المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية

ص -243-      كتاب: الصيام
يجب صوم رمضان باستكمال شعبان ثلاثين أو برؤية عدل الهلال، وإذا رؤي الهلال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب: الصيام
وهو لغة: الإمساك. وشرعًا: الإمساك عن المفطر على وجه مخصوص، وفرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة.
"ويجب صوم رمضان باستكمال شعبان ثلاثين" يومًا إن كانت السماء مطبقة بالغيم. "أو برؤية عدل" واحد "الهلال" إذا شهد بها عند القاضي بلفظ الشهادة ولو بنحو: أشهد أني رأيت الهلال فلا يكفي أن يقول غدًا من رمضان، ولا يشترط تقدم دعوى بل أن يكون عدل شهادة، فلا يكفي عبد وامرأة لكن لا يشترط فيه العدالة الباطنة وهي التي يرجع فيها إلى قول المزكين بل يكفي كونه مستورًا؛ ودليل الاكتفاء بواحد ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيت الهلال فصام وأمر الناس بصيامه"1 والمعنى في ثبوته بواحد دون غيره من المشهور الاحتياط للصوم ومن ثم لم يكتف بواحد إلا بالنسبة للصوم وتوابعه كالتراويح والاعتكاف والعمرة المعلقين بدخول رمضان بخلاف غير الصوم وتوابعه فلا يحل دين مؤجل به ولا يقع ما علق به من نحو طلاق وعتق، نعم يثبت ذلك في حق الرائي ولذلك يلزمه الصوم وإن كان فاسقًا، وكذا يلزم من أخبره فاسق أنه رآه واعتقد صدقه، ولا يجوز العمل بقول المنجم والحاسب لكن لهما العمل باعتقادهما، ولكن لا يجزئهما صومهما عن فرضهما، وبحث الأذرعي الاكتفاء برؤية القناديل المعلقة بالمنائر ليلة أول رمضان، وقياسه الاكتفاء بذلك أيضًا حيث اطردت العادة بتعليقها في البلد المرئية فيها فجر ليلة العيد حيث اعتقد من رآها أن غدًا عيد، ثم رأيت جمعًا بحثوه أيضًا، ولا عبرة بقول من قال أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم في النوم أن غدًا من رمضان فلا يجوز بالإجماع العمل بقضية منامه لا في الصوم ولا في غيره.
"وإذا رئي الهلال ببلد لزم" الصوم "من وافق مطلعهم مطلعه" لأن الرؤية تختلف باختلاف المناظر وعروض البلدان فكان اعتبارهما أولى كما في طلوع الفجر والزوال وغروبها، أما إذا اختلفت المطالع فلا يجب الصوم على من اختلف مطلعه لبعده، وكذا لو شك في اتفاقها، ولا يمكن اختلافها في دون أربعة وعشرين فرسخًا، ولو سافر من بلد الرؤية إلى بلد تخالفه في المطلع ولم ير أهله الهلال وافقهم في الصوم فيمسك معهم وإن كان معيدًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في الصوم باب 158 "حديث 2342" بلفظ: "تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه".

 

ص -244-      ببلد لزم من وافق مطلعهم مطلعة، ولصحة الصوم شروط:
الأول: النية لكل يوم. ويجب التبييت في الفرض دون النفل، فتجزئه نيته قبل الزوال، ويجب التعيين أيضًا دون الفرضية في الفرض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه بالانتقال إليهم صار منهم، وكذا لو جرت سفينة صائم إلى بلد فوجدهم معيدين فإنه يفطر معهم لذلك، ولا قضاء عليه إلا إن صام ثمانية وعشرين يومًا، ولا أثر لرؤية الهلال نهارًا ولو قبل الزوال.
"ولصحة الصوم شروط: الأول النية" لخبر:
"إنما الأعمال بالنيات"1 ومر الكلام عليها وإنما تجب بالقلب ويسن التلفظ بها وتجب في الفرض والنفل "لكل يوم" لظاهر الخبر الآتي2 ولأن كل يوم عبادة مستقلة، فلو نوى أول ليلة من رمضان صوم الشهر كله لم يكف لغير اليوم الأول لكن ينبغي له ذلك ليحصل له ثواب صوم رمضان إن نسي النية في بعض أيامه عند القائل بأن ذلك يكفي "ويجب التبييت في الفرض" بأن يوقع نيته ليلًا لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له"3 وهو محمول على الفرض بقرينة الخبر الآتي في النفل4، ولا يضر وقوع مناف كأكل وجماع بعد النية ولا تجزئ مقارنتها للفجر ولا إن شك عندهما في أنها متقدمة على الفجر أو لا خلاف ما لو نوى ثم شك أطلع الفجر أم لا، أو شك نهارًا هل نوى ليلًا ثم تذكر ولو بعد مضي أكثر النهار بخلاف ما لو مضى ولم يتذكر "دون النفل" فلا يجب التبييت فيه "فتجزئه نيته قبل الزوال" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: "هل عندكم من غداء؟" قالت: لا. قال: "فإني إذن أصوم"5, ولا بد من اجتماع شرائط الصوم من الفجر للحكم عليه بأنه صائم من أول النهار حتى يثاب على جميعه إذ صومه لا يتبعض، ولو أصبح ولم ينو صومًا ثم تمضمض ولم يبالغ فسبق ماء المضمضة إلى جوفه ثم نوى صوم صح، وكذا كل ما لا يبطل به الصوم. "ويجب التعيين أيضًا" للمنوي من فرض كرمضان أو نذر أو كفارة ومن نفل له سبب كصوم الاستسقاء بغير أمر الإمام أو مؤقت كصوم يوم الاثنين وعرفة وعاشوراء وأيام البيض، لكن معنى وجوب التعيين في النفل المذكور بقسميه أنه بالنسبة لحيازة الثواب المخصوص لا أن الصحة متوقفة عليه، ولو كان عليه قضاء رمضانين أو صوم نذر أو كفارة عن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في بدء الوحي باب 1، والإيمان باب 41، والنكاح باب 5، والطلاق باب 11، ومناقب الأنصار باب 45، والعتق باب 6، ومسلم في الإمارة حديث 155. ورواه أيضًا باقي الستة والإمام أحمد.
2 وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
"من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له".
3 رواه النسائي في الصيام باب 68، والدارمي في الصوم باب 10، والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 202".
4 بعد أربعة أسطر.
5 رواه البيهقي في السنن الكبرى "4/ 203" والدارقطني في سننه "2/ 176".

 

ص -245-      الثاني: الإمساك عن الجماع عمدًا، وعن الاستمناء.
الثالث: الإمساك عن الاستقاءة، ولا يضر تقيؤه بغير اختياره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جهات مختلفة فنوى صوم غد عن رمضان أو صوم نذر وكفارة جاز وإن لم يعين عن قضاء أيهما في الأول ولا نوعه في الثاني لأن كله جنس واحد "دون" نية "الفريضة في" صوم "الفرض" فإنها لا تجب لأن صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضًا، بخلاف الصلاة فإن المعادة وإن كانت جمعة نفل، وعلم من كلامه أن أقل النية في رمضان أن ينوي صوم غد عن رمضان، والأكمل أن ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى لتتميز عن أضدادها، ولو تسحر ليصوم أو شرب لدفع العطش نهارًا أو امتنع من نحو الأكل خوف الفجر ذلك إن خطر بباله الصوم بالصفات التي يشترط التعرض لها لتضمن كل منها قصد الصوم، وكذا لو تسحر ليتقوى على الصوم وخطر بباله ذلك.
"الثاني: الإمساك عن الجماع" فيفطر به وإن لم ينزل إجماعًا بشرط أن يصدر من واضح "عمدًا" مع العلم بتحريمه ومع كونه مختارًا "وعن الاستمناء" يعني وعن تعمد الإنزال بلمس لما ينقض لمسه الوضوء أو استمناء بيده أو بيد حليلته؛ لأنه إذا أفطر بالجماع بلا إنزال فبالإنزال بمباشرة فيها نوع شهوة أولى، أما الإنزال بنحو فكر ونظم وضم امرأة بحائل وإن رق فلا يفطر به وإن تكررت الثلاثة بشهوة إذ لا مباشرة كالاحتلام لكن يحرم تكريرها، وإن لم ينزل كالتقبيل في الفم أو غيره لمن لم يملك نفسه من جماع أو إنزال لأن فيه تعريضًا لإفساد العبادة بخلاف ما إذا ملكها معه فإن تركه أولى، ولا يفطر بلمس ما لا ينقض لمسه كلمس عضو مبان1 وإن اتصل، ولو حك ذكره لعارض سوداء أو حكة فأنزل لم يفطر لتولده من مباشرة مباحة، ولو قبلها ثم فارقها ساعة ثم أنزل فإن كانت الشهوة مستصحبة والذكر قائمًا حتى أنزل أفطر وإلا فلا، ولا يضر إمناء الخنثى المشكل ولا وطؤه بأحد فرجيه لاحتمال زيادته، وخرج بما مر الناسي والجاهل والمعذور لقرب إسلامه أو نشئه ببادية بعيدة عن العلماء والمكره فلا يفطرون بالجماع ونحوه لعذرهم.
"الثالث: الإمساك عن الاستقاءة" فيفطر من استدعى القيء عامدًا عالمًا مختارًا وإن لم يعد منه شيء إلى جوفه لأنه مفطر لعينه لا لعود شيء منه. "ولا يضر تقيؤه" نسيانًا ولا جهلًا إن عذر به ولا "بغير اختياره" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"من ذرعه القيء -أي غلبه- وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض"2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مبان: أي منفصل.
2 رواه أو داود في الصوم باب 33 "حديث 2380" من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا أحمد في المسند "2/ 498" وابن ماجه "حديث 1676" والحاكم في المستدرك "1/ 427" والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 219" والدارقطني في سننه "2/ 184، 185" وابن حبان في صحيحه "907".

 

ص -246-      الرابع: الإمساك عن دخول عين جوفًا كباطن الأذن والإحليل بشرط دخوله من منفذ مفتوح، ولا يضر تشرب المسام بالدهن والكحل والاغتسال، فإن أكل أو شرب ناسيًا أو جاهلًا قليلًا أو كثيرًا لم يفطر، ولا يعذر الجاهل إلا إن قرب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الرابع: الإمساك عن دخول عين" وإن قلت كسمسمة أو لم تؤكل عادة كحصاة من الظاهر في منفذ مفتوح مع تعمده دخولها واختياره والعلم بأنه مفطر إلى ما يسمى "جوفًا كباطن الأذن والإحليل" وهو مخرج البول من الذكر واللبن من الثدي فإذا أدخل في شيء من ذلك شيئًا فوصل إلى الباطن أفطر، وإن كان لا ينفذ منه إلى الدماغ في الأولى ولم يجاوز الداخل فيه الحشفة أو الحلمة في الثانية لوصوله إلى جوف وكخريطة1 دماغ وصل إليها دواء من مأمومة2 وإن لم يصل إلى باطنها وكجوف وصل إليه طعنه من نفسه أو غيره بإذنه ولا يضر وصوله لمخ ساقه لأنه ليس بجوف أو وصل إليه دواء من جائفة3 أو حقنة أو سعوط، وإن لم تصل إلى باطن الأمعاء أو الدماغ إذ ما وراء الخيشوم وهو أقصى الأنف جوف وإنما يفطر بالواصل إلى الحلق إن وصل إلى الباطن منه شيء، ومخرج الهمزة والهاء باطن ومخرج الخاء المعجمة والحاء المهملة ظاهر، ثم داخل الفم إلى منتهى المهملة والأنف إلى منتهى الخيشوم له حكم الظاهر في الإفطار باستخراج القيء إليه أو ابتلاعه النخامة منه، وفي عدم الإفطار بدخول شيء فيه وإن أمسكه، وفي أنه إذا تنجس وجب غسله، وله حكم الباطن في عدم الإفطار بابتلاع الريق منه وفي سقوط غسله عن الجنب وفارق وجوب غسل النجاسة عنه بأنها أفحش وأندر فضيق فيها ما لم يضيق في الجنابة، وإنما يفطر بإدخال ما ذكر إلى الجوف "بشرط دخوله" إليه "من منفذ مفتوح" كما تقرر "و" من ثم "لا يضر تشرب المسام" بتثليث الميم وهي ثقب البدن "بالدهن والكحل والاغتسال" فلا يفطر بذلك وإن وصل جوفه لأنه لما لم يصل من منفذ مفتوح كان في حيز العفو ولا كراهة في ذلك لكنه خلاف الأولى، وإنما يفطر بما مر إن علم وتعمد واختار. "فإن أكل أو شرب ناسيًا" للصوم "أو جاهلًا" بأن ذلك مفطر أو مكرهًا على الأكل مثلًا "قليلًا" كان المأكول أو المشروب "أو كثيرًا لم يفطر" لعموم خبر الصحيحين:
"من نسي وهو صائم فأكل أو شرب" وفي رواية: "وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه"4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خريطة الدماغ: الوعاء من جلد رقيق يكون المخ داخلها.
2 المأمومة والآمة: الشجة بلغت أم الرأس "المعجم الوسيط: ص27".
3 يقال: جاف فلانًا بطعنة، وجافت الطعنة فلانًا، فهي جائفة؛ وهي الطعنة التي بلغت الجوف ولم تظهر من الجانب الآخر "المعجم الوسيط: ص147".
4 رواه البخاري في الصوم باب 26، والأيمان باب 15، ومسلم في الصيام حديث 17. وابن ماجه في الصيام باب 15، والدارمي في الصوم باب 23، وأحمد في المسند "2/ 395، 425، 489، 491، 492، 493، 514".

 

ص -247-      بعيدة عن العلماء، ولا يفطر بغبار الطريق وإن تعمد فتح فمه، ولا ببلع الريق الطاهر الخالص من معدنه وإن أخرجه على لسانه، ويفطر بجري الريق بما بين الأسنان لقدرته على مجه وبالنخامة كذلك، وبوصول ماء المضمضة الجوف إن بالغ في غير نجاسة وبغير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصح:
"ولا قضاء عليه"1، ولخبر: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"2 والجاهل كالناسي بجامع العذر. "و" لكن "لا يعذر الجاهل" هنا وفيما مر "إلا إن قرب عهده بالإسلام" ولم يكن مخالطًا أهله بحيث لم يعرف منهم أن ذلك يفطر "أو نشأ ببادية" أو بلدة "بعيدة عن العلماء" بحيث لا يستطيع النقلة3 إليهم لعذره حينئذ، بخلاف ما إذا كان قديم الإسلام وهو بين ظهراني العلماء أو من يعرف أن ذلك مفطر فإنه لا عذر له لتقصيره بترك ما يجب من تعلم ذلك كما مر أول الكتاب.
"ولا يفطر بغبار" نحو "الطريق" ولا بغربلة نحو الدقيق ولا بوصول الأثر كوصول الريح بالشم إلى دماغه والطعم بالذوق إلى حلقه، ولا بدخول ذبابة في جوفه. "وإن تعمد فتح فمه" لعدم قصده لذلك ولعسر تجنبه ولأنه معفو عن جنسه. "ولا" يفطر أيضًا "ببلع الريق الطاهر الخالص من معدنه" وهو الفم جميعه ولو بعد جمعه. "وإن أخرجه على لسانه" لعسر التحرز عنه ولأنه لم يخرج عن معدنه، إذ اللسان كيفما تقلب معدود من داخل الفم فلم يفارق ما عليه معدنه، وخرج بالطاهر المتنجس كمن دميت لثته وإن ابيض ريقه بالخالص المختلط ولو بطاهر آخر كمن فتل خيطًا مصبوغًا تغير به ريقه وبالذي ابتلعه من معدنه كأن خرج من فمه ولو إلى ظاهر الشفة وإن عاد إلى فمه من خيط خياط أو امرأة في غزلها فيفطر بجميع ذلك لوصول النجاسة أو العين المخالطة إلى جوفه ولسهولة الاحتراز عنه في الأخيرة "ويفطر بجري الريق بما بين الأسنان لقدرته على مجه" أي مع قدرته عليه لتقصيره حينئذ، بخلاف ما إذا عجز عن تمييزه ومجه لعذره "و" يفطر "بالنخامة كذلك" بأن نزلت من الرأس أو الجوف ووصلت إلى حد الظاهر من الفم فأجراها هو وإن عجز بعد ذلك عن مجها أو جرت بنفسها وقدر على مجها لتقصيره مع أن نزولها منسوب إليه بخلاف ما لو جرت بنفسها وعجز عن مجها فلا يفطر للعذر، وكذا لو لم تصل إلى حد الظاهر كأن نزلت من دماغه إلى حلقه وهي في حد الباطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذه الرواية عند الدارقطني في سننه "حديث 2223-2228".
2 رواه بهذا اللفظ ابن حجر في تلخيص الحبير "/ 281" والمتقي الهندي في كنز العمال "رقم 10307" والخطابي في إصلاح خطأ المحدثين "16" والسيوطي في الدرر المنتثرة "87" والفتني في تذكرة الموضوعات "91". وروي بلفظ:
"إن الله جاوز لي عن أمتي الخطأ..." رواه البيهقي في السنن الكبرى "7/ 356، 10/ 61" والحاكم في المستدرك "2/ 198" والدارقطني في سننه "4/ 171". وبلفظ: "إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ..." رواه الطبراني في الكبير "11/ 134".
3 أي الانتقال.

 

ص -248-      مبالغة من مضمضة لتبرد أو رابعة أو عبث، وبتبين الأكل نهارًا لا بالأكل مكرها.
الخامس والسادس والسابع: الإسلام، والنقاء عن الحيض والنفاس، والعقل في جميع النهار، ولا يضر الإغماء والسكر إن أفاق لحظة في النهار، ولا يصح صوم العيدين ولا أيام التشريق، ولا النصف الأخير من شعبان إلا لورد أو نذر أو قضاء أو كفارة، أو وصل ما بعد النصف بما قبله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم إلى جوفه فلا يفطر وإن قدر على مجها لأنها نزلت من جوف إلى جوف.
"و" يفطر "بوصول ماء المضمضة" والاستنشاق "الجوف" أي باطنه أو دماغه "إن بالغ" ولو في واحدة من الثلاث؛ لأن المبالغة غير مشروعة للصائم فهو مسيء بها. هذا إن بالغ "في غير نجاسة" في الفم أو الأنف فإن احتاج للمبالغة في تطهيرها فسبق الماء إلى جوفه لم يفطر لوجوب ذلك عليه. "و" يفطر أيضًا بوصول ما ذكر إلى جوفه ولو "بغير مبالغة" إن كان "من مضمضة" أو استنشاق "لتبرد أو رابعة أو" بوصول ما جعله في فمه أو أنفه لا لغرض بل لأجل "عبث" لأنه غير مأمور بذلك بل منهي عنه في الرابعة بخلاف ما إذا سبق ماء مضمضة أو استنشاق مشروعين من غير مبالغة فإنه لا يفطر به لأنه تولد من مأمور به بغير اختياره، ويحرم أكل الشاك آخر النهار لا آخر الليل لأن الأصل بقاؤهما حتى يجتهد ويظن انقضاء النهار فيجوز له الأكل لكن الأحوط أن لا يفطر إلا بعد اليقين "و" إذا أكل باجتهاد وظن به بقاء الليل أو غروب الشمس أفطر في الصورتين "بتبين الأكل نهارًا" بخلاف ما إذا بان الأمر كما ظنه أو لم يبن غلط ولا إصابة ولو عجم وأكل من غير تحر فإن كان ذلك آخر النهار أفطر وإن لم يبن له شيء لأن الأصل بقاؤه أو آخر الليل لم يفطر بذلك، ولو هجم فبان أنه وافق الصواب لم يفطر مطلقًا، ويجوز اعتماد العدل إذا أخبر بالغروب على الأوجه خلافًا لاشتراط الروياني1 إخبار عدلين فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على فطره على خبر واحد بغروب الشمس ولو أخبره بالفجر وجب العمل بقوله "لا بالأكل" أو غيره من المفطرات إذا تناوله "مكرهًا" فإنه لا يفطر لما مر.
"الخامس والسادس والسابع: الإسلام والنقاء عن الحيض والنفاس والعقل في جميع النهار" قيد في الكل فمتى ارتد أو نفست أو ولدت وإن لم تر دمًا أو حاضت أو جن في لحظة من النهار بطل الصوم كالصلاة وإن كان الجنون بشرب مخدر ليلا, "ولا يضر الإغماء والسكر" الذي لم يتعد به "إن أفاق لحظة في النهار" بخلاف ما إذا لم يفق لحظة منه فإن الصوم يبطل بهما لأنهما في الاستيلاء على العقل فوق النوم ودون الجنون، فلو قلنا: إن المستغرق منهما لا يضر كالنوم لألحقنا الأقوى بالأضعف، ولو قلنا إن اللحظة منهما تضر كالجنون لألحقنا الأضعف بالأقوى فتوسطنا وقلنا إن الإفاقة في لحظة كافية. "ولا يصح صوم العيدين" ولو عن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو فخر الإسلام أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني "نسبة إلى رويان بلدة بنواحي طبرستان" الطبري الشافعي. فقيه، أصلي، ولد ببخارى سنة 415هـ، وقتلته الملاحدة بآمل سنة 502هـ، وتصانيفه: بحر المذهب من أطول كتب الشافعية، الكافي، حلية المؤمن، الفروق، وعوال في الحديث "معجم المؤلفين: 2/ 332".

 

ص -249-      فصل: "فيمن يجب عليه الصوم"
شرط من يجب عليه صوم رمضان: العقل والبلوغ، والإسلام، والإطاقة، ويؤمر به الصبي لسبع ويضرب على تركه لعشر إن أطاقه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واجب للنهي عنه في خبر الصحيحين1. "ولا" صوم يوم من "أيام التشريق" ولو عن واجب أيضًا لما صح من النهي عن صيامها2. "ولا" صوم يوم من أيام "النصف الآخير من شعبان" ومنه يوم الشك لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"3 "إلا لورد" بأن اعتاد صوم الدهر أو صوم يوم وفطر يوم أو صوم يوم معين كالاثنين فصادق ما بعد النصف. "أو نذر" مستقر في ذمته "أو قضاء" لنفل أو فرض "أو كفارة" فيجوز صوم ما بعد النصف عن ذلك وإن لم يصل صومه بما قبل النصف لخبر الصحيحين: "لا تقدموا" أي لا تتقدموا "رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم يومًا ويفطر يومًا فليصمه"4 وقيس بالورد الباقي بجامع السبب. "أو وصل" صوم "ما بعد النصف بما قبله" ولو بيوم النصف وإن اقتضى ظاهر الحديث السابق الحرمة في هذه الصورة أيضًا حفظًا لأصل مطلوبية الصوم.
فصل: فيمن يجب عليه الصوم
"شرط من يجب عليه صوم رمضان العقل والبلوغ" فلا يجب على المجنون ولا الصبي لا أداء ولا قضاء لرفع القلم عنهما. "والإسلام" فلا يجب على الكافر الأصلي وجوب مطالبة في الدنيا كالصلاة. "والإطاقة" فلا يجب على العاجز بنحو هرم أو مرض كما يأتي. "ويؤمر به" وجوبًا "الصبي لسبع" من السنين "ويضرب على تركه لعشر" منها "إن أطاقه" كما مر في الصلاة تفصيله5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى مسلم في الصيام "حديث 139" ومالك في الحج "حديث 136" عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى", وروى البخاري في الأضاحي باب 16 "حديث 5571" عن عمر بن الخطاب قال: "يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم عن صيام هذين العيدين: أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم، وأما الآخر فيوم تأكلون نسككم".
2 ورد في الحديث:
"أيام التشريق أيام أكل وشرب". رواه مسلم في الصيام حديث 144 و145، والنسائي في الإيمان باب 7.
3 رواه أبو داود في الصوم باب 13، والترمذي في الصوم باب 37؛ من حديث أبي هريرة.
4 رواه البخاري في الصوم باب 14، ومسلم في الصيام حديث 21، وأبو داود في الصوم باب 7 و11، وابن ماجه في الصيام باب 5، والنسائي في الصيام باب 31 و32.
5 راجع باب الصلاة قول المتن: ويجب على الولي والسيد أمر الصبي المميز بها لسبع سنين وضربه عليها لعشر... إلخ.

 

ص -250-      فصل: "فيما يبيح الفطر"
ويجوز الفطر بالمرض الذي يبيح التيمم، وللخائف من الهلاك، ولغلبة الجوع والعطش، وللمسافر سفرًا طويلا إلا إن طرأ السفر بعد الفجر، والصوم في السفر أفضل إن لم يتضرر به، وإذا بلغ الصبي أو قدم المسافر أو شفي المريض وهم صائمون حرم الفطر، وإلا استحب الإمساك، وكل من أفطر لعذر أو غيره وجب عليه القضاء بعد التمكن إلا الصبي والمجنون والكافر الأصلي، ويستحب موالاة القضاء والمبادرة به وتجب إن أفطر بغير عذر. ويجب الإمساك في رمضان على تارك النية، والمتعدي بفطره في يوم الشك إن تبين كونه في رمضان، ويجب قضاؤه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: فيما يبيح الفطر
"ويجوز الفطر بالمرض الذي" يشق معه الصوم مشقة ظاهرة أو الذي "يبيح التيمم" كأن يخشى زيادة مرضه بسبب الصوم لقوله تعالى:
{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ}، أي فأفطر {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، "و" يجوز الفطر "للخائف من الهلاك" بسبب الصوم على نفسه أو عضوه أو منفعته بل يلزمه الفطر كمن خشي من الصوم مع أحدهما مبيح تيمم لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء: 29]، وقوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، "وللمسافر سفرًا طويلًا مباحًا" للآية السابقة بخلاف ذي السفر القصير والسفر المحرم وكل ما مر في القصير يأتي هنا. "إلا" أنه هنا لا يفطر "إن طرأ السفر" بأن لم يفارق العمران أو السور إلا "بعد الفجر" تغليبًا للحضر بخلاف حدوث المرض فإنه يجوز الفطر لوجود المحوج له بلا اختيار، وإذا كان سفره قبل الفجر فله الفطر وإن نوى ليلا، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم أفطر بعد العصر في سفره بقدح ماء لما قيل له: إن الناس شق عليهم الصيام1. "والصوم في السفر أفضل" من الفطر "إن لم يتضرر به" أي بالصوم ليحوز فضيلة الوقت وإلا بأن خشي ضررًا في الحال أو الاستقبال فالفطر أفضل، بل ربما يجب إن خشي من الصوم فيه ضررًا يبيح التيمم نظير ما مر، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم في الخبر السابق لما أفطر فبلغه أن أناسًا صاموا: $"أولئك العصاة"2، أو هو محمول على عصيانهم بمخالفتهم أمره بالفطر ليتقووا على عدوهم.
"وإذا بلغ الصبي أو قدم المسافر أو شفي المريض وهم صائمون" بأن نووا من الليل "حرم الفطر" لزوال السبب المجوز له، ومن ثم جامع أحدهم حينئذ لزمته الكفارة. "وإلا" يكونوا صائمين بأن كانوا مفطرين ولو بترك النية "استحب" لهم "الإمساك" لحرمة الوقت وإنما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم في الصيام "حديث 91" من حديث جابر بن عبد الله.
2 رواه مسلم في الصيام "حديث 90" عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراغ الغميم، فصام الناس. ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال:
"أولئك العصاة، أولئك العصاة".

 

ص -251-      فصل: "في سنن الصوم"
يستحب تعجيل الفطر عند تيقن الغروب، وأن يكون بثلاث رطبات أو تمرات، فإن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يجب الإمساك لأن الفطر مباح لهم مع العلم بحال اليوم1 وزوال العذر بعد الترخص لا يؤثر، ويستحب الإمساك أيضًا لمن طهرت من نحو حيض ولمن أفاق أو أسلم في أثناء النهار، ويندب لهذين القضاء خروجًا من الخلاف. "وكل من أفطر" في رمضان "لعذر أو غيره وجب عليه القضاء" لكن على التراخي فيمن أفطر لعذر وإلا فعلى الفور كما يأتي، وإنما يجب القضاء حيث تجب الفدية عنه لو مات قبل صومه إن أخره "بعد التمكن" منه وإلا بأن مات عقب موجب القضاء أو استمر به العذر إلى موته أو سافر أو مرض بعد أول يوم من شوال إلى أن مات فلا فدية عليه لعدم تمكنه منه. "إلا الصبي والمجنون" فلا قضاء عليهما لرفع القلم عنهما. "و" إلا "الكافر الأصلي" فلا قضاء عليه أيضًا ترغيبًا له في الإسلام كالصلاة، فعلم أن المريض المسافر والمرتد والحائض والنفساء والمغمى عليه والسكران ونحوهم يلزمه القضاء للنص2 في بعض ذلك وللقياس في الباقي. "ويستحب موالاة القضاء والمبادرة به" مسارعة لبراءة الذمة ما أمكن. "وتجب" المبادرة به وموالاته "إن أفطر بغير عذر" ليخرج عن معصية التعدي بالترك الذي هو متلبس به. "ويجب الإمساك في رمضان" دون غيره من النذر والقضاء "على تارك النية" ولو سهوًا. "و" على "المتعدي بفطره" لحرمة الوقت وتشبيهًا بالصائمين مع عدم العذر فيهما، ويجب الإمساك أيضًا "في يوم الشك إن تبين كونه من رمضان" لذلك, "ويجب قضاؤه" على الفور لكنه مخالف للقاعدة وكأن وجهه أن فطره ربما فيه نوع تقصير لعدم الاجتهاد في الرؤية وطردًا للباب في بقية الصوم.
فصل: في سنن الصوم
وهي كثيرة، فمنها أنه "يستحب تعجيل الفطر عند تيقن الغروب" لما صح "أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي إذا كان صائمًا حتى يؤتى برطب وماء فيأكل"3 ، ويكره تأخير الفطر إن رأى أنه فيه فضيلة وإلا فلا بأس، أما مع عدم تيقن الغروب فلا يسن تعجيل الفطر بل يحرم مع الشك في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بكونه من شهر رمضان.
2 في قوله تعالى في الآية 184 من سورة البقرة:
{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. وفي الآية 185: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
3 رواه الطبراني في الأوسط.

 

ص -252-      عجز فبتمرة، فإن عجز فالماء، وأن يقول عنده: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت. وتفطير صائمين، وأن يأكل معهم، والسحور وتأخيره ما لم يقع في شك، والاغتسال إن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغروب كما مر. "و" يسن "أن يكون" الفطر وإن كان بمكة على الرطب فإن لم يجد فالتمر، وأن يكون "بثلاث رطبات أو تمرات" للخبر الصحيح: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم يكن فعلى تمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء"1 "فإن عجز" عن الثلاث "فبتمرة" أو رطبة يحصل له أصل السنة "فإن عجز" عن الرطب والتمر "فالماء" هو الذي يسن الفطر عليه دون غيره خلافًا للروياني حيث قدم عليه الحلو وذلك للخبر الصحيح المذكور2. "و" يستحب "أن يقول عنده" يعني بعد الفطر: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت" اللهم ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى للاتباع فيهما3. "و" يستحب "تفطير صائمين" ولو على تمرة أو شربة ماء أو غيرهما، والأكمل أن يشبعهم لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من فطر صائمًا فله مثل أجره ولا ينقص من أجر الصائم شيء"4. "وأن يأكل معهم" لأنه أليق بالتواضع وأبلغ في جبر القلب. "و" يستحب "السحور" لخبر الصحيحين: "تسحروا فإن في السحور بركة"5 وصح: "استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبقيلولة النهار على قيام الليل"6 ويحصل بجرعة ماء لخبر صحيح فيه7، والأفضل أن يكون بالتمر8 لخبر في صحيح ابن حبان. "و" يسن "تأخيره" أي السحور للخبر المتفق عليه:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه من حديث أنس: أبو داود في الصوم باب 22 "حديث 2356" والترمذي في الصوم باب 10، وأحمد في المسند "3/ 164".
2 المتقدم قبل سطرين.
3 رواهما أبو داود في الصوم باب 23 "حديث 2357 و2358" الأول من حديث ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال:
"ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله", والثاني عن معاذ بن زهرة أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت".
4 رواه الترمذي "حديث 807" وابن ماجه "حديث 1746" وأحمد "5/ 192" والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 240" والطبراني في الكبير "5/ 297".
5 رواه البخاري في الصوم باب 20، ومسلم في الصيام حديث 45، والترمذي في الصوم باب 17، والنسائي في الصيام باب 18 و19، وابن ماجه في الصيام باب 22، والدارمي في الصوم باب 9، وأحمد في المسند "2/ 377، 477، 3/ 32، 99، 215، 229، 243، 258، 281".
6 رواه من حديث ابن عباس: ابن ماجه في سننه "حديث 1693", والحاكم في المستدرك "1/ 435".
7 رواه أحمد في المسند "3/ 12، 44" عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء".
8 روى أبو داود في الصوم باب 17، "حديث 2345" والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 237" عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"نعم سحور المؤمن التمر" ورواه الطبراني في الكبير "17/ 283" بلفظ: "نعم سحور للمسلم التمر".

 

ص -253-      كان عليه غسل قبل الصبح، ويتأكد له ترك الكذب والغيبة، ويسن له ترك الشهوات المباحة، فإن شاتمه أحد تذكر أنه صائم، وترك الحجامة، والمضغ وذوق الطعام،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخرو السحور"1 وصح: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قمنا إلى الصلاة وكان قدر ما بينهما خمسين آية2، وفيه ضبط لقدر ما يحصل به سنة التأخير. ومحل سن تأخيره "ما لم يقع" به "في شك" في طلوع الفجر وإلا لم يندب تأخيره لخبر:
"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"3 "و" يستحب "الاغتسال إن كان عليه غسل قبل الصبح" ليؤدي العبادة على الطهارة، ومن ثم ندب له المبادرة إلى الاغتسال عقب الاحتلام نهارًا، ولئلا يصل الماء نحو باطن أذنه أو دبره، ومن ثم ينبغي له غسل هذه المواضع قبل الفجر إن لم يتهيأ له الغسل الكامل قبله، وللخروج من قول أبي هريرة رضي الله عنه بوجوبه للخبر الصحيح: "من أصبح جنبًا فلا صوم له"4 وهو مؤول أو منسوخ5 "ويتأكد له" أي للصائم "ترك الكذب والغيبة" وإن أبيحا في بعض الصور والمشاتمة وغير ذلك من كل محرم لأنه يحبط الثواب كما صرحوا به للأخبار الصحيحة الدالة على ذلك6.
"ويسن له ترك الشهوات المباحة" التي لا تبطل الصوم من التلذذ بمسموع ومبصر وملموس ومشموم كشم ريحان ولمسه والنظر إليه لما في ذلك من الترفه الذي لا يناسب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في الصوم باب 45، ومسلم في الصيام حديث 48، والترمذي في الصوم باب 13، وابن ماجه في الصيام باب 24، والدارمي في الصوم باب 11، ومالك في الصيام حديث 6 و7، وأحمد في المسند "5/ 147، 172، 331، 334، 336، 337، 339".
2 رواه من حديث زيد بن ثابت: البخاري في الصوم باب 19، ومسلم في الصيام حديث 47، والترمذي في الصوم باب 14، والنسائي في الصيام باب 21 و22، وابن ماجه في الصوم باب 23، والدارمي في الصوم باب 8، وأحمد في المسند "5/ 182، 185، 186، 188".
3 رواه الترمذي "حديث 2518" والنسائي في الأشربة باب 48، وأحمد "1/ 200، 3/ 112، 153" والبيهقي في السنن الكبرى "5/ 335", والحاكم في المستدرك "2/ 13، 4/ 99" والطبراني في الكبير "3/ 75".
4 ذكره بهذا اللفظ الزبيدي في إتحاف السادة المتقين "4/ 320. ورواه بلفظ:
"من أصبح جنبًا فلا يصوم" أحمد في المسند "2/ 248"، وبلفظ: "من أصبح جنبًا فلا يصومن يومئذ" الطبراني في الكبير "18/ 293".
5 حمل هذا الحديث على من طلع عليه الصبح وهو مجامع.
6 منها ما رواه البخاري في الصوم باب 8 "حديث 1903", والأدب باب 51 "حديث 6057"، وأبو داود في الصوم باب 26 "حديث 2362" والترمذي "حديث 707" وأحمد "2/ 452" والبيهقي "4/ 270" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". وروى أبو داود في الصوم باب 26 "حديث 2363" عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم".

 

ص -254-      والقبلة، وتحرم إن خشي فيها الإنزال، والسواك بعد الزوال، ويستحب في رمضان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكمة الصوم، ويكره له ذلك كله كدخول الحمام "فإن شاتمه أحد تذكر" بقلبه "أنه صائم" للخبر الصحيح: $"الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم"1 مرتين؛ أي يسن له أن يقول ذلك بقلبه لنفسه ليصبر ولا يشاتم فتذهب بكرة صومه أو بلسانه بنية وعظ الشاتم ودفعه بالتي هي أحسن، والأولى الجمع بينهما، ويسن تكراره كما أفهمه الخبر لأنه أقرب إلى إمساك كل عن صاحبه. "و" يسن له "ترك" الفصد و"الحجامة" منه لغيره وعكسه خروجًا من خلاف من فطر بذلك، ودليلنا ما صح أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم2، وخبر:
"أفطر الحاجم والمحجوم"3 منسوخ كما يدل عليه ما صح عن أنس رضي الله عنه4 أو مؤول بأنهما تعرضا للإفطار: المحجوم للضعف والحاجم لأنه لا يأمن أن يصل شيء إلى جوفه بمص المحجمة5. "و" ترك "المضغ" للبان أو غيره لانه يجمع الريق فإن ابتلعه أفطر في وجه وإن ألقاه عطشه، ومن ثم كره كما في المجموع خلافًا لما توهمه عبارة المصنف والكلام حيث لم ينفصل من الممضوغ عين تصل إلى الجوف وإلا حرم وأفطر كما علم مما مر. "و" ترك "ذوق الطعام" أو غيره خوف الوصول إلى حلقه أو تعاطيه لغلبة شهوته، "و" ترك "القبلة" في الفم أو غيره والمعانقة واللمس ونحو ذلك إن لم يخش الإنزال لأنه قد يظنها غير محركة وهي محركة. "وتحرم" ولو على نحو شيخ "إن خشي فيها" أو في غيرها مما ذكر "الإنزال" أو فعل الجماع ولو بلا إنزال لأن في ذلك تعريضًا لإفساد العبادة، وصح أنه صلى الله عليه وسلم رخص في القبلة للشيخ وهو صائم ونهى عنها الشاب وقال: "الشيخ يملك إربه والشاب يفسد صومه"6 فأفهم التعليل أن الحكم دائر مع خشية ما ذكر وعدمها.
"و" يكره للصائم ولو نفلا "السواك بعد الزوال" إلى الغروب وإن نام أو أكل كريهًا ناسيًا للخبر الصحيح: "لخلوف فم الصائم يوم القيامة أطيب عند الله من ريح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في الصوم باب 2 "حديث رقم 1894" ومسلم في الصيام "حديث 163" من حديث أبي هريرة.
2 رواه البخاري في الطب باب 11، وأبو داود في الصوم باب 28 و29 و30، والترمذي في الصوم باب 59، 61، وابن ماجه في الصيام باب 18، ومالك في الصيام حديث 30 و32.
3 رواه أبو داود في الصوم باب 28، والترمذي في الصوم باب 59، وابن ماجه في الصيام باب 18، والدارمي في الصوم باب 26، وأحمد في عدة مواضع من مسنده.
4 وهو ما رواه البخاري في الصوم باب 32 "حديث 1940" عن شعبة قال: سمعت ثابتًا البناني يسأل أنس بن مالك رضي الله عنه: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف.
5 المحجمة: أداة الحجم.
6 رواه البيهقي في السنن الكبرى "4/ 212" من حديث عائشة رضي الله عنها.

 

ص -255-      التوسعة على العيال، والإحسان إلى الإرحام والجيران، وإكثار الصدقة والتلاوة والمدارسة للقرآن والاعتكاف لا سيما العشر الأواخر وفيها ليلة القدر، ويقول فيها: اللهم إنك عفو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسك"1 وهو2 بضم المعجمة التغير، واختص بما بعد الزوال لأن التغيير ينشأ غالبًا قبله من أثر الطعام وبعده من أثر العبادة، ومعنى أطيبيته عند الله تعالى ثناؤه تعالى عليه ورضاه به فلا يختص بيوم القيامة، وذكرها في الخبر ليس للتقييد بل لأنها محل الجزاء، وتزول الكراهة بالغروب وإنما حرمت إزالة دم الشهيد مع أنه كريح المسك وهذا أطيب من المسك؛ لأنه فيه تفويت فضيلة على الغير، ومن ثم حرم على الغير إزالة خلوف فم الصائم بغير إذنه كما هو ظاهر.
"ويستحب في رمضان التوسعة على العيال والإحسان إلى الأرحام والجيران وإكثار الصدقة" والجود لخبر الصحيحين "أنه صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل"3، والمعنى في ذلك تفريغ قلوب الصائمين والقائمين للعبادة بدفع حاجاتهم. "و" إكثار "التلاوة والمدارسة للقرآن" وهي أن يقرأ على غيره ويقرأ غيره عليه لخبر الصحيحين: "كان جبريل يلقى النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن"4 "و" إكثار "الاعتكاف" للاتباع5، ولأنه أقرب لصون النفس على ارتكاب ما لا يليق "لا سيما العشر الأواخر" فهي أولى بذلك من غيرها للاتباع6، وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها7. "وفيها" لا في غيرها اتفاقًا، وشذ من قال: إنها في العشر الأواسط

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في الصوم باب 2 و9، ومسلم في الصيام حديث 162-164، والترمذي في الصوم باب 54، والنسائي في الصيام باب 41 و42 و43، وابن ماجه في الصيام باب 1، ومالك في الصيام حديث 58، وأحمد في عدة مواضع في المسند.
2 أي الخلوف.
3 من حديث ابن عباس، رواه البخاري في صحيحه "الأحاديث 6 و1902 و3220 و3554 و4997", ومسلم في الفضائل حديث 50.
4 جزء من حديث ابن عباس الذي رواه البخاري. راجع الحاشية السابقة. ولفظ مسلم فيه "الفضائل، حديث 50": "... كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن".
5 روى البخاري في الأذان باب 135 "حديث 813" ومسلم في الصيام "حديث 215" وأحمد في المسند "3/ 74" من حديث أبي سعيد الخدري قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك. فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك. فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان فقال:
"من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع فإني أريت ليلة القدر وإني نسيتها، وإنها في العشر الأواخر في وتر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء" اللفظ للبخاري.
6 راجع الحاشية السابقة.
7 رواه مسلم في الاعتكاف حديث 8، والترمذي في الصوم باب 72، وابن ماجه في الصيام باب 75، والدارمي في الصوم باب 52، وأحمد في المسند "6/ 82، 123، 256".

 

ص -256-      تحب العفو فاعف عني، ويكتمها ويحييها ويحيي يومها كليلتها، ويحرم الوصال في الصوم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ليلة القدر" لا تنتقل منها إلى غيرها وإن كانت تنتقل من ليلة منها إلى أخرى منها على ما اختاره النووي وغيره جمعًا بين الأخبار المتعارضة في محلها وحثا على إحياء جميع ليالي العشر، وقال جماعة منهم الشافعي رضي الله عنه تلزم ليلة بعينها وأرجاها عنده ليلة الحادي أو الثالث والعشرين ثم سائر الأوتار وهي من خصائص هذه الأمة والتي يفرق فيها كل أمر حكيم1، وأفضل ليالي السنة وباقية إلى يوم القيامة إجماعًا، والمراد برفعها في الخبر2 رفع علم عينها وإلا لم يؤمر بالتماسها فيه. "ويقول فيها: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم أمر عائشة بقول ذلك إن وافقتها3. "ويكتمها" ندبًا إذا رآها. "ويحييها ويحيي يومها كليلتها" بالعبادة بإخلاص وصحة يقين ويجتهد في بذل الوسع في ذلك لقوله تعالى:
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وصح: "من قام ليلة القدر إيمانًا" أي تصديقًا بأنها حق وطاعة "واحتسابًا" أي طلبًا لرضا الله تعالى وثوابه لا للرياء ونحوه "غفر الله له ما تقدم من ذنبه"4، وقيس بها يومها، ومن علاماتها عدم الحر والبرد فيها، وأن تطلع الشمس صبيحتها بيضاء بلا كثرة شعاع لخبر مسلم بذلك5، وحكمة ذلك كثرة صعود الملائكة ونزولها فيها فسترت بأجنحتها وأجسادها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها، ولا ينال كمال فضلها إلا من أطلع عليها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال تعالى:
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ, فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}.
2 روى البخاري في الإيمان باب 36، وليلة القدر باب 4، والأدب باب 44 "الأحاديث 49 و2023 و6049", ومالك في الاعتكاف "حديث 13" وأحمد في المسند "5/ 313، 319" عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال:
"إني خرجت لأخبركم بليلة القدر وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس" اللفظ للبخاري.
3 رواه الترمذي في الدعوات باب 84، وأحمد في المسند "6/ 171، 182، 183، 208، 258".
4 رواه من حديث أبي هريرة: البخاري في الإيمان باب 25 و27 و28 و35، والصوم باب 6، والتراويح باب 1، وليلة القدر باب 1 "الأحاديث 35 و37 و38 و1901 و2008 و2009 و2014" ومسلم في صلاة المسافرين "حديث 173-176".
5 رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 179" وفي الصيام "حديث 220" ولفظه -في الصيام- عن زر بن حبيش قال: سألت أبي بن كعب فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر. فقال: رحمه الله، أراد أن لا يتكل الناس؛ أما إنه قد علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين. ثم حلف لا يستثنى أنها ليلة سبع وعشرين. فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالعلامة، أو بالآية، التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها.

 

ص -257-      فصل: "في الجماع في رمضان وما يجب له
ويجب الكفارة على من أفسد صوم رمضان بالجماع ولو في دبر، وبهيمة، لا على المرأة ولا من جامع ناسيًا أو مكرهًا، ولا على من أفسد صوم غير رمضان، ولا على من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ويحرم الوصال في الصوم" الفرض والنفل عنه في الصحيحين1 وهو صوم يوم فأكثر من غير أن يتناول بينهما في الليل مفطرًا، وعلة ذلك الضعف مع كون ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ففطم2 الناس عنه وإن لم يكن فيه ضعف، ومن ثم لو أكل ناسيًا كثيرًا قبل الغروب حرم عليه الوصال مع انتفاء الضعف، ولو ترك غير الصائم الأكل أيامًا ولم يضره ذلك لم يحرم عليه.
فصل: في الجماع في رمضان وما يجب به
"ويحب" التعذير و"الكفارة" الآتية "على من أفسد" على نفسه "صوم" يوم من "رمضان بالجماع" الذي يأثم به من حيث الصوم "ولو" كان الجماع "في دبر" من رجل أو امرأة "و" فرج أو دبر "بهيمة" لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم لمن جامع في نهار رمضان بالإعتاق، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا3، وكالإفساد منع الانعقاد كاستدامة مجامع أصبح فتلزمه الكفارة أيضًا وسيأتي ما خرج به، وإنما تجب الكفارة هنا على الواطئ "لا على المرأة" الموطوءة ولا على الرجل الموطوء وإن فسد صومهما بالجماع بأن يولج فيهما مع نحو نوم ثم يستديمان ذلك بعد الاستيقاظ لأنه لم يؤمر بها في الخبر إلا الرجل المواقع مع الحاجة إلى البيان ولأنها غرم مالي يتعلق بالجماع فيختص بالرجل الواطئ كالمهر. "ولا" تجب الكفارة "على من جامع" أي وطئ ولم يفسده صومه كأن جامع "ناسيًا" أو جاهلًا وقرب إسلامه أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء "أو مكرهًا" لعذرهما "ولا على من أفسد صوم" غيره كأن أفسد مريض أو مسافر صوم امرأة لأنها لو أفسدت صوم نفسها بالجماع لم تلزمها كفارة فأولى لأن لا يلزم غيرها إذا أفسده، ولا على من أفسد بجماعه صوم "غير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى البخاري في الصوم باب 49 "حديث 1966" ومسلم في الصيام "حديث 58" عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إياكم والوصال" مرتين، قيل: إنك تواصل. قال: "إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من العمل ما تطيقون"؛ وفي لفظ آخر "البخاري حديث 1965، ومسلم حديث 59" أن أبا هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله. قال: "وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني". فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يومًا ثم يومًا ثم رأوا الهلال. فقال: "لو تأخر لزدتكم" كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا.
2 فطم: قطع.
3 رواه البخاري من حديث أبي هريرة "الأحاديث 1936 و1937 و2600، و5368 و6087 و6164 و6709 و6710 و6711 و6821".

 

ص -258-      أفطر بغير الجماع، ولا على المسافر والمريض وإن زنيا، ولا على من ظن أنه ليل فتبين نهارًا. وهي: عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب التي تخل بالعمل، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر أطعم ستين مسكينًا كل واحد مدًّا، وتسقط الكفارة بطرو الجنون والموت في أثناء النهار، لا بالمرض والسفر ولا بالإعسار، ولكل يوم يفسده كفارة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رمضان" كالقضاء والنذر لورود النص في رمضان وهو مختص بفضائل لا يشركه فيها غيره. "ولا على من أفطر بغير الجماع" كاستمناء وإن جامع بعده لورود النص في الجماع وهو أغلظ من غيره. "ولا على" من لا يأثم بجماعه نحو "المسافر والمريض" إذا جامع بنية الترخص لعدم تعديه. ولا على من أثم به لكن لا من حيث الصوم كمريض ومسافر وإن جامعا حليلتيهما من غير نية الترخص. "و" كذا "إن زنيا" فإنهما وإن أثما لكن لا لأجل الصوم وحده بل لأجله مع عدم نية الترخص في الأولى ولأجل الزنى في الثانية ولأن الإفطار مباح فيصير شبهة في درء الكفارة. "و" علم مما مر آنفًا أنها1 "لا" تجب "على" غير آثم ومن أمثلته غير ما مر "من ظن أنه" أي الزمن الذي جامع فيه "ليل فتبين نهارًا" بأن غلط فظن بقاء الليل أو دخوله، وكذا لو شك في بقائه أو دخوله، فجامع ثم بان له أنه جامع نهارًا لأن الكفارة تسقط بالشبهة وإن لم يجز له الإفطار بذلك ولا تلزم أيضًا من أكل ناسيًا فظن أنه أفطر فجامع لأنه جامع معتقدًا أنه غير صائم لكن يفطر بالجماع، ومن رأى هلال رمضان وحده فردت شهادته لزمه صومه فإن جامع لزمته الكفارة. "و" أي الكفارة هنا كهي في الظهار فيأتي فيها هنا جميع ما قالوه ثم ومن ذلك أنه يجب "عتق رقبة" كاملة الرق عتقًا خاليًا عن شائبة عوض."مؤمنة سليمة من العيوب التي تخل بالعمل" والكسب إخلالًا بينًا وإن لم تسلم عما يثبت الرد في البيع، ويمنع الإجزاء في غرة الجنين لأن المقصود من عتق الرقبة تكميل حاله ليتفرغ لوظائف الأحرار من العبادات وغيرها، وذلك إنما يحصل بقدرته على القيام بكفايته فيجزئ مقطوع أصابع الرجلين ومقطوع الخنصر أو البنصر من يد واحدة وأنامله العليا من غير الإبهام، وأعرج يتابع المشي، وأعور لم يضعف بصر سليمته2 ضعفًا يضر بالعمل إضرارًا بينًا، ومقطوع الأذن والأنف وأعوج الكراع3 وأجذم وممسوح ومفقود الأسنان ومن لا يحسن صنعة ولا يجزئ زمن4 ولا مجنون ومريض لا يرجى برؤه، ومقطوع الخنصر والبنصر أن الإبهام أو السبابة أو الوسطى أو أنملة من الإبهام أو أنملتين من الوسطى أو السبابة، والشلل كالقطع. "فإن لم يجد" رقبة كاملة بأن يعسر عليه تحصيلها وقت الأداء لا الوجوب لكونه يحتاجها أو ثمنها لخدمة تليق به أو كفايته أو كفاية ممونه5 سنة مطعمًا وملبسًا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي الكفارة.
2 أي عينه السليمة.
3 الكراع من الإنسان: ما دون الركبة إلى الكعب.
4 الزمن: من به زمانة، وهو مرض يدوم.
5 أي مؤنته.

 

ص -259-      فصل: "في الفدية الواجبة"
يجب مد من غالب قوت البلد، ويصرف إلى الفقراء والمساكين، لكل يوم؛ يخرج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومسكنًا وغيرها "صام شهرين متتابعين" وهما هلاليان، فإن انكسر الأول تمم ثلاثين من الثالث، فإن أفسد يومًا ولو اليوم الأخير ولو بعذر كسفر ومرض وإرضاع ونسيان نية استأنف الشهرين. نعم، لا يضر الفطر بحيض ونفاس وجنون وإغماء مستغرق لأن كلا منها ينافي الصوم مع كونه اضطراريًّا. "فإن لم يقدر" على صومهما بأن عسر عليه هو أو تتابعه لنحو هرم أو مرض يدوم شهرين غالبًا أو لخوف زيادة مرضه أو لنحو شدة شهوته للوطء "أطعم" أي ملك "ستين مسكينًا" أو فقيرًا من أهل الزكاة "كل واحد" منهم "مدا" مما يجزئ في الفطرة وسبق فيها بيان المد ويجوز أن يملكهم ذلك كله مشاعًا وأن يقول خذوه وينوي به الكفارة، فإن صرف الستين إلى مائة وعشرين بالسوية حسب له ثلاثين مدا فيصرف ثلاثين أخرى إلى ستين منهم ويسترد الباقي من الباقين إن ذكر لهم أنها كفارة وإلا فلا، ويجوز أن يصرف لمسكين مدين من كفارتين وأن يعطي رجلًا مدًّا ويشتريه منه ثم يصرفه لآخر ويشتريه منه وهكذا إلى الستين، لكنه يكره لشبهه بالعائد في صدقته.
"وتسقط الكفارة" هنا "بطرو والجنون والموت في أثناء النهار" الذي جامع فيه لأنه بان بطرو ذلك أنه لم يكن في صوم لمنافاته له "لا بالمرض والسفر" والإغماء والردة إذا طرأ أحدها بعد الجماع فإن طروه لا يمنع وجوب الكفارة لأن المريض والسفر لا ينافيان الصوم فيتحقق هنا هتك حرمته، ولأن طرو الردة لا يبيح الفطر فلا يؤثر فيما وجب من الكفارة. "ولا بالإعسار" بل إذا عجز المجامع عن الخصال الثالثة السابقة استقرت الكفارة في ذمته، فإذا قدر بعد ذلك على خصلة منها فعلها، ولا يجوز له أن يصرف شيئًا منها إلى من تلزمه نفقته كسائر الكفارات وكالزكاة، نعم لغير المكفر التطوع بالتكفير عنه بإذنه ولو حينئذ صرفها له ولأهله لأن الصارف لها غير المجامع. "ولكل يوم يفسده" من رمضان بالجماع السابق "كفارة" ولا يتداخل سواء كفر عن كل يوم قبل إفساده ما بعده أم لا لأن كل يوم عبادة مستقلة بنفسها لا ارتباط لها بما بعدها بدليل تخلل منافي الصوم من نحو أكل وجماع في الليالي بين الأيام.
فصل: في الفدية الواجبة بدلا عن الصوم وفيمن تجب عليه
"يجب" مع القضاء الفدية بثلاث طرق وهي "مد" وجنسه جنس الفطرة جنسًا ونوعًا وصفة فيجب "من غالب قوت البلد" في غالب السنة "يصرف إلى" واحد من "الفقراء

 

ص -260-      من تركة من مات وعليه صوم رمضان أو غيره، وتمكن من القضاء أو تعدى بفطره أو يصوم عنه قريبه أو من أذن له الوارث أو الميت، ويجب المد أيضًا على من لا يقدر على الصوم لهرم أو مرض لا يرجى برؤه، وعلى الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على الولد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمساكين" دون غيرهما من مستحقي الزكاة لأن المسكين ذكر في الآية1 الآية والفقير أسوأ حالا منه2 ولا يجب الجمع بينهما، ويجوز إعطاء واحد مدين وثلاثة لأن كل مد كفارة مستقلة، وبه فارق ما مر في كفارة الجماع، ويمتنع إعطاؤه دون مد وحده أو مع مد كامل لأنه بدل عن صوم يوم وهو لا يتبعض، ويجب المد "لكل يوم" لما مر أن كل يوم عبادة مستقلة.
الطريق الأول: فوات نفس الصوم فحينئذ "يخرج" مد لكل يوم "من تركة من مات وعليه صوم رمضان أو غيره" كنذر أو كفارة "و" قد "تمكن القضاء" ولم يقض "أو تعدى بفطره" وإن لم يتمكن "أو يصوم عنه قريبه" وإن لم يوصه بذلك سواء العاصب والوارث وولي المال وغيرهم من سائر الأقارب. "أو" يصوم عنه "من أذن له" القريب المذكور سواء "الوارث" وغيره "أو" من أذن له "الميت" في أن يصوم عنه بأجرة أو دونها وذلك للأخبار الصحيحة كخبر الصحيحين:
"من مات وعليه صيام صام عنه وليه"3 وصح "أنه صلى الله عليه وسلم أذن لامرأة أن تصوم عن أمها صوم نذر ماتت وهو عليها"4، ولو صام عمن عليه رمضان مثلا ثلاثون قريبًا أو أجنبيًّا بالإذن في يوم واحد أجزأ، والإطعام أولى من الصوم للخلاف فيه دون غيره، وخرج بالقريب ومأذونه الأجنبي الذي يأذن له القريب ولا الميت فلا يجوز الصوم، وفارق نظيره من الحج بأن له بدلا وهو الإطعام والحج لا بدل له، ولو مات وعليه صلاة أو الاعتكاف فلا قضاء عليه ولا فدية، ولا يصح الصوم عن حي ولو نحو هرم اتفاقًا، وخرج بقوله "تمكن" ما إذا مات قبل التمكن منه بأن مات عقب موجب القضاء أو النذر أو الكفارة أو استمر به العذر كالسفر أو المرض إلى موته فإنه لا فدية عليه كما لا زكاة على من تلف ماله بعد الحول وقبل التمكن من الأداء. "ويجب المد" لكل يوم "أيضًا على من لا يقدر على الصوم" الواجب سواء رمضان وغيره بأن عجز عنه "لهرم" أو زمانة "أو" لحقته به مشقة شديدة لأجل "مرض لا يرجى برؤه" قال الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، أي لا يطيقونه أو يطيقونه حال الشباب ثم يعجزون عنه أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي قوله تعالى في الآية 184 من سورة البقرة:
{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}.
2 وقيل العكس. انظر لسان العرب "13/ 214، 215".
3 رواه البخاري في الصوم باب 42، ومسلم في الصيام حديث 153، وأبو داود في الصوم باب 41، وأحمد في المسند "6/ 69".
4 روى مسلم في الصيام حديث 156 عن ابن عباس قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال:
"أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟" قالت: نعم، قال: "فصومي عن أمك".

 

ص -261-      مع القضاء، وعلى من أفطر لإنقاذ حيوان مشرف على الهلاك، وعلى من أخر القضاء إلى رمضان آخر بغير عذر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يطيقونه أي يكلفونه فلا يطيقونه بناء على خلاف ما عليه الأكثرون من عدم نسخ الآية، والفدية هنا واجبة ابتداء لا بدلا عن الصوم، فلو أخرت عن السنة الأولى لم يلزمه للتأخير شيء، ولو عجز عنها لم تثبت في ذمته على ما بحثه النووي.
الطريق الثاني: فوات فضيلة الوقت. "و" من ثم وجبت الفدية أيضًا "على" الحرة والقنة1 بعد العتق "الحامل والمرضع" غير المتحيرة وإن كانت مستأجرة أو متطوعة أو كانتا مريضتين أو مسافرتين "إذا أفطرتا خوفًا على الولد" فقط وإن كان من غير المرضع للآية السابقة فإنها على القول بنسخها باقية بلا نسخ في حقهما كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما، أما المتحيرة فلا فدية عليها للشك، هذا إن أفطرت ستة عشر يومًا فأقل وإلا لزمتها الفدية لما زاد لأنه لا يحتمل فساده بسبب الحيض، والفطر فيما ذكر جائز بلا واجب إن خيف تضرر الولد، لكن محله في المستأجرة والمتطوعة إذا لم توجد مرضعة مفطرة أو صائمة ولا تتعدد الفدية بتعدد الأولاد بخلاف العقيقة لأنها فداء عن كل واحد، ولو أفطرت المريضة أو المسافرة بنية الترخص لم يلزمهما فدية، وكذا إن لم يقصدا ذلك ولا الخوف على الولد أو قصدا الأمرين. وخرج بقوله "على الولد" ما لو خافتا على أنفسهما ولو مع ولديهما لأنها لا فدية عليهما حينئذ كالمرض المرجو البرء، ولا تلزمهما الفدية وحدها بل "مع القضاء و" تجب الفدية والقضاء أيضًا "على من أفطر لإنقاذ حيوان مشرف على الهلاك" أو على إتلاف عضوه أو منفعته بغرق أو صائل أو غيرهما وتوقف الإنقاذ على الفطر فأفطر ولم تكن امرأة متحيرة ولا نحو مسافر بتفصيله السابق لأنه فطر ارتفق به شخصان وإن وجب. وخرج بالحيوان المال فلا تلزم الفدية فيه أخذًا من كلام القفال2، لكنه فرضه في مال نفسه لأنه ارتفق به شخص واحد.
الطريق الثالث: تأخير القضاء. "و" حينئذ فتجب الفدية لكل يوم "على من أخر القضاء" أي قضاء رمضان أو شيئًا منه سواء فاته بعذر أو بغير عذر "إلى رمضان آخر بغير عذر" بأن أمكنه القضاء في تلك السنة لخلوه عن نحو سفر ومرض قدر ما عليه من القضاء لخبر فيه ضعيف3 لكنه يعضده إفتاء ستة من الصحابة رضي الله عنهم به ولا مخالف لهم ولتعديه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، والصواب "القن" فهو يطلق بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والمفرد والجمع، وقد يجمع على أقنان وأقنة. والقن: العبد الذي كان أبوه مملوكًا لمواليه. انظر المعجم الوسيط "ص763".
2 تقدمت ترجمته. راجع ص237 حاشية1.
3 رواه البيهقي في السنن الكبرى "4/ 253" حديث رقم 8213 عن أبي هريرة قال في المريض يمرض ولا يصوم رمضان ثم يبرأ ولا يصوم حتى يدركه رمضان آخر، قال: يصوم الذي حضره ويصوم الآخر ويطعم لكل ليلة مسكينًا. ورواه أيضًا "حديث 8211" عن ابن عباس بلفظ: "يصوم هذا ويطعم عن ذاك كل يوم مسكينًا ويقضيه".

 

ص -262-      فصل: "في صوم التطوع"
صوم التطوع سنة وهو ثلاثة أقسام: ما يتكرر بتكرر السنين، وهو صوم يوم عرفة لغير الحاج والمسافر، وعشر ذي الحجة، وعاشوراء وتاسوعاء والحادي عشر من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحرمة التأخير حينئذ، أما إذا أخره بعذر كأن استمر مريضًا أو مسافرًا أو امرأة حاملًا أو مرضعًا إلى قابل1 أو أخر ذلك جهلا أو نسيانًا أو كرهًا فلا شيء عليه بالتأخير ما دام العذر باقيًا وإن استمر سنين لأن ذلك جائز في الأداء بالعذر ففي القضاء به أولى، وتتكرر الفدية بتكرر الأعوام فيجب لكل سنة مد لأن الحقوق المالية لا تتداخل.
فصل: في صوم التطوع
"صوم التطوع سنة" لخبر الصحيحين:
"من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا"2 "وهو" يعني المتأكد منه "ثلاثة أقسام" الأول: "ما يتكرر بتكرر السنين وهو صوم يوم عرفة" وهو تاسع ذي الحجة لخبر مسلم: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده"3 قال الإمام: والمكفر الصغائر أي ما عدا حقوق الآدميين فإن لم تكن ذنوب زيد في حسناته وإنما يسن صوم يوم عرفة "لغير الحاج والمسافر" والمريض بأن يكون قويًّا مقيمًا أما الحاج فلا يسن له صومه بل يسن له فطره وإن كان قويًّا للاتباع وليقوى على الدعاء، ومن ثم يسن صومه لحاج لم يصل عرفة إلا ليلا، وأما المسافر والمريض فيسن لهما فطره مطلقًا. ويوم عرفة أفضل الأيام، ويسن أن يصوم معه الثمانية التي قبله وهو مراد المصنف بقوله: "وعشر ذي الحجة" لكن الثامن مطلوب من جهة الاحتياط لعرفة ومن جهة دخوله في العشر غير العيد، كما أن صوم يوم عرفة مطلوب من جهتين لما تقرر من أنه يسن صوم العشر غير العيد لكن صوم ما قبل عرفة يسن للحاج وغيره. "و" صوم "عاشوراء" وهو عاشر المحرم "وتاسوعاء" وهو تاسعه للخبر الصحيح: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"4, وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع"5, فمات قبله صلى الله عليه وسلم. "و" يسن صومها مع "الحادي عشر من المحرم" لخبر فيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي إلى عام قابل.
2 رواه البخاري في الجهاد باب 36، ومسلم في الصيام حديث 167 و168.
3 جزء من حديث رواه مسلم في الصيام "حديث رقم 196" من حديث أبي قتادة.
4 هو جزء من الحديث المخرج في الحاشية السابقة.
5 رواه مسلم في الصيام حديث 134 من حديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ: $"لئن بقيت إلى قابل..." ورواه أيضًا ابن ماجه في الصيام باب 41، وأحمد في المسند "1/ 225، 236، 345".

 

ص -263-      المحرم، وست من شوال ، ويسن تواليها واتصالها بالعيد؛ وما يتكرر بتكرر الشهور، وهي الأيام البيض: وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر. والأيام السود: وهي الثامن والعشرون وتالياه، وما يتكرر بتكرر الأسابيع: وهو الاثنين والخميس، وسن صوم الأشهر الحرم: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه أحمد1 ولحصول الاحتياط به وإن صام التاسع لأن الغلط قد يكون بالتقديم وبالتأخير ولا بأس بإفراد عاشوراء. "و" صوم "ست من شوال" لمن صام رمضان للخبر الصحيح:
"من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر"2 أما من لم يصم رمضان ولو تعذر فهو ولو سن له صومها على الأوجه لكن لا يحصل له الثواب المذكور لترتبه في الخبر على صيام رمضان. "ويسن تواليها واتصالها بالعيد" مبادرة للعبادة.
"و" القسم الثاني: "ما يتكرر بتكرر الشهور وهي الأيام البيض" وصفها بالبياض مجاز عن بياض لياليها لتعميمها بالنور "وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر" لما صح: "أنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا ذر بصيامها"3 والمعنى فيه أن الحسنة بعشر أمثالها، وصوم الثلاثة كصوم الشهر، ومن ثم سن صوم ثلاثة من كل شهر ولو غير أيام البيض فإن صامها أتى بالسنتين، وصوم ثالث عشر ذي الحجة حرام فيصوم بدله سادس عشر، والأحسن أن يصوم الثاني عشر مع الثلاثة عشر للخلاف في أنها أولها. "و" صوم "الأيام السود" في وصفها بالسواد تجوز يعرف مما مر "وهي الثامن والعشرون وتالياه" لكن عند نقص الشهر يتعذر الثالث فيعوض عنه أول الشهر لأن ليلته كلها سوداء، ويسن صوم السابع والعشرين مع الثلاثة بعده.
"و" القسم الثالث: "ما يتكرر بتكرر الأسابيع وهو الاثنين والخميس" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صومهما وقال:
"إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم"4 والمراد عرضها على الله، وأما رفع الملائكة لها فإنه بالليل مرة وبالنهار مرة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في المسند "1/241" ولفظه:
"صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يومًا ويعده يومًا". ورواه أيضًا البيهقي في السنن الكبرى "4/ 287".
2 رواه مسلم في الصيام "حديث 204" عن أبي أيوب الأنصاري. ورواه أيضًا أبو داود في الصيام باب 57، والترمذي "حديث 759" وابن ماجه "حديث 1716" وأحمد "5/ 417، 419" والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 292" والطبراني في الكبير "4/ 161".
3 رواه النسائي في الصيام باب 70.
4 رواه الترمذي في الصوم باب 43، والنسائي في الصيام باب 70.

 

ص -264-      وكذا صوم شعبان، وأفضلها المحرم ثم باقي الحرم، ثم شعبان، ويكره إفراد الجمعة والسبت والأحد، وأفضل الصيام صوم يوم وفطر يوم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورفعها في شعبان الثابت في الخبر1 محمول على رفع أعمال العام مجملة. "وسن صوم الأشهر الحرم" بل هي أفضل الشهور للصوم بعد رمضان. "وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وكذا" يسن "صوم شعبان" لما صح: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم غالبه"2 "وأفضلها" أي الأشهر الحرم "المحرم" ثم رجب وإن قيل: إن الأخبار فيه ضعيفة أو موضوعة3 "ثم باقي الحرم" ولو قيل بتفضيل ذي الحجة على ذي القعدة لم يبعد "ثم" بعد الحرم "شعبان" لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم أكثره ولم يستكمل شهرًا مما عدا رمضان غيره، وهذا لا يقتضي تفضيله على الحرم كما بسطته في بعض الفتاوى. "ويكره إفراد الجمعة" لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم عن صومه إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده4 وليتقوى بفطره على الوظائف الدينية، ومن ثم لو لم يضعف عنها بالصوم لم يكره له إفراده. "و" إفراد "السبت" وإفراد "الأحد" للنهي عن الأول5 وقيس به الثاني لجامع أن اليهود تعظم الأول والنصارى تعظم الثاني فقصد الشارع بذلك مخالفتهم، ومحل ذلك ما إذا لم يوافق إفراد كل من الأيام الثلاثة عادة له وإلا فلا كراهة، ولا يكره إفرادها بنذر وقضاء وكفارة، وخرج بالإفراد ما لو صام أحدها مع يوم قبله أو بعده فلا كراهة، ويسن صوم الدهر غير العيدين وأيام التشريق لمن لم يخف به ضررًا أو فوت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى النسائي في الصيام باب 70، وأحمد في المسند "5/ 201" أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن إكثار الصوم في شعبان فقال:
"إنه شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".
2 عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان".
رواه البخاري في الصوم باب 52 "حديث 1969" ورواه أيضًا "حديث 1970" بلفظ: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله". وروى حديث عائشة أيضًا مسلم في الصيام حديث 176، وأبو داود في الصوم باب 59، والترمذي في الصوم باب 36، وابن ماجه في الصيام باب 30، ومالك في الصيام حديث 56، وأحمد في المسند "6/ 39، 84، 107، 128، 143، 153، 165، 188، 189، 233، 242، 249، 268".
3 والثابت من الأخبار في ذلك فضيلة صيام شهر الله المحرم بعد شهر رمضان كما ورد في مسلم في الصيام "حديث 202 و203" عن أبي هريرة.
4 روى البخاري في الصوم باب 63 "حديث 1985", ومسلم في الصيام "حديث 146" عن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يومًا قبله أو بعده". اللفظ للبخاري.
5 عن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه". رواه أبو داود في الصوم باب 52 "حديث 2421" واللفظ له، وابن ماجه في الصيام باب 28، والدارمي في الصوم باب 40، وأحمد في المسند "4/ 189، 6/ 368، 369".

 

ص -265-      ........................................

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حق. "و" مع ذلك "أفضل الصيام صوم يوم وفطر يوم" فهو أفضل من صوم الدهر خلافًا لابن عبد السلام1 لخبر الصحيحين:
"أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا"2 وفيه أفضل من ذلك.
تتمة: يحرم على المرأة تطوع غير عرفة وعاشوراء بغير إذن زوجها الحاضر أو علم رضاه للنهي عنه3، وكالزوج السيد إن حلت له وإلا حرم بغير إذنه إن حصل لها به ضرر ينقص الخدمة. والعبد كمن لا تحل فيما ذكر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم التعريف به. راجع ص24 حاشية 4.
2 رواه البخاري في الصوم باب 57 و59، وأحاديث الأنبياء باب 37 و38. ومسلم في الصيام حديث 182، وأبو داود في الصوم باب 66. والنسائي في الصيام باب 69 و76 و77 و78 و80. وابن ماجه في الصيام باب 31. وغيرهم كثير.
3 عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه" والمقصود صوم التطوع كما رواه البخاري في النكاح، باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعًا "حديث 5192". ورواه مسلم في الزكاة باب 84، وأبو داود في الصوم باب 73، والترمذي في الصوم باب 64، والدارمي في الصوم باب20، وأحمد في المسند "2/ 245، 316، 444، 464، 476، 500".