المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية

ص -85-         باب: "صفة الصلاة"
فروضها ثلاثة عشر:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"سلوا الله العافية"1 "والأذان مع الإقامة أفضل من الإمامة" كما قاله النووي وأطال هو وغيره الاحتجاج له والنزاع فيه رددته في غير هذا الكتاب. "ويسن" لمن تأهل لهما "الجمع بينهما" ولو بجماعة واحدة لحديث حسن فيه والنهي عن كون الإمام مؤذنًا لمن يثبت. "وشرط المقيم" كالمؤذن كما أشرت إليه فيما مر ومن ذلك أن يشترط فيه "الإسلام والتمييز" لما تقدم "ويستحب أن تكون الإقامة في غير موضع الأذان" للاتباع "و" أن تكون "بصوت أخفض من" صوت "الأذان" لحصول المقصود به بحضور المدعوين "و" يستحب "الالتفات في الحيعلة" التي في الإقامة كالأذان كما مر، ويسن لمحل الجماعة مؤذنان للاتباع ويزاد عليهما بقدر الحاجة والمصلحة ولا يتقيد بأربعة يترتبون في أذانهم إن اتسع الوقت، ويندب أن يقيم المؤذن دون غيره للخبر الصحيح: "من أذن فهو يقيم"2 "فإن أذن جماعة فيقيم" المؤذن "الراتب" وإن تأخر أذانه لأنه له ولاية الأذان والإقامة وقد أذن. "ثم" إن لم يكن راتب أو كانوا راتبين كلهم فليقم "الأول" لسبقه "ثم يقرع" إن أذنوا معًا وتنازعوا لعدم المرجح "والإقامة" أي وقتها منوط "بنظر الإمام و" وقت "الأذان" منوط "بنظر المؤذن" لخبر ابن عدي وغيره: "المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة"3 ويعتد بها وإن لم يستأذن الإمام.
باب: صفة الصلاة
أي كيفيتها المشتملة على واجب وهي إما داخل في ماهيتها ويسمى ركنًا وإما خارج عنها ويسمى شرطًا، وعلى مندوب وهو إما يجبر بالسجود ويسمى بعضًا، وإما لا يجبر ويسمى هيئة، وهو ما عدا الأبعاض.
"فروضها" أي أركانها على ما هنا كالمنهاج "ثلاثة عشر" بجعل الطمأنينة في محالها الأربع هيئة تابعة للركن وهذا أولى من جعل الروضة لها أركانًا مستقلة لأنه أوفق بكلامهم في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي في الصلاة باب 44، والدعوات باب 128.
2 رواه الترمذي في الصلاة باب 32، وابن ماجه في الأذان باب 3، وأحمد في المسند "4/ 169".
3 ذكره ابن عدي في الكامل في الضعفاء "4/ 1327" والطحاوي في مشكل الآثار "3/ 55" والمتقي الهندي في كنز العمال "رقم 20963" وابن حجر في تلخيص الحبير "1/ 211".

 

ص -86-         الأول: النية بالقلب، ويكفيه في النفل المطلق نحو تحية المسجد وسنة الوضوء، نية فعل الصلاة، وفي المؤقتة، والتي لها سبب نية الفعل والتعيين كسنة الظهر أو عيد الفطر أو الأضحى، وفي الفرض نية الفعل والتعيين صبحًا أو غيرها، ونية الفرضية للبالغ، ويستحب ذكر عدد الركعات والإضافة إلى الله تعالى، والأداء والقضاء، ويجب قرن النية بالتكبيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التقدم والتأخر بركن وفقد الصارف شرط للاعتداد بالركن لا ركن مستقل.
"الأول: النية" لما مر في الوضوء وهي معتبرة هنا وفي سائر الأبواب "بالقلب" فلا يكفي النطق مع غفلته، ولا يضر النطق بخلاف ما فيه، ثم الصلاة على ثلاثة أقسام: نفل مطلق وما ألحق به كصلاة التسبيح، ونفل مقيد بوقت أو سبب، وفرض. فالأول يشترط فيه نية فعل الصلاة. والثاني: يشترط فيه فعل ذلك مع التعيين. والثالث: يشترط فيه فعل ذلك مع نية الفرضية كما قال. "ويكفيه في النفل المطلق" وهو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب ولا ما هو في معناه مما المقصود منه إيجاد صلاة لا خصوصه. "نحو تحية المسجد وسنة الوضوء" والاستخارة والإحرام والطواف. "نية فعل الصلاة" لتتميز عن بقية الأفعال فلا يكفي إحضارها في الذهن مع الغفلة عن قصد فعلها لأنه المطلوب وهي هنا ما عدا النية لأنها لا تنوي، ولا ينافي ما تقرر تصريحهم في سنة الإحرام والطواف بأنه لا بد من التعيين لأن معناه أنه لا بد منه في حصول الثواب، أما بالنسبة لإسقاط الطلب فلا يشترط، وكذا يقال في تحية المسجد وما بعدها. "و" يكفيه "في" النافلة "المؤقتة والتي لها سبب نية الفعل والتعيين" بالرفع لتتميز عن غيرها ويحصل التعيين بالإضافة "كسنة الظهر" قبلية أو بعدية ولا يكفي سنة الظهر فقط سواء آخر القبلية إلى ما بعد الفرض أم لا، ومثلها في ذلك سنة المغرب والعشاء لأن كل قبلية وبعدية بخلاف سنة الصبح والعصر "أو" سنة "عيد الفطر أو" سنة عيد  "الأضحى" فلا يكفي سنة العيد فقط، وكذا لا بد أن يعين سنة كسوف الشمس أو خسوف القمر وينوي بما قبله الجمعة وما بعدها سنتها. "و" يكفيه "في الفرض" ولو كفاية أو منذورة "نية الفعل" كما مر "والتعيين صبحًا" مثلًا "أو غيرها" ولا يكفي نية فرض الوقت "ونية الفرضية" لتتميز عن النفل والمعادة، ولو رأى الإمام يصلي العصر فظنه يصلي الظهر فنوى ظهر الوقت لم يصح لأن الوقت ليس وقت الظهر أو ظهر اليوم صح لأنه ظهر يومه، وإنما تشترط نية الفرضية "للبالغ" على ما صوبه في المجموع قال: إذ كيف ينوي الصبي الفرضية وصلاته لا تقع فرضًا. ا. هـ. لكن الأوجه ما في الروضة وأصلها من أنه كالبالغ، والمراد به في حقه صورة الفرض أو حقيقته في الأصل لا في حقه كما يأتي في المعادة، ويؤيد ذلك أنه لا بد من القيام في صلاته وإن كانت نفلا. "ويستحب ذكر عدد الركعات" لتمتاز عن غيرها فإن عينه وأخطأ فيه عمدًا بطلت لأنه نوى غير الواقع. "والإضافة إلى الله تعالى" ليتحقق معنى الإخلاص وخروجًا من الخلاف، ويصح عطف هذا على ذكر وعلى عدد. "و" ذكر "الأداء والقضاء" ولو في النفل

 

ص -87-         الثاني: أن يقول الله أكبر في القيام، ولا يضر تخلل يسير وصف لله تعالى أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لتمتاز عن غيرها، ويصح كل منهما بنية الآخر إن عذر بغيم أو نحوه لأن كلا يأتي بمعنى الآخر، بخلاف ما لو نواه مع علمه بخلافه وقصد المعنى الشرعي فإنه لا يصح لتلاعبه، ويسن ذكر الاستقبال لا اليوم والوقت إذ لا يجبان اتفاقًا. "ويجب قرن النية" المشتملة على جميع ما يعتبر فيها من قصد الفعل أو والتعيين أو والفرضية أو والقصر في حق المسافر أو والإمامة أو والمأمومية في الجمعة "بالتكبيرة" التي للإحرام وذلك بأن يستحضر في ذهنه ذلك ثم يقصد إلى فعل هذا المعلوم، ويجعل قصده هذا مقارنًا لأول التكبير، ولا يغفل عن تذكره حتى يتم التكبير، ولا يكفي توزيعه عليه بأن يبتدئه من ابتدائه وينهيه مع انتهائه لما يلزم عليه من خلو معظم التكبير الذي هو أول أفعال الصلاة عن تمام النية، واختار النووي وغيره كابن الرفعة1 والسبكي2 تبعًا للغزالي وإمامه3 أنه يكفي المقارنة العرفية عن العوام بحيث يعد مستحضرًا للصلاة.
"الثاني" من الأركان: "أن يقول الله أكبر في القيام" أو بدله لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته به4، والحكمة في الاستفتاح به استحضار المصلي عظمة من تهيأ لخدمته والوقوف بين يديه ليمتلئ هيبة فيخشع ويحضر قلبه وتسكن جوارحه ويتبين بفراغه دخوله في الصلاة بأوله، وأفهم كلام المصنف أنه لا يكفي الله كبير أو أعظم أو أجل، ولا الرحمن أكبر ولا أكبر من الله بل لا بد من لفظ الجلالة وأكبر وتقديم الجلالة للاتباع. "ولا يضر تخلل يسير وصف لله تعالى" بين كلمتي التكبير كالله عز وجل أكبر لبقاء النظم والمعنى بخلاف الله لا إله إلا هو أكبر فلا يكفي كما في التحقيق لطوله، وخرج بالوصف غيره كهو وزيادة واو ساكنة أو متحركة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العباس بن الرفعة الأنصاري البخاري المصري الشافعي الشهير بابن الرفعة ، فقيه، ولد بمصر سنة 645هـ وتوفي بالقاهرة سنة 710هـ، انظر معجم المؤلفين "1/ 282".
2 هو تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الأنصاري الشافعي السبكي. فقيه، أصولي، مؤرخ، أديب، ناظم، ناثر، ولد بالقاهرة سنة 727 أو 728هـ، وتوفي بدمشق سنة 771هـ، من تصانيفه: طبقات الشافعية الصغرى والوسطى والكبرى، وغيرها "معجم المؤلفين: 2/ 343".
3 أي الشافعي.
4 وهو الحديث الذي رواه البخاري في الأذان باب 95 "حديث 757" وفي مواضع أخرى من كتابه "حديث 793 و6251 و6252 و6667" ومسلم في الصلاة "حديث 45" عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد وقال:
"ارجع فصل فإنك لم تصل" فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" "ثلاثًا" فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني. فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها".

 

ص -88-         سكوت، يترجم العاجز بأي لغة شاء، ويجب تعلمه ولو بالسفر، ويؤخر الصلاة للتعلم، ويشترط إسماع نفسه التكبير، وكذا القراءة وسائر الأركان.
الثالث: القيام في الفرض للقادر، ويشترط نصب فقار ظهره، فإن لم يقدر وقف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلا يكفي. "أو" يسير "سكوت" وضبطه المتولي1 وغيره بقدر سكتة التنفس ويضر فيه الإخلال بحرف من غير الألثغ وزيادة حرف يغير المعنى كمد همزة الله وزيادة ألف بعد الباء وتشديدها وزيادة واو قبل الجلالة لا تشديد الراء من أكبر، وكذا إبدال همزة أكبر واوًا أو كافة همزة من جاهل لكن يلزمه تعلم مخرجهما، وكذا ضم راء أكبر مطلقًا على المعتمد ووصل همزة مأمومًا أو إمامًا بالله أكبر خلاف الأولى، وقال ابن عبد السلام: يكره. "ويترجم" وجوبًا "العاجز" عن النطق بالتكبير بالعربية "بأي لغة شاء" ولا يعدل إلى ذكر غيره. "ويجب تعلمه" لنفسه وطفله ومملوكه إن قدر عليه "ولو بالسفر" ببلد آخر وإن بعد لكن يشترط أن يستطيعه وينبغي ضبط الاستطاعة هنا بالاستطاعة في الحج "ويؤخر" وجوبًا "الصلاة" عن أول الوقت "للتعلم" إن رجاه فيه حتى لا يبقى إلا ما يسعها بمقدماتها فحينئذ يلزم فعلها على حسب حاله لحرمة الوقت، ولا يقضي بعد التعلم إلا ما فرط في تعلمه ويلزم الأخرس تحريك شفتيه ولسانه ولهاته2 ما أمكنه، فإن عجز نواه بقلبه، وكذا حكم سائر الأركان القولية. "ويشترط" على القادر على النطق بالتكبير "إسماع نفسه التكبير" إذا كان صحيح السمع ولا عارض عنده من لغط أو غيره. "وكذا القراءة" الواجبة "وسائر الأركان" القولية كالتشهد الأخير والسلام، ولا بد في حصول ثواب السنن القولية من ذلك أيضًا ولو كبر للإحرام مرات بنية الافتتاح بالأولى وحدها لم يضر أو بكل دخل في الصلاة بالأوتار وخرج بالأشفاع، لأنه من افتتح صلاة ثم نوى افتتاح صلاة أخرى بطلت صلاته، هذا إذا لم ينو بين كل خروجًا وافتتاحًًا وإلا خرج بالنية ودخل بالتكبير.
"الثالث" من الأركان: "القيام في الفرض" ولو منذورًا أو كفاية أو على صورة الفرض كالمعادة وصلاة الصبي "للقادر" عليه ولو بغيره فيجب من أول التحرم به إجماعًا، أما النفل والعاجز فسيأتيان. "وشرط" فيه "نصب فقار" أي عظام "ظهره" لا رقبته لأنه يسن إطراق الرأس، ولا يضر استناده إلى شيء وإن كان بحيث لو رفع لسقط لوجود اسم القيام لكن يكره ذلك إلا إن أمكن معه رفع قدميه فتبطل كما لو انحنى بحيث صار أقرب إلى أقل الركوع أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون بن علي الشافعي المعروف بالمتولي. فقيه، أصولي، متكلم، فرضي، ولد بنيسابور سنة 426هـ، وتوفي ببغداد سنة 478هـ، من تصانيفه: تتمة الإبانة تأليف شيخه الفوراني في الفقه ولم يكملها، كتاب صغير في أصول الدين، ومختصر في الفرائض "معجم المؤلفين: 2/ 106".
2 اللهاة من كل ذي حلق: اللحمة المشرفة على الحلق، أو الهنة المطبقة في أقصى سقف الفم "المعجم الوسيط: ص843".

 

ص -89-         منحنيًا، فإن لم يقدر قعد وركع محاذيًا جبهته قدام ركبتيه، والأفضل أن يحاذي موضع سجوده، وهما على وزان ركوع القائم في المحاذاة، فإن لم يقدر اضطجع على جنبه، والأيمن أفضل، فإن لم يقدر استلقى، ويرفع رأسه بشيء، يومئ برأسه للركوع والسجود وإيماؤه للسجود أكثر قدر إمكانه، فإن لم يقدر أو ما بطرفه، فإن لم يقدر أجرى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مال على جنبه بحيث خرج عن سنن القيام "فإن لم يقدر" على القيام إلا منحنيًا لكون ظهره تقوس أو متكئًا على شيء أو إلا على ركبتيه أو إلا مع نهوض ولو بمعين بأجرة مثل وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة "وقف منحنيًا" في الأولى وكما قدر فيما بعدها لأن الميسور لا يسقط بالمعسور ويلزمه في الأولى زيادة الانحناء في ركوعه إن قدر لتتميز الأركان ولو عجز عن الركوع والسجود دون القيام قام وأومأ إليهما قدر إمكانه. "فإن لم يقدر" على القيام في الفرض بأن لحقته مشقة شديدة لا تحتمل في العادة كدوران رأس راكب السفينة "قعد" كيف شاء للخبر الصحيح:
"فإن لم تستطع" أي القيام "فقاعدًا"1، ولو شرع في السورة فله القعود ليكملها، وكذا لو كان إذا صلى منفردًا صلى قائمًا ومع جماعة صلى قاعدًا فله أن يصلي معهم قاعدًا. "وركع" أي المصلي قاعدًا وأقل ركوعه أن ينحني حتى يكون "محاذيًا جبهته" ما "قدام ركبتيه والأفضل" أي أكمله هو "أن يحاذي" جبهته "موضع سجوده" وركوع القاعد في النفل كذلك "وهما على وزان ركوع القائم في المحاذاة" أي بالنسبة إلى النظر فإنه يسن لكل النظر إلى موضع سجوده، قال العز بن عبد السلام فيمن اتقى التشبهات فضعف عن القيام والجمعة لا خير في ورع يؤدي إلى إسقاط فرائض الله تعالى. "فإن لم يقدر" على القعود بأن نالته به المشقة السابقة "اضطجع" وجوبًا "على جنبه" مستقبلا للقبلة بوجه ومقدم بدنه "و" الجنب "الأيمن" أي الاضطجاع عليه "أفضل" بل الاضطجاع على الأيسر بلا عذر مكروه "فإن لم يقدر" على الاضطجاع بالمعنى السابق "استلقى" على ظهره وأخمصاه للقبلة لخبر النسائي: "فإن لم تستطع فمستلقيًا" "ويرفع" وجوبًا "رأسه" قليلًا "بشيء" ليتوجه إلى القبلة بوجهه ومقدم بدنه هذا في غير الكعبة وإلا جاز له الاستلقاء على ظهره وعلى وجهه لأنه كيفما توجه فهو متوجه لجزء منها، نعم إن لم يكن لها سقف امتنع الاستلقاء على ظهره وعلى وجهه من غير أن يرفع رأسه "ويومئ"وجوبًا إن عجز عن ذلك "برأسه للركوع والسجود" يجب أن يكون "إيماؤه للسجود أكثر قدر إمكانه" لأن الميسور لا يسقط بالمعسور ولوجوب التمييز بينهما على المتمكن "فإن لم يقدر" على الإيماء برأسه "أومأ بطرفه" أي بصره إلى أفعال الصلاة "فإن لم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى البخاري في تقصير الصلاة باب 19 "حديث 1117" عن عمران بن حصين قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال:
"صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب"، ورواه أيضًا الترمذي في الصلاة باب 157، وابن ماجه في الإقامة باب 139، وأحمد في المسند "4/ 426".

 

ص -90-         الأركان على قلبه، ويتنفل القادر قاعدًا ومضطجعًا لا مستلقيًا ويقعد للركوع والسجود، وأجر القاعد القادر نصف أجر القائم، والمضطجع نصف أجر القاعد.
الرابع: الفاتحة إلا لمعذور لسبق وغيره، والبسملة والتشديدات التي فيها منها، ولا يصح إبدال الظاء عن الضاد، ويشترط عدم اللحن المخل بالمعنى، والموالاة فتنقطع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقدر" على الإيماء بطرفه إليها "أجرى الأركان" جميعها "على قلبه" مع السنن إن شاء بأن يمثل نفسه قائمًا وراكعًا وهكذا لأنه الممكن، فإن اعتقل لسانه أجرى القراءة وغيرها على قلبه كذلك، ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتًا لوجود مناط التكليف، ومتى قدر على مرتبة من المراتب السابقة في أثناء الصلاة لزمه الإتيان بها، نعم لا تجزئ القراءة في النهوض وتجزئ في الهوي، "ويتنقل القادر قاعدًا" إجماعًا "ومضطجعًا لا مستلقيًا ويقعد للركوع والسجود" ولا يومئ بهما لعدم وروده "وأجر القاعد" في النفل "القادر نصف أجر القائم و" أجر "المضطجع نصف أجر القاعد" كما ثبت ذلك في خبر البخاري1، نعم من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن تطوعه قاعدًا مع القدرة كتطوعه قائمًا.
"الرابع" من الأركان: "الفاتحة" أي قراءتها في كل قيام أو بدله حتى القيام الثاني في صلاة الكسوفين في السرية والجهرية حفظًا أو تلقينًا أو نظرًا في نحو مصحف للخبر الصحيح: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب"2 أي في كل ركعة منها كما صرح به في خبر المسيء صلاته "إلا لمعذور لسبق" فإنها لا تلزمه أي لتحمل إمامه لها عنه لا لعدم مخاطبته بها فيدرك الركعة بإدراكه معه ركوعه المحسوب له "وغيره" كرحمة أو نسيان أو بطء حركة بأن لم يقم من السجود إلا والإمام راكع أو قريب من الركوع، وكذا لو انتظر سكتة الإمام فركع أو شك هل قرأ الفاتحة فإنه يتخلف لقراءتها فيهما، فإذا لم يقم إلا والإمام راكع مثلا ركع معه وسقطت عنه الفاتحة، وبهذا يعلم أن يتصور سقوط الفاتحة في الركعات الأربع "والبسملة" آية منها عملا بما صح أنه صلى الله عليه وسلم عدها آية منها وأنه قال:
"بسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها وآية من كل سورة غير براءة", كما دل عليه خبر مسلم وغيره فهي قرآن ظنًا لا قطعًا لعدم التواتر، "والتشديدات التي فيها" وهي أربع عشرة "منها" لأنها هيئات لحروفها المشددة فوجوبها شامل لهيئاتها فإن خفف مشددًا بطلت قراءته بل قد يكفر به في إياك إن علم وتعمد لأنه بالتخفيف ضوء الشمس، وإن شدد مخففًا أساء ولم تبطل صلاته، "ولا يصح إبدال" قادر أو مقصر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو ما رواه في تقصير الصلاة باب 17 "حديث 1115" عن عمران بن حصين -وكان مبسورًا- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدًا، فقال:
"إن صلى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد".
2 رواه ابن خزيمة في صحيحه "490" وابن حجر في فتح الباري "2/ 241" والنووي في الأذكار "46" وابن عدي في الكامل في الضعفاء "3/ 991".

 

ص -91-         الفاتحة بالسكوت الطويل إن تعمده، أو كان يسيرًا وقصد به قطع القراءة، وبالذكر إلا إذا كان ناسيًا، وإلا إذا سن في الصلاة كالتأمين والتعوذ، وسؤال الرحمة وسجود التلاوة لقراءة إمامه والرد عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الظاء عن الضاد" ولا حرفًا منها بآخر وإن لم يكن ضادًا ولا ظاء كإبدال الذال زايًا في الذين والحاء هاء في الحمد، ومنه أن ينطق بالقاف مترددة بينها وبين الكاف، ومن قال في هذه بعدم البطلان يحمل كلامه على المعذور كما صرح به في المجموع. "ويشترط" لصحة القراءة "عدم اللحن المخل بالمعنى" كضم تاء أنعمت أو كسرها ممن يمكنه التعلم وكقراءة شاذة وهي ما وراء السبعة إن غيرت المعنى كقراءة:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، برفع الأول1 ونصب الثاني2 أو زادت ولو حرفًا أو نقصت، فمن فعل شيئًا من ذلك بطلت قراءته إلا أن يتعمده ويعلم تحريمه فتبطل صلاته، ولو بالغ في الترتيل فجعل الكلمة كلمتين قاصدًا إظهار الحروف كالوقفة اللطيفة بين السين والتاء من نستعين لم يجز إذ الواجب أن يخرج الحرف من مخرجه ثم ينتقل إلى ما بعده متصلًا به بلا وقفة، وبه يعلم أنه يجب على كل قارئ أن يراعي في تلاوته ما أجمع القراء على وجوبه. "و" تشترط "الموالاة" في الفاتحة للاتباع، وكذا التشهد على ما اعتمده جمع. "فتنقطع الفاتحة بالسكوت الطويل" وهو ما يزيد على سكتة التنفس والعي "إن تعمده" وإن لم ينو القطع لإشعاره بالإعراض، بخلاف ما إذا كان ناسيًا أو ساهيًا وإن طال لعذره كالسكوت الطويل للإعياء أو لتذكر آية نسيها "أو كان يسيرًا وقصد به قطع القراءة" لتعديه بخلاف مجرد قصد قطع القراءة باللسان ولم يقطعها وإنما بطلت الصلاة بنية قطعها لأن النية ركن فيها يجب إدامتها حكمًا والقراءة لا تفتقر إلى نية مخصوصة، ومن لم يؤثر نية قطع الركوع أو غيره من الأركان، وتنقطع الموالاة أيضًا بقراءة آية من غيرها. "وبالذكر" وإن قل كالحمد للعاطس لأنه ليس مختصًا بالصلاة ولا لمصلحتها فأشعر بالإعراض "إلا إذا كان ناسيًا" لعذره "وإلا إذا سن" بالذكر "في الصلاة" بأن كان مأمورًا به فيها لمصلحتها فلا تنقطع به القراءة "كالتأمين" لقراءة إمامه "والتعوذ" من العذاب "وسؤال الرحمة" عند قراءة آيتهما منه أو من إمامه، وقوله بلى عند سماعه {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8]، وسبحان ربي العظيم عند: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74]، ونحو ذلك. "وسجود التلاوة لقراءة إمامه والرد" من المأموم "عليه" إذا توقف فيها ومحله إذا سكت فلا يفتح عليه ما دام يردد التلاوة، وإلا انقطعت الموالاة فيما يظهر، ونسيان الموالاة لا الفاتحة عذر، ولو شك قبل الركوع هل قرأ الفاتحة؟ أو قبل السلام هل تشهد؟ لزمه إعادتهما أو في أثنائهما في بعض منهما لزمه إعادتهما أو بعدهما في بعضهما لم يؤثر، ويجب ترتيب الفاتحة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي لفظ الجلالة "الله".
2 أي لفظ "العلماء".

 

ص -92-         الخامس: الركوع وأقله أن ينحني حتى تنال راحتاه ركبتيه، ويشترط أن يطمئن بحيث تستقر أعضاؤه وأن يقصد به غيره، فلو هوى للتلاوة فجعله ركوعًا لم يكفه.
السادس: الاعتدال وهو أن يعود ما كان عليه قبله. وشرطه الطمأنينة، وأن لا يقصد به غيره، فلو رفع رأسه فزعًا من شيء لم يكف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيضًا، فإن تعمد تركه استأنف القراءة إن لم يغير المعنى وإلا بطلت صلاته، وكذا في التشهد وإن لم يجب ترتيبه، ويجب التوصل إلى قراءة الفاتحة، فكل وجه قدر عليه وإلا أعاد ما صلاه مع التمكن من تعلمها، ومن تعذرت عليه قرأ سبع آيات من غيرها بقدر حروفها وإن تفرقت ولم تفد معنى منظومًا، فإن عجزت لزمه سبعة أنواع من الذكر أو الدعاء الأخروي بقدر حروفها، فإن لم يحسن شيئًا وقف بقدرها ولا يترجم عن شيء من القرآن لفوات إعجازه بخلاف غيره.
"الخامس" من الأركان: "الركوع" للكتاب1 والسنة والإجماع وتقدم ركوع القاعد بقسميه. "وأقله" للقائم "أن ينحني" بلا انخناس2 وإلا لم يصح "حتى تنال راحتاه ركبتيه" بأن يكون بحيث تنال راحتا معتدل الخلقة ركبتيه لو أراد وضعهما عليهما لأنه بدون ذلك أو به مع الانخناس لا يسمى ركوعًا والراحتان ما عدا الأصابع من الكفين. "ويشترط أن يطمئن" فيه "بحيث تستقر أعضاؤه" حتى ينفصل رفعه عن ركوعه عن هويه للخبر الصحيح: "ثم اركع حتى تطمئن راكعًا"3 ولا تقوم زيادة الهوى مقامها لعدم الاستقرار. "و" يشترط "أن لا يقصد به" أي بالهوى "غيره" أي غير الركوع بأن يهوي بقصده أو لا بقصد "فلو هوى للتلاوة" أي لسجودها "فجعله" عند بلوغ حد الراكع "ركوعًا لم يكفه" لوجود الصارف فيجب العود إلى القيام ليهوي، ولو ركع إمام فظن أن يسجد للتلاوة فهوى لذلك فرآه لم يسجد فوقف عن السجود حسب له عن ركوعه على ما رجحه الزركشي ويغتفر له ذلك للمتابعة، ورجح شيخنا زكريا4 أنه يعود للقيام ثم ركع وهو أوجه، ولو أراد أن يركع فسقط قام ثم ركع ولا يقوم راكعًا فإن سقط في أثناء انحنائه عاد للمحل الذي سقط منه في حال انحداره.
"السادس" من الأركان: "الاعتدال" ولو في النفل على المعتمد "وهو أن يعود" بعد الركوع "إلى ما كان عليه قبله" من قيام أو قعود "وشرطه الطمأنينة" فيه للخبر الصحيح: "ثم ارفع حتى تطمئن قائمًا" "و" شرطه "أن لا يقصد به غيره" بأن يقصد الاعتدال أو يطلق "فلو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو قوله تعالى في الآية 77 من سورة الحج:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
2 هو حديث المسيء صلاته الذي تقدم.
3 وهو خبر المسيء صلاته.
4 هو زيد الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري الشافعي، ولد بسنيكة -بليدة من شرقية مصر- سنة 826، وتوفي في القاهرة سنة 926هـ، وقيل في وفاته غير ذلك، انظر معجم المؤلفين "1/ 733".

 

ص -93-         السابع: السجود مرتين، وأقله أن يضع بعض بشرة جبهته على مصلاه، وشرطه: الطمأنينة ووضع جزء من ركبتيه، وجزء من بطون كفيه وأصابع رجليه، وتثاقل رأسه، وعدم الهوي لغيره، فلو سقط على وجهه وجب العود إلى الاعتدال وارتفاع أسافله على أعاليه، وعدم السجود على شيء يتحرك بحركته إلا أن يكون في يده، فلو عصب جميع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رفع رأسه" منه "فزعًا" أو خوفًا "من شيء لم يكف" لوجود الصارف، ولو سقط عن ركوعه من قيام قبل الطمأنينة عاد إليه وجوبًا واطمأن ثم اعتدل أو بعدها نهض معتدلا ثم سجد، ولو شك غير المأموم وهو ساجد هل أتم اعتداله اعتدل فورًا وجوبًا فإن مكث ليتذكر بطلت صلاته.
"السابع" من الأركان: "السجود مرتين" في كل ركعة للكتاب1 والسنة والإجماع. "وأقله أن يضع بعض بشرة" أو شعر "جبهته على مصلاه" بلا حائل بينهما وخرج بالجبهة الجبين والأنف. "وشرطه الطمأنينة" فيه للخبر الصحيح:
"ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا"2 "ووضع جزء" على مصلاه وإن قل أو كان مستورًا أو لم يتحامل عليه على الأوجه "من ركبتيه وجزء من بطون كفيه" سواء الراحة والأصابع "و" جزء من بطون "أصابع رجليه" للخبر الصحيح: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين"3، "و" شرطه أيضًا "تثاقل رأسه" بأن يتحامل على محل سجوده بثقل رأسه وعنقه بحيث لو كان على قطن لاندك وظهر أثره في يديه لو فرضت تحت ذلك. "و" شرطه "عدم الهوى لغيره" بأن يهوي له أو يطلق نظير ما مر "فلو سقط" من الاعتدال "على وجهه" لمحل السجود "وجب العود إلى الاعتدال" ليهوي منه أو من الهوي عليه لم يلزمه العود بل يحسب ذلك سجودًا ما لم يقصد بوضع جبهته الاعتماد عليها وإلا أعاد السجود لوجود الصارف أو على جنبه فانقلب بنية السجود أو بلا نية أو بنيته ونية الاستقامة أجزأه فقط لوجود الصارف فلا يجزئه بل يجلس ولا يقوم فإن قام عامدًا عالمًا بطلت صلاته. "و" شرطه "ارتفاع أسافله" أي عجيزته وما حولها "على أعاليه" للاتباع فلو تساويا لم يجزه لعدم اسم السجود إلا أن يكون به علة لا يمكنه معها السجود إلا كذلك، ولو عجز عن وضع جبهته إلا على نحو وسادة فإن حصل التنكيس لزمه وضع ذلك ليسجد عليه وإلا فلا إذ لا فائدة فيه. "و" شرطه "عدم السجود على شيء" محمول له أو متصل به بحيث "يتحرك بحركته" في قيامه أو قعوده فإن سجد عليه عامدًا عالمًا بطلت صلاته و"إلا" لزمه إعادة السجود فإن لم يتحرك بحركته أو لم يكن من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع الحاشية الأولى في الصفحة السابقة.
2 هو حديث المسيء صلاته.
3 رواه البخاري في الأذان باب 133 و134 و138، ومسلم في الصلاة حديث 227 و229 و230، والترمذي في المواقيت باب 87، والنسائي في التطبيق باب 44 و58. وابن ماجه في الإقامة باب 19، والدارمي في الصلاة باب 73، وأحمد في المسند "1/ 279، 280، 286، 292، 305".

 

ص -94-         جبهته لجراحة وخاف من نزع العصابة سجد عليها ولا قضاء.
الثامن: الجلوس بين السجدتين وشرطه الطمأنينة، وأن لا يطوله، ولا الاعتدال، وأن لا يقصد بالرفع غيره، فلو رفع فزعًا من شيء لم يكف.
التاسع: التشهد الأخير وأقله: التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتشترط موالاته، وأن يكون بالعربية.
العاشر: القعود في التشهد الأخير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محموله وإن تحرك بحركته مثل "أن يكون" سريرًا هو عليه أو شيئًا "في يده" كعود جاز السجود عليه وإنما بطلت صلاته بملاقاة ثوبه للنجاسة وإن لم يتحرك بحركته لأنه منسوب إليه، وليس المعتبر هنا إلا السجود على قرار وبعدم تحركه بحركته هو قرار، وشرطه أيضًا كما علم من قوله بشرط أن لا يكون بين الجبهة ومحل السجود حائل إلا لعذر. "فلو عصب جميع جبهته لجراحة" مثلًا "وخاف من نزع العصابة" محذور تيمم "سجد عليها" للعذر "ولا قضاء" لأنه عذر غالب دائم.
"الثامن" من الأركان: "الجلوس بين السجدتين وشرطه الطمأنينة" ولو في النفل للخبر الصحيح: "ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا" "وأن لا يطوله ولا الاعتدال" لأنهما ركنان قصيران إذ القصد بهما الفصل فإن طولهما فوق ذكرهما بقدر سورة الفاتحة في الاعتدال، وأقل التشهد في الجلوس عامدًا عالمًا بالتحريم بطلت صلاته. "وأن لا يقصد بالرفع غيره" أي الجلوس "فلو رفع فزعًا من شيء لم يكف" لما مر.
"التاسع" من الأركان: "التشهد الأخير" للخبر الصحيح: "قولوا التحيات لله" إلى آخره. "وأقله التحيات لله" جمع تحية وهي ما يحيا به من سلام أو غيره، والقصد الثناء على الله تعالى بأنه مالك لجميع التحيات من الخلق "سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" وهم القائمون بحقوق الله تعالى وحقوق العباد. "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" أو وأن محمدًا عبده ورسوله ولا يكفي وأن محمدًا رسوله."وتشترط موالاته" لا ترتيبه كما مر. "وأن يكون" هو وسائر أذكار الصلاة المأثورة "بالعربية" فإن ترجم عنها قادرًا على العربية أو عما لم يرد وإن عجز بطلت صلاته، ويشترط أيضًا ذكر الواو العاطفة بين الشهادتين ويتعين لفظ التشهد فلا يكفي معناه بغير لفظه كأن يأتي بدل لفظ الرسول بالنبي أو عكسه أو بدل محمد بأحمد أو بدل أشهد بأعلم، ويشترط رعاية حروفه وتشديداته وعدم الإعراب المخل بالمعنى وإسماع النفس والقراءة في حال القعود القادر.
"العاشر" من الأركان: "القعود في التشهد الأخير" لأنه محله فيتبعه في الوجوب على القادر.

 

ص -95-         الحادي عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده قاعدًا، وأقلها: اللهم صل على محمد أو على رسوله أو على النبي.
الثاني عشر: السلام وأقله السلام عليكم.
الثالث عشر: الترتيب فإن تعمد تركه كأن سجد قبل ركوعه بطلت صلاته، وإن سها فما بعد المتروك لغو، فإن تذكر قبل أن يأتي بمثله أتى به، وإلا تمت ركعته وتدارك الباقي، ولو تيقن في آخر صلاته ترك سجدة من الركعة الأخيرة سجدها وأعاد تشهده أو من غيرها أو شك فيها أتى بركعة، وإن قام إلى الثانية وقد ترك سجدة من الأولى، فإن كان قد جلس ولو للاستراحة هوى للسجود، وإلا جلس مطمئنًا ثم يسجد، وإن تذكر ترك ركن بعد السلام، فإن كان النية أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته، وإن كان غيرها بنى على صلاته إن قرب الفصل ولم يمس نجاسة ولا يضر استدبار القبلة، ولا الكلام، وإن طال الفصل استأنفت الصلاة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الحادي عشر" من الأركان: "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده قاعدًا" لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بها في الصلاة والمناسب لها منها التشهد آخرها "وأقلها اللهم صل" أو صلى الله "على محمد أو على رسوله أو على النبي" دون أحمد أو عليه ويتعين صيغة الدعاء هنا لا في الخطبة لأنها أوسع، وشروط الصلاة شروط التشهد فلو أبدل لفظ بالسلام أو الرحمة لم يكف.
"الثاني عشر" من الأركان: "السلام" بعد ما مر للخبر الصحيح: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم"1 "وأقله السلام عليكم" للاتباع فلا يجزئ سلام عليكم وإنما أجزأ في التشهد كما مر لوروده ثم لا هنا ويجزئ عليكم السلام لكن يكره، ويشترط الموالاة بين قوله السلام وعليكم والاحتراز عن زيادة أو نقص فيه تغيير المعنى وأن يسمع نفسه.
"الثالث عشر: الترتيب" كما ذكر في عددها المشتمل على قرن النية بالتكبير وجعلهما مع القراءة في القيام وجعل التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القعود، فالترتيب عند من أطلقه مراد فيما عدا ذلك، وتقديم الانتصاب على تكبيرة الإحرام شرط لها لا ركن، ونية الخروج غير واجبة، والموالاة وهي عدم تطويل الركن القصير وعدم طول الفصل بعد سلامه ناسيًا شرط أيضًا، "فإن تعمد تركه" أي الترتيب بأن قدم ركنًا فعليًّا على محله "كأن سجد قبل ركوعه" عامدًا عالمًا "بطلت صلاته" لتلاعبه بخلاف تقديم القولي غير السلام لأنه لا يخل بهيئتها فيلزمه إعادته في محله. "وإن سها" عن الترتيب فترك بعض الأركان "فما" فعله "بعد المتروك لغو" لوقوعه في غير محله "فإن تذكر" المتروك "قبل أن يأتي بمثله أتى به" محافظة على الترتيب "وإلا" بأن لم يتذكره حتى أتى بمثله من ركعة أخرى "تمت" به "ركعته" لوقوعه في محله ولغا ما بينهما "وتدارك الباقي" من صلاته وسجد آخرها للسهو، ومحل ذلك فيما شملته الصلاة فجزئه الجلوس، وإن نوى به الاستراحة والتشهد عن الأخير وإن ظنه الأول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في الطهارة باب 31 "حديث 61" والصلاة باب 73 "حديث 618" والترمذي في الطهارة باب 3، والصلاة باب 62، وابن ماجه في الطهارة باب 3، والدارمي في الوضوء باب 22، وأحمد في المسند "1/ 123، 129" عن علي قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم".

 

ص -96-         فصل: "في سنن الصلاة"
ويسن التلفظ بالنية قبيل التكبير، واستصحابها، ورفع اليدين مع ابتداء تكبيرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخلاف سجدة التلاوة والشكر وسجدتي السهو فإنها لا تقوم السجود لأن نية الصلاة لم تشملها لعروضها فيها، بخلاف جلسة الاستراحة لأنها أصلية فيها، "ولو تيقن" أو شك "في آخر صلاته ترك سجدة من الركعة الأخيرة سجدها وأعاد تشهده" لوقوعه في غير محله وسجد للسهو "أو" تيقن أو شك في ترك سجدة "من غيرها" أي الركعة الأخيرة "أو شك فيها" هل هي من الأخيرة أو من غيرها "أتى بركعة" لأن الناقصة في مسألة اليقين كملت بسجدة من التي بعدها ولغا ما بينهما وأخذ بالأسوأ في مسألة الشك وهو جعل المتروك من غير الأخيرة حتى تلزمه ركعة لأنه الأحوط. "وإن قام إلى" الركعة "الثانية" مثلًا "وقد ترك سجدة من الأولى" أو شك فيها "فإن كان قد جلس" قبل قيامه "ولو للاستراحة هوى للسجود" اكتفاء بجلوسه لما مر "وإلا" بأن لم يكن جلس قبل قيامه "جلس مطمئنًا ثم يسجد" رعاية للترتيب. "وإن تذكر ترك ركن بعد السلام فإن كان النية أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته" وكذا لو شك فيهما. "وإن كان غيرهما بنى على صلاته إن قرب الفصل ولم" يأت بمناف للصلاة كأن "يمس نجاسة" غير معفو عنها. "و" لكن "لا يضر استدبار القبلة" إن قصر زمنه عرفًا "ولا الكلام" إن قل عرفًا أيضًا لأنهما قد يحتملان في الصلاة بخلاف ما إذا طال زمن الأول أو كثر الثاني. "وإن طال الفصل" عرفًا "استأنفت الصلاة" وإن لم يحدث فعلًا آخر، ولا يقال غايته أنه سكوت طويل وتعمده لا يضر خلافًا لمن وهم فيه لأن محله حيث لم يصدر منه شيء غير السكوت، وهنا صدر منه السلام وهو مبطل في هذه الصورة لو علم المتروك فلما جهله جوزنا له البناء ما لم يحصل منه ما يمنعه وهو طول الفصل بين تذكره وسلامه.
فصل: في سنن الصلاة
وهي كثيرة. "و" منها أنه "يسن التلفظ بالنية" السابقة فرضها ونفلها "قبيل التكبير" ليساعد اللسان القلب وخروجًا من خلاف من أوجب ذلك في كل عبادة تجب لها نية "واستصحابها" ذكرًا بأن يستحضرها بقلبه إلى فراغ الصلاة لأنه معين على الخشوع والحضور، أما حكمًا بأن لا يأتي بمنافيها فواجب. "ورفع اليدين" وإن اضطجع "مع اليدين" همزة "تكبيرة

 

ص -97-         الإحرام، وكفه مكشوفة إلى الكعبة ومفرجة الأصابع، ومحاذيًا بإبهاميه شحمة أذنيه، وينهي رفع اليدين مع آخر التكبير، ويرفع يديه عند الركوع، والاعتدال، والقيام من التشهد الأول، فإذا فرغ من التحرم حط يديه تحت صدره، وقبض بكف اليمنى كوع اليسرى، وأول الساعد، ونظر موضع سجوده إلا عند الكعبة، وإلا عند قوله إلا الله فينظر مسبحته، ويقرأ دعاء الاستفتاح عقب تكبيرة الإحرام، ومنه: الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحرام و" تكون "كفه مكشوفة" بل يكره سترها إلا لعذر ومتوجهة "إلى الكعبة" ليقع الاستقبال ببطونها "ومفرجة الأصابع" تفريجًا وسطًَا ليكون لكل عضو استقبال بالعبادة ولا يميل أطرافها نحو القبلة. "و" يسن أن يكون في رفعه "محاذيًا" أي مقابلًا "بإبهاميه" أي رأسهما "شحمة أذنيه" وبرأس بقية أصابعه أعلى أذنيه وبكفيه منكبيه وهذه الكيفية جمع بها الشافعي رضي الله عنه بين الروايات المختلفة في ذلك "وينهي رفع اليدين مع آخر التكبير" على المعتمد والأفضل قرن هذه الهيئة كلها بجميع التكبير، وينبغي أن ينظر قبل الرفع والتكبير إلى موضع سجوده ويطرق رأسه قليلًا. "ويرفع يديه" كذلك "عند الركوع" لكن يسن أن يكون ابتداء الرفع وهو قائم مع ابتداء تكبيره فإذا حاذى كفاه منكبيه انحنى "و" عند "الاعتدال" بأن يكون الرفع مع ابتداء رفع رأسه ويستمر إلى انتهائه. "و" عند "القيام من التشهد الأول" للاتباع في الكل "فإذا فرغ من التحرم" لم يستدم الرفع لكراهته بل "حط يديه" مع انتهاء التكبير كما مر "تحت صدره" وفوق سرته فهو أولى من إرسالهما بالكلية ومن إرسالهما ثم ردهما إلى تحت الصدر "وقبض بكف" يده "اليمنى" وأصابعها "كوع" يده "اليسرى" وهو العظم الذي يلي إبهام اليد "وأول الساعد" وبعض الرسغ وهو المفصل بين اليد والساعد، وحكمة ذلك أن يكونا فوق أشرف الأعضاء وهو القلب الذي هو محل النية والإخلاص والخشوع والعادة أن من احتفظ على شيء جعل يده عليه وقيل يبسط أصابعها في عرض المفصل أو ينشرها صوب الساعد. "و" يسن للمصلي "نظر موضع سجوده" في جميع صلاته لأنه أقرب إلى الخشوع، ويسن للأعمى ومن في ظلمة أن تكون حالته حالة الناظر لمحل سجوده "إلا عند الكعبة" فينظرها على ما قاله الماوردي ومن تبعه لكن المعتمد أنه بحضرتها لا ينظر إلا إلى محل سجوده "وإلا عند قوله" في تشهده "إلا الله فينظر" ندبًا "مسبحته" بكسر الباء عند الإشارة بها لخبر صحيح فيه1، وإلا في صلاة الخوف فينظر ندبًا إلى جهة عدوه لئلا يبغتهم "ويقرأ" ندبًا في غير صلاة الجنازة "دعاء الاستفتاح" سرًا "عقب تكبيرة الإحرام" لكن يفصل بينهما بسكتة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في الصلاة 181 "حديث 988" عن عبد الله بن الزبير قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه" وأرانا عبد الواحد: وأشار بالسبابة.

 

ص -98-         الله بكرة وأصيلًا. ويفوت بالتعوذ وبجلوس المسبوق مع الإمام لا بتأمينه معه، والتعوذ سرًا قبل القراءة، وفي كل ركعة، والتأمين بعد فراغ الفاتحة، والجهر به في الجهرية والسكوت بين آخر الفاتحة وآمين، وبين آمين والسورة، ويطولها الإمام في الجهرية بقدر الفاتحة وبعد فراغ السورة، وقراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة غير الفاتحة، وفي الصبح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يسيرة للاتباع ومحله إن غلب على ظنه أنه مع الاشتغال بالافتتاح يدرك الفاتحة قبل ركوع الإمام "ومنه الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحانه الله بكرة وأصيلًا" ومنه الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ومنه وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض الخ وغير ذلك للأحاديث الصحيحة في كل ذلك، ويسن أن يقول في الأخير: وأنا من المسلمين وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في بعض الأحيان:
"وأنا أول المسلمين"؛ لأنه أول مسلمي هذه الأمة. "ويفوت" دعاء الافتتاح "بالتعوذ" فلا يندب له العود إليه لفوات محله "و" يفوت "بجلوس المسبوق مع الإمام" كذلك فلو سلم قبل أن يجلس لم يفت و"لا" يفوت "بتأمينه معه" أي مع إمامه لأنه يسير "و" يسن "التعوذ سرًا قبل القراءة" ولو في صلاة جهرية بالشروط السابقة في دعاء الاستفتاح لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ}، أي إذا أردت قراءة شيء منه {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ}، أي قل أعوذ بالله من الشيطان {الرَّجِيمِ}، وهذه أفضل صيغ الاستعاذة. "و" يسن "في كل ركعة" كالقيام الثاني من ركعتي صلاة الخسوف لأنه مأمور به للقراءة وهي في كل ركعة ولا تسن إعادته إذا سجد للتلاوة، ويسن لعاجز أتى بالذكر بدل القراءة. "و" يسن لكل قارئ "التأمين" أي قول آمين أي استجب "بعد" أي عقب "فراغ الفاتحة" أبو بدلها للاتباع في الصلاة وقيس بها خارجها، ويسن تخفيف الميم مع المد وهو الأفصح الأشهر ويجوز القصر، فإن شدد مع المد أو القصر وقصد أن يكون المعنى قاصدين إليك وأنت أكرم من أن تخيب قاصدًا لم تبطل. "و" يسن للمأموم وغيره "الجهر به في" الصلاة "الجهرية" والإسرار به في السرية اتباعًا في المأموم لفعل جماعة كثيرين من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وقيس بالمأموم غيره. "و" يسن "السكوت" لحظة لطيفة "بين آخر الفاتحة وآمين" لتتميز عن القرآن "وبين آمين والسورة" كذلك "ويطولها" أي هذه السكتة التي بين آمين والسورة "الإمام" ندبًا "في الجهرية بقدر الفاتحة" التي يقرءها المأموم ليتفرغ لسماع قراءته ويشتغل في سكوته هذا بذكر أو قرآن وهو أولى، لكن يظهر أنه إذا اشتغل بالقرآن راعى فيما يقرؤه جهرًا كونه مع ما قرأه سرًا على ترتيب المصحف وكونه عقبه لأن ذلك مندوب. "و" ويسن السكوت لحظة لطيفة أيضًا "بعد فراغ السورة" وقبل الركوع ليتميز بينهما، ويسن سكتة لطيفة أيضًا بين التحرم والافتتاح، وبينه وبين التعوذ، وبينه وبين القراءة، وكلها مع ما ذكر سكتات خفيفة إلا التي ينتظر فيها المأموم، وليس في الصلاة سكوت مندوب إليه غير ذلك. "و" يسن لكل مصل بالقيد الآتي في المأموم "قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة غير الفاتحة"

 

ص -99-         والأوليين من سائر الصلوات إلا المأموم إذا سمع الإمام، وسورة كاملة أفضل من البعض، وتطويل قراءة الركعة الأولى، والجهر لغير المرأة بحضرة الأجانب في ركعتي الصبح، وأوليي العشاءين، والجمعة حتى بعد سلام إمامه، وفي العيدين، والاستسقاء، والخسوف، والتراويح، والوتر بعدها والإسرار في غير ذلك، والتوسط في نوافل الليل المطلقة بين الجهر والإسرار، وقراءة قصار المفصل في المغرب، وطواله للمنفرد وإمام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
آية فأكثر للاتباع، بل قيل بوجوب ذلك والأولى ثلاث آيات. وقضية كلامه حصول أصل السنة بأقل من آية، وينبغي حمله على حصول أصل السنة. "و" يسن السورة "في" ركعتي "الصبح" والجمعة والعيد وغيرهما مما يأتي. "و" في "الأولتين من سائر الصلوات" ولو نفلا للاتباع في المكتوبات وقيس بها غيرها وقراءته صلى الله عليه وسلم في غير الأولتين لبيان الجواز، نعم المسبوق إذا لم يدرك السورة فيما لحقه مع الإمام يقضيها فيما يأتي به بعد سلامه، أما الفاتحة فلا يتأدى بها إذا كررها أصل سنية السورة لأن الشيء الواحد لا يتأدى به فرض ونفل مقصودان في محل واحد، ولو اقتصر المتنفل على تشهد واحد سنت له السورة في الكل أو أكثر سنت له فيما قبل التشهد الأول "إلا المأموم إذا سمع الإمام" أي قراءته فلا تسن له حينئذ سورة لما صح من النهي عن ذلك، أما لو لم يسمعها أو سمع صوتًا لا يفهمه فتسن له السورة "سورة كاملة أفضل من البعض" من طويلة وإن طال لما فيه من الاتباع الذي قد يزيد ثوابه على ثواب زيادة الحروف، ولاشتمال السورة على مبدأ ومقطع ظاهرين بخلاف البعض، هذا إن لم يرد الاقتصار عليه وإلا كقراءة آيتي البقرة وآل عمران في سنة الصبح، والقرآن جميعه في التراويح كان البعض أفضل. "و" يسن "تطويل قراءة الركعة الأولى" على الثانية للاتباع ولأن النشاط فيها أكثر، نعم قد يطلب تطويل الثانية على الأولى لورود فيها كـ
{سَبِّحْ} [الأعلى: 1]، و{هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1]، في نحو الجمعة أو ليلحق نحو المزحوم. "و" يسن "الجهر" بالقراءة "لغير المرأة" والخنثى أما هما "بحضرة الأجانب" فيسن لهما عدم الجهر خشية الفتنة، وبحضرة نحو المحارم فيسن لهما الجهر لكن دون جهر الرجل، وسنية الجهر تكون "في ركعتي الصبح وأوليي العشاءين" أي المغرب والعشاء "و" في "الجمعة حتى" في ركعة المسبوق التي يأتي بها "بعد سلام إمامه وفي العيدين والاستسقاء والخسوف" للقمر "والتراويح والوتر بعدها" للأحاديث الصحيحة في أكثر ذلك وبالقياس في غيره. "و" يسن "الإسرار في غير ذلك" كذلك أيضًا. "و" يسن "التوسط في نوافل الليل المطلقة بين الجهر والإسرار" إن لم يخف رياء أو تشويشًا على نحو مصل أو طائف أو قارئ أو نائم وإلا أسر، والتوسط أو يجهر تارة ويسر أخرى كما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم، وخرج بالمطلقة المقيدة بوقت أو سبب فنحو العيدين يندب فيه الجهر كما مر، ونحو الرواتب يندب فيه الإسرار، وحد الجهر أن يكون بحيث يسمع غيره، والإسرار أن يكون بحيث يسمع نفسه. "و" يسن "قراءة قصار المفصل في

 

ص -100-      محصورين رضوا في الصبح، وفي الظهر بقريب منه، وفي العصر والعشاء بأوساطه كالشمس ونحوها، وفي أولى صبح الجمعة {الم, تَنْزِيلُ}، وفي الثانية {هَلْ أَتَى}، وسؤال الرحمة عند آية رحمة، والاستعاذة عند آية عذاب، والتسبيح عند آية التسبيح وعند آخر {وَالتِّينِ} وآخر القيامة "بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ"، وآخر المرسلات: "آمَنَّا بِاللَّهِ"، يفعل ذلك الإمام والمأموم، ويجهران به في الجهرية، والتكبير للانتقال، ومده إلى الركن الذي بعده إلا في الاعتدال فيقول: سمع الله لمن حمده.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المغرب وطواله" بكسر أوله وضمه بالنسبة "للمنفرد وإمام محصورين رضوا" بالتطويل "في الصبح وفي الظهر بقريب منه" أي مما يقرأ في الصبح "وفي العصر والعشاء بأوساطه" للاتباع قال ابن معن1. وطواله من الحجرات إلى عم ومنها إلى الضحى أوساطه ومنها إلى آخر القرآن قصاره وفيه نظر, وإن كان قول المصنف "كالشمس ونحوها" يوافقه والمنقول كما قاله ابن الرفعة وغيره أن طواله كقاف والمرسلات، وأوساطه كالجمعة، وقصاره كسورة الإخلاص، وأشار بقوله للمنفرد إلخ أن طواله وإن قل حضوره رضوا بالتطويل إلا للمنفرد وإمام محصورين بمسجد غير مطروق لم يطرأ غيرهم وإن قل حضوره رضوا بالتطويل وكانوا أحرارًا ولم يكن فيهم متزوجات ولا أجراء عين وإلا اشترط إذن السيد والزوج والمستأجر، فإن اختل شرط من ذلك ندب الاقتصار في سائر الصلوات على قصار المفصل، ويكره خلافه خلافًا لما ابتدعه جهلة الأئمة من التطويل الزائد على ذلك، وكذا يقال في سائر أذكار الصلوات، فلا يسن للإمام تطويلها على أدنى الكمال فيها إلا بهذه الشروط وإلا كره "و" يسن "في أولى صبح الجمعة الم تنزيل وفي الثانية هل أتى" بكمالها للاتباع، وتسن المداومة عليهما، ولا نظر إلى قول يسن الترك في بعض الأيام لأن العامة قد تعتقد وجوبهما خلافًا لبعض ولو ضاق الوقت عنهما، فسورتان قصيرتان أفضل من بعضهما على الأوجه، وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في عشاء ليلة الجمعة بالجمعة والمنافقين، وفي مغاربها بالكافرون والإخلاص فيكون ذلك سنة، ويسن الكافرون والإخلاص أيضًا في سنة الصبح والمغرب والطواف والإحرام والاستخارة وفي صبح المسافر وإن قصر سفره أو كان نازلا. "و" يسن "سؤال الرحمة" بنحو:
{رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِين} [المؤمنون: 118]، "عند" قراءة "آية رحمة والاستعاذة" بنحو: رب أعذني من عذابك "عند" قراءة "آية عذاب" نحو: {حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: 71]، "و" يسن "التسبيح عند" قراءة "آية التسبيح" نحو: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74]، "و" يسن "عند" قراءة "آخر" سورة "والتين وآخر" سورة "القيامة" أن يقول "بلى وأنا على ذلك من الشاهدين" عند قراءة "آخر" سورة "المرسلات آمنا بالله يفعل ذلك الإمام" والمنفرد لقراءة نفسه "والمأموم" لقراءة إمامه أو نفسه حيث سنت له وغير المصلى لكل قراءة سمعها "ويجهران" أي الإمام والمأموم وكذا المنفرد "به" أي بما ذكر "في الجهرية" كما في المجموع. "و" يسن لكل مصل "التكبير للانتقال" من ركن إلى آخر فيكبر للركوع والسجود والرفع منه ومن التشهد الأول، ويسن ابتداؤه عند أول هويه أو رفعه. "ومده إلى الركن الذي بعده" وإن جلس للاستراحة للاتباع ولئلا يخلو جزء من صلاته عن الذكر والمد المذكور إنما هو على لام الجلالة "إلا في الاعتدال" ولو لثاني قيام الكسوف "فيقول" إمامًا كان أو منفردًا أو مأمومًا مبلغًا أو غيره: "سمع الله لمن حمده" للاتباع أي تقبل الله منه حمده ويحصل أصل السنة بقوله من حمد الله سمعه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعله محمد بن سعيد بن معن القريضي اليمني الشافعي المعروف بابن معن. ولد سنة 497هـ، وتوفي سنة 576هـ. له: مختصر إحياء علوم الدين للغزالي، والمستصفى في سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم.

 

 

ص -101-      فصل: "في سنن الركوع"
ويسن في الركوع مد الظهر والعنق ونصب ساقيه وفخذيه وأخذ ركبتيه بيديه وتفريق الأصابع وتوجيهها للقبلة، ويقول: سبحان ربي العظيم وبحمده. وثلاثًا أفضل. ويزيد المنفرد وإمام محصورين رضوا بالتطويل: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين.
فصل: في سنن الركوع
"ويسن في الركوع مد الظهر والعنق" حتى يستويا كالصفحة للاتباع فإن ترك ذلك كره. "ونصب ساقيه وفخذيه" لأنه أعون على مد الظهر والعنق "و" يسن فيه أيضًا "أخذ ركبتيه بيديه" مع تفريقهما "وتفريق الأصابع" للاتباع ويسن كونه تفريقًا وسطًا "وتوجيهها للقبلة" لا يمنة ولا يسرة لأنها أشرف الجهات. "ويقول: سبحان ربي العظيم وبحمده" ويحصل أصل السنة بمرة ولو بنحو سبحان الله. "و" قوله ذلك "ثلاثًا" فخمسًا فسبعًا فتسعًا فإحدى عشرة. "أفضل" للاتباع "ويزيد المنفرد" إن شاء "و" كذا "إمام" جمع "محصورين رضوا بالتطويل" بالشروط السابقة وإلا اقتصر على التسبيح ثلاثًا: "اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي" أي حملته وهو جميع الجسد فيكون من ذكر العام بعد الخاص "لله رب العالمين" تأكيد لقوله لك وذلك للاتباع.

 

ص -102-      فصل: "في سنن الاعتدال"
ويسن إذا رفع رأسه للاعتدال أن يقول: سمع الله لمن حمده، فإذا استوى قائمًا قال: ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، ويزيد المنفرد وإمام محصورين رضوا بالتطويل: أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطيَ لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، والقنوت في اعتدال ثانية الصبح، وأفضله: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك، ويأتي الإمام بلفظ الجمع، ويسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخره ورفع اليدين فيه، والجهر به للإمام وتأمين المأموم للدعاء، ويشاركه في الثناء، وقنوته إن لم يسمع قنوت إمامه، ويقنت في سائر المكتوبات للنازلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في سنن الاعتدال
"ويسن إذا رفع رأسه للاعتدال أن يقول" عند ابتداء الرفع: "سمع الله لمن حمده" إمامًا كان أو غيره كما مر. "فإذا استوى قائمًا قال: ربنا لك الحمد" أو ربنا ولك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، أو لك الحمد، أو ولك الحمد ربنا، أو الحمد لربنا للاتباع "ملء السموات" بالرفع والنصب أي مالئًا بتقدير كونه جسمًا "وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد" أي كالكرسي والعرش وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله. "ويزيد المنفرد وإمام محصورين رضوا بالتطويل" بالشروط السابقة: "أهل" أي يا أهل "الثناء" أي المدح "والمجد" أي العظمة "أحق مبتدأ "ما قال العبد وكلنا لك عبد" جملة معترضة "لا مانع" خبر "لما أعطيت ولا معطيَ لما منعت ولا ينفع ذا الجد" أي صاحب الغنى "منك" أي عندك "الجد" أي الغنى وإنما ينفعه ما قدمه من أعمال البر وذلك للاتباع. "و" يسن "القنوت في اعتدال ثانية الصبح" بعد الذكر الراتب وهو إلى من شيء بعد لما صح من أنه صلى الله عليه وسلم ما زال يقنت حتى فارق الدنيا، ويحصل أصل السنة بآية فيها دعاء إن قصده وبدعاء محض ولو غير مأثور إن كان بأخروي وحده أو مع دنيوي "وأفضله" ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم وهو:
"اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت" أي معهم "وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضتي فإنك" زيادة الفاء فيه أخذت من ورودها في قنوت الوتر "تقضي ولا يقضى عليك وإنه" في الواو هنا ما ذكر في الفاء1 "لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت", ولا بأس بزيادة: "فلك الحمد على ما قضيت أستغفرك وأتوب إليك ويأتي الإمام" به "بلفظ الجمع" وكذا سائر الأذكار لخبر فيه إلا التي وردت بصيغة الانفراد نحو: رب اغفر لي إلى آخر بين السجدتين. "ويسن الصلاة" والسلام "على النبي صلى الله عليه وسلم" وآله وصحبه "في آخره" للاتباع في الصلاة وقياسًا في الباقي "ورفع اليدين" مكشوفتين إلى السماء "فيه", أي ولو في حال الثناء كسائر الأدعية, ويجعل فيه وفي غيره ظهر كفيه إلى السماء إن دعا لرفع بلاء وقع وعكسه إن دعا لتحصيل شيء كرفع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قبل سطرين

 

ص -103-      فصل: "في سنن السجود"
ويسن في السجود وقع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه مكشوفًا، ومجافاة الرجل مرفقيه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، ويجافي في الركوع أيضًا، وتضم المرأة بعضها إلى بعض، وسبحان ربي الأعلى وبحمده وثلاثًا أفضل، ويزيد المنفرد وإمام محصورين رضوا: سبوح قدوس رب الملائكة والروح, اللهم لك سجدت وبك آمنت, ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين، واجتهاد المنفرد في الدعاء في سجوده، والتفرقة بين القدمين والركبتين والفخذين ووضع الكفين حذو المنكبين، وضم أصابع اليدين واستقبالها ونشرها ونصب القدمين وكشفهما وإبرازهما من ثوبه، وتوجيه أصابعهما للقبلة والاعتماد على بطونهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البلاء عنه فيما بقي من عمره، ولا يسن مسح الوجه بهما عقب القنوت بل يكره مسح نحو الصدر "والجهر به للإمام" في الجهرية والسرية للاتباع ولكن الجهر به دون الجهر بالقراءة، وأما المنفرد فيسر به مطلقًا. "وتأمين المأموم" جهرًا إذا سمع قنوت إمامه "للدعاء" منه ومن الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيؤمن لها. "ويشاركه في الثناء" سرًا وهو: فإنك تقضي ولا يقضى عليك... إلخ, فيقوله سرًا أو يقول: أشهد أو بلى وأنا على ذلك من الشاهدين أو نحو ذلك أو يستمع والأول أولى. "و" يسن "قنوته" سرًا "إن لم يسمع قنوت إمامه" كبقية الأذكار والدعوات التي لا يسمعها "ويقنت" ندبًا "في" اعتدال الركعة الأخيرة من "سائر" أي باقي "المكتوبات للنازلة" إذا نزلت بالمسلمين أو بعضهم إن عاد نفعه عليهم كالعالم والشجاع1 والخوف من نحو عدو ولو من المسلمين والقحط والجراد والوباء والطاعون ونحوها لما صح أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك شهرًا2 لدفع ضرر عدوه عن المسلمين، وخرج بالمكتوبة النفل والمنذورة وصلاة الجنازة فلا يسن فيها.
فصل: في سنن السجود
"ويسن في السجود وضع ركبتيه" أولا للاتباع, وخلافه منسوخ على ما فيه "ثم يديه ثم جبهته وأنفه" معًا, ويسن كونه3 "مكشوفًا" قياسًا على كشف اليدين, ويكره مخالفة الترتيب المذكور وعدم وضع الأنف. "و" يسن فيه أيضًا "مجافاة4 الرجل" أي الذكر ولو صبيًّا بشرط أن يكون مستورًا "مرفقيه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه" وتفريق ركبتيه "ويجافي في الركوع" كذلك "أيضًا" للاتباع إلا في رفع البطن عن الفخذين في الركوع فبالقياس. "وتضم المرأة" أي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي النازلة التي تنزل بالمسلمين لموت العالم والشجاع.
2 روى البخاري في الجنائز باب 41 "حديث 1300" عن أنس قال: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا حين قتل القرّاء، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن حزنًا قط أشد منه". ورواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 301" بلفظ: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على سرية ما وجد على السبعين الذين أصيبوا يوم بئر معونة، كانوا يدعون القرّاء، فمكث شهرًا يدعو على قتلتهم". ورواه أيضًا "حديث 303" بلفظ: "قنت شهرًا يلعن رعلا وذكوان وعصية عصوا الله ورسوله". ورواه "حديث 304" بلفظ: "قنت شهرًا يدعو على أحياء من العرب ثم تركه".
3 أي أنفه.
4 جافى الشيء: أبعده.

 

ص -104-      فصل: "في سنن الجلوس بين السجدتين"
ويسن في الجلوس بين السجدتين الافتراش، ووضع يديه قريبًا من ركبتيه ونشر أصابعهما وضمهما قائلا: رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني واعف عني، وتسن جلسة خفيفة للاستراحة قدر الجلوس بين السجدتين بعد كل سجدة يقوم عنها إلا سجدة التلاوة، والاعتماد بيديه على الأرض عند القيام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأنثى ولو صغيرة ومثلها الخنثى "بعضها إلى بعض" في الركوع والسجود كغيرهما لأنه1 أسر لها وأحوط له ولو استمسك حدث السلس بالضم فالذي يظهر أخذًا من كلامهم وجوب الضم. "و" يسن في السجود "سبحان ربي الأعلى وبحمده" للاتباع, وأقله مرة, وأكثره إحدى عشرة مرة. "و" كونه "ثلاثًا" للإمام "أفضل" نظير ما مر في تسبيح الركوع. "ويزيد المنفرد وإمام محصورين رضوا" بالتطويل بالشروط السابقة على الثلاث إلى إحدى عشرة مرة, ثم "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" وهو جبريل وقيل: غيره. "اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين" للاتباع. "و" يسن أيضًا "اجتهاد المنفرد" وإمام من مر "في الدعاء في سجوده" سيما بالمأثور فيه وهو كثير لخبر مسلم:
"أقرب ما يكون العبد من ربه" أي من رحمته ولطفه وإنعامه عليه "وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء"2. "و" يسن فيه أيضًا لكل مصل "التفرقة" بقدر شبر "بين القدمين والركبتين والفخذين ووضع الكفين حذو المنكبين" للاتباع وهو مجتمع عظم الكتف والعضد. "وضم أصابع اليدين واستقبالها ونشرها" للقبلة للاتباع "ونصب القدمين وكشفهما" حيث لا خف, "وإبرازهما من ثوبه وتوجيه أصابعهما للقبلة والاعتماد على بطونهما"؛ لأن ذلك أعون على الحركة وأبلغ في الخشوع والتواضع.
فصل: في سنن الجلوس بين السجدتين
"ويسن في الجلوس بين السجدتين الافتراش" الآتي. "ووضع يديه" فيه على فخذيه وكون موضعهما "قريبًا من ركبتيه" بحيث تسامت3 رؤوسهما الركبة ولا يضر في أصل السنة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي الضم.
2 رواه من حديث أبي هريرة مسلم في الصلاة "حديث 215" والنسائي في المواقيت باب 35، والتطبيق باب 78. والترمذي في الدعوات باب 118، وأحمد في المسند "2/ 421".
3 تسامت: تقابل وتوازي.

 

ص -105-      فصل: "في سنن التشهد"
ويسن في التشهد الأخير التورك، وهو أن يخرج رجله من جهة يمينه ويلصق وركه بالأرض، إلا من كان عليه سجود سهو أو مسبوقًا فيفترش، ويضع يده اليسرى على فخذه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انعطاف رؤوس أصابعهما على ركبتيه، وعلم مما قررت به كلامه أنه لو جلس, ثم سجد ولم يرفع يديه عن الأرض صحت صلاته, وهو كذلك خلافًا لمن زعم بطلانها. "ونشر أصابعهما وضمهما" صوب القبلة "قائلا: رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني" للاتباع "واعف عني", وهذا زاده الغزالي لمناسبته لما قبله. "وتسن جلسة خفيفة للاستراحة" للاتباع ويسن كونها "قدر الجلوس بين السجدتين" فإن زاد عليه أدنى زيادة كره, وقدر التشهد بطلت صلاته؛ لأن تطويل جلسة الاستراحة كتطويل الجلوس بين السجدتين كما بينته في غير هذا المحل1 ومحلها "بعد كل سجدة يقوم عنها" وتسن في التشهد الأول عند تركه وفي غير العاشرة لمن صلى عشر ركعات مثلًا بتشهد واحد، قال الأذرعي: وقد تحرم إن فوتت بعض الفاتحة لكونه بطيء النهضة أو القراءة والإمام سريعها وهي فاصلة وليست من الأولى ولا من الثانية، وتسن بعد كل سجدة يقوم عنها "إلا" بعد "سجدة التلاوة" لأنها لم ترد فيها "و" يسن لكل مصل "الاعتماد بيديه" أي ببطنهما مبسوطتين "على الأرض عند القيام" عن سجود أو قعود للاتباع، والنهي عن ذلك2 ضعيف.
فصل: في سنن التشهد
"ويسن" لكل مصل "في التشهد الأخير التورك وهو أن يخرج رجله من جهة يمينه ويلصق وركه بالأرض" للاتباع "إلا من كان عليه سجود سهو", ولم يرد تركه سواء أراد فعله أو أطلق على الأوجه "أو" كان "مسبوق" الأولى أو مسبوقًا "فيفترش" كلا منهما كما في سائر جلسات الصلاة ما عدا ما ذكر للاتباع والافتراض أن يجلس على كعب يسراه بحيث يلي ظهرها الأرض وينصب يمناه ويضع بطون أصابعها على الأرض ورؤوسها للقبلة "ويضع" ندبًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 صفحة 94 في الركن الثامن من أركان الصلاة: "الجلوس بين السجدتين وشرطه الطمأنينة وأن لا يطوله".
2 روى أبو داود في الصلاة باب 182 "حديث 992" وأحمد في المسند "2/ 147" عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة".

 

ص -106-      اليسرى في الجلوس للتشهد وغيره مبسوطة مضمومة محاذيًا برؤوسها طرف الركبة، ووضع اليد اليمنى على طرف الركبة اليمنى ويقبض في التشهدين أصابعها إلا المسبحة فيرسلها، ويضع الإبهام تحتها كعاقد ثلاثة وخمسين، ورفعها عند إلا الله بلا تحريك لها، وأكمل التشهد: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله, السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"يده اليسرى على فخذه اليسرى في الجلوس للتشهد وغيره" من سائر جلسات الصلاة وأفهم كلامه أنه يسن وضع مرفق يسراه وساعدها أيضًا على الفخذ, وهو ما صرح به غيره وعليه لا مبالاة بما فيه من نوع عسر، ويسن كون أصابعها "مبسوطة مضمومة", ويسن كونه "محاذيًا برؤوسها طرف الركبة" بحيث تسامتها رؤوسها ولا يضر انعطافها كما مر. "و" يسن "وضع اليد اليمنى على طرف الركبة اليمنى" كذلك في كل جلوس ما عدا جلوس التشهد. "ويقبض" في الجلوس لأجل "التشهدين" الأول والآخر "أصابعها" الخنصر والبنصر والوسطى "إلا المسبحة فيرسلها" ممدودة, "ويضع الإبهام" أي رأسها "وتحتها" أي عند أسفلها على حرف الراحة "كعاقد ثلاثة وخمسين" للاتباع وكون هذه الكيفية ثلاثة وخمسين طريقة لبعض الحساب وأكثرهم يسمونها تسعة وخمسين, وآثر الفقهاء الأول تبعًا للفظ الخبر ولو أرسل الإبهام والسبابة معًا أو قبضهما فوق الوسطى أو حلق بينهما برأسهما أو وضع أنملة الوسطى بين عقدتي الإبهام أتى بالسنة لورود جميع ذلك لكن الأول أفضل لأن رواته أفقه. "و" يسن "رفعها" أي المسبحة مع إمالتها قليلا لخبر صحيح1 فيه لئلا تخرج عن سمت القبلة وخصت بذلك لأنه لها اتصالا بنياط2 القلب فكان رفعها سببًا لحضوره "عند" الهمزة من قوله "إلا الله" للاتباع ويقصد أن المعبود واحد ليجمع في توحيده بين اعتقاده وقوله وفعله, ويستديم رفعها إلى السلام "بلا تحريك لها", فلا يسن بل يكره وإن ورد فيه حديث؛ لأن المراد بالتحريك فيها الرفع وتكره الإشارة باليسرى ولو لأقطع لفوات سنية بسطها. "وأكمل التشهد" ما رواه مسلم3 عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو "التحيات المباركات" أي الناميات "الصلوات" أي الخمس, وقيل: الدعاء بخير "الطيبات" أي الصالحات للثناء على الله "لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين, أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في الصلاة باب 181 "حديث 991" والنسائي في السهو باب 38، وأحمد في المسند "3/ 471" عن مالك بن نمير الخزاعي عن أبيه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعًا ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعًا إصبعه السبابة قد حناها شيئًا".
2 النياط: عرق غليظ علق به القلب إلى الرئتين "المعجم الوسيط: ص963".
3 في الصلاة "حديث 60".

 

ص -107-      رسول الله، وأكمل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والدعاء بعده بما شاء، وأفضله: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال؛ ومنه: اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم؛ ومنه: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، ويكره الجهر بالتشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والتسبيح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رسول الله", وفي رواية1: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات لله الصلوات لله، وقدم الأول لأنه أصح، وليس في هذا زيادة إذ المباركات ثم بمعنى الزاكيات هنا وهما أولى من خبر ابن مسعود رضي الله عنه وإن كان أصح منهما وهو: التحيات والصلوات والطيبات السلام عليك... إلخ, إلا أنه قال: وأشهد أن محمدًا عبد وروسوله لما فيهما من الزيادة عليه ولتأخر الأول عنه وموافقته لقوله تعالى:
{تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61]، "وأكمل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم", وعلى آله ما في الأذكار2 وغيره وهو أولى مما في الروضة3 لزيادته عليه وهو: "اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد", ولا بأس بزيادة سيدنا قبل محمد، وخبر: "لا تسيدوني في الصلاة"4 ضعيف, بل لا أصل له، وآل إبراهيم إسماعيل وإسحاق وآلهما, وخص إبراهيم بالذكر لأن الرحمة والبركة لم تجتمعا لنبي غيره. "و" يسن "الدعاء بعده" أي بعد التشهد الأخير "بما شاء وأفضله: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم, ومن عذاب القبر, ومن فتنة المحيا والممات, ومن شر فتنة المسيح" بالحاء المهملة لأنه يمسح الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبالخاء المعجمة لمسخ إحدى عينيه. "الدجال" أي الكذاب للاتباع, وفيه قول بالوجوب فكان أفضل مما بعده. "ومنه: اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم. ومنه: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت", ولا مانع من طلب مغفرة ما سيقع إذا وقع, فلا يحتاج لتأويل ذلك. "وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لفظ " الزكيات" رواه البيهقي في السنن الكبرى "2/ 141، 145، 377" والدارقطني في سننه "1/ 351".
2 انظر الأذكار النووية "ص107-109".
3 روضة الطالبين للنووي. راجع الحاشية 5 ص65.
4 ذكره البغوي في شرح السنة "381".

 

ص -108-      فصل: "في سنن السلام"
وأكمل السلام: السلام عليكم ورحمة الله، وتسليمة ثانية والابتداء به مستقبل القبلة، والالتفات في التسليمتين بحيث يرى خده الأيمن في الأولى، وخده الأيسر في الثانية، ناويًا بالتسليمة الأولى الخروج من الصلاة، والسلام على من على يمينه من ملائكة ومسلمي إنس وجن، وينوي المأموم بالتسليمة الثانية الرد على الإمام إن كان على يمينه، وإن كان على يساره فبالأولى، وإن كان قبالته تخير وبالأولى أحب، وينوي الإمام الرد على المأموم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعلم به مني أنت المقدم, وأنت المؤخر لا إله إلا أنت", ومنه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ومنه: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، وروي كبيرًا بالموحدة والمثلثة1 فيسن الجمع بينهما خلافًا لمن نازع فيه، ويسن أن يجمع المنفرد وإمام من مر بشرطه بين الأدعية المأثورة في كل محل, لكن السنة هنا أن يكون الدعاء أقل من التشهد والصلاة. "ويكره" لكل مصل "الجهر بالتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والتسبيح" وسائر الأذكار التي لم يطلب فيها الجهر.
فصل: في سنن السلام
"وأكمل السلام: السلام عليكم ورحمة الله" دون وبركاته. "و" يسن "تسليمة ثانية", وإن تركها إمامه للاتباع, وقد تحرم إن عرض عقب الأولى مناف كحدث وخروج وقت جمعة ونية إقامة, وهي وإن لم تكن جزأ من الصلاة إلا أنها من توابعها ومكملاتها، ويسن فصلها عن الأولى، "والابتداء به" أي بالسلام فيهما "مستقبل القبلة" بوجهه أما بصدره فواجب "والالتفات في التسليمتين بحيث يرى خده الأيمن في الأولى وخده الأيسر في الثانية" للاتباع. ويسن له أن يكون "ناويًا بالتسليمة الأولى" مع أولها الخروج من الصلاة" خروجًا من خلاف من أوجبها، أما لو نوى قبل الأولى فإن صلاته تبطل أو بعد أولها فإنه لا يحصل له أصل السنة, ولا يضر تعيين غير صلاته خطأ بخلافه عمدًا. "و" يسن لكل مصل "السلام" أي نيته "على من على يمينه من ملائكته ومسلمي إنس وجن وينوي" ندبًا "المأموم بالتسليمة الثانية الرد على الإمام إن كان عن يمينه, وإن كان عن يساره فبالأولى" ينوي الرد عليه, "وإن كان" الإمام "قبالته تخير" بين أن ينوي عليه بالأولى أو الثانية "وبالأولى أحب" لسبقها "وينوي الإمام" الابتداء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي "كثيرًا".

 

ص -109-      فصل: "في سنن بعد الصلاة وفيها"
ويندب الذكر عقب الصلاة، ويسر به إلا الإمام المريد تعليم الحاضرين فيجهر إلى أن يتعلموا، ويقبل الإمام على المأمومين: يجعل يساره إلى المحراب، ويندب فيه وفي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على من على يمينه بالأولى ومن على يساره إذا لم يفعل السنة بأن سلم قبل أن يسلم الإمام الثانية "على المأموم" الذي على يساره إذا لم يفعل السنة بأن سلم قبل أن يسلم الإمام الثانية  ولم يصبر إلى فراغه منها، ويسن أن ينوي بعض المأمومين الرد على بعض فينويه من على يمين المسلم بالثانية ومن على يساره بالأولى ومن خلفه وأمامه وبأيهما شاء والأولى أولى لسبقها، والأصل في ذلك خبر البزار1: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض في الصلاة", وخبر الترمذي وحسنه عن علي رضي الله تعالى عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعًا وبعدها أربعًا وقبل العصر أربعًا بفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين"2.
فصل: في سنن بعد الصلاة وفيها
"ويندب الذكر" والدعاء المأثوران "عقب الصلاة" من ذلك: أستغفر الله ثلاثًا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، والتسبيح ثلاثًا وثلاثين والتحميد كذلك والتكبير أربعًا وثلاثين أو ثلاثًا وثلاثين وتمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ومنه: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, وقراءة الإخلاص والمعوذتين وآية الكرسي والفاتحة. ومنه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له... إلخ بزيادة: يحيي ويميت عشرًا بعد الصبح والعصر والمغرب و
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} [الصافات: 180]، إلى آخر السورة، وآية {شَهِدَ اللهُ} [آل عمران: 18]، و {قُلِ اللَّهُمَ مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26]، إلى {بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 27]، وغير ذلك مما بسطته في شرح مختصر الروض3 مع بيان الترتيب والأكمل فيه. "ويسر به" المنفرد والمأموم خلافًا لما يوهمه كلام الروضة4. "إلا الإمام المريد تعليم الحاضرين فيجهر إلى أن يتعلموا" وعليه حملت أحاديث الجهر بذلك, لكن استبعده الأذرعي واختار ندب رفع الجماعة أصواتهم بالذكر دائمًا "ويقبل الإمام" ندبًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو صاحب المسند الكبير في الحديث أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار الحافظ أبو بكر. سكن الرملة وتوفي بها سنة 292هـ، انظر هدية العارفين "1/ 54".
2 رواه الترمذي في الصلاة باب 26، والجمعة باب 66، والنسائي في الإقامة باب 65، وابن ماجه في الإقامة باب 109.
3 في كشف الظنون "ص919": "الروض: مختصر الروضة في الفروع للنووي، وهو لشرف الدين إسماعيل بن أبي بكر المعروف بابن المقري اليمني الشافعي المتوفى سنة 837هـ".
4 سبق التعريف به، وهو للنووي، راجع الحاشية 5 ص65.

 

ص -110-      كل دعاء رفع اليدين، ثم مسح الوجه بهما، والدعوات المأثورة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أوله وآخره، وأن ينصرف الإمام عقب سلامه إذا لم يكن ثم نساء، ويمكث المأموم حتى يقوم الإمام وينصرف في جهة حاجته، وإلا ففي جهة يمينه، وأن يفصل بين السنة والفرض بكلام أو انتقال وهو أفضل، والنفل الذي لا تسن فيه الجماعة في بيته أفضل، ومن سنن الصلاة: الخشوع وترتيل القراءة وتدبرها وتدبر الذكر، والدخول فيها بنشاط، وفراغ القلب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"على المأمومين" وفي الذكر والدعاء عقب الصلاة, وذلك بحيث "يجعل يساره إلى المحراب" ويمينه إليهم وإن كان بالمسجد النبوي، وقول ابن العماد: يحرم جلوسه بالمحراب مردود. "ويندب فيه" يعني في الذكر الذي هو دعاء "وفي كل دعاء رفع اليدين" للاتباع ولو فقدت إحدى يديه أو كان بها علة رفع الأخرى، ويكره رفع المتنجسة ولو بحائل وغاية الرفع حذو المنكبين إلا إذا اشتد الأمر، قال الغزالي: ولا يرفع بصره إلى السماء، وتسن الإشارة بسبابته اليمنى وتكره بأصبعين "ثم مسح الوجه بهما" للاتباع, "و" يندب في كل دعاء "الدعوات المأثورة" عنه صلى الله عليه وسلم في أدعيته, وهي كثيرة يضيق نطاق الحصر عنها أي تحريها والاعتناء بها لمزيد بركتها وظهور غلبة رجاء استجابتها ببركته صلى الله عليه وسلم. ومنها:
"اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار، واللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل والفشل ومن غلبة الدين وقهر الرجال، اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء"، ومنها ما مر آخر التشهد: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، ويسن في كل دعاء الحمد أوله، والأفضل تحري مجامعه كالحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، "والصلاة" والسلام "على النبي صلى الله عليه وسلم أوله" بعد الحمد ووسطه "وآخره" للاتباع. "و" يندب "أن ينصرف الإمام" والمأموم والمنفرد "عقب سلامه" وفراغه من الذكر والدعاء بعده "إذا لم يكن ثم" أي بمحل صلاته "نساء" أو خناثى, وإلا مكث حتى ينصرفن, "و" أن "يمكث المأموم" في مصلاه "حتى يقوم الإمام" من مصلاه إن أراده1 عقب الذكر والدعاء إذ يكره للمأموم الانصراف قبل ذلك حيث لا عذر له. "و" أن "ينصرف في جهة حاجته" أي جهة كانت "وإلا" بأن لم يكن له حاجة "ففي جهة يمينه" ينصرف لأنه أفضل. "و" يندب "أن يفصل بين السنة" القبلية والبعدية "والفرض بكلام أو انتقال" من مكانه الأول إلى آخر للنهي عن وصل ذلك2 إلا بعد ما ذكر، والأفضل الفصل بين الصبح وسنته باضطجاع على جنبه الأيمن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي القيام.
2 في حديث معاوية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا توصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج". رواه مسلم في الجمعة حديث 73، وأبو داود في الصلاة باب 238، وأحمد في المسند "4/ 95، 99".

 

ص -111-      فصل: "في شروط الصلاة"
وشروط الصلاة: الإسلام والتمييز، ودخول الوقت والعلم بفرضيتها، وأن لا يعتقد فرضًا من فروضها سنة، والطهارة عن الحدثين، فإن سبقه بطلت، والطهارة عن الخبث في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو الأيسر للاتباع "وهو" أي الفصل بانتقال "أفضل" تكثيرًا للبقاع التي تشهد له يوم القيامة "والنفل الذي لا تسن فيه الجماعة في بيته أفضل" منه بالمسجد للخبر الصحيح: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"1 وسواء كان المسجد خاليًا وأمن الرياء أم لا، لأن العلة ليست خوف الرياء فقط بل مع النظر إلى عود بركة صلاته على منزله. "ومن سنن الصلاة الخشوع" بل هو أهمها؛ لأن فقده يوجب عدم ثواب ما فقد فيه من كلها أو بعضها وللخلاف القوي في وجوبه في جزء من صلاته وهو حضور القلب وسكون الجوارح. "وترتيل القراءة وتدبرها وتدبر الذكر" لأن ذلك أعون على الخشوع والحضور فيه "والدخول فيها" أي في الصلاة "بنشاط" لأنه تعالى ذم المنافقين بكونهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى2. "وفراغ القلب" من الشواغل الدنيوية ومن التفكر في غير ما هو فيه ولو في أمر من أمور الآخرة لأن ذلك أعون على الحضور، وبقي من سنن الصلاة شيء كثير، ومن ثم قال بعض أئمتنا: من صلى الظهر أربع ركعات كان عليه فيها ستمائة سنة. ويكره ترك سنة من سنن الصلاة. ا. هـ. فينبغي الاعتناء بسننها لأن الكراهة قد تنافي الثواب أو تبطله.
فصل: في شروط الصلاة
والشرط ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته3. "وشروط" صحة "الصلاة الإسلام والتمييز" لما مر في الوضوء "ودخول الوقت" ولو ظنًا كما مر, "والعلم بفرضيتها" بتفصيله السابق في الوضوء فلا تصح ممن جهل بفرضيتها بخلاف من علمها فإنها تصح منه مطلقًا إلا إن قصد بفرض معين النفلية، ومن ثم قال: "وأن لا يعتقد فرضًا" أي معينًا "من فروضها سنة" لإخراجه حينئذ الفرض عن حقيقته الشرعية "والطهارة عن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في الأذان باب 81، والأدب باب 75، والاعتصام باب 3، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث 213، وأبو داود في الصلاة باب 199، والوتر باب 11، والترمذي في الصلاة باب 213، والنسائي في قيام الليل باب 1، ومالك في الجماعة حديث 4، وأحمد في المسند "5/ 182، 184، 186، 187".
2 في الآية 141 من سورة النساء.
3 في المعجم الوسيط "ص479": الشرط، في الفقه: ما لا يتم الشيء إلا به ولا يكون داخلا في حقيقته.

 

ص -112-      الثوب، والبدن، والمكان، ولو تنجس بعض بدنه أو ثوبه وجهله، وجب غسل جميعه ولا يجتهد، ولو غسل نصف متنجس ثم باقيه طهر كله إن غسل مجاوره، وإلا فيبقى المنتصف على نجاسته، ولا تصح صلاة من تلاقي بدنه أو ثوبه نجاسة وإن لم يتحرك بحركته، ولا صلاة قابض طرف حبل على نجاسة وإن لم يتحرك بحركته ولا يضر محاذاة النجاسة من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحدثين" الأصغر والأكبر "فإن سبقه بطلت" وإن كان فاقد الطهورين للخبر الصحيح:
"إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته"1, ويسن لمن أحدث في صلاته أن يأخذ بأنفه ثم ينصرف سترًا على نفسه لئلا يخوض الناس فيه فيأثموا. "والطهارة عن الخبث" الذي لا يعفى عنه "في الثوب والبدن والمكان" فتبطل بخبث في أحد الثلاثة وإن جهله مقارن وكذا طارئ ما لم ينح محله أو هو2 بشرط أن يكون يابسًا وأن ينحيه بنحو نفض لا بنحو يده أو عود فيها أو كمه وذلك لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]، وللخبر الصحيح: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه"3, وثبت الأمر باجتناب النجاسة وهو لا يجب في غير الصلاة فيجب فيها، نعم يحرم التضمخ4 بها خارجها في البدن والثوب بلا حاجة. "ولو تنجس بعض بدنه أو ثوبه" بغير معفو عنه "وجهله" بأن لم يدر محله فيه "وجب غسل جميعه" لأن ما بقي منه جزء فالأصل بقاء النجاسة فيه هو مؤثر في الصلاة لأن لا بد فيها من ظن الطهارة، وبه فارق ما لو أصاب جزء منه قبل غسله رطبًا فإنه لا ينجسه لأن الأصل عدم تنجس ملاقيه. "ولا يجتهد" وإن كان الخبث بأحد كميه لأن شرط الاجتهاد تعدد المحل كما مر، فإن انفصل الكمان اجتهد فيهما. "ولو غسل نصف متنجس" كثوب تنجس كله "ثم باقيه طهر كله إن غسل" مع الباقي "مجاوره" من المغسول أولا "وإلا" يغسل المجاور "فيبقى المنتصف" بفتح الصاد "على نجاسته" دون ملاقيه لأن نجاسة المجاور لا تتعدى لما بعده، ألا ترى أن السمن الجامد لا ينجس منه إلا ما لاقى النجاسة دون ما جاوره "ولا تصح صلاة من تلاقي" بعض "بدنه أو" محموله من "ثوبه" أو غيره "نجاسة" في جزء من صلاته "وإن لم يتحرك بحركته" لنسبته إليه، ومر الفرق بين هذا وصحة السجود عليه. "و" لا تصح "صلاة قابض طرف حبل" أو نحوه "على نجاسة" لاقاها أو لاقى ملاقيها كأن شد بقلادة كلب أو بمحل طاهر من سفينة تنجر بجره برًا أو بحرًا فيها نجاسة أو حمار حامل لها لأنه حينئذ كالحامل للنجاسة، وشرط

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من حديث علي بن طلق، رواه أبو داود في الطهارة باب 81 "حديث 205", والصلاة باب 187 "حديث 1005", والترمذي في الرضاع باب 12.
2 أي الخبث.
3 رواه الدارقطني في سننه "1/ 127", والزيلعي في نصب الراية "1/ 128", والمنذري في الترغيب والترهيب "1/ 139", والألباني في إرواء الغليل "1/ 310".
4 التضمخ: التلطخ.

 

ص -113-      غير إصابة في ركوع أو غيره، وتجب إزالة الوشم إن لم يخف محذورًا من محذورات التيمم، ويعفى عن محل استجماره، وعن طين الشارع الذي تيقن نجاسته ويتعذر الاحتراز عنه غالبًا، ويختلف بالوقت وموضعه من الثوب والبدن، وأما دم البثرات والدماميل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البطلان في ذلك أن يكون الموضع الذي لاقى النجاسة من الحبل ونحوه يتحرك بحركته على المعتمد، فقول المصنف: "وإن لم يتحرك بحركته" ضعيف وإن وافق ما في الروضة وأصلها وخرج بشد مجرد اتصاله بنحو القلادة وبقوله قابض ما لو جعله تحت قدمه فإنه لا يضر وإن كان مشدودًا بذلك في الثانية أو تحرك بحركته؛ لأنه ليس حاملًا للنجاسة ولا للمتصل بها. "ولا يضر محاذاة النجاسة" لبدنه ومحموله "من غير إصابة في ركوع أو غيره", وإن تحرك بحركته كبساط بطرفه خبث لعدم ملاقاته له ونسبته إليه، نعم تكره الصلاة مع محاذاته كاستقبال نجس أو متنجس وكصلاته تحت سقف متنجس قرب منه بحيث يعد محاذيا له عرفًا كما هو ظاهر. "وتجب إزالة الوشم" لحمله نجاسة تعد بحملها إذ هو غرز الجلد بالإبرة إلى أن يدمي ثم يذر عليه نيلة1 أو نحوها, فإن امتنع أجبره الحاكم هذا كله "إن لم يخف محذورًا من محذورات التيمم" السابقة في بابه وإن لم يتعد به بأن فعل به مكرهًا أو فعله وهو غير مكلف خلافًا لجمع لأنه حيث لم يخش محذورًا فلا ضرورة إلى بقاء النجاسة، أما إذا خاف ذلك فلا يلزمه مطلقًا "ويعفى عن محل استجماره" بحجر أو نحوه في حق نفسه ولو عرف ما لم يجاوز صفحته أو حشفته لمشقة اجتناب ذلك مع حل الاقتصار على الحجر، أما لو حمل مستجمرًا أو حامله فإن صلاته تبطل إذ لا حاجة إليه، ومثله حمل طير بمنفذه نجاسة ومذبوح وميت طاهر لم يطهر باطنه، وبيضة مذرة بأن حكم أهل الخبرة أنه لا يأتي منها فرخ، وخبث بقارورة ولو رصصت عليه للنجاسة بخلاف حمل الحي الطاهر المنفذ. "وعن طين الشارع الذي تيقن نجاسته" وإن اختلط بنجاسة مغلظة لعسر تجنبه "و" إنما يعفى عما "يتعذر" أي يتعسر "الاحتراز عنه غالبًا ويختلف بالوقت وموضعه من الثوب والبدن" فيعفى في الذيل والرجل في زمن الشتاء عما لا يعفى عنه في الكم واليد والذيل والرجل زمن الصيف، أما إذا لم يعسر تجنبه فلا يعفى عنه كالذي ينسب صاحبه لسقطة أو كبوة أو قلة تحفظ، وخرج بالطين عين النجاسة فلا يعفى عنها، وبتيقن نجاسته ما لو غلبت على الظن فإنه طاهر للأصل، ويعفى عن ذرق الطيور في المساجد وإن كثر لمشقة الاحتراز عنه ما لم يتعمد المشي عليه من غير حاجة أو يكون هو أو ممارسه رطبًا، وظاهر كلام جمع وصرح به بعض أصحابنا أنه لا يعفى عنه في الثوب والبدن مطلقًا وبه جزم في الأنوار، لكن قضية تشبيه الشيخين2 العفو عنه بالعفو عن طين الشارع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 النيلة: مادة صبغية زرقاء.
2 إذا أطلق "الشيخان" في الفقه الشافعي فالمراد بهما الرافعي والنووي.

 

ص -114-      والقروح والقيح والصديد منها، ودم البراغيث والقمل والبعوض والبق، وموضع الحجامة والفصد وونيم الذباب وبول الخفاش، وسلس البول ودم الاستحاضة وماء القروح والنفاطات المتغير عن قليل ذلك وكثيره، إلا إذا فرش الثوب الذي فيه ذلك، أو حمله لغير ضرورة فيعفى عن قليله دون كثيره، ويعفى عن قليل دم الأجنبي غير الكلب والخنزير، وإذا عصر البثرة أو الدمل، أو قتل البرغوث عفي عن قليله فقط، ولا يعفى عن جلد البرغوث ونحوه، ولو صلى بنجس ناسيًا أو جاهلا أعادها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العفو عما يتعسر الاحتراز عنه غالبًا. "وأما دم البثرات" بفتح المثلثة جمع بثرة بسكونها وهي خراج صغير "و" دم "الدماميل والقروح" أي الجراحات "والقيح والصديد" وهو ماء رقيق مختلط بدم أو دم مختلط بقيح "منها" أي من القروح "ودم البراغيث والقمل والبعوض والبق" ونحوها من كل ما لا نفس له سائلة "وموضع الحجامة والفصد وونيم الذباب" أي روثه "وبول الخفاش" وروثه "وسلس البول ودم الاستحاضة وماء القروح والنفاطات1 المتغير ريحه فيعفى عن قليل ذلك وكثيره" على المعتمد لعموم البلوى به "إلا إذا فرش الثوب الذي فيه ذلك" المعفو عنه "أو حمله لغير ضرورة" أو حاجة وصلى فيه "فيعفى عن قليله دون كثيره" إذ لا مشقة في تجنبه بخلاف ما لو لبسه لغير صحيح كتجمل فإنه يعفى حتى عن كثيره، ومحل العفو في جميع ما ذكر بالنسبة للصلاة، فلو وقع المتلوث بذلك في ماء قليل نجسه، فلو اختلط به أجنبي لم يعف عنه، نعم يعفى عن رطوبة ماء نحو الوضوء والغسل أما ماء ما ذكر غير المتغير فطاهر. "ويعفى عن قليل دم الأجنبي غير الكلب والخنزير" وفرع أحدهما لأن جنس الدم يتطرق إليه العفو فيقع القليل من ذلك في محل المسامحة ومن الأجنبي ما انفصل من بدنه ثم أصابه، قال الأذرعي: أي سواء دم البثرات وما بعده، أما دم نحو الكلب فلا يعفى عنه وإن قل لفظ حكمه. "وإذا" حصل ما مر من دم البثرات وما بعده بفعله كأن "عصر البثرة أو الدمل أو قتل البرغوث" أو نام في ثوبه لا لحاجة فكثر فيها دم نحو البراغيث "عفي عن قليله فقط" أي دون كثيره على المعتمد إذ لا كثير مشقة في تجنبه حينئذ "ولا يعفى عن جلد البرغوث ونحوه" مما مر لعدم عموم البلوى به، فلو قتله في الصلاة بطلت إن حمل جلده بعد موته وإلا فلا، نعم إن كان في تعاطيف الخياطة ولم يمكن إخراجه فينبغي أن يعفى عنه. "ولو صلى بنجس" لا يعفى عنه "ناسيًا" له "أو جاهلًا" به أو بكونه مبطلًا ثم تيقن كونه فيها "أعادها" وجوبًا لأن الطهر عنه من قبيل الشروط وهي من باب خطاب الوضع وهو لا يؤثر فيه الجهل والنسيان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 النفاطات: جمع نفاطة، وهي البثرة المملوءة ماء "المعجم الوسيط: ص941".

 

ص -115-      الشرط الثامن: ستر العورة، وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة، والحرة في صلاتها وعند الأجانب جميع بدنها إلا الوجه والكفين، وعند محارمها ما بين السرة والركبة، وشرط الساتر ما يمنع لون البشرة ولو ماء كدرًا لا خيمة ضيقة وظلمة، ولا يجب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الشرط الثامن: ستر العورة" عن العيون فتبطل بعدم سترها مع القدرة عليه وإن كان خاليًا في ظلمة لإجماعهم على الأمر بالستر في الصلاة والأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي هنا يقتضي الفساد. "وعورة الرجل" أي الذكر الصغير والكبير "والأمة" ولو مبعضة1 ومكاتبة2 ومستولدة3 "ما بين السرة والركبة" لخبر: "عورة المؤمن ما بين سرته وركبته"4 وهو وإن كان ضعيفًا إلا أن له شواهد تجبره، وقيس بالذكر الأمة بجامع أن رأس كل ليس بعورة. "و" عورة "الحرة" الصغيرة الكبيرة "في صلاتها وعند الأجانب" ولو خارجها "جميع بدنها إلا الوجه والكفين" ظهرًا وبطنًا إلى الكوعين لقوله تعالى:
{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، أي ما ظهر منها وجهها وكفاها وإنما لم يكونا عورة حتى يجب سترهما لأن الحاجة تدعو إلى إبرازهما، وحرمة نظرهما ونظر ما عدا بين السرة والركبة من الأمة ليس لأن ذلك عورة بل لأن النظر إليه مظنة الفتنة. "و" عورة الحرة "عند" مثلها ومملوكة العفيف إذا كانت عفيفة أيضًا من الزنى وغيره وعند الممسوح الذي لم يبقى فيه شيء من الشهوة وعند "محارمها" الذكور "ما بين السرة والركبة" فيجوز لمن ذكر النظر من الجانبين لما عدا ما بين السرة والركبة بشرط أمن الفتنة وعدم الشهوة بأن لا ينظر فيتلذذ، والخنثى المشكل كالأنثى فيما ذكر رقًا وحرية فإن استتر كرجل لم تصح صلاته على المعتمد. "وشرط الساتر" في الصلاة وخارجها أن يشمل المستور لبسًا ونحوه مع ستر اللون فيكفي "ما يمنع" إدراك "لون البشرة ولو" حكى الحجم كسروال ضيق لكنه للمرأة مكروه وخلاف الأولى للرجل أو كان على غير ساتر لحجم الأعضاء كأن كان طينًا ولو لم يعتد به الستر كأن كان "ماء مكدرًا" أو صافيًا تراكمت خضرته حتى منعت الرؤية وحفرة أو خابية ضيقي رأس يستران الواقف فيهما وإن وجد ثوبًا لحصول المقصود بذلك بخلاف ما لا يشمل المستور كذلك، ومن ثم قال: "لا خيمة ضيقة وظلمة" وما يحكي لون البشرة بأن يعرف به بياضها من سوادها كزجاج ومهلهل5 وماء صاف؛ لأن مقصود الستر لا يحصل بذلك كالأصباغ التي لا جرم لها من نحو حمرة أو صفرة وإن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المبعضة: المجزأة. أي بعضها رقيق وبعضها مر.
2 المكاتبة: هي التي يكاتبها سيدها على مال ينجمه عليها، فيكتب عليها أنها إذا أدت نجومها في كل نجم كذا وكذا فهي حرة. انظر لسان العرب "1/ 700".
3 استولد الرجل المرأة: أحبلها. انظر المعجم الوسيط "ص1056".
4 ذكره المتقي الهندي في كنز العمال "حديث رقم 19096" ونسبه إلى سمويه عن أبي سعيد الخدري.
5 المهلهل من الثياب: الذي رق من الاستعمال حتى كاد يبلى "المعجم الوسيط: ص993".

 

ص -116-      الستر من أسفل، ويجوز ستر بعض العورة بيده، فإن وجد ما يكفي سوأتيه تعين لهما أو أحدهما فيقدم قبله، ويزر قميصه، أو يشد وسطه إن كانت عورته تظهر منه في الركوع أو غيره.
الشرط التاسع: استقبال القبلة إلا في صلاة شدة الخوف وإلا في نفل السفر المباح،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سترت اللون لأنها لا تعد ساترًا وتتصور الصلاة في الماء فيمن يمكنه الركوع والسجود فيه وفيمن يومئ بهما وفي الصلاة على الجنازة، ولو قدر على الصلاة فيه والسجود في الشط لم يلزمه بل له الإيماء به، ويجب على فاقد نحو الثوب الستر بالطين وإن رق والماء الكدر ويكفي بلحاف فيه اثنان وإن حصلت مماسة محرمة. "ولا يجب" عليه "الستر من أسفل" وإنما يجب من الأعلى والجوانب؛ لأنه المعتاد. "ويجوز ستر بعض العورة بيده" من غير مس ناقض لحصول المقصود به وكذا بيد غيره وإن حرم ولو لم يجد المصلي رجلًا أو غيره إلا ما يستر بعض عورته وجب لأنه ميسوره "فإن وجد ما يكفي سوأتيه" القبل والدبر "تعين لهما" لأنهما أغلظ "أو" كفى "أحدهما فيقدم" وجوبًا رجلًا أو غيره "قبله" ثم دبره لتوجهه بالقبل للقبلة فستره أهم تعظيمًا لها وستر الدبر غالبًا بالأليتين. "ويزر" وجوبًا "قميصه" أي جيب1 قميصه ولو بنحو مسلة أو يستره ولو بنحو لحيته أو يده. "أو يشد وسطه إن كانت عورته تظهر منه في الركوع أو غيره" فإن لم يفعل صح إحرامه، ثم عند الركوع إن ستره وإلا بطلت صلاته، ويجب عليه السعي في تحصيل الساتر بملك أو إجارة أو غيرهما نظير ما مر في الماء ويقدمه على الماء لدوام نفعه ولأنه2 لا بدل له، ويصلي عاريًا مع وجود ساتر النجس لا مع وجود الحرير بل يلبسه للحاجة ولو أمكنه تطهير الثوب وجب وإن خرج الوقت ولا يصلي فيه عاريًا ولو حبس على نجس فرش السترة عليه وصلى عاريًا وأتم الأركان ولا إعادة عليه.
"الشرط التاسع: استقبال" عين "القبلة" أي الكعبة فلا يكفي التوجه لجهتها للخبر الصحيح: "أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في وجهها وقال: هذه القبلة"3 وخبر: "ما بين المشرق والمغرب قبلة"4 محمول على أهل المدينة ولا بد أن يسامتها بجميع بدنه، فلو خرج بعض بدنه أو بعض صف طويل امتد بقربها عن محاذاتها بطلت الصلاة سواء من بأخريات المسجد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جيب القميص ونحوه: ما يدخل منه الرأس عند لبسه "المعجم الوسيط: ص149".
2 أي الثوب.
3 روى البخاري في الصلاة باب 30 "حديث 398" عن ابن عباس قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة، وقال: "هذه القبلة" ورواه أيضًا بالأرقام "1601 و3351 و3352 و4288".
4 رواه الترمذي في المواقيت باب 139، والنسائي في الصيام باب 43، وابن ماجه في الإقامة باب 56، ومالك في القبلة حديث 8.

 

ص -117-      فإن كان في مرقد أو في سفينة أتم ركوعه وسجوده واستقبل، وإن لم يكن في مرقد ولا في سفينة فإن كان راكبًا استقبل في إحرامه فقط إن سهل عليه، وطريقه قبلته في باقي صلاته

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحرام وغيرهم، ويجب استقبالها في كل صلاة "إلا في صلاة شدة الخوف" كما يأتي وصلاة العاجز كمريض لا يجد من يوجهه إلى القبلة ومربوط على خشبة وغريق ومصلوب فيصلي على حسب حاله ويعيد "وإلا في نفل السفر" المعين المقصد "المباح" أي الجائز وإن كره أو قصر بأن كان ميلا فأكثر لا أقل فحينئذ لا يشترط الاستقبال فيه بتفصيله الآتي لما صح "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر غير المكتوبة حيثما توجهت به"1 أي في جهة مقصده، وقيس بالراكب الماشي, ولأن بالناس حاجة بل ضرورة إلى الأسفار، فلو كلفوا الاستقبال لتركوا أورادهم لمشقته فيه، أما الفرض ولو جنازة ومنذورة فلا يصلي على دابة سائرة مطلقًا لأن الاستقرار فيه شرط احتياطًا له، نعم إن خاف من النزول على نفسه أو ماله وإن قل أو فوت رفقته إذا استوحش به كان له أن يصلي الفرض عليها وهي سائرة إلى مقصده ويومئ ويعيد، ويجوز فعله على السائرة والواقفة إن كان لها من يلزم لجامها بحيث لا تتحول عن القبلة إن أتم الأركان، وعلى سرير يمشي به رجال وفي زورق جار وفي أرجوحة معلقة بحبال، وإذا جاز التنفل على الراحلة "فإن كان في مرقد" كهودج2 ومحارة3 "أو في سفينة أتم" وجوبًا "ركوعه وسجوده" وسائر الأركان أو بعضها إن عجز عن الباقي "واستقبل" وجوبًا لتيسر ذلك عليه ومحل ذلك في غير مسير السفينة أما هو وهو من له دخل في سيرها فلا يلزمه التوجه في جميع صلاته ولا إتمام الأركان بل في إحرامه فقط إن سهل كراكب الدابة. "وإن لم يكن في مرقد وفي سفينة فإن كان راكبًا" فيما لا يسهل فيه الاستقبال في جميع الصلاة وإتمام الأركان "استقبل في إحرامه فقط إن سهل عليه" بأن كانت الدابة غير صعبة ولا مقطورة وإلا لم يلزمه في الإحرام أيضًا أما غيره ولو السلام فلا يلزمه فيه مطلقًا لأن الانعقاد يحتاط له ما لا يحتاط لغيره. "وطريقه" يعني جهة مقصده وإن لم يسلك طريقه ولو لغير عذر "قبلته في باقي صلاته" بالنسبة لمن سهل عليه التوجه إلى التحرم فقط وفي كلها بالنسبة لغيره للخبر السابق، فلو انحرف عن صوب مقصده أو استدبره عمدًا وإن قصر أو أكره أو غير عمد إن طال بطلت صلاته وإلا فلا ويسجد للسهو، نعم إن انحرف إلى القبلة ولو بركوبه مقلوبًا أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في الصلاة باب 31 "حديث 400" عن جابر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة". ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 39" عن ابن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة".
2 الهودج: أداة ذات قبة توضع على ظهر الجمل لتركب فيها النساء "المعجم الوسيط: ص976".
3 المحارة: منسم البعير. كذا في لسان العرب "4/ 222" والمعجم الوسيط "ص206".

 

ص -118-      ويومئ الراكب بركوعه وسجوده أكثر، وإن كان ماشيًا استقبل في الإحرام والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين، ومن صلى في الكعبة واستقبل من بنائها شاخصًا ثابتًا قدر ثلثي ذراع صحت صلاته، ومن أمكنه مشاهدتها لم يقلد، فإن عجز أخذ بقول ثقة يخبر عن علم فإن فقد اجتهد بالدلائل، فإن عجز لعماه أو عمى بصيرته قلد ثقة عارفًا،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على جنبه لم يضر لأنها الأصل، ومن ثم جاز له جعل وجهه لها وظهره لمقصده، "ويومئ الراكب" وجوبًا "بركوعه وسجوده" ويجب كون الإيماء بالسجود "أكثر" تمييزًا له لكن لا يلزمه بذل وسعه في الإيماء "وإن كان" المسافر "ماشيًا استقبل" القبلة "في الإحرام و" في "الركوع والسجود" ويتمها "و" في "الجلوس بين السجدتين" لسهولة ذلك كله عليه بخلاف الراكب ولا يمشي إلا في قيامه، ومنه الاعتدال وتشهده مع السلام لطول زمنهما "ومن صلى في الكعبة" أو عليها فرضًا أو نفلًا جاز له بل يندب الصلاة فيها. "و" حينئذ فإن "استقبل من بنائها" أو ترابها المجموع من أجزائها لا الذي تلقيه الريح "شاخصًا ثابتًا" كعتبة وباب مردود وكذا عصا مسمرة فيه أو مثبتة "قدر ثلثي ذراع" تقريبًا فأكثر بذراع الآدمي وإن بعد عنه ثلاثة أذرع فأكثر "صحت صلاته" لتوجهه إلى جزء منها بخلاف نحو حشيش نابت بها وعصا مغروزة فيها وإنما صح استقبال هوائها بالنسبة لمن هو خارج عنها؛ لأنه يعد حينئذ متوجهًا إليها كالمصلي على أعلى منها كأبي قبيس1 بخلاف المصلي فيها أو عليها "ومن أمكنه مشاهدتها" أي الكعبة بأن لم يكن بينه وبينها حائل كأن كان بالمسجد أو كان بينهما حائل بني لغير حاجة "لم يقلد" يعني لم يأخذ بقول أحد وإن كان مخبرًا عن علم بل لا بد من مشاهدتها أو مسها بالنسبة للأعمى ومن في ظلمة لإفادته اليقين فلا يرجع إلى غيره مع قدرته عليه. "فإن عجز" عن علمها لحائل بينه وبينها ولو طارئًا بني لحاجة "أخذ" وجوبًا "بقول ثقة" في الرواية ولو رقيقًا وأنثى "يخبر عن علم" أي مشاهدة لعينها؛ لأن خبره أقوى من الاجتهاد فلا يعدل إلى الاجتهاد مع قدرته على أقوى منه، ومثله رؤية محراب لم يطعن فيه وإن كان ببلدة صغيره لكن يشترط أن يكثر طارقوه، وقول الثقة رأيت كثيرًا من المسلمين يصلون إلى هذه الجهة أو القطب هاهنا والمصلي يعلم دلالته على القبلة أما غير الثقة كالفاسق والصبي فلا يقبل خبره، "فإن فقد" الثقة المذكور "اجتهد" وجوبًا بأن يستدل على القبلة "بالدلائل" التي تدل عليها وهي كثيرة أضعفها الرياح وأقواها القطب وهو عند الفقهاء نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي ويختلف باختلاف الأقاليم، ففي مصر يكون خلف أذن المصلي اليسرى، وفي العراق يكون خلف اليمنى، وفي أكثر اليمن قبالته مما يلي جانبه الأيسر، وفي الشام وراءه، ويجب تعلم أدلتها عينًا على من أراد سفرًا يقل فيه العارفون بالقبلة وإلا وجب على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أبو قبيس: جبل مشرف على مكة.

 

ص -119-      وإن تحير صلى كيف شاء ويقضي، ويجتهد لكل فرض، فإن تيقن الخطأ فيها أو بعدها استأنفها، وإن تغير اجتهاده عمل بالثاني فيما يستقبل ولا قضاء للأول.
الشرط العاشر: ترك الكلام فتبطل بنطق بحرفين، أو حرف مفهم، أو ممدود ولو بتنحنح وإكراه، وضحك وبكاء، وأنين، ونفخ من الفم أو الأنف، ويعذر في يسير الكلام إن سبق لسانه، أو نسي أو جهل التحريم وهو قريب عهد بالإسلام أو من نشأ ببادية بعيدة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكفاية، ومن ترك التعلم وقد خوطب به عينًا لم يجز له التقليد إلا عند الضيق الوقت ويعيد بخلاف من خوطب به كفاية فإن له التقليد مطلقًا ولا يعيد وعليه يحمل قول المصنف "فإن عجز" عن الاجتهاد "لعماه" أي لعمى بصره "أو عمى بصيرته قلد ثقة عارفًا" يجتهد له لعجزه "وإن تحير" المجتهد فلم يظهر له شيء بعد اجتهاده أو اختلف على الأعمى مجتهدان ولم يترجح أحدهما عنده "صلى كيف شاء" لحرمة الوقت "ويقضي" وجوبًا لأنه نادر "ويجتهد" وجوبًا "لكل فرض" يعني صلاة وإن لم يفارق محله الأول سعيًا في إصابة الحق ما أمكن، نعم إن كان ذاكرًا للدليل الأول لم يلزمه ذلك، وإذا اجتهد وصلى "فإن تيقن الخطأ فيها أو بعده" ولو بخبر ثقة عن عيان "استأنفها" وجوبًا لتبين فساد الأولى "وإن" لم يتيقنه وإنما "تغير اجتهاده عمل بالثاني" وجوبًا لا فيما مضى لمضيه على الصحة ولم يتيقن فساده بل يعمل "فيما يستقبل" وإن كان في الصلاة فيتحول إلى ما ظنه الصواب إن ظهر له مقارنًا لظهور خطأ الأول وهكذا حتى لو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات بالاجتهاد صحت صلاته، "ولا قضاء للأول" من الاجتهادين ولا لغير الأخير من الاجتهادات لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، أما لو ظهر له الخطأ ثم ظهر له الصواب ولو عن قرب فإن صلاته تبطل لمضي جزء منها إلى غير قبلة محسوبة.
"الشرط العاشر: ترك الكلام" أي كلام الناس لخبر مسلم: "كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت:
{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام"1 وفي رواية له2: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس", "فتبطل" الصلاة "بنطق بحرفين وإن لم يفهما أو كانا من آية نسخ لفظها أو لمصلحة الصلاة كقوله لإمامه قم "أو حرف مفهم" نحو ق أو ع أو ل أو ط من الوقاية والوعاية والولاية والوطء "أو" حرف "ممدود" وإن لم يفهم إذ المد ألف أو واو أو ياء فالممدود في الحقيقة حرفان وتبطل بالنطق بما ذكر "ولو" حصل "بتنحنح وإكراه" لندرته فيها "وضحك وبكاء" ولو للآخرة "وأنين ونفخ من الفم أو الأنف" كما قاله جماعة من المتأخرين لكن يبعد تصوره وعطاس وسعال بلا غلبة في الكل إذ لا ضرورة حينئذ. "ويعذر في يسير الكلام" عرفًا كالكلمتين والثلاث "إن سبق لسانه" إليه "أو نسي" أنه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث رقم 35" من حديث زيد بن أرقم.
2 في المساجد ومواضع الصلاة "حديث رقم 33" من حديث معاوية بن الحكم السلمي.

 

ص -120-      عن العلماء أو حصل بغلبة ضحك أو غيره، ولا يعذر في الكثير بهذه الأعذار، ويعذر في التنحنح لتعذر القراءة الواجبة، ولو نطق بنظم القرآن بقصد التفهيم أو أطلق بطلت صلاته. ولا تبطل بالذكر والدعاء بلا خطاب، ولا بالتلفظ بقربة كالعتق والنذر، ولا بالسكوت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الصلاة "أو جهل التحريم" للكلام فيها "وهو قريب عهد بالإسلام أو من" أي شخص "نشأ ببادية بعيدة عن العلماء" أي عمن يعرف ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم تكلم قليلا في الصلاة معتقدًا فراغها, ولم يبطل صلاة من تكلم فيها قليلا جاهلا لقرب إسلامه، وقيس بذلك الباقي، وكالجاهل من جهل تحريم ما أتى به أو كون التنحنح مبطلا وإن علم تحريم جنس الكلام، بخلاف ما لو علم الحرمة وجهل الإبطال فإنه يبطل إذ حقه بعد العلم بالتحريم الكف. "أو" إن "حصل" اليسير "بغلبة ضحك أو غيره" مما سبق إذ لا تقصير, "ولا يعذر" كما في المجموع وغيره وإن خالفه جماعة "في" الكلام "الكثير بهذه الأعذار" السابقة من التنحنح وما بعده إلى هنا؛ لأن الكثير يقطع نظم الصلاة. "و" قد "يعذر" فيه وذلك "في التنحنح لتعذر القراءة الواجبة" والتشهد الواجب وغيرهما من الواجبات القولية فلا تبطل الصلاة بالكثير حينئذ للضرورة بخلاف التنحنح لسنة كالجهر فإنه يبطلها إذ لا ضرورة إليه، "ولو نطق بنظم القرآن" أو ذكر كقوله لجماعة استأذنوا في الدخول عليه: باسم الله, أو فتح على إمامه بقرآن أو ذكر أو جهر الإمام أو المبلغ بتكبيرات الانتقالات فإن كان ذلك "بقصد التفهيم" أو الفتح أو الإعلام "أو أطلق" فلم يقصد شيئًا "بطلت صلاته"؛ لأن عروض القرينة أخرجه عن موضوعه من القراءة والذكر إلى أن صيره من كلام الناس، بخلاف ما لو قصد القراءة وحدها أو الذكر وحده أو مع نحو التفهيم فإن الصلاة لا تبطل لبقاء ما تكلم به على موضوعه، ولا فرق على الأوجه بين أن يكون انتهى في قراءته إلى تلك الآية أو أنشأها حينئذ، ولا بين ما يصلح لتخاطب الناس به من نظم القرآن والأذكار وما لا يصلح، وخرج بنظم القرآن ما لو غير نظمه كقوله: يا إبراهيم سلام كوني1, فتبطل صلاته مطلقًا، نعم إن لم يصل بعضها ببعض وقصد القراءة فلا بطلان. "ولا تبطل" الصلاة "بالذكر والدعاء بلا خطاب" لمخلوق غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا تعليق "ولا بالتلفظ بقربة كالعتق والنذر" والصدقة والوصية وسائر القرب المنجزات بلا تعليق ولا خطاب لمن ذكر؛ لأن ذلك قربة ومناجاة لله فهو من جنس الدعاء بخلافه مع خطاب مخلوق غير النبي صلى الله عليه وسلم من إنس وجن وملك وغيرهم وإن لم يعقل كقوله لعاطس: رحمك الله, ولهلال: ربي وربك الله, أو مع تعليق كإن شفى الله مريضي فعلي عتق رقبة، أو اللهم اغفر لي إن شئت, فتبطل بذلك مطلقًا كما لو نطق بشيء من ذلك بغير العربية وهو يحسنها، ولا تضر إشارة الأخرس ولو ببيع وإن صح بيعه ولا خطاب الله تعالى وخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو في غير التشهد، ويسن حتى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نص الآية 69 من سورة الأنبياء:
{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}.

 

ص -121-      الطويل بلا عذر، ويسن لمن نابه شيء أن يسبح الله تعالى إن كان رجلا، وتصفق المرأة ببطن كف على ظهر أخرى.
الشرط الحادي عشر: ترك الأفعال الكثيرة، فلو زاد ركوعًا أو غيره من الأركان بطلت إن تعمده، أو فعل ثلاثة أفعال متوالية كثلاث خطوات أو حكات في غير الجرب، أو وثب وثبة فاحشة، أو ضرب ضربة مفرطة بطلت سواء كان عامدًا أو ناسيًا، ولا يضر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للناطق رد السلام بالإشارة ولمن عطس أن يحمد الله ويسمع نفسه، ولو قرأ إمامه: إياك نعبد وإياك نستعين فقالها أو قال استعنا أو نستعين بالله بطلت إن لم يقصد تلاوة أو دعاء قاله في التحقيق. "ولا" تبطل "بالسكوت الطويل" ولو "بلا عذر"؛ لأنه لا يخل بنظمها "ويسن لمن نابه شيء" في صلاته كتنبيه إمامه وإذنه لداخل وإنذاره نحو أعمى من وقوعه في محذور "أن يسبح الله تعالى إن كان رجلًا" بقصد الذكر وحده أو مع التنبيه وإلا بطلت صلاته كما علم مما مر، "و" أن "تصفق المرأة" والخنثى والأولى أن يكون "ببطن كف على ظهر" كف "أخرى" سواء اليمنى واليسرى وذلك لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"من نابه شيء في صلاته فليسبح"1, فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء فلو صفق الرجل وسبح غيره كان خلاف السنة، ولو كثر التصفيق بأن كان ثلاثًا متوالية أبطل ولا يضر حيث قصد به الإعلام وإن كان بضرب الراحتين.
"الشرط الحادي عشر: ترك" تعمده زيادة الركن الفعلي والفعل الفاحش وإن قل وترك "الأفعال الكثيرة" عرفًا ولو سهوًا "فلو زاد ركوعًا" لغير قتل نحو حية "أو غيره من الأركان" الفعلية "بطلت" صلاته "إن تعمده" ولم يكن للمتابعة وإن لم يطمئن فيه لتلاعبه بخلاف الركن القولي لأن زيادته لا تغير نظمها، وبخلاف الزيادة سهوًا أو للمتابعة لعذره، ولا يضر تعمد زيادة قعود قصير إن عهد في الصلاة غير ركن كأن جلس بعد الاعتدال وقبل السجود مثل جلسة الاستراحة، بخلاف الجلوس قبل نحو الركوع لأنه لم يعهد، "أو فعل ثلاثة أفعال متوالية" بأن لا يعد عرفًا كل منها منقطعًا عما قبله "كثلاث خطوات" وإن كانت بقدر خطوة مغتفرة أو مضغات ثلاث "أو حكات" متوالية مع تحريك اليد "في غير الجرب" وكأن حرك يديه ورأسه ولو معًا أو خطا خطوة واحدة ناويًا فعل الثلاث وإن لم يزد على الواحدة. "أو وثب وثبة" ولا تكون الوثبة إلا "فاحشة أو ضرب ضربة مفرطة" أو صفق تصفيقة أو خطا خطوة بقصد اللعب وإن كانت التصفيقة بغير ضرب الراحتين "بطلت" صلاته في جميع ما ذكر "سواء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من حديث سهل بن سعد الساعدي. رواه البخاري "حديث 684 و1201 و1204 و1218 و1234 و2690 و2693 و7190" ومسلم في الصلاة "حديث 102"، وأبو داود في الصلاة باب 169 وأحمد في المسند "5/ 330، 332، 333".

 

ص -122-      الفعل القليل، ولا حركات خفيفات وإن كثرت كتحريك الأصابع.
الشرط الثاني عشر: ترك الأكل والشرب، فإن أكل قليلا ناسيًا أو جاهلا بتحريمه لم تبطل.
الشرط الثالث عشر: أن لا يمضي ركن قولي أو فعلي مع الشك في نية التحرم أو يطول زمن الشك.
الشرط الرابع عشر: أن لا ينوي قطع الصلاة أو يتردد في قطعها.
الشرط الخامس عشر: عدم تعليق قطعها بشيء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان عامدًا أو ناسيًا" لمنافاة ذلك لكثرته أو فحشه للصلاة وإشعاره بالإعراض عنها، والخطوة بفتح الخاء المرة وهي المرادة هنا إذ هي عبارة عن نقل رجل واحدة فقط حتى يكون نقل الأخرى إلى أبعد عنها أو أقرب خطوة أخرى بخلاف نقلها إلى مساواتها وذهاب اليد ورجوعها ووضعها ورفعها حركة واحدة، أما في الجرب الذي لا يصبر معه على عدم الحك فيغتفر الحك لأجله وإن كثر لاضطراره إليه. "ولا يضر الفعل القليل" الذي ليس بفاحش ومنه الخطوتان وإن اتسعتا واللبس الخفيف وفتح كتاب وفهم ما فيه لكنه مكروه. "ولا حركات خفيفات وإن كثرت" وتوالت لكنها خلاف الأولى وذلك "كتحريك الأصابع" في نحو سبحة وحكة فلا بطلان بجميع ذلك وإن تعمده ما لم يقصد به منافاتها، وإنما لم يعف عن قليل الكلام عمدًا لأنه لا يحتاج إليه فيها بخلاف الفعل فيفعل عما يتعسر الاحتراز عنه مما لا يخل بها، والأجفان واللسان كالأصابع، وقد يسن الفعل القليل كقتل نحو الحية.
"الشرط الثاني عشر: ترك" المفطر فتبطل بوصول مفطر جوفه وإن قل ولو بلا حركة فم أو مضغ لأن وصوله يشعر بالإعراض عنها وترك غير المفطر أيضًا نحو "الأكل والشرب" الكثير سهوًا أو لجهل تحريمه فيها فتبطل به، وإنما لم يفطر الصائم لأن الصائم لا تقصير منه إذ ليس لعبادته هيئة تذكره بخلاف الصلاة "فإن أكل قليلا ناسيًا" أنه فيها "أو جاهلا بتحريمه" وعذر لقرب عهده بالإسلام أو نشئه بعيدًا عن العلماء "لم تبطل" صلاته لعذره.
"الشرط الثالث عشر: أن لا يمضي ركن قولي" كالفاتحة "أو فعلي" كالاعتدال "مع الشك في" صحة "نية التحرم" بأن تردد هل نوى أو أتم النية أو أتى ببعض أجزائها الواجبة أو بعض شروطها أو هل نوى ظهرًا أو عصرًا "أو يطول" عرفًا "زمن الشك" أي التردد فيما ذكر فمتى طال أو مضى قبل انجلائه ركن بأن قارنه من ابتدائه إلى تمامه أبطلها لندرة مثل ذلك في الأولى ولتقصيره بترك التذكر في الثانية وإن كان جاهلا وبعض الركن القولي ككله إن طال زمن الشك أو لم يعد ما قرأه فيه وقراءة السورة والتشهد الأول كقراءة الفاتحة إن قرأ منهما قدرها أو قدر بعضها وطال وخرج بقوله أن لا يمضي إلى آخره ما لو تذكره قبل طول الزمن وإتيانه بركن فلا بطلان لكثرة عروض مثل ذلك، وبتعبيره بالشك ما لو ظن أنه في صلاة أخرى فإنه تصح صلاته وإن أتمها مع ذلك سواء كان في فرض وظن أنه في نفل أو عكسه.

 

ص -123-      فصل: "في مكروهات الصلاة"
ويكره الالتفات بوجهه إلى لحاجة ورفع البصر إلى السماء وكف شعره أو ثوبه، ووضع يده على فمه بلا حاجة، ومسح غبار جبهته، وتسوية الحصى في مكان سجوده،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الشرط الرابع عشر: أن لا ينوي قطع الصلاة أو يتردد في قطعها" فمتى نوى قطعها ولو بالخروج منها إلى أخرى أو تردد فيه أو في الاستمرار فيها بطلت لمنافاة ذلك للجزم بالنية، ولا يؤاخذ بالوسواس القهري ولو في الإيمان لما فيه من الحرج، ولو نوى فعل مبطل فيها لم تبطل إلا إن شرع في المنوي، ولا يبطل الوضوء والصوم والاعتكاف والحج بنية القطع وما بعده لأن الصلاة أضيق بابًا من الأربعة.
"الشرط الخامس عشر: عدم تعليق قطعها بشيء" فإن علقه بشيء ولو محالا فيما يظهر بطلت لمنافاته للجزم بالنية.
فصل: في مكروهات الصلاة
"ويكره الالتفات بوجهه" فيها لأنه اختلاس من الشيطان كما صح في الحديث1 "إلا لحاجة" للاتباع ولا بأس بلمح العين من غير التفات، أما الالتفات بالصدر فمبطل كما مر، "ورفع البصر إلى السماء" لأنه يؤدي إلى خطف البصر كما في حديث البخاري2 "وكف شعره أو ثوبه بلا حاجة" لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بأن لا يكفهما ليسجدا معه."ووضع يده على فمه بلا حاجة" للنهي الصحيح عنه أما وضعها لحاجة كالتثاؤب فسنة لخبر صحيح فيه3، ولا فرق بين اليمنى واليسرى لأن هذا ليس فيه دفع مستقذر حسي. "ومسح غبار جبهته" قبل الانصراف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من حديث عائشة. رواه البخاري في الأذان باب 93، وبدء الخلق باب 11. وأبو داود في الصلاة باب 161، والترمذي في الجمعة باب 59، والنسائي في السهو باب 10، وأحمد في المسند "6/ 7، 106".
2 الذي رواه في الأذان باب 92 "حديث 750" عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟" فاستشد قوله في ذلك حتى قال: "لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم".
3 روى البخاري في الأدب باب 125 "حديث 6223" وباب 128 "حديث 6226" من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته؛ وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليرده ما استطاع، فإذا قال: ها, ضحك منه الشيطان". ورواه مسلم في الزهد والرقائق "حديث 56" مختصرًا؛ ورواه أيضًا "حديث رقم 57 و58 و59" من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ آخر أكثر اختصارًا.

 

ص -124-      والقيام على رجل، وتقديمها ولصقها بالأخرى، والصلاة حاقنًا أو حاقبًا أو حازقًا إن وسع الوقت، ومع توقان الطعام إن وسع أيضًا، وأن يبصق في غير المسجد عن يمينه أو قبالته، ويحرم في المسجد، ويكره أن يضع يده على خاصرته، وأن يخفض رأسه في ركوعه،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منها. "وتسويه الحصى في مكان سجوده" للنهي الصحيح عنه1 ولأنه كالذي قبله ينافي التواضع والخشوع. "والقيام على رجل" واحدة "وتقديمها" على الأخرى "ولصقها بالأخرى" حيث لا عذر لأنه تكلف ينافي الخشوع، ولا بأس بالاستراحة على إحداهما لطول القيام أو نحوه "والصلاة حاقنًا" بالنون أي بالبول "أو حاقبًا" بالموحدة أي بالغائط "أو حازقًا" أي بالريح للنهي عنها مع مدافعة الأخبثين بل قد يحرم إن ضره مدافعة ذلك، ويندب أو يجب تفريغ نفسه من ذلك وإن فاتت الجماعة "إن وسع الوقت" ذلك وإن وجبت الصلاة مع ذلك حيث لا ضرر لحرمة الوقت. "ومع توقان الطعام" الحاضر أو القريب الحضور أي اشتهائه بحيث يختل الخشوع لو قدم الصلاة عليه لأمره صلى الله عليه وسلم بتقديم العشاء على العشاء2 ويأكل ما يتوفر معه خشوعه فإن لم يتوفر إلا بالشبع شبع، ومحل ذلك "إن وسع" الوقت "أيضًا" وإلا صلى فورًا وجوبًا لما مر. "وأن يبصق عن غير المسجد عن يمينه أو قبالته" وإن كان خارج الصلاة للنهي عن ذلك3 بل يبصق عن يساره إن تيسر وإلا فتحت قدمه اليسرى. "ويحرم" البصاق "في المسجد" إن اتصل بشيء من أجزائه للخبر الصحيح أنه خطيئة وكفارتها دفنها4 أي أنه يقطع الحرمة ولا يرفعها "ويكره أن يضع يده" اليمنى أو اليسرى "على خاصرته" لغير حاجة لصحة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى أبو داود في الصلاة باب 171 "حديث 945" عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى". وروى أيضًا "حديث رقم 946" عن معيقيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمسح وأنت تصلي، فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة تسوية الحصى".
2 حديث:
"إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء". رواه البخاري في الأذان باب 42 "حديث 671 و672 و673" ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 64 و65 و66" كلاهما رواه من حديث عائشة وأنس بن مالك وابن عمر.
3 حديث:
"إن المؤمن إذا كان في الصلاة فإنما يناجي ربه فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه". روي من حديث أنس وأبي سعيد الخدري، رواه البخاري في الصلاة باب 36 "حديث 413 و414" ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 52 و54" والترمذي في الجمعة باب 49، والنسائي في الطهارة باب 192، وابن ماجه في الإقامة باب 61، وأحمد في عدة مواضع من مسنده.
4
"البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها". وروي "البساق" وروي "البزاق". رواه البخاري في الصلاة باب 37، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 55-57 وأبو داود في الصلاة باب 22، والترمذي في الجمعة باب 49، والنسائي في المساجد باب 30، وأحمد في المسند "3/ 173، 232، 274، 277".

 

ص -125-      وقراءة السورة في الثالثة والرابعة إلا لمن سبق بالأولى والثانية فيقرؤها في الأخيرتين، والاستناد إلى ما يسقط بسقوطه، والزيادة في جلسة الاستراحة على قدر الجلوس بين السجدتين، وإطالة التشهد الأول والدعاء فيه وترك الدعاء في التشهد الأخير، ومقارنة الإمام في أفعال الصلاة، والجهر في موضع الإسرار، والإسرار في موضع الجهر، والجهر خلف الإمام، ويحرم الجهر إن شوش على غيره، وتكره في المزبلة والمجزرة والطريق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النهي عنه1 ولأنه فعل المتكبرين، ومن ثم لما هبط إبليس من الجنة كان كذلك وورد أنه راحة أهل النار أي اليهود والنصارى "وأن يخفض رأسه" أو يرفعه "في ركوعه" لأنه خلاف الاتباع، ويكره ترك قراءة السورة في الأولتين للخلاف في وجوبها "وقراءة السورة في" الركعة "الثالثة والرابعة" من الرباعية والثالثة من المغرب وهذا ضعيف، والمعتمد أن قراءتها فيهما ليست خلاف الأولى بل ولا خلاف السنة وإنما هي ليست بسنة، وفرق بين ما ليس بسنة وما هو خلاف السنة. "إلا لمن سبق بالأولى والثانية فيقرؤها" أي السورة "في الأخيرتين" من صلاة الإمام لأنهما أولياه إذ ما أدركه المأموم أول صلاته فإن لم يمكنه قراءتها فيهما قرأها في الأخيرتين لئلا تخلو صلاته من السورة، ولو سبق بالأولى فقط قرأها في الثانية والثالثة. "والاستناد" في الصلاة "إلى ما يسقط" المصلي "بسقوطه" للخلاف في صحة صلاته حينئذ ومحله حيث يسمى قائمًا وإلا بأن كان بحيث يمكنه رفع قدميه على الأرض بطلت صلاته كما مر في بحث القيام لأنه ليس بقائم بل معلق نفسه. "والزيادة في جلسة الاستراحة على قدر الجلوس بين السجدتين" أي على أقله، أما الزيادة على أكمله بقدر التشهد الواجب فباطلة كما مر أن تطويل جلسة الاستراحة مبطل كتطويل الجلوس بين السجدتين. "وإطالة التشهد الأول" ولو بالصلاة على الآل فيه والدعاء فيه لبنائه على التخفيف. "وترك الدعاء في التشهد الأخير" للخلاف في وجوب بعضه السابق كما مر. "ومقارنة الإمام في أفعال الصلاة" بل وأقوالها للخلاف في صحة صلاته حينئذ، وهذه الكراهة من حيث الجماعة لأنها لا توجد إلا معها فتفوت فضيلتها ككل مكروه من حيث الجماعة كالانفراد عن الصف وترك فرجة فيه مع سهولة سدها والعلو على الإمام والانخفاض عنه لغير حاجة ولو في المسجد والاقتداء بالمخالف ونحو الفاسق والمبتدع واقتداء المفترض بالمتنفل ومصلي الظهر مثلا بمصلي العصر وعكسهما. "و" يكره "الجهر في موضع الإسرار والإسرار في موضع الجهر والجهر" للمأموم "خلف الإمام" لمخالفته للاتباع المتأكد في ذلك. "ويحرم" على كل أحد "الجهر" في الصلاة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث النهي عن الصلاة مختصرًا رواه البخاري في العمل في الصلاة باب 17، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 47، وأبو داود في الصلاة باب172، والترمذي في الصلاة باب 164، والنسائي في الافتتاح باب 12، والدارمي في الصلاة باب 138، وأحمد في المسند "2/ 232، 290، 295، 331، 399".

 

ص -126-      في البناء وبطن الوادي مع توقع السيل، والكنيسة والبيعة والمقبرة والحمام وعطن الإبل، وسطح الكعبة، وثوب فيه تصاوير أو شيء يلهيه والتلثم، والتنقيب وعند غلبة النوم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وخارجها "إن شوش على غيره" من نحو مصل أو قارئ أو نائم للضرر ويرجع لقول المتشوش ولو فاسقًا لأنه لا يعرف إلا منه، وما ذكره من الحرمة ظاهر لكن ينافيه كلام المجموع وغيره فإنه كالصريح في عدمها إلا أن يجمع بحمله على ما إذا خف التشويش، "وتكره" الصلاة أيضًا "في المزبلة" بفتح الموحدة وضمها وهي موضع الزبل. "والمجزرة" وهي موضع الجزر أي الذبح لصحة النهي عنهما1 ولما فيهما من محاذاة النجاسة فإن مسها بعض بدنه أو محموله بطلت صلاته كما مر. "والطريق في البناء" دون البرية للنهي ولاشتغال القلب بمرور الناس فيها، وبه يعلم أن التعبير بالبناء دون البرية جرى على الغالب، وأنه حيث كثر مرورهم بمحل كرهت الصلاة فيه حينئذ وإن لم يكن طريقًا كالمطاف وفي الوادي الذي نام فيه صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه عن صلاة الصبح لأنه ارتحل عنه ولم يصل فيه وقال:
"إن فيه شيطانًا"2. "و" في "بطن الوادي" أي كل واد "مع توقع السيل" لخشية الضرر وانتفاء الخشوع "و" في "الكنيسة" وهي متعبد اليهود "و" في "البيعة" وهي متعبد النصارى وغيرهما من سائر أمكنة المعاصي كالسوق لأنها مأوى الشياطين كالحمام. "و" في "المقبرة" الطاهرة والمنبوشة إن جعل بينه وبين النجاسة حائلا لما مر في المزبلة، وبه يعلم أن الكلام في مقابر الأنبياء "والحمام" أو مسلخه ولو جديدًا لما مر "وعطن الإبل" وهو المحل الذي تنحى إليه بعد شربها ليشرب غيرها أو هي ثانيًا للنهي عنه3 ولتشوش خشوعه بشدة نفارها. "و" على "سطح الكعبة" لما فيه من الاستعلاء عليها. "و" في "ثوب" أو إليه أو عليه إن كان "فيه تصاوير أو شيء" آخر "يلهيه" عن الصلاة كخطوط وكآدمي يستقبله للخبر الصحيح: أنه صلى صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب ذو أعلام فلما فرغ قال: "ألهتني هذه"4 "والتلثم" للرجل "والتنقيب" لغيره للنهي عن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى الترمذي في الصلاة باب 141، وابن ماجه في المساجد والجماعات باب 4 "حديث 746" عن ابن عمر قال: "نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى في سبع مواطن: في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق والحمام ومعاطن الإبل وفوق الكعبة". ورواه ابن ماجه أيضًا "حديث 747" عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سبع مواطن لا تجوز فيها الصلاة: ظاهر بيت الله والمقبرة والمزبلة والمجزرة والحمام وعطن الإبل ومحجة الطريق".
2 رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عمران بن حصين.
3 النهي عن الصلاة في معاطن الإبل رواه الترمذي في المواقيت باب 142، والنسائي في المساجد باب 41، وابن ماجه في المساجد والجماعات باب 12، والدارمي في الصلاة باب 112، وأحمد في المسند "3/ 404، 405، 4/ 85، 86، 150، 303، 5/ 54، 55، 97، 102، 105".
4 عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال:
"اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفًا عن صلاتي". رواه البخاري في الصلاة باب 14 "حديث 373" ورواه أيضًا برقم "752 و5817" ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 62، وأبو داود في اللباس باب 8، وأحمد في المسند "6/ 199".

 

ص -127-      فصل: "في سترة المصلي"
ويستحب أن يصلي إلى شاخص قدر ثلثي ذراع بينه وبينه ثلاثة أذرع فما دون، فإن لم يجد بسط مصلى أو خط خطا، ويندب دفع المار حينئذ، يحرم المرور حينئذ إلا إذا صلِّي في قارعة الطريق وإلا لفرجة في الصف المتقدم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأول1 وقيس به الثاني. "وعند غلبة النوم" لفوات الخشوع حينئذ ومحله إن اتسع الوقت وغلب على ظنه استيقاظه وإدراك الصلاة كاملة فيه وإلا حرم كما مر.
فصل: في سترة المصلي
"ويستحب" لكل مصل "أن يصلي إلى شاخص" من نحو جدار أو عمود فإن لم يجد فنحو عصا أو متاع يجمعه "قدر ثلثي ذراع" فأكثر أي طوله بقدر ذلك وإن لم يكن له عرض كسهم "بينه" أي بين قدميه "وبين ثلاثة أذرع فما دون" ذلك "فإن لم يجد" شاخصًا مما ذكر "بسط مصلى أو خط خطا" من قدميه نحو القبلة وكونه طولا أولى وذلك للأخبار الصحيحة كخبر:
"استتروا في صلاتكم ولو بسهم"2 وخبر: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها"3 ولما صلى عليه الصلاة والسلام في الكعبة جعل بينه وبين حائطها قريبًا من ثلاثة أذرع لأنها قدر إمكان السجود، ولذلك يسن التفريق بين كل صفين بقدرها، وصحح جماعة خبر: "إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر أمامه"4, وما اقتضاه هذا الخبر من الترتيب هو المعتمد خلافًا للإسنوي5 التابع له المصنف فلا بد من تقديم نحو الجدار ثم نحو العصا ثم المصلى ثم الخط ومتى عدل عن رتبة إلى ما دونها مع القدرة عليها كانت كالعدم. "ويندب" له "دفع المار" بينه وبين سترته "حينئذ" أي حين استتر بسترة مستوفية للشروط المذكورة لأمره صلى الله عليه وسلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى أبو داود في الصلاة باب 85 "حديث 643" عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة وأن يعطي الرجل فاه". ورواه ابن ماجه في الإقامة باب 42 "حديث 966" بلفظ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطي الرجل فاه في الصلاة". قال الخطابي في معالم السنن: هو التلثم على الأفواه.
2 رواه الحاكم في المستدرك "1/ 252" من حديث سبرة بلفظ:
"استتروا لصلاتكم ولو بسهم". وقال الحاكم: على شرط مسلم.
3 رواه أبو داود في الصلاة باب 107 "حديث 698" من حديث أبي سعيد الخدري، ولفظه:
"إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها". ورواه أيضًا "حديث رقم 695" عن سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته".
4 رواه أبو داود في الصلاة باب 102 "حديث رقم 689" من حديث أبي هريرة.
5 تقدمت ترجمته. راجع الحاشية 2 صفحة 45.

 

ص -128-      فصل: "في سجود السهو"
يسن سجدتان للسهو بأحد ثلاثة أسباب:
الأول: ترك كلمة من التشهد الأول أو القنوت في الصبح، أو وتر نصف رمضان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بذلك وقال:
"فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان"1 أي فليدفعه بالتدريج كالصائل2 ولا يزيد على مرتين وإلا بطلت صلاته إن والى، ويسن لغير المصلي دفعه أيضًا. "ويحرم المرور" بينه وبين سترته "حينئذ" أي حين استيفائها للشرط ولو لضرورة وإن لم يجد المار سبيلا غيره لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خريفًا خيرًا له من أن يمر بين يدي المصلي"3, وهو مقيد بالاستتار بشرطه المعلوم من الأخبار السابقة، ولا يحرم المرور "إلا إذا" لم يقصر المصلي فإن قصر بأن "صلى على قارعة الطريق" أو شارع أو درب يضيق أو باب مسجد أو نحوها كالمحل الذي يغلب مرور الناس فيه في تلك الصلاة ولو في المسجد كالمطاف لم يحرم المرور بين يديه "و" يحرم المرور في غير ما ذكر "إلا" إذا كان "لفرجة في الصف المتقدم" فله المرور بين يدي المصلي ليصلي فيها وإن تعددت الصفوف بينه وبينها لتقصيرهم بالوقوف خلفها مع وجودها، وحيث انتفى شرط من شروط السترة السابقة جاز المرور وحرم الدفع، ولو أزيلت سترته حرم المرور على من علم بها بخلاف من لم يعلم بها لعدم تقصيره، ويظهر أن مثله ما لو استتر بسترة يراها مقلده ولا يراها مقلد المار.
فصل: في سجود السهو
"يسن سجدتان للسهو" في الفرض والنفل للأحاديث الآتية. وإنما يسن "بأحد ثلاثة أسباب: الأول ترك كلمة التشهد الأول" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم تركه ناسيًا وسجد قبل أن يسلم4، وقيس بالنسيان العمد بل خلله أكثر، والمراد به اللفظ الواجب في الأخير فقط كالقنوت، ولو نوى أربع ركعات وقصد أن يتشهد بتشهدين فترك أولهما لم يسجد لأنه ليس سنة مطلوبة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في بدء الخلق باب 11، ومسلم في الصلاة حديث 258، 259، 260، وأبو داود في الصلاة باب 107، والنسائي في القبلة باب 8، والقسامة باب 48، والدارمي في الصلاة باب 125، ومالك في السفر حديث 33، وأحمد في المسند "2/ 86، 3/ 34، 44".
2 الصائل: يقال: صال عليه صولا وصولانًا: سطا عليه ليقهره " المعجم الوسيط ص529".
3 رواه من حديث أبي جهيم: البخاري في الصلاة باب 101 "حديث 510", ومسلم في الصلاة حديث 261، وأبو داود في الصلاة باب 108، والترمذي في المواقيت باب 134، والنسائي في القبلة باب 8، والدارمي في الصلاة باب 130، ومالك في السفر حديث 34، 35، وأحمد في المسند "4/ 169".
4 رواه الشيخان وغيرهما.

 

ص -129-      الأخير أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، أو القنوت أو الصلاة على الآل في التشهد الأخير.
الثاني: فعل ما لا يبطل سهوه ويبطل عمده كالكلام القليل ناسيًا، أو زيادة ركن فعلي ناسيًا كالركوع، ولا يسجد لما لا يبطل سهوه ولا عمده كالالتفات، والخطوة الخطوتين، إلا إن قرأ في غير محل القراءة كالركوع أو تشهد في غير محله، أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في غير محله، فيسجد سواء فعله سهوًا أو عمدًا، ولو نسي التشهد الأول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لذاتها في محل مخصوص، "أو" كلمة من "القنوت" الراتب وهو الذي "في الصبح أو وتر نصف رمضان الأخير، قياسًا على التشهد الأول دون قنوت النازلة لأنه عارض قيامه وقعود التشهد الأول مثلهما فيسجد لكل منهما وحده لأن لا يحسنهما, لأنه يسن له حينئذ أن يجلس ويقف بقدرهما. "أو" ترك "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" أو الجلوس لها "في التشهد الأول" لأنها ذكر يجب الإتيان به في الأخير فيسجد لتركه في الأول كالتشهد، "أو" ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو على آله وأصحابه أو القيام لها في "القنوت" قياسًا على ما قبلها. "أو" ترك "الصلاة على الآل" أو الجلوس لها "في التشهد الأخير" قياسًا على ذلك أيضًا، وصورة السجود لتركها أن يتقين ترك إمامه لها بعد أن يسلم إمامه وقبل أن يسلم هو أو بعد أن سلم ولم يطل الفصل.
"الثاني" من الأسباب "فعل ما لا يبطل سهوه" الصلاة "ويبطل عمده كالكلام القليل ناسيًا" أو الأكل القليل ناسيًا "أو زيادة ركن فعلي ناسيًا كالركوع" وتطويل نحو الاعتدال بغير مشروع ناسيًا لما صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا وسجد للسهو بعد السلام1 وقيس غير ذلك عليه، بخلاف ما يبطل سهوه أيضًا كالكلام والعمل الكثيرين لأنه ليس في صلاة. "ولا يسجد لما لا يبطل سهوه ولا عمده كالالتفات والخطوة والخطوتين" لا لعمده ولا لسهوه لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسجد للفعل القليل ولا أمر به مع كونه فعله "إلا إن قرأ" الفاتحة أو السورة "في غير محل القراءة كالركوع" والاعتدال "أو تشهد في غير محله" كالجلوس بين السجدتين "أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في غير محله" كالركوع "فيسجد" لذلك "سواء فعله سهوًا أو عمدًا" لتركه التحفظ المأمور به في الصلاة فرضها ونفلها أمرًا مؤكدًا كتأكد التشهد الأول، نعم لو قرأ السورة قبل الفاتحة لم يسجد لأن القيام محلها في الجملة، ويقاس به ما لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم قبل التشهد، وقضية كلام المصنف أن التسبيح ونحوه من كل مندوب قولي مختص بمحل لا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى البخاري في السهو باب 2 "حديث 1226" ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 93" عن عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: "وما ذاك؟ قال: صليت خمسًا. فسجد سجدتين بعدما سلم. اللفظ للبخاري.

 

ص -130-      فذكره بعد انتصابه لم يعد إليه، فإن عاد عالمًا بتحريمه عامدًا بطلت أو ناسيًا أو جاهلا، فلا، ويسجد للسهو، ويجب العود لمتابعة إمامه، وإن تذكر قبل انتصابه عاد، ولو تركه عامدًا فعاد إليه بطلت إن كان إلى القيام أقرب، ولو نسي القنوت فذكره بعد وضع جبهته لم يرجع له أو قبله عاد وسجد للسهو إن بلغ حد الراكع.
الثالث: إيقاع ركن فعلي مع التردد فيه، فلو شك في ركوع أو سجود أو ركعة أتى به

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يسجد لنقله إلى غير محله واعتمده بعضهم لكن اعتمد الإسنوي وغيره أنه لا فرق، نعم نقل السلام وتكبيرة الإحرام عمدًا مبطل، وأفهم كلامهم أن السجود لما ذكر مستثنى من مفهوم قولهم ما لا يبطل عمده لا سجود لسهوه ولا لعمده، ويضم إليها صور كثيرة كالقنوت قبل الركوع بنيته، وكتفريقهم في الخوف1 غير التفريق الآتي المأمور به. "ولو نسي" الإمام أو المنفرد "التشهد الأول" وحده أو مع قعوده "فذكره بعد انتصابه" أي قيامه "لم يعد إليه" لتلبسه بفرض فلا يقطعه لسنة "فإن عاد عالمًا بتحريمه عامدًا بطلت" صلاته لتعمده زيادة قعود "أو" عاد "ناسيًا" أنه في الصلاة "أو جاهلا" بتحريم العود "فلا" بطلان لعذره وعليه أن يقوم إذا ذكر "ويسجد للسهو" لأن عمد فعله هذا مبطل، أما المأموم فإن انتصب إمامه فتخلف عامدًا عالمًا ولم ينو مفارقته بطلت صلاته لفحش المخالفة ولا يعود ولو عاد إمامه لأنه إما متعمد فصلاته باطلة أو ساه والساهي لا يجوز متابعته فيفارقه أو ينتظره، فإن عاد عامدًا عالمًا بطلت صلاته، وإن انتصب هو وجلس إمامه للتشهد فإن كان ساهيًا لم يعتد إذ لا قصد له. "ويجب" عليه "العود لمتابعة إمامه" فإن لم يعد بطلت إن علم وتعمد أو عامدًا سن له العود لأن له قصدًا صحيحًا، وكما أن المتابعة فرض كذلك القيام فرض وإنما تخير من ركع قبل إمامه سهوًا لعدم فحش المخالفة. "وإن تذكر" الإمام أو المنفرد ترك التشهد الأول "قبل انتصابه" أي استوائه قائمًا "عاد" له ندبًا لأنه لم يلتبس بفرض. "ولو تركه" أي غير المأموم التشهد الأول "عامدًا فعاد إليه" عامدًا عالمًا "بطلت" صلاته "إن كان" وقت العود "إلى القيام أقرب" منه إلى القعود لقطعه نظم الصلاة بخلاف ما إذا عاد وهو إلى القعود أقرب أو كانت نسبته إليهما على السواء لكن بشرط أن يقصد بالنهوض ترك التشهد ثم يبدو له العود، أما لو زاد هذا النهوض عمدًا لا لمعنى فإن صلاته تبطل بذلك، والقنوت كالتشهد في جميع ما ذكر، "و" منه أنه "لو نسي" غير المأموم "القنوت فذكره بعد وضع جبهته" للسجود "لم يرجع له" لتلبسه بفرض "أو قبله" أي قبل وضعها على الأرض، وإن وضع بقية أعضاء السجود "عاد" ندبًا لعد تلبسه بفرض "وسجد للسهو إن بلغ حد الراكع" لزيادة ما يبطل تعمده فإن لم يبلغه لم يسجد.
"الثالث" من الأسباب "إيقاع ركن فعلي مع التردد فيه فلو شك" أي تردد مع استواء أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي في صلاة الخوف.

 

ص -131-      وسجد وإن زال الشك قبل السلام إلا إذا زال الشك قبل أن يأتي بما يحتمل الزيادة، فلو شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا لزمه أن يبني على الأقل، وإذا زال الشك في غير الأخيرة لم يسجد أو فيها سجد، ولا يضر الشك بعد السلام في ترك ركن إلا النية وتكبيرة الإحرام والطهارة، ويسجد المأموم لسهو إمامه المتطهر وإمامه، وإن تركه الإمام أو أحدث قبل إتمامها إلا إن علم المأموم خطأ إمامه فلا يتابعه، ولا يسجد المأموم لسهو نفسه خلف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رجحان "في" ترك شيء معين من "ركوع أو سجود أو ركعة أتى به" وجوبًا لأن الأصل عدم فعله "وسجد" لتردده في زيادة ما أتى به. "وإن زال الشك قبل السلام" لتردده حال الفعل وهو مضعف للنية "إلا إذا زال الشك قبل أن يأتي بما يحتمل الزيادة" فلا يسجد؛ لأن ما فعله واجب على كل تقدير فلم يؤثر في التردد. "فلو شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا لزمه أن يبني على الأقل" وإن أخبره كثيرون بأنه صلى أربعًا إذ لا يجوز له الرجوع إلى قول غيره في النقص ولا في الزيادة لبطلان الصلاة بكل منهما، بخلاف نحو الطواف له الأخذ بإخبار غيره بالنقص، "وإذا" تردد ثم "زال الشك" فإن كان قد زال "فيها" أي في الأخيرة "سجد" لأن ما فعله منها قبل التذكر يحتمل الزيادة، فلو شك في ترك بعض معين سجد أخرى أو في ارتكاب منهي فلا، أو هل سجد للسهو أو لا سجد له، أو هل سجد له سجدتين أو واحدة سجد أخرى عملا بالأصل في جميع ذلك. والحاصل أن المشكوك فيه كالمعدوم غالبًا. "و" من غير الغالب أنه "لا يضر الشك بعد السلام في ترك ركن" لأن الظاهر مضي الصلاة على التمام "إلا النية وتكبيرة الإحرام" فإنه يضر الشك فيهما ولو بعد السلام فتلزمن الإعادة لأنه شك فيما به الانعقاد فتلزمه الإعادة، كما لو شك هل نوى الفرض أو النفل أو هل صلى أو لا؟ "و" إلا الشك في "الطهارة" وغيرها من بقية الشروط على ما في موضع المجموع1، لكن المعتمد ما فيه في موضع آخر وفي غيره من أنه لا يضر الشك فيه بعد تيقن وجود عند الدخول في الصلاة إلا في الطهارة فإنه يكفي تيقن وجودها ولو قبل الصلاة لقولهم: يجوز الدخول فيها بطهر مشكوك فيه. "ويسجد المأموم لسهو" وعمد "إمامه المتطهر وإمامه" أي إمام إمامه المتطهر أيضًا وإن كان سهو إمامه أو إمام إمامه قل القدوة لتطرق الخلل فيهما لصلاته من صلاة إمامه ومن ثم يسجد. "وإن تركه الإمام" فلم يسجد "أو" بطلت صلاة الإمام كأن "أحدث قبل إتمامها" وبعد وقوع السهو منه أو فارقه، أما المحدث فلا يلحقه سهوه إذ لا قدوة في الحقيقة وإن كانت الصلاة خلف المحدث جماعة لأن ذلك بالنسبة لحصول الثواب فضلًا لا ليترتب عليه أحكامها، وعند سجود الإمام المتطهر يلزم 0المأموم متابعته فيه مسبوقًَا كان أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المجموع شرح المهذب للنووي. راجع ص22 حاشية 3.

 

ص -132-      إمامه المتطهر، ولو ظن سلام إمامه فسلم فبان خلافه أعاد السلام معه ولا سجود، ولو تذكر المأموم في تشهده ترك ركن غير النية وتكبيرة الإحرام صلى ركعة بعد سلام إمامه ولا يسجد أو شك في ذلك أتى بركعة بعد سلام إمامه وسجد، وإذا سجد إمامه لزمه متابعته، فإن كان المأموم مسبوقًا سجد معه وجوبًا إن سجد، ويستحب أن يعيده في آخر صلاة نفسه، وسجود السهو وإن كثر سجدتان كسجود الصلاة، ومحل سجود السهو بين التشهد والسلام ويفوت بالسلام عامدًا وكذا ناسيًا إن طال الفصل، فإن قصر عاد إلى السجود.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موافقًا، فإن تخلف عامدًا عالمًا بطلت صلاته وإن جهل سهوه "إلا إن علم المأموم خطأ إمامه" في السجود للسهو بأن علم أن سجد لغير مقتض كنهوض قليل "فلا يتابعه" فيه اعتبارًا بعقيدته، نعم يلحقه سهوه بسجوده لذلك فيسجد له، ولو علم غلطه وهو ساجد معه لزمه العود إلى الجلوس، ثم إن شاء فارقه وسجد أو انتظر سلامه ثم يسجد ويتصور علم المأموم بغلط الإمام في ذلك بقوله له ذلك بعد سلامه أو بكتابته أو بخبر معصوم لا بغير ذلك لاحتمال أنه شك في فعل بعض معين وذلك يقتضي السجود، وإن علم المأموم أنه أتى به فيلزمه موافقته فيه. "ولا يسجد المأموم لسهو نفسه خلف إمامه المتطهر" لأنه يتحمل عنه سهوه في حال قدوته كما يتحمل عنه القنوت وغيره، أما المحدث فلا يتحمل عنه لما مر، وخرج بقوله خلف إمامه ما لو سها منفردًا ثم اقتدى به فإنه لا يتحمله وإنما لحقه سهو إمامه ولو قبل الاقتداء به لأنه قد عهد تعدي الخلل من صلاة الإمام إلى صلاة المأموم دون عكسه. "ولو ظن" المأموم "سلام إمامه فسلم فبان خلافه" أي خلاف ظنه "أعاد السلام معه" أي مع إمامه أو بعده لامتناع تقدمه على سلام إمامه. "ولا سجود" لأنه سهو حال القدوة كما لو نسي نحو الركوع فإنه يأتي بركعة بعد سلام إمامه ولا يسجد سواء تذكره قبل سلام إمامه أم بعده، بخلاف ما لو سلم المسبوق بعد سلام الإمام سهوًا فإنه يسجد لأنه سهو بعد انقطاع القدوة وبه فارق ما لو سلم معه. "ولو تذكر المأموم في تشهده ترك ركن" فإن كان النية أو تكبيرة الإحرام تبين بطلان صلاته كما مر، أو "بعد سلام إمامه" وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد وإلا لغا ما أتى به ولزمه العود إلى الجلوس وإن كان الإمام قد سلم ثم القيام إلى الإتيان بما بقي عليه. "ولا يسجد" للسهو فيما إذا أتى بالركعة بعد سلام إمامه لوجود سهود حال القدوة "أو شك في ذلك" أي في ترك ركن غير النية وتكبيرة الإحرام "أتى بركعة بعد سلام إمامه" أيضًا "وسجد" ندبًا لأن ما فعله مع التردد محتمل للزيادة. "وإذا سجد إمامه" للسهو "لزمه متابعته" كما مر مع ما يستثنى منه. "فإن كان المأموم مسبوقًا سجد معه وجوبًا إن سجد" لأجل المتابعة، "ويستحب أن يعيده" أي سجود السهو "في آخر صلاة نفسه" لأنه محل السجود. "وسجود السهو وإن كثر" السهو من نوع أو أكثر "سجدتان" للاتباع "كسجود الصلاة" أي كسجدتيها في الأقل والأكمل وما يندب فيهما وما بينهما، فإن سجد واحدة بنية الاقتصار

 

ص -133-      فصل: "في سجود التلاوة"
يسن سجود التلاوة للقارئ والمستمع والسامع عند قراءة آية سجدة إلا لقراءة النائم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليها ابتداء بطلت صلاته بخلاف ما إذا بدا له الاقتصار عليها بعد فراغها ولا بد من نية سجود السهو. "ومحل سجود السهو" سواء سها بنقص أو بزيادة أو بهما "بين التشهد" وما يتبعه من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن الدعاء "والسلام" بحيث لا يتخلل بينه وبين السلام شيء فلا يجوز فعله بعد السلام لأن فعله قبله هو آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم1 كما قاله الزهري، ولو اقتدى بمن يراه بعد السلام وتوجه على المأموم سجود سهو في اعتقاده سجد هو قبل سلامه وبعد سلام الإمام اعتبارًا بعقيدته ولا ينتظره الموافق ليسجد معه لأنه فارقه بسلامه، وقد يتعدد السجود صورة لا حكمًا كما مر في مسألة المسبوق.
"ويفوت" السجود "بالسلام عامدًا" بأن كان ذاكرًا للسهو عالمًا بأن محله قبل السلام لفوات محله ولا عذر فلا يعود إليه وإن قرب الفصل. "وكذا" يفوت بالسلام "ناسيًا إن طال الفصل" عرفًا بين السلام وتيقن الترك بأن مضى زمن يغلب على الظن أنه ترك السجود قصدًا أو نسيانًا لفوات محله ولتعذر البناء بالطول، وكذا لو لم يرده وإن قرب الفصل "فإن قصر" وأراده "عاد إلى السجود" ندبًا بلا إحرام إن لم يطرأ مناف كخروج وقت الجمعة للاتباع، وإذا عاد إليه بأن وضع جبهته بالأرض ولو من غير طمأنينة صار عائدًا إلى الصلاة وبان أنه لم يخرج منها حتى يحتاج إلى سلام ثان وتبطل بطرو مناف كالحدث بعد العود وتصير الجمعة ظهرًا إن خرج وقتها بعد العود ويحرم إن علم ضيق وقت الصلاة لإخراج بعضها عن الوقت.
فصل: في سجود التلاوة
وهو في أربع عشرة آية منها سجدتا الحج وثلاث في المفصل في النجم والانشقاق واقرأ.
"يسن سجود التلاوة للقارئ" للاتباع "والمستمع" أي قاصد السماع "والسامع عند قراءة آية سجدة" لما صح من سجود الصحابة رضوان الله عليهم لقراءته صلى الله عليه وسلم2 وهو للمستمع آكد وخرج الأصم فلا يسجد وإن علم سجود القارئ، ولا يجوز لمن ذكر إلا عند آخر الآية،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى البخاري في السهو باب 1 "حديث 1224" عن عبد الله ابن بحينة أنه قال: "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم".
2 روى أبو داود عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه".

 

ص -134-      والجنب والسكران والساهي، ويتأكد للمستمع إن سجد القارئ ولا يسجد المصلي لغير قراءة نفسه إلا المأموم فيسجد إن سجد إمامه وإلا بطلت صلاته، ويتكرر السجود بتكرر القراءة ولو في مجلس وركعة إلا قرأها في وقت الكراهة أو في الصلاة بقصد السجود فقط فلا يسجد فإن فعل بطلت صلاته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأصح أن آخرها في النحل:
{يُؤْمَرُونَ}1، وفي النمل: {الْعَظِيمِ}2، وفي ص: {وَأَنَابَ}3، وفي حم السجدة: {يَسْأَمُونَ}4، وفي الانشقاق: {يَسْجُدُونَ}5، والبقية لا خلاف فيها
وإلا عند مشروعية القراءة، فيسجد كل من ذكر لقراءة كافر حلت له بأن رجي إسلامه ولم يكن معاندًا وصبي ومحدث ومصل قرأ في القيام وتارك لها وملك وجني ولكل قراءة "إلا لقراءة النائم والجنب والسكران والساهي" ونحو الدرة6 من الطيور المعلمة فلا يسن السجود لسماع قراءتهم لعدم مشروعيتها وعدم قصدها فالشرط حل القراءة والسماع أي عدم كراهتهما وإن لم يندبا. "ويتأكد" السجود "للمستمع" أكثر منه للسامع ولهما "إن سجد القارئ" لما قيل: إن سجودهما متوقف على سجوده ولهما الاقتداء به. "ولا يسجد المصلي لغير قراءة نفسه" من مصل وغيره وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد "إلا المأموم فيسجد إن سجد إمامه" وإن لم يسمع قراءته "وإلا" بأن سجد دون إمامه ولو لقراءة إمامه أو تخلف عنه في سجوده لها وإن لم يسمع قراءة "بطلت صلاته" إن علم وتعمد فيهما ولم ينو المفارقة في الثانية ولو علم والإمام في السجود فرفع وهو هاو رفع معه ولا يسجد، أما المصلي المستقل بأن كان إمامًا أو منفردًا فيسجد لقراءة نفسه في القيام ولو قبل الفاتحة ولا يكره له قراءة آيتها بخلاف المأموم، ويكره لكل مصل الإصغاء إلى قراءة غيره إلا المأموم لقراءة إمامه، ويسن للإمام تأخير السجود في السرية7 إلى السلام. "ويتكرر السجود" ندبًا "بتكرر القراءة ولو في مجلس وركعة" لتجدد السبب مع توفية حكم الأول، فإن لم يوفه كفى لهما سجدة، ومن يكرر للحفظ كغيره، وإنما يسن للإمام التكرير للسجود إن أمن التشويش على المأمومين وإلا لم يسن له ذلك، ويسن أن يسجد حيث قرأ آية السجدة على ما مر. "إلا إذا قرأها في وقت الكراهة" ليسجد في وقت الكراهة فلا يسجد لحرمتها فيه كما مر. "أو" قرأها "في الصلاة بقصد السجود فقط فلا يسجد" لعدم مشروعيتها حينئذ "فإن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآية 50 من سورة والنحل:
{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
2 الآية 26 من سورة النمل:
{اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}.
3 الآية 24 من سورة ص:
{وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}.
4 الآية 38 من سورة فصلت:
{يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ}.
5 الآية 21 من سورة الانشقاق:
{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ}.
6 الدرة: الببغاء الصغيرة "المعجم الوسيط: ص279".
7 أي القراءة السرية غير الجهرية.

 

ص -135-      فصل: "في سجود الشكر"
ويسن سجود الشكر عند هجوم نعمة واندفاع نقمة لرؤية فاسق متظاهر، ويظهرها للمتظاهر أو رؤية مبتلى ويسرها، ويستحب في آية "ص" في غير الصلاة، فإن سجد فيها عامدًا عالمًا بالتحريم بطلت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعل" عامدًا عالمًا "بطلت صلاته" لأنه زاد فيها ما هو من جنس بعض أركانها تعديًا، بخلاف ما لو ضم إلى قصد السجود قصدًا صحيحًا من مندوبات القراءة أو الصلاة فإنه لا بطلان لمشروعية القراءة والسجود حينئذ، ولا بد في سجدتي التلاوة والشكر من شروط الصلاة والنية مع تكبيرة الإحرام والسلام إن كانت سجدتي التلاوة خارج الصلاة ويسن فيهما سائر سنن الصلاة التي يتأتى مجيئها هنا.
فصل: في سجود الشكر
"ويسن سجود الشكر عند هجوم1 نعمة" ظاهرة من حيث لا يحتسب سواء توقعها قبل ذلك أم لا، وسواء كانت له أم لنحو ولد أم لعامة المسلمين، وذلك كحدوث معرفة أو ولد أو نحو أخ أو جاه أو مال وإن كان له مثله وقدوم غائب ونصر على عدو. "واندفاع نقمة" ظاهرة من حيث لا يحتسب توقعها أم لا عمن ذكر2 كنجاة من نحو غرق أو حريق وكستر المساوي لما صح "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسر به خر ساجدًا"3، وخرج بالظاهرتين ما لا وقع له عادة كحدوث درهم وعدم رؤية عدو حيث لا ضرر فيها، وبما بعده: ما لو تسبب فيهما تسببًا تقضي العادة بحصولهما عقبه ونسبتهما إليه فلا سجود حينئذ، فعلم أنه لا نظر لتسببه في حصول الولد بالوطء والعافية بالدواء وبالهجوم المراد به الحدوث استمرار النعم واندفاع النقم فلا يسجد له لاستغراقه العمر في السجود. "و" يسن أيضًا "لرؤية فاسق متظاهر" بفسقه ومنه الكافر قياسًا على سجوده صلى الله عليه وسلم لرؤية المبتلى الآتي4، ومصيبة الدين أشد من مصيبة الدنيا فطلب منه السجود شكرًا على السلامة من ذلك. "ويظهرها للمتظاهر" المذكور حيث لم يخف منه فتنة أو مفسدة لعله يتوب، وفي بعض النسخ فاسق متظاهر ظاهرًا وهي أحسن "أو رؤية مبتلى" ببلية في نحو بدنه أو عقله للاتباع. "ويسرها" ندبًا لئلا يتأذى بالإظهار، نعم إن كان غير معذور كمقطوع في سرقة ومجلود في زنى ولم يعلم توبته أظهرها له، وكرؤية من ذكر سماع صوته. "ويستحب" سجود الشكر "في" قراءة "آية ص في غير الصلاة"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هجوم النعمة: حصولها بغتة.
2 أي نحو ولد أو أخ... إلخ.
3 رواه أبو داود في الجهاد باب 162 "حديث 2774" وابن ماجه في الإقامة باب 192، من حديث أبي بكر.
4 بعد سطرين؛ وهو قوله: أو رؤية مبتلى... للاتباع، وقد روي هذا الحديث البيهقي في السنن الكبرى.

 

ص -136-      فصل: "في صلاة النفل"
أفضل الصلاة المسنونة صلاة العيدين، ثم الكسوف ثم الخسوف، ثم الاستسقاء، ثم الوتر، وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة بالأوتار، ووقته بين العشاء وطلوع الفجر،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للاتباع1 وشكرًا على قبول توبة داود صلى الله علي نبينا وعليه وسلم ويحرم فيها "فإن سجد فيها" لها "عامدًا عالمًا بالتحريم بطلت" صلاته وإن كان تابعًا لإمامه الذي يراها فيها أو ناسيًا أو جاهلًا فلا يسجد للسهو، وإذا سجدها إمامه فارقه أو انتظره قائمًا.
فرع: يحرم التقرب إلى الله تعالى بسجدة من غير سبب ولو بعد صلاة وسجود الجهلة بين يدي مشايخهم حرام اتفاقًَا ولو بقصد التقرب إلى الله تعالى وفي بعض صوره ما يكون كفرًا.
فصل: في صلاة النفل
وهو لغة: الزيادة، وشرعًا: ما عدا الفرض. وهو كالسنة والمندوب والمستحب والمرغب فيه والحسن ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
"أفضل" عبادات البدن بعد الشهادتين "الصلاة" ففرضها أفضل الفروض وتطوعها أفضل التطوع، ولا يرد الاشتغال بالعلم وحفظ القرآن لأنهما فرض كفاية.
وأفضل الصلاة "المسنونة صلاة العيدين" الأكبر والأصغر لشبههما الفرض في الجماعة وتعيين الوقت وللخلاف في وجوبهما على الكفاية وتكبير الأصغر أفضل من تكبير الأضحى للنص عليه. "ثم الكسوف" للشمس "ثم الخسوف" للقمر للاتفاق على مشروعيتهما بخلاف الاستسقاء وتقديم كسوف الشمس لتقدمها في القرآن2 والأخبار3 ولأن الانتفاع بها أكثر من الانتفاع به، "ثم الاستسقاء" لتأكد طلب الجماعة فيها ولعموم نفعها. "ثم الوتر" للخلاف في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى النسائي في الافتتاح باب 48: أنه صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال:
"سجدها نبي الله داود توبة ونسجدها شكرًا". ورواه أيضًا الطبراني في المعجم الكبير "12/ 34" والبيهقي في السنن الكبرى "2/319" وعبد الرزاق في مصنفه "5870" والدارقطني في سننه "1/ 207".
2 أي أن ذكر الشمس يتقدم غالبًا في القرآن على ذكر القمر، كقوله تعالى في الأنعام 96:
{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا}، وقوله في الأعراف 54: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ}، وقوله في يونس 5: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا}، إلى آيات كثيرة غيرها مثل: يوسف "24" والرعد "2" وإبراهيم "33" والنحل "12" والأنبياء "33" والحج "18" والعنكبوت "61" ولقمان "29" وفاطر "13"... إلخ.
3 كقوله صلى الله عليه وسلم:
"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله"، وقوله: "إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد".

 

ص -137-      وتأخيره بعد صلاة الليل أو إلى آخر الليل إذا كان يستيقظ أفضل، ويجوز وصله بتشهد أو بتشهدين في الأخيرتين، وإذا أوتر بثلاث يقرأ في الأولى سورة الأعلى، وفي الثانية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجوبه بخلاف سائر الرواتب، "وأقله ركعة" لكن الاقتصار عليها خلاف الأولى. "وأكثره إحدى عشرة" ركعة للأخبار الصحيحة1 في ذلك وما بينهما أوسطه. وإنما يفعل "بالأوتار" إما ثلاثًا وهي أدنى الكمال أو خمسًا أو سبعًا أو تسعًا وكل أكمل مما قبله، ولا تجوز الزيادة على إحدى عشرة بنية الوتر، ورواية "أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس عشرة" حسب فيها سنة العشاء ركعتان خفيفتان كان يفتتح بهما صلاة الليل ومن ثم كانتا سنة غير الوتر. "ووقته بين" فعل صلاة "العشاء" وإن جمعها تقديمًا "وطلوع الفجر" الصادق للإجماع، ثم إن أراده قبل النوم كان وقته المختار إلى ثلث الليل وإلا فهو آخر الليل. "وتأخيره بعد صلاة الليل" من نحو راتبة أو تراويح أو تهجد وهو الصلاة بعد النوم أو صلاة نفل مطلق قبل النوم أو فائتة أراد قضاءها ليلًا أفضل من تقديمه عليها سواء كان ذلك بعد النوم أو قبله لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا"2 "أو" تأخيره "إلى آخر الليل" فيما "إذا كان" من عادته أنه "يستيقظ" له آخره بنفسه أو غيره "أفضل" من تقديمه أوله لخبر مسلم بذلك3، وعليه يحمل إطلاق بعض الأخبار أفضلية التقديم وبعضها أفضلية التأخير، ويتأتى هذا التفصيل فيمن له تهجد يعتاده ثم الوتر إن فعل بعد نوم حصلت به سنة التهجد أيضًا وإلا كان وترًا لا تهجدًا فبينهما عموم وخصوص من وجه. "ويجوز وصله" أي الوتر لكن "بتشهد" في الركعة الأخيرة وهو أفضل "أو بتشهدين في الأخيرتين" لثبوت كل منهما لا بأكثر من تشهدين ولا بهما في غير الأخيرتين لأنه خلاف الوارد، والفصل بالسلام من كل ركعتين إن أوتر بثلاث فأكثر أفضل من الوصل بقسميه لأنه أكثر أخبارًا وعملا. "وإذا أوتر بثلاث" فالسنة أنه "يقرأ" بعد الفاتحة "في"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 منها ما رواه البخاري في التهجد باب 16 عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة؛ يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا. قال عائشة: فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال:
"يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي".
2 رواه البخاري في الصلاة باب 4 "حديث 472" عن ابن عمر قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: ما ترى في صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى؛ فإذا خشع الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى" وإنه كان يقول:
"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا"، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ورواه البخاري أيضًا بالأرقام "473 و990 و993 و995 و1137" ورواه أيضًا مسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 148".
3 رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 162" عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر لأوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل".

 

ص -138-      الكافرون: وفي الثالثة المعوذات، ثم يتلو الوتر في الفضيلة ركعتا الفجر، ثم ركعتان قبل الظهر أو الجمعة وركعتان بعدهما، وركعتان بعد المغرب وبعد العشاء، ثم التراويح وهي لغير أهل المدينة عشرون ركعة يسلم من كل ركعتين بين العشاء والفجر، ثم الضحى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الركعة "الأولى سورة الأعلى وفي الثانية" سورة "الكافرون وفي الثالث المعوذات" يعني: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}, والمعوذتين للاتباع. "ثم يتلو الوتر في الفضيلة ركعتا الفجر" لما صح من شدة مثابرته صلى الله عليه وسلم عليهما أكثر من غيرهما ومن قوله1:
"إنهما خير من الدنيا وما فيها"2 "ثم" الأفضل بعدهما بقية الرواتب المؤكدة فهي في مرتبة واحدة وهي عشر "ركعتان قبل الظهر أو الجمعة وركعتان بعدهما وركعتان بعد المغرب" كذا "بعد العشاء" للاتباع3 إلا في الجمعة فقياسًا على الظهر. ثم الرواتب المؤكدة وغيرها مما يأتي إن كانت قبلية دخل وقتها بدخول وقت الفرض ويجوز تأخيرها عنه وإن كانت بعدية لم يدخل وقتها إلا بفعل الفرض، ويجري ذلك بعد خروج الوقت أيضًا على الوجه، فلا يجوز تأخيرها عنه وإن كانت بعدية لم يدخل وقتها إلا بفعل الفرض، ويجري ذلك بعد خروج الوقت أيضًا على الأوجه، فلا يجوز تقديم البعدية على الفرض المقضي "ثم" يتلو هذه الرواتب العشر في الفضل "التراويح" وإن فعلت جماعة لمواظبته صلى الله عليه وسلم على الرواتب دونها "وهي لغير أهل المدينة" على مشرفها أفضل الصلاة والسلام "عشرون ركعة" في كل ليلة من رمضان بنية قيام رمضان أو سنة التراويح أو صلاة التراويح والإضافة فيهما للبيان لما صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى التراويح ليالي أربعًا فصلوها معه ثم تأخر وصلاها في بيته باقي الشهر، وقال: "خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها"4 وتعيين كونها عشرين جاء في حديث ضعيف لكن أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ورواية ثلاث وعشرين مرسلة5 أو حسب معها الوتر فإنهما كانوا يوترون بثلاث، أما أهل المدينة فلهم فعلها ستًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: ولما صح من قوله صلى الله عليه وسلم.
2 رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 96" عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها". ورواه أيضًا الترمذي في الصلاة باب 190.
3 روى البخاري في التهجد باب 25 "حديث 1165" عن ابن عمر قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد الجمعة وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء".
4 رواه البخاري في الجمعة باب 29 "حديث 924" وصلاة التراويح باب 1 "حديث 2012" ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 178" عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته؛ فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح. فلما قضي الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: "أما بعد، فإنه لم يخف على مكانكم لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها".
5 روى مالك في الموطأ، كتاب الصلاة في رمضان، باب ما جاء في قيام رمضان "حديث 5" عن يزيد بن رومان أنه قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة.

 

ص -139-      ركعتان إلى ثمان يسلم ندبًا من كل ركعتين بعد ارتفاع الشمس إلى الاستواء وتأخيرها إلى ربع النهار أفضل، ثم ركعتا الإحرام الطواف وركعتا التحية، ثم سنة الوضوء، وتحصل التحية بفرض أو نفل هو ركعتان أو أكثر نواها أو لا، وتتكرر بتكرر الدخول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثلاثين وإن كان اقتصارهم على العشرين أفضل ولا يجوز لغيرهم ذلك ويجوز فيها أن تكون مثنى فحينئذ "يسلم من كل ركعتين" فلو صلى أربعًا بتسليمة لم تصح لشبهها بالفرض في طلب جماعة فلا تغير عما ورد بخلاف سنة الظهر وغيرها من الرواتب فإنه يجوز جمع الأربع القبلية أو البعدية بتسليمة. ووقتها "بين" فعل صلاة "العشاء و" طلوع "الفجر" كالوتر "ثم" يتلوها في الفضيلة "الضحى" لمشروعية الجماعة في التراويح وأقلها "ركعتان" ويزاد عليهما فتفعل أشفاعًا "إلى ثمان" من الركعات فهي أفضلها وإن كان أكثرها اثنتي عشرة لحديث ضعيف1 فيه، وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعلها أحيانًا ويتركها2 كذلك فقول عائشة رضي الله عنها: "ما رأيته صلاها" وقول ابن عمر: إنها بدعة مؤول "يسلم ندبًا من كل ركعتين" للاتباع3، ويسن أن يقرأ فيها سورتي الشمس والضحى. ووقتها "بعد ارتفاع الشمس" كرمح تقريبًا "إلى الاستواء وتأخيرها إلى ربع النهار أفضل" لحديث صحيح4 فيه. "ثم" بعد الضحى "ركعتا الإحرام" بنسك ولو مطلقًا "وركعتا الطواف" وهما أفضل من ركعتي الإحرام للخلاف في وجوبهما "ثم" بعد الثلاثة "سنة الوضوء" وإن كان سببها متقدمًا وسبب سنة الإحرام متأخرًا ودليل ندبها الاتباع. "وتحصل التحية بفرض أو نفل هو ركعتان أو أكثرها نواها أو لا" لأن القصد أن لا ينتهك المسجد بلا صلاة، ثم المراد بحصولها بغيرها عند عدم نيتها سقوط الطلب وزوال الكراهة لا حصول الثواب لأن شرط النية فالمتعلق بالداخل حكمان: كراهة الجلوس قبل صلاة وتنتفي بأي صلاة كانت ما لم ينو عدم التحية، وحصول الثواب عليها وهو متوقف على النية، أما أقل من ركعتين كركعة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى الترمذي في الوتر باب 15، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها باب 187 "حديث 1380" عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من صلى الضحى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرًا من ذهب في الجنة".
2 روى الترمذي في الوتر باب 15 عن أبي سعيد قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها".
3 روى أبو داود في التطوع باب 12 "حديث 1290" عن أم هانئ بن أبي طالب: "أن رسول الله صلى الله عليه وسم الفتح صلى سبحة الضحى ثمان ركعان يسلم من كل ركعتين".
4 روى مسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 143 و144" وأحمد في المسند "4/ 366، 367، 372، 375" أن زيد بن أرقم رأى قومًا يصلون من الضحى، فقال: أما قد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"صلاة الأوابين حين ترمض الفصال". وبلفظ آخر: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون فقال: "صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال".

 

ص -140-      وتفوت بالجلوس عامدًا أو ناسيًا وطال الفصل، ويستحب زيادة ركعتين قبل الظهر، وقبل الجمعة وبعده وبعدها وأربع قبل العصر وركعتين قبل المغرب وقبل العشاء وعند السفر في بيته وعند القدوم في المسجد وصلاة الاستخارة والحاجة والتسبيح، ومن فاتته صلاة مؤقتة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسجدة تلاوة وشكر وصلاة جنازة فلا تحصل به لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين"1, والاشتغال بهما عن فرض ضاق وقته وعن فائتة وجب عليه فعلها فورًا حرام، وعن الطواف لمن دخل المسجد الحرام بقصده وقد تمكن منه، وعن الخطبة، وعن الجماعة ولو في نفل دخل وهي قائمة أو قرب قيامها مكروه قيل والمدرس كالخطيب بجامع التشوف2 إليه. "وتتكرر بتكرر الدخول" ولو على قرب للخبر السابق وإن لم يرد الجلوس "وتفوت" التحية "بالجلوس" قبل فعلها حال كونه عالمًا "عامدًا" وإن قصر الفصل "أو ناسيًا" أو جاهلا "وطال الفصل" بخلاف ما إذا قصر الفصل على المعتمد لعذره لا بالقيام وإن طال ولا بالجلوس بعد الإحرام بها قائمًا، ويكره دخول المسجد بغير وضوء، ويسن لمن لم يتمكن منها لحدث أو شغل أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أربعًا. "ويستحب زيادة" رواتب أخر غير ما مر لكنها ليست مؤكدة وهي فعل "ركعتين قبل الظهر و" ركعتين "قبل الجمعة و" ركعتين "بعده وبعدها" ركعتين "وأربع قبل العصر وركعتين قبل المغرب و" ركعتين "قبل العشاء" للاتباع في كل ذلك إلا الجمعة فقياسًا على الظهر. "و" من المندوب أيضًا ركعتان "عند" الخروج من المنزل ولو لغير "السفر" ويسن فعلهما "في بيته" للاتباع ويقرأ فيهما الكافرون والإخلاص. "و" ركعتان "عند القدوم" من السفر ويبدأ بهما "في المسجد" قبل دخوله منزله ويكفيانه عن ركعتي دخوله فإنهما سنة أيضًا وإن دخله من غير سفر، ويسن ركعتان أيضًا عقب الأذان وبعد طلوع الشمس وخروج وقت الكراهة وعند الزفاف لكل من الزوجين وبعد الزوال عقب الخروج من الحمام، ولمن دخل أرضًا لا يعبد الله فيها، وللمسافر كلما نزل منزلًا، وللتوبة ولو من صغيرة.
"وصلاة الاستخارة" أي طلب الخيرة فيما يريد أن يفعله ومعناها في الخير والاستخارة في تعيين وقته لا في فعله وهي ركعتان للاتباع3 ويقرأ فيهما ما مر ثم يدعو بعد السلام منهما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه من حديث أبي قتادة: البخاري في الصلاة باب 60 "حديث 444" والتهجد باب 25 "حديث 1163" ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 69، 70".
2 تشوف إلى الشيء: تطلع إليه.
3 عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول:
"إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك...". رواه البخاري في التهجد باب 25 والدعوات باب 49 والتوحيد باب 10، والترمذي في الوتر باب 18، وابن ماجه في الإقامة باب 188، وأحمد في المسند "3/ 344".

 

ص -141-      قضاها، ولا يقضى ما له سبب، ولا حصر للنفل المطلق، فإن أحرم بأكثر من ركعة فله أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدعائها المشهور1 ويسمي فيه حاجته وتحصل بكل صلاة كالتحية، فإن تعذرت استخار بالدعاء ويمضي بعدها لما ينشرح له صدره. "و" صلاة "الحاجة" وهي ركعتان لحديث فيها ضعيف2 وفي الإحياء3 أنها اثنتا عشرة ركعة فإذا سلم منها أثنى على الله سبحانه وتعالى بمجامع الحمد والثناء ثم صلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم سأل حاجته، وصلاة الأوابين وهي عشرون ركعة بين المغرب والعشاء. "و" صلاة "التسبيح" وهي أربع ركعات يقول في كل ركعة بعد الفاتحة والسورة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، زاد في الإحياء: ولا حول ولا قوة إلا بالله خمس عشرة مرة وفي كل من الركوع والاعتدال وكل من السجدتين والجلوس بينهما والجلوس بعد رفعه من السجدة الثانية في كل عشرة فذلك خمس وسبعون مرة في كل ركعة وقد علمها النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس رضي الله عنه وذكر له فيها فضلا عظيمًا منه:
"لو كانت ذنوبك مثل زبد البحر أو رمل عالج غفر الله لك"4, وحديثها ورد من طرق بعضها حسن، وذكر ابن الجوزي له في الموضوعات مردود، قال التاج السبكي5 وغيره: لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين أي ومن ثم ورد في حديثها "فإن استطعت أن تصليها كل يوم مرة وإلا ففي كل جمعة، وإلا ففي كل شهر، وإلا ففي كل سنة، وإلا ففي عمرك مرة".
ومن البدع القبيحة صلاة الرغائب أول جمعة من رجب وصلاة نصف شعبان وحديثهما باطل، وقد بالغ النووي وغيره في إنكارهما.
"ومن فاتته صلاة مؤقتة" بوقت مخصوص وإن لم تشرع جماعة أو اعتادها وإن لم تكن مؤقتة "قضاها" ندبًا وإن طال الزمان للأمر به وللاتباع في سنة الصبح والظهر القبلية. "ولا يقضي" نفل مطلق لم يعتده إلا إن شرع فيه وأفسده ولا "ما له سبب" كتحية وكسوف واستسقاء وغيرها مما يفعل لعارض إذ فعله لذلك العارض وقد زال، وينبغي لمن فاته ورده ولو غير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو الذي رواه البخاري في التهجد باب 25، والدعوات باب 49، والتوحيد باب 10، ولفظه:
"اللهم إني أستخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر -فيسميه، ما كان من شيء- خيرًا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمره فاقدره لي ويسره لي... إلخ". وهو من حديث جابر بن عبد الله.
2 رواه الترمذي في الوتر باب 17، وابن ماجه في الإقامة باب 189 "حديث 1384" عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"من كانت له حاجة إلى الله أو إلى أحد من خلقه فليتوضأ وليصل ركعتين ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم... إلخ".
3 "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي.
4 رواه الترمذي في الوتر باب 19, والدعوات باب 17، وابن ماجه في الإقامة باب 190، وأحمد في المسند "3/ 10".
5 تقدمت ترجمته. راجع الحاشية 2 صفحة 87.

 

ص -142-      يتشهد في كل ركعتين أو كل ثلاث أو أربع، ولا يجوز في كل ركعة، وله أن يزيد على ما نواه وينقص بشرط تغيير النية قبل ذلك، والأفضل أن يسلم من كل ركعتين، وطول القيام أفضل من عدد الركعات، ونفل الليل المطلق أفضل، ونصفه الأخير وثلثه الأوسط أفضل، ويكره

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صلاة أن يتداركه في وقت آخر لئلا تميل نفسه إلى الدعة والرفاهية. "ولا حصر للنفل المطلق" وهو ما لا يتقيد لوقت ولا سبب لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:
"الصلاة خير موضوع استكثر منها أو أقل"1, "فإن أحرم" في النفل المطلق "بأكثر من ركعة فله أن يتشهد في كل ركعتين أو" في "كل ثلاث أو" كل "أربع" لأن ذلك معهود في الفرائض في الجملة "ولا يجوز في كل ركعة" من غير سلام؛ لأنه اختراع صورة في الصلاة لم تعهد، ويسن أن يقرأ السورة ما لم يتشهد. "وله" في النفل المطلق إذا أحرم بعدد "أن يزيد على ما نواه و" أن "ينقص" عنه "بشرط تغيير النية قبل ذلك" أي قبل الزيادة والنقص فلو نوى أربعًا وسلم من ركعتين أو قام لخامسة قبل تغيير النية بطلت صلاته إن علم وتعمد، فلو قام لزيادة ناسيًا أو جاهلا, ثم تذكر أو علم قعد وجوبًا ثم قام للزيادة إن شاء. "والأفضل" فيه "أن يسلم من كل ركعتين" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"2 "وطول القيام" في سائر الصلوات "أفضل من عدد الركعات" للخبر الصحيح: "أفضل الصلاة طول القنوت"3, ولأن ذكره القرآن وهو أفضل من ذكر غيره، فلو صلى شخص عشرًا وأطال في قيامها وصلى آخر عشرين في ذلك الزمن كانت العشر أفضل على ما اقتضاه كلام المصنف وهو أحد احتمالات في الجوهر4. "ونفل الليل المطلق أفضل" من نفل النهار المطلق وعليه حمل خبر: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل"5 "ونصفه الأخير" إن قسمه نصفين أي الصلاة فيه أفضل منها في نصفه الأول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره المتقي الهندي في كنز العمال "رقم 18916" والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "3/ 361" وابن حجر في فتح الباري "2/ 479".
2 رواه أبو داود في التطوع باب 13 و24 و26، والترمذي في الصلاة باب 166، وابن ماجه في إقامة الصلاة باب 116، ومالك في صلاة الليل حديث 7، وأحمد في المسند "1/ 211، 2/ 5، 9، 10، 26، 51، 4/ 167".
3 رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث 164 و165، والترمذي في الصلاة باب 168، والنسائي في الزكاة باب 49، وابن ماجه في إقامة الصلاة باب 200، وأحمد في المسند "3/ 302، 391، 412، 4/ 385".
4 هو كتاب "جواهر البحرين في الفروع" لجمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي الشافعي المتوفى سنة 772هـ. انظر كشف الظنون "ص613".
5 رواه مسلم في الصيام "حديث 202" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". ورواه أيضًا الترمذي في المواقيت باب 207، والنسائي في قيام الليل باب 6، وأحمد في المسند "2/ 344".

 

ص -143-      قيام كل الليل دائمًا وتخصيص ليلة الجمعة بقيام، وترك تهجد اعتاده، وإذا استيقظ مسح وجهه ونظر إلى السماء وقرأ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، إلى آخر السورة، وافتتاح تهجده بركعتين خفيفتين، وإكثار الدعاء والاستغفار بالليل، وفي النصف الأخير والثلث الأخير أهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للخبر الصحيح:
"أفضل الصلاة بعد المكتوبة جوف الليل"1 "وثلثه الأوسط" إن قسمه أثلاثًا "أفضل" من ثلثيه الأول والأخير والأفضل من ذلك السدس الرابع والخامس للخبر الصحيح: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه"2 "ويكره قيام كل الليل دائمًا" للنهي فيه3 ولأن من شأنه أن يضر وخرج بدائمًا بعض الليالي كالليالي العشر4 الأخير من رمضان وليلتي العيدين5 للاتباع "و" يكره "تخصيص ليلة الجمعة بقيام" أي صلاة للنهي عنه6 "و" يكره "ترك تهجد اعتاده" ونقصه بلا ضرورة لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص: "لا تكن كفلان كان يقوم الليل ثم تركه"7 ويسن أن لا يخلي الليل من صلاة وإن قلت، وأن يوقظ من يطمع في تهجده إن لم يخف ضررًا. "وإذا استيقظ مسح" النوم عن "وجهه نظر إلى السماء وقرأ" قوله تعالى في أواخر آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، إلى آخر السورة وأن ينام من له تهجد وقت القيلولة، وأن ينام أو يستريح من نعس أو فتر في صلاته. "وافتتاح تهجده بركعتين خفيفتين" للاتباع كما مر. "وإكثار الدعاء والاستغفار بالليل" لخبر مسلم: "إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم في الصيام "حديث 203" عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم".
2 رواه البخاري في أحاديث الأنبياء باب 38، والتهجد باب 7، ومسلم في الصيام حديث 188 و189 و201، وأبو داود في الصوم باب 66، والنسائي في الصيام باب 69، وابن ماجه في الصيام باب 31، والدارمي في الصوم باب 42، وأحمد في المسند "2/ 160، 206".
3 وهو الحديث الذي رواه البخاري في الصوم باب 55 "حديث 1975" عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟" فقلت: بلى يا رسول الله. قال: "فلا فلا تفعل، صم وأفطر وقم ونم... إلخ" ورواه أيضًا مسلم في الصيام "حديث 188" ولفظه: "... فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عيناك ونفهت نفسك... إلخ".
4 روى البخاري في ليلة القدر باب 5, ومسلم في الاعتكاف حديث 7، وأبو داود في رمضان باب 1، والنسائي في قيام الليل باب 17، وابن ماجه في الصيام باب 57، وأحمد في المسند "6/ 41، 67، 68، 146" من حديث عائشة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره... إلخ".
5 روى ابن ماجه في الصيام باب 68 "حديث 1782" عن أبي أمامه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من قام ليلتي العيدين محتسبًا لله لم يمت قلبه يوم تموت القلوب".
6 روى مسلم في الصيام "حديث 148" عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام؛ إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم".
7 رواه البخاري في التهجد باب 19، ومسلم في الصيام حديث 185.

 

ص -144-      فصل: "في صلاة الجماعة وأحكامها"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يسأل الله تعالى خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه"1, وذلك كل ليلة لأن الليل محل الغفلة. "و" ذلك "في النصف الأخير والثلث الأخير أهم" للخبر الصحيح: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له"2, ومعنى ينزل ربنا ينزل أمره أو ملائكته أو رحمته أو هو كناية عن مزيد القرب، وبالجملة فيجب على كل مؤمن أن يعتقد من هذا الحديث ومشابهه من المشكلات الواردة في الكتاب والسنة كـ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}، {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}, وغير ذلك مما شاكله أنه ليس المراد بها ظواهرها لاستحالتها عليه تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا، ثم هو بعد ذلك مخير إن شاء أولها بنحو ما ذكرناه وهي طريقة الخلف وآثروها لكثرة المبتدعة القائلين بالجهة والجسمية وغيرهما مما هو محال على الله تعالى وإن شاء فوض علمها إلى الله تعالى وهي طريقة السلف وآثروها لخلو زمانهم عما حدث من الضلالات الشنيعة والبدع القبيحة فلم يكن لهم حاجة إلى الخوض فيها. واعلم أن القرافي3 وغيرها حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك.
فصل: في صلاة الجماعة وأحكامها
والأصل فيها الكتاب4 والسنة كخبر الصحيحين:
"صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"5, وفي رواية البخاري: "بخمس وعشرين" ولا منافاة؛ لأن القليل لا ينفي الكثير أو أنه أخبر أولا بالقليل, ثم أعلم بالكثير فأخبر به أن ذلك يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من حديث أبي هريرة. رواه البخاري في الجمعة باب 37، ومسلم في الجمعة حديث 13 ومالك في الجمعة حديث 15.
2 رواه البخاري في التهجد باب 14، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث 168-170، وأبو داود في السنة باب 19، والترمذي في الصلاة باب 211، والدعوات باب 78، وابن ماجه في الإقامة باب 182، والدارمي في الصلاة باب 168، ومالك في القرآن حديث 30، وأحمد في المسند "2/ 264، 267، 282، 419، 487، 504".
3 هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي العلاء إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله الصنهاجي البهفشي القرافي. ولد سنة 626، وتوفي سنة 684هـ، انظر هدية العارفين "5/ 99".
4 في قوله تعالى في الآية 102 من سورة النساء:
{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ...}.
5 رواه البخاري في الأذان باب 30، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 249، والنسائي في الإمامة باب 42، ومالك في الجماعة حديث1، وأحمد في المسند "2/ 65، 112" من حديث ابن عمر.

 

ص -145-      الجماعة في المكتوبة المؤداة للأحرار الرجال المقيمين فرض كفاية بحيث يظهر الشعار، وفي التراويح والوتر بعدها سنة، وآكد الجماعة في الصبح ثم العشاء ثم العصر، والجماعة للرجال في المساجد أفضل إلا إذا كانت الجماعة في البيت أكثر، وما كثرت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الجماعة في" الجمعة فرض عين كما يأتي وفي "المكتوبة" غيرها "المؤداة للأحرار الرجال المقيمين" ولو ببادية توطنوها المستورين الذين ليسوا معذورين بشيء مما يأتي "فرض كفاية" فإذا قام بها البعض "بحيث يظهر الشعار" في محل إقامتها بان تقام في القرية الصغيرة بمحل وفي الكبيرة والبلد بمحال بحيث يمكن قاصدها أن يدركها من غير كثير تعب فلا إثم على أحد وإلا كأن أقاموها في الأسواق أو البيوت وإن ظهر بها الشعار أو في غيرهما ولم يظهر أثم الكل وقوتلوا لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة" أي جماعة كما أفادته رواية أخرى: "إلا استحوذ عليهم الشيطان"1 أي غلب، وخرج بالمكتوبة المنذورة وصلاة الجنازة والنوافل وبالمؤداة المقضية وبالأحرار من فيهم رق وبالرجال النساء والخناثى وبالمقيمين المسافرون وبالمستورين العراة وبغير المعذورين المعذورون فليست فرض كفاية في جميع ما ذكر بل هي سنة فيما عدا المنذورة والرواتب ولا تكره فيهما ومحل ندبها في المقضية إن اتفق فيها الإمام والمأموم وإلا كرهت كالأداء خلف القضاء وعكسه وتسن للعراة إن كانوا عميًا أو في ظلمة "و" الجماعة "في التراويح" سنة للاتباع "و" في "الوتر" في رمضان سواء فعل "بعدها" أما لم تفعل هي بالكلية "سنة" لنقل الخلف له عن السلف "وآكد الجماعة" الجماعة "في الصبح" يوم الجمعة لحديث فيه ثم سائر الأيام لأنها فيه أشق منها في بقية الصلوات "ثم" في "العشاء" لأنها فيه أشق منها في العصر "ثم" في "العصر" لأنها الصلاة الوسطى وبما تقرر علم أن ملحظ التفضيل المشقة لا تفاضل الصلوات.
"والجماعة للرجال في المساجد أفضل" منها في غيرها للأخبار المشهورة في فضل المشي إليها2 أما النساء والخناثى فبيوتهن أفضل لهن "إلا إذا كانت الجماعة في البيت أكثر" منها في المسجد على ما قاله القاضي أبو الطيب3 ومال إليه الأذرعي4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في الصلاة باب 46 "حديث 547" عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية".
2 روى البخاري في الأذن باب 31 "حديث 651" عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصلي ثم ينام". ورواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 277.
3 هو أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري البغدادي. فقيه، أصولي، جدلي، ولد سنة 348، وتوفي سنة 450هـ، انظر معجم المؤلفين "2/ 12".
4 تقدم ترجمته. راجع صفحة 41 حاشية 2.

 

ص -146-      جماعته أفضل إلا إذا كان إمامها حنفيًّا أو فاسقًا أو مبتدعًا أو يتعطل عن الجماعة مسجد قريب، فالجماعة القليلة أفضل، فإن لم يجد إلا جماعة إمامها مبتدع ونحوه فهي أفضل من الانفراد، وتدرك الجماعة ما لم يسلم، وفضيلة الإحرام بحضور تحرم الإمام واتباعه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والزركشي1 لكن الأوجه ما اقتضاه كلام الشيخين وغيرهما وصرح به الماوردي2 من أنها في المسجد أفضل وإن قلت؛ لأن مصلحة طلبها فيه تربو3 على مصلحة وجودها في البيت والكلام في غير المساجد الثلاثة أما هي فقليل الجماعة فيها أفضل من كثيرها خارجها باتفاق القاضي والماوردي وقول المتولي4 الانفراد فيها أفضل من الجماعة خارجها ضعيف "وما كثرت جماعته" من المساجد وغيرها "أفضل" مما قلت جماعته للخبر الصحيح:
"وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى"5: "إلا إذا كان إمامها" أي الجماعة الكثيرة "حنفيًا" أو غيره ممن لا يعتقد وجوب بعض الأركان والشروط وإن علم منه الإتيان بها لأنه مع ذلك لا يعتقد وجوب بعض الأركان "أو فاسقًا" أو متهمًا بالفسق "أو مبتدعًا" كمعتزلي ومجسم وجوهري وقدري ورافضي وشيعي وزيدي "أو" كان "يتعطل عن الجماعة" القليلة بغيبته عنه "مسجد قريب" منه أو بعيد عنه لكون جماعته لا يحضرون إلا إن حضر أو كان محل الجماعة الكثيرة بنى من شبهة أو شك في ملك بانيه لبقعته أو كان إمامه سريع القراءة والمأموم بطيئها بحيث لا يدرك مع الفاتحة أو يطيل طولا مملا والمأموم لا يطيقه، أو يزول به خشوعه. "فالجماعة القليلة" في كل هذه المسائل وما شابهها مما فيه توفر مصلحة أو زيادتها مع الجمع القليل دون الكثير "أفضل" لما فيه من المصلحة المقصودة للشارع بل الصلاة وراء المبتدع واللذين قبله مكروهة لجريان قول ببطلانها، أما إذا لم يحضر بحضوره أحد فتعطيله والذهاب لمسجد الجماعة أولى اتفاقًا. "فإن لم يجد إلا جماعة إمامها مبتدع ونحوه" ممن يكره الاقتداء به "فهي" أي الجماعة معهم "أفضل من الانفراد" على ما زعمه جمع متأخرون والمعتمد أنها خلف من ذكر مكروهة مطلقًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدمت ترجمته. راجع صفحة 80 حاشية 3.
2 تقدمت ترجمته. راجع صفحة 58 حاشية 1.
3 تربو: تزيد.
4 تقدمت ترجمته. راجع صفحة 88 حاشية1.
5 تمام الحديث كما رواه أبو داود في الصلاة باب 47 "حديث 554" عن أبي بن كعب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا الصبح فقال:
"أشاهد فلان؟" قالوا: لا، قال: "أشاهد فلان" قالوا: لا. قال: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على الركب؛ وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل". ورواه أيضًا النسائي في الإمامة باب 45، وأحمد في المسند "5/ 145".

 

ص -147-      فورًا، ويستحب انتظار الداخل في الركوع والتشهد الأخير بشرط أن لا يطول الانتظار ولا يميز بين الداخلين، ويكره أن ينتظر في غيرهما ولا ينتظر في الركوع الثاني من الكسوف، ويسن إعادة الفرض بنية الفرض مع منفرد أو مع جماعة وإن كان قد صلاها معها، وفرضه الأولى، ولا يندب أن يعيد الجنازة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وتدرك الجماعة" أي جميع فضلها بإدراك جزء من الصلاة مع الإمام من أولها أو أثنائها بأن بطلت صلاة الإمام عقب اقتدائه أو فارقه بعذر أو من آخرها وإن لم يجلس معه "ما لم يسلم" أي ينطق بالميم من عليكم, فإذا أتم تحرمه قبل النطق بها صح اقتداؤه وأدرك الفضيلة لإدراكه ركنًا معه لكنها دون ثواب من أدركها من أولها إلى آخرها، ويسن لجماعة حضروا والإمام قد فرغ من الركوع الأخير أن يصبروا إلى أن يسلم ثم يحرموا، وتسن المحافظة على إدراك تحرم الإمام، لما فيه من الفضل العظيم.
"و" تدرك "فضيلة" تكبيرة "الإحرام بحضور تحرم الإمام واتباعه" للإمام فيها "فورًا" لخبر البزار: لكل شيء صفوة وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى فحافظوا عليها"1 نعم يعذر في وسوسة خفيفة، ولا يسن الإسراع لخوف فوت التحرم بل يندب عدمه وإن خافه، وكذا إن خاف فوت الجماعة على المعتمد.
"ويستحب" للإمام والمنفرد "انتظار الداخل" لمحل الصلاة مريدًا الاقتداء "في الركوع" غير الثاني من صلاة الكسوف "و" في التشهد الأخير" من صلاة تشرع فيها الجماعة وإن لم يكن المأمومون محصورين، ويسن ذلك للمنفرد مطلقًا وللإمام "بشرط أن لا يطول الانتظار ولا يميز بين الداخلين" للإعانة على إدراك الركعة في الأولى وعلى إدراك فضل الجماعة في الثانية، ولو كان الداخل يعتاد البطء وتأخير الإحرام إلى الركوع لم ينتظره زجرًا له، وكذا إن خشي من الانتظار خروج الوقت، أو كان الداخل لا يعتقد إدراك الركعة أو الجماعة بما ذكر أو أراد جماعة مكروهة إذ لا فائدة في الانتظار حينئذ. "ويكره أن ينتظر في غيرهما" لفقد المعنى السابق، وكذا عند فقد شرط مما ذكر بأن أحس به خارج محل الصلاة أو داخله ولم يكن في الركوع أو التشهد الأخير أو كان فيهما وأفحش فيه بأن يطول تطويلا لو وزع على الصلاة لظهر له أثر محسوس في كل ركن على حياله أو ميز بين الداخلين ولو لملازمة أو علم أو دين أو مشيخة أو استمالة أو غير ذلك أو سوى بينهم لكن لم يقصد بانتظارهم وجه الله تعالى، نعم إن كان الانتظار للتودد حرم وقيل يكفر. "ولا ينتظر في الركوع الثاني" من صلاة "الكسوف" لأن الركعة لا تحصل بإدراكه. "ويسن" ولو في وقت الكراهة "إعادة الفرض" أي المكتوبة ولو جمعة "بنية الفرض" أي كونها على صورته وإلا فهي نافلة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه المتقي الهندي في كنز العمال "18937 و19636" والهيثمي في مجمع الزوائد "2/ 103", وأبو نعيم في حلية الأولياء "5/ 67" وابن عدي في الكامل في الضعفاء "2/ 740".

 

ص -148-      فصل: "في أعذار الجمعة والجماعة"
أعذار الجمعة والجماعة المطر إن بل ثوبه ولم يجد كنًا، والمرض الذي يشق كمشقته، وتمريض من لا متعهد له، وإشراف القريب على الموت أو يأنس به، ومثله الزوجة والصهر والمملوك والصديق والأستاذ والمعتق والعتيق، ومن الأعذار الخوف على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما يأتي "مع منفرد" يرى جواز الإعادة ولم يكن ممن يكره الاقتداء به. "أو مع جماعة" غير مكروهة. "وإن كان قد صلاها معها" أي جماعة وإن كانت أكثر من الثانية عددًا أو زادت على الثانية بفضيلة أخرى ككون إمامها أعلم مثلا لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم لمن صلى جماعة بأنه إذا أتى مسجد جماعة يصليها معهم وعلله بأنها تكون له نافلة، ومن قوله وقد جاء بعد صلاة العصر رجل:
"من يتصدق على هذا فيصلي معه؟"1 فصلى معه رجل. ومن ثم يسن لمن لم يصل مع الجائي لعذر أو غيره أو يشفع2 إلى من يصلي معه ولاحتمال اشتمال الثانية على فضيلة وإن كانت الأولى أكمل منها ظاهرًا وإنما تسن الإعادة مرة. "وفرضه الأولى" للخبر السابق فلو تذكر خللا فيها لم تكفه الثانية، وإن نوى بها الفرض على المعتمد لما مر أن معنى نيته الفرض أي صورته لا حقيقته إذ لو نوى حقيقته لم يصح لتلاعبه، وإذا نوى صورته لم يجزه عن فرضه. "ولا يندب أن يعيد" المنذورة ولا "الجنازة" إذ لا ينتفل بهما، بخلاف ما تسن فيه الجماعة من النوافل فإنه تسن إعادته كالفرض.
فصل: في أعذار الجمعة والجماعة
"أعذار الجمعة والجماعة" المرخصة لتركهما حتى تنتفي الكراهة حيث سنت والإثم حيث وجبت "المطر" والثلج والبرد ليلا أو نهارًا "إن بل" كل منهما "ثوبه" أو كان نحو البرد كبارًا يؤذي "ولم يجد كنًا" يمشي فيه للاتباع "والمرض الذي يشق" مع الحضور "كمشقته" مع المطر وإن لم يبلغ حدًا يسقط القيام في الفرض قياسًا عليه بخلاف الخفيف كصداع يسير وحمى خفيفة فليس بعذر. "وتمريضه من لا متعهد له" ولو غير قريب ونحوه بأن لا يكون له متعهد أصلًا أو يكون لكنه مشتغل بشراء الأدوية ونحوها لأن دفع الضرر عن الآدمي من المهمات. "وإشراف القريب على الموت" وإن لم يأنس به "أو" كونه "يأنس به" وإن كان له متعهد فيهما. "ومثله" أي القريب "الزوجة والصهر" وهو كل قريب لها "والمملوك والصديق و" كذا على الأوجه "الأستاذ" أي المعلم "والمعتق والعتيق" لتضرر أو شغل قلبه السالب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في المسند "3/ 45". رواه أبو داود في الصلاة باب 55 "حديث 574" عن أبي سعيد الخدري بلفظ:
"ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه".
2 أي يطلب من آخر أن يصلي معه فيكون شفعًا له.

 

ص -149-      نفسه، أو عرضه، أو ماله وملازمة غريمه وهو معسر ورجاء عفو عقوبة عليه، ومدافعة الحدث مع سعة الوقت، وفقد لبس لائق، وغلبة النوم وشدة الريح بالليل، وشدة الجوع والعطش والبرد والوحل والحر ظهرًا، وسفر الرفقة وأكل منتن نيئ إن لم يمكنه إزالته، وتقطير سقوف الأسواق والزلزلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للخشوع بغيبته عنه "ومن الأعذار الخوف على" معصوم من "نفسه أو عرضه أو ماله" أو نحو مال غيره الذي يلزمه الدفع عنه، ومن ذلك خشية ضياع متمول كخبزه في التنور ولا متعهد غيره يخلفه. "و" خوف "ملازمة غريمه" الذي له عليه دين "وهو معسر" عنه وقد تعسر عليه إثبات إعساره بخلاف الموسر بما عليه والمعسر القادر على الإتيان ببينة أو يمين لتقصيره. "ورجاء عفو" ذي "عقوبة عليه" كقود في نفس أو طرف مجانًا أو على مال وحد قذف, وتعزير لآدمي أو لله تعالى؛ لأن موجب ذلك وإن كان كبيرة لكن العفو منه مندوب إليه، أما ما لا يقبل العفو عنه كحد الزنى والسرقة فلا يعذر بالخوف منه إذا بلغ الإمام وثبت عنده. "ومدافعة الحدث" البول أو الريح أو الغائط، وكذا مدافعة كل خارج من الجوف وكل مشوش للخشوع وإنما يكون ذلك عذرًا "مع سعة الوقت" كما مر في مكروهات الصلاة، ومر أنه لو خشي من كتم ذلك ضررًا فرغ نفسه منه وإن خشي خروج الوقت "وفقد لبس لائق" به وإن وجد ساتر عورته أو بدنه إلا رأسه مثلا؛ لأن عليه مشقة في خروجه كذلك، بخلاف ما إذا وجد ما اعتاد الخروج معه إذ لا مشقة. "وغلبة النوم" أو النعاس لمشقة الانتظار حينئذ "وشدة الريح بالليل" أو بعد الصبح إلى طلوع الشمس للمشقة، ويؤخذ من تقييده بالليل أنه ليس عذرًا في ترك الجمعة. "وشدة الجوع والعطش" بحضرة مأكول أو مشروب يشتاقه، وقد اتسع الوقت للخبر الصحيح:
"لا صلاة بحضرة الطعام"1 وقريب الحضور كالحاضر وحينئذ فيكسر شهوته فقط ولا يشبع ويأتي على المشروب كاللبن. "و" شدة "البرد" ليلا أو نهارًا. "و" شدة "الوحل" بفتح الحاء2 ليلا أو نهارًا كالمطر وكثرة وقوع البرد والثلج على الأرض بحيث يشق المشي عليهما كمشقته في الوحل. "و" شدة "الحر" حال كونه "ظهرًا" أي وقته وإن وجد ظلا يمشي فيه للمشقة. "وسفر الرفقة" لمريد سفر مباح وإن قصر ولو سفر نزهة لمشقة تلحقه باستيحاشه وإن أمن على نفسه أو ماله. "وأكل منتن" كبصل أو ثوم أو كراث وكذا فجل في حق من يتجشأ منه "نيئ" بكسر النون وبالمد والهمزة، أو مطبوخ بقي له ريح يؤذي لما صح من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جزء من حديث رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 67" عن عائشة؛ وفيه:
"لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان".
2 قال في اللسان "11/ 723": "الوحل بالتحريك الطين الرقيق الذي ترتطم فيه الدواب. والوحل بالتسكين لغة ردية".

 

ص -150-      فصل: "في شروط القدوة"
شروط صحة القدوة أن لا يعلم بطلان صلاة إمامه بحدث أو غيره، وأن لا يعتقد بطلانها كمجتهدين اختلفا في القبلة أو إناءين أو ثوبين، وكحنفي علمه ترك فرضًا، وأن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله صلى الله عليه وسلم:
"من أكل بصلًا أو ثومًا أو كراثًا فلا يقربن المساجد وليقعد في بيته فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"1، قال جابر رضي الله عنه: أراه يعني إلا نيئه، زاد الطبراني: "أو فجلًا" ومثل ذلك كل من ببدنه أو ثوبه ريح خبيث وإن عذر كذي بخر2 أو صنان3 مستحكم وحرفة خبيثة، وكذا نحو المجذوم والأبرص، ومن ثم قال العلماء: إنهما يمنعان من المسجد وصلاة الجماعة واختلاطهما بالناس، وإنما يكون أكل ما مر عذرًا "إن لم يمكنه" أي يسهل عليه "إزالته" بغسل أو معالجة، فإن سهلت لم يكن عذرا وإن كان قد أكله بعذر، ومحل ذلك ما لم يأكله بقصد إسقاط الجمعة وإلا لزمه إزالته ما أمكن ولا تسقط عنه، ويكره لمن أكله لا لعذر دخول المسجد وإن كان خاليًا ما بقي ريحه والحضور عند الناس ولو في غير المسجد قاله القاضي حسين4. "و" من الأعذار "تقطير" الماء من "سقوف الأسواق" التي في طريقه إلى الجماعة وإن لم يبل ثوبه لأن الغالب فيه النجاسة أي والقذارة، وقال غيره: "و" منها "الزلزلة" والسموم وهي ريح حارة ليلا أو نهارًا, وللبحث عن ضالة يرجوها والسعي في استرداد مغصوب والسمن المفرط والهم المانع من الخشوع والاشتغال بتجهيز ميت ووجود من يؤذيه في طريقه أو المسجد، وزفاف زوجته إليه في الصلاة الليلية وتطويل الإمام على المشروع وترك سنة مقصودة وكونه سريع القراءة والمأموم بطيئها أو ممن يكره الاقتداء به وكونه يخشى وقوع فتنة له أو به.
فصل: في شروط القدوة
"شروط صحة القدوة أن لا يعلم" المقتدي "بطلان صلاة إمامه بحدث أو غيره" كنجاسة؛ لأنه حينئذ ليس في صلاة فكيف يقتدي به "وأن لا يعتقد بطلانها" أي بطلان صلاة إمامه "كمجتهدين اختلفا في القبلة" فصلى كل لجهة غير التي صلى إليها الآخر. "أو" في "إناءين" من الماء "أو" في "ثوبين" طاهر ونجس فتوضأ كل في الثانية بإناء منهما وليس كل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في الأذان باب 160، والأطعمة باب 49، والاعتصام باب 24، وأبو داود في الأطعمة باب 13، والنسائي في المساجد باب 16 و17.
2 البخر: الرائحة الكريهة في الفم.
3 الصنان: النتن، والرائحة الكريهة.
4 هو القاضي أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد المروزي الشافعي. توفي بمرو الروذ سنة 462هـ, من تصانيفه: تلخيص التهذيب للبغوي في فروع الفقه الشافعي وسماه لباب التهذيب، والتعليق الكبير، والفتاوى، وغيرها "معجم المؤلفين: 1/ 634".

 

ص -151-      لا يعتقد وجوب قضائها كمقيم تيمم، وأن لا يكون مأمومًا ولا مشكوكًا فيه، وأميًّا -وهو من لا يحسن حرفًا من الفاتحة- إلا إذا اقتدى به مثله، وأن لا يقتدي الرجل بالمرأة ولو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الثالثة ثوبًا منهما لاعتقاد كل بطلان صلاة صاحبه بحسب ما أداه إليه اجتهاده. "وكحنفي" أو غيره اقتدى به شافعي وقد "علمه ترك فرضًا" كالبسملة ما لم يكن أميرًا أو الطمأنينة أو أخل بشرط كأن لمس زوجته ولم يتوضأ فلا يصح اقتداء الشافعي به حينئذ اعتبارًا باعتقاد المأموم لأنه يعتقد أنه ليس في صلاة, بخلاف ما إذا علمه اقتصد لأنه يرى صحة صلاته وإن اعتقد هو بطلانها، وبخلاف ما إذا لم يعلم أنه ارتكب ما يخل بصلاته أو شك فيه لأن الظاهر أنه يراعي الخلاف ويأتي بالأكمل عنده. "وأن لا يعتقد" المأموم "وجوب قضائها" على الإمام "كمقيم تيمم" لفقد ماء بمحل يغلب فيه وجوده ومحدث صلى مع حدثه لإكراه أو فقد الطهورين ومتحيرة وإن كان المأموم مثله لعدم الاعتداد بصلاته من حيث وجوب قضائها فكانت كالفاسدة وإن صحت لحرمة الوقت، أما من لا قضاء عليه كموشوم خشي من إزالة وشمه مبيح1 تيمم وإن كان تعدى به فيصح الاقتداء به. "وأن لا يكون" الإمام "مأمومًا" لأنه تابع فكيف يكون متبوعًا؟ "و" أن "لا" يكون "مشكوكًا فيه" أي في كونه إمامًا أو مأمومًا، فمتى جوز المقتدي في إمامه أنه مأموم كأن وجد رجلين يصليان وتردد في أيهما الإمام لم يصح اقتداؤه بواحد منهما وإن ظنه الإمام ولو باجتهاد على الأوجه إذ لا مميز هنا عند استوائهما إلا النية ولا اطلاع عليها. "و" أن لا يكون "أميًّا" ولو في سرية وإن لم يعلم بحاله "وهو" أي الأمي "من لا يحسن" ولو "حرفًا من الفاتحة" بأن يعجز عنه بالكلية أو عن إخراجه من مخرجه أو عن أصل تشديد منها لرخاوة لسانه فلا يصح الاقتداء به حينئذ؛ لأنه لا يصلح لتحمل القراءة والإمام إنما هو بصدد ذلك. "إلا إذا اقتدى به مثله" في كونه أميًّا أيضًا في ذلك الحرف بعينه بأن اتفق الإمام والمأموم في إحسان ما عداه وأخلا به لاستوائهما وإن كان أحدهما يبدله غينًا مثلا والآخر يبدله لامًا، بخلاف ما إذا أحسن أحدهما حرفًا لم يحسنه الآخر فلا يصح اقتداء كل منهما بالآخر كمن يصلي بسبع آيات من غير الفاتحة لا يقتدي بمن يصلي بالذكر ولو عجز إمامه في الأثناء فارقه وجوبًا فإن لم يعلم حتى فرغ أعاد لندرة حدوث الخرس دون الحدث، وتكره القدوة بمن يكرر حرفًا من حروف الفاتحة كلاحن لا يغير المعنى فإن غيره ولو بإبدال أو قراءة شاذة فيها زيادة أو نقص أو تغيير معنى، فإن كان في الفاتحة أو بدلها وعجز عن النطق به إلا كذلك فكأمي أو في غيرها صحت صلاته والقدوة به إن عجز أو جهل أو نسي.
"وأن لا يقتدي الرجل" أي الذكر "بالمرأة" أو الخنثى المشكل ولا الخنثى بامرأة أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله "مبيح" هو مفعول قوله "خشي".

 

ص -152-      صلى خلفه ثم تبين كفره أو جنونه أو كونه امرأة أو مأمومًا أو أميًّا أعادها إلا إن بان محدثًا أو جنبا أو عليه نجاسة خفية أو ظاهرة أو قائمًا لركعة زائدة، ولو نسي حدث إمامه, ثم تذكره أعاد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خنثى لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة"1. وروى ابن ماجه: "لا تؤمن المرأة رجلا"2 بخلاف اقتداء المرأة بالمرأة وبالخنثى وبالرجل واقتداء الخنثى أو الرجل بالرجل فيصح إذ لا محذور.
"ولو صلى" إنسان "خلفه" أي خلف آخر وهو يظنه أهلا لإمامته "ثم تبين" في أثناء الصلاة أو بعدها أنه لا يصح الاقتداء به لمانع يمكن إدراكه بالبحث عنه كأن بان "كفره" ولو بارتداد أو بزندقة "أو جنونه أو كونه امرأة أو مأمومًا أو أميًّا أعادها"؛ لتقصيره بترك البحث عما من شأنه أن يطلع عليه، وتجب الإعادة أيضًا على من ظن بإمامه خللا مما ذكر ونحوه فبان أن لا خلل به لعدم صحة القدوة في الظاهر للتردد عندها "إلا إن بان" إمامه "محدثًا أو جنبًا" أو حائضًا لانتفاء تقصير المأموم "أو عليه نجاسة خفية أو ظاهرة" في ثوبه أو بدنه على ما صححه في التحقيق3 واعتمده الإسنوي، لكن المعتمد أن الخفي وهو ما يكون بباطن الثوب لا إعادة معه لعسر الإطلاق عليه بخلاف الظاهر، ومحل هذا وما قبله في غير الجمعة وفيها إن زاد الإمام على الأربعين وإلا بطلت لبطلان صلاة الإمام فلم يتم العدد والصلاة خلف المحدث وذي الخبث الخفي جماعة يترتب عليها سائر أحكامها إلا نحو لحوق السهو وتحمله وإدراك الركعة بالركوع. "أو" بان إمامه "قائمًا لركعة زائدة" وقد ظنه في ركعة أصلية فقام معه جاهلا زيادتها أو أتى بأركانها كلها فلا قضاء عليه لحسبان هذه الركعة لعدم تقصيره بسبب خفاء الحال عليه ولو لم يدرك المقتدي بذي حدث أو خبث أو أتى بركعة زائدة الفاتحة بكمالها لم تحسب له الركعة، "ولو" علم المأموم حدث إمامه أو خبثه أو قيامه لزيادة, ثم "نسي حدث إمامه" أو خبثه أو قيامه لزائدة فاقتدى به, ولم يحتمل وقوع طهارة عنه, "ثم تذكره أعاد" استصاحبًا لحكم العلم ولا نظر لنسيانه؛ لأنه فيه نوع تقصير منه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في المغازي باب 82، والفتن باب 18، والترمذي في الفتن باب 75، والنسائي في القضاة باب 8، وأحمد في المسند "5/ 43، 47".
2 جزء من حديث رواه ابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها باب 78 "حديث 1081" والبيهقي في السنن الكبرى "3/ 93" من حديث جابر بن عبد الله.
3 راجع الحاشية 6 صفحة 65.

 

ص -153-      فصل: "فيما يعتبر بعد توفر الشروط السابقة"
يشترط لصحة الجماعة سبعة شروط: أن لا يتقدم المأموم على إمامه بعقبه، أو بأليته إن صلى قاعدًا، أو بجنبه إن صلى مضطجعًا، فإن ساواه كره ويندب تخلفه عنه قليلًا ويقف الذكر عن يمينه، فإن جاء آخر فعن يساره، ثم يتقدم الإمام أو يتأخران وهو أفضل،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: فيما يعتبر بعد توفر الشروط السابقة
"يشترط لصحة الجماعة" بعد توفر الصفات المعتبرة في الإمام "سبعة شروط":
الأول: "أن لا يتقدم المأموم على إمامه" في الموقف لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"إنما جعل الإمام ليؤتم به"1 والائتمام الاتباع والمتقدم غير تابع، ولو شك في تقدمه عليه لم يؤثر سواء جاء من خلفه أو أمامه لأن الأصل عدم المبطل والعبرة في التقدم "بعقبه" التي اعتمد عليها من رجليه أو من إحداهما وهو مؤخر القدم مما يلي الأرض هذا إن صلى قائمًا "أو بأليته إن صلى قاعدًا" وإن كان راكبًا "أو بجنبه إن صلى مضطجعًا" أو برأسه إن كان مستلقيًا فمتى تقدم في غير صلاة شدة الخوف في جزء من صلاته بشيء مما ذكر لم تصح صلاته لما مر، وأفهم تعبيره بالعقب أنه لا أثر للأصابع تقدمت أو تأخرت لأن عدم العقب يستلزم تقدم المنكب بخلاف تقدم غيره، نعم لو تأخر وتقدمت رؤوس أصابعه على عقب الإمام فإن اعتمد على العقب صح أو على رؤوس الأصابع، فلا. "فإن ساواه" بالعقب "كره" ولم يحصل له شيء من فضل الجماعة "ويندب" للمأموم الذكر ولو صبيًّا اقتدى وحده بمصل مستور "تخلفه عنه قليلا" إظهارًا لرتبة الإمام "ويقف الذكر" المذكور كما ذكر "عن يمينه" لما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه وقف عن يساره صلى الله عليه وسلم فأخذ برأسه فأقامه عن يمينه2، وبه يعلم أنه يندب للإمام إذا فعل أحد المأمومين خلاف السنة أن يرشده إليها بيده أو غيرها إن وثق منه بالامتثال، أما إذا لم يقف عن يمينه أو تأخر كثيرًا فإنه يكره له ذلك ويفوته فضل الجماعة، "فإن جاء آخر فعن يساره" أي الإمام يقف ويكره وقوفه عن يمين المأموم ويفوته به فضل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روي في الصحاح من طرق كثيرة، فرواه البخاري في الصلاة باب 18، والأذان باب 51 و74 و82 و128، وتقصير الصلاة باب 17، والسهو باب 9، والمرضى باب 12، ومسلم في الصلاة حديث 77 و82 و86 و89، وأبو داود في الصلاة باب 68، والترمذي في الصلاة باب 150، والنسائي في الأئمة باب 38 و40، والافتتاح باب 30, والتطبيق باب 22، وابن ماجه في الإقامة باب 13 و144، والدارمي وأحمد ومالك وغيرهم كثير.
2 رواه البخاري في العلم باب 41، والوضوء باب 5، والأذان باب 57 و59 و161، واللباس باب 71، والأدب باب 118، والتوحيد باب 27، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث 181 و182 و184-189 و192 و193، والنسائي في الإمامة باب 22، والتطبيق باب 63، وابن ماجه في الطهارة باب 48، والإقامة باب 44.

 

ص -154-      ولو حضر ذكران صفًا خلفه وكذا المرأة أو النسوة، ويقف خلفه الرجال ثم الصبيان إن لم يسبقوا إلى الصف الأول، فإن سبقوا فهم أحق به، ثم النساء وتقف إمامتهن وسطهن، وإمام العراة غير المستور وسطهم، ويكره وقوفه منفردًا عن الصف، فإن لم يجد سعة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجماعة. "ثم" بعد إحرامه "يتقدم الإمام أو يتأخران" حالة القيام لا غيره "وهو" أي تأخرهما حيث أمكن كل من التقدم والتأخر "أفضل" فإن لم يمكن إلا أحدهما فعل وأصل ذلك خبر مسلم عن جابر رضي الله عنه: "قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدارني عن يمينه ثم جاء جبار بن صخر فأقامه عن يساره فأخذ بأيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه" ولكون الإمام متبوعًا لم يلق به الانتقال من مكانه، أما إذا تأخر من على اليمين قبل إحرام الثاني أو لم يتأخرا أو تأخرا في غير القيام فيكره ويفوت به فضل الجماعة. "ولو حضر" ابتداء معًا أو مرتبًا "ذكران" ولو بالغًا وصبيًا "صفا خلفه وكذا" إذا حضرت "المرأة" وحدها "أو النسوة" وحدهن فإنها تقوم أو يقمن خلفه لا عن يمينه ولا عن يساره للاتباع "ويقف" ندبًا فيما إذا تعددت أصناف المأمومين "خلفه الرجال" صفًّا "ثم" بعد الرجال إن كمل صفهم "الصبيان" صفًّا ثانيًا وإن تميزوا عن البالغين بعلم ونحوه هذا "إن لم يسبقوا" أي الصبيان "إلى الصف الأول فإن سبقوا" إليه "فهم أحق به" من الرجال فلا ينحون عنه لهم لأنهم من الجنس بخلاف الخناثى والنساء ثم بعد الصبيان وإن لم يكمل صفهم الخناثى "ثم" بعدهم وإن لم يكمل صفهم "النساء" للخبر الصحيح:
"ليليني منكم أولو الأحلام والنهي" أي البالغون العاقلون "ثم الذين يلونهم ثلاثًا"1, ومتى خولف الترتيب المذكور كره، وكذا كل مندوب يتعلق بالموقف فإنه يكره مخالفته وتفوت به فضيلة الجماعة كما قدمته في كثير من ذلك ويقاس به ما يأتي "وتقف" ندبًا "إمامتهن" أي النساء "وسطهن", لأنه أستر لها. "و" يقف "إمام العراة" البصراء "غير المستور وسطهم" بسكون السين ويقفون صفًّا واحدًا إن أمكن لئلا ينظر بعضهم إلى عورة بعض فإن كانوا عميًا أو في ظلمة تقدم إمامهم. "ويكره" للمأموم "وقوفه منفردًا عن الصف" إذا وجد فيه سعة لما صح من النهي عنه وأمر المنفرد بالإعادة في خبر الترمذي2 الذي حسنه محول على الندب على أن الشافعي رضي الله عنه ضعفه "فإن لم يجد سعة" في الصف "أحرم"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم في الصلاة "حديث 122" عن أبي مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول:
"استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم". ورواه أيضًا "حديث 123" بلفظ: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم -ثلاثًا- وإياكم وهيشات الأسواق".
2 في المواقيت باب 56 من حديث وابصة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة". ورواه أيضًا أبو داود في الصلاة باب 99 "حديث 682" وابن ماجه في الإقامة باب 54، وأحمد في المسند "4/ 23، 228".

 

ص -155-      أحرم ثم جرَّ واحدًا ويندب أن يساعده المجرور.
الشرط الثاني: أنيعلم بانتقالات إمامه برؤية أو سماع ولو من مبلغ.
الشرط الثالث: أن يجتمعا في مسجد وإن بعدت المسافة وحالت الأبنية وأغلق الباب بشرط إمكان المرور، فإن كانا في غير مسجد اشترط أن لا يكون بينهما وبين كل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع الإمام "ثم جر" ندبًا في القيام "واحدًا" من الصف إليه ليصطف معه خروجًا من الخلاف ومحله إن جوز أنه يوافقه وإلا فلا جر بل يمتنع لخوف الفتنة وأن يكون حرًّا لئلا يدخل غيره في ضمانه، وأن يكون الصف أكثر من اثنين لئلا يصير الآخر منفردًا، "ويندب أن يساعده المجرور" لينال فضل المعاونة على البر والتقوى وذلك يعادل فضيلة ما فات عليه من الصف، ويحرم الجر قبل الإحرام لأنه يصير المجرور منفردًا، أما إذا وجد سعة في صف من الصفوف وإن زاد ما بينه وبين صفها على ثلاثة صفوف فأكثر فالسنة أن يخترق الصفوف إلى أن يدخلها، والمراد بها أن يكون بحيث لو دخل بينهم لوسعه من غير مشقة تحصل لأحد منهم ولو كان عن يمين الإمام محل يسعه لم يخترق بل يقف فيه.
"الشرط  الثاني" لصحة الجماعة "أن يعمل بانتقالات إمامه" أو يظنها ليتمكن من متابعته ويحصل ذلك "برؤية" للإمام أو لبعض المأمومين "أو سماع" نحو أعمى ومن في ظلمة نحو صوت "ولو من مبلغ" بشرط كونه عدل رواية؛ لأن غيره لا يجوز الاعتماد عليه ويكفي الأعمى والأصم مس ثقة بجانبه.
"الشرط الثالث: أن يجتمعا" أي الإمام والمأموم في موقف إذ من مقاصد الاقتداء اجتماع جمع في مكان كما عهد عليه الجماعات في العصر الخالية ومبنى العبادات على رعاية الاتباع ثم هما إما أن يكونا في مسجد أو غيره من فضاء أو بناء أو يكون أحدهما بمسجد والآخر بغيره، فإن كانا "في مسجد" أو مساجد تنافذت أبوابها، وإن كانت مغلقة غير مسمرة أو انفرد كل مسجد بإمام ومؤذن وجماعة صح الاقتداء. "وإن بعدت المسافة" كأن زادت على ثلاثمائة ذراع فأكثر "وحالت الأبنية" النافذة أو اختلفت كبئر وسطح ومنارة داخلين فيه. "و" إن "أغلق الباب" المنصوب على كل مما ذكر غلقا مجردًا من غير تسمير, لأنه كله مبني للصلاة فالمجتمعون فيه مجتمعون لإقامة الجماعة مؤدون لشعارها فلم يؤثر اختلاف الأبنية. "بشرط إمكان المرور" من كل منها إلى الآخر, لأنها حينئذ كالبناء الواحد، بخلاف ما إذا كان في بناء لا ينفذ كأن سمر بابه وكسطحه الذي ليس له مرقى، وإن كان له مرقى منه من خارجه أو حال بين جانبيه أو بين المساجد المذكورة نهر أو طريق قديم بأن سبقا وجوده أو جودها فلا تصح القدوة حينئذ مع بعد المسافة أو الحيلولة الآتية كما لو وقف من وراء شباك بجدار المسجد، وقول الإسنوي لا يضر سهو وكالمسجد في ذلك رحبته، والمراد بها هنا ما كان خارجه محجرًا عليه لأجله، وإن جهل أمرها أو كان بينها وبين طريق لا حريمه وهو المحل المتصل

 

ص -156-      صفين أكثر من ثلاثمائة ذراع تقريبًا، فلا يضر زيادة ثلاثة أذرع، وأن لا يكون بينهما جدار أو باب مغلق أو مردود أو شباك، ولا يضر تخلل الشارع والنهر الكبير، والبحر بين سفينتين، وإذا وقف أحدهما في سفل والآخر في علو اشترط محاذاة أحدهما الآخر في غير المسجد والآكام، ولو كان الإمام في المسجد والمأموم خارجه فالثلاثمائة محسوبة من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
به المهيأ لمصلحته فليس له حكمه في شيء. "فإن كانا" أي الإمام والمأموم "في غير المسجد" كفضاء "اشترط أن لا يكون بينهما وبين كل صفين أكثر من ثلاثمائة ذراع" بذراع الآدمي المعتدل وهو شبران "تقريبًا فلا يضر زيادة ثلاثة أذرع" ونحوها وما قاربها كما في المجموع وغيره فتقييد البغوي1 التابع له المصنف بثلاثة ضعيف وهذا التقييد مأخوذ من العرف، وعلم من كلام المصنف أنه لا يضر بلوغ ما بين الإمام والأخير فراسخ. "و" اشتراط القرب حيث لم يجمعهما مسجد يعم ما لو كانا في فضاءين أو فلكين2 مكشوفين أو مسقفين أو بناءين كصحن3 وصفة4 سواء في ذلك المدرسة والرباط وغيرهما، فالشرط في الكل القرب على المعتمد بشرط "أن لا يكون بينهما جدار أو باب مغلق أو مردود أو شباك" لمنعه الاستطراق وإن لم يمنع المشاهدة وصفف5 المدارس الشرقية أو الغربية إذا كان الواقف فيها لا يرى الإمام ولا من خلفه ولا تصح قدوته به، وعند إمكان المرور والرؤية لا يضر انعطاف وازورار في جهة الإمام ويضر في غيرها. "ولا يضر تخلل الشارع والنهر الكبير" وإن لم يمكن عبوره والنار ونحوها. "و" لا تخلل "البحر بين سفينتين"؛ لأن هذه تعد للحيلولة فلا يسمى واحد منها حائلا عرفًا وحيث كان بين البناءين سواء أكان أحدهما مسجدًا أم لا منفذ يمكن الاستطراق منه ولا يمنع المشاهدة صحت قدوة أحدهما بالآخر, لكن إن وقف أحد المأمومين في مقابل المنفذ حتى يرى الإمام أو من معه في بنائه وهذا في حق من في المكان الآخر كالإمام؛ لأنهم تبع له في المشاهدة فيضر تقدمهم عليه في الموقف وإلا حرم "وإذا وقف أحدهما" أي الإمام والمأموم "في سفل والآخر في علو اشترط محاذاة أحدهما الآخر في غير المسجد والآكام" بأن يحاذي رأس الأسفل قدم الأعلى وإلا لم يعدا مجتمعين، ويعتبر غير المعتدل بالمعتدل وهذا ضعيف خلافًا لجمع متأخرين وإن تبعهم المصنف والمعتمد أن ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بابن الفراء البغوي الشافعي، فقيه، محدث، مفسر. توفي بمرو الروذ سنة 516، وقيل: 515هـ. من تصانيفه: معالم التنزيل، مصابيح السنة، التهذيب في فروع الفقه الشافعي، وغيرهما "معجم المؤلفين: 1/ 644".
2 أي سفينتين.
3 الصحن: ساحة وسط الدار أو المسجد "المعجم الوسيط: ص508".
4 الصفة: الظلة، والبهو الواسع العالي السقف "المعجم الوسيط: ص517".
5 جمع صفة.

 

ص -157-      آخر المسجد، نعم إن صلى في علو داره بصلاة الإمام في المسجد قال الشافعي: لم تصح، ويكره ارتفاع أحدهما على الآخر بغير حاجة.
الشرط الرابع: نية القدوة أو الجماعة، فلو تابع بلا نية أو مع الشك فيها بطلت إن طال انتظاره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليس بشرط. "ولو كان الإمام في المسجد والمأموم خارجه فالثلاثمائة" الذراع "محسوبة من آخر المسجد" لا من آخر مصل فيه؛ لأنه مبني للصلاة فلا يدخل منه شيء في الحد الفاصل، وفي عكس صورة المصنف تعتبر المسافة من صدره. "نعم إن صلى" المأموم "في علو داره بصلاة الإمام في المسجد قال الشافعي" رضي الله عنه: "لم تصح" صلاته أي سواء كانا متحاذيين أم لا ويوافقه نصه -فيمن صلى بأبي قبيس بصلاة الإمام في المسجد الحرام- على المنع وصوبه الإسنوي لكن المعتمد نصه الآخر في أبي قبيس على الصحة وإن كان أعلى منه والنص في السطح وأبي قبيس محمول على ما إذا لم يمكن المرور للإمام إلا بالعطاف من غير جهة الإمام أو على ما إذا بعدت المسافة أو حالت أبنية هناك منعت الرؤية فعلم أنه يعتبر في الاستطراق أن يكون استطراقًا عاديًا وأن يكون من جهة الإمام، وأن لا يكون هناك ازورار وانعطاف بأن يكون بحيث لو ذهب للإمام من مصلاه لا يلتفت عن القبلة بحيث يبقي ظهره إليها وإلا ضر لتحقيق الانعطاف حينئذ من غير جهة الإمام، وأنه لا فرق في ذلك بين المصلي على نحو جبل أو سطح. "ويكره" في المسجد وغيره "ارتفاع أحدهما" أي الإمام أو المأموم "على الآخر" للنهي عن ارتفاع الإمام وقياسًا عليه في ارتفاع المأموم، هذا إن كان الارتفاع "بغير حاجة" وإلا كتعليم المأموم كيفية الصلاة أو تبليغ تكبيرة الإمام فلا يكره بل يندب.
"الشرط الرابع: نية" نحو "القدوة أو الجماعة" أو الائتمام بالإمام الحاضر أو بمن في المحراب أو نحو ذلك. "فلو تابع" في فعل أو سلام "بلا نية أو مع الشك فيها بطلت" صلاته "إن طال" عرفًا "انتظاره" له ليتبعه في ذلك الركن؛ لأنه وقف صلاته على صلاة غيره بلا رابط بينهما، والتقييد في مسألة الشك بالطول والمتابعة هو الأوجه خلافًا لجمع، وإنما أبطل الشك في أصل النية مع الانتظار الكثير وإن لم يتابع وباليسير مع المتابعة لأن الشك في أصلها ليس في صلاة بخلافه هنا فإن غايته أنه كالمنفرد، فلا بد من مبطل وهو المتابعة مع الانتظار الكثير، ولو عرض ذلك الشك في الجمعة أبطلها حيث طال زمنه لأن نية الجماعة شرط فيها فالشط فيها كالشك في أصل النية، وأفهم كلام أنه لو تابعة اتفاقًا أو بعد انتظار يسير أو انتظره كثيرًا بلا متابعة لم تبطل لأنه في الأولى لا يسمى متابعة وفي الثانية يغتفر لقلته وفي الثالثة لم يتحقق الانتظار لفائدته وهي المتابعة فألغى النظر إليه وأنه لا يجب تعيين الإمام بل لو عينه وأخطأ بطلت صلاته إلا أن يشير إليه لأنه يجب التعرض له في الجملة، بخلاف ما لو عين الإمام المأموم فأخطأ فإنه لا يضر مطلقًا لأنه لا يجب التعرض له في الجملة ولا تفصيلا

 

ص -158-      الشرط الخامس: توافق نظم صلاتيهما، فإن اختلف كمكتوبة وكسوف أو جنازة لم تصح القدوة، ويصح الظهر خلف العصر والمغرب، والقضاء خلف الأداء وعكسه، والفرض خلف النفل وعكسه.
الشرط السادس: الموافقة في سنة فاحشة المخالفة، فلو ترك الإمام سجدة التلاوة وسجدها المأموم أو عكسه أو ترك الإمام التشهد الأول وتشهده المأموم بطلت، وإن تشهد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأن الإمام لا تلزمه نية الإمامة وهو كذلك بل تسن له وإلا لم تحصل له فضيلة الجماعة ومحله في غير الجمعة أما فيها فتلزمه نية الإمامة مقترنة بالتحرم.
"الشرط الخامس: توافق نظم صلاتيهما" أي الإمام والمأموم بأن يتفقا في الأفعال الظاهرة وإن اختلفا عددًا "فإن اختلف" نظم صلاتيهما "كمكتوبة" أو فرض آخر أو نفل "وكسوف" أو كمكتوبة أو فرض آخر "أو" نفل أو "جنازة لم تصح القدوة" ممن يصلي غير الجنازة بمصليها وغير الكسوف بمصليه وعكسهما لتعذر المتابعة، ومن ثم يصح الاقتداء بإمام الكسوف في القيام الثاني من الركعة الثانية لإمكان المتابعة حينئذ، وإلا لم يصح الاقتداء بمصلي الجنازة أو الكسوف، ويفارق عند الأفعال المخالفة؛ لأن ربط إحدى الصلاتين بالأخرى مع تنافيهما مبطل ومثلهما1 سجدتا التلاوة والشكر وإن صحت إحداهما خلف الأخرى، ويصح الفرض خلف صلاة التسبيح وعند تطويل ما يبطل تطويله كالاعتدال ينتظره في الركن الذي بعده. "ويصح" مع الكراهة المفوتة لفضيلة الجماعة "الظهر خلف" مصلى "العصر و" خلف مصلي "المغرب" وعكسه لاتحاد النظم وإن اختلفا عددًا ونية "والقضاء خلف" مصلي "الأداء وعكسه والفرض خلف" مصلي "النفل وعكسه" لاتفاق النظم في الجميع وحيث كانت صلاة الإمام أطول تخير المأموم عند إتمام صلاته بين أن يسلم وأن ينتظر وهو أفضل ومحل حل انتظاره حيث لم يفعل تشهدًا لم يفعله الإمام، فلو صلى المغرب خلف مصلي العشاء امتنع الانتظار، وإن جلس الإمام للاستراحة في الثالثة أو الصبح خلف الظهر جاز الانتظار إن جلس الإمام للتشهد الأول وتشهد؛ لأنه حينئذ يكون مستصحبًا تشهد الإمام، فإن لم يجلس أو جلس ولم يتشهد لزم المأموم المفارقة لئلا يحدث تشهد لم يفعله الإمام.
"الشرط السادس: الموافقة" للإمام "في سنة فاحشة المخالفة" يعني تفحش المخالفة بها "فلو ترك الإمام سجدة التلاوة وسجدها المأموم أو عكسه" بأن سجدها الإمام وتركها المأموم "أو ترك الإمام التشهد الأول وتشهده المأموم بطلت" صلاته إن علم وتعمد وإن لحقه عن القرب لعدوله عن فرض المتابعة إلى سنة ويخالف ذلك سجود السهو والتسليمة الثانية لأنهما يفعلان بعد فراغ الإمام، أما غير فاحشة المخالفة كجلسة الاستراحة فلا يضر الإتيان بها، ومثلها القنوت لمن أدرك الإمام في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي الكسوف والجنازة.

 

ص -159-      الإمام وقام المأموم عمدًا لم تبطل، ويندب له العود.
الشرط السابع: المتابعة فإن قارنه في التحرم بطلت، وكذا إن تقدم عليه بركنين فعليين أو تأخر عنه بهما لغير عذر، وإن قارنه في غير التحرم أو تقدم عليه بركن فعلي أو تأخر عنه به لم يضر، ويحرم تقدمه عليه بركن فعلي وإن تخلف بعذر كبطء قراءة بلا وسوسة واشتغال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السجدة الأولى وفارق التشهد الأول بأنه لم يحدث غير ما فعله الإمام وإنما طول ما كان فيه، ومن ثم لو أتى الإمام ببعض التشهد وقام عنه جاز للمأموم إكماله؛ لأنه حينئذ مستصحب كالقنوت. "وإن تشهد الإمام وقام المأموم" سهو لزمه العود وإلا بطلت صلاته أو "عمدًا لم تبطل" صلاته بعدمه؛ لأنه انتقل إلى فرض آخر وهو القيام. "ويندب له العود" خروجًا من خلاف من أوجبه.
"الشرط السابع: المتابعة" للإمام كما سيعلم من كلامه، وأما المتابعة المندوبة فهي أن يجري على أثره في الأفعال والأقوال بحيث يكون ابتداؤه بكل منهما متأخرًا عن ابتداء الإمام ومتقدمًا على فراغه منه، ويشترط تيقن تأخر جميع تكبيرته للإحرام عن جميع تكبيرة إمامه. "فإن قارنه في التحرم" أو في بعضه أو شك فيه أو بعده هل قارنه فيه أو لا وطال زمن الشك أو اعتقد تأخر تحرمه فبان تقدمه "بطلت صلاته يعني لم تنعقد للخبر الصحيح:
"إذا كبر فكبروا"1 ولأنه نوى الاقتداء بغير مصل إذ يتبين بتمام تكبيرة الإحرام الدخول في الصلاة من أولها. "وكذا" تبطل صلاة المأموم "إن تقدم عليه" أي على إمامه عامدًا عالمًا بالتحريم "بركنين فعليين" ولو غير طويلين بأن يركع المأموم فلما أراد إمامه أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد فبمجرد سجوده تبطل صلاته وفارق ما يأتي في التخلف بأن التقدم أفحش فأبطل السبق بالركنين ولو على التعاقب؛ لأنهما لم يجتمعا في الركوع ولا في الاعتدال. "أو تأخر عنه بهما" أي بركنين فعليين تامين ولو غير طويلين كأن ركع الإمام واعتدل وهوى للسجود وإن كان إلى القيام أقرب والمأموم قائم أو سجد الإمام السجدة الثانية وقام وقرأ وهوى للركوع والمأموم جالس بين السجدتين هذا إن كان "لغير عذر" مما يأتي كأن تخلف لإكمال السنة كالسورة "وإن قارنه في غير التحرم" من أفعال الصلاة لم يضر وإن قارنه في السلام لكن يكره ذلك وتفوته به فضيلة الجماعة. "أو تقدم عليه بركن فعلي أو تأخر عنه به لم يضر" لعدم فحش المخالفة. "ويحرم تقدمه عليه بركن فعلي" تام كأن ركع ورفع والإمام قائم للخبر الصحيح: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار"2 أما إذا لم يتم كأن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في الصلاة باب 18، والأذان باب 82 و128، وتقصير الصلاة باب 17، ومسلم في الصلاة حديث 62 و77 و86 و87 و89، ورواه أيضًا بقية الستة وأحمد.
2 رواه البخاري في الأذان باب 53، ومسلم في الصلاة حديث 115 و116 و119، والترمذي في الجمعة باب 56، وأبو داود في الصلاة باب 75، والنسائي في الإمامة باب 38، وابن ماجه في الإقامة باب 41، وأحمد في المسند "2/ 260، 271، 425، 469، 472، 504".

 

ص -160-      الموافق بدعاء الافتتاح أو ركع إمامه فشك في الفاتحة أو تذكر تركها، أو أسرع الإمام قراءته عذر إلى ثلاثة أركان طويلة، فإن زاد نوى المفارقة أو وافقه وأتى بركعة بعد سلامه هذا في الموافق -وهو من أدرك مع الإمام قدر الفاتحة- وأما المسبوق إذا ركع الإمام في فاتحته، فإن اشتغل بسنة كدعاء الافتتاح أو التعوذ قرأ بقدرها، ثم إن أدركه في الركوع أدرك الركعة، وإلا فاتته ووافقه، ويأتي بركعة، وإن لم يشتغل بسنة قطع القراءة وركع معه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ركع قبله ولم يعتدل فيكره، ويسن له العود ليوافقه فإن سها بالركوع قبله تخير بين العود والدوام ويكره التأخر بركن. "وإن تخلف" المأموم "بعذر كبطء قراءة" واجبة "بلا وسوسة" بل لعجز لسانه ونحوه "واشتغال" المأموم "الموافق بدعاء الافتتاح" والتعوذ عن الفاتحة حتى ركع الإمام أو قاربه الركوع "أو" كان "ركع إمامه فشك" بعد ركوعه وقبل أن يركع هو "في الفاتحة" هل قرأها أم لا؟ ومثلها بدلها. "أو تذكر تركها أو" كان "أسرع الإمام قراءته", وركع قبل أن يتم المأموم فاتحته وإن لم يكن بطيء القراءة "عذر" في التخلف عن الإمام لإتمام قراءة ما بقي عليه لعذره بوجوب ذلك عليه بخلاف تخلفه لمندوب كقراءة السورة أو لوسوسة بأن كان يردد الكلمات من غير موجب سواء كانت ظاهرة أو خفية, فإنه متى كان بتمام ركنين فعليين بطلت صلاته لعدم عذره وحيث عذر بالتخلف كما في الصورة التي ذكرناها فإنما يتخلف "إلى" تمام "ثلاثة أركان طويلة", وهي المقصودة بنفسها فلا يعد منها القصير وهو الاعتدال والجلوس بين السجدتين فيسعى على ترتيب نظم صلاة نفسه حيث فرغ قبل قيام الإمام من السجدة الثانية وجلوسه بعدها. "فإن زاد" التخلف على ذلك بأن لم يفرغ إلا والإمام منتصب للقيام أو جالس للتشهد "نوى المفارقة" إن شاء وجرى على ترتيب صلاة نفسه "أو وافقه" فيما هو فيه بأن يترك قراءته ويتبع الإمام في القيام أو التشهد "وأتى بركعة" بدل هذه الركعة التي فاتته "بعد سلامه" أي سلام الإمام كالمسبوق ولا يجوز له بلا نية المفارقة الجري على ترتيب صلاة نفسه، فإن فعل عامدًا عالمًا بطلت صلاته لما فيه من المخالفة الفاحشة. "وهذا" كله "في الموافق وهو من أدرك مع الإمام قدر الفاتحة" سواء الركعة الأولى وغيرها. "وأما المسبوق" وهو من لم يدرك مع الإمام من الركعة الأولى أو غيرها قدرًا يسع الفاتحة "إذا ركع الإمام" وهو باق "في فاتحته" إلى الآن لم يكملها "فإن" كان قد "اشتغل" قبلها "بسنة كدعاء الافتتاح" أو التعوذ أو سكت أو سمع قراءة الإمام أو غيره "قرأ" وجوبًا من الفاتحة "بقدرها" أي بقدر حروف السنة التي اشتغل بها وبقدر زمن السكوت الذي اشتغل به لتقصيره بعدوله عن الفرض إليها إذ السنة للمسبوق أن لا يشتغل بسنة غير الفاتحة، فإن ركع ولم يقرأ قدر ما فوته بطلت صلاته إن علم وتعمد وإلا فركعة. "ثم" إذا اشتغل بقراءة قدر ما فوته "إن" أكمله و"أدركه" أي الإمام "في الركوع أدرك الركعة" كغيره "وإلا" يدركه فيه بأن لم يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن أقله فإن فرغ والإمام في الاعتدال "فاتته" الركعة على اضطراب طويل فيه بين المتأخرين.

 

ص -161-      فصل: "في إدراك المسبوق الركعة"
ومن أدرك الإمام المتطهر راكعًا واطمأن معه قبل ارتفاعه أدرك الركعة، وإن أدركه في ركوع زائد أو في الثاني من الكسوفين لم يدركها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"و" حينئذ "وافقه" وجوبًا في الاعتدال وما بعده ولا يركع؛ لأنه لا يحسب له فإن ركع عامدًا عالمًا بطلت صلاته. "ويأتي بركعة" بعد سلام إمامه لأنه لم يدرك الأولى معه وإن لم يفرغ والإمام في الاعتدال بأن أراد الهوي منه إلى السجود وهو إلى الآن لم يكمل قراءة ما لزمه فقد تعارض معه واجبان: متابعة الإمام وقراءة ما لزمه، ولا مرجح لأحدهما فيلزمه فيما يظهر أن ينوي المفارقة ليكمل الفاتحة ويجري على ترتيب صلاة نفسه وتكون مفارقته بعذر فيما يظهر أيضًا، وإن قصر بارتكاب سبب وجوبها وهو اشتغاله بالسنة عن الفرض. "وإن لم يشتغل" المسبوق بعد إحرامه "بسنة" ولا بغيرها بل بالفاتحة وركع إمامه "قطع القراءة وركع معه" ليدرك الركعة ويتحمل الإمام عنه بقية الفاتحة أو كلها إن لم يدركه إلا في الركوع، فإن لم يركع معه فاتته الركعة بل وبطلت صلاته إن تخلف ليكمل الفاتحة إلى أن شرع الإمام في الهوي إلى السجود.
فصل: في بيان إدراك المسبوق الركعة
"ومن أدرك الإمام المتطهر راكعًا" ركوعًا محسوبًا له أو قريبًا من الركوع بحيث لا يمكنه قراءة الفاتحة جميعها قبل ركوعه. "و" تيقن أنه "اطمأن معه" في الركوع "قبل ارتفاعه" عن أقل الركوع السابق بيانه "أدرك الركعة" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد أدركها"1, ومن لم يسن الخروج من خلاف من منع إدراك الركعة بذلك. "وإن أدركه" وهو محدث أو متنجس أو "في ركوع" غير محسوب له نحو "زائد" قام إليه سهوًا أو في أصلي ولم يطمئن معه فيه أو اطمأن بعد ارتفاع الإمام عن أقل الركوع وهو بلوغ راحتيه ركبتيه، أو تردد هل اطمأن قبل وصول الإمام لحد أقل الركوع سواء أغلب على ظنه شيء أم لا؟ "أو" أدركه "في" الركوع" الثاني من" صلاة "الكسوفين لم يدركها" أي الركعة لعدم أهلية نحو المحدث لتحمل القيام والقراءة، ولأن الحكم بإدراك ما قبل الركوع بالركوع رخصة فلا يصار إليها إلا بيقين، ولأن الركوع الثاني وقيامه من كل ركعة من صلاة الخسوفين تابع للركوع الأول وقيامه فهو في حكم الاعتدال، ولذا سن فيه: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، ولو قرأ الفاتحة أدرك الركعة، وإن كان الإمام محدثًا أو في زائدة ما لم يعلم بحدثه أو بسهوه، وإن نسي بعد كما مر وحيث أتى الشاك في الطمأنينة المذكورة بركعة بعد سلام الإمام سجد للسهو، وشرط صحة صلاة المسبوق المذكور أن يكبر للإحرام ثم للهوي، فإن اقتصر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارقطني في سننه "1/ 347".

 

ص -162-      فصل: "في صفات الأئمة المستحبة"
أحق الناس بالإمامة الوالي، فيتقدم أو يقدم غيره ولو في ملك غيره، والساكن بملك أو إعارة أو إجارة أو وقف أو وصية أو نحوها يتقدم أو يقدم أيضًا، إلا أن المعير أحق من المستعير، والسيد أحق من عبده الذي ليس بمكاتب، والإمام الراتب أحق من غير الوالي فيتقدم أو يقدم، ثم قدم الأفقه ثم الأقرأ ثم الأورع ثم من سبق بالهجرة هو أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على تكبيرة اشترط أن ينوي بها الإحرام وأن يتمها قبل أن يصير أقرب إلى أقل الركوع، فإن نوى بها الهوي أو مع التحرم أو أطلق لم تنعقد صلاته.
فصل: في صفات الأئمة المستحبة
"أحق الناس بالإمامة الوالي" في محل ولايته الأعلى فالأعلى وإن اختص غيره بسائر الصفات الآتية للخبر الصحيح:
"لا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه"1, ومحل ذلك في غير من ولاه الإمام الأعظم أو نائبه، أما من ولاه أحدهما في مسجد فهو أولى من والي البلد وقاضيها، وفيمن تضمنت ولايته الإمامة عرفًا بخلاف نحو ولاة الحروب والشرطة فلا حق لهم في الإمامة وحيث كان الوالي أحق "فيتقدم" بنفسه "أو غيره" لأن الحق له فينيب فيه من شاء. "ولو" أقيمت الصلاة "في ملك غيره" وقد رضي المالك بإقامتها في ملكه؛ لأن تقدم المالك وغيره بحضرته من غير استئذانه لا يليق ببذل الطاعة له "و" الأحق بعد الوالي فيما إذا أقيمت الصلاة في مملوك الرقبة أو المنفعة "الساكن" يعني المستحق لتلك المنفعة "بملك أو إعارة أو إجارة أو وقف أو وصية أو نحوها" فحينئذ "يتقدم" بنفسه "أو يقدم أيضًا" لما مر في الوالي ولخبر أبي داود: "لا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في بيته"2 والحاصل أن مقدم المقدم هنا وفي جميع ما أتى كالمقدم وإن كان من قدمه غيره أهل للإمامة كالمرأة المستحقة لمنفعة محل أقيمت الجماعة فيه والشريكان يعتبر إذنهما ولا يتقدم أو يقدم أحدهما إلا بإذن الآخر أو وكيله، ولا حق لولي المحجور في التقديم ولا التقدم والساكن أولى كما تقرر "إلا" في مسائل منها "أن المعير أحق" بالتقديم والتقدم "من المستعير" لأنه مالك للمنفعة وللرجوع فيها متى شاء. "و" منها أن "السيد أحق" بما ذكر "من عبده" أي قنه "الذي ليس بمكاتب" لأنه المالك بخلاف المكاتب كتابة صحيحة فإنه أحق من السيد لأنه مستقل بالتصرف. "والإمام الراتب" بمحل الجماعة "أحق من غير الوالي" وإن اختص الغير بما يأتي "فيتقدم أو يقدم" من تصح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 290 و291، وأبو داود في الصلاة باب 60، والترمذي في الصلاة باب 60 والأدب باب 24، والنسائي في الإمامة باب 3 و6، وابن ماجه في الإقامة باب 46.
2 لم أجده بهذا اللفظ في أبي داود، والذي فيه مثل الرواية السابقة "في سلطانه". راجع سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب 60، حديث 583.

 

ص -163-      أحد آبائه, ثم من سبق إسلامه ثم النسيب، ثم حسن الذكر، ثم نظيف الثوب، ثم نظيف البدن وطيب الصنعة، ثم حسن الصوت ثم حسن الصورة، فإن استووا أقرع، والعدل أولى من الفاسق وإن كان أفقه أو أقرأ، والبالغ أولى من الصبي وإن كان أفقه أو أقرأ، والحر أولى من العبد، ويستوي العبد الفقيه والحر غير الفقيه، والمقيم أولى من المسافر، وولد الحلال أولى من ولد الزنى، والأعمى مثل البصير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إمامته وإن كان هناك أفضل منه للخبر السابق ولو لم يحضر الراتب سن الإرسال إليه ليحضر أو يأذن، فإن خيف فوت أول الوقت ولا فتنة ولا تأذي لو تقدم غيره سن لواحد أن يؤم بالقوم، ولو ضاق الوقت أو كان المسجد مطروقًا جمعوا مطلقًا. "ثم" إن لم يكن هناك أولى باعتبار المكان كأن كانوا بموات أو مسجد ولا إمام له راتب أو له إمام وأسقط حقه وجعله للأولى "قدم" باعتبار الصفة "الأفقه" بأحكام الصلاة على من بعده لاحتياج الصلاة إلى مزيد الفقه بل مزيده أكثر من نحو القراءة. "ثم" إن استوى اثنان في الفقه وأحدهما أقرأ قدم "الأقرأ" أي الأحفظ لأن الصلاة أشد احتياجًا إليه من الأورع. "ثم" إن استويا فقهًا وقراءة قدم "الأورع" أي الأكثر ورعًا وهو اجتناب الشبهات خوفًا من الله تعالى ومن لزمه حسن السيرة والعفة. "ثم" إن استويا فقهًا وقراءة وورعًا قدم "من سبق الهجرة" إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى دار الإسلام سواء كان السابق "هو أو أحد آبائه" لخبر مسلم1 وجعل الهجرة هنا هو المعتمد. "ثم" بعد من ذكر يقدم الأسن لخبر مسلم أيضًا2، والمراد به "من سبق إسلامه" كشاب أسلم أمس على شيخ أسلم اليوم فإن أسلما معًا قدم الأكبر سنًّا، ويقدم المسلم بنفسه على المسلم بالتبعية. "ثم" بعد ما ذكر يقدم "النسيب" بما يعتبر في الكفاءة فيقدم الهاشمي ثم المطلبي ثم بقية قريش ثم بقية العرب، ويقدم ابن الصالح والعالم على غيره، "ثم" بعد ما ذكر يقدم "حسن الذكر" لأنه أهيب ممن بعده والقلوب إليه أميل. "ثم" بعده "نظيف الثوب ثم" بعده نظيف البدن وطيب الصنعة" عن الأوساخ لذلك. "ثم" بعده "حسن الصوت ثم حسن الصورة" أي الوجه لذلك أيضًا، وهذا الذي ذكره آخذًَا لأكثره من الروضة ولبعضه من التحقيق هو المعتمد لأن المدار كما أشعر به تعليلهم على ما هو أفضى إلى استمالة القلوب، وكل واحد ممن ذكر أفضى إلى ذلك مما بعده كما لا يخفى، وحينئذ فالأولى بعد الاستواء في النسب وما قبله الأحسن ذكرًا فالأنظف ثوبًا فبدنًا فصنعة فالأحسن صوتًا فوجهًا. "فإن استووا" في جميع ما ذكر وتشابهوا "أقرع" بينهم ندبًا قطعًا للنزاع "والعدل" ولو قنًّا3 "أولى" بالتقديم والتقدم "من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 291" عن أبي مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة، فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنًا، ولا تؤمن الرجل في أهله في سلطانه، ولا تجلس على تكرمته في بيته إلا أن يأذن لك".
2 راجع تخريج الحديث السابق.
3 القن: العبد الذي كان أبوه مملوكًا لمواليه.

 

ص -164-      فصل: "في بعض السنن المتعلقة بالجماعة"
يستحب أن لا يقوم إلا بعد فراغ الإقامة، وتسوية الصفوف والأمر بذلك ومن الإمام آكد، وأفضل الصفوف الأول فالأول للرجال، وتكره إمامة الفاسق والأقلف -وهو الذي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفاسق وإن كان" الفاسق حرًّا أو "أفقه أو أقرأ" لكراهة الاقتداء به؛ لأنه قد يقصر في الواجبات. "و" كذلك "البالغ" ولو قنًّا "أولى من الصبي وإن كان" الصبي حرًّا أو "أفقه أو أقرأ" لكراهة الاقتداء به وللخلاف في صحة إمامته. "والحر أولى من العبد" لأنه أكمل "ويستوي العبد الفقيه" أو القارئ مثلا "والحر غير الفقيه" أو القارئ لانجبار نقص الرق بما انضم إليه من صفة الكمال، وإنما كان الحر أولى في صلاة الجنازة مطلقًا لأن القصد بها الدعاء والشفاعة وهو بهما أليق "والمقيم" والمتم "أولى من المسافر" الذي يقصر؛ لأنه إذا أم أتموا كلهم فلا يختلفون وإذا أم القاصر اختلفوا. "وولد الحلال أولى من ولد الزنى" وممن لا يعرف له أب وإن كان أفقه أو أقرأ لأن إمامته خلاف الأولى للحوق العار به، ولو تعارضت هذه الصفات فالذي يظهر أن العدل أولى من الفاسق مطلقًا، وأن البالغ العدل أولى من الصبي العدل وإن زاد بنحو الفقه، وأن الحر العدل أولى من الرقيق العدل ما لم يزد بما ذكر، والمبعض أولى من كامل الرق، وقد علم مما مر أن الوالي يقدم وإن كان فيه جميع هذه النقائص. "والأعمى مثل البصير" حيث استويا في الصفات السابقة؛ لأن في كل مزية ليس في الآخر؛ لأن الأعمى لا ينظر إلا ما يشغله فهو أخشع، والبصير ينظر إلى الخبث فهو أحفظ لتجنبه.
فصل: في بعض السنن المتعلقة بالجماعة
"يستحب" لمريد الجماعة غير المقيم "أن لا يقوم إلا بعد فراغ الإقامة" إن كان يقدر على القيام بسرعة بحيث يدرك فضيلة تكبيرة الإحرام وإلا قام قبل ذلك بحيث يدركها، ومن دخل في حال الإقامة أو وقد قربت بحيث لو صلى التحية فاته فضل التكبيرة مع الإمام استمر قائمًا ولا يجلس ولا يصلي. "و" يستحب "تسوية الصفوف والأمر بذلك" لكل أحد "و" وهو "من الإمام" بنفسه أو مأذونه "آكد" للاتباع مع الوعيد على تركها والمراد بها إتمام الأول فالأول وسد الفرج وتحاذي القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدر واحد ولا شيء منه على من هو بجنبه ولا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الأول، ولا يقف في صف حتى يتم ما قبله، فإن خولف في شيء من ذلك كره أخذًا من الخبر الصحيح:
"ومن وصل صفًّا وصله الله ومن قطع صفًّا

 

ص -165-      لم يختتن- والمبتدع والتمتام، والفأفاء، والوأواء، وكذا تكره الجماعة في مسجد له إمام راتب وهو غير مطروق إلا إذا خشي فوات فضيلة أو الوقت ولم يخش فتنة، ويندب أن يجهر الإمام بالتكبير وبقوله: سمع الله لمن حمده والسلام، ويوافقه المسبوق في الأذكار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قطعه الله"1, "وأفضل الصفوف الأول" وهو الذي يلي الإمام وإن تخلله منبر أو نحوه "فالأول" وهو الذي يليه وهكذا وإذا استداروا في مكة فالصف الأول في غير جهة الإمام ما اتصل بالصف الذي وراء الإمام لا ما قرب من الكعبة على الأوجه، وأفضلية الأول فالأول تكون "للرجال" والصبيان وإن كان ثم غيرهم وللخناثى الخلص أو مع النساء وللنساء الخلص بخلاف النساء مع الذكور أو الخناثى فالأفضل لهن التأخر، وكذا الخناثى مع الذكور كما علم مما مر، وأصل ذلك خبر مسلم: "خير صفوف الرجال أولها وأشرها آخرها وخير صفوف النساء -أي مع غيرهن- آخرها وشرها أولها"2 وسن تحري يمين الإمام "وتكره إمامة الفاسق" والاقتداء به حيث لم يخشَ فتنة بتركه وإن لم يوجد أحد سواه على الأوجه للخلاف في صحة الاقتداء به لعدم أمانته. "و" إمامة "الأقلف" والاقتداء به "وهو الذي لم يختتن" سواء ما قبل البلوغ وما بعده؛ لأنه قد لا يحافظ على ما يشترط لصحة صلاته فضلا عن إمامته وهو غسل جميع ما يصل إليه البول مما تحت قلفته؛ لأنها لما كانت واجبة الإزالة كان ما تحتها في حكم الظاهر. "و" إمامة "المبتدع" الذي لم يكفر ببدعته والاقتداء به وإن لم يوجد غيره كالفاسق بل أولى، وبحث الأذرعي حرمة الاقتداء به على عالم شهير لأنه سبب لإغوء العوام ببدعته، أما من يكفر ببدعته كمنكر علم الله بالجزئيات وبالمعدوم والبعث والحشر للأجساد وكذا المجسم على تناقض فيه3 والقائل بالجهة على قول نقل عن الأئمة الأربعة فلا يصح الاقتداء به كسائر الكفار "و" إمامة "التمتام" وهو الذي يكرر التاء "والفأفاء" وهو من يكرر الفاء "والوأواء" وهو من يكرر الواو وغيرهم ممن يكرر شيئًا من الحروف للزيادة ولتطويل القراءة بالتكرير ولنفرة الطباع عن سماع كلامهم وصحت إمامتهم لعذرهم، ويكره أيضًا إمامة من يلحن بما لا يغير المعنى والموسوس ومن كرهه أكثر من نصف القوم المذموم فيه شرعًا. "وكذا تكره الجماعة أي إقامتها "في مسجد له إمام راتب" قبله أو معه أو بعده "وهو" أي المسجد "غير مطروق" ولم يأذن في ذلك؛ لأنه يورث الطعن فيه وتفرق الناس عنه بخلاف ما إذا لم يكن له إمام راتب أو أذن إمامه الراتب لأن الحق له أو كان المسجد مطروقًا لانتفاء ما ذكر لأن العادة في المطروق أن لا يقتصر فيه على جماعة واحدة، ويكره ذلك في غير المطروق بغير إذنه كما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في الصلاة باب 93 "حديث 666" من حديث ابن عمر. ورواه أيضًا الإمام أحمد في المسند "2/ 98" والبيهقي في السنن الكبرى "3/ 101" والحاكم في المستدرك "1/ 213".
2 رواه مسلم في الصلاة "حديث 132"، وأبو داود في الصلاة باب 97، والترمذي في المواقيت باب 52، والنسائي في الإمامة باب 32، وابن ماجه في الإقامة باب 52.
3 أي مع الخلاف في تكفيره.