المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية

ص -172-      باب: صلاة الجمعة
تجب الجمعة على كل مكلف حر ذكر مقيم بلا مرض ونحوه مما تقدم، وتجب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأداء للعذر وقد زال قبل تمامها، وقضيته أنه لو قدم الثانية وأقام في أثناء الأولى لا تكون قضاء لوجود العذر في جميع المتبوعة وهو ما اعتمده الإسنوي لكن خالفه بعض شراح الحاوي1. "ويجوز الجمع بالمطر تقديمًا" لا تأخيرًا لأن استدامة المطر ليست إلى المصلي بخلاف السفر، ويجوز جمع العصر إلى الجمعة بعذر المطر والسفر وذلك لما صح "أنه صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر"2، قال الشافعي كمالك رضي الله عنهما: أرى ذلك بعذر المطر، ويؤيده جمع ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم به، وإنما يباح الجمع به في العصرين والعشاءين "لمن" وجدت فيه الشروط السابقة في جمع التقديم، نعم الشرط وجود المطر عند الإحرام بالأولى والتحلل منها والتحرم بالثانية ولا يضر انقطاعه فيما عدا ذلك. و"صلى" أي أراد أن يصلي "جماعة في مكان" مسجد أو غيره وكانت تلك الجماعة تأتي ذلك المكان من محل "بعيد" عنه "وتأذى" كل منهم "بالمطر" ولو خفيفًا بحيث يبل الثوب والبرد والثلج إن ذابا أو كانا قطعًا كبارًا للمشقة حينئذ، أما إذا صلى ولو جماعة ببيته أو بمحل الجماعة القريب بحيث لا يتأذى "في طريقه" إليه بالمطر أو مشى في كن أو صلوا فرادى ولو في محل الجماعة فلا جمع لانتفاء التأذي، نعم للإمام الجمع بالمأمومين وإن لم يتأذ به.
باب: صلاة الجمعة
هي بتثليث الميم وبإسكانها، وهي فرض عين عند اجتماع شروطها الآتية، ومثل سائر الخمس في الأركان والشروط والآداب، لكنها اختصت بشروط لصحتها وشروط للزومها وبآداب كما يأتي بعض ذلك.
"تجب الجمعة على كل مكلف" لا صبي ومجنون كغيرها "حر" لا من فيه رق ولو مبعضًا وإن كانت النوبة له ومكاتبًا لنقصه "ذكر" لا امرأة وخنثى لنقصهما أيضًا "مقيم" بالمحل الذي تقام فيه وإن لم يكن مستوطنه لا مسافر كما يأتي "بلا مرض ونحوه مما تقدم" من سائر أعذار الجماعة، فالمعذور بشيء منها لا تلزمه الجمعة لما مر، ثم نعم لا تسقط عمن أكل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كتاب "الحاوي الكبير في الفروع" للقاضي أبي الحسن علي بن محمد الماوردي البصري الشافعي المتوفى سنة 450هـ "كشف الظنون: ص628".
2 رواه مسلم في صلاة المسافررين وقصرها حديث 49 و50 و54، وأبو داود في صلاة السفر باب 5, والترمذي في الصلاة باب 24، والنسائي في المواقيت باب 47، وأحمد في المسند "1/ 283".

 

ص -173-      على المريض ونحوه إذا حضر وقت إقامتها، أو حضر في الوقت ولم يشق عليه الانتظار، ومن بلغه نداء صيت من طرف موضع الجمعة مع سكون الريح والصوت لا على مسافر سفرًا مباحًا طويلا أو قصيرًا، ويحرم السفر بعد الفجر إلا مع إمكانها في طريقه، أو توحش بتخلفه عن الرفقة، وتسن الجماعة في ظهر المعذورين ويخفونها إن خفي عذرهم، ومن صحت ظهره صحت جمعته، ومن وجبت عليه لا يصح إحرامه بالظهر قبل سلام الإمام، ويندب للراجي زوال عذره تأخير ظهره إلى اليأس من الجمعة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منتنًا إلا إذا لم يقصد به إسقاطها وإلا لزمته، وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال:
"الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض"1 "وتجب" الجمعة "على المريض ونحوه" كالمعذور بالمطر "إذا حضر" محل إقامتها "وقت إقامتها" ولا يجوز له الانصراف إلا إن كان هناك مشقة لا تحتمل كمن به إسهال ظن انقطاعه فحضر, ثم عاد بعد تحرمه وعلم من نفسه أنه إن مكث جرى جوفه فله الانصراف لاضطراره إليه، وكذا لو زاد ضرره بطول صلاة الإمام "أو حضر في الوقت" أي بعد الزوال "ولم يشق عليه الانتظار" بأن لم يزد ضرره بذلك لأن المانع في حقه مشقة الحضور وبالحضور زال المانع، فإن تضرر بالانتظار أو لم يتضرر لكن حضر قبل الوقت فله الانصراف ولمن لا تلزمه لنحو رق الانصراف مطلقًا. "و" كما تجب على أهل محل إقامتها تجب على غيرهم وهم كل "من بلغه" نداء الجمعة لخبر: "الجمعة على من سمع النداء"2 إسناده ضعيف لكن له شاهد بإسناد جيد. والمعتبر "نداء صيت" أي عالي الصوت يؤذن كعادته في علو الصوت وهو واقف على الأرض "من طرف موضع الجمعة" الذي يلي المكان الخارج عن موضعها "مع سكون الريح والصوت" واعتبر ما ذكر من الشروط لأنه عند وجودها لا مشقة عليه في الحضور بخلافه عند فقدها أو فقد بعضها، وتجب على من ذكر "لا على مسافر سفرًا مباحًا طويلا أو قصيرًا" بشرط أن يخرج من سور محلها أو عمرانه قبل الفجر. "ويحرم" على من لزمته الجمعة "السفر بعد الفجر" ولو لطاعة لأنها مضافة إلى اليوم وإن كان وقتها بالزوال، ولذا دخل وقت غسلها بالفجر ولزم بعيد الدار السعي قبل وقتها ليدركها فيه "إلا مع إمكانها في طريقه أو" إن "توحش" أي حصلت له وحشة "بتخلفه عن الرفقة" وإن لم يخف ضررًا على الأوجه أو إن خشي ضررًا على محترم له أو لغيره. "وتسن الجماعة في ظهر المعذورين" لعموم أدلتها "ويخفونها" ندبًا "إن خفي عذرهم" لئلا يتهموا بالرغبة عن صلاة الإمام أو الجمعة، أما ظاهر العذر كالمرأة فيسن لها إظهارها لانتفاء التهمة. "ومن صحت ظهره" ممن لا تلزمه الجمعة "صحت جمعته" فيتخير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في الصلاة باب 209 "حديث 1067" من حديث طارق بن شهاب، ورواه أيضًا الحاكم في المستدرك "1/ 288".
2 رواه أبو داود في الصلاة باب 206 "حديث 1056" عن عبد الله بن عمرو بن العاص، بلفظ: "الجمعة على كل..." ورواه أيضًا الدراقطني في سننه "2/ 6".

 

ص -174-      فصل: "للجمعة شروط زوائد"
للجمعة شروط زوائد:
الأول: وقت الظهر، فلا تقضى الجمعة فلو ضاق الوقت أحرموا بالظهر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين فعل ما شاء منهما لكن الجمعة أفضل لها لأنها صلاة أهل الكمال، نعم إن أحرم مع الإمام بالجمعة تعين عليه إتمامها فليس له أن يتمها ظهرًا بعد سلام الإمام لانعقادها عن فرضه. "ومن وجبت عليه" الجمعة "لا يصح إحرامه بالظهر قبل سلام الإمام" من الجمعة ولو بعد رفعه من ركوع الثانية لتوجه فرضها بناء على الأصح أنها الفرض الأصلي، وليست بدلًا عن الظهر وبعد سلام الإمام يلزمه فعل الظهر فورًا وإن كانت أواء لعصيانه بتفويت الجمعة فأشبه عصيانه بخروج الوقت، ولو تركها أهل بلد تلزمهم وصلوا الظهر لم تصح إلا إن ضاق الوقت عن أقل واجب الخطبتين والركعتين "ويندب للراجي زوال عذره" قبل فوات الجمعة كالعبد يرجو العتق والمريض يرجو الخفة1 "تأخير ظهره إلى اليأس من الجمعة" لما في تعجيل الظهر حينئذ من تفويت فرض أهل الكمال، فإن أيس من الجمعة بأن رفع الإمام رأسه من ركوعها الثاني فلا تأخير، وإنما لم يكن الفوات فيما مر بهذا بل بالسلام لأن الجمعة ثم لازمة له فلا ترتفع إلا بيقين بخلافه هنا، أما من لا يرجو زوال عذره كالمرأة فيسن له حيث عزم على أنه لا يصلي الجمعة الظهر أول الوقت ليحوز فضيلته.
فصل:
"للجمعة" أي لصحتها "شروط زوائد" على شروط غيرها "الأول: وقت الظهر" بأن تقع كلها مع خطبتيها فيه للاتباع رواه الشيخان2. "فلا تقضي الجمعة" لأنه لم ينقل "فلو ضاق الوقت" عن أن يسعها مع خطبتيها أو شكوا هل بقي ما يسع ذلك أم لا "أحرموا بالظهر" وجوبًا لفوات الشرط، ولو مد الركعة الأولى حتى تحقق أنه لم يبق ما يسع الثانية أتم وانقلبت ظهرًا من الآن وإن لم يخرج الوقت، ولو خرج الوقت وهم فيها أتموها ظهرًا وجوبًا، ولا يشترط تجديد نية لأنهما صلاتا وقت واحد فجاز بناء أطولهما على أقصرهما كصلاة الحضر مع السفر، ويسر بالقراءة من حينئذ، ولا أثر للشك أثناءها في خروجه لأن الأصل بقاؤه3، ولو قام المسبوق ليكمل فخرج الوقت انقلبت له ظهرًا أيضًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي من مرضه.
2 روى البخاري في كتاب الجمعة باب 16 "حديث 904" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي حين تميل الشمس".
3 أي بقاء وقت الظهر.

 

ص -175-      الثاني: أن تقام في خطة بلد أو قرية.
الثالث: أن لا يسبقها ولا يقارنها جمعة في تلك البلد أو القرية إلا لعسر الاجتماع.
الرابع: الجماعة وشروطها أربعون مسلمًا ذكرًا مكلفًا حرًّا متوطنًا لا يظعن إلا لحاجة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الثاني" من الشروط: "أن تقام في خطة بلدة أو قرية" مبنية ولو بنحو قصب للاتباع، فلا تصح إلا في أبنية مجتمعة في العرف وإن لم تكن في مسجد وإن انهدمت وأقاموا لعمارتها ولو في غير مظال لأنها وطنهم، وبه فارق ما لو نزلوا مكانًا ليعمروه قرية فإن جمعتهم لا تصح فيه قبل البناء، ودخل في قوله خطة -وهي بكسر الخاء المعجمة أرض خط عليها أعلام للبناء فيها- الفضاء المعدودة من الأبنية المجتمعة بأن كان في محل منها لا تقصر فيه الصلاة وإن كان منفصلا عن الأبنية، بخلاف غير المعدود منها وهو ما يقصر فيه المسافر إذا وصله، وعليه يحمل قولهم: لو بنى أهل بلد مسجدهم خارجها لم يجز لهم إقامة الجمعة فيه لانفصاله وخرج بالبلد والقرية الخيام وإن استوطنها أهلها فلا جمعة عليهم.
"الثالث" من الشروط: "أن لا يسبقها ولا يقارنها جمعة في تلك البلاد أو القرية" للاتباع "إلا لعسر الاجتماع" في محل مسجد أو غيره منها فحينئذ يجوز تعددها بحسب الحاجة أما إذا سبقت واحدة مع عدم عسر الاجتماع فهي الصحيحة، وما بعدها باطل، وإما إذا تقارنتا فهما باطلتان، والعبرة في السبق والمقارنة بالراء من تكبيرة إحرام الإمام، فإن علم سبق وأشكل الحال أو علم السابق ثم نسي فالواجب الظهر على الجميع لالتباس الصحيحة بالفاسدة، وإن علمت المقارنة أو لم يعلم سبق ولا مقارنة أعيدت الجمعة إن اتسع الوقت لعدم وقوع جمعة مجزئة من خلاف من منع التعدد ولو لحاجة.
"الرابع" من الشروط: "الجماعة" فلا تصح بأربعين فرادى لأنه لم ينقل "وشروطها" أي الجماعة ليعتد بها في الجمعة "أربعون" بالإمام لأن الأمة أجمعوا على اشتراط العدد فيها وإلا صلى الظهر، ولا تصح الجمعة إلا بعدد ثبت فيه توقيف1 وقد ثبت جوازها بأربعين1 ولم تثبت صلاته صلى الله عليه وسلم لها بأقل من أربعين فلا تجوز بأقل منه "مسلمًا ذكرًا مكلفًا" أي بالغًا عاقلًا "حرًا متوطنًا" ببلد الجمعة بأن يكون بحيث "لا يظعن" عن وطنه صيفًا ولا شتاء "إلا لحاجة" كتجارة وزيارة فلا تنعقد بأضداد من ذكر لنقصهم، ومنهم غير المتوطن كمن أقام على عزم عوده إلى بلده بعد مدة ولو طويلة كالمتفقهة3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إما من الكتاب أو من السنة.
2 كما رواه البيهقي في السنن الكبرى عن ابن مسعود: "أنه صلى الله عليه وسلم جمع المدينة وكانوا أربعين رجلًا".
3 أي طالبو العلم والفقه.

 

ص -176-      فإن نقصوا في الصلاة صارت ظهرًا، ويجوز كون إمامها عبدًا أو مسافرًا أو صبيًّا إن زاد على الأربعين.
الخامس: خطبتان قبل الصلاة، وفروضهما خمسة: حمد الله تعالى، والصلاة على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمتوطن خارج بلد الجمعة وإن سمع النداء فلا تنعقد بهما، وفي صحة تقدم إحرام من لا تنعقد بهم على من تنعقد بهم اضطراب طويل، فينبغي لمن لا تنعقد به أن لا يحرم بها إلا بعد إحرام أربعين ممن تنعقد بهم. "فإن نقصوا" عن الأربعين بانفضاض أو غيره "في" الخطبة أو بينها وبين الصلاة أو في الركعة الأولى من "الصلاة" بطلت الخطبة في الأولتين والجمعة في الثالثة و"صارت ظهرًا" إلا أن أتموا على الفور بمن سمع أركان الخطبتين، فحينئذ يبني على ما مضى أو كان أحرم قبل الانفضاض من كمل العدد به وإن لم يسمع الخطبة لأنهم لما لحقوا والعدد تام صار حكمهم واحدًا، ولو تحرم تسعة وثلاثون لاحقون بعد رفع الإمام من ركوع الأولى ثم انفض الأربعون الذين أحرم بهم أو نقصوا فالجمعة باقية وإن لم يحضر اللاحقون الركعة الأولى لما مر، ولا يضر تباطؤ المأمومين بالإحرام بعد إحرام الإمام لكن بشرط تمكنهم من قراءة الفاتحة قبل ركوعه وإلا لم تنعقد الجمعة بهم، ولو كان في الأربعين أمي قصر في التعلم لم تصح جمعتهم لارتباط صحة صلاة بعضهم ببعض فصار كاقتداء القارئ بالأمي، ولو جهلوا كلهم الخطبة لم تصح الجمعة بخلاف ما إذا جهلها بعضهم، وعلم مما تقرر أن الجماعة هنا إنما تشترط في الركعة الأولى، فلو صلى بالأربعين ركعة ثم أحدث فأتم كل وحده أو فارقوه في الثانية وإن لم يحدث وأتموا منفردين أجزأتهم الجمعة، لكن يشترط بقاء العدد إلى السلام، فلو بطلت صلاة واحد من الأربعين حال انفرادهم في الركعة الثانية بطلت صلاة الجميع لتبين فساد صلاته من أولها فكأنه لم يحرم. "ويجوز كون إمامها عبدًا أو مسافرًا أو صبيًا" أو محدثًا ولم يبن حدثه إلا بعد الصلاة أو محرمًا برباعية كالعصر "إن زاد على الأربعين" ولا أثر لحدثه لأنه لا يمنع الجماعة ولا نيل فضلها فإن لم يكن زائدًا على الأربعين لم تنعقد الجمعة لانتفاء العدد المعتبر، ومثله ما لو بان كافرًا أو امرأة وإن زاد على الأربعين لأنهما ليسا أهلًا للإمامة بحلا، ولو بان حدث الأربعين صحت للإمام وللمتطهر تعبًا له وإن لم يكن الإمام زائدًا على الأربعين لأنه لم يكلف العلم بطهارتهم، بخلاف ما لو بان فيهم نحو عبد أو امرأة لسهولة الاطلاع على حاله.
"الخامس" من الشروط: "خطبتان قبل الصلاة" للاتباع1 وأخرت خطبتا نحو العيد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى البخاري في كتاب الجمعة، باب 30 -القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة "حديث رقم 928" عن عبد الله بن عمر قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين يقعد بينهما".

 

ص -177-      رسول الله صلى الله عليه وسلم والوصية بالتقوى، وتجب هذه الثلاثة في الخطبتين. الرابع: قراءة آية مفهمة في إحداهما. الخامس: الدعاء للمؤمنين في الثانية، وشروطهما: القيام لمن قدر، وكونهما بالعربية وبعد الزوال والجلوس بينهما بالطمأنينة، وإسماع العدد الذي تنعقد به والولاء بينهما وبينهما والصلاة وطهارة الحدثين، وطهارة النجاسة والستر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للاتباع أيضًا1. "وفروضهما" من حيث المجموع "خمسة: حمد الله تعالى" للاتباع2 ويشترط كونه بلفظ الله ولفظ حمد وما اشتق منه كالحمد لله أو أحمد الله أو الله أحمد أو لله الحمد أو أنا حامد لله فخرج الحمد للرحمن والشكر لله ونحوهما فلا يكفي. "والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم" ويتعين صيغتها كاللهم صل أو أصلي أو نصلي أو الصلاة والسلام على محمد أو أحمد أو الرسول أو النبي أو الحاشر أو الماحي أو العاقب أو البشير أو النذير فخرج سلم الله على محمد ورحم الله محمدًا وصلى الله عليه فلا يكفي على المعتمد خلافًا لمن وهم فيه وإن تقدم له ذكر يرجع إليه الضمير. "والوصية بالتقوى" للاتباع ولأنه المقصود الأعظم من الخطبة ولا يتعين لفظها بل يكفي أطيعوا الله أو اتقوا الله، ولا يكفي الاقتصار فيها على التحذير من غرور الدنيا وزخارفها لأن ذلك معلوم حتى عند الكافر، بل لا بد من الحث على الطاعة أو المنع من المعصية. "وتجب هذه" الأركان "الثلاثة في" كل من "الخطبتين" اتباعًا للسلف والخلف. "والرابع: قراءة آية مفهمة" للاتباع سواء آية الوعد والوعيد وغيرهما فلا يكفي شطر آية ولو طويلة ولا آية غير مفهمة نحو ثم نظر وتكفي ولو "في إحداهما" لأن الثابت القراءة في الخطبة دون تعين محلها، ويسن كونها بعد فراغ الأولى وقراءة ق في الأولى في كل جمعة للاتباع. "الخامس : الدعاء للمؤمنين" والمؤمنات بأخروي "في" الخطبة "الثانية" لاتباع السلف والخلف وإن اختص بالسامعين نحو رحمكم الله. "وشروطهما" أي شروط كل منهما "القيام لمن قدر" عليه للاتباع3 فإن عجز عنه بالضابط السابق في صلاة الفرض خطب قاعدًا فإن عجز عن ذلك فمضطجعًا ويجوز الاقتداء به وإن لم يتبين عذره لأن الظاهر أنه معذور،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى أبو داود في الصلاة باب 242 "حديث 1140" عن أبي سعيد الخدري قال: "أخرج مروان المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة...". الحديث, وروى أيضًا "حديث 1141" عن جابر بن عبد الله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب الناس". الحديث, وروى أيضًا "حديث 1142" من حديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه خرج يوم فطر فصلى ثم خطب...". الحديث.
2 روى أبو داود في الصلاة باب 223 "حديث 1096" عن الحكم بن حزن الكلفي قال: "وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة...", وفيه: "... شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئًا على عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات...". الحديث.
3 روى البخاري في الجمعة باب 27 "حديث 920" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا ثم يقعد ثم يقوم كما تفعلون الآن".

 

ص -178-      فصل: "في بعض سنن الخطبة وصلاة الجمعة"
تسن على منبر فإن لم يتيسر فعلى مرتفع، وأن يسلم عند دخوله وعند طلوعه، وإذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن بانت قدرته لم يؤثر والأولى للعاجز الاستنابة. "وكونها بالعربية" وإن كان الكل أعجميين لاتباع السلف والخلف، فإن أمكن تعلمهما بها خوطب به جميع أهل البلد على الكفاية، وإن زادوا على الأربعين فإن لم يفعلوا عصوا ولا جمعة لهم بل يصلون الظهر، وفائدة الخطبة بها وإن لم يعرفها القوم العلم بالوعظ من حيث الجملة إذ الشرط سماعها لا فهم معناها، وإن لم يمكن تعلمها خطب واحد بلغته وإن لم يعرفها القوم فإن لم يحسن أحد منهم الترجمة فلا جمعة لهم بانتفاء شرطها. "و" كونهما "بعد الزوال" للاتباع1 "والجلوس بينهما" للاتباع2 "بالطمأنينة" فيه وجوبًا كما في الجلوس بين السجدتين هذا في القائم إن أمكنه الجلوس وإلا فصل بسكتة، وكذا من يخطب جالسًا لعجزه فلا يكفيه الفصل بالاضطجاع، ويندب كون الجلوس ونحوه بقدر سورة الإخلاص "وإسماع العدد الذي تنعقد به" الجمعة بأن يرفع الخطيب صوته بأركانهما حتى يسمعها تسعة وثلاثون غيره كاملون فلا بد من الإسماع والسماع بالفعل لا بالقوة3، ولو كان الخطيب أصم لم يشترط أن يسمع نفسه على الوجه وإن كان من الأربعين، ولا يشترط معرفة الخطيب معنى أركان الخطبة خلافًا للزركشي4 "والولاء بينهما" أي بين كلمات كل من الخطبتين "وبينهما" وبين "الصلاة" للاتباع "وطهارة الحدثين" الأصغر والأكبر "وطهارة النجاسة" في الثوب والبدن والمكان "والستر" للعورة للاتباع كما في الصلاة فلو أحدث في الخطبة استأنفها وإن سبقه الحدث وقصر الفصل بخلاف ما لو أحدث بينهما وبين الصلاة وتطهر عن قرب لأنهما مع الصلاة عبادتان مستقلتان كما في الجمع بين الصلاتين، وأفهم كلامه أنه لا يشترط ترتيب الأركان الثلاثة ولا نية الخطبة ولا نية فرضيتها.
فصل: في بعض سنن الخطبة وصلاة الجمعة
"تسن" الخطبة "على منبر" للاتباع5 "فإن لم يتيسر فعلى مرتفع" لأنه أبلغ في الإعلام،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع الحديث المخرج في الحاشية 2 ص174.
2 راجع الحديث المخرج في الحاشية 1 ص176.
3 السماع بالفعل: أي السماع واقعا. أما السماع بالقوة: أي إمكان السماع، يعني افتراض إمكان السماع من دون شروط تحققه فعلاً.
4 تقدمت ترجمته: ارجع الحاشية 3 ص80.
5 روى البخاري في الجمعة باب 25 "حديث916" عن السائب بن يزيد قال: "إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان في خلافة عثمان رضي الله عنه وكثروا أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك".
 

 

ص -179-      أقبل عليهم، وأن يجلس حالة الأذان، وأن يقبل عليهم بوجهه، وأن تكون بليغة مفهومة قصيرة، وأن يعتمد على نحو عصا بيساره ويمناه بالمنبر، ويبادر بالنزول، ويكره التفاته والإشارة بيده، ودقة درج المنبر، ويقرأ في الأولى الجمعة، وفي الثانية المنافقين، أو سبح الأعلى، وفي الثانية الغاشية جهرًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن تعذر استند إلى خشبة أو نحوها. "وأن يسلم" الخطيب على الحاضرين "عند دخوله" المسجد لإقباله عليهم ولا يسن له فعل التحية. "و" أن يسلم ثانيًا على من "عند" المنبر قرب وصوله وإرادة "طلوعه" للاتباع "و" أن يسلم ثالثًا "إذا أقبل عليهم" للاتباع أيضًا "وأن يجلس" على المستراح "حالة الأذان" ليستريح من تعب الصعود وأن يؤذن بين يديه للاتباع "وأن يقبل عليهم بوجهه" ويستدبر القبلة للاتباع ولأنه اللائق بالمخاطبات، فإن استقبل أو استدبر كره، وأن يرفع صوته زيادة على الواجب للاتباع1 أيضًا، وأن لا يلتفت يمينًا ولا شمالا ولا يعبث بل يخشع كما في الصلاة. "وأن تكون" الخطبة "بليغة" لأن المبتذلة الركيكة لا تؤثر في القلوب "مفهومة" لكل الناس لأن الغريبة الوحشية لا ينتفع بها أكثرهم "قصيرة" يعني متوسطة بين الطويلة والقصيرة للاتباع رواه مسلم2، ولا يعارضه خبره أيضًا المصرح بالأمر بقصرها وبإطالة الصلاة بأن ذلك علامة على الفقه3 لأن القصر والطول من الأمور النسبية، فالمراد بإقصارها إقصارها عن الصلاة، وبإطالة الصلاة إطالتها على الخطبة، فعلم أن سن قراءة ق في الأولى لا ينافي كون الخطبة قصيرة أو متوسطة. "وأن يعتمد" الخطيب "على نحو عصا" أو سيف أو قوس "بيساره" للاتباع4 وحكمته أن هذا الدين قام بالسلاح "و" تكون "يمناه" مشغولة "بالمنبر" إن لم يكن فيه نجاسة كعاج أو ذرق طير فإن لم يجد شيئًا من ذلك جعل اليمنى على اليسرى تحت صدره. "و" أن "يبادر بالنزول" ليبلغ المحراب مع فراغ المؤذن من الإمامة في تحقيق الموالاة ما أمكن بين الخطبة والصلاة. "ويكره" ما ابتدعه جهلة الخطباء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى مسلم في الجمعة "حديث 43" عن جابر بن عبد الله قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش...". الحديث.
2 روى مسلم في الجمعة "حديث 41 و42" عن جابر بن سمرة قال: "كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا". قوله قصدًا: أي بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق، ورواه أيضًا أبو داود في الصلاة باب 223، والترمذي في الجمعة باب 12، والنسائي في الجمعة باب 35، وابن ماجه في الإقامة باب 85.
3 وهو ما رواه مسلم في الجمعة "حديث 47" عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة؛ وإن من البيان سحرًا". ومئنة: علامة.
4 راجع الحاشية 2 صفحة 177.

 

ص -180-      فصل: "في سنن الجمعة"
يسن الغسل لحاضرها، ووقته من الفجر، ويسن تأخيره إلى الرواح، والتبكير لغير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه "التفاته" في الخطبة الثانية "والإشارة بيده" أو غيره "ودقة درج المنبر" في صعوده بنحو سيف أو رجله والدعاء إذا انتهى إلى المستراح قبل جلوسه عليه، والوقوف في كل مرقاة وقفة خفيفة يدعو فيها، ومبالغة الإسراع في الثانية، وخفض الصوت بها والمجازفة في وصف السلاطين عند الدعاء لهم، ومن البدع المنكرة كتب كثير أوراقًا يسمونها حفائظ آخر جمعة من رمضان حال الخطبة، بل قد يحرم كتابة ما لا يعرف معناه لأنه قد يكون دالا على كفر، "ويقرأ" ندبًا "في" الركعة "الأولى الجمعة وفي" الركعة "الثانية المنافقين" ولو صلى بغير المحصورين "أو" في الأولى "سبح الأعلى وفي الثانية الغاشية" للاتباع فيهما وقراءة الأوليين أولى كما يشير إليه كلامه فإن ترك الجمعة أو سبح في الأولى عمدًا أو لا وقرأ بدلهما المنافقين أو الغاشية قرأ الجمعة أو سبح في الثانية ولا يعيد ما قرأه في الأولى، وإن لم يقرأ في الأولى واحدة منهما جمع بينهما في الثانية لئلا تخلو صلاته عنهما، ويسن أن تكون قراءته في الركعتين "جهرًا" للاتباع.
فصل: في سنن الجمعة
"يسن الغسل لحاضرها" أي مريد حضورها وإن لم تجب عليه لأن الغسل للصلاة لا لليوم بخلاف العيد، وذلك لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"من أتى الجمعة من الرجال أو النساء فليغتسل ومن لم يأتها فليس عليه غسل"1 ويكره تركه للخلاف في وجوبه وإن صح الحديث بخلافه وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل"2 "ووقته من الفجر" لأن الأخبار علقته باليوم. "ويسن تأخيره إلى الرواح" لأنه أفضى إلى الغرض من التنظيف ولا يبطله حديث ولا جنابة، ويندب لمن عجز عنه التيمم بنية الغسل بدلًا عنه إحرازًا لفضيلة العبادة وإن فات قصد النظافة كسائر الأغسال المسنونة. "و" يسن "التبكير" إلى المصلى ليأخذوا مجالسهم وينتظروا الصلاة للخبر الصحيح: "من اغتسل يوم الجمعة ثم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين "2/ 384" والعراقي في المغني عن حمل الأسفار "1/ 181" وابن القيسراني في تذكرة الموضوعات "731" وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق "6/ 234".
2 رواه من حديث جابر بن سمرة أبو داود في الطهارة باب 128 "حديث 354"، والترمذي "حديث رقم 497", وابن ماجه في سننه "حديث 1091" وأحمد في المسند "5/ 15، 16، 22" والبيهقي في السنن الكبرى "1/ 295، 296، 3/ 190", والطبراني في الكبير "7/ 240، 269".

 

ص -181-      الإمام من طلوع الفجر، ولبس البيض، والتنظيف، والتطيب، والمشي بالسكينة،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة"1, وفي رواية صحيحة: "وفي الرابعة دجاجة، وفي الخامسة عصفورًا وفي السادسة بيضة"2, وفي أخرى صحيحة أيضًا: "وفي الرابعة بطة، وفي الخامسة دجاجة وفي السادسة بيضة"3, وإنما يندب البكور "لغير الإمام" أما الإمام فيندب له التأخير إلى وقت الخطبة للاتباع والساعات المذكورة "من طلوع الفجر" والمراد بها ساعات النهار الفلكية وهو اثنتا عشر ساعة زمانية صيفًا وشتاء، والعبرة بخمس ساعات منها أو ست طال الزمان أو قصر، ويؤيده الخبر الصحيح وهو: "يوم الجمعة ثنتا عشر ساعة"4 إذ مقتضاه أن يومها لا يختلف فلتحمل على مقدار سدس بين الفجر والزوال لكن بدنة من جاء أول ساعة أكمل من بدنة من جاء آخرها، وبدنه المتوسط متوسطة، وكذا يقال في بقية الساعات، هذا هو المعتمد من اضطراب طويل في المسألة. "ولبس" الثياب "البيض" والأعلى منها آكد لمن صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "البسوا من ثيابكم البيض فإنها من خير ثيابكم"5 وما صبغ غزله قبل النسج أولى مما صبغ بعده، بل يكره المصبوغ بعده ولم يلبسه صلى الله عليه وسلم ولبس الأول، ويندب للإمام أن يزيد في حسن الهيئة والعمة والارتداء. "والتنظيف" بحلق العانة ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظفار وبالسواك وإزالة الأوساخ والروائح الكريهة للاتباع6 "والتطيب" وأفضله وهو المسك آكد للخبر الصحيح: "من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ومس من طيب إن كان عنده ثم أتى ولم يتخط أعناق الناس ثم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من حديث أبي هريرة. رواه البخاري في الجمعة باب 4 "حديث 881", ومسلم في الجمعة "حديث10", وأبو داود في الطهارة باب 127 "حديث 351", والترمذي في الجمعة باب 6، ومالك في الجمعة "حديث 1"، وأحمد في المسند "2/ 460", والبيهقي في السنن الكبرى "3/ 226".
2 لم أجد هذه الرواية.
3 هذه الرواية "...ثم كالمهدي شاة ثم كالمهدي بطة" رواها النسائي في الجمعة باب 13، والدارمي في الصلاة باب 193، وأحمد في المسند "2/ 259".
4 رواه من حديث جابر بن عبد الله أبو داود في الصلاة باب 202 "حديث 1048" والحاكم في المستدرك "1/ 279" وابن حجر في فتح الباري "2/ 368".
5 من حديث ابن عباس. رواه بهذا اللفظ أحمد في المسند "1/ 328", ورواه بلفظ: "البياض" أبو داود "حديث 3878 و4061", والترمذي "حديث 994", وأحمد "1/ 247، 363" والطبراني في الكبير "12/ 65، 66".
6 روى الإمام أحمد في المسند "5/ 363", والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "3/ 252":
"حق على كل مسلم الغسل والطيب والسواك يوم الجمعة".

 

ص -182-      والاشتغال بقراءة أو ذكر في طريقه وفي المسجد، والإنصات بترك الكلام والذكر للسامع، وبترك الكلام دون الذكر لغيره، ويكره الاحتباء فيها، وسلام الداخل لكن تجب إجابته،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صلى ما كتب له ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يخرج من صلاته كان كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها"1.
"والمشي بالسكينة" للخبر الصحيح:
"من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها"2 ومعنى غسل قيل جامع حليلته فألجأها إلى الغسل، إذ يسن له الجماع قبل ذهابه ليأمن أن يرى في طريقه ما يشغل قلبه، والأولى فيه أن معناها من غسل ثيابه وغسل رأسه ثم اغتسل لخبر أبي داود3. وبكر بالتخفيف: خرج من باب بيته باكرًا وبالتشديد: أتى  الصلاة أو وقتها وابتكر أي أدرك أول الخطبة، ومحل ندب ما ذكر ما لم يضق الوقت وإلا وجب إن لم يدرك الجمعة إلا به، ويكره عند اتساع الوقت العدو إليها كسائر العبادات. "والاشتغال بقراءة أو ذكر في طريقه وفي المسجد" ليحوز فضيلة ذلك "والإنصات" في الخطبة ليحصل الإصغاء إليها قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ}، أي الخطبة {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف: 204]، وإنما يحصل "بترك الكلام والذكر" بالنسبة "للسامع وبترك الكلام دون الذكر لغيره" أي لغير السامع إذ الأولى أن يشتغل بالتلاوة والذكر، وأفهم كلامه أن ندب الإنصات لا يختص بالأربعين بل سائر الحاضرين فيه سواء، أما الكلام فمكروه لخبر مسلم: "إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت"4, وإنما يحرم لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على من كلمه وهو يخطب ولم يبن له وجوب السكوت، والأمر في الآية للندب ومعنى لغوت تركت الأدب جمعًا بين الأدلة، ولا يكره الكلام قبل الخطبة وبعدها وبين الخطبتين ولا كلام الداخل إلا إن اتخذ له مكانًا واستقر فيه. "ويكره الاحتباء" للحاضرين ما دام الخطيب "فيها"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في المسند "5/ 181" وابن خزيمة في صحيحه "1763، 1812" والحاكم في المستدرك "1/ 290" والطبراني في الكبير "6/ 332".
2 رواه ابن ماجه "حديث 1087" والحاكم في المستدرك "1/ 282، 283" والبيهقي في السنن الكبرى "3/ 229" وأحمد في المسند "2/ 209، 4/ 104".
3 رواه أبو داود في الطهارة باب 127 "حديث 346" عن أوس بن أوس الثقفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل...".
4 رواه البخاري في الجمعة باب 36، ومسلم في الجمعة حديث 12، وأبو داود في الصلاة باب 229، والترمذي في الجمعة باب 16، والنسائي في الجمعة باب 22 والعيدين باب 21، وابن ماجه في الإقامة باب 86، ومالك في الجمعة حديث 6، والدارمي في الصلاة باب 195، وأحمد في المسند 2/ 244، 272، 280، 393، 396، 485، 518، 532".

 

ص -183-      ويستحب تشميت العاطس وقراءة سورة الكهف يومها وليلتها وإكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيهما، والدعاء في يومها وساعة الإجابة فيما بين جلوس الإمام للخطبة وسلامه،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي الخطبة لما صح من النهي عنه1 ولأنه يجلب النوم. "و" كره "سلام الداخل" على الحاضرين كما في المجموع وغيره لأنهم مشغولين بما هو أهم منه. "لكن تجب إجابته" لأن عدم مشروعيته لعارض لا لذاته بخلافه على نحو قاضي الحاجة. "ويستحب" لكل من الحاضرين "تشميت العاطس" إذا حمد الله بأن يقول له: رحمك الله لعموم أدلته2، وإنما لم يكره كسائر الكلام لأن سببه قهري، ولو عرض مهم ناجز كتعليم خير ونهي عن منكر وإنذار مهلك لم يكره الكلام بل قد يجب3، ومر أنه يحرم على أحد الحاضرين بعد صعود الخطيب المنبر وجلوسه اشتغال بالصلاة وإن لم يسمع الخطبة.
"و" يسن "قراءة سورة الكهف" وإكثارها "يومها وليلتها" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"من قرأها يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين"4 وورد "من قرأها ليلتها أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق"5, وقراءتها نهارًا آكد والأولى بعد صلاة الصبح مبادرة بالعبادة ما أمكن "وإكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيهما" أي في يومها وليلتها للأخبار الكثيرة الشهيرة في ذلك6 "والدعاء في يومها" ليصادف ساعة الإجابة فإنها فيه كما ثبت في أحاديث كثيرة لكنها متعارضة في وقتها. "وساعة الإجابة" أرجاها أنها "فيما بين جلوس الإمام للخطبة وسلامه", كما رواه مسلم7، والمراد أنها لا تخرج عن هذا الوقت لا أنها مستغرقة له لأنها لحظة لطيفة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى أبو داود في الصلاة باب 228 "حديث 1110", والترمذي في الجمعة باب 18، وأحمد في المسند "3/ 429" من حديث معاذ بن أنس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب".
2 روى البخاري في الأدب باب 125 "حديث 6224" عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم". وروى مسلم في الزهد "حديث 45" عن أبي موسى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه".
3 لأنه من الضرورات التي تبيح المحظورات.
4 رواه الدارمي في فضائل القرآن باب 18.
5 رواه البيهقي في السنن الكبرى "3/ 249".
6 منها ما رواه أبو داود في الجمعة باب 201 "حديث رقم 1047" عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة؛ فأكثروا من الصلاة عليّ فإن صلاتكم معروضة علي" ورواه أيضًا ابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها، باب 79 "حديث 1085" بنفس اللفظ ولكن فيه "شداد بن أوس" بدل "أوس بن أوس".
7 رواه مسلم في الجمعة "حديث 16" عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة، قال صلى الله عليه وسلم:
"هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة". وروى أيضًا "حديث 13" عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه".

 

ص -184-      يكره التخطي، ولا يكره لإمام، ومن بين فرجة والعظم إذا ألف موضعًا، ويحرم التشاغل عنها بعد الأذان الثاني، ويكره بعد الزوال، ولا تدرك الجمعة إلا بركعة، فإن أدركه بعد ركوع الثانية نواها جمعة وصلاها ظهرًا، وإذا أحدث الإمام في الجمعة أو غيرها استخلف مأمومًا موافقًا لصلاته، ويراعي المسبوق نظم إمامه ولا يلزمه تجديد نية القدوة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وخبر:
"التمسوها آخر ساعة بعد العصر"1 قال في المجموع: يحتمل أنها متنقلة تكون مرة في وقت ومرة في آخر كما هو المختار في ليلة القدر. "ويكره" تنزيهًا وقيل تحريمًا وعليه كثيرون وهو المختار من حيث الدليل للأخبار الصحيحة الدالة عليه "التخطي" لما فيه من الإيذاء2 "ولا يكره لإمام" لا يبلغ المنبر أو المحراب إلا به لاضطراره إليه، ومن ثم لو وجد طريقًا يبلغ لهما بدونه كره له "و" لا "من بين يديه فرجة" وبينه وبينها صف أو صفان لتقصير القوم بإخلائها لكن يسن له إن وجد غيرها أن لا يتخطى، فإن زاد في التخطي على الصفين ورجا أن يتقدموا إليها إذا أقيمت الصلاة كره لكثرة الأذى. "و" لا "المعظم" لعلم أو صلاح "إذا ألف موضعًا" من المسجد على ما قاله جمع لأن النفوس تسمح بتخطيه وفيه نظر، والذي يتجه الكراهة له كغيره بل تأخيره الحضور إلى الزحمة غاية في التقصير بالنسبة إليه فلم يسامح له في ذلك، ويحرم عليه أن يقيم أحدًا ليجلس مكانه بل يقول: تفسحوا أو توسعوا للأمر به3، فإن قام الجالس باختياره وأجلس غيره فلا كراهة على الغير، نعم يكره للجالس ذلك إن انتقل إلى مكان أبعد لكراهة الإيثار بالقرب. "ويحرم" على من تلزمه الجمعة "التشاغل عنها" ببيع أو غيره "بعد" الشروع في "الأذان الثاني" بين يدي الخطيب لآية آخر الجمعة4، وقيس بالبيع فيها كل شاغل أي ما شأنه ذلك ولا يبطل العقد وإن حرم لأنه لمعنى خارج ولو تبايع اثنان أحدهما تلزمه الجمعة إثمًا كما لو لعب الشافعي الشطرنج مع حنفي؛ نعم له نحو شراء ما يحتاجه كماء طهره ونحو البيع5 وهو سائر إليها وفي المسجد. "ويكره" التشاغل بذلك "بعد الزوال" وقبل الأذان السابق لدخول وقت الوجوب نعم لا كراهة في نحو مكة مما يفحش فيه التأخير لما فيه من الضرر ومر أن بعيد الدار يلزمه السعي ولو قبل الوقت فيحرم عليه التشاغل بذلك من وقت وجوب السعي ولو قبل الوقت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في الصلاة باب 202 "حديث رقم 1048" والنسائي في الجمعة باب 14؛ كلاهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
2 روى أبو داود في الصلاة باب 232 "حديث 1118" عن أبي الزاهرية قال: كنا مع عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فجاء رجل يتخطى رقاب الناس، فقال عبد الله بن بسر: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
"اجلس فقد آذيت".
3 في قوله تعالى في الآية 11 من سورة المجادلة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ}.
4 وهي الآية 9 من سورة الجمعة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}.
5 أي نحو بيع الماء لمن أراده للطهر.