المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية

ص -270-      كتاب: الحج والعمرة
هما فرضان، وشرط وجوبهما الإسلام، والحرية، والتكليف، والاستطاعة ولها شروط:
الأول: وجود الزاد وأوعيته ومؤنة ذهابه وإيابه.
الثاني: وجود راحلة لمن بينه وبين مكة مرحلتان، أو شق محمل لمن لا يقدر على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب: الحج
هو لغة القصد. وشرعًا: قصد الكعبة للأفعال الآتية, "والعمرة" وهي لغة: الزيارة. وشرعًا قصد الكعبة للأفعال الآتية.
"هما فرضان" أما الحج فبالإجماع. وأما العمرة فلما صح عن عائشة, قلت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال:
"نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة"1 وخبر: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لا"2 ضعيف اتفاقًا ثم لهما مراتب خمس: صحة مطلقة وشرطها الإسلام فقط فيصح إحرام الولي أو مأذونه عن المجنون والصبي الذي لا يميز. وصحة مباشرة وشروطها الإسلام مع التمييز وإذن الولي فلا تصح مباشرة غير مميز ولا مميز لم يأذن له وليه. ووقوع عن حجة النذر وشروطها الإسلام والتكليف. ووقوع عن حجة الإسلام وعمرته وشروطه التكليف والحرية فيجزئ حج الحر المكلف الفقير واعتماره عن فرض الإسلام. والمرتبة الخامسة وجوبهما "وشرط وجوبهما الإسلام" فلا يجبان على كافر أصلي في الدنيا ويجبان على مرتد وإن استطاع في حال ردته ثم أعسر بعد إسلامه، لكن لو مات مرتدًا لم يحج عنه لتعذر وقوعه له. "والحرية والتكليف" فلا يجبان على رقيق وصبي ومجنون لنقصهم. "والاستطاعة" لقوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97].
والعمرة كالحج والاستطاعة الواحدة كافية فيهما "ولها شروط. الأول: وجود الزاد وأوعيته" حتى السفرة3 "ومؤنة ذهابه وإيابه" اللائقة به من نحو ملبس ومطعم وغيرهما مما يأتي.
"الثاني: وجود راحلة" فاضلة عن جميع ما مر وما يأتي ذهابًا وإيابًا وإن لم يكن له بوطنه أهل ولا عشيرة. "لمن بينه وبين مكة مرحلتان" والأصل فيها وفي النفقة أنه صلى الله عليه وسلم فسر بهما السبيل في الآية4، والمراد بها هنا كل دابة اعتيد ركوبها في مثل تلك المسافة ولو نحو بغل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البيهقي في السنن الكبرى "4/ 350".
2 رواه الإمام أحمد في المسند "3/ 357".
3 السفرة: طعام يصنع للمسافر، وما يحمل فيه هذا الطعام "المعجم الوسيط: ص433".
4 روى ابن ماجه في المناسك باب 6 "حديث 2897" عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الزاد والراحلة" يعني قوله:
{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.

 

ص -271-      الراحلة، وللمرأة مع وجود شريك، ولا تشترط الراحلة لمن بينه وبين مكة أقل من مرحلتين وهو قوي على المشي، ويشترط كون ذلك كله فاضلًا عن دينه ومؤنة من عليه مؤنتهم ذهابًا وإيابًا، وعن مسكن وخادم يحتاج إليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحمار. وبوجدانها القدرة على تحصيلها ببيع أو إجارة بثمن أو بأجرته لا بأزيد وإن قلت الزيادة، أو ركوب موقوف عليه أو على الحمل إلى مكة أو موصى بمنفعته إلى ذلك والأوجه الوجوب على من حمله الإمام من بيت المال كأهل وظائف الركب من القضاة أو غيرهم، والشرط إما وجود راحلة فقط وهو في حق من ذكر إن بعد محله أو ضعف كما يأتي. "أو" وجود "شق محمل" وهو "لمن لا يقدر على الراحلة" بأن يلحقه بها مشقة شديدة إذ لا استطاعة معها وضابطها أن يخشى منها مبيح تيمم، فإن لحقته بالمحمل وهو شيء من خشب أو نحوه يجعل في جانب البعير للركوب فيه اشترط فيه قدرته على الكنيسة1 وهو المسمى الآن بالمحارة. فإن عجز فمحفة2، فإن عجز فسرير يحمله رجال وإن بعد محله لأن الفرض أنه قادر على مؤن ذلك وأنها فاضلة عما مر. "وللمرأة" والخنثى وإن لم يتضرر؛ لأن المحمل أستر لهما والشرط وجدان المحمل في حق من ذكر "مع وجود شريك" عدل يليق به مجالسته وليس به نحو جذام ولا برص فيما يظهر في الكل، فإن لم يجده فلا وجوب. وإن وجد مؤنة المحمل بتمامه، ولو سهلت معادلته بنحو أمتعة ولم يخش منها ضررًا ولا مشقة لم يشترط وجود الشريك.
"ولا تشترط الراحلة لمن بينه وبين مكة أقل من مرحلتين وهو قوي على المشي" بأن لم يلحقه به المشقة الآتية إذ ليس عليه في ذلك كثير ضرر، بخلاف ما لو ضعف عن المشي بأن خشي منه مبيح تيمم فإنه لا بد له من المحمل في حقه مطلقًا وحيث لم يلزمه المشي فالركوب قبل الإحرام وبعده أفضل، والأفضل الركوب على القتب3 والرحل4 للاتباع. "ويشترط كون ذلك كله" أي ما مر من نحو الراحلة والمؤنة "فاضلا عن دينه" ولو مؤجلا وإن أمهل به إلى إيابه لأن الحال5 على الفور والحج على التراخي والمؤجل يحل عليه فإذا صرف ما معه في الحج لم يجد ما يقضي به الدين "و" عن "مؤنة من عليه مؤنتهم" كزوجته وقريبه ومملوكه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكنيسة: شبه هودج، يُغرز في المحمل أو في الرحل قضبان ويلقى عليها ثوب يستظل به الراكب ويستتر به "المعجم الوسيط: ص800".
2 المحفّة: هودج لا قبة له تركب فيه المرأة "المعجم الوسيط: ص186".
3 القتب "بالتحريك، وبكسر القاف وسكون التاء": الرحل الصغير على قدر سنام البعير "المعجم الوسيط: ص714".
4 الرحل: ما يوضع على ظهر البعير للركوب "المعجم الوسيط: ص334".
5 أي الدين الحال أجلّ سداده.

 

ص -272-      الثالث: أمْنُ الطريق.
الرابع: وجود الزاد والماء في المواضع المعتاد حمله منها بثمن مثله، وهو القدر اللائق به في ذلك المكان والزمان، وعلف الدابة في كل مرحلة، ولا يجب على المرأة إلا إن خرج معها زوج أو محرم أو نسوة ثقات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحتاج إليه، والمراد المؤنة اللائقة بهم من نحو ملبس ومطعم وإعفاف أب وأجرة طبيب وثمن أدوية لحاجة قريبه ومملوكه إليهما ولحاجة غيرهما إذا تعين الصرف إليه، ويشترط الفضل عن جميع ما يحتاجه إلى ذلك "ذهابًا وإيابًا" إلى وطنه, وإن لم يكن له به أهل ولا عشيرة لما في الغربة من الوحشة ولنزع النفوس إلى الأوطان وعلى القاضي منعه حتى يترك لممونه نفقة الذهاب والإياب، ولكنه يخيره في الزوجة بين طلاقها وترك نفقتها عند ثقة يصرفها عليها. "وعن مسكن وخادم يحتاج إليه" أي إلى خدمته لنحو زمانة أو منصب تقديمًا لحاجته الناجزة، نعم إن كانا نفيسين لا يليقان به لزم إبدالهما بلائق إن وفى الزائد عليه بمؤنة نسكه، ومثلهما الثوب النفيس، ولو أمكن بيع بعض الدار ولو غير نفيسة وفي ثمنه بمؤنة النسك لزمه أيضًا، والأمة النفيسة للخدمة أو للتمتع كالعبد فيما ذكر، ولا يلزم العالم أو المتعلم بيع كتبه لحاجته إليها إلا إن كان له من كتاب نسختان وحاجته تندفع بإحداهما فيلزم بيع الأخرى ولا الجندي بيع سلاحه ولا المحترف بيع آلته.
"الثالث: أمن الطريق" أمنًا لائقًا بالسفر ولو ظنًّا على نفس والبضع والمال وإن قل، فإن خاف على شيء منها لم يلزمه النسك لتضرره سواء كان الخوف عامًّا أم خاصًّا على المعتمد، ولا أثر للخوف على مال خطير استصحبه للتجارة وكان يأمن عليه ولو تركه في بلده، ويشترط الأمن أيضًا من الرصدي وهو من يرقب الناس ليأخذ منهم مالا1، فإن وجد لم يجب النسك وإن قل المال ما لم يكن المعطى له وهو الإمام أو نائبه.
"الرابع: وجود الزاد والمال في المواضع المعتاد حمله منها بثمن مثله وهو القدر اللائق به في ذلك المكان والزمان", فإن عدم ذلك ولو في مرحلة اعتيد حمله منها تبين عدم الوجوب، والعبرة في ذلك بعرف أهل كل ناحية لاختلافه باختلاف النواحي. "و" وجود "علف الدابة في كل مرحلة" لعظم تحمل المؤنة في حمله بخلاف الماء والزاد لكن بحث2 في المجموع اعتبار العادة فيه كالماء وسبقه إليه سليم3 وغيره واعتمده السبكي وغيره. "ولا يجب" الحج

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يجب أن يزيد هنا: ظلمًا وعدوانًا. انظر المعجم الوسيط "ص348".
2 أي النووي صاحب "المجموع شرح المهذب".
3 لعله سليم بن أيوب بن سليم الرازي الشافعي أبو الفتح. فقيه، أصولي، مفسر، محدث. توفي سنة 447هـ. من مصنفاته الكثيرة: المجرد، التقريب، الكافي وكلها في فروع الشافعية، ضياء القلوب في التفسير، وغرائب الحديث "معجم المؤلفين: 1/ 777".

 

ص -273-      الخامس: أن يثبت على الراحلة بغير مشقة شديدة، ولا يجب على الأعمى الحجإلا إذا وجد قائدًا، ومن عجز عن الحج بنفسه وجبت عليه الاستنابة إن قدر عليها بماله أو بمن يطيعه، إلا إذا كان بينه وبين مكة دون مسافة القصر فيلزمه بنفسه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يستقر "على المرأة" ولو عجوزًا لا تشتهي سواء المكية وغيرها "إلا إن" وجد فيها ما مر و"خرج معها زوج أو محرم" لها بنسب أو رضاع أو مصاهرة لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"لا تسافر المرأة بريدًا إلا ومعها زوجها أو ذو محرم"1 ولا يشترط عدالتهما لأن الوازع الطبعي أقوى من الوازع الشرعي. ومثلهما عبدها الثقة إن كانت ثقة أيضًا إذ لا يجوز لكل منهما نظر الآخر والخلوة به إلا حينئذ، ويكفي مراهق وأعمى له وجاهة وفطنة بحيث تأمن معه على نفسها، ويشترط فيمن يخرج معها مصاحبته لها بحيث يمنع تطلع أعين الفجرة إليها وإن كان قد يبعد عنها قليلا في بعض الأحيان، والأمرد الجميل لا بد أن يخرج معه من يأمن على نفسه من قريب ونحوه. "أو نسوة ثقات" بأن بلغن وجمعن صفات العدالة وأن كن إماء سواء العجائز وغيرهن، وإن لم يخرج معهن زوج أو محرم لإحداهن لانقطاع الأطماع باجتماعهن، ومن ثم جازت خلوة رجل بامرأتين دون عكسه، وأفهم كلامه أنه لا بد من ثلاث غيرها وأنه لا يكتفي بغير الثقات وإن كن محارم، واعتبار العدد إنما هو بالنظر للوجوب الذي الكلام فيه، أما بالنظر لجواز الخروج فلها أن تخرج مع واحدة لفرض الحج، وكذا وحدها إذا أمنت، أما سفرها لغير فرض فحرام مع النسوة مطلقًا.
"الخامس: أن يثبت على الراحلة بغير مشقة شديدة" فمن لا يثبت عليها أصلا أو يخشى من ثبوته عليها محذور تيمم لا يلزمه الحج بنفسه بل بنائبه بشروطه الآتية.
السادس: أن يجد ما مر من الزاد وغيره وقت خروج الناس من بلده.
السابع: إمكان السير بأن يبقى من الزمن عند وجود الزاد ونحوه مقدار ما يمكن السير فيه إلى الحج السير المعهود فإن احتاج إلى أن يقطع في كل يوم أو في بعض الأيام أكثر من مرحلة لم يلزمه الحج ولا يقضي من تركته لو مات قبله.
الثامن: أن يجد رفقة بحيث لا يأمن إلا بهم يخرج معهم ذلك الوقت المعتاد، فإن تقدموا بحيث زادت أيام السفر أو تأخروا بحيث احتاج أن يقطع معهم في يوم أكثر من مرحلة فلا وجوب لزيادة المؤنة في الأول وتضرره في الثاني، ويلزمه السفر وحده في طريق آمنة لا يخاف فيها الواحد وإن استوحش.
التاسع: أن يجد ما مر من الزاد ونحوه بمال حاصل عنده فلا يلزمه اتهابه2 ولا قبول هبته لعظم المنة فيه ولا شراؤه بثمن مؤجل, وإن امتد الأجل إلى وصوله موضع ماله، ولا أثر لدين له مؤجل أو حال على معسر أو منكر ولا بينة له ولا يمكنه الظفر بماله، بخلاف الحال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الحاكم في المستدرك "1/ 442".
2 أي طلب هبته.

 

ص -274-      فصل: "في المواقيت"
يحرم بالعمرة كل وقت، وبالحج في أشهره، وهي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. فلو أحرم به في غير وقته انقعد عمرة، ومن كان بمكة فيحرم بالحج منها،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على مليء مقر أو عليه بينة أو أمكنه الظفر من ماله بقدره ووجدت شروط الظفر والمال الموجود بعد خروج القافلة كالمعدوم.
"ولا يجب على الأعمى الحج" والعمرة "إلا إذا وجد قائدًا" ويشترط قدرته على أجرته إن طلبها ولم تزد على أجرة مثله، وكذا يشترط قدرة المرأة على أجرة نحو الزوج إن طلبها. "ومن عجز عن الحج بنفسه" وقد أيس من القدرة عليه لزمانة أو هرم أو مرض لا يرجى برؤه ويسمى معضوبًا "وجبت عليه الاستنابة إن قدر عليها بماله" بأن وجد أجرة من يحج عنه بأجرة المثل فاضلة عما مر، نعم يستثنى مؤنة نفسه وعياله فلا يشترط كونها فاضلة عنها إلا يوم الاستئجار فقط؛ لأنه إذا لم يفارقهم يمكنه تحصيل مؤنتهم بخلاف المباشر بنفسه "أو بمن يطيعه" بأن وجد متبرعًا يحج عنه وهو موثوق به ولا حج عليه وهو ممن يصح منه حجة الإسلام ولم يكن معضوبًا فيلزمه القبول بالإذن له في الحج عنه لأنه مستطيع بذلك وإن كان المطيع أنثى أجنبية. نعم إن كان المطيع أصلا أو فرعًا وهو ماش لم تجب إنابته لأن مشيهما يشق عليه، وكذا إن لم يجد ما يكفيه أيام الحج وإن كان راكبًا كسوبًا، والفقير المعول على الكسب أو السؤال كالبعض في ذلك، ولو توسم الطاعة في قريب أو أجنبي لزمه سؤاله، بخلاف ما لو بذل له آخر مالا يستأجر به من يحج عنه فإنه لا يلزمه قبوله، نعم إن استأجر المطيع الذي هو والد أو ولد من يحج عن المعضوب لزمه القبول، ويجوز للمعضوب الاستنابة أو تجب "إلا إذا كان بينه وبين مكة دون مسافة القصر فيلزمه" أن يحج "بنفسه"؛ لأنه لا يتعذر عليه الركوب في المحمل فالمحفة فالسرير الذي يحمله رجال ولا نظر للمشقة عليه لاحتمالها في حد القرب فإن فرض تعذر ذلك عليه صحت إنابته وإن كان مكيًّا.
فصل: في المواقيت
"يحرم بالعمرة كل وقت"؛ لأن جميع السنة وقت لها، نعم يمتنع على الحاج الإحرام بها ما دام عليه شيء من أعمال الحج كالرمي؛ لأن بقاء حكم الإحرام كبقاء نفس الإحرام، ومن ثم لم يتصور حجتان في عام واحد خلافًا لمن زعم تصوره، ويسن الإكثار من العمرة ولو في اليوم الواحد إذ هي أفضل من الطواف على المعتمد، والكلام فيما إذا استوى الزمن المصروف إليها وإليه. "و" يحرم "بالحج في أشهره وهي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة" فيمتد وقت الإحرام به من ابتداء شوال إلى صبح يوم النحر فيصح الإحرام به وإن

 

ص -275-      وبالعمرة من أدنى الحل، وغير المكي يحرم بالحج والعمرة من الميقات، وهو لتهامة اليمن يلملم، ولنجده قرن، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة، ولأهل المدينة ذو الحليفة، فإن جاوز الميقات مريدًا للنسك ثم أحرم عليه دم إن لم يعد إلى الميقات قبل التلبس بنسك، والإحرام من الميقات أفضل من بلده.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضاق الزمن كأن أحرم به مصري بمصر مثلا قبيل فجر النحر "فلو أحرم به في غير وقته" كرمضان أو بقية الحجة "انعقد عمرة" وإن كان عالمًا بذلك متعمدًا له وأجزأته عن عمرة الإسلام لشدة لزوم الإحرام، فإذا لم يقبل الوقت ما أحرم به انصرف لما يقبله، هذا حكم الميقات الزماني "و" أما الميقات المكاني فهو أن "من كان بمكة" كانت ميقاته بالنسبة للحج وإن كان من غير أهلها "فيحرم بالحج منها" سواء القارن والمتمتع والمفرد فإن فارق ما لا يجوز فيه القصر لو سافر منها مما مر بيانه في بابه وأحرم خارجها ولم يعد إليها قبل الوقوف أثم ولزمه دم، وكذا إن عاد إليها قبله وقد وصل في خروجه إلى مسافة القصر، ويستثنى من ذلك الأجير المكي إذا استأجر عن آفاقي1 فإنه يلزمه الخروج إلى ميقات المحجوج عنه ليحرم منه، والأفضل لمن يحرم من مكة أن يصلي سنة الإحرام بالمسجد ثم يأتي باب داره ويحرم منه، ثم يأتي المسجد لطواف الوداع إن أراده فإنه مندوب له "و" أما بالنسبة للعمرة فليست ميقاتًا بل يحرم من بها "بالعمرة من أدنى الحل" من أي جانب شاء فإن أحرم بها في الحرم انعقد، ثم إن خرج إلى أدنى الحل فلا دم وإلا أثم ولزمه دم، وأفضل بقاع الحل للإحرام بالعمرة الجعرانة للاتباع ثم التنعيم لأمره صلى الله عليه وسلم عائشة بالاعتمار منه ثم الحديبية "وغير المكي" وهو من ليس بمكة سواء الآفاقي والمكي القاصد مكة للنسك "يحرم بالحج والعمرة من الميقات" الذي أقته صلى الله عليه وسلم لطريقه التي يسلكها "وهو لتهامة اليمن يلملم ولنجده" أي اليمن ومثله نجد الحجاز "قرن" بسكون الراء "ولأهل العراق" وخراسان "ذات عرق" وكل من هذه الثلاثة على مرحلتين من مكة. "ولأهل الشام" الذين لا يمرون على ذي الحليفة. "و" أهل "مصر والمغرب الجحفة" قرية خربة بعيدة عن رابغ على نحو ست مراحل من مكة. "ولأهل المدينة ذو الحليفة" وهي المحل المسمى الآن بأبيار عليٍّ بينها وبين المدينة نحو ثلاثة أميال فهي أبعد المواقيت من مكة، ومن سلك طريقًا لا ميقات به فإن سامته ميقات يمنة أو يسرة أحرم من محاذاته ولا أثر لمسامته وراء أو خلفًا فإن أشكل عليه الميقات أو موضع محاذاته تحرى، ويسن أن يحتاط فإن حاذى ميقاتين وأحدهما أقرب إليه فهو ميقاته فإن استويا في القرب إليه فميقاته الأبعد من مكة، وإن حاذى الأقرب إليها أولا فإن استويا في القرب إليها وإليه أحرم من محاذاتهما ما لم يحاذ أحدهما قبل الآخر فيحرم من محاذاته، ولا ينتظر محاذاة الآخر، كما ليس للمار على ذي الحليفة أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة، ومن مسكنه بين مكة والميقات فميقاته مسكنه فإن لم يكن بطريقه ميقات ولا حاذى ميقاتًا أحرم على مرحلتين من مكة. "فإن جاوز الميقات مريدًا للنسك" الحج أو العمرة "ثم أحرم" ولم ينو العود إليه أو إلى مثل مسافته "فعليه دم" لعصيانه بالمجاوزة إجماعًا ويلزمه العود إليه محرمًا أو ليحرم منه تداركًا لما تعدى بتفويته ويعصي بتركه إلا لعذر وإنما يلزمه الدم "إن" أحرم بعد المجاوزة في تلك السنة و"لم يعد إلى الميقات" ولا إلى مثل مسافته وإن كان تركه للعود إليه لعذر لإساءته بترك الإحرام من الميقات، بخلاف ما إذا عاد لأنه قطع المسافة كلها محرمًا وإنما ينفعه العود "قبل التلبس بنسك" إن عاد بعد التلبس بنسك ولو طواف القدوم لم يسقط عنه الدم لتأدي النسك بإحرام ناقص "والإحرام من الميقات أفضل" منه "من بلده" للاتباع فإنه صلى الله عليه وسلم أحرم بحجته وبعمرة الحديبية من ذي الحليفة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآفاقي: الضارب في آفاق الأرض، ومن لا ينتسب إلى وطن.

 

ص -276-      فصل: "في بيان أركان الحج والعمرة"
أركان الحج خمسة: الإحرام، والوقوف بعرفة، والطواف، والسعي، والحلق. وأركان العمرة أربعة وهي: الإحرام، والطواف، والسعي، والحق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في بيان أركان الحج والعمرة
"أركان الحج خمسة" بل ستة "الإحرام" وهو نية الدخول في النسك "والوقوف بعرفة والطواف والسعي والحلق" والترتيب في معظمها إذ لا بد من تقديم الإحرام على الكل والوقوف على ما بعده والطواف على السعي ويجوز تقديم الحلق عليهما وتأخيرهما عنه. "وأركان العمرة أربعة" بل خمسة "وهي: الإحرام والطواف والسعي والحلق" والترتيب في الكل1 على ما ذكر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الترتيب في الأربعة المذكورة هو الركن الخامس من أركان العمرة.

فصل: "في بيان الإحرام"
الإحرام نية الحج أو العمرة أو هما، وينعقد مطلقًا ثم يصرفه لما شاء، ويستحب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في بيان الإحرام
"الإحرام نية" الدخول في "الحج أو العمرة أو هما" لما صح عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"من أراد أن يهلّ بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهلّ بحج فليفعل، ومن أراد أن يهلّ بعمرة فليفعل"2 "وينعقد" الإحرام "مطلقًا" لما روى الشافعي رضي الله عنه: "أنه صلى الله عليه وسلم خرج هو وأصحابه ينتظرون القضاء أي نزول الوحي فأمر من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 رواه مسلم في الحج حديث 114 عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"من أراد منكم أن يهلّ بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهلّ بحج فليهلّ، ومن أراد أن يهلّ بعمرة فليهلّ".

 

ص -277-      التلفظُ بالنية فيقول: نويت الحج أو العمرة وأحرمت به لله تعالى، وإن حج أو اعتمر عن غيره قال: نويت الحج أو العمرة عن فلان وأحرمت به لله تعالى، ويستحب التلبية مع النية والإكثار منها، ورفع الصوت بها للرجل إلا في أول مرة فيسر بها، ويندب أن يذكر ما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا هدي معه أن يجعل إحرامه عمرة ومن أهدى أن يجعله حجًّا" "ثم يصرفه" أي الإحرام المطلق بالنية لا باللفظ "لما شاء" من حج وعمرة وقران وإن ضاق وقت الحج، أما لو فات ففيه خلاف، والمتجه أنه يبقى مبهمًا فإن عينه لعمرة فذاك أو لحج فكمن فاته الحج. وأفهم كلامه أنه لا يجزئ العمل قبل التعيين بالنية، نعم لو طاف ثم صرفه للحج وقع طوافه عن القدوم وإن كان من سنن الحج، ولو أحرم مطلقًا ثم أفسده قبل التعيين فأيهما عينه كان مفسدًا له، ويجوز له أن يحرم كإحرام زيد، ثم إن كان زيد مطلقًا أو غير محرم أصلا أو أحرم إحرامًا فاسدًا انعقد له مطلقًا، وإن علم حال زيد وإن كان زيد مفصلا ابتداء تبعه في تفصيله، بخلاف ما لو أحرم مطلقًا وصرفه لحج أو لعمرة ثم أدخل عليها الحج ثم أحرم كإحرامه فلا يلزمه في الأولى أن يصرفه لما صرفه له زيد ولا في الثانية إدخال الحج على العمرة إلا أن يقصد التشبه به في الحال في الصورتين. "ويستحب التلفظ بالنية" التي يريدها مما ذكر ليؤكد ما في القلب كما في سائر العبادات " فيقول" بقلبه ولسانه: "نويت الحج أو العمرة" أو الحج والعمرة أو النسك "وأحرمت به لله تعالى، وإن حج أو اعتمر عن غيره قال نويت الحج أو العمرة عن فلان وأحرمت به لله تعالى، ويستحب التلبية مع النية" فيقول عقب التلفظ بما ذكر: لبيك اللهم لبيك... إلخ, لخبر مسلم:
"إذا توجهتم إلى منى فأهلوا بالحج"1 والإهلال رفع الصوت بالتلبية والعبرة بالنية لا بالتلبية فلو لبى بغير ما نوى فالعبرة بما نوى "و" يستحب "الإكثار منها" أي من التلبية في دوام إحرامه حتى لنحو الحائض وتتأكد عند تغير الأحوال من نحو صعود وهبوط واجتماع وافتراق وإقبال ليل أو نهار وركوب ونزول وفراغ من صلاة وتكره في مواضع النجاسة "و" يستحب "رفع الصوت بها للرجل" حتى في المساجد بحيث لا يتعبه الرفع لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال"2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أجده في مسلم بهذا اللفظ، وفيه "كتاب الحج، باب 33، حديث 211" عن أبي سعيد قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخًا، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي، فلما كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج". وفي لفظ له أيضًا "كتاب الحج، حديث رقم 143" من حديث جابر بن عبد الله، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أحلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا وأقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج...".
2 رواه من حديث الخلاد بن سائب الأنصاري عن أبيه: أبو داود في المناسك باب 26 "حديث 1814", والترمذي في الحج باب 15، وابن ماجه في المناسك باب 16، والدارمي في المناسك باب 14، ومالك في الحج حديث 34، وأحمد في المسند "4/ 55، 56".

 

ص -278-      أحرم به وصيغتها: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويكررها ثلاثًا، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل الله تعالى الرضا والجنة والاستعاذة من النار، ثم دعا بما أحب، وإذا رأى المحرم أو غيره شيئًا يعجبه أن يكرهه قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن قوله صلى الله عليه وسلم:
"أفضل الحج العج والثج"1 والعج، رفع الصوت بالتلبية، والثج نحر البدن، أما المرأة ومثلها الخنثى فيندب لها إسماع نفسها فقط فإن جهرت بها كره، وإنما حرم أذانها لأن كل أحد يصغي إليه فربما كان سببًا لإيقاع الناس في الفتنة بخلافه هنا فإن كل أحد مشتغل بتلبيته عن تلبية غيره "إلا في أول مرة" وهي التي في ابتداء الإحرام "فيسر بها" ندبًا بحيث يسمع نفسه فقط على المعتمد "و" في هذه " يندب أن يذكر ما أحرم به" لا فيما بعدها "وصيغتها" المستحبة تلبيته صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه وهي: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"2 ويجوز كسر إن وفتحها والكسر أصح وأشهر، ويستحب أن يقف وقفة لطيفة عن قوله: والملك "ويكررها" أي جميع التلبية المذكورة لا لفظ لبيك فقط "ثلاثًا" والمقصود بلبيك وهو مثنى مضاف الإجابة لدعوة الحج في قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27]، من لب بالمكان إذا أقام به، ومعناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، فالقصد بلبيك التكثير لا التثنية والزيادة على ما ذكر غير مكروهة. "ثم" بعد فراغه من تلبيته وتكريرها ثلاثًا إن أراد أن "يصلي" ويسلم "على النبي صلى الله عليه وسلم" بصوت أخفض من صوت التلبية لتتميز عنها والأفضل صلاة التشهد. "ثم" بعد ذلك "يسأل الله تعالى الرضا والجنة والاستعاذة من النار" كما روي بسند ضعيف عن فعله صلى الله عليه وسلم "ثم دعا بما أحب" دينًا ودنيا، ويسن أن لا يتكلم في أثناء التلبية، وقد يندب له الكلام كرد السلام، وقد يجب كإنذار مشرف على التلف ويكره السلام عليه "وإذا رأى المحرم أو غيره شيئًا يعجبه أو يكرهه قال" ندبًا: "لبيك إن العيش" أي الغنى المطلوب الدائم "عيش الآخرة" أي فلا أحزن على فوات ما يعجب ولا أتأثر بحصول ما يكره وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك في أسر أحواله وفي أشد أحواله، فالأول وقوفه بعرفة لما رأى جميع المسلمين، والثاني في حفر الخندق لما رأى ما بالمسلمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "3/ 224" وابن حجر في المطالب العالية "1200" وابن كثير في تفسيره "8/ 327" والزيلعي في نصب الراية "3/ 33، 35" وابن حجر في تلخيص الحبير "2/ 239" والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "4/ 388، 440" والمتقي الهندي في كنز العمال "11883" وأبو حنيفة في جامع المسانيد "1/ 509".
2 رواه البخاري في اللباس باب 69، ومسلم في الحج حديث 147 و269 و271، ورواه أيضًا بقية الستة وأحمد.

 

ص -279-      فصل: "في سنن تتعلق بالنسك"
ويسن الغسل للإحرام، ولدخول مكة، ولوقوف عرفة ومزدلفة ولرمي أيام التشريق، وتطييب بدنه للإحرام دون ثوبه، ولبس إزار ورداء أبيضين جديدين ثم مغسولين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في سنن تتعلق بالنسك
"ويسن الغسل للإحرام" بسائر كيفياته للاتباع حتى للحائض والنفساء؛ لأن القصد التنظف لكن تسن لهما النية والأولى لهما تأخير الإحرام إلى الطهر إن أمكن وحتى غير المميز فليغسله وليه، ومن عجز عنه لفقد الماء حسًّا أو شرعًا تيمم ندبًا لأن الغسل يراد للقربة والنظافة، فإذا فات أحدهما بقي الآخر، ويجري ذلك في سائر الأغسال الآتية. "ولدخول مكة" وإن كان حلالا للاتباع، نعم من خرج من مكة وأحرم بالعمرة من قريب بحيث لا يغلب التغير في مسافته كالتنعيم واغتسل للإحرام لم يسن له الغسل لدخولها لحصول النظافة بالغسل السابق، وكذا من أحرم بالحج من ذلك، ويسن الغسل أيضًا لدخول الحرم ولدخول الكعبة ولدخول المدينة. "ولوقوف عرفة" والأفضل أنه يكون بعد الزوال "و" للوقوف في "مزدلفة" على المشعر الحرام ويكون بعد الفجر. "ولرمي" جمار كل يوم من "أيام التشريق" لآثار وردت في ذلك ولأن هذه المواضع يجتمع بها الناس فأشبه غسل الجمعة ونحوها، والأفضل أن يكون الغسل للرمي بعد الزوال، وأفهم كلامه أن لا يسن الغسل لرمي جمرة العقبة يوم النحر ولا لمبيت مزدلفة ولا لطواف القدوم أو الإفاضة أو الحلق وهو كذلك اكتفاء بما قبل الثلاثة الأول مع اتساع وقت ما عدا الثاني والثالث "و" يستحب "تطييب بدنه للإحرام" بعد الغسل للاتباع1 رجلا كان أو غيره لانعزال المرأة هنا عن الرجال بخلافها في الصلاة في جماعتهم، وأفضل أنواع الطيب المسك والأولى خلطه بماء الورد "دون ثوبه" فلا يندب له تطييبه بل يكره ولا يحرم بما تبقى عينه بعد الإحرام، وله استدامته ولو في ثوبه لا شده فيه، ولو أخذه من بدنه أو ثوبه ثم أعاده إليه وهو محرم أو نزع ثوبه المطيب ثم لبسه لزمته الفدية. وكذا لو مسه بيده عمدًا ولا أثر لانتقاله بعرق للعذر "و" يستحب للرجل قبل الإحرام "لبس إزار ورداء" للاتباع2 "أبيضين" لخبر مسلم
"البسوا من ثيابكم البياض"3 "جديدين ثم" إن لم يجدهما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عن عائشة رضي الله عنها قال: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت". رواه البخاري في صحيحه "الأحاديث 1539 و1754 و5922 و5928 و5930" ومسلم في الحج "حديث 31"، وباقي الستة ومالك وأحمد.
2 روى البخاري في الحج، باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر "حديث 1545" عن ابن عباس رضي الله عنهما: "انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه...". إلخ.
3 لم أجده بهذا اللفظ في مسلم؛ ورواه بهذا اللفظ أبو داود في الطب باب 14 واللباس باب 13 "حديث 3878 و4061" والترمذي في الجنائز باب 38 والزينة باب 98، وأحمد في المسند "1/ 247، 363" والطبراني في الكبير "12/ 65، 66".

 

ص -280-      ونعلين، وركعتان يحرم بعدهما مستقبلا عند ابتداء سيره، ويستحب دخول مكة قبل الوقوف، ومن أعلاها نهارًا ماشيًا حافيًا، وأن يطوف للقدوم إن كان حاجًّا أو قارنًا ودخل مكة قبل الوقوف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لبس "مغسولين" ويندب غسل جديد يغلب احتمال النجاسة في مثله "ونعلين" لخبر أبي عوانة: "ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين"1 ويكره المصبوغ إلا المزعفر والمعصفر فإنهما يحرمان أما المرأة والخنثى فلا حرج عليهما في غير الوجه والكفين ويستحب له قبل الغسل أن يتنظف بقص شارب وأخذ شعر إبط وعانة وظفر إلا في عشر ذي الحجة لمريد التضحية "و" يسن بعد فعل ما ذكر "ركعتان" أي صلاتهما بنية سنة الإحرام للاتباع ولا يصليهما في وقت الكراهة لحرمتهما فيه في غير حرم مكة، ويجزئ عنهما الفريضة والنافلة لكن إن نواهما مع ذلك حصل ثوابهما أيضًا وإلا سقط عنه الطلب ولم يثب عليهما نظير ما مر في تحية المسجد، ثم إذا صلاهما "يحرم بعدهما" حال كونه "مستقبلا" للقبلة عند الإحرام لخبر البخاري بذلك والأفضل أن يحرم "عند ابتداء سيره" فيحرم الراكب إذا استوت به دابته قائمة لطريق مكة والماشي إذا توجه إلى طريق مكة للاتباع في الأول وقياسًا عليه في الثاني "ويستحب" للحاج "دخول مكة قبل الوقوف" بعرفة للاتباع2 ولكثرة ما يفوز به من الفضائل التي تفوته لو دخلها بعد الوقوف "و" يستحب أن يدخلها "من أعلاها" وهو المسمى الآت بالحجون وإن لم يكن في طريقه للاتباع3 وأن يدخلها "نهارًا" والأفضل أوله بعد صلاة الصبح للاتباع4 و"ماشيًا" و"حافيًا" إن لم تلحقه مشقة ولم يخف تنجس رجله ولم يضعفه عن الوظائف؛ لأنه أشبه بالتواضع والأدب، ومن ثم ندب له المشي والحفاء من أول الحرم بقيده المذكور، ودخول المرأة في نحو هودجها أفضل، وينبغي أن يستحضر عند دخول الحرم ومكة من الخشوع والخضوع والتواضع ما أمكن، ولا يزال كذلك حتى يدخل من باب السلام، فإذا وقع بصره على الكعبة أو وصل الأعمى أو من في الظلمة إلى محل يراها لو زال مانع الرؤية وقف ودعا بالمأثور في ذلك وبما أحب "وأن يطوف للقدوم" عند دخوله المسجد مقدمًا له على تغيير ثيابه واكتراء منزله وغيرهما إن أمكنه، نعم إن رأى الجماعة قائمة أو قرب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكر في حاشية الأذكار النووية "ص174" وقال: رواه أبو عوانة في صحيحه وصححه ابن المنذر ولم يتعرض لتخريج مستند ذلك الحافظ.
2 رواه مسلم في الحج "حديث 147" ضمن حديث جابر الطويل.
3 روى البخاري في الحج، باب من أين يدخل مكة "حديث 1575" عن ابن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل مكة من التثنية العليا ويخرج من التثنية السفلى" وروى أيضًا عن عائشة "حديث 1577": "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها".
4 عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة نهارًا" رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

 

ص -281-      فصل: "في واجبات الطواف وسننه":
وواجبات الطواف ثمانية: ستر العورة، وطهارة الحدث والنجس، وجعل البيت على يساره، والابتداء من الحجر الأسود، ومحاذاته بجميع بدنه وكونه سبعًا، وكونه داخل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيامها أو ضاق وقت صلاة لو نافلة أو منع الناس من الطواف أو كان فيه زحمة يخشى منها أذى بدأ بالصلاة فيما عدا الأخيرتين وبتحية المسجد فيهما، وإنما يندب طواف القدوم للداخل "إن كان" حلالا أو "حاجًّا أو قارنًا ودخل مكة قبل الوقوف" لأنه ليس عليه عند دخوله طواف مفروض، بخلاف المعتمر فإنه لا قدوم عليه لأنه مخاطب عند دخوله بطواف عمرته، فإذا فعله اندرج فيه طواف القدوم، وبخلاف حاج أو قارن دخل مكة بعد الوقوف وانتصاف ليلة النحر فإنه مخاطب بطواف حجه. فإذا فعله اندرج فيه طواف القدوم أيضًا، ولا يفوت طواف القدوم بالجلوس وإن كان تحية للبيت، ويندب لذات الهيئة تأخيره إلى الليل، ويسن لمن قصد دخول الحرم ومكة أن يحرم بنسك.
فصل: في واجبات الطواف وسننه
"وواجبات الطواف ثمانية" الأول والثاني والثالث: "ستر العورة وطهارة الحدث والنجس" كما في الصلاة ولخبر:
"الطواف بالبيت صلاة"1 فلو أحدث أو تنجس بدنه أو ثوبه أو مطافه بغير معفو عنه أو عري مع القدرة على الستر في أثناء الطواف تطهر وستر عورته وبنى على طوافه وإن تعمد ذلك وطال الفصل، إذ لا تشترط الموالاة فيه كالوضوء، ويسن الاستئناف. وغلبة النجاسة في المطاف مما عمت به البلوى، فيعفى عما يشق الاحتراز عنه أيام الموسم وغيره بشرط أن لا يتعمد المشي عليها، وأن لا يكون فيها أو في ممارسها رطوبة، والعاجز عن التر يطوف ولا إعادة عليه، والأوجه أن للمتيمم والمتنجس العاجزين عن الماء طواف الركن ليستفيدا به التحلل ثم إن عادا إلى مكة لزمتهما إعادته.
"و" الرابع: "جعل البيت على يساره" مع المشي أمامه للاتباع2، فإن جعله على يمينه ومشى أمامه أو القهقري أو أمامه أو خلفه أو على يساره ومشى القهقرى لم يصح لمنافاته ما ورد الشرع به، وإذا جعله على يساره وذهب تلقاء وجهه فلا فرق على الأوجه بين أن يذهب ماشيًا أو قاعدًا زحفًا أو حبوًا، أن يكون ظهره للسماء ووجه للأرض أو عكسه، وفيما عدا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه بلفظ:
"الطواف بالبيت بمنزلة الصلاة" النسائي في الحج باب 132، والبيهقي في السنن الكبرى "5/ 87" والحاكم في المستدرك "1/ 459، 2/ 267". وبلفظ: "الطواف بالبيت صلاة ولكن الله أحل فيه المنطق" الدارمي في مسنده "2/ 44" والطبراني في الكبير "11/ 34". وبلفظ: $"الطواف صلاة فأقلوا فيه الكلام" الطبراني في الكبير "11/ 40". "وبلفظ: "الطواف حول البيت مثل الصلاة" الترمذي "حديث 960".
2 روى البخاري في الحج باب 137 "حديث 1748" عن ابن مسعود: أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة.

 

ص -282-      المسجد وخارج البيت والشاذروان والحجر، ومن سننه: المشي فيه، واستلام الحجر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الصور لا يصح بحال، وإذا استقبل البيت لنحو دعاء فليحترز عن المرور في الطواف ولو أدنى جزء قبل عوده إلى جعل البيت عن يساره.
"و" الخامس: "الابتداء من الحجر الأسود" للاتباع1 فلا يعتد بما بدأ به قبله ولو سهوًا فإذا انتهى إليه ابتدأ منه.
"و" السادس: "محاذاته" أي الحجر أو بعضه عند النية إن وجبت "بجميع بدنه" أي جميع شقه الأيسر بحيث لا يتقدم جزء من الشق الأيسر على جزء من الحجر، فلو لم يحاذه أو بعضه بجميع شقه كأن جاوزه ببعض شقه إلى جهة الباب أو تقدمت النية على المحاذاة المذكورة أو تأخرت عنها لم يصح طوافه.
"و" السابع: "كونه سبعًا" يقينًا ولو في وقت كراهة الصلاة وإن ركب لغير عذر، فلو ترك من السبع خطوة أو أقل لم يجزئه، ولو شك في العدد أخذ باليقين كما في الصلاة، نعم يسن له أن يأخذ بخبر من أخبره بالنقص، أما من أخبره بخبر الإتمام فليس له الأخذ بخبره وإن كثر.
"و" الثامن: "كونه داخل المسجد، و" إن وسع "خارج البيت والشاذروان2 والحجر قال تعالى:
{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}، وإنما يكون طائفًا به حيث لم يكن جزء منه فيه وإلا فهو طائف فيه، والشاذروان وهو الجدار القصير المسنم بين اليمانيين والغربي واليماني دون جهة الباب وإن أحدث الآن عنده شاذروان من البيت لأن قريشًا تركته منه عند بنائهم الكعبة لضيق النفقة، ولا ينافيه كون ابن الزبير رضي الله عنهما أعاد البيت على قواعد إبراهيم لأنه باعتبار الأصل، فلما ظهر الجدار نقص من عرضه لما فيه من مصلحة البناء، والحجر فيه من البيت ستة أذرع تتصل بالبيت وإنما وجب مع ذلك الطواف خارجه لأنه صلى الله عليه وسلم إنما طاف خارجه وقال: "خذوا عني مناسككم"3 فمتى دخل جزء من بدنه في هواء الشاذروان أو الحجر أو جداره لم يصح طوافه وليتفطن لدقيقة وهي أن من قبل الحجر الأسود فرأسه في حال التقبيل في جزء من البيت فيلزمه أن يقر قدميه في محلهما حتى يفرغ من التقبيل ويعتدل قائمًا.
"ومن سننه" وهي كثيرة إذ هو يشبه الصلاة، فكل ما يمكن جريانه فيه من سننها لا يبعد أن يقال بندبه فيه قياسًا عليها "المشي فيه" ولو امرأة للاتباع4 فالركوب بلا عذر خلاف الأولى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله  عنه في الحج باب 148 "حديث 1767".
2 سيأتي تفسيره بعد سطرين.
3 رواه البيهقي في السنن الكبرى "5/ 125".
4 رواه مسلم في الحج "حديث 147" ضمن حديث جابر الطويل.

 

ص -283-      وتقبيله ووضع جبهته عليه، واستلام الركن اليماني، والأذكار في كل مرة، ولا يسن للمرأة الاستلام والتقبيل إلا في خلوة، ويسن للرجل الرمل في الثلاثة الأول في طواف بعده

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والزحف مكروه، ويسن أيضًا الحفاء وتقصير الخطا رجاء كثرة الأجر له "واستلام الحجر" الأسود بيده أو طوافه "وتقبيله" من غير صوت يظهر "ووضع جبهته عليه" للاتباع في الثلاثة1، ويسن تكرير كل منها ثلاثًا وفعل ذلك في كل مرة، فإن منعته زحمة من الأخيرتين استلم بيده، فإن عجز فبنحو عود ويقبل ما استلمه به فيهما، فإن عجز عن استلامه أشار إليه باليد أو بشيء فيها، ثم يقبل ما أشار به ولا يشير للتقبيل بالفم لقبحه، ويندب كون الاستلام والإشارة باليد اليمنى، فإن عجز فباليسرى. "واستلام الركن اليماني" بيده ثم يقبلها فإن عجز عن استلامه أشار إليه ولا يقبله ولا يستلم، ولا يقبل الركنين الآخرين لما صح: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كل طوفة ولا يستلم الركنين الذين يليان الحجر"2 وتقبيل واستلام غير ما ذكر من سائر أجزاء البيت مباح، ويسن فعل جميع ما ذكر في كل مرة وهو في الأوتار آكد. "والأذكار" المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، والذي صح عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك:
"اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" "اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف علي كل غائبة لي بخير"4 بين اليمانيين، والاشتغال بالمأثور أفضل من الاشتغال بالقراءة وهي أفضل من غير المأثور، ويسن الإسرار بهما بل قد يحرم الجهر بأن تأذى به غيره أذى لا يحتمل عادة، ويسن الأذكار كالاستلام وما بعده "في كل مرة ولا يسن للمرأة" والخنثى "الاستلام والتقبيل" والسجود "إلا في خلوة" المطاف عن الرجال ليلا كان أو نهارًا لضررهن وضرر الرجال بهن، وجميع ما تقرر للحجر الأسود في هذا الباب يأتي لموضعه لو قلع منه والعياذ بالله.
"ويسن للرجل" أي الذكر ولو صبيًا بخلاف الخنثى والأنثى حذرًا من تكشفهما "الرمل5 في" الأشواط "الثلاثة الأول" مستوعبًا به البيت، فأما الأربعة الباقية فيمشي فيها على هينته للاتباع، ويكره تركه؛ وسببه إظهار القوة لكفار مكة لما قالوا عن الصحابة حين قدومهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 استلام الحجر رواه مسلم في الحج "حديث 150" وفي فضائل الصحابة "حديث 132" ضمن حديث طويل. وروى مسلم أيضًا في الحج "حديث 248-252" تقبيل عمر رضي الله عنه للحجر وقوله: "لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لم أقبلك".
2 رواه البخاري في الحج باب 58، ومسلم في الحج "حديث 253 و256 و257".
3 رواه البخاري في الدعوات باب 55، ومسلم في الذكر حديث 23 و26، وأبو داود في الوتر باب 26 والمناسك باب 51، والترمذي في الدعوات باب 71، وابن ماجه في المناسك باب 32، وأحمد في المسند "3/ 101، 107، 208، 209، 247، 277، 288، 411".
4 رواه الحاكم في المستدرك "1/ 510، 2/ 356، 357".
5  الرمل: الهرولة.

 

ص -284-      سعي، والاضطباع فيه، والقرب من البيت، والموالاة، والنية وركعتان بعده.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لعمرة القضاء قد وهنتهم حمى المدينة فلقوا منها شدة وجلسوا ينظرونهم فأمرهم صلى الله عليه وسلم به لذلك حتى قالوا هؤلاء أجلد من كذا وكذا1، وإنما شرع مع زوال السبب لأن فعله يستحضر به سبب ذلك وهو ظهور أمرهم فيتذكر نعمة الله تعالى على إعزاز الإسلام وأهله. وإنما سنية الرمل "في طواف بعده سعي" مطلوب في حج أو عمرة وإن كان مكيًّا، فإن رمل في طواف القدوم وسعى بعده لم يرمل في طواف الركن لأن السعي بعده حينئذ غير مطلوب، ولم يرمل في طواف الوداع لذلك، ولو تركه في الثلاثة الأول لم يقضه في الأربعة الأخيرة لأن هيئتها الهينة فلا تغير كالجهر لا يقضي في الأخيرتين أو في طواف القدوم الذي سعى بعده لم يقضه في طواف الركن.
"و" يسن للذكر دون غيره "الاضطباع فيه" أي في الطواف الذي بعده سعي مطلوب، ويسن أيضًا في جميع السعي بين الصفا والمروة للاتباع في الطواف وقيس به السعي، ويكره تركه؛ وهو2 جعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن ويكشف إن تيسر وطرفيه على عاتقه الأيسر، وخرج بقوله في الطواف الذي لا يسن فيه رمل فلا يسن فيه اضطباع، ولا يسن أيضًا في ركعتي الطواف لكراهته في الصلاة فيزيله عند إرادتها ويعيده عند إرادة السعي "والقرب من البيت" للطائف تبركًا به ولأنه المقصود ولأنه أيسر في الاستلام والتقبيل، نعم إن حصل له أو به أذى لنحو زحمة فالبعد أولى إلا في ابتداء الطواف أو آخره فيندب له استلام ولو بالزحام كما في الأم3 ومعناه أن يتوقى التأذي والإيذاء بالزحام مطلقًا، ويتوقى الزحام الخالي عنهما إلا في الابتداء والأخير، ويسن للمرأة والخنثى البعد حال طواف الذكور بأن يكونا في حاشية المطاف بحيث لا يخالطانهم، ولو تعذر الرمل مع القرب لنحو زحمة ولم يرج فرجة عن قرب تباعد ورمل لأن الرمل متعلق بنفس العبادة والقرب متعلق بمكانها، والقاعدة أن المتعلق بنفسها أولى ومحله إن لم يخش لمس النساء والأقرب بلا رمل، ويندب له أن يتحرك في مشيه عند تعذر الرمل والسعي ويحرك المحمول دابته. "والموالاة" بين الطوافات السبع خروجًا من خلاف من أوجبها فيكره التفريق بلا عذر، ومن الأعذار إقامة الجماعة وعروض حاجة لا بد منها، ويكره قطع الطواف المفروض كالسعي لجنازة أو راتبة. "و" تسن "النية" في طواف النسك وتجب في طواف لم يشمله نسك وفي طواف الوداع "وركعتان بعده" للاتباع ويحصلان بما مر في سنة الإحرام وفعلهما خلف المقام أفضل ففي الكعبة ثم تحت الميزاب ثم في بقية الحجر ثم إلى وجه البيت ثم فيما قرب منه ثم في بقية المسجد ثم في دار خديجة ثم في بقية مكة ثم في الحرم ثم فيما شاء متى شاء ولا يفوتان إلا بموته ويجهر فيهما بلطف من الغروب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الجماعة.
2 أي الاضطباع.
3 للإمام الشافعي.

 

ص -285-      فصل: "في السعي"
وواجبات السعي أربعة: أن يبدأ في الأولى بالصفا، وفي الثانية بالمروة، وكونه سبعًا، وأن يكون بعد طواف ركن أو قدوم، وسننه: الارتقاء على الصفا والمروة قامة والأذكار ثم الدعاء ثلاثًا بعد كل مرة والمشي أوله وآخره، والعدو في الوسط، ومكانه معروف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى طلوع الشمس ولو والى بين أسابيع ثم بين ركعاتها أو صلى عن الكل ركعتين جاز بلا كراهة، والأفضل أن يصلي عقب كل طواف ركعتين، ويكره في الطواف الأكل والشرب ووضع اليد في فيه بلا حاجة، وأن يشبك أصابعه أو يفرقعها وأن يطوف بما يشغله كالحقن1 وشدة توقانه إلى الأكل وترك الكلام فيه أولى إلا بخير وليكن بحضور قلب ولزوم أدب.
فصل: في السعي
"وواجبات السعي أربعة" الأول: "أن يبدأ في الأولى بالصفا، و" الثاني: أن يبدأ "في الثانية بالمروة" وفي الثالثة بالصفا وفي الرابعة بالمروة وهكذا يجعل الأوتار للصفا والأشفاع للمرة فإن خالف ذلك لم يعتد بما فعله للاتباع2 "و" الثالث: "كونه سبعًا" يقينًا للاتباع فإن شك فكما مر في الطواف ويحسب العود مرة والذهاب أخرى. "و" الرابع: "أن يكون بعد طواف ركن أو قدوم" ما لم يقف بعرفة وإن كان بينهما فصل طويل، وتكره إعادته فإن أخره إلى ما بعد طواف الوداع وجب عليه إعادة طواف الوداع لأن محله بعد الفراغ، وأفهم كلامه أنه لا بد من قطع جميع المسافة بين الصفا والمروة بأن يلصق عقبه بما يذهب منه وأصابع قدميه بما يذهب إليه، وكذا حافر دابته وبعض درج الصفا محدث فليحذر من تخلفها وراءه. "وسننه" كثيرة منها "الارتقاء" للذكر دون غيره "على الصفا والمروة قامة" أي قدر قامة إنسان للاتباع3. "والأذكار ثم الدعاء" بعدها فيقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد على ما أولانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ثم يدعو بما أحب ويكرر جميع ذلك "ثلاثًا بعد كل مرة" من السعي للاتباع "والمشي أوله وآخره" على هينته "والعدو" للذكر جهده دون غيره "في الوسط" للاتباع في ذلك "ومكانه معروف" وهو قبل الميل الأخضر المعلق بجدار المسجد بستة أذرع إلى ما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحقن: احتباس البول وتجمعه.
2 لما رواه مسلم "حديث 147" من حديث جابر الطويل، ورواه أيضًا أبو داود في المناسك باب 56 "حديث 1905" وغيرهما، وفيه: "نبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا...". إلخ.
3 ورد في صحيح مسلم "الحج، حديث 147" ضمن حديث جابر الطويل: "أنه رقي على كل منهما حتى رأى البيت".

 

ص -286-      فصل: "في الوقوف"
وواجب الوقوف حضوره بأرض عرفة لحظة بعد الزوال يوم عرفة ومارًّا ونائمًا بشرط كونه عاقلا، ويبقى إلى الفجر. وسننه: الجمع بين الليل والنهار، والتهليل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين الميلين الأخضرين المعلق أحدهما بجدار المسجد والآخر بدار العباس، ويسن فيه أيضًا الطهارة والستر وتحري خلو المسعى والموالاة فيه وبينه وبين الطواف، ويكره للساعي أن يقف أثناء سعيه لحديث أو غيره.
فصل في الوقوف:
"وواجب الوقوف حضوره بأرض عرفة" أي بجزء منها "لحظة" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"وقفت هنا وعرفة كلها موقف"1 وهي معروفة ليس منها نمرة ولا عرنة ومسجد إبراهيم صلوات الله على نبينا وعليه آخره منها وصدره من عرنة، ويشترط كون الحضور فيها "بعد الزوال يوم عرفة" وهو تاسع ذي الحجة، ويكفي حضور المحرم فيها في الوقت المذكور. "و" لو كان "مارًّا" في طلب آبق2 وإن قصد صرف حضوره عن الوقوف "ونائمًا" كما في الصوم "بشرط كونه عاقلا" فلا يكفي الوقوف مع إغماء أو جنون أو سكر كما في الصوم لانتفاء أهلية العبادة ويقع حج المجنون نفلا. "ويبقى" وقت الوقوف "إلى الفجر" أي فجر يوم النحر لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج"3.
"وسننه" كثيرة فمنها "الجمع بين الليل والنهار" للاتباع4 فلا دم على من دفع من عرفة قبل الغروب وإن يعد إليها بعده لما في الخبر الصحيح: "إن من أتى عرفة قبل الفجر ليلا أو نهارًا فقد تم حجه"5 ولو لزمه دم لكان حجه ناقصًا. نعم يسن دم له وهو دم ترتيب وتقدير خروجًا من خلاف من أوجبه. "و" يسن لهم "التهليل" وأفضله لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, بل قال النبي صلى الله عليه وسلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم في الحج "حديث 149" عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم، ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف، ووقفت ههنا وجمع كلها موقف". ورواه أيضًا أبو داود "حديث 1936" وأحمد "3/ 320" والبيهقي "5/ 115، 239" وابن خزيمة "2815".
2 الآبق: الهارب.
3 رواه الترمذي "حديث 2975" والطبراني في الكبير "11/ 202 والدارقطني في سننه "2/ 241".
4 لما روى مسلم ضمن حديث جابر الطويل في الحج "رقم 147": "... لم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص".
5 رواه أبو داود في المناسك باب 68 "حديث 194" عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة... وفيه: "الحج يوم عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه، أيام منى ثلاثة...".

 

ص -287-      والتكبير والتلبية والتسبيح والتلاوة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإكثار البكاء معها، والاستقبال، والطهارة، والستارة، والبروز للشمس، وعند الصخرات للرجل، وحاشية الموقف للمرأة أولى، والجمع بين العصرين للمسافر وتأخير المغرب إلى العشاء للمسافر ليجمعهما بمزدلفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه: "إنه أفضل ما قاله هو والنبيون يوم عرفة"1 ."و" الذكر ومنه "التكبير والتلبية والتسبيح والتلاوة" وأولاها سورة الحشر لأثر فيها "والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" وأولاها صلاة التشهد. "وإكثار" جميع ذلك وغيره من الأذكار والأدعية من حين يقف إلى حين ينفر. وإكثار "البكاء معها" بتضرع وخضوع وخشوع فهناك تسكب العبرات وتقال العثرات ويكون كل دعاء ثلاثًا ويفتتحه بالتحميد والتمجيد والتسبيح والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ويختمه بمثل ذلك مع التأمين ويرفع يديه ولا يجاوز بهما رأسه، ويكره الإفراط بالجهر وتكلف السجع في الدعاء. "و" يسن للواقف "الاستقبال" حال الدعاء وغيره "والطهارة والستارة" ليكون على أكمل الأحوال "والبروز للشمس" إلا لعذر بأن يتضرر أو ينقص دعاؤه واجتهاده في الأذكار، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم استظل بعرفات مع أنه صح أنه استظل بثوب وهو يرمي الجمرة. "و" أن يتحرى الوقوف في موقفه صلى الله عليه وسلم2 وهو "عند الصخرات" الكبار المفترشة في أسفل جبل الرحمة الذي بوسط أرض عرفة ومحل ندب ذلك "للرجل" أي الذكر "وحاشية الموقف" أي الوقوف بها "للمرأة" والخنثى "أولى" كما تقف آخر المسجد، نعم إن شق عليهما ذلك لفراق أهل أو غيره لم يندب ذلك. "و" يسن "الجمع" تقديمًا "بين العصرين" الظهر والعصر بمسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم على نبينا وعليه في أول وقت الوقوف للاتباع3، ويكون بعد أن يخطب الإمام خطبتين وإنما يجوز الجمع المذكور "للمسافر" المقيم لأنه بسبب السفر لا النسك. "و" يسن "تأخير" المغرب إلى العشاء للمسافر ليجمعهما" تأخيرًا "بمزدلفة" للاتباع4 ومحل ندبه إن كان يصلي بمزدلفة قبل مضي وقت الاختيار للعشاء وإلا فالسنة أن يصلي كل واحدة في وقتها أما غير المسافر فلا يجوز له الجمع تأخيرًا أيضًا لما مر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي في الدعوات باب 122 عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا؛ ورواه مالك في الموطأ "كتاب القرآن، حديث 32" مرسلا بلفظ: $"أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك لك".
2 كما ورد في حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم في الحج "حديث 147".
3 كما ورد في حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم في الحج "حديث 147".
4 كما ورد في حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم في الحج "حديث 147".

 

ص -288-      فصل: "في الحلق"
وأقل الحلق إزالة ثلاثة شعرات، ويندب تأخيره بعد رمي جمرة العقبة، والابتداء باليمين من الرأس، واستقبال القبلة، واستيعاب الرأس للرجل، والتقصير للمرأة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في الحلق
وقد مر أنه ركن في الحج والعمرة فلا تحلل بدونه إلا لمن لا شعر برأسه.
"وأقل الحلق" الذي هو ركن "إزالة ثلاثة شعرات" من شعر الرأس وإن نزل عنه بالمد سواء أزال ذلك بنتف أو إحراق أو قص أو غيرها من سائر طرق الإزالة على دفعة أو على دفعات، فلا يكفي ما دون الثلاث ولا ثلاث من غير شعر الرأس أو منه ومن غيره، ولا أخذ شعرة واحدة على ثلاث دفعات، ويسن لمن لا شعر بجميع رأسه أو بعضه إمرار الموسى على ما لا شعر عليه تشبيهًا بالحالقين، وأن يأخذ من نحو لحيته وشاربه؛ وما نبت بعد دخول وقت الحلق لا يأمر بإزالته لأن الواجب حلق شعر اشتمل الإحرام عليه. "ويندب تأخيره" أي الحلق "بعد رمي جمرة العقبة" يوم النحر وتقديمه على طواف الإفاضة في ذلك اليوم للاتباع1. "والابتداء باليمين من الرأس" بأن يبدأ بجميع شقه الأيمن "واستقبال" المحلوق لجهة "القبلة" والتكبير بعد الفراغ "واستيعاب الرأس" بالحلق للرجل بأن يبلغ به إلى العظمين اللذين عند منتهى الصدغين لأنهما منتهى نبات شعر الرأس. والحلق "للرجل" أفضل "والتقصير للمرأة" ومثلها الخنثى أفضل لخبر أبي داود:
"ليس على النساء حلق إنما عليهن التقصير"2 ويكره لها الحلق بل يحرم بغير إذن بعلها أو سيدها إن كان ينقص به استمتاعه أو قيمة الأمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى مسلم في الحج "حديث 323" عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق:
"خذ" وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس.
2 رواه من حديث ابن عباس: أبو داود في المناسك باب 78 "حديث 1984 و1985" والنسائي في الزينة باب 4، والدارمي في المناسك باب 63.

فصل: "في واجبات الحج"
وواجبات الحج ستة: المبيت بمزدلفة، وهو أن يكون ساعة من النصف الثاني فيها، ولا يجب على من له عذر، ورمي جمرة العقبة سبعًا، ورمي الجمرات الثلاث أيام التشريق كل واحدة سبعًا، ومبيت لياليها الثلاث أو الليلتين الأولتين إذا أراد النفر الأول في اليوم الثاني، والإحرام من الميقات، وطواف الوداع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في واجبات الحج
"وواجبات الحج ستة" الأول: "المبيت بمزدلفة" للاتباع3 وهي ما بين مأزمي4 عرفة ووادي محسر "وهو" أي المبيت الواجب "أن يكون ساعة" أي لحظة "من النصف الثاني" من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 كما ورد في حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم في الحج "حديث 147".
4 المأزم: الطريق الضيق بين الجبلين "المعجم الوسيط: ص16".

 

ص -289-      فصل: "في بعض سنن المبيت والرمي وشروطه"
ويسن الوقوف بالمشعر الحرام بمزدلفة، وأخذ حصى جمرة العقبة منها، وقطع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليلة النحر "فيها" وإن كان مارًّا كما في عرفة، وقيل المبيت بها ركن لا يصح الحج بدونه. "ولا يجب" كمبيت منى ورمي الجمار "على من له عذر" يمنعه منه كأن يخاف على محترم أو يشتغل عنه بإدراك عرفة أو بطواف الإفاضة أو عن الرمي بالرعي أو عنه وعن المبيت بمنى ليسقي الناس. "و" الثاني: "رمي جمرة العقبة سبعًا" والثالث: "رمي الجمرات الثلاث أيام التشريق كل واحدة سبعًا" والرابع: "مبيت لياليها الثلاث أو الليلتين الأولتين إذا أراد النفر الأول في اليوم الثاني" من أيام التشريق. "و" الخامس: "الإحرام من الميقات" السابق لمن مر عليه أو خرج منه مريدًا للنسك. "و" السادس: "طواف الوداع" على كل من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر مطلقًا أو إلى وطنه وإن كان قريبًا، ويجب على حاج أراد الرجوع من منى إلى بلده وإن كان قد طافه قبل عوده من مكة إلى منى، ويسقط دمه بعوده قبل بلوغ وطنه أو مسافة القصر، ولا يلزم حائضًا أو نفساء طهرت بعد مفارقة عمران مكة، ومتى مكث بعده أو بعد ركعتيه والدعاء عقبهما أعاده وإن كان معذورًا ما لم يكن لاشتغاله بأسباب السفر أو بصلاة جماعة أقيمت. والسنة له إذا انصرف بعده أن يمشي تلقاء مستدبر البيت لا ملتفتًا إليه ولا ماشيًا القهقري.
فصل: في بعض سنن المبيت والرمي وشروطه
"ويسن" بعد صلاة الصبح بغلس "الوقوف" بجزء من مزدلفة مستقبل القبلة والأفضل أن يكون "بالمشعر الحرام" وهو البناء الموجود الآن "بمزدلفة" فيذكر الله تعالى ويدعو إلى الإسفار للاتباع1 ثم عقب الإسفار يدفع إلى منى بسكينة ومن وجد فرجة أسرع كالدفع من عرفة، ويسن أن يزيد في الإسراع إذا بلغ وادي محسر رمية حجر حتى يقطع عرض الوادي للاتباع2. "و" يسن "أخذ حصى جمرة العقبة" وهي سبع من غير كسر "منها" أي من مزدلفة ليلا ويزيد لئلا يقع منه شيء ويأخذ حصى بقية الرمي من محسر أو غيره من منى ولا يأخذه من المرمى لأن ما تقبل رفع كما ورد وشوهد، ولولا ذلك لسد الحصى على توالي الأزمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كما في حديث جابر الطويل الذي رواه مسلم في الحج "حديث 147" وفيه: "ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره وهلله، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا".
2 كما في حديث جابر، وفيه: "حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا".

 

ص -290-      التلبية عند ابتداء الرمي بجمرة العقبة والتكبير مع كل حصاة، ويدخل وقت الحلق ورمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة بنصف ليلة النحر، ويبقى الرمي إلى آخر التشريق، والحلق والطواف أبدًا، وتسن المبادرة بطواف الإفاضة بعد رمي جمرة العقبة، فيدخل مكة ويطوف ويسعى إن لم يكن قد سعى، ثم يعود إلى منى ويبيت بها ليالي التشريق، ويرمي كل يوم من أيام التشريق الجمرات الثلاث بعد الزوال كل واحدة سبع حصيات، ويشترط رمي السبع الحصيات واحدة واحدة وترتيب الجمرات في أيام التشريق، وأن يكون بين الزوال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المتطاولة ما بين الجبلين "و" يسن "قطع التلبية عند ابتداء الرمي بجمرة العقبة" لشروعه في أسباب التحلل ويرميها الراكب قبل نزوله لأن الرمي تحية منى فلا يبدأ بغيره. "والتكبير" في كل رمي "مع كل حصاة" فيقول: الله أكبر ثلاثًا لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد. "ويدخل وقت الحلق ورمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة بنصف ليلة النحر" لمن وقف قبله، ويستحب تأخيرها إلى بعد طلوع الشمس للاتباع وما بدا منها قطع التلبية معه. "ويبقى الرمي" لجمرة العقبة وللجمرتين الأخيرتين أداء "إلى آخر" أيام "التشريق" ويبقى "الحلق" يعني إزالة ثلاث شعرات "والطواف" المتبوع بالسعي إن لم يكن سعى عقب طواف القدوم أي وقتهما "أبدًا" فلا يفوتان ما دام حيًّا لأن الأصل عدم التوقيت إلا بدليل، نعم يكره تأخيرهما عن يوم النحر وتأخيرها عن أيام التشريق أشد كراهة وعن خروجه من مكة أشد وأشد، نعم ما فاته الوقوف لا يجوز له الصبر على إحرامه إلى السنة القابلة لأن إحرام سنة لا يصلح لأخرى فكأن وقتهما فات، بخلافه هنا فإن وقتهما باق لتمكنه منهم متى أراد. "وتسن المبادرة بطواف الإفاضة" يوم النحر "بعد رمي جمرة العقبة" والحلق "فيدخل مكة ويطوف ويسعى" بعد الطواف "إن لم يكن قد سعى" بعد طواف القدوم "ثم يعود إلى منى" ليصلي بها الظهر للاتباع في كل ذلك "ويبيت" وجوبًا "بها" أي بمنى معظم "ليالي أيام التشريق ويرمي" وجوبًا "كل يوم من أيام التشريق الجمرات الثلاث" وإنما يدخل وقته بالزوال فيرمي "بعد الزوال كل واحدة سبع حصيات ويشترط رمي" جمرة العقبة من أسفلها من بطن الوادي، وأما ما يفعله كثير من الجهلة من المرمي من أعلاها فباطل لا يعتد به ورمي "السبع الحصيات" إليها وإلى غيرها "واحدة واحدة" إلى أن تفرغ السبع للاتباع1 ولو بتكرير حصاة، فلو رمى حصاتين معًا فواحدة وإن وقعتا مرتبًا أو مرتبتين فثنتان وإن وقعتا معًا اعتبارًا بالرمي.
"وترتيب الجمرات في أيام التشريق" بأن يبدأ بالجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من حديث جابر الطويل، وفيه: "ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها".

 

ص -291-      والغروب فيها وكون المرمي حجرًا، وأن يسمى رميًا، وكونه باليد، وسننه: أن يكون بقدر حصى الخذف، ومن ترك رمي جمرة العقبة أو بعض أيام التشريق تداركه في باقيها، ومن أراد النفر من منى في ثاني أيام التشريق جاز.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخيف ثم الوسطى ثم جمرة العقبة للاتباع1، فلا يعتد برمي الثانية قبل تمام الأولى ولا برمي الثالثة قبل تمام الأولتين، ويشترط تيقن السبع في كل جمرة فلو شك بنى على الأقل، ولو ترك حصاة وشك في محلها جعلها من الأولى فيرميها ثم يعيد رمي الأخيرتين لأن الموالاة بين الجمرات لا تشترط لكنها سنة، ويجب عدم الصارف في الرمي كالطواف وإصابة الحجر للمرمى يقينًا لا بقاؤه فيه وقصد الجمرة، فلو رمى إلى غيرها كأن رمى في الهواء أو إلى العلم المنصوب في الجمرة أو الحائط الذي بجمرة العقبة كما يفعله أكثر الناس لم يكف. "وأن يكون" الرمي "بين الزوال والغروب فيها" أي في أيام التشريق وهذا ضعيف فسيصرح هو بنفسه بأنه يتدارك في الباقي أداء، وقد تؤول عبارته هنا على أن هذا واجب على من أراد الرمي في وقت الاختيار، ويكون المراد بالوجوب فيه أنه لا بد منه في حصول ثواب وقت الاختيار. "وكون المرمي" به "حجرًا" ولو ياقوتًا وحجر حديد وبلور وعقيق وذهب وفضة لأنه صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وقال:
"بمثل هذا فارموا"2 وخرج بالحجر نحو اللؤلؤ وتبر الذهب والفضة والإثمد3 والنورة4 المطبوخة والزرنيخ5 والمدر6 والجص والآجر والخذف7 والملح والجواهر المنطبعة كالذهب والفضة. "وأن يسمى رميًا" فلا يكفي وضعه في الجمرة. "وكونه باليد" للاتباع فلا يجزئ بنحو القوس والرجل ولا بالمقلاع ولا بالفم، نعم إن عجز عنه باليد جاز بالرجل.
"وسننه" كثيرة منها "أن يكون" الرمي باليد وبطاهر و"بقدر حصى الخذف" بالخاء والذال المعجمتين وهو حصى قدر الباقلاء لخبر مسلم:
"عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى البخاري في الحج باب 141 و142 و143 "حديث 1751 و1752 و1753" عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا ويدعو، ويرفع يديه ويقوم طويلا، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله".
2 عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته:
"هات القط لي حصيات", فلقطت له حصيات من حصى الخذف، فلما وضعتهن بيده قال: "بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين". رواه النسائي في المجتبى "5/ 268، 269" وأحمد في المسند "1/347" والحاكم في المستدرك "1/ 466".
3 الإثمد: عنصر معدني بلوري الشكل قصديري اللون صلب هش يوجد في حالة نقية وغالبًا متحدًا مع غيره من العناصر، يكتحل به "المعجم الوسيط: ص100".
4 النورة: حجر الكلس.
5 الزرنيخ: عنصر شبيه بالفلزات له بريق الصلب ولونه ومركباته سامة "المعجم الوسيط: ص393".
6 المدر: الطين اللزج المتماسك، والقطعة منه مدرة "المعجم الوسيط: ص858".
7 حصى الخذف: حصى صغار بحيث يمكن أن يرمى بأصبعين.

 

ص -292-      فصل: "للحج تحللان"
للحج تحللان: الأول يحصل باثنين من رمي جمرة العقبة والحلق، وطواف الإفاضة، وبالثالث يحصل التحلل الثاني: ويحل بالأول جميع المحرمات إلا النكاح وعقده والمباشرة بشهوة، وبالتحلل الثاني باقيها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجمرة"1 ودونه وفوقه مكروه، ويكره أخذه من الحل والمسجد إن لم يكن جزءًا منه وإلا حرم ومن المرمى ومن موضع نجس وإن غسله لبقاء استقذاره كما يكره الأكل في إناء البول بعد غسله، ويؤيد ذلك استحباب غسل حصى الجمار قبل الرمي بها وإن أخذها من محل طاهر، ويجب على من عجز عن الرمي لنحو مرض أو حبس أن يستنيب من يرمي عنه، وإنه يجزئه ذلك إن أيس من القدرة في الوقت، واستناب من رمى عن نفسه وإلا وقع عن النائب.
"ومن ترك رمي جمرة العقبة أو بعض أيام التشريق" جاز له "تداركه في باقيها" لأنه حينئذ يكون أداء إذ جميع يوم النحر وأيام التشريق وقت لأداء الرمي لأنه لو وقع قضاء لما دخله التدارك كالوقوف بعد فواته ولأن صحته مؤقتة بوقت محدود والقضاء ليس كذلك. ويجب عليه الترتيب بين الرمي المتروك ورمي يوم التدارك، فإن خالف وقع عن المتروك، فلو رمى إلى كل جمرة أربع عشرة حصاة سبعًا عن أمسه وسبعًا عن يومه لم يجزئه عن يومه، ويجزئ رمي المتدارك ليلا وقبل الزوال. "ومن أراد النفر من منى في ثاني أيام التشريق جاز" ولا دم عليه لقوله تعالى:
{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وإنما يجزئ ذلك بشرط أن يبيت الليلتين الأولتين، وإلا لم يسقط عنه مبيت الثالثة ولا رمي يومها حيث لم يكن معذورًا، ويطرد ذلك في الرمي أيضًا، وأن يكون نفره بعد الزوال والرمي وقبل الغروب، وإلا لم يسقط عنه مبيت الثالثة ولا رمي يومها، فإن غربت بعد ارتحاله وقبل انفصاله من منى فله النفر، وكذا إن غربت وهو في شغل الارتحال على ما في أصل الروضة2، لكن المصحح في الشرح الصغير ومناسك النووي3 أنه ممتنع عليه.
فصل:
"للحج تحللان" لطول زمنه وكثرة أفعاله كالحيض لما طال زمنه جعل له تحللان انقطاع الدم والغسل، بخلاف العمرة ليس لها إلا تحلل واحد وهو الفراغ من جميع أركانها لقصر زمانها غالبًا كالجنابة. "الأول: يحصل باثنين من" ثلاثة "رمي جمرة العقبة والحلق" يعني إزالة ثلاث شعرات "وطواف الإفاضة" المتبوع بالسعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم في الحج "حديث 268" من حديث الفضل بن العباس.
2 أي روضة الطالبين وعمدة المتقين للنووي.
3 مناسك النووي، وهي ثلاث نسخ: كبرى، ووسطى، وصغرى. انظر كشف الظنون "ص1832".

 

ص -293-      فصل: "في أوجه أداء النسكين"
ويؤدي النسكان على أوجه أفضلها الإفراد إن اعتمر في سنة الحج وهو أن يحج ثم يعتمر ثم التمتع وهو أن يعتمر ثم يحج ثم القرآن بأن يحرم بهما أو بالعمرة ثم يحرم بالحج قبل الطوف، ويجب على المتمتع دم بأربعة شروط:
الأول: أن لا يكون من أهل الحرم ولا بينه وبين الحرم دون مسافة القصر.
الثاني: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج.
الثالث: أن يكون في سنة واحدة.
الرابع: أن لا يرجع إلى ميقات.
وعلى القارن دم بشرطين: أن لا يكون من أهل الحرم، وأن لا يعود إلى الميقات بعد دخول مكة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وبالثالث" من الثلاثة المذكورة "يحصل التحلل الثاني ويحل بالأول" من التحللين "جميع المحرمات" على المحرم الآتية "إلا النكاح" أي الوطء "وعقده والمباشرة بشهوة" يحل "بالتحلل الثاني باقيها" وهو الثلاثة المذكورة. ولو أخر رمي يوم النحر عن أيام التشريق ولزمه بدله توقف التحلل على البدل ولو صومًا لقيامه مقامه، ويسن استعمال الطيب بين التحللين تأخير الوقت عن رمي أيام التشريق.
فصل: "في أوجه أداء النسكين"
"ويؤدي النسكان على أوجه أفضلها الإفراد" لأن رواته عنه صلى الله عليه وسلم أكثر، ولأن جابرًا رضي الله عنه منهم وهو أقدم صحبة وأشد عناية بضبط المناسك، ولأنه صلى الله عليه وسلم اختاره أولا، وللإجماع على أنه لا كراهة فيه ولا دم، بخلاف التمتع والقرآن والجبر دليل النقص. ومحل أفضليته "إن اعتمر في سنة الحج" وإلا فالتمتع والقرآن أفضل منه لأنه يكره تأخير الاعتمار عنها "وهو أن يحج" أولا "ثم" بعد الحج "يعتمر" من سنته "ثم" يليه في الفضيلة "التمتع وهو أن يعتمر" أولا "ثم" بعد الفراغ من العمرة "يحج ثم" يليه في الفضيلة "القرآن" ثم الحج وحده ثم العمرة. والقرآن يحصل "بأن يحرم بهما" أي بالحج والعمرة معًا "أو بالعمرة" وحدها ولو قبل أشهر الحج "ثم يحرم بالحج قبل" شروعه في "الطواف" أما بعد شروعه فيه ولو بخطوة فلا يجوز إدخال الحج على العمرة لاتصال إحرامها بمقصوده وهو أعظم أفعالها فيقع عنها ولا ينصرف بعد ذلك إلى غيرها، ولو استلم الحجر بنية الطواف جاز إدخال الحج عليها لأنه مقدمته لا بعضه.
"ويجب على المتمتع دم بأربعة شروط: الأول أن لا يكون من أهل الحرم ولا بينه وبين الحرم دون مسافة القصر" لقوله تعالى:
{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] والقريب من الشيء يسمى حاضرًا به، والمعنى في ذلك أنهم لم يربحوا ميقاتًا عامًّا لأهله ولمن مر به، ولغريب توطن الحرم أو قريبًا منه حكم أهل محله في عدم الدم، بخلاف الآفاقي إذا تمتع ناويًا الاستيطان بمكة ولو بعد فراغ العمرة فإنه يلزمه الدم لأن الاستيطان لا يحصل بمجرد النية.

 

ص -294-      فصل: "في دم الترتيب والتقدير
ودم التمتع والقرآن وترك الإحرام من الميقات، وترك الرمي، والمبيت بمزدلفة ومنى، شاة أضحية، فإن عجز عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى وطنه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الثاني: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج" من ميقات بلده ويفرغ منها ثم يحرم بالحج من مكة وإن كان أجيرًا فيهما لشخصين.
"الثالث: أن يكون" أي الإحرام بالعمرة ثم بالحج "في سنة واحدة" فإن أحرم بها في غير أشهره ثم أتمها ولو في أشهره ثم حج لم يلزمه دم لأنه لم يجمع بينهما في وقت الحج فأشبه المفرد، ولأن دم العمرة منوط بربح الميقات وبوقوع العمرة بتمامها في أشهر الحج لأن الجاهلية1 كانوا لا يزاحمون بها الحج في وقت إمكانه، فرخص في التمتع للآفاقي مع الدم لمشقة استدامة الإحرام من الميقات وتعذر مجاوزته بلا إحرام، وكذا لا دم على من لم يحج من عامه لانتفاء المزاحمة التي ذكرناها.
"الرابع: أن لا يرجع إلى ميقات" فلا دم على من حج من عامه لكن رجع إلى ميقات عمرته أو إلى مثل مسافته أو إلى ميقات آخر، وإن كان دون مسافة ميقاته سواء عاد محرمًا أو حلالا وأحرم منه بشرط أن يعود قبل تلبسه بنسك لأن المقتضي لإيجاب الدم وهو ربح الميقات قد زال بعوده إليه. "وعلى القارن دم بشرطين" الأول: "أن لا يكون من أهل الحرم" وهم المتوطنون به أو بمحل بينه وبينه دون مرحلتين لأن دم القران فرع دم التمتع لأنه وجب بالقياس عليه، ودم التمتع لا يجب على الحاضر ففرعه أولى. "و" الثاني: "أن لا يعود إلى الميقات بعد دخول مكة" فإن عاد إليه منها قبل وقوفه بعرفة وقبل التلبس بنسك آخر سقط الدم عنه في التمتع.
فصل: في دم الترتيب والتقدير
"ودم التمتع والقران وترك الإحرام من الميقات وترك الرمي والمبيت بمزدلفة ومنى" وترك طواف الوداع "شاة أضحية" صفة وسنًّا ويجزئ عنها سبع بدنة أو بقرة، ويجب بالفراغ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي أهل الجاهلية.

 

ص -295-      فصل: "في محرمات الإحرام"
يحرم بالإحرام ستة أنواع:
أحدها: يحرم على الرجل ستر رأسه أو بعضه ولبس محيط ببدنه أو عضو منه. وعلى المرأة ستر وجهها ولبس القفازين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من العمرة وبالإحرام بالحج، فيجوز تقديمه على الإحرام بالحج لا على الفراغ من العمرة؛ لأن ما وجب بسببين يجوز تقديمه على أحدهما لا عليهما، والأفضل ذبحه يوم النحر "فإن عجز" عن الدم كأن لم يجده بموضعه أو وجده بأكثر من ثمن مثله أو غاب عنه ماله أو احتاج إلى صرف ثمنه في نحو مؤن سفره "صام" وجوبًا "عشرة أيام ثلاثة في الحج" إن تصور وقوعها فيه كالدماء الثلاثة الأول لا كالبقية، فيصوم الثلاثة عقب أيام التشريق، ووقت صوم التي في الحج من الإحرام به إلى يوم النحر، فلا يجوز تقديمها عليه ولا تأخيرها أو ما يمكن منها عنه. ويستحب له الإحرام بالحج قبل سادس الحجة ليتم صومها قبل يوم عرفة لأنه يسن للحاج فطره، ولا يجب عليه تقديم الإحرام لزمن تمكنه من صوم الثلاثة فيه قبل يوم النحر، بل إن أحرم قبل يوم عرفة لزمه الصوم أداء وإلا لزمه بعد أيام التشريق ويكون قضاء لا إثم فيه، ولو علم أنه يجد الدم قبل فراغ الصوم لم يجب انتظاره، وإذا لم يجده لم يجز تأخير الصوم، ولو وجده قبل الشروع فيه لزمه ذبحه لأن العبرة في الكفارة بحال الأداء أو بعد الشروع لم يلزمه. "وسبعة إذا رجع إلى وطنه" لا في الطريق لقوله تعالى:
{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وروى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم قال للمتمتعين: $"من كان معه هدي فليهد ومن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله"1, ومن توطن بمكة بعد فراغ الحج صام بها وإلا فلا، ومتى لم يصم الثلاثة في الحج لزمه صوم الثلاثة قضاء كما مر والسبعة أداء والتفريق بين الثلاثة والسبعة بأربعة أيام يوم النحر وأيام التشريق في الدماء الثلاثة الأول وبيوم في البقية، ومدة إمكان السير إلى أهله على العادة الغالبة كما في الأداء فلو صام العشرة ولاء حصلت الثلاثة فقط.
فصل: في محرمات الإحرام
"يحرم بالإحرام" المقيد والمطلق "ستة أنواع: أحدها يحرم على الرجل ستر رأسه أو بعضه" كالبياض الذي وراء الأذن بما يعد ساترًا عرفًا كعصابة ومرهم وطين وحناء ثخينين بخلاف ستره بماء وخيط شد به رأسه وهودج استظل به وإن مس رأسه ووضع كفه وكف غيره، وكذا محمول كقفة على رأسه ما لم يقصد الستر به وتوسد وسادة وعمامة لأن ذلك لا يعد ساترًا، ويجب عليه كشف شيء من مجاور رأسه ليتحقق كشفه الواجب. "و" يحرم عليه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في الحج باب 104، ومسلم في الحج "حديث 173", وأبو داود في المناسك باب 24.

 

ص -296-      الثاني: الطيب في بدنه أو ثوبه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيضًا "لبس محيط" بالحاء المهملة سواء أحاط "ببدنه أو عضو منه" أو نحوه كخريطة لحيته سواء كان المحيط زجاجًا شفافًا أو مخيطًا كالقميص أو منسوجًا كالدرع1 أو معقودًا أو ملزقًا كالثوب من اللبد2 ولا بد من لبسه كالعادة وإن لم يدخل اليد في الكم وإن قصر الزمن، بخلاف ما لو ألقى على نفسه فرجية3 وهو مضطجع وكان بحيث لو قعد لم تستمسك عليه إلا بمزيد أمر فلا حرمة ولا فدية، كما لو ارتدى أو اتزر بقميص أو سراويل أو بإزار لفقه4 من رقاع أو أدخل رجليه في ساق الخف, أو التحف بنحو عباءة ولف عليه منه طاقات أو تقلد نحو سيف أو شد نحو منطقة في وسطه أو عقد الإزار رتكة في معقده أو شده بخيط أو شد طرفه في طرف ردائه بخلاف شد طرفي ردائه بخيط أو بدونه أو خللهما بخلال فإنه يجوز وفيه الفدية كما لو جعل له في إزار عروات تباعدت.
"و" يحرم "على المرأة ستر وجهها" بما مر في الرأس دون ستر بقية بدنها بالمخيط أو غيره من الملبوسات فإنه لا يحرم لما ورد بسند حسن: "أنه صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب"5, ويعفى عما تستره من الوجه احتياطًا للرأس سواء في ذلك الحرة والأمة، ولها أن ترخي على وجهها ثوبًا متجافيًا بخشبة أو غيرها، ولو لغير حاجة، ثم إن أصابه باختيارها أبو غير اختيارها ولم ترفعه فورًا أثمت ولزمتها الفدية. "و" يحرم عليها أيضًا "لبس القفازين" بالكفين أو أحدهما بأحدهما للخبر السابق أو غيره وهو شيء يعمل لليدين يزر على اليد سواء المحشو وغيره، ويجوز ستر يديها بغيرهما ككم وخرقة.
"الثاني: الطيب" فيحرم على كل من الرجل والمرأة ولو أخشم6 "في" ظاهر "بدنه" أو في باطنه كأن أكله أو احتقن أو استعط به "أو ثوبه" أي ملبوسه حتى نعله للنهي عنه في الثوب7 وقيس به البدن، والمراد بالطيب هنا ما يقصد ريحه غالبًا كمسك وعود وورس8

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدرع: قميص المرأة، وهو أيضًا ثوب صغير تلبسه الجارية في البيت "المعجم الوسيط: ص280".
2 اللبد "بفتح اللام والباء": الصوف.
3 الفرجية: ثوب واسع طويل الأكمام يتزيا به علماء الدين "المعجم الوسيط: ص679".
4 لفق بين الثوبين: لأم بينهما بالخياطة "المعجم الوسيط: ص833".
5 رواه الإمام أحمد في مسنده "2/ 22، 32".
6 خشم الإنسان خشمًا فهو أخشم: أصابه داء في أنفه فأفسده فصار لا يشم "المعجم الوسيط: ص236".
7 روى البخاري في جزاء الصيد، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة "حديث 1838" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل فقال: يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئًا مسه زعفران ولا ورس، ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين".
8 الورس: نبت من الفصيلة القرنية ينبت في بلاد العرب والحبشة والهند "المعجم الوسيط: ص1025".

 

ص -297-      الثالث: دهن شعر الرأس واللحية.
الرابع: إزالة الشعر والظفر، فإن لبس أو تطيب أو دهن شعرة أو باشر بشهوة أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونرجس وريحان فارسي، ومثله الكاذي1 والفاغية2 ونيلوفر3 وبنفسج وورد وبان4 ودهنها وهو ما طرحت فيه لا ما طرح سمسمه بها، بخلاف ما يقصد به التداوي أو الأكل وإن كان له رائحة طيبة كتفاح وأترج5 وقرنفل وسنبل وسائر الأبازير الطيبة ولو استهلك الطيب في غيره جاز استعماله وأكله، وكذا إن بقي لونه فقط بخلاف بقاء الطعم مطلقًا أو الريح ظاهرًا أو خفيًّا لكنه يظهر برش الماء عليه ثم المحرم من الطيب مباشرته على الوجه المعتاد فيه بأن يلصقه بيده أو ملبوسه، فلا يضر مس طيب يابس عبق به ريحه لا يعينه ولا حمل العود وأكله، وكذا ريحه بالجلوس عند متجمر6 وشم الورد من غير أن يلصقه بأنفه وشم مائه من غير أن يصبه على بدنه أو ملبوسه، وحمل نحو مسك في خرقة مشدودة أو فأرة7 غير مشقوقة.
"الثالث: دهن شعر الرأس واللحية" ولو من امرأة وإن كانا محلوقين بدهن ولو غير مطيب كسمن وزبد وشحم وشمع ذائبين ومعتصر من حب كزيت لخبر: $"المحرم أشعث أغبر"8 أي شأنه المأمور به ذلك بخلاف اللبن وإن كان أصل السمن لأنه لا يسمى دهنًا، ونحو الشارب والحاجب مما يقصد تنميته ويتزين به من شعر الوجه كالرأس واللحية فيما ذكر، ولا يحرم دهن رأس أقرع وأصلع ولا ذقن أمرد ولا سائر شعور بدنه لانتفاء المعنى.
"الرابع: إزالة" شيء وإن قل من "الشعر و" كذا من "الظفر" لقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] أي شعورها وقيس به شعر بقية البدن وبالحلق غيره لأن المراد الإزالة، وبإزالة الشعر إزالة الظفر بجامع الترفه في الجميع، ويستثنى من ذلك شعر نبت بعينه وتأذى به أو طال بحيث يستر بصره وظفر انكسر فلا إثم عليه بقطع المؤذي فقط، ومما يحرم عليه أيضًا مقدمات الجماع إن كانت عمدًا بشهوة ويحرم على الحلال تمكينه منها ولو بين التحللين،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكاذي: دهن عطري طيب الرائحة يصنع من زهر الكاذي، وهو شجر عظام من الفصيلة الكاذية، لزهره رائحة جميلة "المعجم الوسيط: ص781".
2 الفاغية: نور الحناء خاصة؛ والفاغية أيضًا نور كل نبت ذي رائحة طيبة "المعجم الوسيط، ص696".
3 النيلوفر: جنس نباتات مائية من الفصيلة النيلوفرية، فيه أنواع تنبت في الأنهار والمناقع وأنواع تزرع في الأحواض لورقها وزهرها، ومن أنواعه اللوطس "المعجم الوسيط: ص967".
4 البان: ضرب من الشجر سبط القوام لين ورقه كورق الصفصاف "المعجم الوسيط: ص77".
5 الأترج: شجر يعلو، ناعم الأغصان والورق والثمر، وثمره كالليمون الكبار، وهو ذهبي اللون ذكي الرائحة حامض الماء "المعجم الوسيط: ص4".
6 المتجمر: الذي يبخر ثوبه بالمجمر وهو العود "المعجم الوسيط: ص133".
7 فأرة المسك: وعاؤه الذي يجتمع فيه.
8 لم أقف على هذا الحديث بهذا اللفظ.

 

ص -298-      استمنى فأنزل عامدًا عالمًا مختارًا لزمه، أو أزال ثلاثة أظفار أو أكثر متواليًا أو ثلاث شعرات أو أكثر متواليات ولو ناسيًا وجب ما يجزئ في الأضحية، أو إعطاء ستة مساكين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن لم ينزل حتى النظر لكن بشهوة بخلاف الدم فإنه لا يجب إلا في مباشرة عمدًا بشهوة كما يأتي.
واعلم أن هذه المحرمات المذكورة يجب في كل منها دم وأنه دم تخيير وتقدير. "فإن لبس أو تطيب أو دهن" ولو "شعرة أو باشر بشهوة أو استمنى" بيده أو بيد غيره "فأنزل" وكان قد فعل اللبس أو ما بعده حال كونه "عامدًا عالمًا مختارًا لزمه" الدم الآتي بخلاف ما لو فعل شيئًا منها ناسيًا للإحرام أو مكرهًا عليه أو جاهلا بتحريمه أو بكون الممسوس طيبًا أو رطبًا لعذره، فإن علم التحريم وجهل وجوب الفدية لزمته لأن حقه الامتناع، وإن علمه بعد نحو اللبس جهلا وأخر إزالته فورًا مع الإمكان عصى ولزمته الفدية أيضًا، وتلزمه أيضًا إن لبس أو ستر لحاجة كحر، نعم للعاجز عن تاسومة1 وقبقاب2 لبس سرموزة3 وزربول4 لا يستر الكعبين وخف قطع أسفل كعبيه وعن إزار لبس سراويل ولا دم في ذلك، ولو فقد الرداء ارتدى بالقميص ولا يلبسه أو النعل أو الإزار لم يلزمه قبول شرائه نسيئة ولا هبته ويلزمه قبول عاريته، ومحل لزوم دم مقدمات الجماع ما لم يجامع وإلا اندرجت في بدنته، وخرج بقوله باشر ما لو نظر بشهوة أو قبل بحائل كذلك فإنه لا دم عليه وإن أنزل فيهما لكنه يأثم كما مر، وهذا مستثنى من قاعدة أن كل ما حرم بالإحرام فيه الفدية، ومن المستثنى أيضًا عقد النكاح والاصطياد إذا أرسل الصيد والتسبب في إمساك ونحوه حتى قتل غيره الصيد "أو أزال ثلاثة أظفار أو أكثر متواليًا" بأن اتحد الزمان والمكان "أو" أزال "ثلاث شعرات أو أكثر متواليات" بأن اتحد ما ذكر "ولو" أزال ذلك حال كونه "ناسيًا" للإحرام أو لحرمته أو جاهلا بحرمته "وجب" عليه الدم الآتي للآية5، وكسائر الإتلافات والشعر يصدق بالثلاث، وكذا الأظفار، وفارق هذا ما قبله حيث أثر فيه الجهل والنسيان لأنه تمتع وهو يعتبر فيه العلم والقصد، وفارق ما لو أزالها مجنون أو مغمى عليه أو صبي لا يميز فإنه لا فدية عليهم بأن الناسي والجاهل يعقلان فعلهما فينسبان إلى تقصير بخلاف هؤلاء، ولو أزال الشعر أو الظفر بقطع الجلد أو العضو لم يجب شيء؛ لأن ما أزيل تابع غير مقصود بالإزالة، ويجوز الحلق لأذى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التاسومة: نوع من النعال.
2 القبقاب: النعال تتخذ من خشب وشراكها من جلد أو نحوه "المعجم الوسيط: ص712".
3 السرموزة: البابوج.
4 لم أعثر عليها.
5 الآية 196 من سورة البقرة:
{وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}.

 

ص -299-      أو فقراء كل مسكين نصف صاع أو صوم ثلاثة أيام، وفي شعرة أو ظفر مد أو صوم يوم وفي شعرتين أو ظفرين مدان أو يومان.
الخامس: الجماع؛ فإذا جامع عامدًا عالمًا مختارًا قبل التحلل الأول في الحج وقبل الفراغ من العمرة فسد نسكه ووجب إتمامه وقضاؤه على الفور، وبدنه، فإن عجز فبقرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نحو قمل وجرح وفيه الفدية ويأثم الحالق بلا عذر والفدية على المحلوق حيث أطاق الامتناع منه أو من نار أحرقت شعره لأنه في يده أمانة ولزمه دفع متلفاته، فإن لم يطق امتناعًا فعلى الحالق وللمحلوق مطالبته بها لأن نسكه يتم بأدائها.
واعلم أن هذه المحظورات إما استهلاك كالحلق أو استمتاع كالتطيب وهما أنواع، ولا يتداخل فداؤها إلا إن اتحد النوع كتطيبه أو لبسه بأصناف أو بصنف مرتين فأكثر أو حلق شعر رأسه وذقنه وبدنه واتحد الزمان والمكان عادة ولم يتخلل بينهما تكفير، ولم يكن مما يقابل بمثل أو نحو لأن ذلك يعد حينئذ خصلة واحدة، نعم لو جامع فأفسد ثم جامع ثانيًا لم يتداخل لاختلاف الواجب وهو بدنة في الأول وشاة في الثاني، فإن اختلف النوع كحلق وقلم تعددت مطلقًا ما لم يتحد الفعل كأن لبس ثوبًا مطيبًا أو طلى رأسه بطيب أو باشر بشهوة عند الجماع وتتعدد أيضًا باختلاف مكان الحلقين أو اللبسين أو التطيبين أو زمانهما، ويتخلل تكفير وإن نوى بالكفارة الماضي والمستقبل ولا تداخل بين صيود وأشجار. والدم الواجب هنا هو "ما يجزئ في الأضحية" صفة وسنًّا ومنه سبع بدنة أو بقرة "أو إعطاء ستة مساكين أو فقراء" ثلاثة آصع "كل مسكين نصف صاع" وهو نحو قدح مصري إذ الصاع قدحان بالمصري تقريبًا كما مر في زكاة النبات "أو صوم ثلاثة أيام" فهو مخير بين هذه الثلاثة "وفي شعرة أو ظفر مد" من الطعام وهو نصف قدح لعسر تبعيض الدم هذا إن اختار الدم، أما إذا اختار الإطعام فواجبه صاع "أو" الصوم فواجبه "صوم يوم" على ما نقله الإسنوي وغيره واعتمدوه لكن خالفهم آخرون "وفي شعرتين أو ظفرين مدان" أو صاعان "أو يومان" نظير ما ذكر في الشعرة.
"الخامس" من محرمات الإحرام: "الجماع فإذا جامع" في قبل أو دبر ولو لبهيمة أو مع حائل وإن كثف "عامدًا عالمًا مختارًا قبل التحلل الأول في الحج وقبل الفراغ من" جميع أعمال العمرة في "العمرة فسد نسكه" وإن كان المجامع رقيقًا أو صبيًا للنهي عنه فيه بقوله تعالى:
{فَلَا رَفَثَ} [البقرة: 197] أي فلا ترفثوا أي لا تجامعوا، والأصل في النهي اقتضاء الفساد، والعمرة كالحج، أما الجماع بين تحلليه فلا يفسد وإن حرم لضعف الإحرام حينئذ وخرج بالقيود المذكورة أضدادها فلا فساد نظير ما مر في التمتع بنحو اللبس لأن الجماع من أنواع التمتعات. "ووجب" على المجامع المفسد "إتمامه" أي النسك الذي أفسده كما صح بأسانيد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ولا مخالف لهم. "وقضاؤه على الفور" وإن كان نسكه تطوعًا لأنه يلزم بالشروع فيه ويقع كالفاسد، فإن كان فرضًا أو تطوعًا فلا يصح جعله عن نسك

 

ص -300-      فإن عجز فسبع شياه فإن عجز فطعام بقيمة البدنة فإن عجز صام بعد الأمداد.
السادس: اصطياد المأكول البري أو المتولد منه ومن غيره، ويحرم ذلك في الحرم على الحلال، ويحرم قطع نبات الحرم الرطب وقلعه إلا الإذخر والشوك وعلف البهائم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ووجب أن يحرم به من مكان إحرامه بالأداء إن أحرم به قبل الميقات وإلا فمن الميقات، وإنما لم يتعين الزمن الذي أحرم منه بالأداء لانضباط المكان بخلاف الزمان، فإن أفسد القضاء فكفارة أخرى وقضاء واحد لأن المقضي واحد فلا يلزمه أكثر منه ويجب عليه كفارة "و" هي دم ترتيب وتعديل فتلزمه "بدنة" تجزئ في الأضحية إن كان نسكه نفلا. "فإن عجز" عنها "فبقرة" تجزئ في الأضحية. "فإن عجز" عنها "فسبع شياه" تجزئ فيها "فإن عجز فطعام بقيمة البدنة" يتصدق به على مساكين الحرم. "فإن عجز صام بعدد الأمداد" ويكمل المنكسر.
"السادس" من المحرمات على المحرم: "اصطياد المأكول البري" الوحشي "أو المتولد منه ومن غيره" كمتولد بين حمار وحشي وحمار أهلي، أو بين شاة وظبي، أو بين ضبع وذئب لقوله تعالى:
{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96] أي التعرض له بأي وجه من أوجه الإيذاء حتى بالتنفير {مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 196] وخرج بما ذكر المتولد بين وحشي غير مأكول وإنسي مأكول كالمتولد بين ذئب وشاة أو بين غير مأكول أحدهما وحشي كالذي بين حمار وذئب أو بين أهليين أحدهما غير مأكول كالبغل، فلا يحرم التعرض لشيء منها كإنسي وإن توحش وبحري إلا إن عاش في البر كطيره الذي يغوص فيه، ولو شك في كونه مأكولا أو بريًّا أو متوحشًا لم يجب الجزاء بل يندب، ويحرم التعرض أيضًا لسائر أجزائه كبيضه ولبنه ويضمن بالقيمة ويجب مع الجزاء قيمته لمالكه إن كان مملوكًا، ومن أحرم وفي ملكه صيد زال ملكه عنه ولزمه إرساله ولو بعد التحلل، ومن أخذه قبل إرساله ملكه ولا يجب إرساله قبل الإحرام. "ويحرم ذلك" أي التعرض بأي وجه كان للصيد المذكور "في الحرم على الحلال" ولو كافرًا ملتزمًا للأحكام تعظيمًا للحرم سواء أرسل الحلال كلبًا أو سهمًا من الحل على صيد كلبه أو قائمة من قوائمه في الحرم واعتمد عليها أو عكسه تغليبًا للحرمة، وإنما لم يضمن صيدًا سعى من الحرم إلى الحل، ومن الحل إلى الحرم، لكن سلك في أثناء سعيه الحرم ثم قتله لأن ابتداء الاصطياد من حين الرمي أو نحوه لا من حين السعي، ولذا سنت التسمية عند الأول دون الثاني، ولو أخرج يده من الحرم ونصب شبكة في الحل فتعلق بها صيد لم يضمنه، ولا عبرة بكون غير قوائمه في الحرم كرأسه، والعبرة في النائم بمستقره؛ نعم إن أصاب الجزء الذي في الحرم ضمنه وإن كان مستقرًّا على غيره، ولو كانا في الحل ومر السهم في الحرم ضمنه، وكذا الكلب إن تعين الحرم طريقًا له لأن له اختيارًا.
"ويحرم" على الحلال والمحرم "قطع نبات الحرم" من الشجر والحشيش "الرطب وقلعه" مباحًا كان أو مملوكًا حتى ما يستنبته الناس لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة:
"إن

 

 

ص -301-      والدواء والزرع، ويحرم قلع الحشيش اليابس دون قطعه، ثم إن أتلف صيدًا له مثل من النعم ففيه مثله، وإن لم يكن له مثل ففيه قيمة، ففي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش وحماره بقرة، وفي الظبية شاة وفي الحمامة شاة، ويتخير في المثلي بين ذبح مثله في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا البلد حرام بحرمة الله لا يعضد شجرة ولا ينفر صيده ولا يختلى خلاه"1 والعضد القطع، وإذا حرم القطع فالقلع أولى، والخلا بالقصر الحشيش الرطب، وقيس بمكة سائر الحرم وخرج بالرطب اليابس فيجوز قطعه وقلعه، ولو غرست حرمية في الحل لم تنتقل الحرمة عنها أو حلية في الحرم لم يكن لها حرمة ولا يضمن غصنًا أصله في الحل ويضمن صيدًا فوقه بخلاف غصن في الحل وأصله في الحرم فإنه يضمنه دون صيد فوقه، ولو غرس في الحل نواة شجرة حرمية ثبت لها حكم الأصل، ويحرم قطع شجرة أصلها في الحل والحرم، ويحرم قطع غصن لا يخلف مثله في سنته ويضمنه وقطع ورق الشجر إن كان بخبط يضرها "إلا الإذخر" فلا يحرم قطعه ولا قلعه للتسقيف أو غيره لاستثنائه في الخبر الصحيح2. "و" إلا "الشوك" وإن لم يكن في الطريق والأغصان المؤذية في الطريق كالصيد المؤذي. والجواب عن خبر: "ولا يعضد شوكها" أنه يتناول المؤذي وغيره فخص بغير المؤذي بالقياس على قتل الفواسق الخمس. "و" إلا "علف البهائم والدواء" أي ما يتداوى به كالحنظل إن وجد السبب لا قبله وما يتغذى به كالرجلة3 والبقلة فيجوز أخذه للحاجة إليه ولا يقطع لذلك إلا بقدر الحاجة، ولا يجوز قطعه للبيع ممن يعلف أو يتداوى به ويجوز رعي الحشيش والشجر بالبهائم "و" إلا "الزرع" كالحنطة والشعير والذرة والبقول والخضراوات فيجوز قطعه وقلعه ولا ضمان فيه. "ويحرم قلع الحشيش" والشجر "اليابس" إن لم يمت؛ لأنه لو لم يقلعه لنبت فإن قلعه أثم وضمنه فإن مات جاز ولا ضمان "دون قطعه" فإنه يجوز ولا فدية فيه، ولو أخلف ما قطع من الأخضر فلا ضمان وإلا ضمنه بالقيمة. "ثم" اعلم أن دم جزاء الصيد والشجر دم تخيير وتعديل فحينئذ "إن أتلف صيدًا له مثل من النعم ففيه مثله" تقريبًا لا باعتبار القيمة بل بالصورة والخلقة. "وإن لم يكن له مثل ففيه قيمة" في موضع الإتلاف ووقته "ففي النعامة" ذكرًا أو أنثى "بدنة" كذلك ولا تجزئ عنها بقرة ولا سبع شياه أو أكثر لأن جزاء الصيد يراعى فيه المماثلة. "وفي بقر الوحش وحماره بقرة وفي الظبية شاة" وفي الظبي تيس "وفي الحمامة"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في العلم باب 37 وفي مواضع أخرى من صحيحه، ومسلم في الحج حديث 446، وأبو داود في المناسك باب 89، والترمذي في الحج باب 1، والنسائي في المناسك باب 111، وابن ماجه في المناسك باب 103؛ وغيرهم كثير.
2 وهو قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المخرج في الحاشية السابقة:
"إلا الإذخر".
3 الرجلة: البقلة الحمقاء، وهي بقلة سنوية عشبية لحمية لها بزور دقاق، يؤكل ورقها مطبوخًا ونيئًا "المعجم الوسيط: ص332".

 

ص -302-      الحرم، والتصدق به فيه، وبين التصدق بطعام بقيمة المثل، والصيام بعدد الأمداد، وفيما لا مثل له كالجراد يتخير بين إخراج طعام بقيمته والصيام بعدد الأمداد، ويجب في الشجرة الكبيرة بقرة لها سنة، وفي الشجرة الصغيرة التي هي كسبع الكبيرة شاة يتخير بين ذبح ذلك والتصدق بقيمته طعامًا والصيام بعدد الأمداد، وفي الشجرة الصغيرة جدًّا قيمتها، يتصدق بقدرها طعامًا أو يصوم بعدد الأمداد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونحوها من كل مطوق1 يعب2 ويهدر3 "شاة" من ضأن أو معز بحكم الصحابة رضوان الله عليهم ومستنده توقيف بلغهم وإلا فالقياس القيمة، وفي الثعلب شاة وفي الأرنب عناق وهي أنثى المعز إذا قويت ما لم تبلغ سنة، وفي اليربوع والوبر4 جفرة وهي أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها، وفي الضب وأم حبين5 جدي، ويحكم فيما لا نص فيه غير ما ذكر بالمثل عدلان فقيهان بباب الشبه ويفدى الصغير والصحيح والهزيل وأضدادها بمثله ولو أعور يمين بيسار ويجزئ الذكر عن الأنثى وعكسه، ويجب في الحامل حامل ولا تذبح بل تقوم. "ويتخير في المثلي بين ذبح مثله في الحرم" ولا يجزئ ذبحه في غيره وإن تصدق به فيه "والتصدق به" أي بجميعه "فيه" أي في الحرم على مساكينه بأن يفرق لحمه عليهم ولا يملكهم جملته مذبوحًا والقاطنون أولى هنا وفي نظائره. "وبين التصدق بطعام" يجزئ في الفطرة "بقيمة المثل" في مكة على ما ذكر "والصيام" في أي محل شاء "بعدد الأمداد" ويكمل المنكسر ولا يجزئ إعطاؤهم المثل قبل الذبح ولا إعطاؤهم دراهم، والأصل في ذلك آية
{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] وإنما اعتبرت قيمة المثلي بمكة عند العدول عن ذبح مثله لأنها محل ذبحه فاعتبرت قيمته بها عند العدول عن ذلك. "وفيما لا مثل له كالجراد" وغير الحمام من الطيور سواء الأصغر منه والأكبر "يتخير بين إخراج طعام بقيمته" يجزئ في الفطرة على مساكين الحرم "والصيام بعدد الأمداد" والمنكسر منها ويرجع في القيمة هنا وفيما مر إلى عدلين. "ويجب في الشجرة" الحرمية "الكبيرة" بأن تسمى كبيرة عرفًا "بقرة" رواه الشافعي عن ابن عباس رضي الله عنهم، ومثله لا يقال إلا بتوقيف سواء أخلفت الشجرة أم لا، ويجوز إخراج بدنة عنها، وإنما لم تجزئ عنها ولا عن الشاة في جزاء الصيد لأنهم راعوا المثلية ثم لا هنا، ويجب في البقرة أن يكون "لها سنة" بل سنتان تامتان إذ لا بد من إجزائها في الأضحية على المعتمد. "و" يجب "في الشجرة" الحرمية "الصغيرة" عرفًا وهي "التي هي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المطوق من الحمام ونحوه: ما كان له طوق في عنقه أي دائرة من الشعر تخالف سائر لونه "المعجم الوسيط: ص571".
2 عب الماء عبا: شربه بلا تنفس ومص "المعجم الوسيط: ص579".
3 يهدر: يرد صوته.
4 الوبر: حيوان من ذوات الحافر في حجم الأرنب، أطحل اللون، أي بين الغبرة والسواد، قصير الذنب، يحرك فكه السفلي كأنه يجتر "المعجم الوسيط: ص1008".
5 أم حبين: دويبة كالحرباء عظيمة البطن "لسان العرب: 13/ 106".

 

ص -303-      فصل: "في موانع الحج"
ويجوز للأبوين منع الولد غير المكي من الإحرام بتطوع حج أو عمرة دون الفرض، وللزوج منع الزوجة من الفرض والمسنون، وللسيد منع رقيقه من ذلك فرضًا أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كسبع الكبيرة" تقريبًا "شاة" وتجب أيضًا فيما جاوزت سبع الكبيرة ولم تنته إلى حد الكبر لكن تكون الواجبة فيها أعظم من الشاة الواجبة في سبع الكبيرة، والدم هنا تخيير وتعديل كما مر في جزاء الصيد، فحينئذ "يتخير بين ذبح ذلك" والتصدق به كما مر. "والتصدق بقيمته طعامًا" يجزئ في الفطرة نظير ما مر أيضًا "والصيام بعدد الأمداد" والمنكسر منها "وفي الشجرة" الحرمية "الصغيرة جدًّا قيمتها" تخييرًا وتعديلا أيضًا فحينئذ "يتصدق بقدرها" أي القيمة "طعامًا" يجزئ في الفطرة "أو يصوم بعدد الأمداد" والمنكسر منها.
فصل: في موانع الحج
وهي ستة: الأول: الأبوة "ويجوز للأبوين" أي لكل منهما وإن علا أو كان هناك أقرب منه "منع الولد" وإن سفل "غير المكي من الإحرام بتطوع حج أو عمرة" ابتداء ودوامًا لأنه أولى باعتبار إذنهما من فرض الكفاية المعتبر فيه ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في خبر الصحيحين لرجل استأذنه في الجهاد
"ألك أبوان؟" قال: نعم، قال: "استأذنتهما؟" قال: لا قال: "فيهما فجاهد"1 أما المكي ونحوه فليس لهما منعه على ما بحثه الأذرعي لقصر السفر "دون الفرض" فليس لهما منعه منه لا ابتداء ولا إتماما لأنه فرض عين بخلاف الجهاد، ويشمل ذلك من لم يحج حجة الإسلام فليس لهما منعه منها وإن كان فقيرًا على احتمال فيه؛ لأنه إذا تكلفها تجزئه عن حجة الإسلام فتقع فرضًا، ويسن استئذانهما في الفرض أيضًا.
الثاني: الزوجية يسن له الحج بزوجته للأمر به في الصحيحين، ويسن لها أن لا تحرم بغير إذنه، نعم يمتنع على الأمة ذلك إلا بإذن الزوج والسيد. والفرق أن الحج لازم للحرة فتعارض في حقها واجبان الحج وطاعة الزوج فجاز لها الإحرام وندب لها الاستئذان، بخلاف الأمة لا يجب  عليها الحج، ولذا حرم على الزوجة صوم النفل بغير إذنه لا الفرض، وقياسه أنه يحرم على الحرة الإحرام هنا بالنفل بغير إذن. "وللزوج منع الزوجة من" النسك "الفرض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في الجهاد باب 138 والأدب باب 3، ومسلم في البر والصلة حديث 5، وأبو داود في الجهاد باب 31، والنسائي في الجهاد باب 6، وأحمد في المسند "2/ 165، 172، 188، 193، 197، 221".

 

ص -304-      سنة، فإن أحرموا بغير إذنهم تحللوا هم. والمحصر عن الحج والعمرة بذبح ما يجزئ في الأضحية، ثم الحلق مع اقتران نية التحلل بهما، ومن عجز عن الذبح أطعم بقيمة الشاة، فإن عجز صام بعدد الأمداد، والرقيق يتحلل بالنية مع الحلق فقط، ويتعين محل الإحصار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمسنون" لأن حقه على الفور والنسك على التراخي، ويفارق الصوم والصيام بطول مدته بخلافهما. نعم إن سافرت معه بإذنه وأحرمت بحيث لا يفوت عليه استمتاعها البتة بأن كان محرمًا وكان إحرامها يفرغ قبل إحرامه أو يفرغان معًا لم يكن له منعها لأنه تعنت، وليس له منعها من نذر معين قبل النكاح أو بعده لكن بإذنه، ولا منع الحابسة نفسها لقبض المهر لأن لها السفر بغير إذنه.
الثالث: الرق فإذا أحرم قن بإذن سيده لم يحلله وإن أفسده؛ لأنه عقد لازم عقده بإذنه ولمشتريه الفسخ إن جهل إحرامه ويحرم عليه الإحرام بغير إذن سيده. "وللسيد منع رقيقه" ولو مكاتبًا وأم ولد ومبعضًا ليس بينه وبين سيده مهايأة1 أو بينهما مهايأة والنوبة للسيد "من ذلك" أي النسك "فرضًا" كان "أو سنة" لأن منافعه مستغرقة للسيد "فإن أحرموا" أي الفرع والزوجة والقن "بغير إذنهم" أي الأصل والزوج والسيد جاز لهم تحليلهم بأن يأمروهم به فيلزمهم حينئذ التحلل، فإن امتنعت الزوجة والأمة مع تمكنها منه فللزوج والسيد وطؤهما وسائر الاستمتاع بهما والإثم عليهما دونه، وليس للفرع والزوجة التحلل بغير أمر، بخلاف العبد فإن له ذلك بغير أمر السيد، ويفرق بأن معصيته أشد لملك السيد منافعه وعدم مخاطبته بالنسك بخلافهما في جميع ذلك، وإنما لم يلزمه بغير إذن وإن كان الخروج من المعصية واجبًا لكونه تلبس بعبادة في الجملة مع جواز رضا السيد بداومه، وإذا أمروهم "تحللوا" وجوبًا كما تقرر.
الرابع: الإحصار العام بأن يمنع المحرم عن المضي في نسكه من جميع الطرق إلا بقتال أو بذل مال فلهم حينئذ التحلل وإن اتسع الوقت ولو منعوا من الرجوع أيضًا.
الخامس: الإحصار الخاص فإذا حبس ظلمًا أو بدين وهو معسر فله التحلل.
السادس: الدين وليس للدائن التحليل وله منعه من السفر إلا إن أعسر أو تأجل الدين وإن لم يبق من أجله إلا لحظة وإذا تحلل الثلاثة الأول "هم والمحصر" بقسميه "عن الحج، و" كذا عن "العمرة" فليكن تحللهم "بذبح ما يجزئ في الأضحية ثم" بعد الذبح "الحلق مع اقتران نية التحلل بهما" أي بالذبح والحلق "ومن عجز عن الذبح" بالطريق السابق في دم نحو التمتع "أطعم بقيمة الشاة فإن عجز" عن الإطعام "صام بعدد الإمداد" والمنكسر "والرقيق" وكذا الحر الذي لم يجد دمًا أو طعامًا "يتحلل بالنية مع الحلق فقط ويتعين محل الإحصار" من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تهايأ القوم على الأمر: توافقوا وتمالئوا "المعجم الوسيط: ص1002".

 

ص -305-      ولا قضاء عليهم، ومن شرط التحلل لفراغ زاد أو مرض أو غير ذلك جاز، ويتحلل من فاته الوقوف بطواف وسعي وحلق، ويقضي وعليه دم كدم المتمتع ويذبحه في حجة القضاء، وكل دم وجب يجب ذبحه في الحرم إلا دم الإحصار، والأفضل في الحج في منى، وفي العمرة المروة في أي وقت شاء، ويصرفه إلى مساكينه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحل وإن أمكنه بعثه إلى طرق الحرم للذبح وتفرقة اللحم وتفرقة الطعام ولما لزمه من سائر الدماء لأنه صار في حقه كالحرم في حق غيره ولا يتعين للصوم محل، ويتوقف التحلل على الذبح أو الإطعام لا على الصوم لطول مدته. "ولا قضاء عليهم" إذا تحللوا لأنه لا تقصير منهم بل الأمر كما كان قبل الإحرام، فإن أحصر في قضاء أو نذر معين في عام حصره بقي في ذمته كما كان، وكذا حجة الإسلام أو النذر إذا استقرت بأن وجدت فيها شروط الاستطاعة قبل حصره، وإن أحصر في حج تطوع أو إسلام أو نذر لم يستقر لم يلزمه شيء في التطوع أصلا ولا في الأخيرين حتى يستطيع.
"ومن شرط التحلل" من إحرامه عند الشروع فيه "لفراغ زاد أو مرض أو غير ذلك" كضلال طريق وخطأ في العدد "جاز" وحينئذ فله التحلل به كما له أن يخرج من الصوم فيما لو نذره بشرط أن يخرج منه بعذر، ثم إن شرطه بهدي لزمه أو بلا هدي أو أطلق لم يلزمه فيكون تحلله بالنية فقط، ولو قال: إن مرضت فأنا حلال فمرض صار حلالا بنفس المرض وله شرط قلب حجه عمرة بنحو المرض، وإنما لم يجز التحلل بنحو المرض بلا شرط كالإحصار لأن التحلل لا يفيد زوال نحو المرض بخلاف التحلل بالإحصار بل يصبر حتى يزول عذره، فإن كان محرمًا بعمرة أتمها أو بحج وفاته تحلل بعمل عمرة. "ويتحلل من فاته الوقوف" بعرفة وجوبًا فيحرم عليه استدامة إحرامه إلى قابل لزوال وقته كالابتداء، فلو استدامه حتى حج به من قابل لم يجز ويكون تحلله "بطواف وسعي" إن لم يكن سعي بعد طواف القدوم. "وحلق" بنية التحلل وإن لم ينو العمرة ولا تجزئه عن عمرة الإسلام ولا يجب رمي ولا مبيت وإن بقي وقتهما وبما فعله من عمل العمرة يحصل التحلل الثاني، وأما الأول فيحصل بواحد من الحلق والطواف المتبوع بالسعي لسقوط حكم الرمي بالفوات فصار كمن رمى "ويقضي" حجه فورًا وجوبًا إن كان تطوعًا لأنه لا يخلو عن تقصير فإن كان فرضًا بقي في ذمته كما كان "وعليه دم" وإن كان الفوات بعذر كنوم ونسيان "كدم التمتع" فيكون دم ترتيب وتقدير "ويذبحه" وجوبًا "في حجة القضاء" أي بعد الإحرام بها أو بعد دخول وقت الإحرام به وذلك في قابل، كما أن دم التمتع لا يجب إلا بالإحرام بالحج.
واعلم أن الدماء أربعة: دم ترتيب وتقدير، ودم تخيير وتعديل، ودم تخيير وتقدير، ودم ترتيب وتعديل، ومعنى الترتيب أنه لا يجوز العدول للبدل إلا بعد العجز عن الأصل والتخيير عكسه، ومعنى التقدير أن الشرع قدر الصوم المعدول إليه والتعديل عكسه، فالأول: دم التمتع والقران والفوات وترك الإحرام من الميقات والرمي والمبيتين وطواف الوداع.