أنه إذا وطئها بعد المدة، قبل المطالبة أو بعدها، خرج من الايلاء، وسواء وطئها وهى عاقلة أو مجنونة أو يقظانة أو نائمة، لانه فعل ما حلف عليه، فان وطئها وهو مجنون لم يحنث وهذا هو قول أحمد والشعبى.
وقال أبو بكر من الحنابلة: يحنث وعليه الكفارة.
ولانه فعل ما حلف
عليه.
وهذا غير صحيح، لانه غير مكلف، والقلم عنه مرفوع.
ويخرج بوطئه عن الايلاء لانه قد وفاها حقها، وحصل منه في حقها ما يحصل من العاقل، وإنما تسقط الكفارة عنه لرفع القلم، وهو أحد الوجهين عند أصحابنا، وهو الظاهر من المذهب، والآخر انه يبقى موليا، فانه إذا وطئ بعد إفاقته؟ تجب عليه الكفارة، لان وطأه الاول ما حنث به، وإذا بقيت يمينه بقى الايلاء، كما لو لم يطأ.
وهذا هو قول المزني.
وينبغى أن يستأنف له مدة الايلاء من حين وطأ لانه لا ينبغى أن يطالب بالفيئة مع وجودها منه، ولا تطلق عليه لانتفائها وهى موجودة، ولكن تضرب له مدة لبقاء حكم يمينه، وقيل تضرب له المدة إذا عقل لانه حينئذ يمنع

(17/320)


من الوطئ بحكم يمينه، ومن قال بالاول قال قد وفاها حقها فلم يبق الايلاء، كما لو حنث، ولا يمنتع انتفاء الايلاء مع اليمين كما لو حلف لا يطأ أجنبية ثم تزوجها.
(فرع)
إذا وطئ العاقل ناسيا ليمينه فهل يحنث؟ على روايتين، فإن قلنا يحنث انحل إيلاؤه وذهبت يمينه.
وإن قلنا لا يحنث فهل ينحل إيلاؤه؟ على وجهين قياسا على المجنون.
وكذلك يخرج فيما إذا آلى من إحدى زوجتيه ثم وجدها على فراشه فظنها الاخرى فوطئها، لانه جاهل بها، والجاهل كالناسي في الحنث.
وكذلك إن ظنها أجنبية فبانت زوجته (فرع)
إن استدخلت ذكره وهو نائم لم يحنث لانه لم يفعل ما حلف عليه ولان القلم مرفوع عنه، وهل يخرج من حكم الايلاء؟ فيه وجهان أحدهما.
يخرج لان المرأة وصلت إلى حقها فأشبه ما لو وطئ.
والثانى: لا يخرج من حكم الايلاء لانه ما وفاها حقها، وهو باق على الامتناع من الوطئ بحكم اليمين فكان موليا كما لو لم يفعل له ذلك، والحكم فيما إذا وطئ وهو نائم كذلك لانه لا يحدث به
(مسألة) قوله: وإن وطئها وهناك مانع من إحرام الخ، فجملة ذلك أنه إذا وطئها وطئا محرما مثل أن وطئها حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة صوم فرض أو كان محرما أو صائما أو مظاهرا حنث وخرج من الايلاء، وعند أحمد وأصحابه قولان: أحدهما هذا، والثانى وهو قول القاضى ابو بكر أن قياس المذهب أن لا يخرج من الايلاء لانه وطئ لا يؤمر به في الفيئة فلم يخرج به من الايلاء كالوطئ في الدبر، ولا يصح هذا لان يمينه انحلت ولم يبق ممتنعا من الوطئ بحكم اليمين فلم يبق الايلاء، كما لو كفر يمينه أو كما لو وطئها مريضة، وقد نص أحمد فيمن حلف ثم كفر يمينه أنه لا يبقى موليا لعدم حكم اليمين مع أنه ما وفاها حقها فلان يزول بزوال اليمين بحنثه أولى.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان لم يطلقها ولم يطأها حتى انقضت المدة نظرت - فإن لم يكن عذر يمنع الوطئ - ثبت لها المطالبة بالفيئة أو الطلاق، لقوله عزوجل

(17/321)


" للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فإن فاءوا فان الله غفور رحيم، وإن عزموا الطلاق فان الله سميع عليم " وإن كانت الزوجة أمة لم يجز للمولى المطالبة، وإن كانت مجنونة لم يكن لوليها المطالبة، لان المطالبة بالطلاق أو الفيئة طريقها الشهوة، فلا يقوم الولى فيه مقامها، والمستحب أن يقول له في المجنونة: اتق الله في حقها فاما أن تفى إليها أو تطلقها.
وأن ثبتت لها المطالبة فعفت عنها الزوجة جاز لها أن ترجع وتطالب، لانها انما ثبت لها المطالبة لدفع الضرر بترك الوطئ، وذلك يتجدد مع الاحوال فجاز لها الرجوع، كما لو أعسر بالنفقة فعفت عن المطالبة بالفسخ.
وإن طولب بالفيئة فقال أمهلوني ففيه قولان:

(أحدهما)
يمهل ثلاثة أيام لانه قريب.
والدليل عليه قوله عز وجل " ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب، فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب " ولهذا قدر به الخيار في البيع
(والثانى)
يمهل قدر ما يحتاج إليه للتأهب للوطئ، فان كان ناعسا أمهل إلى أن ينام.
وإن كان جائعا أمهل إلى أن يأكل، وإن كان شبعانا أمهل إلى يخف.
وإن كان صائما أمهل إلى أن يفطر، لانه حق حمل عليه وهو قادر على أدائه فلم يمهل أكثر من قدر الحاجة كالدين الحال (الشرح) إذا انقضت المدة فلها المطالبة بالفيئة ان لم يكن عذر، فان طالبته فطلب الامهال فان لم يكن له عذر لم يمهل، لانه حق توجه عليه لا عذر له فيه فلم يمهل به كالدين الحال، ولان الله تعالى جعل المدة أربعة.
أشهر فلا تجوز الزيادة عليها بغير عذر، وانما يؤخر قدر ما يتمكن من الجماع في حكم العادة، فانه لا يلزمه الوطئ في مجلسه ولى ذلك بإمهال فان قال: أمهلوني حتى أكل فانى جائع، أو ينهضم الطعام فانى كظيظ، أو أصلى الفرض، أو أفطر من صوم ففيه وجهان:
(أحدهما)
أمهل ثلاثة أيام، لقوله تعالى " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام "

(17/322)


ولهذا قدر به الخيار في البيع
(والثانى)
أمهل بقدر ذلك، فإنه يعتبر أن يصير إلى حال يجامع في مثلها في العادة، وكذلك يمهل حتى يرجع إلى بيته، لان العادة فعل ذلك في بيته.
وإن كان لها عذر يمتنع من وطئها لم يكن لها المطالبة بالفيئة لان الوطئ ممتنع من جهتها، فلم يكن لها مطالبته بما يمنعه منه، ولان المطالبة مع الاستحقاق وهى لا تستحق الوطئ في هذه الاحوال وليس لها المطالبة بالطلاق لانه إنما يستحق عند امتناعه من الفيئة الواجبة، ولم يجب عليه شئ، ولكن
تتأخر المطالبة إلى حال زوال العذر، إن لم يكن العذر قاطعا المدة كالحيض، أو كان العذر حدث بعد انقضاء المدة فان عفت عن المطالبة بعد جوبها فانه لا يسقط حقها في المطالبة متى شاءت وعند أحمد وأصحابه وجهان: أحدهما يسقط حقها وليس له المطالبة بعده.
وقال القاضى: هذا قياس المذهب لانها رضيت بإسقاط حقها من الفسخ لعدم الوطئ فسقط حقها كامرأة العنين إذا رضيت بعنته، والثانى لا يسقط حقها ولها المطالبة متى شاءت.
دليلنا أو المطالبة إنما ثبتت لرفع الضرر بترك ما يتجدد من الاحوال فكان لها الرجوع، كما لو أعسر في النفقة فعفت عن المطالبة بالفسخ ثم طالبت، وفارق الفسخ للعنة، فانه فسخ لعيبه، فمتى رضيت بالعيب سقط حقها، كما لو عفا المشترى عن عيب المبيع، وان سكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك، لان حقها يثبت على التراخي فلم يسقط بتأخير المطالبة كاستحقاق النفقة (فرع)
الامة كالحرة في استحقاق المطالبة، سواء عفا السيد عن ذلك أو لم يعف، لان هذا حقها من الاستمتاع، فان تركت المطالبة لم يكن لمولاها الطلب لانه لا حق له.
فإن كانت المرأة صغيرة أو مجنونه فليس لهما المطالبة لان قولهما غير معتبر وليس لوليهما المطالبة لهما، لان هذا طريقه الشهوة فلا يقوم غيرهما مقامهما فيه فان كانتا ممن لا يمكن وطؤهما لم يحتسب عليه بالمدة.
لان المنع من جهتهما، وإن كان وطؤهما ممكنا - فإن أفاقت المجنونة أو بلغت الصغيرة قبل انقضاء المدة تممت المدة ثم لها المطالبة، وإن كان ذلك بعد انقضاء المدة فانها المطالبة يومئذ،

(17/323)


لان الحق لها ثابت.
وإنما تأخر لعدم امكان المطالبة.
وقال الشافعي: لا تضرب
المدة في لصغيرة حق تبلغ وقال أبو حنيفة تضرب المدة سوا أمكن الوطئ أو لم يمكن فإن لم يمكن فاء بلسانه، والا بانت بانقضاء المدة، وكذلك الحكم عنده في الناشز والرتقاء والقرناء والتى غابت في المدة، لان هذا ايلاء صحيح فوجب ان تتعقبه المدة كالتى يمكنه جماعها.
دليلنا أن حقها من الوطئ يسقط بتعذر جماعها فوجب أن تسقط المدة المضروبة له كما يسقط أجل الدين بسقوطه.
وأما التى أمكنه جماعها فتضرب له المدة في حقها لانه ايلاء صحيح ممن يمكنه جماعها فتضرب له المدة كالبالغة، ومتى قصد الاضرار بها بترك الوطئ أثم، ويستحب أن يقال له: اتق الله.
فإما أن تفئ واما أن تطلق، فإن الله تعالى قال " وعاشروهن بالمعروف " وقال تعالى " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وليس الاضرار من المعاشرة بالمعروف.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن وطئها في الفرج فقد أوفاها حقها ويسقط الايلاء، وأدناه أن تغيب الحشفه في الفرج لان أحكام الوطئ تتعلق به، وان وطئها في الموضع المكروه أو وطئها فيما دون الفرج لم يعتد به، لان الضرر لا يزول الا بالوطئ في الفرج، فإن وطئها في الفرج، فان كانت اليمين بالله تعالى فهل تلزمه الكفارة؟ فيه قولان: قال في القديم.
لا تلزمه لقوله عز وجل " فان فاءوا فان الله غفور رحيم " فعلق المغفرة بالفيئه، فدل على أنه قد استغنى عن الكفارة.
وقال في الجديد تلزمه الكفارة.
وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذى هو خير، وليكفر عن يمينه " ولانه حلف بالله تعالى وحنث فلزمه الكفارة، كما لو حلف على ترك
صلاة فصلاها.
واختلف أصحابنا في موضع القولين، فمنهم من قال: القولان فيمن جامع

(17/324)


وقت المطالبة، فأما إذا وطئ في مدة التربص فإنه يجب عليه الكفارة قولا واحدا لان بعد المطالبة الفيئة واجبة، فلا يجب بها كفارة كالحلق عند التحلل، ومنهم من قال القولان في الحالين، ويخالف كفارة الحج فانها تجب بالمحظور، والحلق المحظور هو الحلق في حال الاحرام وأما الحلق عند التحلل فهو نسك، وليس كذلك كفارة اليمين فانها تجب بالحنث، والحنث الواجب كالحنث بالمحظور في إيجاب الكفارة، وان كان الايلاء على عنق وقع بنفس الوطئ لانه عتق معلق على شرط فوقع بوجوده وان كان على نذر عتق أو نذر صوم أو صلاة أو التصدق بمال فهو بالخيار بين أن بقى بما نذر وبين أن يكفر كفارة يمين، لانه نذر نذرا على وجه اللجاج والغضب، فيخير فيه بين الكفارة وبين الوفاء بما نذر، وإن كان الايلاء على الطلاق الثلاث طلقت ثلاثا لانه طلاق معلق على شرط فوقع بوجوده.
وهل يمنع من الوطئ أم لا؟ فيه وجهان
(أحدهما)
وهو قول أبى على بن خيران: انه يمنع من وطئها لانها تطلق قبل أن ينزع فمنع منه، كما يمنع في شهر رمضان أن يجامع وهو يخشى أن يطلع الفجر قبل أن ينزع.

(والثانى)
وهو المذهب أنه لا يمنع لان الايلاء ج صادف النكاح، والذى يصادف غير النكاح هو النزع، وذلك ترك الوطئ، وما تعلق التحريم بفعله لا يتعلق بتركه.
ولهذا لو قال لرجل: ادخل دارى ولا تقم فيها جاز أن يدخل ثم يخرج، وان كان الخروج في حال الحظر.
وأما مسألة الصوم فقد ذكر بعض أصحابنا أنها على وجهين:

(أحدهما)
أنه لا يمنع فلا فرق بينها وبين مسألتنا، فعلى هذا لا يزيد على تغييب الحشفة في الفرج ثم ينزع، فان زاد على ذلك أو استدام لم يجب عليه الحد لانه وطئ اجتمع فيه التحليل والتحر؟ ؟ فلم يجب به الحد، وهل يجب به المهر؟ فيه وجهان
(أحدهما)
يجب كما تجب الكفارة على الصائم إذا أولج قبل الفجر واستدام بعد طلوعه
(والثانى)
لا يجب لان ابتداء الوطئ يتعلق به المهر الواجب بالنكاح، لان المهر في مقابلة كل وطئ يوحد في النكاح، وقد تكون مفوضة فيجب عليه المهر

(17/325)


بتغييب الحشفة، فلو أوجبنا بالاستدامة مهرا أدى إلى إيجاب مهرين؟ إ؟ لاج واحد، وليس كذلك الكفارة، فانها لا تتعلق بابتداء الجماع فلا يؤدى ايجابها في الاستدامة إلى إيجاب كفارتين بإيلاج واحد، وإن نزع ثم أولج نظرت، فان كانا جاهلين بالتحريم، بأن اعتقدا أن الطلاق لا يقع إلا باستكمال الوطئ، لم يجب عليهما الحد للشبهة، فعلى هذا يجب المهر، وإن كانا عالمين بالتحريم ففى الحد وجهان:
(أحدهما)
أنه يجب لانه إيلاج مستأنف محرم من غير شبهة فوجب به الحد كالايلاج في الاجنبية، فعلى هذا لا يجب المهر، لانها زانية
(والثانى)
لا يجب الحد، لان الايلاجات وطئ واحد، فإذا لم يجب في أوله لم يجب في إتمامه، فعلى هذا يجب لها المهر.
وان علم الزوج بالتحريم وجهات الزوجة، أو علمت ولم تقدر على دفعة، لم يجب عليها الحد، ويجب لها المهر.
وفى وجوب الحد على الزوج وجهان، وان كان الزوج جاهلا بالتحريم وهى عالمة ففى وجوب الحد عليها وجهان
(أحدهما)
يجب، فعلى هذا لا يجب لها المهر،
(والثانى)
لا يجب فعلى هذا يجب لها المهر.
(الشرح) قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الفئ الجماع لمن لا عذر له، فان كان له عذر مرض أو سجن أو شبه ذلك فان ارتجاعه صحيح وهى امرأته.
أما الحديث فقد رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه عن عدى بن حاتم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه " وسيأتى في الايمان جميع طرفه وألفاظه ومذاهب العلماء فيه.
أما المطلوب هنا فهو أن الفيئة الجماع ليس في هذا اختلاف.
كذلك قال ابن عباس وعلى وابن مسعود.
وبه قال مسروق وعطاء والشعبى والنخعي وسعيد بن جبير والثوري والاوزاعي والشافعي وأحمد وأبو عبيدة وأصحاب الرأى ومالك في المدونة والمبسوط وعبد الملك بن الماجشون كل ذلك إذا لم يكن عذر.
وأصل الفئ الرجوع، ولذلك يسمى الظل بعد الزوال

(17/326)


فيئا لانه رجع من المغرب إلى المشرق، فسمى الجماع من المولى فيئة، لانه رجع إلى فعل ما تركه، وأدنى الوطئ الذى تحصل به الفيئة أن تغيب الحشفة في الفرج فان أحكام الوطئ تتعلق به، ولو وطئ دون الفرج أو في الدبر لم يكن فيئة لانه ليس بمحلوف على تركه ولا يزول الضرر بفعله.
(فرع)
إذا فاء لزمته الكفارة في قول أكثر أهل العلم أبو حنيفة ومالك والشافعي في الجديد وأحمد وأصحابهم حيث أوجبوا الكفارة على المولى إذا فاء بجماع امرأته.
وقال الشافعي في القديم والحسن البصري: لا كفارة عليه لقوله تعالى " فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم " قال النخعي: كانوا يقولون إذا فاء لا كفارة عليه.
وقال اسحاق: قال بعض أهل التأويل في قوله تعالى " فإن فاءوا " يعنى لليمين التى حنثوا فيها، وهو مذهب
في الايمان لبعض التابعين فيمن حلف على بر أو تقوى أو باب من الخير ألا يفعله، فانه يفعله ولا كفارة عليه، والحجة له " فان فاءوا فان الله غفور رحيم " ولم يذكر كفارة.
وأيضا فان هذا يتركب على أن لغو اليمين ما حلف على معصية وترك وطئ الزوجة معصية.
وقال قتادة: هذا خالف الناس - يعنى الحسن البصري - وقد يستدل لهذا القول بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مرفوعا " لا نذر ولا يمين فيما لا تملك ولا في معصية ولا في قطيعة رحم، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليتركها فان تركها كفارتها " رواه النسائي وأبو داود، وقد ذكر البيهقى في شعب الايمان أنه لم يثبت.
وقال أبو داود: الاحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم " وليكفر عن يمينه الا ما لا يعبأ به " وقد اختلف أصحابنا في موضع القولين: فمنهم من قال وجه الخلاف فيمن جامع وقت المطالبة.
أما في وقت التربص فان الكفارة واجبة عليه قولا واحدا، لان الفيئة واجبة بعد المطالبة فلا يجب بها كفارة كالحلق عند التحلل من الاحرام، ومنهم من جعل القولين في الحالين بخلاف كفارة الحج، فانها تجب بالمحظور - يعنى الحلق في حال الاحرام - لان الحلق عند التحلل نسك.
وليس

(17/327)


كذلك كفارة اليمين فانها تجب بالحنث، والحنث الواجب كالحنث المحظور في إيجاب الكفارة.
دليلنا في ظاهر المذهب قوله تعالى " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين - الآية إلى قوله - ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم " وقال تَعَالَى " قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ " والحديث اتفق عليه عن عبد الرحمن ابن سمرة " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذى هو خير
وكفر عن يمينك " ولانه حالف حانث في يمينه فلزمته الكفارة كما لو حلف على ترك فريضة ثم فعلها، والمغفرة لا تنافى الكفارة: فان الله تعالى قد غفر لرسوله صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقد كان يقول " انى والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها الا أتيت الذى هو خير وتحللتها " متفق عليه من حديث أبى موسى الاشعري رضى الله عنه (فرع)
إذا كان الايلاء بتعليق عتق أو طلاق وقع بنفس الوطئ لانه معلق بصفة وقد وجدت، وان كان على نذر أو عتق أو صوم أو صلاة أو صدفة أو حج أو غير ذلك من الطاعات أو المباحات فهو مخير بين الوفاء وبين كفارة يمين لانه نذر لجاج وغضب فهذا حكمه.
إذا ثبت هذا فقد اختلف العلماء في الايلاء في حال الغضب، فقال ابن عباس لا ايلاء الا بغضب.
وروى ذلك عن على في المشهور عنه.
وقاله الليث والشعبى والحسن وعطاء، كلهم يقولون: الايلاء لا يكون الا على وجه مغاضبة ومشارة وحرجة ومناكدة ألا يجامعها في فرجها اضرارا بها: وسواء كان في ضمن ذلك اصلاح ولد أم لا، فان لم يكن عن غضب فليس بإيلاء.
وقال ابن سيرين: سواء كانت اليمين في غضب أو غير غضب هو ايلاء، وقاله ابن مسعود والثوري ومالك وأهل العراق والشافعي وأحمد وأصحابهما، الا أن مالكا قال: ما لم يرد اصلاح ولد قال ابن المنذر: وهذا أصح، لانهم لما أجمعوا أن الظهار والطلاق وسائر الايمان سواء في حال الغضب والرضا كان الايلاء كذلك.
ويدل على كلام

(17/328)


ابن المنذر عموم القرآن، وتخصيص حالة الغضب يحتاج إلى دليل ولا يؤخذ من وجه يلزم.
أفاده القرطبى
وإن علق الطلاق الثلاث بوطئها لم يؤمر بالفيئة وأمر بالطلاق في قول بعض أصحابنا، لان الوطئ غير ممكن لكونها تبين منه بإيلاج الحشفة، فيصير مستمتعا بأجنبية.
وأكثر أصحابنا قالوا تجوز الفيئة، لان النزع ترك للوطئ، وترك الوطئ ليس بوطئ.
وقال بعض أصحاب أحمد: إن كلام أحمد يقتضى روايتين (كهذين الوجهين) وقال ابن قدامة " واللائق بمذهب أحمد تحريمه لوجوه: أحدها أن آخر الوطئ حصل في أجنبية، فإن النزع يلتذ به كما يلتذ بالايلاج، وقد شبه أصحابنا ذلك بمن طلع عليه الفجر وهو مجامع فنزع أنه يفطر، والتحريم ههنا أولى لان الفطر بالوطئ ويمكن منع كون النزع وطئا، والمحرم ههنا الاستمتاع، والنزع استمتاع فكان محرما ولان لمسها على وجه التلذذ بها محرم فليس الفرج بالفرج أولى بالتحريم فإن قيل فهذا إنما يحصل ضرورة ترك الحرام كما لو اختلط لحم خنزير بلحم مباح لا يمكنه أكله إلا بأكل لحم الخنزير حرم، ولو اشتبهت ميتة بمذكاة أو امرأته بأجنبية حرم الكل، وهذا وجه اختاره أبو على بن خيران.
وهو الصحيح من مذهب أحمد، والصحيح عندنا قال المصنف هو المذهب: تجوز الفيئة لان النزع ترك للوطئ، وترك الوطئ ليس بوطئ، فإن وطئ فعليه أن ينزع حين يولج الحشفة ولا يزيد على ذلك، ولا يلبث ولا يتحرك عند النزع لانها اجنبية فإذا فعل ذلك فلا حد ولا مهر لانه تارك للوطئ، وإن لبث أو تمم الايلاج فلا حد عليه لتمكن الشبهة منه لكونه وطئا بعضه في زوجته، وفى المهر وجهان
(أحدهما)
يلزمه، لانه حصل منه وطئ محرم في محل غير مملوك فأوجب المهر كما لو أولج بعد النزع.

(والثانى)
لا يجب، لانه تابع الايلاج في محل مملوك فكان تابعا له في المهر الاول، وفى إيجابه بالاستدامة يؤدى إلى إيجاب مهرين بإيلاج واحد.
وان نزع ثم أولج - وكانا جاهلين بالتحريم - فلا حد عليهما وعليه المهر لها ويلحقه النسب.
وإن كانا عالمين بالتحريم ففيه وجهان
(أحدهما)
عليهما الحد

(17/329)


لانه إيلاج في أجنبية بغير شبهة فأشبه ما لو طلقها ثلاثا ثم وطئها ولا مهر لها، لانها مطاوعة على الزنا.

(والثانى)
لا يجب الحد عليهما، لان هذا مما يخفى على كثير من الناس لان الوطئ الواحد يشتمل على ايلاجات فما لم يجب في أوله لم يجب في اتمامه، ومن ثم وجب لها المهر، والصحيح الاول لان الكلام في العالمين وليس هو في مظنة الخفاء، فإن أكثر المسلمين يعلمون أن الطلاق الثلاث محرم للمرأة، ويحتمل أن لا يقام الحد عليهما إذا تأولا ذلك باعتبار أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد كان طلقة واحدة في عهده صلى الله عليه وسلم وخلافة الصديق وصدرا من خلافة عمر، لقوله صلى الله عليه وسلم " ادرءوا الحدود بالشبهات " وان كان أحدهما عالما والآخر جاهلا نظرت - فإن كان هو العالم - فعليه الحد ولها المهر ولا يلحقه النسب لانه زان محدود، وان كانت هي العالمة دونه فعليها الحد وحدها ولا مهر لها والنسب لاحق بالزوج لان وطأه وطؤ شبهة، هذا هو أظهر الوجهين اللذين ساقهما المصنف، وبه قال أحمد وأصحابه قَوْلًا وَاحِدًا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
(فصل)
وان طلق فقد سقط حكم الايلاء وبقيت اليمين، فإن امتنع ولم يف ولم يطلق ففيه قولان.
قال في القديم لا يطلق عليه الحاكم، لقوله صلى الله عليه وسلم " الطلاق لمن أخذ بالساق "، ولان ما خير فيه الزوج بين أمرين لم يقم الحاكم فيه مقامه في الاختيار، كما لو أسلم وتحته أختان، فعلى هذا يحبس حتى
يطلق أو يفئ، كما يحبس إذا امتنع من اختيار احدى الاختين وقال في الجديد يطلق الحاكم عليه، لان ما دخلت النيابة فيه وتعين مستحقه وامتنع من هو عليه قام الحاكم فيه مقامه كقضاء الدين، فعلى هذا يطلق عليه طلقة وتكون رجعية وقال أبو ثور: تقع طلقة بائنة، لانها فرقة لدفع الضرر لفقد الوطئ فكانت بائنة كفرقة العنين، وهذا خطأ لانه طلاق صادف مدخولا بها من غير

(17/330)


عوض ولا استيفاء عدد فكان رجعيا كالطلاق من غير إيلاء، ويخالف فرقة العنين فإن تلك الفرقة فسخ وهذا طلاق، فإذا وقع الطلاق ولم يراجع حتى بانت ثم تزوجها والمدة باقية فهل يعود الايلاء؟ على ما ذكرناه في عود اليمين في النكاح الثاني، فان قلنا يعود فان كانت المدة باقية استؤنفت مدة الايلاء ثم طولب بعد انقضائها بالفيئة أو الطلاق، فان راجعها والمدة باقية استؤنفت المدة وطولب بالفيئة أو الطلاق.
وعلى هذا إلى أن يستوفى الثلاث، فإن عادت إليه بعد استيفاء الثلاث والمدة باقية، فهل يعود الايلاء؟ على قولين
(فصل)
وإن انقضت المدة وهناك عذر يمنع الوطئ نظرت فان كان لمعنى فيها كالمرض والجنون الذى لا يخاف منه أو الاغماء الذى لا تمييز معه أو الحبس في موضع لا يصل إليه، أو الاحرام أو الصوم الواجب أو الحيض أو النفاس لم يطالب لان المطالبة تكون مع الاستحقاق.
وهى لا تستحق الوطئ في هذه الاحوال فلم تجز المطالبة به.
وان كان العذر من جهته نظرت - فان كان مغلوبا على عقله - لم يطالب لانه لا يصلح للخطاب ولا يصلح منه جواب، فإن كان مريضا مرضا يمنع الوطئ أو حبس بغير حق حبسا يمنع الوصول إليه طولب أن يفئ فيئة المعذور بلسانه.
وهو أن يقول لست أقدر على الوطئ ولو قدرت لفعلت، فإذا قدرت فعلت وقال أبو ثور: لا يلزمه الفيئة باللسان، لان الضرر بترك الوطئ لا يزول بالفيئة باللسان، وهذا خطأ، لان القصد بالفيئة ترك ما قصد إليه من الاضرار، وقد ترك القصد إلى الاضرار بما أتى به من الاعتذار، ولان القول مع العذر يقوم مقام الفعل عند القدرة، ولهذا نقول: ان اشهاد الشفيع على طلب الشفعة في حال الغيبة يقوم مقام الطلب في حال الحضور في اثبات الشفعة، وإذا فاء باللسان ثم قدر طولب بالوطئ، لانه تأخر بعذر، فإذا زال العذر طولب به.
(الشرح) الحديث أخرجه ابن ماجه والدارقطني والطبراني وابن عدى، وفى اسناد ابن ماجه ابن لهيعه، وكلام المحدثين فيه معروف، وفى اسناد الطبراني يحيى الحمانى ضعيف، وفى اسناد ابن عدى والدارقطني عصمة بن مالك،

(17/331)


وفى التقريب أنه صحابي، وطرقه يقوى بعضها بعضا قال ابن القيم: ان حديث ابن عباس وان كان في اسناده ما فيه فالقرآن يعضده وعمل الصحابة، وأراد بالقرآن قوله تعالى " إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن " وقوله تعالى " إذا طلقتم النساء " الآية أما الاحكام، فانه إذا امتنع من الفيئة بعد التربص أو امتنع المعذور من الفيئة بلسانه، أو امتنع من الوطئ بعد زوال عذره أمر بالطلاق، فان طلق وقع طلاقه الذى أوقعه واحدة كانت أو أكثر، وليس للحاكم اجباره على أكثر من طلقه لانه يحصل الوفاء بحقها بها فانه يفضى إلى البينونة والتخلص؟ من ضرره وان امتنع من الطلاق طلق الحاكم عليه في أحد القولين.
وبهذا قال مالك.
وعن أحمد رواية: ليس للحاكم الطلاق عليه لان ما خير الزوج فيه بين أمرين لم يقم الحاكم مقامه فيه كالاختيار لبعض الزوجات في حق من أسلم وتحته أكثر
من أربع نسوة أو أختان، فعلى هذا يحبسه ويضيق عليه حتى يفئ أو يطلق، وهذا قول آخر عندنا دليل القول الاول أن ما دخلته النيابة ويعين مستحقه وامتنع من هو عليه قام الحاكم مقامه فيه كقضاء الدين، وفارق الاختيار فانه ما تعين مستحقه.
وهذا أصح في المذهب عند أحمد، وليس للحاكم أن يأمر بالطلاق ويطلق الا أن تطلب المرأة ذلك، لانه حق لها، وانما الحاكم يستوفى لها الحق فلا يكون الا عند طلبها.
(فرع)
إذا انقضت المدة فادعى أنه عاجز عن الوطئ - فإذا كان قد وطئها مرة لم تسمع دعواه العنة، كما لا تسمع دعواها عليه، ويؤخذ بالفيئة أو بالطلاق كغيره، وان لم يكن وطئها - ولم تكن حاله معروفة - فقال القاضى تسمع دعواه ويقبل قوله، لان التعنين من العيوب التى لا يقف عليها غيره، هذا هو ظاهر المذهب وبه قال أحمد وأصحابه، ولها أن تسأل الحاكم فيضرب لها مدة العنة بعد أن يفئ فيئة أهل الاعذار.
وفيه وجه آخر: أنه لا يقبل قوله لانه متهم في دعوى ما يسقط عنه حقا توجه عليه الطلب به والاصل سلامته

(17/332)


وإن ادعت أنه قد أصابها مرة وأنكر ذلك لم يكن لها المطالبة بضرب مدة العنة لاعترافها بعدم عنته، والقول قوله في عدم الاصابة (فرع)
الطلاق الواجب على المولى رجعتي، سواء أوقعه بنفسه أو طلق الحاكم عليه وعند أحمد روايتان.
قال الاثرم: قلت لابي عبد الله - يعنى أحمد ابن حنبل - في المولى فإن طلقها؟ قال تكون واحدة وهو أحق بها، وذكر أبو بكر رواية أخرى: أن فرقة الحاكم تكون بائنا.
وقال ابن قدامة: قال القاضى: المنصوص عن أحمد في فرقة الحاكم أنها تكون بائنا، فإن في رواية الاثرم وقد سئل: إذا طلق عليه السلطان أتكون واحدة؟ فقال: إذا طلق فهى واحدة وهو أحق بها، فأما تفريق السلطان فليس فيه رجعة.
وقال أبو ثور: طلاق المولى بائن سواء طلق هو أو طلق عليه الحاكم لانها فرقة لرفع الضرر فكان بائنا كفرقة العنة، ولانها لو كانت رجعية لم يندفع الضرر لانه يرتجعها فيبقى الضرر.
وقال أبو حنيفة: يقع الطلاق بانقضاء العدة بائنا، ووجه الاول أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فكان رجعيا كالطلاق في غير الايلاء، ويفارق فرقة العنة لانها فسخ لعيب.
وهذه طلقة.
ولانه لو أبيح له ارتجاعها لم يندفع عنها الضرر وهذه يندفع عنها الضرر، فإنه إذا ارتجعها ضربت له مدة أخرى، ولان العنين قد يئس من وطئه فلا فائدة في رجعته، وهذه غير عاجز ورجعته دليل على رغبته فيها وإقلاعه عن الاضرار بها فافترقا.
ثم ان المولى إذا امتنع من الفيئة والطلاق معا وقام الحاكم مقامه فانه لا يملك من الطلاق الا واحدة، لان إيفاء الحق يحصل بها فلم يملك زيادة عليها كما لم يملك الزيادة على وفاء الدين في حق الممتنع وقال احمد وأصحابه: ان الحاكم قائم مقامه فملك من الطلاق ما يملكه فإذا رأى طلقها واحدة وإذا رأى طلقها ثلاثا (مسألة) وان انقضت المدة وهو محبوس بحق يمكن اداؤه طولب بالفيئة

(17/333)


لانه قادر على أداء ما عليه نحوها، فان لم يفعل أخذ بالطلاق، وان كان الطريق مخوفا أو له عذر يمنعه فاء فيئة المعذور
فان كان مغلوبا على عقله بجنون أو إغماء لم يطالب لانه لا يصلح للخطاب ولا يصح منه الجواب.
وتتأخر المطالبة إلى حال القدرة وزوال العذر ثم يطالب حينئذ، وان كان مجبوبا وقلنا يصح إيلاؤه فاء فيئة المعذور، فيقول: لو قدرت جامعتها، فمتى قدر فلم يفعل أمر بالطلاق، لانه إذا وقف وطولب بالفيئة وهو قادر عليها فلم يفعل أمر بالطلاق، وهذا قول من يقول: يوقف المولى، لان الله تعالى قال " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " فإذا امتنع من أداء الواجب لها عليه فقد امتنع من الامساك بالمعروف، فيؤمر بالتسريح بالاحسان، وان كان معذورا ففاء بلسانه ثم قدر على الوطئ أمر به، فإن فعل والا أمر بالطلاق وبهذا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقال القاضى أبو بكر من أصحابه: إذا فاء بلسانه لم يطالب بالفيئة مرة أخرى وخرج من الايلاء، وهو قول الحسن وعكرمة والاوزاعي لانه فاء مرة فخرج من الايلاء ولم تلزمه فيئة ثانيه، كما لو فاء بالوطئ وقال أبو حنيفة: تستأنف له مدة الايلاء.
لانه وفاها حقها بما أمكنه من الفيئة فلا يطالب الا بعد استئناف مدة الايلاء كما لو طلقها.
دليلنا أنه أخر حقها لعجزه عنه فإذا قدر عليه لزمه أن يوفيها اياه كالدين على المعسر إذا قدر عليه.
وما ذكروه فليس بحقها ولا يزول الضرر عنها به وانما وعدها بالوفاء ولزمها الصبر عليه، وانكاره كالغريم المعسر (فرع)
وليس على من فاء بلسانه كفارة ولا حنث لانه لم يفعل المحلوف عليه، وانما وعد بفعله فهو كمن عليه دين حلف أن لا يوفيه ثم أعسر به فقال: متى قدرت وفيته.
إذا ثبت هذا فانه إذا مضت المدة وبالمولى عذر يمنع الوطئ، من مرض أو حبس بغير حق أو غيره لزمه أن يفئ بلسانه فيقول: متى قدرت جامعتها ونحو
هذا.
وممن قال يفئ بلسانه إذا كان ذا عذر ابن مسعود وجابر بن زيد والنخعي والحسن والزهرى والثوري والاوزاعي وعكرمة وأبو عبيد وأصحاب الرأى

(17/334)


وقال سعيد بن جبير: لا يكون الفئ إلا بالجماع في حال العذر وغيره.
وقال أبو ثور: إذا لم يقدر لم يوقف حتى يصح أو يصل ان كان غائبا ولا تلزمه الفيئة بلسانه لان الضرر بترك الوطئ لا؟ ؟ ول بالقول، وقال بعض أصحابنا يحتاج أن يقول: قد ندمت على ما فعلت وان قدرت وطئت ولنا أن القصد بالفيئة ترك ما قصده من الاضرار وقد ترك قصد الاضرار بما أتى به من الاعتذار، والاعتذار بالقول يقوم مقام فعل القادر، بدليل أن اشهاد الشفيع على الطلب بالشفعة عند العجز عن طلبها يقوم مقام طلبها في الحضور في إثباتها، ولا يحتاج أن يقول ندمت، لان الغرض أن يظهر رجوعه عن المقام على اليمين وقد حصل بظهور عزمه عليه وقال ابن قدامة وأبو الخطاب والقاضى أبو بكر من الحنابلة: ان فيئة المعذور أن يقول فئت اليك، وهو قول الثوري وأبى عبيد وأصحاب الرأى.
وقال أبو ثور لا يلزمه الفيئة باللسان لان ذلك لا يغير من الامر شيئا ولا يفيدها في شئ أن يعدها بالفعل عند القدرة، وهذا خطأ لان الابانة عن القصد بترك الاضرار مع ما فيه من نوع اعتذار والاخبار بإزالته للضرر عند إمكانه، كل ذلك يقوم مقام الفعل عند القادر عليه، كما قلنا في إشهاد الشفيع على الطلب بالشفعة عند العجز عن طلبها.
ونخلص من هذا أن كل عذر من فعله يمنعه الوطئ لا يمهل ويؤمر بالطلاق، لان الامتناع بسبب منه، فلا يسقط حكما واجبا عليه قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن انقضت المدة وهو غائب، فإن كان الطريق أمنا فلها أن توكل من يطالبه بالمسير إليها أو بحملها إليه أو بالطلاق، وان كان الطريق غير أمن فاء فبئة معذور إلى أن يقدر، فإن لم يفعل أخذ بالطلاق
(فصل)
وإن انقضت المدة وهو محرم قيل له: ان وطئت فسد إحرامك وان لم تطأ أخذت بالطلاق، فإن طلقها سقط حكم الايلاء، وإن وطئها فقد أوفاها حقها وفسد نسكه، وان لم يطأ ولم يطلق ففيه وجهان: أحدهما: يقتنع

(17/335)


منه بفيئة معذور إلى أن يتحلل، لانه غير قادر على الوطئ، فأشبه المريض المحبوس
(والثانى)
لا يقتنع منه، وهو ظاهر النص لانه امتنع من الوطئ بسبب من جهته.

(فصل)
وان انقضت المدة وهو مظاهر قيل له: ان وطئت قبل التكفير أثمت للظهار: وان لم تطأ أخذت بالطلاق، فإن قال أمهلوني حتى أشترى رقبة أكفر بها أمهل ثلاثة أيام.
وان قال أملهوني حتى أكفر بالصيام لم يمهل، لان مدة الصيام تطول، وان أراد أن يطأها قبل أن يكفر وقالت المرأة: لا أمكنك من الوطئ لانى محرمة عليك فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ رَحِمَهُ الله: انه ليس لها أن تمتنع، فإن امتنع سقط حقها من المطالبة، كما نقول فيمن له دين على رجل فأحضر مالا فامتنع صاحب الحق من أخذه وقال: لا آخذه لانه مغصوب أنه يلزمه أن يأخذه أو يبرئه من الدين، وعندي أن لها أن تمتنع لانه وطئ محرم فجاز لها أن تمتنع منه كوطئ الرجعية، ويخالف صاحب الدين فإنه يدعى أنه مغصوب والذى عليه الدين يدعى أنه ماله، والظاهر معه.
فان اليد تدل على الملك، وليس كذلك وطئ المظاهر منها، فانهما متفقان على تحريمه، فنظيره من المال أن ينفقا على أنه مغصوب فلا يجبر صاحب الدين على أخذه

(فصل)
وإن انقضت المدة فادعى أنه عاجز ولم يكن قد عرف حاله أنه عنين أو قادر ففيه وجهان:
(أحدهما)
وهو ظاهر النص أنه يقبل قوله لان التعنين من العيوب التى لا يقف عليها غيره فقبل قوله فيه مع اليمين، فان حلف طولب بفيئة معذور أو يطلق، والوجه الثاني أنه لا يقبل قوله لانه متهم فعلى هذا يؤخذ بالطلاق.

(فصل)
وإن آلى المجبوب وقلنا انه يصح ايلاؤه أو آلى وهو صحيح الذكر وانقضت المدة وهو مجبوب فاء فيئة معذور، وهو أن يقول: لو قدرت فعلت فإن لم يفئ أخذ بالطلاق
(فصل)
وان اختلف الزوجان في انقضاء المدة فادعت المرأة انقضاءها وأنكر الزوج فالقول قول الزوج، لان الاصل أنها لم تنقض، ولان هذا

(17/336)


اختلاف في وقت الايلاء فكان القول فيه قوله، وان اختلفا في الاصابة فادعى الزوج أنه أصابها وأنكرت المرأة فعلى ما ذكرناه في العنين (الشرح) إذا انقضت المدة وهو محرم أو محبوس في حق عليه نظرت فإن كان الطريق امنا والحق الذى عليه يمكنه اداؤه، فإن انقضت المدة وهو غائب فلها أن توكل من يطالبه بالمسير إليها أو يحملها هي إليه أو يأمره بأداء ما عليه، فإن لم يفعل أمر بالطلاق، فإن كان عاجزا عن أدائه أو حبس ظلما امر بفيئة المعذور، وإن كان الطريق مخوفا أو له عذر يمنعه فاء فيئة المعذور.
وقد مضى مزيد إيضاح في الفصول قبله.
(فرع)
سبق أن قلنا إن الامتناع بسبب منه لا يسقط حكما واجبا عليه، وجملة ذلك أن الاحرام والاعتكاف المنذور وكفارة الظهار كل أولئك لا يؤمر بالوطئ فيه لانه محرم عليه، ولكن يؤمر الطلاق.
ووجه هذا أنه عاجز عن
الوطئ بأمر لا يمكنه الخروج منه فأشبه المريض، فإن لم يطأها حين انقضاء المدة - لخوفه من فساد نسكه - لانه إذا وطئها فقد أوفاها حقها وارتكب إثم إفساد نسكه، أخذ بطلاقها، فان لم يطلقها ولم يطأها ففيه وجهان
(أحدهما)
يكتفى منه بفيئة المعذور إلى أن يتحلل فيكون كالمريض
(والثانى)
لا يكتفى منه، وهو ظاهر قوله في الام حيث يقول: وإذا آلى الرجل من امرأته ثم أحرم قيل له إذا مضت أربعة أشهر فإن شئت فسد إحرامك وخرجت من حكم الايلاء، وإن لم تفئ طلق عليك لانك أحدثت منع الجماع على نفسك، فان فئت فأنت عاص بالاصابة وأنت متظاهر، وليس لك أن تطأ قبل الكفارة، وان لم تفئ فطلق أو يطلق عليك، وهكذا لو تظاهر ثم آلى لان ذلك كله جاء منه لا منها ولم تحرم عليه بالظهار حرمة الاجنبية (فرع)
المظاهر إذا انقضت مدته يقال له: إما أن تكفر وتفئ واما أن تطلق فإن قال أمهلوني حتى أطلب رقبة أو أطعم، فإن علم أنه قادر على التكفير في الحال وانما يقصد المماطلة والمدافعة والتأخير لم يمهل، لان الحق حال عليه،

(17/337)


وإنما يمهل للحاجة ولا حاجة، وان لم يعلم ذلك أمهل ثلاثة أيام لانه قريبة، ولا يزاد على ذلك، وإن كان فرضه الصيام فطلب الامهال ليصوم شهرين متتابعين لم يمهل لانه كثير، فإن أراد أن يجامعها كان لها أن لا تمكنه من نفسها لان هذا الوطئ محرم عليهما، وهذا هو اختيار الشيخ أبى اسحاق الشيرازي هنا واختيار ابن قدامة من الحنابلة.
وذكر الشيخ أبو حامد الاسفرايينى وبعض أصحاب الامام أحمد أنه يلزمها التمكين، وإن امتنعت سقط حقها، لان حقها في الوطئ وقد بذله.
ومتى وطئها فقد وفاها حقها والتحريم عليه دونها كمن له على آخر دين فأحضره له فأبى اخذه
لانه مغصوب، فهو بين أمرين إما أن يأخذه وفاء لدينه واما أن يقيله من الدين ولنا أنه وطئ حرام فلا يلزم التمكين منه كالوطئ في الحيض والنفاس.
وهذا بخلاف الدين، فإن المال ملك من في حوزته ومن يده عليه، فكان الحكم الظاهر أن المال ماله، وفارق الظهار فإنهما مشتركان في الاثم، ولا نسلم كون التحريم عليه دونها، فإن الوطئ متى حرم على أحدهما حرم على الاخر لكونه فعلا واحدا ولو جاز اختصاص أحدهما بالحريم لاختصت المرأة بتحريم الوطئ في الحيض والنفاس، واحرامها وصيامها، لاختصاصها بسببه ويتخرج على ذلك أنه يمكنه أن يفئ بلسانه فيئة المعذور ويمهل حتى يصوم، كقولنا في المحرم على أحد الوجهين.
وهذا ما اخترته على أصل المذهب، وهذا أولى من ايقاع الطلاق عليه فقد تكون الثالثة فتبين منه، وان كان المنصوص أنها تطلق عليه ان لم يطلقها.
(فرع)
مضى في الفصل قبله قولنا إذا انقضت المدة فادعى عجزه عن الوطئ وقلنا لا تسمع دعواه كما لا تسمع دعواها، ونقول هنا انه إذا لم تكن حاله معروفة لنا من عنة أو قدرة ففيه وجهان:
(أحدهما)
تسمع دعواه ويقبل قوله، لان التعنين من العيوب التى لا يقف عليها غيره، وهذا هو ظاهر قوله في الام، وقد نص الشافعي أن لها أن تسأل الحاكم فيضرب له مدة العنة وقدرها سنة، الا أن يطلقها بعد الاشهر الاربعة.

(17/338)


والوجه الثاني: لا يقبل قوله لانه متهم في دعوى ما يسقط عنه حقا توجه عليه الطلب به والاصل سلامته منه فيؤخذ بالطلاق (فرع)
إن ادعت أنه قد أصابها مرة وأنكر ذلك لم يكن لها المطالبة بضرب مدة العنة لاعترافها بعدم عنته، والقول قوله في عدم الاصابة
(مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: إذا آلى الخصى غير المجبوب من امرأته فهو كغير الخصى، وهكذا لو كان مجبوبا قد بقى له ما يبلغ به من المرأة ما يبلغ الرجل حتى تغيب حشفته كان كغير الخصى في جميع أحكامه.
وإذا آلى الخصى المجبوب من امرأته قيل له: فئ بلسانك لا شئ عليه غيره لانه ممن لا يجامع مثله، وإنما الفئ الجماع وهو ممن لا جماع عليه.
قال: ولو تزوج رجل امرأته ثم آلى منها ثم خصى ولم يجب كان كالفحل، ولو جب كان لها الخيار مكانها في المقام المقام معه أو فراقه، فإن اختارت المقام معه قيل له: إذا طلبت الوقف ففئ بلسانك لانه ممن لا يجامع قال الربيع: ان اختارت فراقه فالذي أعرف للشافعي أنه يفرق بينهما، وإن اختارت المقام معه فالذي أعرف للشافعي أن امرأة العنين إذا اختارت المقام معه بعد الاجل أنه لا يكون لها خيار ثانية والمجبوب عندي مثله (مسألة) إذا اختلف الزوجان في انقضاء المدة فالقول قوله مع يمينه، وإنما كان كذلك لان الاختلاف في مضى المدة ينبنى على الخلاف في وقت يمينه، فانهما لو اتفقا على وقت اليمين حسب من ذلك الوقت، فعلم هل انقضت المدة أم لا؟ وزال الخلاف، أما إذا اختلفا في وقت اليمين فقال حلفت في غرة رمضان، وقالت بل حلفت في غرة شعبان فالقول قوله لانه صدر من جهته، وهو أعلم به فكان القول قوله فيه، كما لو اختلفا في أصل الايلاء.
ولان الاصل عدم الحلف في غرة شعبان فكان قوله في نفيه موافقا للاصل مع يمينه، وبهذا قال الخرقى من الحنابلة.
وقال القاضى أبو بكر منهم: لا يمين عليه.
دليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعى " ولانه حق لآدمي يجوز بذله فيستحلف فيه كالديون

(17/339)


ولو وقفناه بعد الاربعة الاشهر فقال قد أصبتها، فإن كانت ثيبا كان القول قوله مع يمينه، لان الاصل بقاء النكاح والمرأة تدعى ما يلزمه به رفعه، وهو يدعى ما يوافق الاصل ويبقيه، فكان القول قوله، كما لو ادعى الوطئ في العنة، ولان هذا أمر خفى ولا يعلم إلا من جهته فقبل قوله فيه كقول المرأة في حيضها وتلزمه اليمين، لان ما تدعيه المرأة محتمل فوجب نفيه باليمين ونص أحمد في رواية الاثرم أنه لا يلزمه يمين لانه لا يقضى فيه بالنكول، وهذا اختيار أبى بكر من أصحاب أحمد وأما إن كانت بكرا واختلفا في الاصابة أريت النساء الثقات، فإن شهدن بثيوبتها فالقول قوله، وإن شهدن ببكارتها فالقول قولها، لانه لو وطئها زالت بكارتها، فإن قلنا إن النساء الثقات بمثابة البينة فلا يمين، لان من شهدت له البينة فلا يمين عليه فلو كانت هذ المرأة غير مدخول بها فادعى أنه أصابها وكذبته ثم طلقها وأراد رجعتها كان القول قولها، فنقبل قوله في الاصابة في الايلاء ولا نقبله في اثبات الرجعة له، كما مضى في الرجعة، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل

(17/340)