المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

باب صول الفحل

من قصده رجل في نفسه أو ماله أو أهله بغير حتى فله أن يدفعه لما روى سعيد بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من قاتل دون أهله أماله فقتل فهو شهيد) وهل يجب عليه الدفع؟ ينظر فيه فإن كان في المال لم يجب لان المال يجوز إباحته، وإن كان في أهله، وجب عليه الدفع لانه لا يجوز إباحته، وان كان في النفس ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه يجب عليه الدفع لقوله عز وجل (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) والثانى: أنه لا يجب، لان عثمان رضى الله عنه لم يدفع عن نفسه، ولانه ينال به الشهادة إذا قتل فجاز له ترك الدفع لذلك
(فصل)
وإذا أمكنه الدفع بالصباح والاستغاثة لم يدفع باليد، وإن كان في موضع لا يلحقه الغوث دفعه باليد فإن لم يندفع باليد دفعه بالعصا، فإن لم يندفع بالعصا دفعه بالسلاح، فإن لم يندفع إلا بإتلاف عضو دفعه بإتلاف العضو فإن لم يندفع إلا بالقتل دفعه بالقتل.
وإن عض يده ولم يمكنه تخليصها إلا بفك لحيبه، وإن لم يندفع إلا بأن يبعج جوفه بعج جوفه، ولا يجب عليه في شئ من ذلك ضمان، لما روى عمران بن الحصين قال، قاتل يعلى بن أمية رجلا فعض أحدهما يد صاحبه فانتزع يده من فيه فنزع ثنيته فاختصما إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال (يعض أحدكم أخاه كما بعض الفحل، لا دية له) ولان فعله ألجأه إلى الاتلاف فلم يضمنه، كما لو رمى حجرا فرجع الحجر عليه فأتلفه وإن قدر على دفعه بالعصا فقطع عضوا أو قدر على دفعه بالقطع فقتله وجب عليه الضمان لانه جناية بغير حق فأشبه إذا جنى عليه من غير دفع، وإن قصده ثم انصرف عنه لم يتعرض له، وإن ضربه فعطله لم يجز أن يضربه ضربة أخرى
لان القصد كف أذاه، فإن قصد فقطع يده فولى عنه فقطع يده الاخرى وهو مول لم يضمن الاولى لانه قطع بحق ويضمن الثانية لانه قطع بغير حق، وإن

(19/247)


مات منهما لم يجب عليه القصاص في النفس لانه مات من مباح ومحظور، ولولى المقتول الخيار بين أن يقتص من اليد الثانية وبين أن يأخذ نصف دية النصف.
(الشرح) اللغة (صال الفحل يصول) إذا وثب، والمصاولة المواثبة، وذلك مثل أن يعدو على الناس يقتلهم، قال الشافعي رحمه الله في كتاب مختصر المزني إذا طلب الفحل رجلا ولم يقدر على دفعه إلا بقتله فقتله لم يكن عليه غرم وحديث سعيد بن زيد أخرجه البخاري عن ابن عمرو (من قتل دون ماله فهو شهيد) وابن ماجه والترمذي عن عمرو بن نفيل نحوه.
ومن طريق آخر لابن ماجه عن ابن عمر (من أتى عند ماله فقوتل فقاتل فقتل فهو شهيد) وفى إسناده يزيد بن سنان التميمي وأبو فروة الرهاوى ضعيفان.
ومن طريق ثالث لابن ماجه عن أبى هريرة (من أريد ماله ظلما فقتل فهو شهيد) وإسناده حسن.
وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو (من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد) ومن طريق آخر عن سعيد بن زيد (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيد) ورواه الترمذي بتقديم في بعض الالفاظ وتأخير فيه ولكن بنصه.
ورواه النسائي عن ابن عمرو بلفظ (من قاتل دون ماله فهو شهيد وفى رواية من قتل دون مظلمته فهو شهيد) حديث عمران بن حصين رواه البخاري وأحمد ومسلم والحاكم بنحوه والنسائي بلفظ (أن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فمه فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل، لادية لك)
ومن طريق آخر البخاري عن صفوان عن أبيه قال (خرجت في غزوة فعض رجل فانتزع ثنيته فأبطلها النبي صلى الله عليه وسلم) ولفظ مسلم (فأهدر ثنيته) وابن ماجه والنسائي بلفظ (يعمد أحدكم إلى أخيه فيعضه كعضاض الفحل ثم يأتي يلتمس العقل، لا عقل لها، فأبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج مسلم أن رجل عض ذراغ أخيه فجذبه فسقطت ثنيته فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبطله وقال: أردت أن تأكل لحمه) وفى رواية عن صفوان

(19/248)


ابن يعلى له أن أجيرا ليعلى بن منية عض رجل ذراعه فجذبها فسقطت ثنيته فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أردت أن تقضمها كما يقضم الفحل) وكذا ابن ماجه وروى النسائي عن حصين بن أبى يعلى في الذى عض فندرت ثنيته إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لادية لك) وفى رواية (كما يعض البكر فأبطلها) وفى لفظ (فأطلها) وفى رواية عن يعلى (أنه استأجر أجيرا فعض يده فانتزعت ثنيته فخاصمه إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أيدعها يقضمها كقضم الفحل، وفى رواية: أيدعها في فيك تقضمها كقضم الفحل.
وفى رواية: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيش العسرة وكان أوثق عمل لى في نفسي، وكان لى أجير فقاتل إنسانا، فعض أحدهما إصبع صاحبه فانتزع أصبعه فأندر ثنيته فسقطت فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته وقال أفيدع يده في فيك تقضمها.
اللغة: شهيد، أصل الشهادة الحضور، ومنه الشهادة على الخصم، وكأن الشهداء أحضرت أنفسهم دار السلام وشاهدوا الجنة وأرواح غيرهم لا تشهدها إلا بعد البعث.
وقيل سمى شهيدا لان الله تعالى وملائكته يشهدون له بالجنة.
وقيل سموا
شهداء لانهم يستشهدون يوم القيامة مع النبي صلى الله عليه وسلم على الامم.
وقال الامام السيد رشيد رضا في التفسير فيه وجهان
(أحدهما)
أنه من الشهادة في القتال، وهى أن يقتل المؤمن في سبيل الله، أي مدافعا عن الحق قاصدا إعلاء كلمته
(والثانى)
أنه من الشهادة على الناس (بالصياح والاستغاثة) يقال صياح صياح بضم الصاد وكسرها، والاستغاثة دعاء الناس والاستنصار بهم (بأن يبعج جوفه) بعج جوفه بعجا إذا شقه فهو مبعوج (الفحل) هو بالحاء، أي الفحل من الابل.
قوله (وهل يجب عليه الدفع) ينظر فيه..الخ قال ابن المبارك يقاتل عن ماله ولو درهمين.

(19/249)


قال الشوكاني: إن الاحاديث فيها دلالة على أنه تجوز مقاتلة من أراد أخذ مال إنسان من غير فرق بين القليل والكثير إذا كان الاخذ بغير حق، وهو مذهب الجمهور كما حكاه النووي والحافظ في الفتح وقال بعض العلماء إن المقاتلة واجبة، وقال بعض المالكية لا تجوز إذا طلب الشئ الخفيف، ولعل متمسك من قال بالوجوب ما في حديث أبى هريرة من الامر بالمقاتلة والنهى عن تسليم المال إلى من رام غصبه وأما القائل بعدم الجواز في الشئ الخفيف فعموم الاحاديث ترده ولكنه ينبغى تقديم الاخف فالاخف، فلا يعدل المدافع إلى القتل مع إمكان الدفع بدونه، ويدل على ذلك أمره صلى الله عليه وسلم بإنشاد الله قبل المقاتلة، وكما تدل الاحاديث على جواز المقاتلة لمن أراد أخذ المال تدل على جواز المقاتلة لمن أراد إراقة الدم والفتنة في الدين والاهل
وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ (من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله المقاتلة وليس له عقل ولا دية ولا كفارة قال ابن المنذر: والذى عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما بغير تفصيل، ويدل على عدم لزوم القود والدية في قتل من كان على الصفة المذكورة ما رواه أحمد والنسائي وأبو داود والبيهقي وابن حبان من حديث أبى هريرة (ولا قصاص ولا دية) وفي رواية البيهقى من حديث ابن عمر (ما كان عليك في شئ) حمل الاوزاعي هذا إذا لم يكن للناس إمام، وأما حالة الفرقة والاختلاف فليستسلم المبغى على نفسه وماله ولا يقاتل أحدا قال في الفتح ويرد عليه حديث أبى هريرة عند مسلم بلفظ (جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالى؟ قال فلا تعطه مالك، قال أريات أن قاتلني؟ قال قاتله، قال أرأيت ان قتلني، قال فانت شهيد، قال أرأيت أن قتلته؟ قال هو في النار.
اه قا ابن مفلح في كتاب الفروع (ويلزمه الدفع عن نفسه على الاصح كحرمته في المنصوص وعنه ولو في فتنه) اه

(19/250)


وقال الصنعانى في سبل السلام في حديث عبد الله بن خباب سمعت أبى يقول سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (تكون فتن فكن فيها يا عبد الله للقتول ولا تكن القاتل) فيه دليل على أنه لا يجب الدفاع عن النفس (قلت) إن الدفاع عن النفس حق مقرر وضريبة لازمة على كل مسلم ضد كل مخلوق، لان عدم الدفاع يعرضها للهلاك والله يقول (ولا تقلوا بأيديكم إلى التهلكة) ولان الدفاع عن النفس ليس بأقل من الدفاع عن
العرض أو المال.
روى الامام الشافعي في مختصر المزني (رفع إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جارية كانت تحتطب فأتبعها رجل فراودها عن نفسها فرمته بفهر أو صخر فقتلته، فقال عمر هذا قتيل الله، والله لا يؤدى أبدا) ولقد قال هذا الشيخ محمد عبد العزيز الخولى الاستاذ بدار العلوم في تعليقه على سبل السلام (أما ما قيل بخصوص الحديث الذى اعتمد عليه الصنعانى فقد روى من طرق كثيرة وفيها كلها راو لم يسم) وأخرجه أحمد والطبراني، وفيه على بن زيد بن جدعان وفيه مقال.
ولما رواه أبو بكر بن أبى شيبة عن جحير بن الربيع قال، قلت لعمران بن حصين أرأيت إن دخل على داخل يريد نفسي ومالى؟ قال عمران لو دخل على داخل يريد نفسي ومالى لرأيت أن قد حل لى قتله.
وعن محمد بن سيرين أنه قال ما علمت أن أحدا من المسلمين تركه، فقال رجل يقطع عليه الطريق أو يطرقه في بيته قائما من ذلك.
وعن ابراهيم النخعي إذا دخل اللص دار رجل فقتله فلا ضرار عليه قوله (وإذا أمكنه الدفع بالصياح..الخ) فقد اتفقت الفقهاء جميعا على ذلك، وفي النص الذى أورده المهذب دليل على المهذب الشافعي وقالت الحنابلة، قال أحمد (لا تريد قتله وضربه ولكن ادفعه) وقال ابن حزم (فمن أراد أخذ مال إنسان ظلما من نص أو غيره، فإن تيسر له طرده منه

(19/251)


ومنعه فلا يحل له قتله، فإن قتله حينئذ فعليه القود، وإن توقع أقل توقع أن يعاجله اللص فليقتله ولا شئ عليه لانه مدافع عن نفسه، فإن قيل اللص محارب فعليه ما على المحارب، قلنا فإن كابر وغلب فهو محارب، واختيار القتل
في المحارب إلى الامام لا إلى غيره أو إلى من قام بالحق إن لم يكن هنالك إمام، وإن لم يكابر ولا غلب ولكن تلصص فليس محاربا ولا يحل قتله أصلا
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن وجد رجلا يزنى بامرأته ولم يمكنه المنع إلا بالتقل فقتله لم يجب عليه شئ فيما بينه وبين الله عزوجل، لانه قتله بحق، فإن ادعى أنه قتله لذلك، وأنكر الولى ولم يكن بينة لم يقبل قوله، فإذا حلف الولى حكم عليه بالقود لما روى أبو هريرة أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أأمهله حتى آتى بأربعة شهداء؟ قال نعم، فدل على أنه لا يقبل قوله من غير بينة.
وروى سعيد بن المسيب قال (أرسل معاوية أبا موسى إلى على كرم الله وجهه يسأله عن رجل وجد على امرأته رجلا فقتله، فقال على كرم الله وجهه لتخبرنى لم تسأل عن هذا؟ فقال إن معاوية كتب إلى، فقال على أنا أبو الحسن.
إن جاء بأربعة شهداء يشهدون على الزنا وإلا أعطى برمته، يقول يقتل (الشرح) حديث أبى هريرة أحرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه بلفظ أن سعد بن عبادة الانصاري قال يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا، قال سعد: بلى والذى أكرمك بالحق، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسمعوا إلى ما يقول سيدكم) ومن طريق آخر ومالك في الموطأ (إن وجدت مع امرأتي رجلا أأمهله حتى آتى أربعة شهداء، قال: نعم) ومن طريق ثالث (لو وجدت مع أهلى رجلا لم أمسه حتى آتى بأربعة شهداء قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم، قال: كلا والذى بعثك بالحق ان كنت لا عاجله بالسيف قبل ذلك، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(19/252)


وسلم (اسمعوا إلى ما يقول سيدكم إنه لغيور وأنا أغير منه والله أغير منى) ومن طريق رابع (لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح عنه فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أتعجبون من غيرة سعد فوالله لانا أغير منه والله أغير منى من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن..الخ وروى ابن ماجه حين نزلت آية الحدود وكان رجلا غيورا أرأيت لو أنك وجدت مع امرأتك رجلا أي شئ كنت تصنع، قال كنت ضاربها بالسيف.
انتظر حتى أجئ بأربعة إلى ما ذاك قد قضى حاجته وذهب أو أقول رأيت كذا وكذا فتضربوني الحد ولا تقبلوا لى شهادة أبدا قال فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ.
كفى بالسيف شاهدا، ثم قال انى أخاف أن يتتابع في ذلك السكران والغيران) قال أبو عبد الله.
يعنى ابن ماجه سمعت أبا زرعة يقول هذا حديث على بن محمد الطنافسى وفاتني منه (قلت) وفى إسناده قميصة بن حريث، قال البخاري في حديثه نظر، وذكره ابن حبان في الثقات.
أثر سعيد بن المسيب رواه مالك في الموطأ بلفظ (أن رجلا من أهل الشام يقال له ابن خيبرى وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلهما معا فأشكل على معاوية ابن أبى سفيان القضاء فيه، فكتب إلى أبى موسى الاشعري يسأل له على بن أبى طالب عن ذلك، فقال أبو موسى عن ذلك على بن أبى طالب فقال له على ان هذا الشئ ما هو بأرضى عزمت عليك لتخبرنى فقال له أبو موسى كتب إلى معاوية ابن أبى سفيان أن أسألك عن ذلك، فقال على أنا أبو حسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته) وبمقارنة هذا النص بما ورد في المهذب نجد اختلافا ظاهرا لعله خطأ في الطباعة.
اللغة: (ان لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته) أي يسلم إلى أولياء المقتول
يقتلونه قصاصا (والرمة) قطعة من حبل لانهم كانوا يقودون القاتل إلى ولى المقتول بحبل ولذا قيل القود.

(19/253)


مصفح: هو بكسر الفاء أي غير ضارب بصفح السيف وهو جانبه بل أضربه بحده.
قال الامام المطلبى في مختصر المزني: ولو قتل رجل رجلا فقال: وجدته على امرأتي فقد أقر بالقود وادعى، فإن لم يقم البينة قتل، واستشهد بما رواه مسلم ومالك.
قال النووي في شرح مسلم، قال الماوردى وغيره ليس قوله هو ردا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ولا مخالفة سعد بن عبادة لامره صلى الله عليه وسلم، وإنما معناه الاخبار عن حالة الانسان عند رؤيته الرجل عند امرأته واستيلاء الغضب عليه فانه حينئذ يعاجله بالسيف ان كان عاصيا.
واختلف العلماء من السلف في من وجد مع امرأته رجلا فقتله هل يقتل به أم لا، فقال بعضهم يقتل به لانه ليس له أن يقيم الحد بغير إذن الحاكم، وقال بعضهم لا يقتل ويعذر في ما فعله إذا ظهرت أمارات صدقه، وشرط أحمد وإسحاق رحمهما الله أن يأتي بشاهدين على أنه قتله بسبب ذلك، وقد وافقهما على هذا الشرط ابن القاسم وابن حبيب من المالكيين ولكن زادا عليه أن يكون المقتول محصنا والا فان القاتل عليه القصاص إن كان بكرا، أما الجمهور فذهبوا إلى أنه لا يعفى من القصاص إلا أن يأتي بأربعة يشهدون على الزنا أو يعترف به المفتول قبل موته بشرط أن يكون محصنا، وروى عن عمر أنه أهدر دمه ولم ير فيه قصاصا.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وإن صالت عليه بهيمة فلم تندفع إلا بالقتل فقتلها لم يضمن لانه إتلاف بدفع جائز فلم يضمن كما لو قصده آدمى فقتله للدفع.
(الشرح) إذا كان الاسلام قد فرض على المسلم أن يدافع عن نفسه حتى يصل بالدفاع إلى أن يقتل فيكون شهيدا أو يقتل فلا دية عليه فأولى أن يدفع

(19/254)


عن نفسه البهيمة حتى إن أدى الامر إلى قتلها، وارجع إلى ما سبق شرحه في نفس الباب.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
فإن اطلع رجل أجنبي في بيته على أهله فله أن يفقا عينه لما روى سهل بن سعد قال أطلع رجل من حجر في حجرة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ النبي صلى الله عليه وسلم مدرا يحك به رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو علمت أنك تنظر لطعنت به عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر وهل له أن يصيبه قبل أن ينهاه بالكلام فيه وجهان.

(أحدهما)
وهو قول القاضى أبى حامد المرووذى والشيخ أبى حامد الاسفراينى أنه يجوز للخبر.

(والثانى)
أنه لا يجوز كما لا تجوز إصابة من يقصد نفسه بالقتل إذا اندفع بالقول، ولا يجوز أن يصيبه إلا بشئ خفيف، لان المستحق بهذه الجناية فقء العين وذلك يحصل بسبب خفيف فلم تجز الزيادة عليه وان فقا عينه فمات منه لم يضمن، لانه سراية من مباح فلم يضمن كسراية القصاص، فان رماه بشئ يقتل فمات منه ضمنه، لانه قتله بغير حق، وان رماه فلم يرجع استغاث عليه، فان لم يكن من يغيثه فالمستحب أن يخوفه بالله تعالى، فان لم يقبل فله أن يصيبه بما يدفعه فإن أتى على نفسه لم يضمن، لانه تلف بدفع جائز، فإن أطلع أعمى
لم يجز له رميه، لانه لا ينظر إلى محرم، وان أطلع ذو رحم محرم لاهله لم يجز رميه، لانه غير ممنوع من النظر، وان كانت زوجته متجردة فقصد النظر إليها جاز له رميه لانه محرم عليه النظر إلى ما دون السرة وفوق اركبة منها كما يحرم على الأجنبي، وإن اطلع عليه من باب مفتوح أوكوة واسعة، فإن نظر وهو على اجتيازه لم يجز رميه لان المفرط صاحب الدار بفتح الباب وتوسعة الكوة، وإن وقف وأطال النظر ففيه وجهان
(أحدهما)
أنه يجوز له رميه لانه مفرط في الاطلاع فأشبه إذا اطلع من

(19/255)


ثقب
(والثانى)
أنه لا يجوز له رميه، وهو قول القاضى أبى القاسم العمرى، لان صاحب الدار مفرط في فتح الباب وتوسعة الكوة.

(فصل)
وإذا دخل رجل داره بغير إذنه أمره بالخروج، فإن لم يقبل فله أن يدفعه بما يدفع به من قصد ماله أو نفسه، فإن قتله فادعى أنه قتله للدفع عن داره وأنكر الولى لم يقبل قول القاتل من غير بينة، لان القتل متحقق وما يدعيه خلاف الظاهر، فإن أقام بينة أنه دخل داره مقبلا عليه بسلاح شاهر لم يضمن لان الظاهر أنه قصد قتله، وإن أقام الولى بينة أنه دخل داره بسلاح غير شاهر ضمنه بالقود أو بالدية لان القتل متحقق وليس ههنا ما يدفعه (الشَّرْحُ) حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم في الاستئذان (أن رجلا اطلع في حجرة باب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه، فلما رآه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا جعل الاذن من أجل البصر) وفى رواية البخاري في الديات (عن حميد أن رجلا اطلع في بيت النبي فسدد إليه مشقصا) فقلت من حدثك بهذا قال أنس بن مالك
وفى رواية لمسلم عن أنس أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقام إليه بمشقص فكأني أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يختله فيطعنه وفى رواية له عن أبى هريرة (من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه) وفى أخرى له (لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح) وللترمذي في الاستئذان عن سهل أن رجلا اطلع من حجر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مداراة يحك بها رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو علمت أنك تنظر لطعنتك بها في عينك، إما جعل الاستئذان من أجل البصر.
وفى رواية له عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ في بيته فاطلع عليه رجل فأهوى إليه بمشقص فتأخر الرجل، وروى النسائي في القود بنحو ما ذكر.

(19/256)


اللغة (مدرى) فبكسر الميم وإسكان الدال المهملة وبالقصر وهى حديدة يسوى بها شعر الرأس، وقيل هو شبه المشط، وقيل هو أعواد تحدد تجعل شبه المشط، وقيل هي عود تسوى به المرأة شعرها وجمعه مدارى، ويقال في الواحد مدراة أيضا ومدراية.
(مشقص) هو نصل عريض للسهم (يختله) فبفتح أوله وكسر التاء، أي يراوغه ويستغفله (خذفته) بالخاء المعجمة أي رميته بها من بين أصبعيك (يختل) بفتح الياء التحتية وسكون الخاء المعجمة بعدها مثناة مكسورة، وهو الخدع والاختفاء على ما في القاموس قال الامام المطلبى في مختصر المزني: ولو تطلع إليه رجل من ثقب فطعنه بعود أو رماه بحصاة أو ما أشبهها فذهبت عينه فهى هدر.
واحتج بما روى.
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم قال العلماء محمول على ما إذا نظر في بيت الرجل فرماه بحصاة ففقأ عينه، وهل يجوز رميه قبل إنذاره فيه وجهان لاصحابنا أصحهما جوازه لظاهر الاحاديث والله أعلم وقد استدل بالاحاديث من قال إن قصد النظر إلى مكان لا يجوز له الدخول إليه بغير إذن جاز للمنظور إلى مكانه أن يفقا عينه ولا قصاص عليه ولادية للتصريح بذلك في الاحاديث لقوله (فقد حل لهم أن يفقئوا عينه) ومقتضى الحل أنه لا يضمن ولا يقتص منه، ولقوله (ما كان عليك من جناح) وايجاب القصاص أو الدية جناح، ولان قوله صلى الله عليه وسلم المذكور لو أعلم انك تنظر طعنت به في عينك يدل على الجواز، وقد ذهب إلى مقتضى هذه الاحاديث جماعة من العلماء منهم الشافعي، وخالفت المالكية هذه الاحاديث فقالت إذا فعل صاحب المكان بمن اطلع عليه ما أذن به النبي صلى الله عليه وسلم وجب عليه القصاص أو الدية، وساعدهم على ذلك جماعة من العلماء، وغاية ما عولوا عليه قولهم ان المعاصي لا تدفع بمثلها.
وهذا من الغرائب التى يتعجب المنصف من الاقدام على التمسك بمثلها في مقابلة تلك الاحاديث الصحيحة، فإن كل عالم يعلم أن ما أذن فيه الشارع ليس بمعصية، فكيف يجعل فقء عين المطلع من باب مقابلة المعاصي بمثلها.
ومن جملة ما عولوا عليه قولهم ان الحديث وارد على سبيل التغليظ

(19/257)


والارهاب، ويجاب عنه بالمنع وللسند وأن ظاهر ما بلغنا عنه صلى الله عليه وسلم محمول على التشريع إلا لقرينة تدل على إرادة المبالغة، وقد تخلص بعضهم من الحديث بأنه مؤول بالاجماع، على أن من قصد النظر إلى عورة غيره لم يكن ذلك مبيحا لفقء عينه ولا سقوط ضمانها، ويجاب أولا بمنع الاجماع، وقد نازع القرطبى في ثبوته وقال إن الحديث يتناول كل مطلع، قال لان الحديث المذكور
إنما هو لمظنة الاطلاع على العورة فبالاولى نظرها المحقق.
ولو سلم الاجماع المذكور لم يكن معارضا لما ورد به الدليل لانه في أمر آخر، فإن النظر إلى البيت ربما كان مفضيا إلى النظر إلى الحرم وسائر ما يقصد صاحب البيت ستره عن أعين الناس.
وفرق بعض الفقهاء بين من كان من الناظرين في الشارع وفى خالص ملك المنظور إليه، وبعضهم فرق بين من رمى الناظر قبل الانذار وبعده، وظاهر الاحاديث عدم الفرق.
ثم قال الشوكاني: والحاصل أن لاهل العلم في هذه الاحاديث تفاصيل وشروطا واعتبارات يطول استيفاؤها، وغالبها مخالف لظاهر الحديث وعاطل عن دليل خارج عنه، وما كان هذا سبيله فليس في الاشتغال ببسطه ورده كثير فائدة.

قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
إذا أفسدت ماشيته زرعا لغيره ولم يكن معها فإن كان ذلك بالنهار لم يضمن وإن كان بالليل ضمن، لما روى حزام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء ابن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت زرعا، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن على أهل الاموال حفظ أموالهم بالنهار، وعلى أهل المواشى ما أصابت مواشيهم بالليل، وان كان له هرة تأكل الطيور فأكلت طيرا لغيره، أو له كلب عقور فأتلف إنسانا وجب عليه الضمان لانه مفرط فيترك حفظه
(فصل)
وإن مرت بهيمة له بجوهرة لآخر فابتلعتها نظرت فإن كان معها ضمن الجوهرة لان فعلها منسوب إليه

(19/258)


وقال أبو على بن أبى هريرة: إن كانت شاة لم يضمن وإن كان بعيرا ضمن
لان العادة في البعير أنه يضبط وفى الشاة أن ترسل، وهذا فاسد لانه يبطل بإفساد الزرع، لانه لا فرق فيه بين الجميع، فإن لم يكن معها ففيه وجهان
(أحدهما)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنه إن كان ذلك نهارا لم يضمن وإن كان ليلا ضمن كالزرع.

(والثانى)
وهو قول القاضى أبى الحسن الماوردى البصري أنه يضمنها ليلا ونهارا، والفرق بينه وبين الزرع أن رعى الزرع مألوف صاحبه فلزم صاحبه حفظه منها، وابتلاع الجوهرة غير مألوف فلم يلزم صاحبها حفظها منها، فعلى هذا إن طلب صاحب الجوهرة ذبح البهيمة لاجل الجوهرة لم تذبح ويغرم قيمة الجوهرة، فإن دفع القيمة ثم ماتت البهيمة ثم أخرجت الجوهرة من جوفها وجب ردها إلى صاحبها لانها عين ماله واسترجعت القيمة، فإن نقصت قيمة الجوهرة بالابتلاع ضمن صاحب البهيمة ما نقص، وإن كانت البهيمة مأكولة ففى ذبحها وجهان بناء على القولين فيمن غصب خيطا وخاط به جرح حيوان مأكول.
(الشرح) حديث حزام بن سعد بن محيصة (صحة الاسم) حرام، ولعله خطأ مطبعى في الاصل، أخرجه أبو داود في البيوع عن حرام بن محيصة الانصاري عن البراء بن عازب قال: كانت له ناقة ضارية فدخلت حائطا فأفسدت فيه فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل) ومن طريق آخر عن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته، فقضى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أهل الاموال حفظها بالنهار وعلى أهل المواشى حفظها بالليل) وأخرج ابن ماجه في كتاب الاحكام عن ابن شهاب أن ابن محيصة الانصاري
أخبره أن ناقة البراء بن عازب كانت ضارية دخلت في حائط قوم فأفسدت فيه فكلم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فقضى أن حفظ الاموال على أهلها بالنهار وعلى أهل الماشية ما أصابت مواشيهم بالليل)

(19/259)


وفى رواية أخرى (أن ناقة لآل البراء أفسدت شيئا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله) وروى مالك في الموطأ في كتاب الاقضية عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه فقضى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشى بالليل ضامن على أهلها.
قال ابن عبد البر: هكذا رواه مالك وأصحاب ابن شهاب عنه مرسلا، والحديث من مراسيل الثقات وتلقاه أهل الحجاز وطائفة من العراق بالقبول وجرى عمل أهل المدينة عليه، ورواه الشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي والدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي وقال الشافعي أخذنا به لثبوته ومعرفة رجاله، وقال الحافظ ابن حجر مداره على الزهري واختلف عليه فقيل هكذا.
وهذه رواية الموطأ وكذلك رواية الليث عن الزهري عن ابن محيصة لم يسمه (أن ناقة) ورواه معن بن عيسى عن مالك فزاد فيه عن جسده محيصة، ورواه معمر عن الزهري عن حرام عن أبيه ولم يتابع عليه، أخرجه أبو داود وابن حبان ورواه الاوزاعي واسماعيل بن أمية وعبد الله بن عيسى كلهم عن الزهري عن حرام عن البراء، وحرام لم يسمع من البراء، قاله عبد الحق تبعا لابن حزم، ورواه النسائي من طريق محمد بن أبى حفصة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن البراء، ورواه ابن جريج عن الزهري أخبرني أبو أمامة بن سهل أن ناقة البراء، ورواه ابن أبى ذئب عن الزهري قال بلغني أن ناقة البراء.
اللغة (الضوارى) قال الباجى يريد العوادى، البهائم التى ضريت أكل زروع الناس.
وقال عياض يعنى المواشى الضارية لرعى زروع الناس المعتادة له (حائط رجل) أي بستانه قوله (إذا أفسدت ماشيته..الخ) قال البغوي في شرح السنة: ذهب أهل العلم إلى أن ما أفسدت الماشية بالنهار من مال الغير فلا ضمان على أهلها، وما أفسدت بالليل ضمنه مالكها، لان في العرف أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار وأصحاب المواشى بالليل، فمن خالف هذه العادة كان خارجا عن رسوم الحفظ، هذا إذا لم يكن مالك الدابة معها، فإن كان معها فعليه ضمان

(19/260)


ما أتلفته سواء كان راكبها أو سائقها أو قائدها أو كانت واقفة وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو فمها، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي، وذهب أصحاب أبى حنيفة إلى ان المالك إن لم يكن معها فلا ضمان عليه ليلا كان أو نهارا.
اه من عون المعبود.
وقال الامام الخطابى: هذه سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة في هذا الباب (بعد أن أورد الحديثين المشار إليهما لابي داود) ويشبه أن يكون إنما فرق بين الليل والنهار في هذا لان في العرف أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار ويوكلون بها الحفاظ النواطير.
ومن عادة أصحاب المواشى أن يسرحوها بالنهار ويردوها مع الليل إلى المراح، فمن خالف هذه العادة كان به خارجا عن رسوم الحفظ إلى حدود التقصير والتضييع، فكان كمن ألقى متاعه في طريق شارع أو تركه في غير موضع حرز فلا يكون على آخذه قطع.
وبالتفريق بين حكم النهار والليل قال الشافعي وقال أصحاب الرأى لا فرق بين الامرين، ولم يجعلوا على أصحاب المواشى غرما، واحتجوا بقوله صلى الله
عليه وسلم (العجماء جبار) قال الخطابى: وحديث (العجماء جبار) عام وهذا حكم خاص والعام ينبنى على الخاص ويرد إليه، فالمصير في هذا إلى حديث البراء الله أعلم

(19/261)