المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية

ص -266-      باب: الاعتكاف
هو سنة مؤكدة، وشروطه سبعة: الإسلام، والعقل، والنقاء عن الحيض والنفاس وأن لا يكون جُنُبًا، وأن يلبث فوق طمأنينةِ الصلاة، وأن يكون في المسجد والجامع أولى، وأن ينوي الاعتكاف، وتجب نية الفرضية إن نذره ويجدد النية بالخروج إن لم ينو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب: الاعتكاف
وهو لغة: اللبث، وشرعًا: لبث مخصوص من شخص مخصوص في مكان مخصوص، وهو من الشرائع القديمة.
"هو سنة مؤكدة" ولا يختص بوقت لإطلاق الأدلة لكنه في العشر الأواخر من رمضان أفضل لما مر1. "وشروطه سبعة" الأول: "الإسلام" فلا يصح من كافر لتوقفه على النية وهو ليس من أهلها. "و" الثاني: "العقل" فلا يصح من مجنون ومغمى عليه وسكران إذ لا نية لهم، ويصح من المميز والعبد والمرأة وإن كره لذوات الهيئة. "و" الثالث: "النقاء عن الحيض والنفاس، و" الرابع: "أن يكون جنبًا" فلا يصح من حائض ونفساء وجنب لحرمة مكثهم من حيث كونه مكثًا بخلاف من حرم مكثه لأمر خارج. "و" الخامس: "أن يلبث فوق طمأنينة الصلاة" ساكنًا كان أو مترددًا وإن كان مفطرًا لإشعار لفظ الاعتكاف بذلك، ولما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: $"ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه"2 فلا يكفي مكث أقل ما يجزئ في طمأنينة الصلاة كمجرد العبور؛ لأن كلا منهما لا يسمى اعتكافًا ولو نذر اعتكافًا مطلقًا أجزأه لحظة لكن يسن يوم لأنه لم ينقل الاعتكاف أقل منه وضم الليلة إليه، ويسن كلما دخل المسجد أن ينويه لينال فضله، وكذا إذا مر فيه ليناله على قول بشرط أن يقلد القائل به فيما يظهر. "و" السادس: "أن يكون في المسجد" للاتباع سواء سطحه وصحنه ورحبته المعدودة منه، فلا يصح في مصلى بيت المرأة ولا فيما وقف جزؤه شائعًا مسجدًا وإن حرم مكث الجنب فيه احتياطًا في الموضعين، ولا في مسجد أرضه مستأجرة إلا إن بنى فيه مسطبة ووقفها مسجدًا "و" المسجد "الجامع أولى" للاعتكاف من مسجد غير جامع للخروج من خلاف من أوجبه ولكثرة جماعته وللاستغناء عن الخروج للجمعة، وقد يجب الاعتكاف فيه بأن ينذر زمنًا متتابعًا فيه يوم جمعة وكان ممن تلزمه ولم يشترط الخروج لها لأن الخروج لها يقطع التتابع. "و" السابع: "أن ينوي الاعتكاف" عند مقارنة اللبث كما في الصلاة وغيرها "وتجب نية الفرضية إن نذره" ليتميز عن النفل وإنما لم يشترط من نية الفرضية تعيين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "فصل في سنن الصوم" وانظر الحاشية 6 ص255.
2 رواه الحاكم في المستدرك "1/ 439" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

 

ص -267-      الرجوع، وإن قدره بمدة فيجددها إن خرج لغير قضاء الحاجة، وإن كان متتابعًا جددها إن خرج لما يقطع التتابع، وإن عين في نذره مسجدًا فله أن يعتكف في غيره، إلا المساجد الثلاثة، ويحرم بغير إذن الزوج والسيد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبب وجوبه وهو النذر لأن وجوبه لا يكون إلا به بخلاف الصوم والصلاة. "ويجدد" وجوبًا معتكف أطلق الاعتكاف في نيته بأن لم يقدره بزمان "النية بالخروج" من المسجد ولو لقضاء الحاجة إن أراد العود إليه للاعتكاف لأن الثاني اعتكاف جديد فاحتاج إلى نية جديدة. "إن لم ينو الرجوع" حال الخروج بخلاف ما لو خرج عازمًا على العود فإنه لا يلزمه تجديد النية لأنه يصير كنية المدتين ابتداء. "وإن قدره بمدة" مطلقة كيوم أو شهر "فيجددها" أي النية وجوبًا إذا عاد "إن خرج" غر عازم على العود "لغير قضاء الحاجة" بخلاف ما إذا خرج لقضاء الحاجة من بول أو غائط أو إخراج ريح فإن اعتكافه لا ينقطع لأن ذلك لا بد منه فهو كالمستثنى عند النية، ولا فرق في ذلك بين الاعتكاف المتطوع به والواجب، كما إذا نذر أيامًا غير معينة ولم يشترط تتابعًا. "وإن كان" الاعتكاف "متتابعًا" وخرج منه غير عازم على العود "جددها" أي النية وجوبًا إذا عاد "إن خرج لما يقطع التتابع" بخلاف ما إذا خرج لما لا يقطعه من قضاء حاجة وأكل وغيرهما مما يأتي فإنه لا يلزمه تجديد النية لشمول النية جميع المدة "وإن عين في نذره مسجدًا" لم يتعين "فله أن يعتكف في غيره" وكذا الصلاة لكن يندبان فيما عينه "إلا المساجد الثلاثة" المسجد الحرام ومسجد المدينة والأقصى فتتعين لمزيد فضلها، نعم يجزئ الفاضل عن المفضول ولا عكس فيجزئ المسجد الحرام عن الآخرين، ومسجد المدينة عن المسجد الأقصى، ولا يجزئ الأقصى عن الآخرين، ولا مسجد المدينة عن المسجد الحرام، ودليل تفاوتها في الفضل ما صح عن غير طعن في "أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة في مسجد المدينة، وأنها في مسجد المدينة بألف صلاة فيما عدا المسجد الحرام، وأنها في المسجد الأقصى أفضل من خمسمائة صلاة فيما سواه"1 أي إلا المسجدين الأولين بقرينة ما قبله، وفي ذلك مزيد بينته في حاشية الإيضاح، وبينت فيها أيضًا أن المراد بالأول الكعبة والمسجد حولها، وبالثاني ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم دون ما زيد فيه. "ويحرم" الاعتكاف على الزوجة والقن "بغير إذن الزوج والسيد" نعم إن لم تفت به منفعة كأن حضر المسجد بإذنهما فنوياه حل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى البخاري في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة باب 1 "حديث 1190" ومسلم في الحج "حديث 505-510" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام".

 

ص -268-      فصل: "فيما يبطل الاعتكاف وفيما يقطع التتابع"
ويبطل الاعتكاف بالجماع، والمباشرة بشهوة إن أنزل وبالجنون والإغماء والجنابة والردة والسكر، وإذا نذر اعتكاف مدة معينة لزمه، ويقطع التتابع السكر والكفر، وتعمد الجماع، وتعمد الخروج من المسجد لا لقضاء الحاجة ولا الأكل ولا الشرب إن تعذر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: فيما يبطل الاعتكاف وفيما يقطع التتابع
"ويبطل الاعتكاف" بموجب جنابة يفطر به الصائم، فيبطل "بالجماع" من واضح عمدًا مع العلم والاختيار "وبالمباشرة بشهوة إن أنزل" وبالاستمناء كما مر مبسوطًا في الصوم وإن فعل ذلك خارج المسجد لمنافاته له، ويحرم ذلك في الاعتكاف الواجب مطلقًا وفي المستحب في المسجد. "و" يبطل "بالجنون والإغماء" إن طرآ بسبب تعدى به لأنهما حينئذ كالسكر، أما إذا لم يطرآ بسبب تعدى به فلا يقطعانه إن لم يخرج من المسجد أو خرج ولم يمكن حفظه فيه أو أمكن لكن بمشقة، بخلاف ما إذا أخرج من المسجد وقد أمكن حفظه فيه بلا مشقة على ما اقتضاه كلام الروضة وغيرها إذ لا عذر في إخراجه. "و" يبطل بالحيض والاحتلام ونحوه من "الجنابة" التي لا تبطل الصوم كإنزال بلا مباشرة وجماع ناس أو جاهل ومكره إن لم يغتسل فورًا لوجوب المبادرة بالغسل رعاية للتتابع، وله الغسل في المسجد إن لم يمكث فيه والخروج له وإن أمكنه في المسجد؛ لأنه أصون لمروءته ولحرمة المسجد، وإذا عاد له جدد النية إن كان اعتكافه غير متتابع وإلا فلا. "والردة والسكر" المحرم وإن لم يخرج المتصف بأحدهما من المسجد لعدم أهليته للعبادة. "وإذا نذر اعتكاف مدة معينة لزمه" اعتكاف تلك المدة مع تتابعها فلا يجوز تقديمه عليها ولا تأخيره عنها وإنما يلزم التتابع إن تلفظ بالتزامه سواء كانت المدة معينة أم غير معينة بخلاف ما إذا نواه فإنه لا يلزمه على المعتمد. "ويقطع التتابع السكر والكفر وتعمد الجماع" وغيرها مما مر آنفًا بتفصيله. "و" يبطله أيضًا "تعمد الخروج من المسجد" لما ليس ضروريًا ولا ما هو ملحق بالضروري "ولا" يؤثر الخروج "لقضاء الحاجة" إذ لا بد منه وإن كثر خروجه لذلك العارض نظرًا إلى جنسه ولا يكلف فيه كالأكل الصبر إلى حد الضرورة ولا غير داره كسقاية المسجد إن لم تلق به، وله الوضوء الواجب خارج المسجد تبعًا للاستنجاء. "ولا" لأجل "الأكل" وإن أمكن في المسجد فقد يستحيي منه ويشق عليه بخلاف الشرب وإذا خرج لداره ولقضاء الحاجة أو الأكل فإن تفاحش بعدها عن المسجد عرفًا، وفي طريقه مكان أقرب منه لائق به وإن كان لصديقه أو كان له دار إن لم يتفاحش بعدهما وأحدهما أقرب تعين الأقرب في الصورتين وإلا انقطع تتابعه، ولا يضر وقوفه لشغل بقدر الصلاة المعتدلة على الميت ما لم يعدل عن طريقه أو يتباطأ في مشيه أو يجامع وإن كان سائرًا وإلا بطل تتابعه أيضًا. "ولا الشرب" والوضوء الواجب "إن تعذر الماء في المسجد" بخلاف ما إذا وجد الماء فيه أو تيسر إحضاره ولو من بيته. "ولا

 

ص -269-      الماء في المسجد، ولا للمرض إن شق لبثه فيه أو خشي تلويثه، ومثله الجنون والإغماء، ولا إن أكره بغير حق على الخروج، ولا يقطعه الحيض إن لم تسعه مدة الطهر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمرض إن شق لبثه فيه" لاحتياجه إلى نحو فراش وتردد طبيب "أو خشي تلويثه" بخبث أو مستقذر يخرج منه بخلاف نحو الحمى الخفيفة والصداع. "ومثله" في ذلك "الجنون والإغماء" إذا حصل أحدهما للمعتكف. "ولا" يضر "إن" دام في المسجد أو خرج وقد "أكره بغير حق على الخروج" أو خرج خوفًا من ظالم أو غريم وهو معسر ولا بينة له أو من نحو سبع أو حريق لعذره كأن حمل بغير إذنه بخلاف ما لو أخرج مكرهًا بحق كزوجة وقن يعتكفان بلا إذن، وكمن أخرجه ظالم لأداء حق مطل به أو خرج خوف غريم له وهو غني مماطل أو معسر وله بينة فينقطع تتابعه بذلك لتقصيره. "ولا يقطعه الحيض إن لم تسعه مدة الطهر" بأن طالت مدة الاعتكاف بحيث لا ينفك عن الحيض غالبًا بأن يكون أكثر من خمسة عشر يومًا وفيه نظر رددته في شرح الإرشاد، ولا يقطعه أيضًا خروج مؤذن راتب إلى منارة المسجد المنفصلة عنه لكنها قريبة منه للأذان لإلفه صعودها للأذان، وإلف الناس صوته ولا الخروج لأن يقام عليه حد ثبت بغير إقراره ولا لأجل عدة ليست بسببها، ولا لأجل أداة شهادة تعين عليه تحملها وأداؤها للعذر في جميع ذلك بخلاف أضداده.