المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

كتاب الرضاع

إذا ثار للمرأة لبن على ولد فارتضع منها طفل له دون الحولين خمس رضعات متفرقات صار الطفل ولدا لها في حكمين: في تحريم النكاح، وفي جواز الخلوة وأولاد أولادها، وصارت المرأة أما له وأمهاتها جداته، وآباؤها أجداده،
وأولادها أخوته وأخواته، وإخوتها وأخواتها أخواله وخالاته.
وإن كان الولد ثابت النسب من رجل صار الطفل ولداله وأولاده أولاده، وصار الرجل أبا له، وآباؤه أجداده وأمهاته جناته وأولاده اخوته واخوته وأخوانه أعمامه وعماته والدليل عليه قوله تعالى " وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة، فنص على الامهات والاخوات، فدل على ما سواه وروى ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم أريد على ابنة حمزة بن عبد المطلب فقال انها ابنة أخى من الرضاعة، وانه يحرم من الرضاع مثل ما يحرم من النسب " وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة " وروت عائشة رضى الله عنها " أن أفلح أخا أبى القعيس أستأذن عليها فأبت أن تأذن له، فذكرت ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أفلا أذنت لعمك؟ فقالت يارسول الله انما أرضعتني المرأة ولم يرضعنى الرجل، قال فاءذنى له فإنه عمك.
وكان أبوالقعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة رضى الله عنها " ولان اللبن حدث للولد، والولد ولدهما، فكان المرضع باللبن ولدهما.

(فصل)
وتنتشر حرمة الرضاع من الولد إلى أولاده وأولاد أولاده.
ذكورا كانوا أو اناثا.
ولا تنتشر إلى أمهاته وآبائه واخوته وأخواته.
ولا يحرم على المرضعة أن تتزوج بأبى الطفل ولا بأخيه.
ولا يحرم على زوج المرضعة الذي ثار اللبن على ولده أن يتزوج بأم الطفل ولا بأخته، لقوله صلى الله عليه وسلم

(18/207)


يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وحرمة النسب في الولد تنتشر إلى أولاده ولا تنتشر إلى أمهاته وآبائه، ولا إلى اخوته وأخواته فكذلك الرضاع.
(الشرح) قوله تعالى في سورة النساء " وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة " قرأ عبد الله " اللائى " بغير تاء، كقوله تعالى " واللائى يئسن من المحيض " أما حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أريد على ابنة حمزة فقال انها لا تحل لى.
انها ابنة أخى من الرضاعة ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم " وفي لفظ " من النسب " أخرجه أحمد والبخاري ومسلم.
وحديث عائشة أخرجه أحمد والشيخان واصحاب السنن الاربعة والدارقطني.
أما حديث عائشة فأخرجه البخاري في الشهادات عن محمد بن أبي كثير وعن آدم.
وفي النكاح عن أبى الوليد ومسلم في النكاح عن هناد.
وعن عبد الله بن معاذ وعن قتببة والحلواني ومحمد بن رافع وابو داود فيه عن حفص بن عمرو عن محمد بن كثير والنسائي فيه عن هناد وعن قتيبة والربع بن سليمان واسحاق بن ابراهيم.
وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبى شيبة.
أما اللغات فالرضاع بكسر الراء وفتحها والرضاعة بالفتح لاغير.
وحكى المروى الكسر فيها أيضا - أفاده بن بطال - أما الفعل رضع فهو من تعب في لغة نجد ورضع رضعا من باب ضرب لغة لاهل تهامة.
وأهل مكة يتكلمون بها وبعضهم يقول أصل المصدر من هذه اللغة كسر الضاد.
وانما السكون تخفيف مثل الحلف والحلئف.
ورضع يرضع بفتحتين لغة ثالثة رضاعا.
ورضاعة بفتح الراء.
وأرضعته أمه فارتضع فهى مرضع ومرضعة أيضا.
وقال الفراء وجماعة ان قصد حقيقة الوصف بالارضاع فمرضع بغير هاء.
وان قصد مجاز الوصف بمعنى انها محل الارضاع فيما كان أو سيكون فبالهاء وعليه قوله تعالى " تذهل كل مرضعة عما ارضعت " ونساء مراضع ومراضيع.
وراضعته مراضعة ورضاعا.
ورضاعة بالكسر وهو رضيعى.
والراضعتان الثنيتان اللتان يشرب عليهما اللبن.
ويقال الراضعة الثنية إذا سقطت والجمع الرواضع.

(18/208)


قال أبو زيد.
الراضعة كل من سن سقطت من مقادمه.
ويقال لؤم ورضع على الازدواج، وذلك إذا مص من الخلف مخافة أن يعلم به أحد إذا حلب فيطلب منه شيئا فهو راضع، ولو أفرد قيل رضع مثل تعب أو ضرب والجمع رضع قوله " أريد على ابنة حمزة " أي طلب وأصله من راد يرود إذا طلب المرعى وفي الخبر " ان الرائد لا يكذب أهله " وفي حديث " فليرتد لبوله " ومنه قوله " أنا راودته عن نفسه " والذي أراد مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يتزوجها هو علي رضى الله عنه كما في صحيح مسلم، وقد اختلف في اسم ابنة حمزة.
أمامة وسلمى وفاطمة وعائشة وأمة الله وعمارة ويعلى، وانما كانت ابنة أخى النبي صلى الله عليه لانه صلى الله عليه وسلم رضع من ثوبية وقد كان أرضعت حمزة.
وأفلح قال الشوكاني هو مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وليس بصحيح إذ أن افلح مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابن منده اراده هو الذى قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ترب وجهك " قال ابن الاثير في اسد الغابة.
روى له أبو نعيم حديث ام سلمة قالت " رأى النبي صلى الله عليه وسلم علاما لنا يقال له افلح ينفخ إذا سجد، فقال له " ترب وجهك " وروى حبيب المكى عن أفلح مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال " اخاف على امتى من بعدى ضلالة الاهواء واتباع الشهوات والغفلة بعد المعرفة، اخرجه ثلاثتهم - يعنى ابن منده وأبا نعيم وابا عمر بن عبد البر - قلت واسم افلح هذا رباح.
اما افلح بن ابى القعيس أو أبو القعيس وقيل أخو أبى القعيس فقال ابن الاثير (1) صاحب الاصابة أخبرنا أبو المكارم فتيان الجوهرى بإسناده عن القعنبى عن مالك عن ابن شهاب
__________
(1) ابناء الاثير ثلاثة اخوة، الاكبر وهو مجد الدين أبو السعادات المبارك
ابن محمد صاحب النهاية في غريب الحديث واوسطهم عز الدين ابو الحسن صاحب اسد الغاية والكامل في التاريخ.
واصغرهم هو ضياء الدين ابو الفتح نصر الله صاحب " المثل السائر في ادب الكاتب والشاعر " وكان احد وزراء الملك الافضل ابن صلاح الدين الايوبي.

(18/209)


عن عروة عن عائشة وساق الحديث وقال.
ورواه سفيان بن عبينة ومعمر عن الزهري نحوه.
ورواه ابن نمير وحماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه فقال " إن أخا أبى القعيس، وكذلك رواه عطاء عن عروة، ورواه عباد بن منصور عن القاسم بن محمد قال، حدثنا أبوالقعيس أنه جاء إلى عائشة رضى الله عنها فذكر نحوه، والصحيح أنه أخو أبى القعيس أما الاحكام فإنه لا يقتضى التحريم من الرضاع إلا خمس رضعات معلومات والرضاع المقتضى للتحريم هو الواصل إلى الجوف مع الاشباع، فإذا أرضعت المرأة طفلا حرمت عليه لانها أمه، وبنتها لانها أخته، وأختها لانها خالته وأمها لانها جدته وبنت زوجها صاحب اللبن لانها أخته، وأخته لانها عمته وأمه لانها جدته وبنات بنيها وبناتها لانهن بنات إخوته وأخواته، ويشترط في الارضاع شرطان
(أحدهما)
خمس رضعات لحديث عائشة الذي سيأتي.
وفي حديث سهلة " أرضعيه خمس رضعات يحرم بهن " الشرط الثاني أن يكون في الحولين، فإن كان خارجها عنهما لم يحرم كما سيأتي.
وقد استدل بقوله تعالى " وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم " من نفى لبن الفحل، وهو سعيد بن المسيب وابراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن.
وقالوا لبن الفحل لا يحرم شيئا من قبل الرجل وقال الجمهور.
قوله تعالى " وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم " يدل على أن الفحل
أنب، لان اللبن منسوب إليه: فإنه در بسبب ولده - وهذا ضعيف - فإن الولد خلق من ماء الرجل والمرأة جميعا.
واللبن من المرأة ولم يخرج من الرجل وما كان من الرجل الاوطئ هو سبب لنزول الماء منه، وإذا فضل الولد خلق الله اللبن من غير أن يكون مضافا إلى الرجل بوجه ما.
ولذلك لم يكن الرجل حق في اللبن وإنما اللبن لها فلا يمكن أخذ ذلك من القياس على الماء.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " يقتضى التحريم من الرضاع ولا يظهر وجه نسبة الرضاع إلى الرجل مثل ظهور نسبة الماء إليه والرضاع منها.
نعم.
الاصل فيه حد " أن أفلح أخا القيس جاء يستأذن عليها وهو عمها

(18/210)


من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب قالت فأبست أن آذن له فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته فقال ليلج عليه فإنه عمك تربت يمينك " وكان أبوى القعيس زوج المرأة التى أرضعت عائشة رضى الله عنها قال القرطبى وهذا خبر واحد.
ويحتمل أن يكون أفلح مع أبى بكر رضيعى لبان فلذلك قال ليلج عليك عمك.
وبالجملة فالقول فيه مشكل والعلم عند الله ولكن العمل عليه.
والاحتياط في التحريم أولى مع أن قول الله تعالى " وأحل لكم ما وراء ذلك " يقوى قول المخالف اه وقوله تعالى " وأخواتكم من الرضاعة " وهي الاخت لاب وأم.
وهى التي أرضعتها أمك بلبان أبيك.
سواء أرضعتها معك أو ولدت قبلك أو بعدك.
والاخت من الاب دون الام.
وهى التى أرضعتها زوجة أبيك.
والاخت من الام دون الاب وهى التى أرضعتها أمك بلبان رجل آخر، ثم ذكر التحريم بالمصاهرة فقال " وأمهات نسائكم " والصهر أربع: أم المرأة وابنتها وزوجة
الاب وزوجة الابن.
فأم المرأة تحرم بمجرد العقد الصحيح على ابنتها إذا تقرر هذا فإن تحريم الام والاخت ثبت بنص الكتاب.
وتحريم البنت ثبت بالتنبيه.
فإنه إذا حرمت الاخت فالبنت أولى وسائر المحرمات ثبت تحريمهن بالسنة.
وتثبت المحرمية لانها فرع على التحريم إذا كان بسبب مباح
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ولا يثبت تحريم الرضاع فيما يرتضع بعد الحولين لقوله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فجعل تمام الرضاع في الحولين فدل على أنه لاحكم للرضاع بعد الحولين.
وروى يحى بن سعيد أن رجلا قال لابي موسى الاشعري " انى مصصت من ثدى امرأتي لبنا فذهب في بطني.
قال أبو موسى لا أراه إلا قد حرمت عليك.
فقال عبد الله بن مسعود: انظر ما تفتى به الرجل.
فقال أبو موسى فما تقول أنت فقال عبد الله: لارضاع إلا ما كان في الحولين.
قال أبو موسى لا تسألونى عن شئ مادام هذا الحبر بين أظهركم " وعن ابن عباس رضى الله عنه قال: لا رضاع إلا ماكان في الحولين

(18/211)


(الشرح) انتزع الفقهاء من قوله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) أن الرضاعة المحرمة - بكسر الراء المشددة - الجارية مجرى النسب إنما هن ماكان في الحولين، لانه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة.
وهو قول عمر وابن عباس.
وروى عن ابن مسعود كما حكاه المصنف.
وبه قال الزهري وقتادة والشعبى وسفيان الثوري ومالك وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وابن شبرمة وروى ابن عبد الحكم عن مالك: ان زاد شهرا جاز وروى شهران.
وقال
أبو حنيفة: يحرم الرضاع في ثلاثين شهرا، لقوله تعالى " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " ولم يرد بالحمل حمل الاحشاء، لانه يكون سنتين، فعلم أنه أراد الحمل في الفصال.
وقال زفر: مدة الرضاع ثلاث سنين، وكانت عائشة ترى رضاعة الكبيرة تحرم.
ويروى هذا عن عطاء والليث وداود لما روى أن سهلة بنت سهيل قالت " يارسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا فكان يأوى معى ومع أبى حذيفة في بيت واحد ويرانى فضلا.
وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرضعيه، فأرضعته خمس رضعات فكانت بمنزلة ولدها فبذلك كانت عائشة تأخذ بنات أخواتها وبنات إخواتها يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها - وان كان كبير خمس رضعات - وأبت ذلك أم سلمة وَسَائِرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدخل عليهن بتك الرضاعة حتى يكون قد وضع في المهد.
وقلن لعائشة والله ما ندرى لعلها رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس.
رواه أبو داود والنسائي دليلنا قوله تعالى " والولدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " فجعل تمام الرضاعة حولين فيدل على أنه لا حكم لها بعدهما وعن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها وعندها رجل، فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله إنه أخى من الرضاعة، فقال صلى الله عليه وسلم: انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة، متفق عليه.
وعن أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يحرم من الرضاع

(18/212)


إلا ما فتق الامعاء وكان قبل الفطام أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وعند هذا يتعين حمل خبر أبى حذيفة على أنه خاص له دون غيره من الناس كما قال
سائر أزواجه صلى الله عليه وسلم قال ابن قدامة: وقول أبى حنيفة تحكم يخالف ظاهر الكتاب وقول الصحابة فقد روينا عن على وابن عباس أن المراد بالحمل حمل البطن، وبه استدل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وقد دل على هذا قول الله تعالى " وفصاله في عامين " فلو حمل على ماقاله أبو حنيفة لكان مخالفا لهذه الآية قال عبد الرزاق عن الثوري: حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبى حصين عن أبى عطية الوادعى قال: جاء رجل إلى أبى موسى فقال " ان امرأتي ورم ثديها فمصصته فدخل حلقى شئ وسبقني؟ فشدد عليه أبو موسى فأتى عبد الله بن مسعود فقال سألت أحدا غيرى؟ قال نعم أبا موسى فشدد على، فأتى أبا موسى فقال، أرضيع هذا؟ فقال أبو موسى لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم إذا ثبت هذا فالاعتبار بالعامين لا بالفطام، فلو فطم قبل الحولين ثم ارتضع فيها لحصل التحريم، ولو لم يفطم حتى تجاوز الحولين ثم ارتضع بعدهما قبل الفطام لم يثبت التحريم.
وقال ابن القاسم صاحب مالك " لو ارتضع بعد الفطام في الحولين لم تحرم عليه لقوله صلى الله عليه وسلم " وكان قبل الفطام " ويرد عليه قوله تعالى " والولدات يرضعن أولادهن حولين كاملين " وقوله صلى الله عليه وسلم " لارضاع إلى ما كان في الحولين " والفطام معتبر بمدته لا بنفسه وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لارضاع بعد فصال ولا يتم بعد احتلام " رواه الطيالسي في مسنده
قال المصنف رحمه الله تعالى
(فصل)
ولا يثبت تحريم الرضاع بما دون خمس رضعات، وقال أبو ثور يثبت بثلاث رضعات لما روت أم الفضل رضى الله عنها أن رسول الله (ص)

(18/213)


قال " لا تحرم الا ملاجة ولا الا ملاجتان " فدل على أن الثلاث يحرمن، والدليل على أنه لا يحرم ما دون خمس الرضعات ماروت عائشة رضى الله عنها قالت " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ في القرآن، وحديث أم الفضل يدل على أن الثلاث يحرمن من جهة دليل الخطاب، والنص يقدم على دليل الخطاب، وهو مارويناه، ولا يثبت إلا بخمس رضعات متفرقات، لان الشرع ورد بها مطلقا، فحمل على العرف، والعرف في الرضعات أن يرتضع ثم يقطعه باختياره من غير عارض ثم يعود إليه بعد زمان ثم يرتضع ثم يقطعه، وعلى هذا إلى أن يستوفي العدد، كما أن العاده في الاكلات أن تكون متفرقة في أوقات.
فأما إذا قطع الرضاع لضيق نفس أو لشئ يلهيه ثم رجع إليه أو انتقل من ثدى إلى ثدى كان الجميع رضعة، كما أن الاكل إذا قطعه لضيق نفس أو شرب ماء أو لانتقال من لون إلى لون كان الجميع أكلة، فإن قطعت المرضعة عليه ففيه وجهان
(أحدهما)
أن ذلك ليس برضعة، لانه قطع عليه بغير اختياره
(والثانى)
أنه رضعة، لان الرضاع يصح بكل واحد منهما.
ولهذا لو أوجرته وهو نائم ثبت التحريم كما يثبت إذا ارتضع منها وهى نائمة، فإذا تمت الرضعة بقطعه وجب أن تتم بقطعها.
فإن أرضعته امرأة أربع رضعات، ثم أرضعته أمرأة أخرى أربع رضعات ثم عاد إلى الاولى فارتضع منها وقطع، وعاد إلى الاخرى في الحال فارتضع منها ففيه وجهان:
(أحدهما)
لايتم عدد الخمس من واحدة منهما، لانه انتقل من إحدهما إلى الاخرى قبل تمام الرضعة فلم تكن كل واحدة منهما رضعة، كما لو انتقل من ثدى
إلى ثدى
(والثانى)
يتم العدد من كل واحدة منهما، لان الرضعة أن يرتضع القليل والكثير ثم يقطع ولا يعود إلى بعد زمان طويل، وقد وجد ذلك (الشرح) حديث أم الفضل " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أتحرم المصة؟ فقال لا تحرم الرضعة والرضعتان والمصة والمصتان " وفي رواية " دخل

(18/214)


أعرابي على نبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بيتى فقال يا نبي الله إني كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى فزعمت امرأتي الاولى أنها أرضعت الحدثى رضعة أو رضعتين، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تحرم الا ملاجة ولا الاملاجتان " أخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بين يحيى وعمر والناقد وإسحاق بن ابراهيم.
وعن أبى بكر وعن أبى غسان المسمعى وعن أحمد بن سعيد الدارمي والنسائي في النكاح عن عبد الله بن الصباح وابن ماجه في النكاح عن أبى بكر بن أبى شيبة.
أما حديث عائشة قالت " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس " وفي رواية " الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " أخرجه البخاري في الشهادة.
وفي الخمس عن عبد الله بن يوسف، وفي النكاح عن اسماعيل، وأخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى.
وعنه القعنبى وعن أبى كريب وعن أبى معمر وأخرجه أبو داود في النكاح عن القعنبى وأخرجه الترمذي في الرضاع عن اسحاق بن موسى وعن محمد بن بشار وأخرجه النسائي في النكاح عن هرون بن عبد الله، وعن محمد بن عبيد الله، وعن عبيد الله بن سعيد، وعن عبد الوراث بن عبد الصمد أما اللغات فقوله " الاملاجة ولا الاملاجتان " وهو الزائد المهموز للفعل المجرد الثلاثي ملج، يقال ملج الصبى أمه ملجا من باب نصر وقتل وملج يملج من باب تعب لغة فيه أي رضعها، ويتعدى بالهمزة فيقال أملجته أمه، والمرة
من الثلاثي ملجة ومن الرباعي إملاجة، مثل الاكرامة والاخراجة ونحو ذلك وامتلج الفصيل ما في الضرع.
وقوله " ياوجور " وهو بفتح الواو وزان رسول الدواء يصب في الحلق وأجرت المريض إيجارا فعلت به ذلك، ووجرته أجره من باب وعد، وقال ابن بطال في شرح غريب المهدب " الوجور بضم الواو وبفتح الدواء نفسه " واللدود إدخال الدواء في شق الفم وجانبيه، والسعوط ادخاله في الانف والحقنة في الدبر.
وقوله " معلومات " فيه إشارة إلى أنه لا يثبت حكم الرضاع إلا بعد العلم بعدد الرضعات، وأنه لا يكفي الظن بل يرجع معه ومع الشك إلى الاصل وهو العدم.

(18/215)


قوله " وهن فيما يقرأ " فيه إشارة إلى أنه تأخر إنزال الخمس الرضعات، فتوفى صلى الله عليه وسلم وهن قرآن يقرأ.
أما الاحكام فقد استدل بحديث عائشة على أن التحريم لا يتحقق إلا بخمس رضعات فما فوقها معلومات، والرضعة هي المرة، فمتى التقم الصبى الثدى فامتص منه ثم تركه باختياره لغير عارض كان ذلك رضعة فالرضعة الواحدة والرضعتان والثلاث والاربع، وقد استدل بحديث " لا تحرم المصة ولا المصتان " على أن الثلاث محرمة.
وهذا الاستدلال مأخوذ من دلالة مفهوم الخطاب، وهو مذهب زيد بن ثابت وأبى ثور وابن المنذر وأبى عبيدة وداود بن على وأحمد في رواية عنه، ولكن يعارض هذا المفهوم القاضى بأن ما فوق الاثنتين يقتضى التحريم ما ثبت من أن الرضاع المقتضى للتحريم خمس رضعات، وهو قول ابن مسعود وعائشة وعبد الله بن الزبير وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير والليث بن سعد وأحمد في ظاهر مذهبه وإسحاق وابن حزم وجماعة من أهل العلم
قال الشوكاني: وقد روى هذا المذهب عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
وحكى ابن القيم عن الليث بن سعد أنه لا يحرم إلا خمس رضعات.
وقد اعترض القائلون بقول أبى ثور الذي حكاه المصنف هنا باعتراضات، منها أن الحديث متضمن كون الخمس الرضعات قرآنا والقرآن شرطه التواتر، ولم يتواتر محل النزاع.
ثانيا لو كان هذا قرآنا لحفظ لقوله تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر وإن له لحافظون " ثالثا: قوله تعالى " وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم " وإطلاق الرضاع يشعر بأنه يقع بالقليل والكثير، ومثل ذلك حديث " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " رابعا: عن عقبة بن الحرث أنه تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما، قال فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعرض عنى فتنحيت فذكرت ذلك له فقال وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ فنهاه عنها، رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي والدارقطني، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يستفصل عن الكيفية ولاسأل عن العدد

(18/216)


خامسا، حديث " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الامعاء " يدل على عدم اعتبار الخمس، لان الفتق يحصل بدونها ونجيب عن الاعتراض الاول بأن كون التواتر شرطا ممنوع، والسند ما أسلفنا عن أئمة القراءات كحفص ونافع، وقد تكلم الجزرى وغيره في باب الحجة في الصلاة بقراءة ابن مسعود وأبى من أبواب صفة الصلاة، فإنه نقل هو وجماعة من أئمة القراءات الاجماع على مايخالف هذه الدعوى، ولم يعارض نقله ما يصلح لمعارضته.
وأيضا اشتراط التواتر فيما نسخ لفظه على رأى المشترطين ممنوع.
وكذلك انتفاء قرآنيته ولا يستلزم انتفاء حجيته على فرض شرطية التواتر
لان الحجة ثبتت بظنية الثبوت التي يجب عندها العمل، وقد قرأ الائمة بقراءة الآحاد في مسائل كثير منها قراءة ابن مسعود " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " وقراءة أبى " وله أخ أو أخت من أم " والجواب على الثاني أن كونه غير محفوظ ممنوع، بل قد حفظه الله برواية عائشة له، والمعتبر حفظ الحكم، ولو سلم انتفاء قرآنيته على جميع التقادير لكان سنة لكون الصحابي روايا له عنه صلى الله عليه وسلم لو وصفه له بالقرآنية، وهو يستلزم صدوره عن لسانه وذلك كاف في الحجية لما تقرر في الاصول من أن المروى آحاد إذا انتفى عنه وصف القرآنية لم ينتف وجوب العمل به كما أسلفنا.
والجواب عن الثالث بأن مطلق الرضاع مقيد بأحاديث عدد الرضعات في حديث عائشة.
ويجاب عن الرابع بأن زيادة البيان على ذلك الذي قيل عنه من ترك الاستفصال يتعين الاخذ به، وزيادة الثقة حجة والمثبت حجة على النافي.
وقد يكون ترك الاستفصال مرده إلى سبق البيان منه صلى الله عليه وسلم للقدر المحرم ويجاب عن الخامس بما أجبنا به عن الثالث والرابع إذا ثبت هذا فإنه إذا كانت الرضعات المحرمة خمسا وكانت في خلال الحولين فلو رضع الخامسة على رأس الحولين فقد ثبت التحريم، وكذلك ينبغى أن تكون الرضعات متفرقات، وبهذا قال أحمد وحد الرضعة كما قلنا أن لا يقطعها إلا باختياره، فأما إن قطع لضيق نفس أو للانتقال من ثدى إلى ثدى، أو لشئ يلهيه، أو قطعت عنه المرضعة نظرت

(18/217)


فإن لم يعد قريبا فهي رضعة وإن عاد في الحال ففيه وجهان
(أحدهما)
أن الاولى رضعة فإذا عاد فهى رضعة أخرى.
وهذا ظاهر كلام أحمد رضى الله عنه في رواية حنبل فإنه قال: ألا ترى الصبى يرتضع من الثدى، فإذا أدركه النفس أمسك عن
الثدي ليتنفس أو يستريح فإذا فعل ذلك فهى رضعة: وذلك لان الاولى رضعة لو لم يعد فكانت رضعة وإن عاد كما لو قطع باختياره
(والثانى)
أن جميع ذلك رضعة واحدة إلا في حالة قطع المرضعة ففيه الوجهان لانه لو حلف لا أكلت اليوم إلا أكله فاستدام الاكل زمنا أو قطع لشرب الماء أو انتقال من لون إلى لون أو انتظار لما يحمل إليه من الطعام، لم يعد إلا أكلة واحدة فكذا ههنا.

قال المصنف رحمه الله تعالى
(فصل)
وإن شكت المرضعة هل أرضعته أم لا؟ أو هل أرضعته خمس رضعات أو أربع رضعات لم يثبت التحريم، كما لو شك الزوج هل طلق امرأته أم لا؟ وهل طلق ثلاثا أو طلقتين؟
(فصل)
ويثبت التحريم بالوجود لانه يصل اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع ويحصل به من إنبات اللحم وانتشار العظم ما يحصل من الرضاع، ويثبت بالسعوط لانه سبيل الفطر الصائم، فكان سبيلا لتحريم الرضاع كالفم، وهل يثبت بالحقنة فيه قولان
(أحدهما)
يثبت لما ذكرناه في السعوط
(والثانى)
لا يثبت لان الرضاع جعل لانبات اللحم وانتشار العظم، والحقنة جعلت للاسهال، فإن ارتضع مرتين وأوجر مرة وأوسعط مرة وحقن مرة.
وقلنا إن الحقنة تحرم يثبت التحريم، لاناجعلنا الجميع كالرضاع في التحريم وكذلك في اتمام العدد.

(فصل)
وان حلبت لبنا كثيرا في دفعة واحدة وسقته في خمسة أوقات فالمنصوص أنه رضعة.
وقال الربيع فيه قول آخر أنه خمس رضعات: فمن أصحابنا من قال هو من تخريج الربيع.
ومنهم من قال فيه قولان
(أحدهما)
أنه خمس رضعات، لانه يحصل به ما يحصل بخمس رضعات
(والثانى)
أنه رضعة - وهو الصحيح -

(18/218)


لان الوجور فرع للرضاع، ثم العدد في الرضاع لا يحصل إلا بما ينفصل خمس مرات فكذلك في الوجور.
وإن حلبت خمس مرات وسقته دفعة واحدة فَفِيهِ طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ على قولين كالمسألة قبلها، ومنهم من قال هو رضعة قولا واحدا لانه لم يشرب إلا مرة.
وفي المسألة قبلها شرب خمس مرات.
وإن حلبت خمس مرات وجعلتها في إناء ثم فرقته وسقته خمس مرات.
ففيه طريقان، من أصحابنا من قال يثبت التحريم قولا واحدا لانه تفرق في الحلب والسقى.
ومنهم قال هو على قولين لان التفريق الذي حصل من جهة المرضعة قد بطل حكمه بالجمع في إناء (الشرح) إذا وقع الشك في وجود الرضاع أو في عدد الرضعات المحرمة هل كملت أم لا؟ لم يثبت التحريم لان الاصل عدمه فلا تزول عن اليقين بالشك، كما لو شك في وجود الطلاق وعدده.
والسعوط والوجور كالرضاع، فإذا صب اللبن في أنفه من أناء أو غيره أو صب في حلقه صبا من غير الثدى فكلا الامرين الحكم فيهما حكم الرضاع.
وقد اختلفت الرواية في التحريم بهما عن أحمد، فأصح الروايتين أن التحريم يثبت، بهما كما أفاده ابن قدامة.
وهو قول الشعبى والثوري وأصحاب الرأى وبه قال مالك في الوجور، ولم يقل به في السعوط والرواية الثانية عن أحمد لا يثبت بهما التحريم، وهو اختيار أبى بكر من أصحاب أحمد وداود بن على وقول عطاء الخراساني في السعوط لان هذا ليس برضاع، وإنما حرم الله تعالى ورسوله بالرضاع، ولانه حصل من غير ارتضاع فأشبه ما لو دخل من جرح في بدنه دليلنا على ما روى ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لارضاع الا
ما أنشز العظم وأنبت اللحم " رواه أبو داود، ولان هذا يصل به اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع ويحصل به من انبات اللحم وانشاز العظم ما يحصل من الارتضاع فيجب أن يساويه في التحريم، والانف سبيل الفطر للصائم فكان سبيلا للتحريم إذا تقرر هذا فإنه يحرم من ذلك مثل الذي يحرم بالرضاع، وهو خمس في

(18/219)


الرواية المشهورة فإنه فرغ على الرضاع فيأخذ حكمه، فإن ارتضع وكمل الخمس بسعوط أو وجور كان كمن كمل الخمس برضاع وثبت التحريم بها لانا جعلناه كالرضاع في أصل التحريم، فكذلك في اكمال العدد، ولو حلبت في اناء دفعة واحدة ثم سقته غلاما في خمسة أوقات فالمنصوص أنه رضعة.
وقال الربيع فيه قول آخر أنه خمس فأختلف أصحابنا فمنهم من قال ليس هذا قولا للامام وانما هو من تخريج الربيع.
ومنهم من عدهما قولين
(أحدهما)
أنه خمس لانه يحصل به ما يحصل بالخمس.
وبهذا قال أحمد.
لان الاعتبار بشرب الصبي له لانه المحرم.
ولانه لو أكل خمس أكلات من طعام واحد متفرقات لكان قد أكل خمس أكلات.
دليلنا أن القدر المعتبر للرضعة الواحدة لو قسم إلى خمسة أجزاء لما زاد على كونه رضعة.
ولان الاعتبار بالرضاع والوجور فرعه.
وقد عكس الحنابلة في الصورتين.
فأما ان سقته اللبن المجموع من خمس رضعات اعتبارية جرعة بعد جرعة متتابعة ففيه طريقان.
فمن أصحابنا من جعلها كالتى قبلها في الوجور خمس مرات لرضعة واحدة.
وظاهر كلام الخرقى من أئمة الحنابلة أنه رضعة واحدة لان المعتبر خمس رضعات متفرقات وهذه غير متفرقات.
والتفريق الذى حصل من جهة المرضعة بطل حكمه بالجمع في اناء
فأما الحقنة فإن قلنا تحرم كالسعوط والجور كانت في حكم الرضاع بمعنى أنه إذا رضع من الثدى رضعتين وبالسعوط واحدة وباوجور واحدة وبالحقن واحدة كانت خمسا كاملة محرمة.
وبهذا قال ابن حامد من الحنابلة وابن أبى موسى والمنصوص عن أحمد أنها لا تحرم.
وهو مذهب أبي حنيفة ومالك لان هذا ليس برضاع ولا يحصل به التغذى فلم ينشر الحرمة، كما لو قطر في احليله، ولانه ليس برضاع ولا في معناه فلم يجز اثبات حكمه فيه، ويفارق فطر الصائم فإنه لا يعتبر فيه انبات اللحم ولا انشاز العظم، ولانه وصل اللبن إلى الباطن من غير الحلق أشبه ما لو وصل من جرح

(18/220)


وقد سألنا ولدنا التقى الدكتور أسامة أمين فراج فأجاب بأننالو أعطينا الطفل حقنة اللبن من الشرج فإنه لا يتغذى منه الجسم إلا بنسبة ضئيلة في حالة بقائه في جوفه مدة طويلة ولا تقاس بجانب ما يتعاطاه بفهم كيفا وكما.
أما إذا نزل منه في الحال فإنه لا يعود عليه منها ما يغذيه
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن جبن اللبن وأطعم الصبي حرم لانه يحصل به ما يحصل باللبن من إنبات اللحم وانتشار العظم
(فصل)
فإن خلط بين اللبن بمائع أو جامد واطعم الصبى حرم وحكى عن المزني أنه قال إن كان اللبن غالبا حرم، وإن كان مغلوبا لم يحرم لان مع غلبة المخالطة يزول الاسم، والمعنى الذي يراد به، وهذا خطأ لان ما تعلق به التحريم إذا كان غالبا تعلق به إذا كان مغلوبا كالنجاسة في الماء القليل
(فصل)
فإن شرب لبن امرأة ميتة لم يحرم لانه معنى يوجب تحريما مؤيدا فبطل بالموت كالوطئ.

(فصل)
ولا يثبت التحريم بلبن البهيمة " فإن شرب طفلان من لبن شاة لم يثبت بينهما حرمة الرضاع لان التحريم بالشرع ولم يرد الشرع إلا في لبن الآدمية والبهيمة دون الآدمية في الحرمة ولبنها دون لبن الآدمية في إصلاح البدن فلم يلحق به في التحريم، ولان الاخوة فرع على الامومة، فإذا لم يثبت بهذا الرضاع أمومة فلان لا يثبت به الاخوه أولى ولا يثبت التحريم بلبن الرجل.
وقال الكرابيسى يثبت بلبن المرأة، وهذا خطأ لان لبنه لم يجعل غذاء للمولود فلم يثبت به التحريم كلبن البهيمة.
وإن ثار للخنثى لبن فارتضع منه صبى - فإن علم أنه رجل - لم يحرم، وان علم أنه أمراة حرم، فإن أشكل فقد قال أبو إسحاق: إن قال النساء إن هذا اللبن لا يكون على غزراته إلا لامراة حكم بأنه أمرأة وأن لبنه يحرم

(18/221)


ومن أصحابنا من قال: لا يجعل اللبن دليلا لانه قد يثور اللبن للرجل، فعلى هذا يوقف أمر من يرضع بلبنه كما يوقف أمره.

(فصل)
فإن ثار للبكر لبن أو لثيب لازوج لها فأرضعت به طفلا ثبت بينهما حرمة الرضاع لان لبن النساء غذاء للاطفال، فإن ثار لبن للمرأة على ولد من الزنا فأرضعت به طفلا ثبت بينهما حرمة الرضاع، لان الرضاع تابع للنسب ثم النسب يثبت بينه وبينها، ولا يثبت بينه وبين الزانى، فكذلك حرمة الرضاع (الشرح) إذا عمل اللبن جبنا ثم أطمعه الصبي ثبت التحريم به، وبهذا قال أحمد، وقال أبو حنيفة لا يحرم به لزوال الاسم، وكذلك على الرواية لاحمد القائلة بعدم ثبوت التحريم باوجور لا يثبت هنا بطريق الاولى، دليلنا أنه واصل من الحلق، ويحصل به إنبات اللحم وانشاز العظم، فحصل به التحريم كما لو شربه.
(فرع)
إذا شيب اللبن بغيره فحكمه حكم المحض الخالص الذي لا يخالطه سواه، وبهذا قال الخرقى من الحنابلة، وقال أبو بكر قياس قول أحمد أنه لا يحرم لانه وجور، وحكى المصنف عن المزني: ان كان الغالب اللبن حرم والا فلا، وهو قول أبي ثور وأبن حامد، لان الحكم للاغلب، ولانه يزول بذلك الاسم والمعنى المراد به، ونحو هذا قول أصحاب الرأى وزادو فقالوا: ان كانت النار قد مست اللبن حتى أنضجت الطعام أو حتى تغير فليس برضاع، وهذا خطأ لان اللبن متى كان ظاهرا فقد حصل شربه، ويحصل منه انبات اللحم وانشاز العظم فحرم كما لو كان غالبا وقال ابن قدامة: ان صب في ماء كثير لم يتغير به - يعنى الماء - لم يثبت به التحريم، لان هذا ليس بلبن مشوب، ولا يحصل به التغذى ولا انبات اللحم ولا انشاز العظم، وهذا خطأ لان ما تعلق به التحريم ان كان غالبا تعلق به ان كان مغلوبا، ولانه لو وضع قليل من الخمر في الماء ولو لم يغيره حرم شربه، الا إذا استبحر وتلاشى أثر الخمر.
ولان أجزاء اللبن حصلت في بطنه فأشبه لو كان لونه ظاهرا

(18/222)


(فرع)
إذا شرب لبن امرأة ميتة فإنه لا تنشر الحرمة، وبهذا قال الخلال.
لانه لبن ممن ليس بمحل للولادة، فلم يتعلق به التحريم كلبن الرجل، والمنصوص عن أحمد في رواية ابراهيم الحربى أنه ينتشر الحرمة، وهو قول أبى ثور والاوزاعي وابن القاسم وأصحاب الرأى وابن المنذر، وتوقف عنه أحمد في رواية منها.
ولو حلبت المرأة لبنها في وعاء ثم ماتت فشربه صبي نشر الحرمة في قول كل من جعل الوجور محرما، وبه قال أحمد في إحدى الروايتين وأبو ثور وأصحاب الرأى وغيرهم وذلك لانه لبن أمرأة في حياتها فأشبه مالو شربه في الحياة
(فرع)
ولا تنتشر الحرمة بغير لبن الآدمية بحال، فلو ارتضع اثنان من لبن بهيمة لم يصيرا أخوين في قول عامة أهل العلم، منهم أحمد وابن القاسم وأبو ثور وأصحاب الرأى، ولو ارتضعا من رجل لم يصيرا أخوين، ولم تنتشر الحرمة بينه وبينهما في قوله عامتهم.
وقال الكرابيسى يتعلق به التحريم لانه لبن آدمى أشبه لبن الآدمية.
وحكى عن بعض السلف أنهما لو ارتضعا من لبن بهيمة صار أخوين، وليس بصحيح، لان هذا لا يتعلق به تحريم الامومة، فلا يثبت به تحريم الاخوة، لان الاخوة فرع على الامومة، وكذلك لا يتعلق به تحريم الابوة لذلك، ولان هذا اللبن لم يخلق لغذاء المولود فلم يتعلق به التحريم كسائر الطعام، فإن ثار لخنثى مشكل لبن لم يثبت به التحريم، لانه لم يثبت كونه امرأة فلا يثبت التحريم مع الشك.
وقال ابن حامد: يقف الامر حتى يثبت التحريم بانكشاف أمر الخنثى كونه رجلا وقال أبو إسحاق المروزى: أن قال النساء إن هذا اللبن لا يكون على غزارته إلا لامرأة حكم بأنه امرأة وأن لبنه يحرم وقال بعض أصحابنا: ليس اللبن دليلا على الرجولة والانوثة، لانه قد يثور للرجل لبن تتوفر فيه غزارة لبن المرأة وعناصره التى يتكون منها، وعلى ذلك نقول بقول ابن حامد وهو ما ذهب إليه المصنف هنا (فرع)
إذا ثار لامرأه ثيبا كانت أو بكرا لبن من غير وطئ فأرضعت به طفلا نشر الحرمة، وهو قول ابن حامد ومالك وأظهر الروايتين عن أحمد، وهو مذهب الثوري وأبى ثور وأصحاب الرأى وكل من يحفظ عنه ابن المنذر، لقول

(18/223)


الله تعالى " وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم " ولانه لبن امرأة فتعلق به التحريم، كما لو ثان بوطئ، ولان ألبان النساء خلقت لغذاء الاطفال، فإن كان هذا نادرا
فجنسه معتاد.
(مسألة) يشترط في نشر الحرمة بين المرتضع وبين الرجل الذى ثار اللبن بوطئه أن يكون لبن حمل ينتسب إلى الواطئ، إما لكون الوطئ في نكاح أو ملك يمين أو نكاح شبهة.
فأما لبن الزانى أو النافي للولد باللعان فلا ينشر الحرمة بينهما هذا هو مذهبنا وبه قال أبو عبد الله بن حامد والخرقى من أصحاب أحمد، وقال أبو بكر بن عبد العزيز منهم: تنتشر الحرمة بين المرتضع وبين الزانى أو النافي باللعان لانه معنى ينتشر الحرمة، فاستوى في ذلك مباحه ومحظوره كاوطئ يحققه أو الواطئ حصل منه لبن وولد ثم ان الولد ينتشر الحرمة بينه وبين الواطئ كذلك اللبن، ولانه رضاع ينشر الحرمة إلى المرضعة بالاتفاق فنشرها إلى الواطئ كصورة الاجماع.
ودليلنا أن التحريم بينهما فرع لحرمة الابوة، فلما لم تثبت حرمة الابوة لم يثبت ما هو فرع لها.
فأما المرضعة فإن الطفل المرتضع محرم عليها ومنسوب إليها عند الجميع، وكذلك يحرم جميع أولادها وأقاربها الذين يحرمون على أولادها على هذا المرتضع كما في الرضاع باللبن المباح
قال المصنف رحمه الله تعالى
(فصل)
إذا ثار لها لبن على ولد من زوج فطلقها وتزوجت بآخر، فاللبن للاول إلى أن تحبل من الثاني، وينتهى إلى حال ينزل اللبن على الحبل، فإن أرضعت طفلا كان ابنا للاول زاد اللبن أو لم يزد انقطع ثم عاد أو لم ينقطع، لانه لم يوجد سبب يوجب حدوث اللبن غير الاول، فإن بلغ الحمل من الثاني إلى حال ينزل فيه اللبن نظرت - فان لم يزد اللين - فهو للاول، فان أرضعت به طفلا كان ولداللاول، لانه لم يتغير اللبن: فان زاد فارتضع به طفل ففيه قولان

(18/224)


قال في القديم هو ابنهما لان الظاهر أن الزيادة لاجل الحبل، والمرضع به لبنهما فكان ابنهما.
وقال في الجديد هو ابن الاول، لان اللبن للاول يقين، ويجوز أن تكون الزيادة لفضل الغذاء، ويجوز أن تكون للحمل، فلا يزال اليقين بالشك فإن انقطع اللبن ثم عاد في الوقت الذي ينزل اللبن على الحبل فأرضعت به طفلا ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه ابن الاول، لان اللبن خلق غذاء للولد دون الحمل، والولد للاول فكان المرضع به ابنه.

(والثانى)
أنه من الثاني، لان لبن الاول انقطع فالظاهر أنه حدث للحمل والحمل للثاني فكان المرضع باللبن أبنه (والثالث) أنه ابنهما، لان لكل واحد منهما أمارة تدل على أن اللبن له، فجعل المرضع باللبن ابنهما، فإن وضعت الحمل وأرضعت طفلا كان إبنا للثاني في الاحوال كلها، زاد اللبن أو لم يزد، اتصل أو انقطع ثم عاد، لان حاجة المولود إلى اللبن تمنع أن يكون اللبن لغيره (الشرح) إذا ثار لبن منها على ولده من زوج طلقها فتزوجت أخر لم يخل من خمسة أحوال: 1 - أن يبقى لبن الاول بحاله لم يزد ولم ينقص ولم تلد من الثاني فهو للاول سواء حملت من الثاني أو لم تحمل، لا نعلم فيه خلافا، لان اللبن كان للاول ولم يتجدد ما يجعله من الثاني فبقى للاول 2 - أن لاتحمل من الثاني فهو للاول، سواء زاد أو لم يزد، أو انقطع ثم عاد أو لم ينقطع.
3 - أن تلد من الثاني فاللبن له خاصة.
قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه، وهو قول أبى حنيفة وأحمد، سواء زاد لم يزد، انقطع أو
اتصل، لان لبن الاول ينقطع باولادة من الثاني، فان حاجة المولود إلى اللبن تمنع كونه لغيره.
4 - إذا انتهى الحمل إلى حال ينزل به اللبن فزاد به ففيه قولان، أحدهما قوله

(18/225)


في القديم هو لهما وتنتشر الحرمة بينه وبينهما، لان زيادته عند حدوث الحمل ظاهر في أنها منه، وبقاء لبن الاول يقتضى كون أصله منه فجيب أن يضاف اليهما، وبهذا قال الحنابلة، الثاني هو للاول لان اللبن له بيقين، ويجوز أن تكون الزيادة بسبب التغذية أو استدرار الطفل للثدي فينشط الثدى نتيجة الاحساس بالامومة لدى المرضعة فيثور لبنها لاسباب نفسية من الرحمة يقذفها الله في قلب المرأة، وقد حدث لى وأنا رضيع فقد ماتت الام بعد ولادتي بستة أشهر وكانت جدتى لابي تبلغ من العمر زهاء الثمانين عاما فثار اللبن في ثدييها رحمة بى واشفاقا على من الهلاك: وهذا من الاسباب التي هيأها الله لى أن أعيش وقد حرمت على بنات أعمامي وبنات عمانى، وظل اللبن في ثدييها إلى ان أدركتها المية على رأس المائة، وإنما يخلق الله اللبن للولد عند وجوده سدا لحاجته وحفظا لحياته، وقال أبو حنيفة هو للاول ما لم تلد من الثاني 5 - انقطع اللبن من الاول ثم ثاب بالحمل من الثاني ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه ابن الاول وهو قول أبى حنيفة، لان الحمل لا يقتضى اللبن، وانما يخلقه الله تعالى للولد عند وجوده لحاجته إليه، وقد سبق عند الكلام على قوله في الجديد (الثاني) أنه ابن الثاني، وهو اختيار أبى الخطاب من الحنابله، لان لبن الاول انقطع فزال حكمه بانقطاعه وحدث بالحمل من الثاني، فكان له كما لو لم يكن لها لبن من الاول (والثالث) أنه ابنهما، وذلك لان اللبن كان للاول فلما عاد بحدوث الحمل، فالظاهر أن لبن الاول ثاب بسبب الحمل الثاني، فكان مضافا
اليهما كما لو لم ينقطع
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن وطئ رجلان امرأة وطئا يلحق به النسب فأتت بولد وأرضعت بلبنه طفلا، كان الطفل إبنا لمن يلحقه نسب الولد، لان اللبن تابع للولد، فإن مات الولد ولم يثبت نسبه بالقافة ولا بالانتساب إلى أحدهما - فإن كان له ولد - قام مقامه في الانتساب، فإذا انتسب إلى أحدهما صار المرضع ولد من انتسب إليه، وإن لم يكن له ولد ففي المرضع بلبنه قولان

(18/226)


(أحدهما)
أنه إبنهما، لان اللبن قد يكون من الوطئ، وقد يكون من الولد (والقول الثاني) أنه لا يكون ابنهما، لان المرضع تابع للمناسب ولايجوز أن يكون المناسب إبنا لاثنين، فكذلك المرضع، فعلى هذا هل يخير المرضع في الانتساب إلى أحدهما؟ فيه قولان
(أحدهما)
لا يخير لانه لا يعرض على القافة فلا يخير بالانتساب
(والثانى)
يخير لان الولد قد يأخذ الشبه بالرضاع في الاخلاق ويميل طبعه إلى من ارتضع بلبنه، ولهذا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أنا أفصح العرب ولا فخر، بيد أنى من قريش ونشأت في بني سعد وارتضعت في بنى زهرة ولهذا يقال يحسن خلق الولد إذا حسن خل المرضعة، ويسوء خلقه إذا ساء خلقها فإذا قلنا إنه يخير فانتسب إلى أحدهما كان إبنه من الرضاعة، فإذا قلنا لا يخير فهل له أن يتزوج بنتيهما؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) وهو الاصح، أنه لا يحل له نكاح بنت واحد منهما، لانا وإن جهلنا عين الاب منهما إلا أنا نحقق أن بنت أحدهما أخته وبنت الآخر أجنبية فلم يجز له نكاح واحدة منهما، كما لو اختلطت أخته بأجنبية

(والثانى)
أنه يجوز أن يتزوج بنت من شاء منهما، فإذا تزوجها حرمت عليه الاخرى، لان الاصل في بنت كل واحد منهما الاباحة وهو يشك في تحريمها واليقين لا يزال بالشك، فإذا تزوج إحدهما تعينت الاخوة في الاخرى فحرم نكاحها على التأييد، كما لو اشتبه ماء طاهر وماء نجس فتوضأ بأحدهما بالاجتهاد، فإن النجاسة تتعين في الآخر، ولايجوز أن يتوضأ به.
(والثالث) أنه يجوز ان يتزوج بنت كل واحد منهما ثم يطلقها ثم يتزوج الاخرى، لان الحظر لا يتعين في واحده منهما، كما يجوز أن يصلى بالاجتهاد إلى جهة ثم يصلى بالاجتهاد إلى جهة أخرى، ويحرم أن يجمع بينهما، لان الحظر يتعين في الجميع فصار كرجلين رأيا طائرا فقال أحدهما إن كان هذا الطائر غرابا فعبدي حر، وقال الآخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر، فطار ولم يعلم أنه غراب ولا غيره، فإنه لا يعتق على واحد منهما لانفراده بملك مشكوك فيه، وإن اجتمع العبدان لواحد عتق أحدهما لاجتماعهما في ملكه

(18/227)


(فصل)
وإن أتت امرأته بولد ونفاه باللعان فأرضعت بلبنه طفلا كان الطفل إبنا للمرأة ولايكون إبا للزوج، لان الطفل تابع للولد، والولد ثابت النسب من المرأة دون الزوج فكذلك الطفل، فإن أقر بالولد صار الطفل إبنا له لانه تابع للولد.

(فصل)
وإن كان لرجل خمس أمهات أولاد فثار لهن منه لبن فارتضع صبي من كل واحدة منهن رضعة ففيه وجهان
(أحدهما)
وهو قول أبى العباس بن سريج وأبى القاسم الانماطى وأبى بكر ابن الخداد المصرى: إنه لا يصير المولى أبا للصبي لانه رضاع لم يثبت به الامومة فلم تثبت به الابوة

(والثانى)
وهو قول أبى إسحاق وأبى العباس بن القاص: إنه يصير المولى أبا للصبي، وهو الصحيح، لانه ارتضع من لبنه خمس رضعات فصار إبنا له، وإن كان لرجل خمس أخوات فارتضع طفل من كل واحده منهن رضعة فهل يصير خالا له؟ على الوجهين (الشرح) ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضع من ثويبة مولاة أبى لهب أرضعته أياما وأرضعت معه أبا سلمة عبد الله بن عبد الاشد المخزومى بلبن ابنها مسروح وأرضعت معهما حمزة بن عبد المطلب واختلف في اسلامهما - ثم أرضعته حلمية السعدية بلبن ابنها عبد الله أخى أنيسة وجذامة، وهى الشيماء أولاد الحرث بن عبد العزى بن رفاعة السعدى، واختلف في اسلام أبويه من الرضاعة، وأرضعت معه ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان شديد العدواة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم عام الفتح وحسن اسلامه وكان عمه مسترضعا في بنى سعد بن بكر، فأرضعت أُمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عند أمه حليمة، فكان حمزة رضيع رسول الله صلى وسلم من وجهين، من جهة ثويبة ومن جهة السعدية أما حواضنه صلى الله عليه وسلم فإن أمه هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب.
ومنهن ثويبة وحليمة والشيماء ابنتها - وهى أخته من

(18/228)


الرضاعة كانت تحضنه مع أمها، وهى التى قدمت عليه في وفد هوازن فبسط لها رداءه، وأجلسها عليه رعاية لحقها.
أما بعد: فإن هذه الفصول الثلاثة على وجوهها الذى أوضحناه في الفصول التى قبلها فليراجع.

قال المصنف رحمه الله تعالى
(فصل)
وإن كان لرجل زوجة صغيرة فشربت من لبن أمه خمس رضعات
انفسخ بينهما النكاح لانها صارت أخته، وإن كانت له زوجة كبيرة وزوجة صغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة خمس رضعات انفسخ نكاحهما، لانه لا يجوز أن يكون عنده امرأة وابنتها، فإن كان له زوجتان صغيرتان فجاءت امرأة فأرضعت إحداهما خمس رضعات، ثم أرضعت الاخرى خمس رضعات ففيه قولان
(أحدهما)
ينفسخ نكاحهما، وهو اختيار المزني لانهما صارتا أختين فانفسخ نكاحهما، كما لو أرضعتهما في وقت واحد
(والثانى)
أنه ينفسخ نكاح الثانية، لان سبب الفسخ حصل بالثانية فاختص نكاحها بالبطلان، كما لو تزوج إحدى الاختين بعد الاخرى.

(فصل)
ومن أفسد نكاح امرأة بالرضاع فالمنصوص أنه يلزمه نصف مهر المثل ونص في الشاهدين بالطلاق إذا رجعا على قولين
(أحدهما)
يلزمهما مهر المثل
(والثانى)
يلزمهما نصف مهر المثل.
واختلف أصحابنا فيه، فنقل أبو سعيد الاصطخرى جوابه من إحدى المسئلتين إلى الاخرى وجعلها على قولين
(أحدهما)
يجب مهر المثل لانه أتلف البضع فوجب ضمان جميعه
(والثانى)
يجب نصف مهر المثل لانه لم يغرم للصغيره إلا نصف بدل البضع فلم يجب له أكثر من نصف بدله وقال أبو إسحاق: يجب في الرضاع نصف المهر وفي الشهادة يجب الجميع، والفرق بينهما أن في الرضاع وقعت الفرقة ظاهرا وباطنا وتلب البضع عليه.
وقد رجع إليه بدل النصف فوجب له بدل النصف.
وفي الشهادة لم يتلف البضع في الحقيقة، وإنما حيل بينه وبين ملكه فوجب ضمان جميعه، والصحيح طريقة

(18/229)


أبي اسحاق وعليها التفريغ.
وان كان لرجل زوجة صغيرة فجاء خمسة أنفس وأرضع كل واحد منهما الصغيرة من لبن أم الزوج أو أخته زضعة وجب على كل
واحد منهم خمس نصف المهر لتساويهم في الاتلاف، وإن كانوا ثلاثة فأرضعها أحدهم رضعة وأرضعها كل واحد من الآخرين رضعتين ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه يجب على كل واحد منهم ثلث النصف، لان كل واحد منهم وجد منه سبب الاتلاف فتساووا في الضمان كما لو طرح رجل في خل قدر دانق من نجاسة، وآخر قدر درهم
(والثانى)
يقسط على عدد الرضعات فيجب على من أرضع رضعة الخمس من نصف المهر، وعلى كل واحد من الآخرين الخمسان، لان الفسخ حصل بعدد الرضعات فيقسط الضمان عليه
(فصل)
إذا ارتضعت الصغيرة من أم زوجها خمس رضعات والام نائمة سقط مهرها لان الفرقة قد حصلت بفعلها فسقط مهرها ولا يرجع الزوج عليها بمهر مثلها ولا بنصفه، لان الاتلاف من جهة العاقد قبل التسليم لا يوجب غير المسمى، فإن ارتضعت من أم الزوج رضعتين والام نائمه وأرضعتها الام تمام الخمس والزوجه نائمه ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه يسقط من نصف المسمى نصفه وهو الربع، ويجب الربع.

(والثانى)
يقسط على عدد الرضعات فيسقط من نصف المسمى خمسان ويجب ثلاثة أخماسه وجههما ما ذكرناه في المسألة قبلهاو بالله التوفيق (الشرح) إذا تزوج الرجل صغيرة فأرضعتها أمه أو أخته أو امرأة ينفسخ النكاح برضاعها خمس رضعات متفرقات، فإن كان قد سمى لها صداقا فاسدا وجب لها نصف مهر المثل، وإن سمى لها صداقا صحيحا وجب لها نصف المسمى ويرجع الزوج على المرضعة بضمان ما أتلفته من البضع، سواء تعمدت فسخ النكاح أو لم تتعمد، وقال مالك لا يرجع عليها بشئ وقال أبو حنيفة: ان تعمدت فسخ النكاح رجع عليها، وان لم تتعمد فسخ
النكاح لم يرجع عليها.

(18/230)


دليلنا قوله تعالى " وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذى ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح قريشا عام الحديبية على أن المرأة المسلمة إذا هاجرت ردها زوجها إليهم فنهاه الله عن ذلك وأمره برد مهورهن إلى أزواجهن لانه حال بينهن وبين أزواجهن، فدل على أن كل من حال بين الرجل وبين زوجته كان عليه ضمان البضع، وهذه المرضعة قد حالت بينها وبين زوجها فكان عليها الضمان.
وعند أبى حنيفة أن كل ما ضمن بالعهد ضمن بالخطأ كالاموال.
إذا ثبت هذا فحكم القدر الذي يرجع به على المرضعة نص الشافعي ههنا أنه يرجع عليها بنصف مهر المثل، ونص في الشاهدين إذا شهدا على رجل أنه طلق امرأته فبل الدخول وحكم بشادتهما ثم رجعا عن الشهادة فإنها لاترد إليه، وبماذا يرجع الزوج عليهما؟ فيه قولان.
أحدهما يرجع عليهما بنصف المثل.
والثانى يرجع عليهما بجميع مهر المثل، لانها أتلفت عليه البضع فرجع عليهما بقيمته.

(والثانى)
يرجع عليهما بنصف مهر المثل، لانه لم يغرم إلا نصف بدل البضع فلم يجب له أكثر من نصف بدله، وحملهما أبو إسحاق وأكثر أصحابنا على ظاهرهما فجعلوا في الشاهدين قولين، وفي المرضعة للزوج يرجع عليهما بنصف مهر المثل قولا واحدا، لان الفرقة في الرضاع وقعت ظاهرا وباطنا، والذى غرم الزوج نصف المهر فلم يرجع عليها بأكثر من بدله.
وفي الشاهدين لم تقع الفرقة ظاهرا وباطنا، وإنما وقعت في الظاهر وهما يقران أنها زوجته الآن، وإنما حالا بينه وبينها فرجع عليهما بقيمة جميع البضع.
وقال أبو حنيفة: يرجع على المرضعة بنصف المسمى.
دليلنا أن هذا تعلق بالاتلاف فلم يضمن بالمسمى، وإنما يضمن بقيمته كضمان الاموال، فإذا قلنا يرجع عليها بنصف مهر المثل - وهو الاصح وعليه التفريع - فجاء خمسة أنفس وأرضعوا الصغيرة من أم الزوج كل واحد منهم رضعة، فإن الزوج يرجع على كل واحد منهم بخمس نصف مهر المثل ليساويهم في الاتلاف.
وإن كانوا ثلاثة فأرضعها إثنان كل واحد منهما رضعة من لبن أم الزوج وأرضعها الثالث منها ثلاث رضعات ففيه وجهان

(18/231)


(أحدهما)
يجب على كل واحد منهم ثلث نصف مهر المثل، لان كل واحد منهم وجد منه سبب الاتلاف فتساووا في الضمان، كما لو كان عبد بين ثلاثة لاحدهم النصف ولآخر السدس وللثالث الثلث، فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس نصيبهما في وقت واحد.

(والثانى)
يقسط النصف على عدد الرضعات فيجب على من أرضعه رضعة خمس نصف مهر المثل، وعلى من أرضع ثلاث رضعات ثلاثة أخماس نصف مهر المثل، لان الفسخ حصل بعدد الرضعات فقسط الضمان عليهن (فرع)
وإن كان للرجل ثلاث زوجات كبيرة، وللكبيرة ثلاث بنات من النسب أو الرضاع لهن لبن، فأرضعت كل واحدة من بنات الزوجة الكبيرة واحدة من الثلاث الزوجات الصغار نظرت - فإن وقع رضاعهن دفعة واحدة بأن اتفقن في الخامسة - انفسخ نكاح الكبيرة والصغائر، لانه لا يجوز الجمع بينهن وبين جدتهن، وإن كان الزوج لم يدخل بالكبيرة فإنهن يرجعن عليه بنصف المسمى، ويرجع الزوج على كل واحدة من بنات الكبيرة بنصف مهر الصغيرة التي أرضعت، ويرجع على الثلاث المرضعات بنصف مهر الكبيرة بينهن أثلاثا.
ومن أصحابنا من قال، يرجع بنصف مهر كل واحدة من الصغار على الثلاث
المرضعات بينهن بالسوية كنصف مهر الكبيرة، لانهن اشتركن في إفساد نكاح كل واحدة منهن، والاول أصح، وتحرم عليه الكبيرة على التأبيد.
وأما الصغار فلا يحرمن عليه بل يجوز له أبتداء عقد النكاح على كل واحدة منهن، ويجوز له الجمع بينهن لانهن بنات خالات، وإن كان قد دخل بالكبيرة حرمن جميعا على التأبيد، والكلام في مهور الصغائر ما مضى وأما مهر الكبيرة فإنه يرجع على الثلاث المرضعات بينهن أثلاثا وقال ابن الحداد: لا يرجع عليهن بمهر المثل لانه قد وطئها، فلو ثبت له الرجوع لكانت في معنى المرهونة، وهذا ليس بصحيح، لان المهر يرجع به على غيرها فلا تكون في معنى المرهونة وإن تقدم إرضاع بعضهن على بعض فإن الاولة من بنات الكبيرة لما أرضعت واحدة من الصغار انفسخ نكاح الصغيره والكبيرة ورجع الزوج على المرضعة

(18/232)


بنصف مهر مثل الصغيرة وبنصف مهر الكبيرة إن لم يدخل بها، وبجميع مهرها إن دخل بها على الاصح وحرمت الكبيرة على التأييد، فلما أرضعت الثانية الصغيرة وأرضعت الثالثة الصغيرة الثالثة، فإن كان الزوج قد دخل بالكبيرة انفسخ نكاحهما لانهما بنتا أبنة أمرأته المدخول بها والكلام في مهرهما على ما مضى، وإن كان لم يدخل بالكبيرة لم ينفسخ نكاحهما لانهما بنتا ابنة امرأته التي لم يدخل بها.
(فرع)
إذا كان له ثلاث زوجات كبيرتان وصغيرة فأرضعتها كل واحدة من الكبيرتين أربع رضعات ثم حلبت كل واحدة منهما لبنا منها وخلطتاه وسقتاه الصغيرة معا انفسخ نكاح الكبيرتين والصغيرة وعلى الزوج للصغيرة نصف المسمى وللزوج على الكبيرتين نصف مهر مثل الصغيرة بينهما نصفين وأما مهر الكبيرتين فإن كان قد دخل بهما فلهما عليه المهر المسمى ويرجع
الزوج على كل واحدة منهما من مهر صاحبتها، لان كل واحدة منهما أتلف نصف بضع صاحبتها ونكاح كل واحدة منها انفسخ بفعل نفسها وفعل صاحبتها فلا تضمن كل واحدة منها من مهر صاحبتها إلا ما قابل فعلها، وإن كان لم يدخل بهما فلكل واحدة منهما ربع مهرها المسمى على الزوج، لانه لو لم يكن من جهتها سبب في فسخ النكاح لاستحقت نصف مهرها المسمى.
ولو انفسخ نكاحها بفعلها سقط جيمع مهرها، فإذا انفسخ نكاحها قبل الدخول لا مهر لها، وما قابل فعل صاحبتها لا يسقط، ويرجع الزوج على كل واحدة منهما بربع مهر مثل صاحبتها لانه قيمة ما أتلفته من بعض صاحبتها.
قال الشيخ أبو حامد: فإن كانت بحالها إلا أن إحدهما انفرد بإيجارها اللبن المخلوط منهما انفسخ نكاح الجميع وللصغيرة على الزوج نصف المسمى، ويرجع الزوج على المؤجرة بنصف مهر الصغيرة لانها هي انفردت بالاتلاف وأما مهر الكبيرتين - فإن كان الزوج لم يدخل بالتي لم توجر - كان لها على الزوج نصف المسمى ويرجع الزوج على المؤجرة بنصف مهر مثل التي لم توجر، وإن كان قد دخل بالتي لم توجر فلها على الزوج جيمع ما سمى ولها ويرجع الزوج على المؤجرة بجميع مهر مثل التي لم توجر وأما مهر المؤجرة - فإن كان ذلك قبل الدخول بها - فلا شئ لها.

(18/233)


وإن كان بعد الدخول فلها عليه جميع المسمى ولا يسقط عنه شئ منه، وتحرم الكبيرتان عليه على التأييد بكل حال.
وأما الصغيرة - فإن دخل بالكبيرتين أو بإحداهما حرمت عليه على التأييد وإن لم يدخل بواحدة منهما جاز له ابتداء العقد على الصغيرة.
(فرع)
وإن تزوج صغيرة فارتضعت من أم الزوج خمس رضعات متفرقات
والام نائمة أنفسخ نكاحها وسقط مهرها، لان الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول فإن ارتضعت من الام رضعتين وهى نائمة، ثم أرضعتها الام ثلاث رضعات متفرقات انفسخ نكاحها.
قال الشيخ أبو إسحاق: وفي قدر ما يسقط عنه من نصف المسمى وجهان
(أحدهما)
يسقط نصفه وهو الربع ويجب عليه الربع
(والثانى)
يقسط على عدد الرضعات فيسقط من نصف المسمى الخمسان ويجب ثلاثة أخماسه، فإذا قلنا بالاول وجب على الام للزوج ربع مهر المثل، وإذا قلنا بالثاني وجب على الام ثلاثة أخماس نصف مهر المثل وإن تقاطر من لبن أمه في حلق زوجته الصغيرة فوصل إلى جوفها خمس رضعات انفسخ نكاحها فوجب عليه للصغيرة نصف المسمى ولا يرجع الزوج على الام بشئ لانه ليس من جهة أحدهما فعل (فرع)
وإن ارتضعت زوجته الصغيرة من زوجته الكبيرة خمس رضعات متفرقات والكبيرة نائمة أنفسخ نكاحهما وسقط مهر الصغيرة، وإن كان لم يدخل بالكبيرة رجعت على الزوج بنصف مهرها المسمى ورجع الزوج في مال الصغيرة بجميع مهر مثل الكبيرة على قول أكثر أصحابنا، ولا يرجع عليها بشئ على قول ابن الحداد.
(فرع)
وإن كان له زوجة صغيرة وزوجة كبيرة وللكبيرة ابن من غير هذا الزوج له زوجة لها لبن من ابن الكبيرة فأرضعت به الصغيرة انفسخ نكاح الكبيرة والصغيرة، لان الكبيرة صارت جدة الصغيرة، ولايجوز الجمع بين المرأة وجدتها، وتحرم الكبيرة على التأييد، وأما الصغيرة - فإن كان قد دخل بالكبيرة - حرمت عليه على التأبيد، وإن لم يدخل بالكبيرة لم تحرم عليه على التأييد،

(18/234)


ويجب على الزوج للصغيرة نصف المسمى، ويرجع الزوج على زوجته الكبيرة بنصف مهر مثل الصغيرة.
وأما الكبيرة فإن لم يدخل بها وجب لها نصف مهرها المسمى ويرجع على زوجة الابن بنصف مهر مثل الكبيرة.
وان دخل بالكبيرة رجعت الكبيرة بجميع مهرها المسمى، ويرجع الزوج على زوجة ابنها بجميع مهر مثل الكبيرة على قول أكثر أصحابنا، ولا يرجع عليها بشئ ههنا على قول ابن الحداد وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.